العلامة المجلسي

بحار الأنوار

ولادته

 أسرته

مقامه العلمي

مكانته المعنوية

الأوضاع السياسية

أحداث عاصرها العلامة

منزلته الاجتماعية

مسلكه العلمي

لقب «العلامة»

شيخ الإسلام

أساتذته

تلامذته

مؤلفاته

وفاته

موضوع الكتاب

أهميته واعتباره

سبب التأليف

أسلوب تنظيم البحار

تاريخ تأليف البحار

عدد المجلدات

مصادر بحار الأنوار

تقييم المصادر

شرح و مستدرك الكتاب

ترجمة البحار

أهم الآثار حوله

الأعمال الأخرى حوله

طبعات البحار

 

 

 

الاسم الكامل للكتاب: «بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم‏السلام» للعلامة المجلسي، المولى محمد باقر بن محمد تقي (1110 - 1037 ه).

  موضوع الكتاب

موسوعة كبرى في الحديث تحوي جميع البحوث الإسلامية في التفسير و التاريخ و الفقه و الكلام و غير ذلك.

  أهميته و اعتباره

يعتبر هذا الكتاب من أوسع الجوامع الحديثية للشيعة حيث يحتوي بين دفّتيه روايات كتب الحديث في تنظيم منسّق و تبويب متكامل تقريباً.

و اعتمد العلامة المجلسي في تفسير و شرح الأحاديث على مصادر متنوعة في اللغة و الفقه و التفسير و الكلام و التاريخ و الأخلاق و غيرها.

و قد اختار العلامة المجلسي النسخ المعتبرة من هذه المصادر لكتابة موضوعات هذا الكتاب حيث توافرت له إمكانات ضخمة في ذلك.

و كان العلامة المجلسي دقيقاً في نقل المطالب و لم يقطع الأحاديث في كتابه. و كان يتحرى الدقة في النقل و الأمانة فيه.

و في الجملة فإن كتاب بحار الأنوار يعتبر مكتبة جامعة ضمّت الكتب المعتبرة للشيعة في نظم و تنسيق خاصّين.

و قد حذفت المكررات في هذا الكتاب و أشير إلى المواضع المشابهة لها.

  سبب التأليف

بعد أن تعرّف العلامة المجلسي على كتب الحديث المشهورة أخذ بالبحث و التحري عن الأصول المعتبرة المهجورة و التي كانت قد أهملت فترة طويلة من الزمن بسبب توجه العلماء إلى الكتب المشهورة مثل الكتب الأربعة و غيرها.

و عند ما شاهد العلامة المجلسي هذا الوضع بعث جماعة من الفضلاء إلى المدن في البلاد الإسلامية و استطاع العثور على كثير من هذه الأصول المهمة.

و بذل العلامة المجلسي - بعد مطالعته لهذه المصادر - جهداً كبيراً في استنساخها. و من ثمرات هذا الجهد الكبير بقاء نسخ خطية كثيرة بين أيدينا تعود إلى القرنين الحادي عشر و الثاني عشر.

و قام العلامة المجلسي بترغيب تلامذته في الاشتراك في هذا العمل، فقد استنسخ السيد نعمة الله الجزائري على سبيل المثال - و الذي هو من أبرز تلامذته - عشرات الكتب بخطه.

و قد أحسّ العلامة المجلسي بأن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في تفرق الأحاديث في كل موضوع في الأبواب المختلفة و صعوبة الحصول على الأحاديث المطلوبة.

و كان العلامة يخشى بأن هذه الكتب ربما تضيع مرة أخرى و تطويها صفحة النسيان بعد أعوام، و ستذهب جهوده و جهود أصحابه سدى، و من المحتمل أنها ستئول إلى الزوال و الفقدان. لهذا قد شحذ همته و صمم على تأليف «بحار الأنوار» لكي يحفظ هذا الميراث الضخم.

كان العلامة يرى أن كل شي‏ء، هو موجود في الروايات و السنة النبوية و العلوية، و لهذا فقد خاض في العلوم المختلفة ثم عاد صوب أهل البيت عليهم‏السلام و كلماتهم.

يقول العلامة في مقدمة البحار مشيراً إلى سبب تأليفه:

«إني كنت في عنفوان شبابي حريصاً على طلب العلوم بأنواعها، مولعا باجتناء فنون المعالي من أفنانها. ثم فكّرت في ثمرات هذه العلوم و في العلم النافع للآخرة فوجدت العلم كله في كتاب الله العزيز و أخبار أهل بيت الرسالة عليهم‏السلام».

و لهذا فإن العلامة، و بعد أن خاض في العلوم العقلية و النقلية المتداولة في عصره، أقبل على كلمات المعصومين عليهم‏السلام و صرف جهده في حفظها و الفحص عنها و تعليمها و تعلمها.

و لقد حفظ العلامة بعمله هذا عشرات الآلاف من الروايات القيّمة من الضياع.

  أسلوب تنظيم البحار

ينقسم كتاب البحار إلى كتب متعددة اختص كل كتاب منها في موضوع معين. و كل كتاب ينقسم أيضاً إلى أبواب عامة و ضمّ كل باب عام أبواباً جزئية. و قد ضمت بعض الأبواب الجزئية عدة فصول.

و يبدو أن أسلوب تنظيم البحار متأثر كثيراً بأسلوب كتاب الكافي مع وجود بعض الاختلافات بينهما أيضاً.

و قد أوجد العلامة بعض الأبواب و الكتب لأول مرة مثل: «كتاب السماء و العالم» و «تاريخ الأنبياء و الأئمة عليهم‏السلام».

يذكر العلامة في بداية كل موضوع الآيات المتعلقة به، و عند الحاجة يقوم بتفسير بعض هذه الآيات معتمداً بصورة أساسية على تفسيري «مجمع البيان» للطبرسي و «مفاتيح الغيب» للفخر الرازي.

ثم يذكر الروايات المتعلقة بالباب تفصيلا مع ذكر أسانيدها و المصادر التي نقل عنها.

و قد أشير في الكتاب إلى مصادر الروايات المكررة و الاختلافات الموجودة في أسانيدها أو متونها في مواضع متفرقة.

و قد أورد العلامة تحت عناوين مختلفة كقوله «بيان» و في موارد كثيرة توضيحات و شروحاً على الروايات لو جمعت لكانت عدة مجلدات قيّمة.

  تاريخ تأليف البحار

لقد بدأ العلامة بكتابة البحار منذ سنة 1070 ه و استمر حتى سنة 1103 ه.

و لم تكتب مجلدات البحار بحسب الترتيب الموجود في البحار، و إنما كتبت هذه المجلدات بصورة متفرقة. فقد أتم المجلد الثاني من الكتاب في سنة 1077 ه. ثم بعده كتب المجلد الخامس ثم الحادي عشر و هكذا.

و تم المجلد العاشر في سنة 1079 ه ثم بعده المجلد التاسع. و أما المجلد الثالث فقد تم في سنة 1080 ه. و قد كان آخر مجلد كتب من البحار، هو المجلد الرابع عشر حيث تم في سنة 1103 ه . (أرقام المجلدات هنا هي طبقاً للمجلدات الخمس و العشرين التي كتبها العلامة)

  عدد المجلدات

لقد تم تنظيم بحار الأنوار من قبل مؤلفه في 25 مجلداً.

و لما صار المجلد الخامس عشر ضخما قسّم إلى مجلدين فأصبح عدد المجلدات 26 مجلداً.

و قامت دار الكتب الإسلامية بطبع هذه المجلدات الست و العشرين في 110 مجلدات، و تمثل الأجزاء 54 ،55 ،56 فهارس الكتاب.

و للأسف فإن العلامة المجلسي لم تسنح له الفرصة في تحرير المسوّدات التي كتبها للقسم الثاني من المجلد الخامس عشر و حتى نهاية الكتاب (عدا الجزء الثامن عشر و الجزء الثاني و العشرين).

و قد قام بتحرير المسودات لهذه المجلدات الميرزا عبد الله الأفندي، صاحب رياض العلماء و الذي كان من تلامذة العلامة. و لهذا فإننا نلاحظ اختلافاً بين هذه المجلدات و سائر المجلدات الأخرى في أسلوب التأليف، فقد بقيت بعض الأبواب بدون أحاديث، و بقيت أحاديث هذه المجلدات من دون توضيح و شرح كثير للعلامة المجلسي.

  مصادر بحار الأنوار

ذكر العلامة في مقدمة كتابه توضيحات حول المصادر التي اعتمد عليها. فقد ذكر في الفصل الأول من مقدمته أسماء 375 مصدراً من مصادر الكتاب. و اكتفى بالإشارة إلى غيرها من المصادر من دون تصريح بأسمائها بعبارات مثل: «و غيره» أو «و سائر آثاره».

و قد كانت هذه المصادر في مواضيع مختلفة، فبعضها في الحديث، و بعضها الآخر في التفسير و الفقه و الأصول و الرجال و الأنساب و التاريخ و الكلام و الفلسفة و اللغة.

و لم ينقل من الكتب الأربعة مطالب كثيرة لاشتهار هذه الكتب (عدا الكافي حيث استند اليه في أكثر من 3500 موضع من الكتاب، و لم ينقل من كتاب «من لايحضره الفقيه» مثلاً سوى أقل من مئة مورد).

و جميع هذه المصادر من تأليف علماء الإمامية عدا كتاب «شهاب الأخبار».

(و قد اعتبر العلامة المجلسي، القاضي نعمان بن محمد صاحب دعائم الإسلام من الشيعة).

و كثيراً ما ينقل العلامة المجلسي من كتب السنّة لأجل تأييد أو توضيح بعض الروايات أو لرد رواياتهم.

و لم يكن مقدار ما استفاده العلامة من المصادر المختلفة واحداً. فقد أشار إلى 80 كتاباً بعلامات رمزية، و قد كانت هذه الكتب هي المصادر ألأساسية للبحار.

و أورد العلامة بعض الكتب بتمامها مثل: طب الرضا عليه‏السلام، توحيد المفضل، مسائل علي بن جعفر عليه‏السلام و فهرس الشيخ منتجب الدين و ...

و أما غير هذه الكتب من مصادر البحار فقد استفاد منها العلامة بصورة جزئية و كان أكثر ما استفاد منها في توضيح و شرح الروايات.

و لم يستفد العلامة من بعض المصادر التي ذكرها في بداية الكتاب أصلا، مثل:

«جمل العلم و العمل» و «المقنع في الغيبة» للسيد المرتضى و «منتقى الجمان» و كثير من آثار ابن طاوس.

(ويبدو أنه كان ينوي الاستفادة من هذه المصادر إلاّ انه لم يوفّق في ذلك بسبب عدم إكمال كتاب البحار و عدم كتابة شروح على بعض مجلداته).

  تقييم المصادر

لقد بذل العلامة جهوداً كبيرة في التحقيق حول قيمة هذه المصادر و اعتبارها.

و قد ذكر في الفصل الثاني من مقدمة البحار بحثاً مفصلاً في اعتبار هذه المصادر و نسخ الكتب و من جملة هذا البحث ما يلي:

أكد العلامة على أن الكثير من المصادر قد علم انتسابها إلى مؤلفيها بشكل واضح لا غبار عليه و من ثم فلم يتطرق إلى البحث في اعتبارها.

و حذف العلامة أسانيد الروايات من بعض الكتب كالإحتجاج و غرر الحكم و ذلك لأن روايات هذه الكتب مطابقة لما في الكتب الأخرى المعتبرة.

و نقل من بعض الكتب كعوالي اللئالي، و تنبيه الخواطر قليلاً وذلك لخلطها أحاديث الإمامية و أحاديث العامة.

و أما من بعض الكتب مثل كتاب القاضي نور الله الشوشتري، فقد أخذ رواياتها من المصادر الأكثر شهرة و التي كانت فيها تلك الروايات موجودة بنصها.

و لم ينقل من «مصباح الشريعة» و «ديوان الإمام علي عليه‏السلام» إلاّ القليل حيث إن أسلوبهما بعيد عن أسلوب الأئمة و كلامهم، و أيضاً فلم تكن هذه الكتب مسندة.

كان العلامة المجلسي يهتم بالبحث عن نسخ معتبرة للمصادر، و غالباً ما، كان يحصل على النسخ القديمة و الأكثر اعتباراً من غيرها و لهذا فقد صرّح في كتابه بصحة و اعتبار المصادر التي استفاد منها، و لا يعني هذا اعتبار و صحة جميع روايات هذه الكتب، و قد أشار أحياناً إلى ضعف بعض هذه الروايات في بياناته و توضيحاته.

  شرح و مستدرك الكتاب

يبدو من كلام العلامة أنه كان عازماً على كتابة شرح بديع و جامع للبحار. و أيضاً فان قسم ال «بيان» قليل جداً في 13 مجلداً من البحار. و من الواضح أنه لم تسنح الفرصة له لكتابة ذلك.

و يبدو أيضاً أن العلامة كان قد حصل على مجموعة من الروايات فضلاً عما أورده في البحار و كان عازماً على جمعها مع روايات أخرى في كتاب مستقل تحت عنوان «مستدرك البحار» ، و للأسف فان الأجل لم يمهله لذلك.

  ترجمة البحار

توجد عدة ترجمات لكتاب البحار، منها:

1 - ترجمة كتبها أحد علماء الهند للسلطان محمد بلندأختر.

2 - ترجمة بعنوان «عين اليقين»، للحاج الشيخ محمد تقي آقا نجفي الأصفهاني المتوفى سنة 1332 ه.

3 - «كشف الأسرار»، للسيد إسماعيل الموسوي الزنجاني.

4 - «بنادر البحار»، و هو ترجمة و تلخيص للبحار كتبه السيد علي نقي فيض الإسلام المتوفى سنة 1406 ه (وله ترجمة نهج البلاغة و الصحيفة السجادية)

5 - ترجمة لقسم من كتاب البحار مثل توحيد المفضل، كتبها العلامة المجلسي بنفسه و ...

تنبيه: بعض هذه الترجمات اختصت بمجلد واحد أو عدة مجلدات من البحار.

  أهم الآثار حوله

يعدّ كتاب «سفينة البحار» للمحدث الشيخ عباس القمي (المتوفى سنة 1359 ه) أهم و أشهر أثر كتب حول بحار الأنوار لحد الآن.

  الأعمال الأخرى حوله

لقد حظى كتاب البحار القيّم بعناية فائقة و بذلت حوله نشاطات كثيرة منها: ترجمات كثيرة، تلخيصات متنوعة، معاجم مختلفة و بأساليب عديدة، مستدركات للكتاب و ... و نحن لم نورد أسماءها هنا روماً للاختصار.

  طبعات البحار

1 - الطبعة الأولى المعروفة بطبعة «كمپاني» في قطع كبير ضمن 25 مجلداً.

2 - طبعة دار الكتاب الإسلامية في 110 مجلدات. و قد استنسخت هذه الطبعة عدة مرات و الطبعة الموجودة في الأسواق هي واحدة منها.

3 - طبعة مؤسسة دار الوفاء في بيروت و هي النسخة الموجودة في البرنامج.

و في إحدى هذه الطبعات و التي قامت بها مؤسسة آل البيت عليهم‏السلام، نقلت فهارس الكتاب من المجلدات 54 ،55 ،56 إلى آخر الكتاب و لهذا فإن تسلسل المجلدات حصل فيه اختلاف من المجلد 54 فما بعد.

 

*******

 

العلامة المجلسي

  ولادته

ولد محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي المجلسي، المعروف بالعلامة المجلسي و بالمجلسي الثاني، في سنة 1037 ه في مدينة أصفهان.

  أسرته

تعتبر أسرة العلامة المجلسي من أعظم الأسر الشيعية التي يفتخر بها في القرون الأخيرة. فقد أنجبت هذه الأسرة ما يقرب من مئة عالم فاضل نذكر منهم ما له قرابة بالعلامة المجلسي:

1 - جدّه العلامة الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، صاحب التصانيف الكثيرة و التي منها «تاريخ أصفهان» و «حلية الأولياء».

2 - أبوه العلامة، المولى محمد تقي المجلسي، المعروف بالمجلسي الأول (1070 - 1003 ه) و هو صاحب الكرامات و المقامات الروحية السامية. و كان محدثاً و فقيهاً كبيراً. و له مصنفات عديدة.

و كان محمد تقي المجلسي من تلامذة الشيخ البهائي و الميرداماد. و كان متبحراً في مختلف العلوم الإسلامية، و قد أصبح مرجعاً للتقليد في زمنه. و كان يقيم الجمعة و الجماعة حيث كان إماماً لصلاة الجمعة في أصفهان.

و ممن درس عليه: العلامة المجلسي (الذي استفاد من أبيه أعظم الفائدة) و آقا حسين الخونساري و الملا صالح المازندراني.

3 - للعلامة المجلسي أخوان كانا من أهل التقوى و الزهد أحدهما الملا عزيز الله و الآخر الملا عبد الله.

4 - لم يقتصر ما أنجبته أسرة العلامة المجلسي على الرجال من العلماء، بل أنجبت هذه الأسرة من النساء العالمات اللواتي كنّ يحذون حذو الرجال في العلم. فقد كان للعلامة المجلسي أربع أخوات لكل منهن مؤلفات و تحقيقات قيّمة في العلوم الإسلامية. و من جملة مؤلّفاتهن: شرح الكافي، المشتركات في الرجال، شرح شرائع الإسلام، شرح المطالع و شرح قصيدة دعبل الخزاعي.

و كان أزواجهن أيضا من العلماء الكبار، و هم: الملا صالح المازندراني و الملا ميرزا شيرواني و الملا علي الأسترآبادي و الميرزا محمد الفسايي.

5 - و كان للعلامة المجلسي خمسة أولاد حضروا عند أبيهم جميعاً و استفادوا من علومه و معارفه و وصلوا إلى المقامات العالية.

6 - و كان للعلامة خمسة أصهار من طلاب العلم و أهل الفضيلة، و كان العلامة قد اختار هؤلاء، بدقة و بعناية خاصة.

و بالإضافة إلى ذلك فقد ارتبط بالعلامة المجلسي علماء كبار من الأسر المشهورة في ذلك الزمان كالوحيد البهبهاني و بحر العلوم و الطباطبائي البروجردي و الميرزا عبد الله الأفندي صاحب رياض العلماء و الشهرستاني.

  مقامه العلمي

لقد بلغ العلامة المجلسي من الشهرة في العلوم الإسلامية المختلفة ما يغنينا عن البيان، فلقد كان العلامة المجلسي كالشمس في سماء الفقه و الاجتهاد.

و امتاز بأنه كان من بين أولئك العلماء الذين جمعوا مختلف العلوم. فلقد كان عالماً في التفسير و الحديث و الفقه و الأصول و التاريخ و الرجال و الدراية. و يكفي لإثبات ذلك أن نلقي نظرة على كتاب البحار.

و بالإضافة إلى ذلك فقد دخل ميدان العلوم العقلية فكان عالماً في الفلسفة و المنطق و الرياضيات و الأدب و اللغة و الجغرافية و الطب و النجوم و العلوم الغريبة. و يكفي لإثبات ذلك أن نلقي نظرة عابرة على «كتاب السماء و العالم» من بحار الأنوار و ندرك بوضوح أنه كان جامعاً لهذه العلوم.

و لقد اعتبر البعض من العلماء أن العلامة المجلسي لم يكن له نظير من حيث موسوعيته و جامعيته للعلوم و الفنون المختلفة على طول التاريخ الإسلامي.

و كان للعلامة نظر دقيق و نكات مهمة حول الروايات المشكلة، و كانت بياناته في ذيل الروايات و الآيات القرآنية تمتاز بالدقة و الجمال و قلّما يمكن العثور على خطأ و اشتباه فيها.

و قد كان العلامة المجلسي متبحراً في الفقه علاوة على العلوم الأخرى و التي منها روايات أهل البيت عليهم‏السلام. و لكن لم تسنح له الفرصة أن يكتب و يحرر و ينقح المسودات لأكثر المجلدات الفقهية من البحار.

  مكانته المعنوية

لا يقتصر علماء الدين على أخذ العلم من أساتذتهم بل إنهم يتعلمون من أساتذتهم العارفين بالله السير و السلوك المعنوي. فقد طوى العلامة المجلسي المراحل العلمية و تدرج في المقامات المعنوية و الكمالات الروحية حتى أصبح مصداقاً حقيقياً للعالم الرباني.

و يتضح هذا من خلال المرور على صفاته الأخلاقية و يمكن الإشارة إلى بعض خصائصه الأخلاقية البارزة فيما يلي:

1 - ذكر الله:

يقول تلميذه السيد نعمة الله الجزائري: لم يغفل العلامة أبداً عن ذكر الله، و قام بجميع أعماله قربة إلى الله تعالى.

2 - الزيارة:

كان العلامة المجلسي يولي اهتماماً كبيراً بزيارة الأئمة عليهم‏السلام و قد تشرف عدة مرات بزيارة الأئمة في العراق و البقيع و مشهد المقدسة مع صعوبة الإمكانات في ذلك الوقت، و أقام بجوارهم فترات طويلة.

و تشرف أيضا عدة مرات بزيارة بيت الله الحرام.

3 - التوسل:

لقد أورد العلامة في البحار مطالب كثيرة حول الأدعية و الزيارات و كان ذلك للاهتمام الخاص بالتوسل بالمعصومين عليهم‏السلام.

و قد كتب كتباً مستقلة في الأدعية و الزيارات، منها: «زاد المعاد» و الذي يعتبر مصدراً مهماً لكتب الأدعية المتأخرة، و «تحفة الزائر»، و ترجمات للزيارة الجامعة الكبيرة و دعاء السمات و غير ذلك.

4 - الزهد و القناعة:

من الخصائص المهمة في حياة العلامة المجلسي الزهد و البساطة في العيش.

فلقد عاش العلامة في عهد الصفويين و كان يلقب «شيخ الإسلام» في الحكم الصفوي و قد كانت جميع الإمكانات متوفرة له، و مع هذا فقد عاش في نهاية الزهد و البساطة.

5 - التواضع:

و من خصاله الأخرى التواضع. فلم ينظر العلامة أبداً إلى المنزلة الاجتماعية عند الناس أو إلى مناصبهم أو أعمارهم.

فقد أورد العلامة مطالب كثيرة في البحار من السيد علي خان المدني شارح الصحيفة السجادية. و قد كان السيد أصغر من العلامة بخمسة عشر عاماً و لم يدانيه في المكانة و المنزلة الاجتماعية.

و خلاصة القول إن ما اجتمع في العلامة من الخصائص الروحية و الكمالات المعنوية مع علمه الواسع صنع منه شخصية ممتازة يصعب التعرف على أمثالها في التاريخ.

  الأوضاع السياسية

لقد عانى علماء الشيعة على مدى تاريخهم بسبب الضغوط الكثيرة و الحرمان و الكبت من المصاعب و المشاكل العظيمة حتى تركوا لنا آثاراً قيّمة. فقد سقوا شجرة التشيع بدمائهم و أوصلوا لنا هذا الميراث العظيم للنبي صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و خلال ذلك فكلما تهيأ الوضع المناسب و قلت الضغوط فإننا نرى الإبداع الكبير لعلمائنا و فقهائنا و فلاسفتنا يبدأ بالظهور و البروز.

و من جملة تلك الأيام عصر الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي حيث كان الحكم بيد آل بويه. و كذلك زمان العلامة المجلسي الذي عاش في عهد الصفويين.

فقد استثمر العلامة المجلسي تلك الفرصة بأفضل ما يمكن لا سيما و إن السلاطين الصفويين كانوا يدّعون أنهم من الشيعة و من سلالة الأئمة الأطهار عليهم‏السلام و لم يكن من الممكن أن تُكتب مثل هذه الموسوعة الحديثية للشيعة في غير ذلك الزمان و من دون تلك الإمكانات.

  أحداث عاصرها العلامة

ولد العلامة المجلسي في زمن الشاه عباس الأول الذي كان رجلاً سياسياً مقتدراً و كان في نفس الوقت قاسياً و مجرداً من الرحمة.

و عند ما وصل الشاه صفي إلى الحكم بعده، انفصل العراق عن سيطرة الحكومة الإيرانية و جاء من بعده الشاه عباس الثاني الذي استلم الحكومة و عمره 9 سنوات و كان العلامة قد طلب منه في مجلس تتويجه منع شرب الخمر و بيعه و منع بعض المنكرات الأخرى، و بالفعل فقد استجاب الشاه عباس الثاني لطلب العلامة و عمل بوصاياه و لكنه تغير شيئاً فشيئاً و أصبح كغيره من الملوك و السلاطين يشرب الخمور و...

  منزلته الاجتماعية

لقد كان للعلامة المجلسي تأثير كبير في نفوس الناس. فقد استطاع - بعلمه و تأثيره و أسلوبه - أن يجذب الناس من حانات الخمور و المقاهي إلى المساجد، و صارت المساجد في عهده زاخرة بالناس و لا سيما في شهر رمضان و ليالي القدر.

و كان للعلامة أيضا تأثير في نفوس السلاطين الصفويين. فقد استطاع أن يحمي الدولة من هجوم الأعداء في زمان السلاطين الضعفاء بتدبيره المناسب حيث كان يتمتع بقدرة سياسية كبيرة. و قد وقعت الدولة الصفوية بعد وفاته في دوّامة من الفوضى و أغار الأفغان على إيران و أسقطوا حكومة الصفويين.

و قد حفظ للتشيع ميراثه العظيم حيث كان قد استنسخ الكثير من الكتب المهمة للقدماء مستفيداً من منزلته الاجتماعية و السياسية.

  مسلكه العلمي

كان للعلامة المجلسي أسلوب وسط بين الأصوليين و الأخباريين فلم يكن أخبارياً صرفاً و لم يكن يتبع طريقة المجتهدين و الأصوليين بحذافيرها، و مع أنه كان محدثاً كبيراً فلقد كان له اهتمام خاص بالعلوم العقلية.

فقد كان من أولئك العلماء الذين قرأوا العلوم العقلية و لا سيما الفلسفة، بل يعتبر من أساتذة هذه العلوم و في نفس الوقت كان يجد كل شي‏ء في مصدر الوحي، و كانت همّته في نشر روايات المعصومين عليهم‏السلام.

و كان حساساً و متأثراً أمام الانحراف في الدين. فقد شاع في زمانه التصوف فدخل معهم الصراع و أبطل التصوف و استطاع أن يدحره بفضل الاستعانة بأهل البيت عليهم‏السلام.

  لقب «العلامة»

لقد حصل العلامة محمد باقر المجلسي على هذا القلب من علماء كبار كالوحيد البهبهاني و العلامة بحر العلوم و الشيخ الأعظم الأنصاري.

و كل واحد من هؤلاء هو بحر متلاطم من العلوم و المعارف الإسلامية، و قد لقّبوه بذلك لما له من منزلة و مقام، و لقد كان حقاً علاّمة زمانه.

  شيخ الإسلام

قلّد الشاه سليمان الصفوي العلامة المجلسي في سنة 1098 منصب شيخ الإسلام في أصفهان. و كان هذا المنصب أفضل و أهم منصب ديني و تنفيذي في ذلك الزمان.

فكان يقضي و يحكم في المنازعات و الدعاوي و كانت الأمور الدينية تحت نظره و كانت تدفع إليه جميع الحقوق الشرعية و كان يتولى العاجزين و الأيتام و غيرهم.

و الأمر المهم هنا هو أن العلامة لم يقبل هذا المنصب إلاّ بإصرار من الشاه، حيث أخذ يطلب منه و يكرر عليه الطلب حتى قبل العلامة. و قد بقي في هذا المنصب حتى آخر حياته.

  أساتذته

للأسف فإننا لا نعرف الكثير عن أساتذة العلامة مع أننا نعرف الكثير عن حياته بصورة عامة. و بالطبع فإن مشايخه في الرواية معروفون و لكننا نجهل من حضر عنده الدرس.

و من جملة أساتذته و مشايخه:

1 - أبو ه محمد تقي المجلسي (المتوفى 1070 ه) و الذي كان أستاذه في العلوم النقلية.

2 - المرحوم آقا حسين الخونساري (المتوفى 1098 ه) ابن آقا جمال، و كان أستاذ العلامة في العلوم العقلية.

و أما مشايخه في النقل:

3 - المولى محمد صالح المازندراني (المتوفى 1086 ه)

4 - الملا محسن الفيض الكاشاني (المتوفى 1091)

5 - السيد علي خان المدني صاحب الشرح المعروف على الصحيفة السجادية (المتوفى 1120 ه)

6 - الشيخ الحر العاملي، مؤلف كتاب وسائل الشيعة (المتوفى 1104 ه)

و الجدير ذكره أن الأخيرين أعطيا للعلامة إجازة و أخذا منه الإجازة أيضا و عليه فهما يعتبران من تلامذته أيضا.

  تلامذته

حضر عند العلامة أكثر من ألف طالب و محقّق. و قد منح العلامة كثيراً من الإجازات لتلامذته.

و من جملة هؤلاء:

1 - السيد نعمة الله الجزائري

2 - جعفر بن عبد الله الكمرهاي الأصفهاني

3 - زين العابدين بن الشيخ الحر العاملي

4 - سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني

5 - الشيخ عبد الرزاق الگيلاني

6 - عبد الرضا الكاشاني

7 - محمد باقر البيابانكي

8 - الميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني مؤلف رياض العلماء

9 - السيد علي خان المدني مؤلف رياض السالكين (شرح الصحيفة السجادية)

10 - الشيخ الحر العاملي

11 - الملا سيما، محمد بن إسماعيل الفسايي الشيرازي

12 - محمد بن الحسن، الفاضل الهندي.

  مؤلفاته

كانت حياة العلامة المجلسي حافلة بالبركات. فقد كان له اكثر من مئة مصنف باللغتين العربية و الفارسية، و أحد هذه المصنفات هو بحار الأنوار في 110 مجلدات و الآخر مرآة العقول في 26 مجلداً.

و قد نسب إليه ما يقرب من 40 كتاباً آخر.

و ذكر أن أول مصنف له هو كتاب «الأوزان و المقادير» أو «ميزان المقادير» الذي كتبة سنة 1063 ه. و آخر كتاب له هو كتاب «حق اليقين» الذي ألّفه سنة 1109 ه، أي قبل وفاته بسنة واحدة.

و من جملة كتب العلامة:

1 - بحار الأنوار، و هو مجموعة ضخمة في الروايات و التاريخ و قد حوى أيضا تفسير كثير من الآيات القرآنية

2 - مرآة العقول، و هو شرح لكتاب الكافي لثقة الإسلام الكليني، و يقع في 26 مجلداً

3 - ملاذ الأخيار، و هو شرح لتهذيب الشيخ الطوسي يقع في 16 مجلداً

4 - الفرائد الطريفة، و هو شرح للصحيفة السجادية عليه‏السلام

5 - شرح الأربعين حديثاً، و هو أفضل كتاب في هذا المجال

6 - حق اليقين، و هو في العقائد و قد كتب باللغة الفارسية. و له أيضا عدة كتب أخرى في الكلام

7 - زاد المعاد، و هو في أعمال و أدعية الشهور (باللغة الفارسية)

8 - تحفة الزائر، و هو في الزيارات (باللغة الفارسية)

9 - عين الحياة، و هو في المواعظ و الحكم و قد أخذ من الآيات و روايات المعصومين عليهم‏السلام، (باللغة الفارسية)

10 - صراط النجاة

11 - حلية المتقين، و هو في الآداب و المستحبات اليومية و في تمام حياة الإنسان (باللغة الفارسية)

12 - حياة القلوب، و هو في تاريخ الأنبياء و الأئمة عليهم‏السلام و يقع في ثلاثة أجزاء (باللغة الفارسية)

13 - مشكاة الأنوار، و هو مختصر لحياة القلوب (باللغة الفارسية)

14 - جلاء العيون في تاريخ و مصائب أهل البيت عليهم‏السلام (باللغة الفارسية)

15 - توقيعات إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف مع ترجمتها

16 - كتب كثيرة بعنوان ترجمة لأحاديث خاصة مثل ترجمة توحيد المفضل و غيره

17 - كتب في موضوع ترجمة الأدعية و الزيارات مثل زيارة الجامعة الكبيرة و دعاء السمات و غيرها

18 - رسائل كثيرة في الفقه لا نذكر أسماءها روماً للاختصار.

و له أيضا كتب في موضوعات مختلفة من قبيل التفسير و الرجال و التراجم

و الجدير ذكره حول آثار العلامة المجلسي أنه قد جعل أكثر كتبه باللغة الفارسية، و هذا يدل على أنه كان مهتماً بهداية مجتمعه الذي يتكلم باللغة الفارسية (مع أن كتبه الأساسية كالبحار و المرآة باللغة العربية).

  وفاته

توفّي العلامة المجلسي في ليلة 27 رمضان سنة 1110 ه ، في أصفهان عن ثلاثة و سبعين عاماً.

و لم يوفّق العلامة لإكمال بعض أعماله منها إتمام بحار الأنوار و كتابة مستدرك له و غير ذلك... و مع أن تلامذته قاموا بذلك إلاّ أنّهم لم يقوموا مقامه في ذلك.