صفحه : 1
الآيات الإسراءوَ يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ وَ ما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَلِيلًاالزمراللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَ حِينَ مَوتِها وَ التّيِ لَم تَمُت فِي مَنامِها فَيُمسِكُ التّيِ قَضي عَلَيهَا المَوتَ وَ يُرسِلُ الأُخري إِلي أَجَلٍ مُسَمّي إِنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكّرُونَالواقعةفَلَو لا إِذا بَلَغَتِ الحُلقُومَ وَ أَنتُم حِينَئِذٍ تَنظُرُونَالملك ألّذِي خَلَقَ المَوتَ وَ الحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيّكُم أَحسَنُ عَمَلًا.تفسيروَ يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قال الطبرسي روّح الله روحه اختلف في الروح المسئول عنه علي أقوال أحدها أنهم سألوه عن الروح ألذي في بدن الإنسان ما هو و لم يجبهم وسأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن مسعود و ابن عباس وجماعة واختاره الجبائي و علي هذافإنما عدل النبي ص عن جوابهم لعلمه بأن ذلك أدعي لهم إلي الصلاح في الدين ولأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لامستفيدين فلو صدر
صفحه : 2
الجواب لازدادوا عنادا وقيل إن اليهود قالت لقريش سلوا محمدا عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي و إن لم يجبكم فهو نبي فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم و أن يكلمهم في معرفة الروح إلي ما في عقولهم ليكون ذلك علما علي صدقه ودلالة لنبوته . وثانيها أنهم سألوه عن الروح أهي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك فقال سبحانه قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ أي من فعله وخلقه و كان هذاجوابا لهم عما سألوه عنه بعينه و علي هذافيجوز أن يكون الروح ألذي سألوه عنه هو ألذي به قوام الجسد علي قول ابن عباس وغيره أم جبرئيل علي قول الحسن وقتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالي بجميع ذلك علي ماروي عن علي ع أم عيسي ع فإنه سمي بالروح . وثالثها أن المشركين سألوه عن الروح ألذي هوالقرآن كيف يلقاك به الملك وكيف صار معجزا وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفا لأنواع كلامنا من الخطب والأشعار و قدسمي الله سبحانه القرآن روحا في قوله وَ كَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ رُوحاً مِن أَمرِنا فقال سبحانه قل يا محمد إن الروح ألذي هوالقرآن من أمر ربي أنزله علي دلالة علي نبوتي و ليس من فعل المخلوقين و لامما يدخل في إمكانهم و علي هذافقد وقع الجواب أيضا موقعه و أما علي القول الأول فيكون معني قوله الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ هوالأمر ألذي يعلمه ربي و لم يطلع عليه أحدا. واختلف العلماء في مهيّة الروح فقيل إنه جسم رقيق هوائي متردد في مخارق الحيوان و هومذهب أكثر المتكلمين واختاره المرتضي قدس الله روحه وقيل هوجسم هوائي علي بنية حيوانية في كل جزء منه حياة عن علي بن عيسي قال فلكل حيوان روح وبدن إلا أن منهم من الأغلب عليه الروح ومنهم من الأغلب
صفحه : 3
عليه البدن وقيل إن الروح عرض ثم اختلف فيه فقيل هوالحياة التي يتهيأ بهاالمحل لوجود العلم والقدرة والاختيار و هومذهب الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه والبلخي وجماعة من المعتزلة البغداديين وقيل هومعني في القلب عن الأسواري وقيل إن الروح الإنسان و هوالحي المكلف عن ابن الإخشيد والنظام . و قال بعض العلماء إن الله خلق الروح من ستة أشياء من جوهر النور والطيب والبقاء والحياة والعلم والعلو أ لاتري أنه مادام في الجسد كان الجسد نورانيا يبصر بالعينين ويسمع بالأذنين و يكون طيبا فإذاخرج من الجسد نتن البدن و يكون باقيا فإذافارقه الروح بلي وفني و يكون حيا وبخروجه يصير ميتا ويكن عالما فإذاخرج منه الروح لم يعلم شيئا و يكون علويا لطيفا توجد به الحياة بدلالة قوله تعالي في صفة الشهداءبَل أَحياءٌ عِندَ رَبّهِم يُرزَقُونَ فَرِحِينَ وأجسادهم قدبليت في التراب . و قوله وَ ما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَلِيلًاقيل هوخطاب للنبيص وغيره إذ لم يبين له الروح ومعناه و ماأوتيتم من العلم المنصوص عليه إلاقليلا أي شيئا يسيرا لأن غيرالمنصوص عليه أكثر فإن معلومات الله تعالي لانهاية لها وقيل خطاب لليهود الذين سألوه فقالت اليهود عند ذلك كيف و قدأعطانا الله التوراة فقال التوراة في علم الله قليل . و قال الرازي للمفسرين في الروح المذكورة في هذه الآية أقوال وأظهرها أن المراد منه الروح ألذي هوسبب الحياة ثم ذكر رواية سؤال اليهود وإبهام النبي ص قصة الروح وزيفها بوجوه ضعيفة ثم قال بل المختار عندنا أنهم سألوه عن الروح و أنه ص أجابهم عنه علي أحسن الوجوه وتقريره أن المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح والسؤال عنه يقع علي وجوه كثيرة أحدها أن يقال ماهية الروح أ هو
صفحه : 4
متحيز أوحال في المتحيز أوموجود غيرمتحيز و لاحال في المتحيز وثانيها أن يقال الأرواح قديمة أوحادثة وثالثها أن يقال الأرواح هل تبقي بعدموت الأجساد أوتفني ورابعها أن يقال ماهي حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها. وبالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثيرة و قوله وَ يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ ليس فيه مايدل علي أنهم عن أي هذه المسائل سألوا إلا أن جوابه تعالي لايليق إلابمسألتين من المسائل التي ذكرناها إحداهما السؤال عن ماهية الروح والثانية عن قدمها وحدوثها. أماالبحث الأول فهو أنهم قالوا ماحقيقة الروح وماهيته أ هوعبارة عن أجسام موجودة في داخل هذاالبدن متولدة من امتزاج الطبائع والأخلاط أوعبارة عن نفس هذاالمزاج والتركيب أو هوعبارة عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام أو هوعبارة عن موجود مغاير لهذه الأجسام ولهذه الأعراض فأجاب الله عنه بأنه موجود مغاير لهذه الأجسام ولهذه الأعراض و ذلك لأن هذه الأجسام و هذه الأعراض أشياء تحدث من امتزاج الأخلاط والعناصر و أماالروح فإنه ليس كذلك بل هوجوهر بسيط مجرد لايحدث إلابمحدث قوله كن فيكون فقالوا لم كان شيئا مغايرا لهذه الأجسام ولهذه الأعراض فأجاب الله بأنه موجود يحدث بأمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة لهذا الجسد و لايلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه فإن أكثر حقائق الأشياء وماهياتها مجهولة و لم يلزم من كونها مجهولة نفيها و هذا هوالمراد بقوله وَ ما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَلِيلًا. و أماالبحث الثاني فهو أن لفظ الأمر قدجاء بمعني الفعل قال تعالي وَ ما أَمرُ فِرعَونَ بِرَشِيدٍ و قال لَمّا جاءَ أَمرُنا أي فعلنا فقوله قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ من فعل ربي و هذاالجواب يدل علي أنهم سألوا أن الروح قديمة أوحادثة فقال بل هي حادثة وإنما حصلت بفعل الله وتكوينه وإيجاده ثم احتج علي حدوث الروح بقوله وَ ما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَلِيلًابمعني أن الأرواح في مبدإ الفطرة تكون خالية عن العلوم ثم تحصل فيهاالمعارف والعلوم فهي لاتزال تكون في التغير من حال
صفحه : 5
إلي حال و في التبديل من نقصان إلي كمال والتغير والتبدل من أمارات الحدوث فقوله قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّيدل علي أنهم سألوا أن الروح هل هي حادثة أم لافأجاب بأنها حادثة واقعة بتخليق الله وتكوينه ثم استدل علي حدوث الأرواح بتغيرها من حال إلي حال فهذا مانقوله في هذاالباب و الله أعلم بالصواب أقول ثم ذكر الأقوال الأخري في تفسير الروح في هذه الآية فمنها أنه القرآن كمامر ومنها أنه ملك من الملائكة هوأعظمهم قدرا وقوة و هوالمراد من قوله تعالي يَومَ يَقُومُ الرّوحُ وَ المَلائِكَةُ صَفّا وَ نَقَلُوا عَن عَلِيّ ع أَنّهُ قَالَ هُوَ مَلَكٌ لَهُ سَبعُونَ أَلفَ وَجهٍ وَ لِكُلّ وَجهٍ سَبعُونَ أَلفَ لِسَانٍ لِكُلّ لِسَانٍ سَبعُونَ أَلفَ لُغَةٍ يُسَبّحُ اللّهَ تَعَالَي بِتِلكَ اللّغَاتِ كُلّهَا وَ يَخلُقُ اللّهُ مِن كُلّ تَسبِيحَةٍ مَلَكاً يَطِيرُ مَعَ المَلَائِكَةِ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ قَالُوا وَ لَم يَخلُقِ اللّهُ خَلقاً أَعظَمَ مِنَ الرّوحِ غَيرَ العَرشِ وَ لَو شَاءَ اللّهُ يَبتَلِعُ السّمَاوَاتِ السّبعَ وَ الأَرَضِينَ السّبعَ بِلُقمَةٍ وَاحِدَةٍ
ثم اعترض علي هذاالوجه و علي الرواية بوجوه سخيفة ثم ذكر من الوجوه أنه جبرئيل ع ووجها رابعا عن مجاهد أنه خلق ليسوا بالملائكة علي صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورءوس و قال أبوصالح يشبهون الناس وليسوا بالناس و لم أجد في القرآن و لا في الأخبار الصحيحة شيئا يمكن التمسّك به في إثبات هذاالقول . ثم قال في شرح مذاهب الناس في حقيقة الإنسان اعلم أن العلم الضروري حاصل بأن هاهنا شيئا إليه يشير الإنسان بقوله أنا و إذا قال الإنسان علمت وفهمت وأبصرت وسمعت وذقت وشممت ولمست وغضبت فالمشار إليه لكل أحد بقوله أناإما أن يكون جسما أوعرضا أومجموع الجسم والعرض أو ماتركب من الجسم والعرض و ذلك الشيء الثالث فهذا ضبط معقول أماالقسم الأول و هو أن يقال الإنسان جسم فذلك الجسم إما أن يكون هو هذه البنية أوجسما داخلا في هذه
صفحه : 6
البنية أوجسما خارجا عنها أماالقائلون بأن الإنسان عبارة عن هذه البنية المحسوسة و هذاالهيكل المجسم المحسوس فإذاأبطلنا كون الإنسان عبارة عن هذاالجسم وأبطلنا كون الإنسان محسوسا فقد بطل كلامهم بالكلية. و ألذي يدل علي أنه لايمكن أن يكون الإنسان عبارة عن هذاالجسم وجوه الأول أن العلم البديهيّ حاصل بأن أجزاء هذه الجثّة متبدّلة بالزيادة والنقصان تارة بحسب النمو والذبول وتارة بحسب السمن والهزال والعلم الضروريّ حاصل بأن المتبدّل المتغيّر مغاير للثابت الباقي ويحصل من مجموع هذه المقدمات الثلاث العلم القطعيّ بأنه ليس عبارة عن مجموع هذه الجثّة.الثاني أن الإنسان حال ما يكون مشتغل الفكر متوجّه الهمّة نحو أمر مخصوص فإنه في تلك الحالة غيرغافل عن نفسه المعينة بدليل أنه في تلك الحالة قد يقول غضبت واشتهيت وسمعت كلامك وأبصرت وجهك وتاء الضمير كناية عن نفسه المخصوصة فهو في تلك الحالة عالم بنفسه المخصوصة وغافل عن جملة بدنه و عن كل واحد من أعضائه وأبعاضه .الثالث أن كل أحد يحكم بصريح عقله بإضافة كل واحد من هذه الأعضاء إلي نفسه فيقول رأسي وعيني ويدي ورجلي ولساني وقلبي وبدني والمضاف غيرالمضاف إليه فوجب أن يكون الشيء ألذي هوالإنسان مغايرا لجملة هذاالبدن ولكل واحد من هذه الأعضاء فإن قالوا فقد يقول نفسي وذاتي فيضيف النفس والذات إلي نفسه فيلزم أن نفس الشيء وذاته مغايرة لنفسه وذاته و ذلك محال قلنا قديراد بنفس الشيء وذاته هذاالبدن المخصوص و قديراد بنفس الشيء وذاته الحقيقة المخصوصة التي إليها يشير كل أحد بقوله أنا فإذا قال نفسي وذاتي كان المراد منه البدن وعندنا أنه مغاير لجوهر الإنسان .الرابع أن كل دليل يدلّ علي أن الإنسان يمتنع أن يكون جسما فهو أيضا يدلّ علي أنه يمتنع أن يكون عبارة عن هذاالجسم وسيأتي تقرير تلك الدلائل .الخامس أن الإنسان قد يكون حيّا حال ما يكون البدن ميّتا فوجب
صفحه : 7
كون الإنسان مغايرا لهذا البدن والدليل علي صحّة ماذكرناه قوله تعالي وَ لا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبّهِم يُرزَقُونَفهذا النصّ صريح في أن أولئك المقتولين أحياء والحسّ يدل علي أن هذاالجسد ميّتة.السادس أن قوله تعالي النّارُ يُعرَضُونَ عَلَيها غُدُوّا وَ عَشِيّا و قوله أُغرِقُوا فَأُدخِلُوا ناراًيدلّ علي أن الإنسان حيّ بعدالموت
وَ كَذَلِكَ قَولُهُص الأَنبِيَاءُ لَا يَمُوتُونَ وَ لَكِن يُنقَلُونَ مِن دَارٍ إِلَي دَارٍ
وَ كَذَلِكَ قَولُهُص القَبرُ رَوضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنّةِ أَو حُفرَةٌ مِن حُفَرِ النّيرَانِ
وَ كَذَلِكَ قَولُهُص مَن مَاتَ فَقَد قَامَت قِيَامَتُهُ
و أن كل هذه النصوص يدلّ علي أن الإنسان حيّ يبقي بعدموت الجسد وبديهة العقل والفطرة شاهدتان بأن هذاالجسد ميّت و لوجوزنا كونه حيّا كان يجوز مثله في جميع الجمادات و ذلك عين السفسطة و إذاثبت أن الإنسان حيّ ما كان الجسد ميّتا لزم أن الإنسان شيء غير هذاالجسد.السابع
قَولُهُص فِي خُطبَةٍ طَوِيلَةٍ لَهُ حَتّي إِذَا حُمِلَ المَيّتُ عَلَي نَعشِهِ رَفرَفَ رُوحُهُ فَوقَ النّعشِ وَ يَقُولُ يَا أهَليِ وَ يَا ولُديِ لَا تَلعَبَنّ بِكُمُ الدّنيَا كَمَا لَعِبَت بيِ جَمَعتُ المَالَ مِن حِلّهِ وَ مِن غَيرِ حِلّهِ فَالمَهنَأُ لغِيَريِ وَ التّبِعَةُ عَلَيّ فَاحذَرُوا مِثلَ مَا حَلّ بيِ
وجه الاستدلال أن النبي ص صرح بأن حال كون الجسد محمولا علي النعش بقي هناك شيءينادي و يقول ياأهلي و ياولدي جمعت المال من حله و غيرحله ومعلوم أن ألذي كان الأهل أهلا له و كان الولد ولدا له و كان جامعا للمال من الحرام والحلال و ألذي بقي في ربقته الوبال ليس إلا ذلك الإنسان فهذا تصريح بأن في الوقت ألذي كان الجسد ميتا محمولا علي النعش كان ذلك الإنسان حيا باقيا فاهما و ذلك تصريح بأن الإنسان شيءمغاير لهذا الجسد والهيكل .
صفحه : 8
الثامن قوله تعالي يا أَيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنّةُ ارجعِيِ إِلي رَبّكِ راضِيَةً مَرضِيّةً والخطاب بقوله ارجعِيِإنما يتوجه إليها حال الموت فدل هذا علي أن الشيء ألذي يرجع إلي الله بعدموت الجسد يكون راضيا مرضيا عند الله و ألذي يكون راضيا مرضيا ليس إلاالإنسان فهذا يدل علي أن الإنسان بقي حيا بعدموت الجسد والحي غيرالميت فالإنسان مغاير لهذا الجسد.التاسع قوله تعالي حَتّي إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ المَوتُ تَوَفّتهُ رُسُلُنا وَ هُم لا يُفَرّطُونَ ثُمّ رُدّوا إِلَي اللّهِ مَولاهُمُ الحَقّأثبت كونهم مردودين إلي الله ألذي هومولاهم الحق عندكون الجسد ميتا فوجب أن يكون ذلك المردود إلي الله مغايرا لذلك الجسد الميت .العاشر تري جميع فرق الدنيا من الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب الملل والنحل من اليهود والنصاري والمجوس والمسلمين وسائر فرق العالم وطوائفهم يتصدقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير ويذهبون إلي زياراتهم و لو لاأنهم بعدموت الجسد بقوا أحياء لكان التصدق لهم عبثا ولكان الدعاء لهم عبثا ولكان الذهاب إلي زيارتهم عبثا فإطباق الكل علي هذه الصدقة والدعاء والزيارة يدل علي أن فطرتهم الأصلية السليمة شاهدة بأن الإنسان شيء غير هذاالجسد و أن ذلك الشيء لايموت بموت هذاالجسد.الحادي عشر أن كثيرا من الناس يري أباه وابنه في المنام و يقول له اذهب إلي الموضع الفلاني فإن فيه ذهبا دفنته لك و قديراه فيوصيه بقضاء دين عنه ثم عنداليقظة إذافتش عنه كان كمارآه في النوم من غيرتفاوت و لو لا أن الإنسان باق حي بعدالموت لما كان كذلك و لمادل هذاالدليل علي أن الإنسان حي بعدالموت ودل الحس علي أن الجسد ميت كان الإنسان مغايرا لهذا الجسد.الثاني عشر أن الإنسان إذاضاع عضو من أعضائه مثل أن تقطع يداه ورجلاه
صفحه : 9
وتقلع عيناه وتقطع أذناه إلي غيرها من الأعضاء فإن ذلك الإنسان يجد من قلبه وعقله أنه هوعين ذلك الإنسان من غيرتفاوت البتة حتي أنه يقول أنا ذلك الإنسان ألذي كنت موجودا قبل ذلك إلاأنهم قطعوا يدي ورجلي و ذلك برهان يقيني علي أن ذلك الإنسان شيءمغاير لهذه الأعضاء والأبعاض و ذلك يبطل قول من يقول الإنسان عبارة عن هذه البنية المخصوصة.الثالث عشر أن القرآن والأحاديث يدلان علي أن جماعة من اليهود قدمسخهم الله وجعلهم في صورة القردة والخنازير فنقول ذلك الإنسان هل بقي حال ذلك المسخ أو لم يبق فإن لم يبق كان هذاإماتة لذلك الإنسان وخلق خنزير أوقردة و ليس هذا من المسخ في شيء و إن قلنا إن ذلك الإنسان بقي حال حصول ذلك المسخ فنقول فعلي هذاالتقدير الإنسان باق وتلك البنية و ذلك الهيكل غيرباق فوجب أن يكون ذلك الإنسان شيئا مغايرا لتلك البنية.الرابع عشر أن رسول الله ص كان يري جبرئيل في صورة دحية الكلبي و كان يري إبليس في صورة الشيخ النجدي فهنا بنية الإنسان وهيكله وشكله حاصل مع أن الحقيقة الإنسانية غيرحاصلة و هذايدل علي أن الإنسان ليس عبارة عن هذه البنية و هذاالهيكل .الخامس عشر أن الزاني يزني بفرجه ويضرب علي ظهره فوجب أن يكون الإنسان شيئا آخر سوي الفرج وسوي الظهر ويقال إن ذلك الشيء يستعمل الفرج في عمل والظهر في عمل آخر فيكون الملتذ والمتألم هو ذلك الشيء إلا أنه يحصل اللذة بواسطة ذلك العضو ويتألم بواسطة الضرب علي هذاالعضو السادس عشر أني إذاتكلمت مع زيد و قلت له افعل كذا و لاتفعل كذا فالمخاطب بهذا الخطاب والمأمور والمنهي ليس هوجبهة زيد و لاحدقته و لاأنفه و لافمه و لا شيء من أعضائه بعينه فوجب أن يكون المأمور والمنهي والمخاطب شيئا مغايرا لهذه الأعضاء و ذلك يدل علي أن ذلك المأمور والمنهي غير هذاالجسد فإن قالوا
صفحه : 10
لم لايجوز أن يكون المأمور والمنهي جملة هذاالبدن لا شيء من أجزائه وأبعاضه قلنا توجيه التكليف إلي الجملة إنما يصح لوكانت الجملة فاهمة عالمة فنقول لوكانت الجملة عالمة فإما أن يقوم بمجموع البدن علم واحد أويقوم بكل واحد من أجزاء البدن علم علي حده والأول يقتضي قيام العرض الواحد بالمحال الكثيرة و هومحال والثاني يقتضي أن يكون كل واحد من أجزاء البدن عالما فاهما علي سبيل الاستقلال و قدبينا أن العلم الضروري حاصل بأن الجزء المعين من البدن ليس عالما فاهما مدركا بالاستقلال فسقط هذاالسؤال .السابع عشر الإنسان يجب أن يكون عالما والعلم لايحصل إلا في القلب فيلزم أن يكون الإنسان عبارة عن الشيء الموجود في القلب و إذاثبت هذابطل القول بأن الإنسان عبارة عن هذاالهيكل و هذه الجثة إنما قلنا إن الإنسان يجب أن يكون عالما لأنه فاعل مختار والفاعل المختار هو ألذي يفعل بواسطة القصد إلي تكوينه وهما مشروطان بالعلم لأن ما لا يكون متصورا امتنع القصد إلي تكوينه فثبت أن الإنسان يجب أن يكون عالما بالأشياء وإنما قلنا إن العلم لايوجد إلا في القلب للبرهان والقرآن أماالبرهان فلأنا نجد العلم الضروري بأنا نجد علومنا من ناحية القلب و أماالقرآن فآيات نحو قوله تعالي لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِها و قوله كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ و قوله نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمِينُ عَلي قَلبِكَ و إذاثبت أن الإنسان يجب أن يكون عالما وثبت أن العلم ليس إلا في القلب ثبت أن الإنسان شيء في القلب أو شيء له تعلق بالقلب و علي التقديرين فإنه بطل قول من يقول إن الإنسان هو هذاالجسد و هذاالهيكل . و أماالبحث الثاني و هوبيان أن الإنسان غيرمحسوس هو أن حقيقة الإنسان شيءمغاير للسطح واللون و كل ما هومرئي فهو إما السطح وإما اللون وهما مقدمتان
صفحه : 11
قطعيتان ينتج هذاالقياس أن حقيقة الإنسان غيرمرئية و لامحسوسة و هذابرهان يقيني. ثم قال في شرح مذاهب القائلين بأن الإنسان جسم موجود في داخل البدن اعلم أن الأجسام الموجودة في هذاالعالم السفلي إما أن يكون أحد العناصر الأربعة أو ما يكون متولدا من امتزاجها ويمتنع أن يحصل في البدن الإنساني جسم عنصري خالص بل لابد و أن يكون الحاصل جسما متولدا من امتزاجات هذه الأربعة فنقول أماالجسم ألذي تغلب عليه الأرضية فهو الأعضاء الصلبة الكثيفة كالعظم والعصب والوتر والرباط والشحم واللحم والجلد و لم يقل أحد من العقلاء الذين قالوا إن الإنسان شيءمغاير لهذا الجسد بأنه عبارة عن عضو معين من هذه الأعضاء و ذلك لأن هذه الأعضاء كثيفة ثقيلة ظلمانية فلاجرم لم يقل أحد من العقلاء بأن الإنسان عبارة عن أحد هذه الأعضاء و أماالجسم ألذي تغلب عليه المائية فهو الأخلاط الأربعة و لم يقع في شيءمنها أنه الإنسان إلا في الدم فإن فيهم من قال إنه لروح بدليل أنه إذاخرج لزمه الموت أماالجسم ألذي تغلب عليه الهوائية والنارية فهي الأرواح وهي نوعان أحدهما أجسام هوائية مخلوطة بالحرارة الغريزية متولدة إما في القلب أو في الدماغ وقالوا إنها هي الروح الإنساني ثم إنهم اختلفوا فمنهم من يقول الإنسان هوالروح ألذي في القلب ومنهم من يقول إنه جزء لايتجزأ في الدماغ ومنهم من يقول الروح عبارة عن أجزاء نارية مختلطة بهذه الأرواح القلبية والدماغية وتلك الأجزاء النارية هي المسماة بالحرارة الغريزية وهي الإنسان و من الناس من يقول الروح عبارة عن أجسام نورانية سماوية لطيفة الجوهر علي طبيعة ضوء الشمس وهي لاتقبل التحلل والتبدل و لاالتفرق والتمزق فإذاتكون البدن وتم استعداده و هوالمراد بقوله فَإِذا سَوّيتُهُنفذت تلك الأجسام الشريفة السماوية الإلهية في داخل أعضاء البدن نفاذ النار في الفحم ونفاذ دهن السمسم في
صفحه : 12
السمسم ونفاذ ماء الورد في جسم الورد ونفاذ تلك الأجسام السماوية في جوهر البدن هوالمراد بقوله وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ ثم إن البدن مادام يبقي سليما قابلا لنفاذ تلك الأجسام الشريفة فيه بقي حيا فإذاتولد في البدن أخلاط غليظة منعت تلك الأخلاط الغليظة من سريان تلك الأجسام الشريفة فانفصلت عن هذاالبدن فحينئذ يعرض الموت فهذا مذهب قوي وقول شريف يجب التأمل فيه فإنه شديد المطابقة لماورد في الكتب الإلهية من أحوال الموت والحياة فهذا تفصيل مذاهب القائلين بأن الإنسان جسم موجود في داخل البدن و أما أن الإنسان جسم موجود خارج البدن فلاأعرف أحدا ذهب إلي هذاالقول . و أماالقسم الثاني و هو أن يقال الإنسان عرض حال في البدن فهذا لايقوله عاقل لأنه من المعلوم بالضرورة أن الإنسان جوهر لأنه موصوف بالعلم والقدرة والتدبير والتصرف و كل من كان هذاشأنه كان جوهرا والجوهر لا يكون عرضا بل ألذي يمكن أن يقال له عاقل هوالإنسان بشرط أن يكون موصوفا بأعضاء مخصوصة و علي هذاالتقدير فللناس فيه أقوال القول الأول أن العناصر الأربعة إذاامتزجت وانكسرت سورة كل واحد منها بسورة أخري حصلت كيفية معتدلة هي المزاج ومراتب هذاالمزاج غيرمتناهية فبعضها هي الإنسانية وبعضها هي الفرسية فالإنسان عبارة عن أجسام موصوفة بكيفيات مخصوصة متولدة عن امتزاجات أجزاء العناصر بمقدار مخصوص و هذاقول جمهور الأطباء ومنكري بقاء النفس و من المعتزلة قول أبي الحسين البصري. والقول الثاني أن الإنسان عبارة عن أجزاء مخصوصة بشرط كونها موصوفة بصفة الحياة والعلم والقدرة والحياة عرض قائم بالجسم وهؤلاء أنكروا الروح والنفس
صفحه : 13
وقالوا ليس هاهنا إلاأجسام مؤتلفة موصوفة بصفة الحياة وبهذه الأعراض المخصوصة وهي الحياة والعلم والقدرة و هذامذهب أكثر شيوخ المعتزلة. والقول الثالث أن الإنسان عبارة عن أجسام مخصوصة بأشكال مخصوصة وبشرط أن تكون أيضا موصوفة بالحياة والعلم والقدرة والإنسان إنما يمتاز عن سائر الحيوانات بشكل جسده وهيئة أعضائه وأجزائه إلا أن هذامشكل فإن الملائكة قديتشبهون بصور الناس فهنا صورة الإنسان حاصلة مع عدم الإنسانية و في صورة المسخ معني الإنسانية حاصلة مع أن هذه الصورة غيرحاصلة فقد بطل اعتبار هذاالشكل والصورة في حصول معني الإنسانية طردا وعكسا. أماالقسم الثالث و هو أن يقال الإنسان موجود ليس بجسم و لاجسماني و هذاقول أكثر الإلهيين من الفلاسفة القائلين ببقاء النفس المثبتين للنفس معادا روحانيا وثوابا وعقابا روحانيا ذهب إليه جماعة من علماء المسلمين مثل الشيخ أبي القاسم الراغب الأصفهاني والشيخ أبي حامد الغزالي و من قدماء المعتزلة معمر بن عباد السلمي و من الشيعة الملقب عندهم بالشيخ المفيد و من الكرامية جماعة. واعلم أن القائلين بإثبات النفس فريقان الأول وهم المحققون منهم قالوا الإنسان عبارة عن هذاالجوهر المخصوص و هذاالبدن آلته ومنزله ومركبه و علي هذاالتقدير فالإنسان غيرموجود في داخل العالم و لا في خارجه و غيرمتصل بالعالم و لامنفصل عنه ولكنه متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف كما أن إله العالم لاتعلق له بالعالم إلا علي سبيل التصرف والتدبير. والفريق الثاني الذين قالوا النفس إذاتعلقت بالبدن اتحدت بالبدن فصارت النفس عين البدن والبدن عين النفس ومجموعهما عندالاتحاد هوالإنسان فإذاجاء وقت الموت بطل هذاالاتحاد وبقيت النفس وفسد البدن فهذا جملة مذاهب الناس في الإنسان و كان ثابت بن قرة يثبت النفس و يقول إنها متعلقة بأجسام سماوية نورانية لطيفة غيرقابلة للكون والفساد والتفرق والتمزق و أن تلك الأجسام تكون سارية في البدن وهن موجودات في داخل البدن و أما أن
صفحه : 14
الإنسان جسم موجود خارج البدن فلاأعرف أحدا ذهب إلي ذلك أقول ثم ذكر حججا عقلية طويلة الذيل علي إثبات النفس ومغايرتها للبدن .منها أن النفس واحدة ومتي كانت واحدة وجب أن تكون مغايرة لهذا البدن ولكل واحد من أجزائه أماكونها واحدة فتارة ادعي البداهة فيه وتارة استدل عليه بوجوه منها أنا إذافرضنا جوهرين مستقلين يكون كل واحد منهما مستقلا بفعله الخاص امتنع أن يصير اشتغال أحدهما بفعله الخاص به مانعا لاشتغال الآخر بفعله الخاص به و إذاثبت هذافنقول لو كان محل الإدراك والفكر جوهرا ومحل الغضب جوهرا آخر ومحل الشهوة جوهرا ثالثا وجب أن لا يكون اشتغال القوة الغضبية بفعلها مانعا للقوة الشهوانية من الاشتغال بفعلها و لابالعكس لكن التالي باطل فإن اشتغال الإنسان بالشهوة وانصبابه إليها يمنعه من الاشتغال بالغضب والانصباب إليه وبالعكس فعلمنا أن هذه الأمور الثلاثة ليست مبادئ مستقلة بل هي صفات مختلفة لجوهر واحد فلاجرم كان اشتغال ذلك الجوهر بأحد هذه الأفعال عائقا له عن الاشتغال بالفعل الآخر. ومنها أن حقيقة الحيوان أنه جسم ذو نفس حساسة متحركة بالإرادة فالنفس لايمكنها أن تتحرك بالإرادة إلا عندحصول الداعي و لامعني للداعي إلاالشعور بخير يرغب في جذبه أوبشر يرغب في دفعه و هذايقتضي أن يكون المتحرك بالإرادة هوبعينه مدركا للخير والشر والملذ والموذي والنافع والضار فثبت بما ذكرنا أن النفس الإنسانية شيءواحد وثبت أن ذلك الشيء هوالمبصر والسامع والشامّ والذائق واللامس والمتخيل والمتفكر والمتذكر والمشتهي والغاضب و هوالموصوف بجميع الإدراكات لكل المدركات و هوالموصوف بجميع الأفعال الاختيارية والحركات الإرادية. ثم قال و أماالمقدمة الثانية فهي في بيان أنه لماكانت النفس شيئا واحدا وجب أن لا يكون النفس هذاالبدن و لاشيئا من أجزائه و أماامتناع كونها جملة هذاالبدن فتقريره أنانعلم بالضرورة أن القوة الباصرة غيرسارية في كل البدن
صفحه : 15
وكذا القوة السامعة وكذا سائر القوي كالتخيل والتذكر والتفكر والعلم بأن هذه القوي غيرسارية في جملة أجزاء البدن علم بديهي بل هو من أقوي العلوم البديهية و أمابيان أنه يمتنع أن يكون النفس جزءا من أجزاء البدن فإنا نعلم بالضرورة أنه ليس في البدن جزء واحد هوبعينه موصوف بالإبصار والسماع والفكر والذكر بل ألذي يتبادر إلي الخاطر أن الإبصار مخصوص بالعين لابسائر الأعضاء والسماع مخصوص بالأذن لابسائر الأعضاء والصوت مخصوص بالحلق لابسائر الأعضاء وكذلك القول في سائر الإدراكات وسائر الأفعال فأما أن يقال إنه حصل في البدن جزء واحد موصوف بكل هذه الإدراكات و كل هذه الأفعال فالعلم الضروري حاصل أنه ليس الأمر كذلك فثبت بما ذكرناه أن النفس الإنسانية شيءواحد موصوف بجملة هذه الإدراكات وبجملة هذه الأفعال وثبت بالبديهة أن جملة البدن ليست كذلك وثبت أيضا أن شيئا من أجزاء البدن ليس كذلك فحينئذ يحصل اليقين بأن النفس شيءمغاير لهذا البدن ولكل واحد من أجزائه و هوالمطلوب . ولنقرر هذاالبرهان بعبارة أخري نقول إنا نعلم بالضرورة أنا إذاأبصرنا شيئا عرفناه و إذاعرفناه اشتهيناه و إذااشتهيناه حركنا أبداننا إلي القرب منه فوجب القطع بأن ألذي أبصر هو ألذي عرف و أن ألذي عرف هو ألذي اشتهي و أن ألذي اشتهي هو ألذي حرك إلي القرب منه فيلزم القطع بأن المبصر لذلك الشيء والعارف به والمشتهي إليه والمحرك إلي القرب منه شيءواحد إذ لو كان المبصر شيئا والعارف شيئا ثانيا والمشتهي شيئا ثالثا والمحرك شيئا رابعا لكان ألذي أبصر لم يعرف و ألذي عرف لم يشته و ألذي اشتهي لم يحرك لكن من المعلوم أن كون شيءمبصرا لشيء لايقتضي صيرورة شيءآخر عالما بذلك الشيء وكذلك القول في سائر المراتب وأيضا فإنا نعلم بالضرورة أن الرائي للمرئيات أنا وأني لمارأيتها عرفتها و لماعرفتها اشتهيتها و لمااشتهيتها طلبتها وحركت الأعضاء إلي القرب منها ونعلم أيضا بالضرورة أن الموصوف بهذه الرؤية وبهذا العلم وبهذه الشهوة وبهذا التحريك أنا لاغيري وأيضا العقلاء قالوا الحيوان لابد و أن يكون حساسا متحركا بالإرادة
صفحه : 16
فإن لم يحس بشيء لم يشعر بكونه ملائما وبكونه منافرا و إذا لم يشعر بذلك امتنع كونه مريدا للجذب أوالدفع فثبت أن الشيء ألذي يكون متحركا بالإرادة فإنه بعينه يجب أن يكون حساسا فثبت أن المدرك لجميع المدركات بجميع أنواع الإدراكات و أن المباشر لجميع التحريكات الاختيارية شيءواحد. وأيضا فإنا إذاتكلمنا بكلام لقصد تفهيم الغير معاني تلك الكلمات فقد عقلناها وأردنا تعريف غيرنا تلك المعاني و لماحصلت هذه الإرادة في قلوبنا حاولنا إدخال تلك الحروف والأصوات في الوجود لنتوسل بها إلي تعريف غيرنا تلك المعاني. إذاثبت هذافنقول إن كان محل العلم والإرادة ومحل تلك الحروف والأصوات جسما واحدا لزم أن يقال إن محل العلوم والإرادات هوالحنجرة واللهاة واللسان ومعلوم أنه ليس كذلك و إن قلنا إن محل العلوم والإرادات هوالقلب لزم أن يكون محل الصوت هوالقلب أيضا و ذلك باطل أيضا بالضرورة و إن قلنا إن محل الكلام هوالحنجرة واللهاة واللسان ومحل العلوم والإرادات هوالقلب ومحل القدرة هوالأعصاب والأوتار والعضلات كنا قدوزعنا هذه الأمور علي هذه الأعضاء المختلفة لكنا أبطلنا ذلك وبينا أن المدرك لجميع الإدراكات والإرادات والمحرك لجميع الأعضاء بجميع أنواع التحريكات يجب أن يكون شيئا واحدا فلم يبق إلا أن يقال محل الإدراك والقدرة علي التحريك شيءسوي هذاالبدن وسوي أجزاء هذاالبدن و أن هذه الأعضاء جارية مجري الآلات والأدوات فكما أن النجار يفعل أفعالا مختلفة بواسطة آلات مختلفة فكذلك النفس تبصر بالعين وتسمع بالأذن وتتفكر بالدماغ وتعقل بالقلب فهذه الأعضاء آلات النفس وأدوات لها وذات النفس جوهر مغاير لها مفارق عنها بالذات متعلق بهاتعلق التصرف والتدبير و هذاالبرهان برهان شريف يقيني في هذاالمطلوب وبالله التوفيق . ومنها أنه لو كان الإنسان عبارة عن هذاالجسد لكان إما أن يقوم بكل واحد من الأجزاء حياة وعلم وقدرة علي حدة أويقوم بجميع الأجزاء حياة وعلم وقدرة واحدة والقسمان باطلان أماالأول فلأنه يقتضي كون كل واحد من أجزاء الجسد حيا
صفحه : 17
عالما قادرا علي سبيل الاستقلال فوجب أن لا يكون الإنسان الواحد حيوانا واحدا بل أحياء عالمين قادرين وحينئذ لايبقي فرق بين الإنسان الواحد و بين أشخاص كثيرين من الناس ربط بعضهم بالبعض بالسلسلة لكنا نعلم بالضرورة فساد هذاالكلام لأني أجد ذاتي ذاتا واحدة وحيوانا لاحيوانات كثيرين وأيضا فبتقدير أن يكون كل واحد من أجزاء هذاالجسد حيوانا واحدا علي حدة فحينئذ لا يكون لكل واحد منها خبر عن حال صاحبه فلايمتنع أن يريد هذاالجزء أن يتحرك إلي هذاالجانب ويريد الجزء الآخر أن يتحرك إلي الجانب الآخر فحينئذ يقع التدافع بين أجزاء بدن الإنسان الواحد كمايقع بين الشخصين وفساد ذلك معلوم بالبديهة و أماالثاني فلأنه يقتضي قيام الصفة الواحدة بالمحال الكثيرة و ذلك معلوم البطلان بالضرورة مع أنه يعود المحذور السابق أيضا. ومنها أنا لماتأملنا في أحوال النفس رأينا أحوالها بالضد من أحوال الجسم و ذلك يدل علي أن النفس ليست جسما وتقرير هذه المنافاة من وجوه الأول أن كل جسم حصلت فيه صورة فإنه لايقبل صورة أخري من جنس الصورة الأولي إلا بعدزوال الصورة الأولي عنه زوالا تاما مثاله أن البصر إذاحصل فيه شكل التثليث امتنع أن يحصل فيه شكل التربيع والتدوير إلا بعدزوال الشكل الأول عنه ثم إنا وجدنا الحال في قبول النفس لصور المعقولات بالضد من ذلك فإن النفس التي لم تقبل صورة عقلية البتة يعسر قبولها لشيء من الصور العقلية فإذاقبلت صورة واحدة كان قبولها للصورة الثانية أسهل و إذاقبلت الصورة الثانية صار قبولها للصورة الثالثة أسهل ثم إن النفس لاتزال تقبل صورة بعدصورة من غير أن تضعف البتة بل كلما كان قبولها للصور أكثر كان قبولها للصور الآتية بعد ذلك أسهل وأسرع ولهذا السبب يزداد الإنسان فهما وإدراكا كلما ازداد تخريجا وارتياضا للعلوم فثبت أن قبول النفس للصورة العقلية علي خلاف قبول الجسم للصورة و ذلك يوهم أن النفس ليست بجسم . والثاني أن المواظبة علي الأفكار الدقيقة لها أثر في النفس وأثر في البدن أما
صفحه : 18
أثرها في النفس فهو تأثيرها في إخراج النفس عن القوة إلي الفعل في التعقلات والإدراكات وكلما كانت الأفكار أكثر كان حصول هذه الأحوال أكمل و ذلك غاية كمالها ونهاية شرفها وجلالتها و أماأثرها في البدن فهو أنها توجب استيلاء اليبس علي البدن واستيلاء الذبول عليه و هذه الحالة لواستمرت لانتهت إلي الماليخوليا وموت البدن فثبت بما ذكرنا أن هذه الأفكار توجب حياة النفس وشرفها وتوجب نقصان البدن وموته فلو كانت النفس هي البدن لصار الشيء الواحد بالنسبة إلي الشيء الواحد سببا لكماله ونقصانه معا ولحياته وموته معا وإنه محال . والثالث أناشاهدنا أنه ربما كان بدن الإنسان ضعيفا نحيفا فإذالاح نور من الأنوار القدسية وتجلي له سر من أسرار عالم الغيب حصل لذلك الإنسان جرأة عظيمة وسلطنة قوية و لم يعبأ بحضور أكبر السلاطين و لم يقم له وزنا و لو لا أن النفس شيءسوي البدن والنفس إنما تحيا وتبقي بغير ما به يقوي البدن ويحيا لما كان الأمر كذلك . والرابع أن أصحاب الرياضات والمجاهدات كلما أمعنوا في قهر القوي البدنية وتجويع الجسد قويت قواهم الروحانية وأشرقت أسرارهم بالمعارف الإلهية وكلما أمعن الإنسان في الأكل والشرب وقضاء الشهوات الجسدانية صار كالبهيمة وبقي محروما عن آثار النظر والعقل والفهم والمعرفة و لو لا أن النفس غيرالبدن لما كان الأمر كذلك . والخامس أنانري النفس تفعل أفاعيلها بآلات بدنية فإنها تبصر بالعين وتسمع بالأذن وتأخذ باليد وتمشي بالرجل أما إذاآل الأمر إلي التعقل والإدراك فإنها مستقلة بذاتها في هذاالفعل من غيرإعانة شيء من الآلات ولذلك فإن الإنسان يمكنه أن لايبصر شيئا إذاغمض عينه و أن لايسمع شيئا إذاسد أذنيه و لايمكنه البتة أن يزيل عن قلبه العلم بما كان عالما به فعلمنا أن النفس
صفحه : 19
غنية بذاتها في العلوم والمعارف عن شيء من الآلات البدنية فهذه الوجوه أمارات قوية في أن النفس ليست بجسم . ثم ذكر في إثبات أن النفس ليست بجسم وجوها من الدلائل السمعية الأول قوله تعالي وَ لا تَكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنساهُم أَنفُسَهُم ومعلوم أن أحدا من العقلاء لاينسي هذاالهيكل المشاهد فدل ذلك علي أن النفس التي ينساها الإنسان عندفرط الجهل شيءآخر غير هذاالبدن .الثاني قوله تعالي أَخرِجُوا أَنفُسَكُمُ و هذاصريح في أن النفس غير هذاالجسد.الثالث أنه تعالي ذكر مراتب الخلقة الجسمانية فقال وَ لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ إلي قوله فَكَسَونَا العِظامَ لَحماً و لاشك أن جميع هذه المراتب اختلافات واقعة في الأحوال الجسمانية ثم إنه تعالي لماأراد أن يذكر نفخ الروح قال ثُمّ أَنشَأناهُ خَلقاً آخَرَ و هذاتصريح بأن مايتعلق بالروح جنس مغاير لماسبق ذكره من التغيرات الواقعة في الأحوال الجسمانية و ذلك يدل علي أن الروح شيءمغاير للبدن . فإن قالوا هذه الآية حجة عليكم لأنه تعالي قال وَ لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ وكلمة من للتبعيض و هذايدل علي أن الإنسان بعض من أبعاض الطين قلنا كلمة من أصلها لابتداء الغاية كقولك خرجت من البصرة إلي الكوفة فقوله تعالي وَ لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍيقتضي أن يكون ابتداء تخليق الإنسان حاصلا من هذه السلالة ونحن نقول بموجبه لأنه تعالي يسوي المزاج أولا ثم ينفخ فيه الروح فيكون ابتداء تخليقه من سلالة.الرابع قوله فَإِذا سَوّيتُهُ وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِميز تعالي بين التسوية و بين نفخ الروح فالتسوية عبارة عن تخليق الأبعاض والأعضاء ثم أضاف الروح إلي نفسه بقوله مِن روُحيِدل ذلك علي أن جوهر الروح شيءمغاير لجوهر الجسد.
صفحه : 20
الخامس قوله تعالي وَ نَفسٍ وَ ما سَوّاها فَأَلهَمَها فُجُورَها وَ تَقواها و هذه الآية صريحة في وجود النفس موصوفة بالإدراك والتحريك معا لأن الإلهام عبارة عن الإدراك و أماالفجور والتقوي فهو فعل و هذه الآية صريحة في أن الإنسان شيءواحد و هوموصوف بالإدراك والتحريك و هوموصوف أيضا بفعل الفجور تارة وفعل التقوي أخري ومعلوم أن جملة البدن غيرموصوف بهذين الوصفين و ليس في البدن عضو واحد موصوف بهذين الوصفين فلابد من إثبات جوهر واحد يكون موصوفا بكل هذه الأمور.السادس قوله تعالي إِنّا خَلَقنَا الإِنسانَ مِن نُطفَةٍ أَمشاجٍ نَبتَلِيهِ فَجَعَلناهُ سَمِيعاً بَصِيراًفهذا تصريح بأن الإنسان شيءواحد و ذلك الشيء الواحد هوالمبتلي بالتكاليف الإلهية والأمور الربانية و هوالموصوف بالسمع والبصر ومجموع البدن ليس كذلك و ليس عضو من أعضاء البدن كذلك فالنفس شيءمغاير جملة البدن ومغاير أجزاء البدن و هوالموصوف بهذه الصفات . واعلم أن الأحاديث الواردة في صفة الأرواح قبل تعلقها بالأجساد و بعدانفصالها من الأجساد كثيرة و كل ذلك يدل علي أن النفس غير هذاالجسد والعجب ممن يقرأ هذه الآيات الكثيرة ويروي هذه الأخبار الكثيرة ثم يقول توفي رسول الله ص و ما كان يعرف ماالروح و هذا من العجائب . ثم استدل بهذه الآية التي بصدد تفسيرها علي هذاالمذهب وتقريره أن الروح لو كان جسما منتقلا من حالة إلي حالة و من صفة إلي صفة لكان مساويا للبدن في كونه متولدا من أجسام اتصفت بصفات مخصوصة بعد أن كانت موصوفة بصفات أخر فإذاسئل رسول الله ص عن الروح وجب أن يبين أنه جسم كان كذا ثم صار كذا وكذا حتي صار روحا مثل ماذكر في كيفية تولد البدن أنه كان نطفة ثم علقة ثم مضغة فلما لم يقل ذلك بل قال إنه من أمر ربي بمعني أنه لايحدث و لايدخل في الوجود إلالأجل أن الله تعالي قال له كُن فَيَكُونُدل ذلك علي أنه جوهر ليس
صفحه : 21
من جنس الأجسام بل هوجوهر قدسي مجرد واعلم أن أكثر العارفين الكاملين من أصحاب الرياضات وأصحاب المكاشفات والمشاهدات مصرون علي هذاالقول جازمون بهذا المذهب . ثم قال واحتج المنكرون بوجوه الحجة الأولي لوكانت مساوية لذات الله تعالي في كونه ليس بجسم و لاعرض لكان مساويا له في تمام الماهية و ذلك محال .الثانية قوله تعالي قُتِلَ الإِنسانُ ما أَكفَرَهُ مِن أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ إلي قوله ثُمّ إِذا شاءَ أَنشَرَهُ و هذاتصريح بأن الإنسان شيءمخلوق من نطفة و أنه يموت ويدخل القبر ثم أنه تعالي يخرجه من القبر و لو لم يكن الإنسان عبارة عن هذه الجثة لم تكن الأحوال المذكورة في هذه الآية صحيحة.الثالثة قوله تعالي وَ لا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً إلي قوله يُرزَقُونَ فَرِحِينَ و هذايدل علي أن الروح جسم لأن الارتزاق والفرح من صفات الأجسام . والجواب عن الأول أن المساواة في أنه ليس بمتحيز و لاحال في المتحيز مساواة في صفات سلبية والمساواة في الصفات السلبية لاتوجب المماثلة واعلم أن جماعة من الجهال يظنون أنه لما كان الروح موجودا ليس بمتحيز و لاحال في المتحيز وجب أن يكون مثلا للإله أوجزءا من الإله و ذلك جهل فاحش وغلط قبيح وتحقيقه ماذكرنا من أن المساواة في السلوب لوأوجبت المماثلة لوجب القول باستواء كل المختلفات فإن كل ماهيتين مختلفتين لابد و أن يشتركا في سلب كل ماعداهما عنهما. والجواب عن الثاني أنه لما كان الإنسان في العرف والظاهر عبارة عن هذه الجثة أطلق عليه اسم الإنسان وأيضا فلقائل أن يقول هب أنانجعل اسم الإنسان عبارة عن هذه الجثة إلا أنا قددللنا علي أن محل العلم والقدرة ليس هو هذه الجثة.
صفحه : 22
والجواب عن الثالث أن الرزق المذكور في الآية محمول علي مايقوي حالهم ويكمل كمالهم و هومعرفة الله ومحبته بل نقول هذا من أدل الدلائل علي صحة قولنا لأن أبدانهم قدبليت تحت التراب و الله تعالي يقول إن أرواحهم تأوي إلي قناديل معلقة تحت العرش فهذا يدل علي أن الروح غيرالبدن و قال في قوله سبحانه نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمِينُ عَلي قَلبِكَ فيه قولان الأول أنه إنما قال عَلي قَلبِكَ و إن كان إنما أنزله عليه ليؤكد به أن ذلك المنزل محفوظ والمرسول متمكن في قلبه لايجوز عليه التغير فيوثق عليه بالإنذار الواقع مع ألذي بين الله تعالي أنه المقصود ولذلك قال لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ.الثاني أن القلب هوالمخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار و أماسائر الأعضاء فمسخرة له والدليل عليه القرآن والحديث والمعقول أماالقرآن فآيات إحداها في سورة البقرةنَزّلَهُ عَلي قَلبِكَ و قال هاهنانَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمِينُ عَلي قَلبِكَ و قال إِنّ فِي ذلِكَ لَذِكري لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ وثانيها أن استحقاق الجزاء ليس إلا علي ما في القلب من المساعي فقال لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغوِ فِي أَيمانِكُم وَ لكِن يُؤاخِذُكُم بِما كَسَبَت قُلُوبُكُم و قال لَن يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِن يَنالُهُ التّقوي مِنكُم والتقوي في القلب لأنه تعالي قال أُولئِكَ الّذِينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُم لِلتّقوي و قال تعالي وَ حُصّلَ ما فِي الصّدُورِ وثالثها قوله حكاية عن
صفحه : 23
أهل النارلَو كُنّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ ما كُنّا فِي أَصحابِ السّعِيرِ ومعلوم أن العقل في القلب والسمع منفذ إليه و قال إِنّ السّمعَ وَ البَصَرَ وَ الفُؤادَ كُلّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسؤُلًا ومعلوم أن السمع والبصر لايستفاد منهما إلا مايؤديانه إلي القلب فكان السؤال عنهما في الحقيقة سؤالا عن القلب و قال يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وَ ما تخُفيِ الصّدُورُ و لم تخن الأعين إلابما تضمر القلوب عندالتحديق بها ورابعها قوله وَ جَعَلَ لَكُمُ السّمعَ وَ الأَبصارَ وَ الأَفئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشكُرُونَفخص هذه الثلاثة بإلزام الحجة واستدعاء الشكر عليها و قدقلنا لاطائل في السمع والأبصار إلابما يؤديانه إلي القلوب ليكون القلب هوالقاضي والمتحكم عليه و قال تعالي وَ لَقَد مَكّنّاهُم فِيما إِن مَكّنّاكُم فِيهِ وَ جَعَلنا لَهُم سَمعاً وَ أَبصاراً وَ أَفئِدَةً فَما أَغني عَنهُم سَمعُهُم وَ لا أَبصارُهُم وَ لا أَفئِدَتُهُم مِن شَيءٍفجعل هذه الثلاثة تمام ماألزمهم من حجة والمقصود من ذلك هوالفؤاد القاضي فيما يؤدي إليه السمع والبصر. وَ أَمّا الحَدِيثُ فَمَا رَوَي النّعمَانُ بنُ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعتُهُص يَقُولُ أَلَا وَ إِنّ فِي الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلّهُ وَ إِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلّهُ أَلَا وَ هيَِ القَلبُ
. و أماالمعقول فوجوه أحدها أن القلب إذاغشي عليه فلو قطع سائر الأعضاء لم يحصل الشعور به و إذاأفاق القلب فإنه يشعر بجميع ماينزل بالأعضاء من الآفات فدل ذلك علي أن الأعضاء تبع للقلب ولذلك فإن القلب إذافرح أوحزن فإنه يتغير حال الأعضاء عند ذلك وكذا القول في سائر الأعراض النفسانية. وثانيها أن القلب منبع المشيئات الباعثة علي الأفعال الصادرة من سائر الأعضاء و إذاكانت المشيئات مبادئ الأفعال ومنبعها هوالقلب فالأمر المطلق هوالقلب .
صفحه : 24
وثالثها أن معدن العقل هوالقلب و إذا كان كذلك كان الآمر المطلق هوالقلب أماالمقدمة الأولي ففيها النزاع فإن طائفة من القدماء ذهبوا إلي أن معدن العقل هوالدماغ و ألذي يدل علي قولنا وجوه الأول قوله تعالي أَ فَلَم يَسِيرُوا فِي الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بِها و قوله لَهُم قُلُوبٌ لا يَفقَهُونَ بِها و قوله إِنّ فِي ذلِكَ لَذِكري لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ أي عقل أطلق علي العقل لما أنه معدن له .الثاني أنه تعالي أضاف أضداد العقل إلي القلب فقال فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌخَتَمَ اللّهُ عَلي قُلُوبِهِموَ قالُوا قُلُوبُنا غُلفٌبَل طَبَعَ اللّهُ عَلَيها بِكُفرِهِميَحذَرُ المُنافِقُونَ أَن تُنَزّلَ عَلَيهِم سُورَةٌ تُنَبّئُهُم بِما فِي قُلُوبِهِميَقُولُونَ بِأَفواهِهِم ما لَيسَ فِي قُلُوبِهِمكَلّا بَل رانَ عَلي قُلُوبِهِمأَ فَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ أَم عَلي قُلُوبٍ أَقفالُهافَإِنّها لا تَعمَي الأَبصارُ وَ لكِن تَعمَي القُلُوبُ التّيِ فِي الصّدُورِفدلت هذه الآيات علي أن موضع الجهل والغفلة هوالقلب فوجب أن يكون موضع العقل والفهم أيضا هوالقلب .الثالث أنا إذاجربنا أنفسنا وجدنا علومنا حاصلة في ناحية القلب ولذلك فإن الواحد منا إذاأمعن في الفكر والروية أحس من قلبه ضيقا وضجرا حتي كأنه يتألم بذلك و كل ذلك يدل علي أن موضع العقل هوالقلب و إذاثبت ذلك وجب أن يكون المكلف هوالقلب لأن التكليف مشروط بالعقل والفهم .
صفحه : 25
الرابع أن القلب هوأول الأعضاء تكونا وآخرها موتا و قدثبت ذلك بالتشريح ولأنه متمكن في الصدر ألذي هوالأوسط في الجسد و من شأن الملوك المحتاجين إلي الخدم أن يكونوا في وسط المملكة لتكتنفهم الحواشي من الجوانب ليكونوا أبعد من الآفات . واحتج من قال العقل في الدماغ بوجوه أحدها أن الحواس التي هي الآلات للإدراك نافذة إلي الدماغ دون القلب وثانيها أن الأعضاء التي هي آلات الحركات الاختيارية نافذة من الدماغ دون القلب وثالثها أن الآفة إذادخلت في الدماغ اختل العقل ورابعها أن في العرف كل من أريد وصفه بقلة العقل يقال إنه خفيف الدماغ خفيف العقل وخامسها أن العقل أشرف فيكون مكانها أشرف والأعلي هوالأشرف و ذلك هوالدماغ لاالقلب فوجب أن يكون محل العقل الدماغ لاالقلب . والجواب عن الأول لم لايجوز أن يقال الحواس تؤدي آثارها إلي الدماغ ثم إن الدماغ يؤدي تلك الآثار إلي القلب والدماغ آلة قريبة للقلب والحواس آلة بعيدة والحس يخدم الدماغ والدماغ يخدم القلب وتحقيقه أناندرك من أنفسنا أنا إذاعقلنا أن الأمر الفلاني يجب فعله أويجب تركه فإن الأعضاء تتحرك عند ذلك ونحن عندالتعقلات نحس من جانب الدماغ . و عن الثاني أنه لايبعد أن يتأدي الأثر من القلب إلي الدماغ ثم الدماغ يحرك الأعضاء بواسطة الأعصاب النابتة منه . و عن الثالث لايبعد أن تكون سلامة الدماغ شرطا لوصول تأثير القلب إلي سائر الأعضاء.
صفحه : 26
و عن الرابع أن ذلك العرف إنما كان لأن القلب إنما يعتدل مزاجه بما يستمده من الدماغ من برودته فإذالحق الدماغ خروج عن الاعتدال خرج القلب عن الاعتدال أيضا إما لزيادة حرارته عن القدر الواجب أولنقصان حرارته عن ذلك القدر فحينئذ يختل العقل . و عن الخامس أنه لوصح ماقالوه لوجب أن يكون موضع القلب هوالقحف و لمابطل ذلك ثبت فساد قولهم انتهي . وأقول بعدتسليم مقدمات دلائله وعدم التعرض لتزييفها ومنعها إنما تدل علي أن الروح غيرالبدن وأجزائه والحواس الظاهرة والباطنة و لاتدل علي تجردها لم لايجوز أن تكون جسما لطيفا من عالم الملكوت تتعلق بالبدن أوتدخله وتخرج عندالموت وتبقي محفوظة إلي النشور كماسنحققه إن شاء الله تعالي . قوله تعالي اللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَ حِينَ مَوتِها قال الطبرسي قدس الله سره أي يقبضها إليه وقت موتها وانقضاء آجالها والمعني حين موت أبدانها وأجسادها علي حذف المضاف وَ التّيِ لَم تَمُت فِي مَنامِها أي يتوفي الأنفس التي لم تمت في منامها والتي تتوفي عندالنوم هي النفس التي يكون بهاالعقل والتمييز فهي التي تفارق النائم فلايعقل والتي تتوفي عندالموت هي نفس الحياة التي إذازالت زال معها النفس والنائم يتنفس فالفرق بين قبض النوم وقبض الموت أن قبض النوم يضاد اليقظ وقبض الموت يضاد الحياة وقبض النوم يكون الروح معه وقبض الموت يخرج الروح من البدن فَيُمسِكُ التّيِ قَضي عَلَيهَا المَوتَ إلي يوم القيامةوَ يُرسِلُ الأُخرييعني الأنفس التي لم يقض علي موتها يريد نفس النائم إِلي أَجَلٍ مُسَمّي قدسمي لموته إِنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي دلالات واضحات علي توحيد الله وكمال قدرته لِقَومٍ يَتَفَكّرُونَ في الأدلة إذ لايقدر علي قبض النفوس تارة بالنوم وتارة بالموت غير الله تعالي قال ابن عباس في بني آدم نفس و
صفحه : 27
روح وبينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بهاالعقل والتمييز والروح التي بهاالنفس والتحريك فإذانام قبض الله نفسه و لم يقبض روحه و إذامات قبض الله نفسه وروحه ويؤيده مَا رَوَاهُ العيَاّشيِّ بِالإِسنَادِ عَنِ الحَسَنِ بنِ مَحبُوبٍ عَن عَمرِو بنِ ثَابِتٍ أَبِي المِقدَامِ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ مَا مِن أَحَدٍ يَنَامُ إِلّا عَرَجَت نَفسُهُ إِلَي السّمَاءِ وَ بَقِيَت رُوحُهُ فِي بَدَنِهِ وَ صَارَ بَينَهُمَا سَبَبٌ كَشُعَاعِ الشّمسِ فَإِذَا أَذِنَ اللّهُ فِي قَبضِ الأَروَاحِ أَجَابَتِ الرّوحُ وَ النّفسُ وَ إِن أَذِنَ اللّهُ فِي رَدّ الرّوحِ أَجَابَتِ النّفسُ وَ الرّوحُ وَ هُوَ قَولُهُ سُبحَانَهُاللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَ حِينَ مَوتِها وَ التّيِ لَم تَمُت فِي مَنامِهافَمَهمَا رَأَت فِي مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ فَهُوَ مِمّا لَهُ تَأوِيلٌ وَ مَا رَأَت فِيمَا بَينَ السّمَاءِ وَ الأَرضِ فَهُوَ مِمّا يُخَيّلُهُ الشّيطَانُ وَ لَا تَأوِيلَ لَهُ
و قال الرازي النفس الإنسانية عبارة عن جوهر مشرق روحاني إذاتعلّق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء و هوالحياة فنقول إن وقت الموت ينقطع تعلّقه عن ظاهر البدن و عن باطنه و ذلك هوالموت و أما في وقت النوم فإنه ينقطع تعلّقه عن ظاهر البدن فثبت أن النوم والموت من جنس واحد إلا أن الموت انقطاع تامّ كامل والنوم انقطاع ناقص من بعض الوجوه إذاثبت هذاظهر أن القادر العالم القديم الحكيم دبر تعلّق جوهر النفس بالبدن علي ثلاثة أوجه أحدها أن يقع ضوء النفس علي جميع أجزاء البدن ظاهره وباطنه و ذلك هواليقظة وثانيها أن ينقطع ضوء النفس عن البدن بالكلية و هوالموت وثالثها أن ينقطع ضوء النفس عن ظاهر البدن دون باطنه و هوالنوم .فَلَو لا إِذا بَلَغَتِ الحُلقُومَ قال الطبرسي رحمه الله أي فهلا إذابلغت النفس الحلقوم عندالموت وَ أَنتُم يا أهل الميّتحِينَئِذٍ تَنظُرُونَ أي ترون تلك الحال و
صفحه : 28
قدصار إلي أن تخرج نفسه وقيل معناه تنظرون لايمكنكم الدفع و لاتملكون شيئا.ألّذِي خَلَقَ المَوتَ وَ الحَياةَ قال الرازي قالوا الحياة هي الصفة التي يكون الموصوف بهابحيث يصح أن يعلم ويقدر واختلفوا في الموت فقال قوم إنه عبارة عن عدم هذه الصفة و قال أصحابنا إنه صفة وجودية مضادة للحياة واحتجوا بهذه الآية لأن العدم لا يكون مخلوقا
1- معَاَنيِ الأَخبَارِ، قَالَ حدَثّنَيِ غَيرُ وَاحِدٍ مِن أَصحَابِنَا عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ الكوُفيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَنِ الحُسَينِ بنِ الحَسَنِ عَن بَكرٍ عَنِ القَاسِمِ بنِ عُروَةَ عَن عَبدِ الحَمِيدِ الطاّئيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ قَالَ سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ ع عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِكَيفَ هَذَا النّفخُ فَقَالَ إِنّ الرّوحَ مُتَحَرّكٌ كَالرّيحِ وَ إِنّمَا سمُيَّ رُوحاً لِأَنّهُ اشتُقّ اسمُهُ مِنَ الرّيحِ وَ إِنّمَا أَخرَجَهُ عَلَي لَفظَةِ الرّيحِ لِأَنّ الرّوحَ مُجَانِسٌ لِلرّيحِ وَ إِنّمَا أَضَافَهُ إِلَي نَفسِهِ لِأَنّهُ اصطَفَاهُ عَلَي سَائِرِ الأَروَاحِ كَمَا اصطَفَي بَيتاً مِنَ البُيُوتِ فَقَالَ بيَتيِ وَ قَالَ لِرَسُولٍ مِنَ الرّسُلِ خلَيِليِ وَ أَشبَاهِ ذَلِكَ وَ كُلّ ذَلِكَ مَخلُوقٌ مَصنُوعٌ مُحدَثٌ مَربُوبٌ مُدَبّرٌ
الكافي، عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن القاسم بن العروة مثله الاحتجاج ، عن محمد بن مسلم
مثله بيان لعل إخراجه علي لفظة الريح كما في الكافي عبارة عن التعبير عن إيجاده
صفحه : 29
في البدن بالنفخ فيه لمناسبة الروح للريح ومجانسته إياه واعلم أن الروح قدتطلق علي النفس الناطقة التي تزعم الحكماء أنها مجردة وهي محل العلوم والكمالات ومدبرة للبدن و قدتطلق علي الروح الحيواني و هوالبخار اللطيف المنبعث من القلب الساري في جميع الجسد و هذاالخبر وأمثاله يحتملهما و إن كانت بالأخيرة بعضها أنسب وقيل الروح و إن لم تكن في أصل جوهرها من هذاالعالم إلا أن لها مظاهر ومجالي في الجسد وأول مظهر لها فيه بخار لطيف دخاني شبيه في لطافته واعتداله بالجرم السماوي ويقال له الروح الحيواني و هومستوي الروح الرباني ألذي هو من عالم الأمر ومركبه ومطية قواه فعبر ع عن الروح بمظهره تقريبا إلي الأفهام لأنها قاصرة عن فهم حقيقته كماأشير إليه بقوله تعالي قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ وَ ما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَلِيلًا ولأن مظهره هذا هوالمنفوخ دون أصله . و قال البيضاويفَإِذا سَوّيتُهُعدلت خلقه وهيأته لنفخ الروح وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ حتي جري آثاره في تجاويف أعصابه فحيي وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر و لما كان الروح يتعلق أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلي أعماق البدن جعل تعلقه نفخا. و قال النيسابوري النفخ إجراء الريح في تجاويف جسم آخر فمن زعم أن الروح جسم لطيف كالهواء سار في البدن فمعناه ظاهر و من قال إنه جوهر مجرد غيرمتحيز و لاحال في متحيز فمعني النفخ عنده تهيئة البدن لأجل تعلق النفس الناطقة به قال جار الله ليس ثم نفخ و لامنفوخ وإنما هوتمثيل لتحصيل مايحيا به فيه و لاخلاف في أن الإضافة في قوله روُحيِللتشريف والتكريم مثل ناقَةَ اللّهِ وبيت الله
صفحه : 30
و قال الرازي قوله تعالي فَإِذا سَوّيتُهُ وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِيدل علي أن تخليق البشر لايتم إلابأمرين التسوية أولا ثم نفخ الروح ثانيا و هذاحق لأن الإنسان مركب من جسد ونفس أماالجسد فإنه يتولد من المني والمني إنما يتولد من دم الطمث و هوإنما يتولد من الأخلاط وهي إنما تتولد من الأركان الأربعة فلابد في حصول هذه التسوية من رعاية المدة التي في مثلها يحصل ذلك المزاج ألذي لأجله يحصل الاستعداد لقبول النفس الناطقة فأما النفس فإليها الإشارة بقوله وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ و لماأضاف الروح إلي نفسه دل علي أنه جوهر شريف علوي قدسي وذهبت الحلولية إلي أن كلمة من تدل علي التبعيض و هذايوهم أن الروح جزء من أجزاء الله و هذا في غاية الفساد لأن كل ما له جزء فهو مركب وممكن الوجود لذاته ومحدث و أماكيفية نفخ الروح فاعلم أن الأقوي أن جوهر النفس عبارة عن أجرام شفافة نورانية علوية العنصر قدسية الجواهر وهي تسري في هذاالبدن سريان الضوء في الهواء والنار في الفحم فهذا القدر معلوم أماكيفية ذلك النفخ فمما لايعلمه إلا الله تعالي
2- قُربُ الإِسنَادِ، عَن هَارُونَ بنِ مُسلِمٍ عَن مَسعَدَةَ بنِ زِيَادٍ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَن أَبِيهِ ع أَنّ رُوحَ آدَمَ ع لَمّا أُمِرَت أَن تَدخُلَ فِيهِ كَرِهَتهُ فَأَمَرَهَا أَن تَدخُلَ كَرهاً وَ تَخرُجَ كَرهاً
بيان لايبعد أن يكون المعني أن الروح لماكانت من عالم الملكوت وهي لاتناسب البدن فلما خلقها الله خلقا تحتاج في تصرفها وأعمالها وترقياتها إلي البدن فكأنها تعلقت به كرها فلما أنست به ونسيت ماكانت عليه صعبت عليها مفارقتها للبدن أو أنه لماكانت محتاجة إلي البدن ورأته ضائعة مختلة لايمكنها إعمالها فيما تريد فارقته كرها
صفحه : 31
3- العِلَلُ، وَ الخِصَالُ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي اليقَطيِنيِّ عَنِ القَاسِمِ بنِ يَحيَي عَن جَدّهِ الحَسَنِ عَن أَبِي بَصِيرٍ وَ مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَن آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع لَا يَنَامُ الرّجُلُ وَ هُوَ جُنُبٌ وَ لَا يَنَامُ إِلّا عَلَي طَهُورٍ فَإِن لَم يَجِدِ المَاءَ فَليَتَيَمّم بِالصّعِيدِ فَإِنّ رُوحَ المُؤمِنِ تُرفَعُ إِلَي اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي فَيَقبَلُهَا وَ يُبَارِكُ عَلَيهَا فَإِن كَانَ أَجَلُهَا قَد حَضَرَ جَعَلَهَا فِي كُنُوزِ رَحمَتِهِ وَ إِن لَم يَكُن أَجَلُهَا قَد حَضَرَ بَعَثَ بِهَا مَعَ أُمَنَائِهِ مِن مَلَائِكَتِهِ فَيَرُدّونَهَا فِي جَسَدِهَا
4-مَجَالِسُ الصّدُوقِ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن يَعقُوبَ بنِ يَزِيدَ عَن بَعضِ أَصحَابِهِ عَن زَكَرِيّا بنِ يَحيَي عَن مُعَاوِيَةَ بنِ عَمّارٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ إِنّ العِبَادَ إِذَا نَامُوا خَرَجَت أَروَاحُهُم إِلَي السّمَاءِ فَمَا رَأَتِ الرّوحُ فِي السّمَاءِ فَهُوَ الحَقّ وَ مَا رَأَت فِي الهَوَاءِ فَهُوَ الأَضغَاثُ أَلَا وَ إِنّ الأَروَاحَ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ فَإِذَا كَانَتِ الرّوحُ فِي السّمَاءِ تَعَارَفَت
صفحه : 32
وَ تَبَاغَضَت فَإِذَا تَعَارَفَت فِي السّمَاءِ تَعَارَفَت فِي الأَرضِ وَ إِذَا تَبَاغَضَت فِي السّمَاءِ تَبَاغَضَت فِي الأَرضِ
5- التّوحِيدُ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ السنّاَنيِّ وَ غَيرِهِ عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ الكوُفيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ البرَمكَيِّ عَن عَلِيّ بنِ العَبّاسِ عَن عُبَيسِ بنِ هِشَامٍ عَن عَبدِ الكَرِيمِ بنِ عَمرٍو عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع فِي قَولِهِ عَزّ وَ جَلّفَإِذا سَوّيتُهُ وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ قَالَ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ خَلَقَ خَلقاً وَ خَلَقَ رُوحاً ثُمّ أَمَرَ مَلَكاً فَنَفَخَ فِيهِ فَلَيسَت باِلتّيِ نَقَصَت مِن قُدرَةِ اللّهِ شَيئاً هيَِ مِن قُدرَتِهِ
6-مَجَالِسُ الصّدُوقِ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن أَحمَدَ وَ عَبدِ اللّهِ ابنيَ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي وَ مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَنِ الحَسَنِ بنِ مَحبُوبٍ عَن مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ النوّفلَيِّ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ الصّادِقِ ع المُؤمِنُ يَرَي الرّؤيَا فَتَكُونُ كَمَا رَآهَا وَ رُبّمَا رَأَي الرّؤيَا فَلَا تَكُونُ شَيئاً فَقَالَ إِنّ المُؤمِنَ إِذَا نَامَ خَرَجَت مِن رُوحِهِ حَرَكَةٌ مَمدُودَةٌ صَاعِدَةٌ إِلَي السّمَاءِ فَكُلّ مَا رَآهُ رُوحُ المُؤمِنِ فِي مَلَكُوتِ السّمَاءِ فِي مَوضِعِ التّقدِيرِ وَ التّدبِيرِ فَهُوَ الحَقّ وَ كُلّ مَا رَآهُ فِي الأَرضِ فَهُوَ أَضغَاثُ أَحلَامٍ فَقُلتُ لَهُ وَ تَصعَدُ رُوحُ
صفحه : 33
المُؤمِنِ إِلَي السّمَاءِ قَالَ نَعَم قُلتُ حَتّي لَا يَبقَي شَيءٌ فِي بَدَنِهِ فَقَالَ لَا لَو خَرَجَت كُلّهَا حَتّي لَا يَبقَي مِنهَا شَيءٌ إِذاً لَمَاتَ قُلتُ فَكَيفَ تَخرُجُ فَقَالَ أَ مَا تَرَي الشّمسَ فِي السّمَاءِ فِي مَوضِعِهَا وَ ضَوؤُهَا وَ شُعَاعُهَا فِي الأَرضِ فَكَذَلِكَ الرّوحُ أَصلُهَا فِي البَدَنِ وَ حَرَكَتُهَا مَمدُودَةٌ
بيان فقه هذه الأخبار موقوف علي تحقيق حقيقة الروح و قدمضي بعض القول فيها وسيأتي تمامه إن شاء الله
7-الإِحتِجَاجُ، عَن هِشَامِ بنِ الحَكَمِ أَنّهُ سَأَلَ الصّادِقَ ع قَالَ فأَخَبرِنيِ عَمّن قَالَ بِتَنَاسُخِ الأَروَاحِ مِن أَيّ شَيءٍ قَالُوا ذَلِكَ وَ بأِيَّ حُجّةٍ قَامُوا عَلَي مَذَاهِبِهِم قَالَ إِنّ أَصحَابَ التّنَاسُخِ قَد خَلّفُوا وَرَاءَهُم مِنهَاجَ الدّينِ وَ زَيّنُوا لِأَنفُسِهِمُ الضّلَالَاتِ وَ أَمرَجُوا أَنفُسَهُم فِي الشّهَوَاتِ وَ زَعَمُوا أَنّ السّمَاءَ خَاوِيَةٌ مَا فِيهَا شَيءٌ مِمّا يُوصَفُ وَ أَنّ مُدَبّرَ هَذَا العَالَمِ فِي صُورَةِ المَخلُوقِينَ بِحُجّةِ مَن رَوَي أَنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ خَلَقَ آدَمَ عَلَي صُورَتِهِ وَ أَنّهُ لَا جَنّةَ وَ لَا نَارَ وَ لَا بَعثَ وَ لَا نُشُورَ وَ القِيَامَةُ عِندَهُم خُرُوجُ الرّوحِ مِن قَالَبِهِ وَ وُلُوجُهُ فِي قَالَبٍ آخَرَ إِن كَانَ مُحسِناً فِي القَالَبِ الأَوّلِ أُعِيدَ فِي قَالَبٍ أَفضَلَ مِنهُ حُسناً فِي أَعلَي دَرَجَةِ الدّنيَا وَ إِن كَانَ مُسِيئاً أَو غَيرَ عَارِفٍ صَارَ فِي بَعضِ الدّوَابّ المُتعَبَةِ فِي الدّنيَا أَو هَوَامّ مُشَوّهَةِ الخِلقَةِ وَ لَيسَ عَلَيهِم صَومٌ وَ لَا صَلَاةٌ وَ لَا شَيءٌ مِنَ العِبَادَةِ أَكثَرَ مِن مَعرِفَةِ مَن تَجِبُ عَلَيهِم مَعرِفَتُهُ وَ كُلّ شَيءٍ مِن شَهَوَاتِ الدّنيَا مُبَاحٌ لَهُم مِن فُرُوجِ النّسَاءِ وَ غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الأَخَوَاتِ وَ البَنَاتِ وَ الخَالَاتِ وَ ذَوَاتِ البُعُولَةِ وَ كَذَلِكَ المَيتَةُ وَ الخَمرُ وَ الدّمُ فَاستَقبَحَ مَقَالَتَهُم كُلّ الفِرَقِ وَ لَعَنَهُم كُلّ الأُمَمِ فَلَمّا سُئِلُوا الحُجّةَ زَاغُوا وَ حَادُوا فَكَذّبَ مَقَالَتَهُمُ التّورَاةُ وَ لَعَنَهُمُ الفُرقَانُ وَ زَعَمُوا مَعَ ذَلِكَ أَنّ إِلَهَهُم يَنتَقِلُ مِن قَالَبٍ إِلَي قَالَبٍ وَ أَنّ الأَروَاحَ الأَزَلِيّةَ هيَِ التّيِ
صفحه : 34
كَانَت فِي آدَمَ ثُمّ هَلُمّ جَرّاً إِلَي يَومِنَا هَذَا فِي وَاحِدٍ بَعدَ آخَرَ فَإِذَا كَانَ الخَالِقُ فِي صُورَةِ المَخلُوقِ فَبِمَا يُستَدَلّ عَلَي أَنّ أَحَدَهُمَا خَالِقُ صَاحِبِهِ وَ قَالُوا إِنّ المَلَائِكَةَ مِن وُلدِ آدَمَ كُلّ مَن صَارَ فِي أَعلَي دَرَجَةِ دِينِهِم خَرَجَ مِن مَنزِلَةِ الِامتِحَانِ وَ التّصفِيَةِ فَهُوَ مَلَكٌ فَطَوراً تَخَالُهُم نَصَارَي فِي أَشيَاءَ وَ طَوراً دَهرِيّةً يَقُولُونَ إِنّ الأَشيَاءَ عَلَي غَيرِ الحَقِيقَةِ فَقَد كَانَ يَجِبُ عَلَيهِم أَن لَا يَأكُلُوا شَيئاً مِنَ اللّحمَانِ لِأَنّ الدّوَابّ عِندَهُم كُلّهَا مِن وُلدِ آدَمَ حُوّلُوا فِي صُوَرِهِم فَلَا يَجُوزُ أَكلُ لُحُومِ القُرُبَاتِ وَ سَاقَ الحَدِيثَ الطّوِيلَ إِلَي أَن قَالَ أخَبرِنيِ عَنِ السّرَاجِ إِذَا انطَفَأَ أَينَ يَذهَبُ نُورُهُ قَالَ يَذهَبُ فَلَا يَعُودُ قَالَ فَمَا أَنكَرتَ أَن يَكُونَ الإِنسَانُ مِثلَ ذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَ فَارَقَ الرّوحُ البَدَنَ لَم يَرجِع إِلَيهِ أَبَداً كَمَا لَا يَرجِعُ ضَوءُ السّرَاجِ إِلَيهِ أَبَداً إِذَا انطَفَأَ قَالَ لَم تُصِبِ القِيَاسَ إِنّ النّارَ فِي الأَجسَامِ كَامِنَةٌ وَ الأَجسَامَ قَائِمَةٌ بِأَعيَانِهَا كَالحَجَرِ وَ الحَدِيدِ فَإِذَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ سَطَعَت مِن بَينِهِمَا نَارٌ يُقتَبَسُ مِنهَا سِرَاجٌ لَهُ الضّوءُ فَالنّارُ ثَابِتَةٌ فِي أَجسَامِهَا وَ الضّوءُ ذَاهِبٌ وَ الرّوحُ جِسمٌ رَقِيقٌ قَد أُلبِسَ قَالَباً كَثِيفاً وَ لَيسَ بِمَنزِلَةِ السّرَاجِ ألّذِي ذَكَرتَ إِنّ ألّذِي خَلَقَ فِي الرّحِمِ جَنِيناً مِن مَاءٍ صَافٍ وَ رَكّبَ فِيهِ ضُرُوباً مُختَلِفَةً مِن عُرُوقٍ وَ عَصَبٍ وَ أَسنَانٍ وَ شَعرٍ وَ عِظَامٍ وَ غَيرِ ذَلِكَ هُوَ يُحيِيهِ بَعدَ مَوتِهِ وَ يُعِيدُهُ بَعدَ فَنَائِهِ قَالَ فَأَينَ الرّوحُ قَالَ فِي بَطنِ الأَرضِ حَيثُ مَصرَعِ البَدَنِ إِلَي وَقتِ البَعثِ قَالَ فَمَن صُلِبَ أَينَ رُوحُهُ قَالَ فِي كَفّ المَلَكِ ألّذِي قَبَضَهَا حَتّي يُودِعَهَا الأَرضَ قَالَ فأَخَبرِنيِ عَنِ الرّوحِ أَ غَيرُ الدّمِ قَالَ نَعَم الرّوحُ عَلَي مَا وَصَفتُ لَكَ مَادّتُهُ مِنَ الدّمِ وَ مِنَ الدّمِ رُطُوبَةُ الجِسمِ وَ صَفَاءُ اللّونِ وَ حُسنُ الصّوتِ وَ كَثرَةُ الضّحكِ فَإِذَا جَمَدَ الدّمُ فَارَقَ الرّوحُ البَدَنَ قَالَ فَهَل يُوصَفُ بِخِفّةٍ وَ ثِقَلٍ وَ وَزنٍ قَالَ الرّوحُ بِمَنزِلَةِ الرّيحِ فِي الزّقّ إِذَا نَفَختَ فِيهِ امتَلَأَ الزّقّ مِنهَا فَلَا يَزِيدُ فِي وَزنِ الزّقّ وُلُوجُهَا فِيهِ وَ لَا يَنقُصُهَا خُرُوجُهَا مِنهُ كَذَلِكَ الرّوحُ لَيسَ لَهَا ثِقَلٌ وَ لَا وَزنٌ
صفحه : 35
قَالَ فأَخَبرِنيِ مَا جَوهَرُ الرّيحِ قَالَ الرّيحُ هَوَاءٌ إِذَا تَحَرّكَ سمُيَّ رِيحاً فَإِذَا سَكَنَ سمُيَّ هَوَاءً وَ بِهِ قِوَامُ الدّنيَا وَ لَو كُفّ الرّيحُ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ لَفَسَدَ كُلّ شَيءٍ عَلَي وَجهِ الأَرضِ وَ نَتُنَ وَ ذَلِكَ أَنّ الرّيحَ بِمَنزِلَةِ المِروَحَةِ تَذُبّ وَ تَدفَعُ الفَسَادَ عَن كُلّ شَيءٍ وَ تُطَيّبُهُ فهَيَِ بِمَنزِلَةِ الرّوحِ إِذَا خَرَجَ مِنَ البَدَنِ نَتُنَ البَدَنُ وَ تَغَيّرَفَتَبارَكَ اللّهُ أَحسَنُ الخالِقِينَ قَالَ أَ فَيَتَلَاشَي الرّوحُ بَعدَ خُرُوجِهِ عَن قَالَبِهِ أَم هُوَ بَاقٍ قَالَ بَل هُوَ بَاقٍ إِلَي وَقتِيُنفَخُ فِي الصّورِفَعِندَ ذَلِكَ تَبطُلُ الأَشيَاءُ وَ تَفنَي فَلَا حِسّ وَ لَا مَحسُوسَ ثُمّ أُعِيدَتِ الأَشيَاءُ كَمَا بَدَأَهَا مُدَبّرُهَا وَ ذَلِكَ أَربَعُمِائَةِ سَنَةٍ يَسبُتُ فِيهَا الخَلقُ وَ ذَلِكَ بَينَ النّفخَتَينِ قَالَ وَ أَنّي لَهُ بِالبَعثِ وَ البَدَنُ قَد بلَيَِ وَ الأَعضَاءُ قَد تَفَرّقَت فَعُضوٌ بِبَلدَةٍ تَأكُلُهَا سِبَاعُهَا وَ عُضوٌ بِأُخرَي تُمَزّقُهُ هَوَامّهَا وَ عُضوٌ قَد صَارَ تُرَاباً بنُيَِ بِهِ مَعَ الطّينِ حَائِطٌ قَالَ إِنّ ألّذِي أَنشَأَهُ مِن غَيرِ شَيءٍ وَ صَوّرَهُ عَلَي غَيرِ مِثَالٍ كَانَ سَبَقَ إِلَيهِ قَادِرٌ أَن يُعِيدَهُ كَمَا بَدَأَهُ قَالَ أَوضِح لِي ذَلِكَ قَالَ إِنّ الرّوحَ مُقِيمَةٌ فِي مَكَانِهَا رُوحُ المُحسِنِ فِي ضِيَاءٍ وَ فُسحَةٍ وَ رُوحُ المسُيِءِ فِي ضِيقٍ وَ ظُلمَةٍ وَ البَدَنُ يَصِيرُ تُرَاباً كَمَا مِنهُ خُلِقَ وَ مَا تَقذِفُ بِهِ السّبَاعُ وَ الهَوَامّ مِن أَجوَافِهَا مِمّا أَكَلَتهُ وَ مَزّقَتهُ كُلّ ذَلِكَ فِي التّرَابِ مَحفُوظٌ عِندَ مَنلا يَعزُبُ عَنهُ مِثقالُ ذَرّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ وَ يَعلَمُ عَدَدَ الأَشيَاءِ وَ وَزنَهَا وَ إِنّ تُرَابَ الرّوحَانِيّينَ بِمَنزِلَةِ الذّهَبِ فِي التّرَابِ فَإِذَا كَانَ حِينَ البَعثِ مُطِرَتِ الأَرضُ مَطَرَ النّشُورِ فَتَربُو الأَرضُ ثُمّ تُمخَضُ مَخضَ السّقَاءِ فَيَصِيرُ تُرَابُ البَشَرِ كَمَصِيرِ الذّهَبِ مِنَ التّرَابِ إِذَا غُسِلَ بِالمَاءِ وَ الزّبَدِ مِنَ اللّبَنِ إِذَا مُخِضَ فَيَجتَمِعُ تُرَابُ كُلّ قَالَبٍ فَيُنقَلُ بِإِذنِ اللّهِ القَادِرِ إِلَي حَيثُ الرّوحِ فَتَعُودُ الصّوَرُ بِإِذنِ المُصَوّرِ كَهَيئَتِهَا وَ تَلِجُ الرّوحُ فِيهَا فَإِذَا قَدِ استَوَي لَا يُنكِرُ مِن نَفسِهِ شَيئاً
بيان من فروج النساء أي الأجانب غيرذات البعولة وظاهر الخبر أن الروح جسم لطيف وأوله بعض القائلين بالتجرد بتأويلات ستأتي الإشارة إلي بعضها
صفحه : 36
وكذا أولوا مَا روُيَِ عَنِ الصّادِقِ ع فِي وَصفِ الرّوحِ أَنّهُ قَالَ وَ بِهَا يُؤمَرُ البَدَنُ وَ يُنهَي وَ يُثَابُ وَ يُعَاقَبُ وَ قَد تُفَارِقُهُ وَ يُلبِسُهَا اللّهُ سُبحَانَهُ غَيرَهُ كَمَا تَقتَضِيهِ حِكمَتُهُ
و قال بعضهم قوله ع و قدتفارقه ويلبسها الله غيره صريح في أنها مجردة عن البدن مستقلة و أنه ليس المراد بهاالروح البخارية قال و أماإطلاق الجسم عليه فلأن نشأة الملكوت أيضا جسمانية من حيث الصورة و إن لم تكن مادية
8-العِلَلُ، وَ العُيُونُ، عَن أَبِيهِ وَ مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ الحمِيرَيِّ وَ مُحَمّدِ بنِ يَحيَي العَطّارِ وَ أَحمَدَ بنِ إِدرِيسَ جَمِيعاً عَن أَحمَدَ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ البرَقيِّ عَن أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بنِ قَاسِمٍ الجعَفرَيِّ عَن أَبِي جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ الثاّنيِ ع قَالَأَقبَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع ذَاتَ يَومٍ وَ مَعَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ ع وَ سَلمَانُ الفاَرسِيِّ رَحِمَهُ اللّهُ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ مُتّكِئٌ عَلَي يَدِ سَلمَانَ وَ دَخَلَ مَسجِدَ الحَرَامِ إِذ أَقبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيئَةِ وَ اللّبَاسِ فَسَلّمَ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَرَدّ ع فَجَلَسَ ثُمّ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَسأَلُكَ عَن ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِن أخَبرَتنَيِ بِهِنّ عَلِمتُ أَنّ القَومَ رَكِبُوا مِن أَمرِكَ مَا أقَضيِ عَلَيهِم أَنّهُم لَيسُوا مَأمُونِينَ فِي دُنيَاهُم وَ لَا فِي آخِرَتِهِم وَ إِن تَكُنِ الأُخرَي عَلِمتُ أَنّكَ وَ هُم شَرَعٌ سَوَاءٌ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع سلَنيِ عَمّا بَدَا لَكَ فَقَالَ أخَبرِنيِ عَنِ الرّجُلِ إِذَا نَامَ أَينَ تَذهَبُ رُوحُهُ وَ عَنِ الرّجُلِ كَيفَ يَذكُرُ وَ يَنسَي وَ عَنِ الرّجُلِ كَيفَ يُشبِهُ وَلَدُهُ الأَعمَامَ وَ الأَخوَالَ فَالتَفَتَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع إِلَي أَبِي مُحَمّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ ع فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ أَجِبهُ فَقَالَ ع أَمّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن أَمرِ الإِنسَانِ إِذَا نَامَ أَينَ تَذهَبُ رُوحُهُ فَإِنّ رُوحَهُ مُتَعَلّقَةٌ بِالرّيحِ وَ الرّيحُ مُتَعَلّقَةٌ بِالهَوَاءِ إِلَي وَقتِ مَا يَتَحَرّكُ صَاحِبُهَا لِليَقَظَةِ فَإِن أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ بِرَدّ تِلكَ الرّوحِ عَلَي صَاحِبِهَا جَذَبَت تِلكَ الرّوحُ الرّيحَ وَ جَذَبَت تِلكَ الرّيحُ الهَوَاءَ فَرَجَعَتِ الرّوحُ فَاستَكَنَت فِي بَدَنِ صَاحِبِهَا فَإِن لَم يَأذَنِ اللّهُ عَزّ
صفحه : 37
وَ جَلّ بِرَدّ تِلكَ الرّوحِ عَلَي صَاحِبِهَا جَذَبَ الهَوَاءُ الرّيحَ فَجَذَبَتِ الرّيحُ الرّوحَ فَلَم تُرَدّ عَلَي صَاحِبِهَا إِلَي وَقتِ مَا يُبعَثُ وَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن أَمرِ الذّكرِ وَ النّسيَانِ فَإِنّ قَلبَ الرّجُلِ فِي حُقّ وَ عَلَي الحُقّ طَبَقٌ فَإِن صَلّي الرّجُلُ عِندَ ذَلِكَ عَلَي مُحَمّدٍ وَ آلِ مُحَمّدٍ صَلَاةً تَامّةً انكَشَفَ ذَلِكَ الطّبَقُ عَن ذَلِكَ الحُقّ فَأَضَاءَ القَلبُ وَ ذَكَرَ الرّجُلُ مَا كَانَ نسَيَِ وَ إِن هُوَ لَم يُصَلّ عَلَي مُحَمّدٍ وَ آلِ مُحَمّدٍ أَو نَقَصَ مِنَ الصّلَاةِ عَلَيهِم انطَبَقَ ذَلِكَ الطّبَقُ عَلَي ذَلِكَ الحُقّ فَأَظلَمَ القَلبُ وَ نسَيَِ الرّجُلُ مَا كَانَ ذَكَرَهُ وَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن أَمرِ المَولُودِ ألّذِي يُشبِهُ أَعمَامَهُ وَ أَخوَالَهُ فَإِنّ الرّجُلَ إِذَا أَتَي أَهلَهُ فَجَامَعَهَا بِقَلبٍ سَاكِنٍ وَ عُرُوقٍ هَادِئَةٍ وَ بَدَنٍ غَيرِ مُضطَرِبٍ فَاستَكَنَت تِلكَ النّطفَةُ فِي جَوفِ الرّحِمِ خَرَجَ الوَلَدُ يُشبِهُ أَبَاهُ وَ أُمّهُ وَ إِن هُوَ أَتَاهَا بِقَلبٍ غَيرِ سَاكِنٍ وَ عُرُوقٍ غَيرِ هَادِئَةٍ وَ بَدَنٍ مُضطَرِبٍ اضطَرَبَتِ النّطفَةُ فَوَقَعَت فِي حَالِ اضطِرَابِهَا عَلَي بَعضِ العُرُوقِ فَإِن وَقَعَت عَلَي عِرقٍ مِن عُرُوقِ الأَعمَامِ أَشبَهَ الوَلَدُ أَعمَامَهُ وَ إِن وَقَعَت عَلَي عِرقٍ مِن عُرُوقِ الأَخوَالِ أَشبَهَ الوَلَدُ أَخوَالَهُ فَقَالَ الرّجُلُ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ لَم أَزَل أَشهَدُ بِهَا أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ لَم أَزَل أَشهَدُ بِذَلِكَ وَ أَشهَدُ أَنّكَ وصَيِّ رَسُولِهِ وَ القَائِمُ بِحُجّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع وَ لَم أَزَل أَشهَدُ بِهَا وَ أَشهَدُ أَنّكَ وَصِيّهُ وَ القَائِمُ بِحُجّتِهِ أَشَارَ إِلَي الحَسَنِ ع وَ أَشهَدُ أَنّ الحُسَينَ بنَ عَلِيّ وصَيِّ أَبِيكَ وَ القَائِمُ بِحُجّتِهِ بَعدَكَ وَ أَشهَدُ عَلَي عَلِيّ بنِ الحُسَينِ أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ الحُسَينِ بَعدَهُ وَ أَشهَدُ عَلَي مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ وَ أَشهَدُ عَلَي جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ وَ أَشهَدُ عَلَي مُوسَي بنِ جَعفَرٍ أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ وَ أَشهَدُ عَلَي عَلِيّ بنِ
صفحه : 38
مُوسَي أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ مُوسَي بنِ جَعفَرٍ وَ أَشهَدُ عَلَي مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ عَلِيّ بنِ مُوسَي وَ أَشهَدُ عَلَي عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ وَ أَشهَدُ عَلَي الحَسَنِ بنِ عَلِيّ أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ وَ أَشهَدُ عَلَي رَجُلٍ مِن وُلدِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ لَا يُسَمّي وَ لَا يُكَنّي حَتّي يَظهَرَ أَمرُهُ فَيَملَؤُهَا عَدلًا كَمَا مُلِئَت جَوراً أَنّهُ القَائِمُ بِأَمرِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ وَ السّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمّ قَامَ وَ مَضَي فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع يَا أَبَا مُحَمّدٍ اتّبِعهُ فَانظُر أَينَ يَقصِدُ فَخَرَجَ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ ع فِي أَثَرِهِ قَالَ فَمَا كَانَ إِلّا أَن وَضَعَ رِجلَهُ خَارِجَ المَسجِدِ فَمَا دَرَيتُ أَينَ أَخَذَ مِن أَرضِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ فَرَجَعتُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَأَعلَمتُهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ أَ تَعرِفُهُ قُلتُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ أَعلَمُ فَقَالَ هُوَ الخَضِرُ
الإحتجاج ،مرسلا مثله المحاسن ، عن أبيه عن داود بن القاسم
مثله بيان فإن روحه متعلقة بالريح يحتمل أن يكون المراد بالروح الروح الحيوانية وبالريح النفس وبالهواء الهواء الخارج المنجذب بالنفس و أن يكون المراد بالروح النفس مجردة كانت أم مادية وبالريح الروح الحيوانية لشباهتها بالريح في لطافتها وتحركها ونفوذها في مجاري البدن وبالهواء النفس والحق جمع حقة بالضم فيهما وهي وعاء من خشب ولعل الجمعية هنا لاشتمال القلب الصنوبري علي تجاويف وأغشية أولاشتمال محله عليها أوهي باعتبار الإفراط والحق مخفف حقة والطبق محركة غطاء كل شيء و لايبعد أن يكون الكلام مبنيا علي الاستعارة والتمثيل فإن الصلاة علي محمد وآل محمد لماكانت سببا للقرب من المبدإ واستعداد النفس لإفاضة العلوم عليها فكان الشواغل النفسانية الموجبة للبعد عن الحق
صفحه : 39
تعالي طبق عليها فتصير الصلاة سببا لكشفه وتنوّر القلب واستعداده لفيض الحق إما بإفاضة الصورة ثانية أوباستردادها من الخزانة
9-تَفسِيرُ عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ، عَن أَبِيهِ عَن دَاوُدَ بنِ القَاسِمِ الجعَفرَيِّ عَن أَبِي جَعفَرٍ الثاّنيِ ع قَالَأَقبَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع يَوماً وَ يَدُهُ عَلَي عَاتِقِ سَلمَانَ مَعَهُ الحَسَنُ ع حَتّي دَخَلَ المَسجِدَ فَلَمّا جَلَسَ جَاءَ رَجُلٌ عَلَيهِ بُردٌ حَسَنٌ فَسَلّمَ وَ جَلَسَ بَينَ يدَيَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أُرِيدُ أَن أَسأَلَكَ عَن مَسَائِلَ فَإِن أَنتَ أَجَبتَ مِنهَا عَلِمتُ أَنّ القَومَ نَالُوا مِنكَ وَ أَنتَ أَحَقّ بِهَذَا الأَمرِ مِن غَيرِكَ وَ إِن لَم تجُبِنيِ عَنهَا عَلِمتُ أَنّكَ وَ القَومَ شَرَعٌ سَوَاءٌ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع سَلِ ابنيِ هَذَا يعَنيِ الحَسَنَ فَأَقبَلَ الرّجُلُ بِوَجهِهِ عَلَي الحَسَنِ ع فَقَالَ لَهُ يَا بنُيَّ أخَبرِنيِ عَنِ الرّجُلِ إِذَا نَامَ أَينَ يَكُونُ رُوحُهُ وَ عَنِ الرّجُلِ يَسمَعُ الشيّءَ فَيَذكُرُهُ دَهراً ثُمّ يَنسَاهُ فِي وَقتِ الحَاجَةِ إِلَيهِ كَيفَ هَذَا وَ أخَبرِنيِ عَنِ الرّجُلِ يَلِدُ لَهُ الأَولَادُ مِنهُم مَن يُشبِهُ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ وَ مِنهُم مَن يُشبِهُ أُمّهُ وَ أَخوَالَهُ فَكَيفَ هَذَا فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ ع نَعَم أَمّا الرّجُلُ إِذَا نَامَ فَإِنّ رُوحَهُ يَخرُجُ مِثلَ شُعَاعِ الشّمسِ فَيَتَعَلّقُ بِالرّيحِ وَ الرّيحُ بِالهَوَاءِ فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَن تَرجِعَ جَذَبَ الهَوَاءُ الرّيحَ وَ جَذَبَ الرّيحُ الرّوحَ فَرَجَعَت إِلَي البَدَنِ فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَن يَقبِضَهَا جَذَبَ الهَوَاءُ الرّيحَ وَ جَذَبَ الرّيحُ الرّوحَ فَقَبَضَهَا وَ أَمّا الرّجُلُ ألّذِي يَنسَي الشيّءَ ثُمّ يَذكُرُهُ فَمَا مِن أَحَدٍ إِلّا عَلَي رَأسِ فُؤَادِهِ حُقّةٌ مَفتُوحَةُ الرّأسِ فَإِذَا سَمِعَ الشيّءَ وَقَعَ فِيهَا فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَن يَنسَاهَا طَبّقَ عَلَيهَا وَ إِذَا أَرَادَ أَن يَذكُرَهُ فَتَحَهَا وَ هَذَا دَلِيلُ الإِلَهِيّةِ وَ أَمّا الرّجُلُ ألّذِي يَلِدُ لَهُ الأَولَادُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرّجُلِ مَاءَ المَرأَةِ فَإِنّ الوَلَدَ يُشبِهُ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ وَ إِذَا سَبَقَ مَاءُ المَرأَةِ مَاءَ الرّجُلِ يُشبِهُ أُمّهُ وَ أَخوَالَهُ فَالتَفَتَ الرّجُلُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَقَالَ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ لَم أَزَل أَقُولُهَا وَ أَشهَدُ
صفحه : 40
أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ وَ لَم أَزَل أَقُولُهَا وَ أَشهَدُ أَنّكَ وصَيِّ مُحَمّدٍ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أُمّتِهِ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ حَقّاً وَ أَنّ الحَسَنَ القَائِمُ بِأَمرِكَ وَ أَنّ الحُسَينَ القَائِمُ مِن بَعدِهِ بِأَمرِهِ وَ أَنّ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ القَائِمُ بِأَمرِهِ مِن بَعدِهِ وَ أَنّ مُحَمّدَ بنَ عَلِيّ وَ جَعفَرَ بنَ مُحَمّدٍ وَ مُوسَي بنَ جَعفَرٍ وَ عَلِيّ بنَ مُوسَي وَ مُحَمّدَ بنَ عَلِيّ وَ عَلِيّ بنَ مُحَمّدٍ وَ الحَسَنَ بنَ عَلِيّ وَ وصَيِّ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ القَائِمُ بِالقِسطِ المُنتَظَرُ ألّذِي يَملَؤُهَا قِسطاً وَ عَدلًا كَمَا مُلِئَت ظُلماً وَ جَوراً ثُمّ قَامَ وَ خَرَجَ مِن بَابِ المَسجِدِ فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع لِلحَسَنِ هَذَا أخَيِ الخَضِرُ
بيان و هذادليل الإلهية أي كون الذكر والنسيان بيد الله و من قبله دليل علي وجود الصانع كما قال أمير المؤمنين ع عرفت الله بفسخ العزائم و في بعض النسخ الإلهامية أي العلوم الإلهامية فإنه إذا كان الذكر من قبله تعالي فالعلوم كلها منه ويجوز أن يلهم من يشاء من عباده مايشاء والأول أظهر
10- التّوحِيدُ، عَن أَحمَدَ بنِ الحَسَنِ القَطّانِ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ السكّراَنيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ زَكَرِيّا الجوَهرَيِّ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عُمَارَةَ عَن أَبِيهِ عَنِ الصّادِقِ عَن آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع إِنّ لِلجِسمِ سِتّةَ أَحوَالٍ الصّحّةَ وَ المَرَضَ وَ المَوتَ وَ الحَيَاةَ وَ النّومَ وَ اليَقَظَةَ وَ كَذَلِكَ الرّوحُ فَحَيَاتُهَا عِلمُهَا وَ مَوتُهَا جَهلُهَا وَ مَرَضُهَا شَكّهَا وَ صِحّتُهَا يَقِينُهَا وَ نَومُهَا غَفلَتُهَا وَ يَقَظَتُهَا حِفظُهَا
11-مُنتَخَبُ البَصَائِرِ، عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ وَ مُوسَي بنِ عُمَرَ عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ عَنِ المُفَضّلِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَمَثَلُ رُوحِ المُؤمِنِ وَ بَدَنِهِ كَجَوهَرَةٍ فِي صُندُوقٍ إِذَا أُخرِجَتِ الجَوهَرَةُ مِنهُ طُرِحَ الصّندُوقُ وَ لَم يُعبَأ بِهِ وَ قَالَ إِنّ الأَروَاحَ
صفحه : 41
لَا تُمَازِجُ البَدَنَ وَ لَا تُوَاكِلُهُ وَ إِنّمَا هيَِ كِلَلٌ لِلبَدَنِ مُحِيطَةٌ بِهِ
البصائر، عن بعض أصحابنا عن المفضل مثله بيان استدل بآخر هذه الرواية علي تجرد الروح إذ لم يقل أحد بكونها جسما خارجا من البدن ويمكن أن يكون هذابيان حالها بعدالموت فإن أول الخبر ظاهره الدخول
12- المَنَاقِبُ لِابنِ شَهرَآشُوبَ، سَأَلَ أَبَا بَكرٍ نَصرَانِيّانِ مَا الفَرقُ بَينَ الحُبّ وَ البُغضِ وَ مَعدِنُهُمَا وَاحِدٌ وَ مَا الفَرقُ بَينَ الرّؤيَا الصّادِقَةِ وَ الرّؤيَا الكَاذِبَةِ وَ مَعدِنُهُمَا وَاحِدٌ فَأَشَارَ إِلَي عُمَرَ فَلَمّا سَأَلَاهُ أَشَارَ إِلَي عَلِيّ فَلَمّا سَأَلَاهُ عَنِ الحُبّ وَ البُغضِ قَالَ إِنّ اللّهَ تَعَالَي خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَجسَادِ بأِلَفيَ عَامٍ فَأَسكَنَهَا الهَوَاءَ فَمَهمَا تَعَارَفَ هُنَاكَ ائتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَهمَا تَنَاكَرَ هُنَاكَ اختَلَفَ هَاهُنَا ثُمّ سَأَلَاهُ عَنِ الحِفظِ وَ النّسيَانِ فَقَالَ إِنّ اللّهَ تَعَالَي خَلَقَ ابنَ آدَمَ وَ جَعَلَ لِقَلبِهِ غَاشِيَةً فَمَهمَا مَرّ بِالقَلبِ وَ الغَاشِيَةُ مُنفَتِحَةٌ حَفِظَ وَ أَحصَي وَ مَهمَا مَرّ بِالقَلبِ وَ الغَاشِيَةُ مُنطَبِقَةٌ لَم يَحفَظ وَ لَم يُحصِ ثُمّ سَأَلَاهُ عَنِ الرّؤيَا الصّادِقَةِ وَ الرّؤيَا الكَاذِبَةِ فَقَالَ ع إِنّ اللّهَ تَعَالَي خَلَقَ الرّوحَ وَ جَعَلَ لَهَا سُلطَاناً فَسُلطَانُهَا النّفسُ فَإِذَا نَامَ العَبدُ خَرَجَ الرّوحُ وَ بقَيَِ سُلطَانُهُ فَيَمُرّ بِهِ جِيلٌ مِنَ المَلَائِكَةِ وَ جِيلٌ مِنَ الجِنّ فَمَهمَا كَانَ مِنَ الرّؤيَا الصّادِقَةِ فَمِنَ المَلَائِكَةِ وَ مَهمَا كَانَ مِنَ الرّؤيَا الكَاذِبَةِ فَمِنَ الجِنّ فَأَسلَمَا عَلَي يَدَيهِ وَ قُتِلَا مَعَهُ يَومَ صِفّينَ
بيان يحتمل أن تكون الغاشية كناية عما يعرض القلب من الخيالات الفاسدة والتعلقات الباطلة لأنها شاغلة للنفس عن إدراك العلوم والمعارف كماينبغي و عن حفظها كمامر والمراد بالنفس هنا إما الروح البخارية الحيوانية وبالروح النفس الناطقة فالمراد بقوله سلطانها السلطان المنسوب من قبلها علي البدن وأنها مسلطة علي
صفحه : 42
الروح من جهة أن تعلقها بالبدن مشروطة بها وتابعة لها فإذازالت الحيوانية انقطع تعلق الناطقة أوخرجت عن البدن ويحتمل العكس فالمراد بخروج الروح خروجها من الأعضاء الظاهرة وميلها إلي الباطن وتسلط الناطقة علي الحيوانية ظاهر لكونها المدبرة للبدن وجميع أجزائه والتفريع في قوله ع فيمر به علي الوجهين ظاهر فإنه لبقاء السلطان في البدن لم تذهب الحياة بالكلية وبقيت الحواس الباطنة مدركة فإلهام الملائكة ووساوس الشياطين أيضا باقية
13- العيَاّشيِّ، عَن زُرَارَةَ قَالَ سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ ع عَن قَولِ اللّهِيَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ قَالَ خَلقٌ مِن خَلقِ اللّهِ وَ اللّهُيَزِيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ
بيان يمكن حمل الخبر علي الروح الإنساني و إن كان ظاهره الملك أوخلق أعظم منه كمامر
14- العيَاّشيِّ، عَن أَبِي بَصِيرٍ عَن أَحَدِهِمَا ع قَالَ سَأَلتُهُ عَن قَولِهِوَ يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ قَالَ التّيِ فِي الدّوَابّ وَ النّاسِ قُلتُ وَ مَا هيَِ قَالَ هيَِ مِنَ المَلَكُوتِ مِنَ القُدرَةِ
15- وَ عَن أَسبَاطِ بنِ سَالِمٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ خَلقٌ أَعظَمُ مِن جَبرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ هُوَ مَعَ الأَئِمّةِ يُفَقّهُهُم وَ هُوَ مِنَ المَلَكُوتِ
16- المَنَاقِبُ،يُونُسُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ سَأَلَ ابنُ أَبِي العَوجَاءِ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع لِمَ يَمِيلُ القَلبُ إِلَي الخُضرَةِ أَكثَرَ مِمّا يَمِيلُ إِلَي غَيرِهَا قَالَ مِن قِبَلِ أَنّ اللّهَ تَعَالَي خَلَقَ القَلبَ أَخضَرَ وَ مِن شَأنِ الشيّءِ أَن يَمِيلَ إِلَي شَكلِهِ
صفحه : 43
17- جَامِعُ الأَخبَارِ، سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع الرّجُلُ نَائِمٌ هُنَا وَ المَرأَةُ النّائِمَةُ يَرَيَانِ أَنّهُمَا بِمَكّةَ أَو بِمِصرٍ مِنَ الأَمصَارِ أَروَاحُهُمَا خَارِجٌ مِن أَبدَانِهِمَا قَالَ لَا يَا أَبَا بَصِيرٍ فَإِنّ الرّوحَ إِذَا فَارَقَتِ البَدَنَ لَم تَعُد إِلَيهِ غَيرَ أَنّهَا بِمَنزِلَةِ عَينِ الشّمسِ هيَِ مُرَكّبَةٌ[مَركُوزَةٌ] فِي السّمَاءِ فِي كَبِدِهَا وَ شُعَاعُهَا فِي الدّنيَا
18- عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ إِنّ العِبَادَ إِذَا نَامُوا خَرَجَت أَروَاحُهُم إِلَي السّمَاءِ الدّنيَا فَمَا رَأَتِ الرّوحُ فِي السّمَاءِ الدّنيَا فَهُوَ الحَقّ وَ مَا رَأَت فِي الهَوَاءِ فَهُوَ الأَضغَاثُ
19- روُيَِ عَن أَبِي الحَسَنِ ع يَقُولُ إِنّ المَرءَ إِذَا نَامَ فَإِنّ رُوحَ الحَيَوَانِ بَاقِيَةٌ فِي البَدَنِ وَ ألّذِي يَخرُجُ مِنهُ رُوحُ العَقلِ فَقَالَ عَبدُ الغَفّارِ الأسَلمَيِّ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّاللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَ حِينَ مَوتِها إِلَي قَولِهِإِلي أَجَلٍ مُسَمّي أَ فَلَيسَ تُرَي الأَروَاحُ كُلّهَا تَصِيرُ إِلَيهِ عِندَ مَنَامِهَا فَيُمسِكُ مَا يَشَاءُ وَ يُرسِلُ مَا يَشَاءُ فَقَالَ لَهُ أَبُو الحَسَنِ ع إِنّمَا يَصِيرُ إِلَيهِ أَروَاحُ العُقُولِ فَأَمّا أَروَاحُ الحَيَاةِ فَإِنّهَا فِي الأَبدَانِ لَا يَخرُجُ إِلّا بِالمَوتِ وَ لَكِنّهُ إِذَا قَضَي عَلَي نَفسٍ المَوتَ قَبَضَ الرّوحَ ألّذِي فِيهِ العَقلُ وَ لَو كَانَت رُوحُ الحَيَاةِ خَارِجَةً لَكَانَ بَدَناً مُلقًي لَا يَتَحَرّكُ وَ لَقَد ضَرَبَ اللّهُ لِهَذَا مَثَلًا فِي كِتَابِهِ فِي أَصحَابِ الكَهفِ حَيثُ قَالَوَ نُقَلّبُهُم ذاتَ اليَمِينِ وَ ذاتَ الشّمالِ أَ فَلَا تَرَي أَنّ أَروَاحَهُم فِيهِم بِالحَرَكَاتِ
توضيح الظاهر أن الروح التي في خبر أبي بصير المراد بهاروح الحياة أوالمراد بالخروج في الأخبار الأخر إعراضها عن البدن وتوجهها إلي عالمها الأصلية وهي عالم الملكوت كمايظهر من التمثيل بالشمس قوله ع ولكنه إذاقضي أي بالنوم وكأن فيه سقطا
20-الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ عَن أَبِي نَهشَلٍ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَن أَبِي حَمزَةَ الثمّاَليِّ قَالَ سَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ ع يَقُولُ إِنّ اللّهَ خَلَقَنَا مِن أَعلَي عِلّيّينَ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمّا خَلَقَنَا مِنهُ وَ خَلَقَ أَبدَانَهُم مِن دُونِ ذَلِكَ
صفحه : 44
فَقُلُوبُهُم تهَويِ إِلَينَا لِأَنّهَا خُلِقَت مِمّا خُلِقنَا مِنهُ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَكَلّا إِنّ كِتابَ الأَبرارِ لفَيِ عِلّيّينَ وَ ما أَدراكَ ما عِلّيّونَ كِتابٌ مَرقُومٌ يَشهَدُهُ المُقَرّبُونَ وَ خَلَقَ عَدُوّنَا مِن سِجّينٍ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِم مِمّا خَلَقَهُم مِنهُ وَ أَبدَانَهُم مِن دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُم تهَويِ إِلَيهِم لِأَنّهَا خُلِقَت مِمّا خُلِقُوا مِنهُ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَكَلّا إِنّ كِتابَ الفُجّارِ لفَيِ سِجّينٍ وَ ما أَدراكَ ما سِجّينٌ كِتابٌ مَرقُومٌ
بيان اختلف المفسرون في تفسير عليين فقيل إنها مراتب عالية محفوفة بالجلالة وقيل السماء السابعة وقيل سدرة المنتهي وقيل الجنة وقيل أعلي مراتبها وقيل لوح من زبرجد أخضر معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه والسجين الأرض السابعة أوأسفل منها أوجب في جهنم والمراد أن كتابة أعمالهم أو مايكتب منها في عليين أي في دفتر أعمالهم أوالمراد أن دفتر أعمالهم في تلك الأمكنة الشريفة و علي الأخير فيه حذف مضاف أي و ماأدراك ما كتاب عليين و أماالاستشهاد بالآيتين في الخبر فيحتمل وجهين أحدهما أن دفتر أعمالهم موضوع في مكان أخذت منه طينتهم وثانيهما أن يكون علي تفسيره ع المراد بالكتاب الروح لأن الروح هوالكتاب ألذي فيه علوم المقربين ومعارفهم وجهالات المضلين وخرافاتهم
21- الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن أَبِي يَحيَي الواَسطِيِّ عَن بَعضِ أَصحَابِنَا عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ إِنّ اللّهَ خَلَقَنَا مِن عِلّيّينَ وَ خَلَقَ أَروَاحَنَا مِن فَوقِ ذَلِكَ وَ خَلَقَ أَروَاحَ شِيعَتِنَا مِن عِلّيّينَ وَ خَلَقَ أَجسَادَهُم مِن دُونِ ذَلِكَ فَمِن أَجلِ ذَلِكَ القَرَابَةُ بَينَنَا وَ بَينَهُم وَ قُلُوبُهُم تَحِنّ إِلَينَا
بيان خلقنا أي أبداننا من فوق ذلك أي أعلي عليين من دون ذلك أي أدني عليين فمن أجل ذلك أي من أجل كون أبداننا وأرواحنا مخلوقة
صفحه : 45
من عليين وكون أرواحهم وأجسادهم أيضا مخلوقة من عليين ويحتمل أن يكون المراد بقوله من فوق ذلك من مكان أرفع من عليين وبقوله من دون ذلك من مكان أسفل من عليين فالقرابة من حيث كون أرواحنا وأبدانهم من عليين قوله تحن أي تهوي كما قال تعالي فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تهَويِ إِلَيهِم
22- الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي بنِ عُبَيدٍ عَن مُحَمّدِ بنِ شُعَيبٍ عَن عِمرَانَ بنِ إِسحَاقَ الزعّفرَاَنيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ مَروَانَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ إِنّ اللّهَ خَلَقَنَا مِن نُورِ عَظَمَتِهِ ثُمّ صَوّرَ خَلقَنَا مِن طِينَةٍ مَخزُونَةٍ مَكنُونَةٍ فَأَسكَنَ ذَلِكَ النّورَ فِيهِ فَكُنّا نَحنُ خَلقاً وَ بَشَراً نُورَانِيّينَ لَم يُجعَل لِأَحَدٍ فِي مِثلِ ألّذِي خُلِقنَا نَصِيبٌ وَ خَلَقَ أَروَاحَ شِيعَتِنَا مِن طِينَتِنَا وَ أَبدَانَهُم مِن طِينَةٍ مَخزُونَةٍ مَكنُونَةٍ أَسفَلَ مِن ذَلِكَ الطّينَةِ وَ لَم يَجعَلِ اللّهُ لِأَحَدٍ فِي مِثلِ ألّذِي خَلَقَهُم مِنهُ نَصِيباً إِلّا لِلأَنبِيَاءِ فَلِذَلِكَ صِرنَا نَحنُ وَ هُمُ النّاسَ وَ سَائِرُ النّاسِ هَمَجٌ لِلنّارِ وَ إِلَي النّارِ
توضيح إن الله خلقنا أي أرواحنا من نور عظمته أي من نور يدل علي كمال عظمته وقدرته ثم صور خلقنا أي خلق لنا أجسادا مثالية شبيهة بالأجساد الأصيلة فهي صور خلقهم وأمثلته فيدل علي أن لهم أجسادا مثالية قبل تعلق أرواحهم المقدسة بأبدانهم المطهرة و بعدمفارقتها إياه بل معها أيضا كما أن لنا بعدموتنا أجسادا مثالية تتعلق أرواحنا بها كمامر في كتاب المعاد بل يمكن أن تكون أجسادنا المثالية أيضا كذلك و يكون مانري في المنام فيها كما هورأي جماعة و من فسر التصوير في هذاالخبر بتصوير الأجساد الأصيلة فقد أبعد فكنا خلقا وبشرا
صفحه : 46
نورانيين فالخلق للروح والبشر للجسد المثالي فإنه بصورة البشر وكونهما نورانيين بناء علي كونهما جسمين لطيفين منورين من عالم الملكوت بناء علي كون الروح جسما و علي القول بتجردها كناية عن خلوه عن الظلمة الهيولائية وقبوله للأنوار القدسية والإفاضات الربانية في مثل ألذي خلقنا أي خلق أرواحنا منه من طينتنا أي طينة أجسادنا والخبر يدل علي فضلهم علي الأنبياء ع بل يومئ إلي مساواة شيعتهم لهم والمراد بالناس أولا الناس بحقيقة الإنسانية وثانيا مايطلق عليه الإنسان في العرف العام والهمج محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط علي وجوه الأغنام والحمير ولعله ع شبههم بهم لازدحامهم دفعة علي كل ناعق وبراحهم عنه بأدني سبب للنار أي خلقوا لها واللام للعاقبة و إلي النار أي مصيرهم إليها
23- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن عَلِيّ بنِ حَسّانَ وَ مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن سَلَمَةَ بنِ خَطّابٍ وَ غَيرِهِ عَن عَلِيّ بنِ حَسّانَ عَن عَلِيّ بنِ عَطِيّةَ عَن عَلِيّ بنِ رِئَابٍ رَفَعَهُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع قَالَ إِنّ لِلّهِ نَهَراً دُونَ عَرشِهِ وَ دُونَ النّهَرِ ألّذِي دُونَ عَرشِهِ نُورٌ نَوّرَهُ وَ إِنّ فِي حاَفتَيَِ النّهَرِ رُوحَينِ مَخلُوقَينِ رُوحُ القُدُسِ وَ رُوحٌ مِن أَمرِهِ وَ إِنّ لِلّهِ عَشرَ طِينَاتٍ خَمسَةً مِنَ الجَنّةِ وَ خَمسَةً مِنَ الأَرضِ فَفَسّرَ الجِنَانَ وَ فَسّرَ الأَرضَ ثُمّ قَالَ مَا مِن نبَيِّ وَ لَا مَلَكٍ مِن بَعدِهِ جَبَلَهُ إِلّا نَفَخَ فِيهِ مِن إِحدَي الرّوحَينِ وَ جَعَلَ النّبِيّ مِن إِحدَي الطّينَتَينِ قُلتُ لأِبَيِ الحَسَنِ الأَوّلِ ع مَا الجَبلُ فَقَالَ الخَلقُ غَيرُنَا أَهلَ البَيتِ فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ خَلَقَنَا مِنَ العَشرِ طِينَاتٍ وَ نَفَخَ فِينَا مِنَ الرّوحَينِ جَمِيعاً فَأَطيَبَ بِهَا طِيباً
وَ رَوَي غَيرُهُ عَن أَبِي الصّامِتِ قَالَ طِينُ الجِنَانِ جَنّةُ عَدنٍ وَ جَنّةُ المَأوَي وَ النّعِيمُ وَ الفِردَوسُ وَ الخُلدُ وَ طِينُ الأَرضِ مَكّةُ وَ المَدِينَةُ وَ الكُوفَةُ وَ بَيتُ المَقدِسِ وَ الحَيرُ
صفحه : 47
بيان دون عرشه أي عنده نوره ماض من التفعيل والمستتر فيه راجع إلي النور والبارز إلي النهر أوالعرش أوالمستتر إلي الله والبارز إلي النور مبالغة في إضاءته ولمعانه و في البصائر نور من نوره وكأنه أصوب أي من الأنوار التي خلقها الله سبحانه وحافتا النهر بالتخفيف جانباه مخلوقين إبطال لقول النصاري إن عيسي روح الله غيرمخلوق روح القدس أي هما روح القدس وروح من أمره أي الروح ألذي قال الله فيه قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ وستأتي الأقوال فيه وظاهر الخبر إما الروح الإنساني أوالروح ألذي يؤيد الله به الأئمة ع ففسر الجنان الظاهر أنه كلام ابن رئاب والضمير المستتر لأمير المؤمنين ع وقيل لأبي الحسن ع والتفسير إشارة إلي ماذكر بعده في خبر أبي الصامت ثم قال أي أمير المؤمنين ع و لاملك بالتحريك و قديقرؤها بكسر اللام أي إمام كما قال تعالي وَ آتَيناهُم مُلكاً عَظِيماً و هوبعيد وجملة من بعده جبله نعت ملك وضمير بعده لنبي وضمير جبله للملك إشارة إلي أن النبي أفضل من الملك فالمراد بالبعدية ماهي بحسب الرتبة وجعل النبي إنما لم يذكر الملك هنا لذكره سابقا وقيل لأنه ليس للملك جسد مثل جسد الإنسان قوله ماالجبل هوبفتح الجيم وسكون الباء سؤال عن مصدر الفعل المتقدم و هوكلام ابن رئاب ففسره ع بالخلق والأظهر عندي أن غيرنا تتمة الكلام السابق علي الاستثناء المنقطع واعتراض السؤال والجواب بين الكلام قبل تمامه و ليس تتمة لتفسير الجبل كماتوهمه الأكثر. قال الشيخ البهائي قدس سره يعني مادة بدننا لاتمسي جبلة بل طينة لأنها خلق من العشر طينات انتهي قال الفيروزآبادي الجبلة مثلثة ومحركة وكطمرة الخلقة والطبيعة وككتاب الجسد والبدن وجبلهم الله يجبل ويجبل خلقهم و علي الشيء طبعه وجبره كأجبله انتهي . وأطيب بهاصيغة التعجب وطيبا منصوب علي الاختصاص و في بعض
صفحه : 48
نسخ البصائر طينا بالنون فالنصب علي التميز أي ماأطيبها من طينة وروي غيره كأنه كلام ابن عطية ويحتمل بعض أصحاب الكتب قبله وضمير غيره لابن رئاب و أبوالصامت راوي الباقر والصادق ع والظاهر أنه رواه عن أحدهما والحير حائر الحسين ع و قال بعضهم كأنه ع شبه علم الأنبياء ع بالنهر لمناسبة مابينهما في كون أحدهما مادة حياة الروح والآخر مادة حياة الجسم وعبر عنه بالنور لإضاءته وعبر عن علم من دونهم من العلماء بنور النور لأنه من شعاع ذلك النور و كما أن حافتي النهر يحفظان الماء في النهر ويحيطان به فيجري إلي مستقره كذلك الروحان يحفظان العلم ويحيطان به ليجري إلي مستقره و هوقلب النبي أوالوصي والطينات الجنانية كأنها من الملكوت والأرضية من الملك فإن من مزجهما خلق أبدان نبيناص والأوصياء ع من أهل البيت بخلاف سائر الأنبياء والملائكة فإنهم خلقوا من إحدي الطينتين كما أن لهم إحدي الروحين خاصة
24- الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن سَهلِ بنِ زِيَادٍ عَن مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ عَن سَدِيرٍ الصيّرفَيِّ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع جُعِلتُ فِدَاكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ هَل يُكرَهُ المُؤمِنُ عَلَي قَبضِ رُوحِهِ قَالَ لَا وَ اللّهِ إِنّهُ إِذَا أَتَاهُ مَلَكُ المَوتِ لِقَبضِ رُوحِهِ جَزِعَ عِندَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَهُ مَلَكُ المَوتِ يَا ولَيِّ اللّهِ لَا تَجزَع فَوَ ألّذِي بَعَثَ مُحَمّداً لَأَنَا أَبَرّ بِكَ وَ أَشفَقُ عَلَيكَ مِن وَالِدٍ رَحِيمٍ لَو حَضَرَكَ افتَح عَينَيكَ فَانظُر قَالَ يَتَمَثّلُ لَهُ رَسُولُ اللّهِص وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ وَ الأَئِمّةُ مِن ذُرّيّتِهِم ع فَيُقَالُ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ وَ الأَئِمّةُ ع رُفَقَاؤُكَ قَالَ فَيَفتَحُ عَينَيهِ فَيَنظُرُ فيَنُاَديِ رُوحَهُ مُنَادٍ مِن قِبَلِ رَبّ العِزّةِ فَيَقُولُيا أَيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنّةُ إِلَي مُحَمّدٍ وَ أَهلِ بَيتِهِارجعِيِ إِلي رَبّكِ راضِيَةًبِالوَلَايَةِمَرضِيّةًبِالثّوَابِفاَدخلُيِ فِي عبِاديِيعَنيِ مُحَمّداً وَ أَهلَ بَيتِهِوَ ادخلُيِ جنَتّيِفَمَا شَيءٌ أَحَبّ إِلَيهِ مِنِ استِلَالِ رُوحِهِ وَ اللّحُوقِ باِلمنُاَديِ
صفحه : 49
25- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَن يُونُسَ عَن خَالِدِ بنِ عَمّارٍ عَن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع إِذَا حِيلَ بَينَهُ وَ بَينَ الكَلَامِ أَتَاهُ رَسُولُ اللّهِص وَ مَن شَاءَ اللّهُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ عَن يَمِينِهِ وَ الآخَرُ عَن يَسَارِهِ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ أَمّا مَا كُنتَ تَرجُو فَهُوَ ذَا أَمَامَكَ وَ أَمّا مَا كُنتَ تَخَافُ فَقَد أَمِنتَ مِنهُ ثُمّ يُفتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَي الجَنّةِ فَيَقُولُ هَذَا مَنزِلُكَ مِنَ الجَنّةِ فَإِن شِئتَ رَدَدنَاكَ إِلَي الدّنيَا وَ لَكَ فِيهَا ذَهَبٌ وَ فِضّةٌ فَيَقُولُ لَا حَاجَةَ لِي فِي الدّنيَا وَ سَاقَ إِلَي قَولِهِ فَإِذَا خَرَجَتِ النّفسُ مِنَ الجَسَدِ فَيُعرَضُ عَلَيهَا كَمَا عُرِضَ عَلَيهِ وَ هيَِ فِي الجَسَدِ فَيَختَارُ الآخِرَةَ فَيُغَسّلُهُ فِيمَن يُغَسّلُهُ وَ يُقَلّبُهُ فِيمَن يُقَلّبُهُ فَإِذَا أُدرِجَ فِي أَكفَانِهِ وَ وُضِعَ عَلَي سَرِيرِهِ خَرَجَت رُوحُهُ تمَشيِ بَينَ أيَديِ القَومِ قُدُماً وَ تَلقَاهُ أَروَاحُ المُؤمِنِينَ يُسَلّمُونَ عَلَيهِ وَ يُبَشّرُونَهُ بِمَا أَعَدّ اللّهُ لَهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ مِنَ النّعِيمِ فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبرِهِ رُدّ إِلَيهِ الرّوحُ إِلَي وَرِكَيهِ ثُمّ يُسأَلُ عَمّا يَعلَمُ فَإِذَا جَاءَ بِمَا يَعلَمُ فُتِحَ لَهُ ذَلِكَ البَابُ ألّذِي أَرَاهُ رَسُولُ اللّهِص فَيَدخُلُ عَلَيهِ مِن نُورِهَا وَ بَردِهَا وَ طِيبِ رِيحِهَا الحَدِيثَ
26- وَ مِنهُ، عَنِ العِدّةِ عَن سَهلِ بنِ زِيَادٍ عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَن مُحَمّدِ بنِ الفُضَيلِ عَن أَبِي حَمزَةَ قَالَ سَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ ع يَقُولُ إِنّ آيَةَ المُؤمِنِ إِذَا حَضَرَهُ المَوتُ بِبَيَاضِ وَجهِهِ[يَبيَاضّ وَجهُهُ]أَشَدّ مِن بَيَاضِ لَونِهِ وَ يَرشَحُ جَبِينُهُ وَ يَسِيلُ مِن عَينَيهِ كَهَيئَةِ الدّمُوعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُرُوجَ نَفسِهِ وَ إِنّ الكَافِرَ تَخرُجُ نَفسُهُ سَيلًا[سَلّا] مِن شِدقِهِ كَزَبَدِ البَعِيرِ أَو كَمَا تَخرُجُ نَفسُ البَعِيرِ
27- وَ مِنهُ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ النوّفلَيِّ عَنِ السكّوُنيِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص يَا عَلِيّ إِنّ مَلَكَ المَوتِ إِذَا نَزَلَ لِقَبضِ
صفحه : 50
رُوحِ الكَافِرِ نَزَلَ وَ مَعَهُ سَفّودٌ مِن نَارٍ فَيَنزِعُ رُوحَهُ فَيَصِيحُ جَهَنّمُ الحَدِيثَ
28- الفَقِيهُ، قَالَ قَالَ الصّادِقُ ع إِذَا قُبِضَتِ الرّوحُ فهَيَِ مُظِلّةٌ فَوقَ الجَسَدِ رُوحُ المُؤمِنِ وَ غَيرُهُ يَنظُرُ إِلَي كُلّ شَيءٍ يُصنَعُ بِهِ فَإِذَا كُفّنَ وَ وُضِعَ عَلَي السّرِيرِ وَ حُمِلَ عَلَي أَعنَاقِ الرّجَالِ عَادَتِ الرّوحُ إِلَيهِ فَدَخَلَت فِيهِ فَيُمَدّ لَهُ فِي بَصَرِهِ فَيَنظُرُ إِلَي مَوضِعِهِ مِنَ الجَنّةِ أَو مِنَ النّارِ فيَنُاَديِ بِأَعلَي صَوتِهِ إِن كَانَ مِن أَهلِ الجَنّةِ عجَلّوُنيِ عجَلّوُنيِ وَ إِن كَانَ مِن أَهلِ النّارِ ردُوّنيِ ردُوّنيِ وَ هُوَ يَعلَمُ كُلّ شَيءٍ يُصنَعُ بِهِ وَ يَسمَعُ الكَلَامَ
29- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ الحَسَنِ بنِ مَحبُوبٍ عَن أَبِي وَلّادٍ الحَنّاطِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ يَروُونَ أَنّ أَروَاحَ المُؤمِنِينَ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضرٍ حَولَ العَرشِ فَقَالَ لَا المُؤمِنُ أَكرَمُ عَلَي اللّهِ مِن أَن يُجعَلَ رُوحُهُ فِي حَوصَلَةِ طَيرٍ لَكِن فِي أَبدَانٍ كَأَبدَانِهِم
30- وَ مِنهُ،بِإِسنَادِهِ عَن يُونُسَ بنِ ظَبيَانَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ فَإِذَا قَبَضَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ صَيّرَ تِلكَ الرّوحَ فِي قَالَبٍ كَقَالَبِهِ فِي الدّنيَا فَيَأكُلُونَ وَ يَشرَبُونَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَيهِمُ القَادِمُ عَرَفُوهُ بِتِلكَ الصّورَةِ التّيِ كَانَت فِي الدّنيَا
31- وَ مِنهُ،بِسَنَدٍ مُوَثّقٍ عَن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع إِنّا نَتَحَدّثُ عَن أَروَاحِ المُؤمِنِينَ أَنّهَا فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضرٍ تَرعَي فِي الجَنّةِ وَ تأَويِ إِلَي قَنَادِيلَ تَحتَ العَرشِ فَقَالَ لَا إِذاً مَا هيَِ فِي حَوَاصِلِ طَيرٍ قُلتُ فَأَينَ هيَِ قَالَ فِي رَوضَةٍ كَهَيئَةِ الأَجسَادِ فِي الجَنّةِ
32- وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي عَن أَبِي بَصِيرٍ عَنهُ ع قَالَ إِنّ الأَروَاحَ فِي صِفَةِ الأَجسَادِ
صفحه : 51
فِي شَجَرٍ فِي الجَنّةِ تَعَارَفُ وَ تَسَاءَلُ
33- وَ مِنهُ،بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن ضُرَيسٍ الكنُاَسيِّ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ إِنّ لِلّهِ جَنّةً خَلَقَهَا اللّهُ فِي المَغرِبِ وَ مَاءُ فُرَاتِكُم هَذِهِ يَخرُجُ مِنهَا وَ إِلَيهَا تَخرُجُ أَروَاحُ المُؤمِنِينَ مِن حُفَرِهِم عِندَ كُلّ مَسَاءٍ فَتَسقُطُ عَلَي ثِمَارِهَا وَ تَأكُلُ مِنهَا وَ تَتَنَعّمُ فِيهَا وَ تَتَلَاقَي وَ تَتَعَارَفُ فَإِذَا طَلَعَ الفَجرُ هَاجَت مِنَ الجَنّةِ فَكَانَت فِي الهَوَاءِ فِيمَا بَينَ السّمَاءِ وَ الأَرضِ تَطِيرُ ذَاهِبَةً وَ جَائِيَةً وَ تَعهَدُ حُفَرَهَا إِذَا طَلَعَتِ الشّمسُ وَ تَتَلَاقَي فِي الهَوَاءِ وَ تَتَعَارَفُ قَالَ وَ إِنّ لِلّهِ نَاراً فِي المَشرِقِ خَلَقَهَا لِيُسكِنَهَا أَروَاحَ الكُفّارِ وَ يَأكُلُونَ مِن زَقّومِهَا وَ يَشرَبُونَ مِن حَمِيمِهَا لَيلَهُم فَإِذَا طَلَعَتِ الفَجرُ هَاجَت إِلَي وَادٍ بِاليَمَنِ يُقَالُ لَهُ بَرَهُوتُ أَشَدّ حَرّاً مِن نِيرَانِ الدّنيَا كَانُوا فِيهَا يَتَلَاقَونَ وَ يَتَعَارَفُونَ فَإِذَا كَانَ المَسَاءُ عَادُوا إِلَي النّارِ فَهُم كَذَلِكَ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ الحَدِيثَ
34- وَ مِنهُ،بِإِسنَادِهِ عَن حَبّةَ العرُنَيِّ قَالَ خَرَجتُ مَعَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع إِلَي الظّهرِ فَوَقَفَ بوِاَديِ السّلَامِ كَأَنّهُ مُخَاطِبٌ لِأَقوَامٍ فَقُمتُ بِقِيَامِهِ حَتّي أَعيَيتُ ثُمّ جَلَستُ حَتّي مَلِلتُ ثُمّ قُمتُ حَتّي ناَلنَيِ مِثلُ مَا ناَلنَيِ أَوّلًا ثُمّ جَلَستُ حَتّي مَلِلتُ ثُمّ قُمتُ وَ جَمَعتُ ردِاَئيِ فَقُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ قَد أَشفَقتُ عَلَيكَ مِن طُولِ القِيَامِ فَرَاحَةَ سَاعَةٍ ثُمّ طَرَحتُ الرّدَاءَ لِيَجلِسَ عَلَيهِ فَقَالَ لِي يَا حَبّةُ إِن هُوَ إِلّا مُحَادَثَةُ مُؤمِنٍ أَو مُؤَانَسَتُهُ قَالَ قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ إِنّهُم لَكَذَلِكَ قَالَ نَعَم وَ لَو كُشِفَ لَكَ لَرَأَيتَهُم حَلَقاً حَلَقاً مُحتَبِينَ يَتَحَادَثُونَ فَقُلتُ أَجسَامٌ أَم أَروَاحٌ فَقَالَ أَروَاحٌ وَ مَا مِن مُؤمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقعَةٍ مِن بِقَاعِ الأَرضِ إِلّا قِيلَ لِرُوحِهِ الحقَيِ بوِاَديِ السّلَامِ وَ إِنّهَا لَبُقعَةٌ مِن جَنّةِ عَدنٍ
35-المَحَاسِنُ، عَنِ ابنِ فَضّالٍ عَن حَمّادِ بنِ عُثمَانَ عَن أَبِي بَصِيرٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَذَكَرَ الأَروَاحَ أَروَاحَ المُؤمِنِينَ فَقَالَ يَلتَقُونَ فَقُلتُ يَلتَقُونَ
صفحه : 52
قَالَ يَلتَقُونَ وَ يَتَسَاءَلُونَ وَ يَتَعَارَفُونَ حَتّي إِذَا رَأَيتَهُ قُلتَ فُلَانٌ
36- الفَقِيهُ،بِسَنَدِهِ الصّحِيحِ عَنِ الحلَبَيِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي يَرفَعُ إِلَي اِبرَاهِيمَ وَ سَارَةَ أَطفَالَ المُؤمِنِينَ يُغَذّونَهُم بِشَجَرٍ فِي الجَنّةِ لَهَا أَخلَافٌ كَأَخلَافِ البَقَرِ فِي قَصرٍ مِن دُرّ فَإِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ أُلبِسُوا وَ طُيّبُوا وَ هُدُوا إِلَي آبَائِهِم فَهُم مُلُوكٌ فِي الجَنّةِ مَعَ آبَائِهِم وَ هُوَ قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ الّذِينَ آمَنُوا وَ اتّبَعَتهُم ذُرّيّتُهُم بِإِيمانٍ أَلحَقنا بِهِم ذُرّيّتَهُم
37- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَخِيهِ إِسحَاقَ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ بنِ بَزِيعٍ عَنِ الرّضَا ع قَالَ قُلتُ لَهُ بلَغَنَيِ أَنّ يَومَ الجُمُعَةِ أَقصَرُ الأَيّامِ قَالَ كَذَلِكَ هُوَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ كَيفَ ذَلِكَ قَالَ إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي يَجمَعُ أَروَاحَ المُشرِكِينَ تَحتَ عَينِ الشّمسِ فَإِذَا رَكَدَتِ الشّمسُ عَذّبَ اللّهُ أَروَاحَ المُشرِكِينَ بِرُكُودِ الشّمسِ سَاعَةً فَإِذَا كَانَ يَومُ الجُمُعَةِ لَا يَكُونُ لِلشّمسِ رُكُودٌ رَفَعَ اللّهُ عَنهُمُ العَذَابَ لِفَضلِ يَومِ الجُمُعَةِ فَلَا يَكُونُ لِلشّمسِ رُكُودٌ
38- وَ مِنهُ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن حَفصِ بنِ البخَترَيِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ إِنّ المُؤمِنَ لَيَزُورُ أَهلَهُ فَيَرَي مَا يُحِبّ وَ يُستَرُ عَنهُ مَا يَكرَهُ وَ إِنّ الكَافِرَ لَيَزُورُ أَهلَهُ فَيَرَي مَا يَكرَهُ وَ يُستَرُ عَنهُ مَا يُحِبّ قَالَ وَ فِيهِم مَن يَزُورُ كُلّ جُمعَةٍ وَ مِنهُم مَن يَزُورُ عَلَي قَدرِ عَمَلِهِ
39- وَ مِنهُ، عَنِ العِدّةِ عَن سَهلٍ عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ عَن إِسحَاقَ بنِ عَمّارٍ عَن أَبِي الحَسَنِ الأَوّلِ ع قَالَسَأَلتُهُ عَنِ المَيّتِ يَزُورُ أَهلَهُ قَالَ نَعَم فَقُلتُ فِي كَم يَزُورُ قَالَ فِي الجُمعَةِ وَ فِي الشّهرِ وَ فِي السّنَةِ عَلَي قَدرِ مَنزِلَتِهِ فَقُلتُ فِي أَيّ صُورَةٍ يَأتِيهِم قَالَ فِي صُورَةِ طَائِرٍ لَطِيفٍ يَسقُطُ عَلَي جُدُرِهِم وَ يُشرِفُ عَلَيهِم فَإِن رَآهُم بِخَيرٍ
صفحه : 53
فَرِحَ وَ إِن رَآهُم بِشَرّ وَ حَاجَةٍ حَزِنَ وَ اغتَمّ
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي عَن إِسحَاقَ قَالَ قُلتُ فِي أَيّ صُورَةٍ قَالَ فِي صُورَةِ العُصفُورِ أَو أَصغَرَ مِن ذَلِكَ
أقول قدأوردت أمثال هذه الأخبار مشروحة في كتاب المعاد وإنما أوردت قليلا منها هاهنا لدلالتها علي حقيقة الروح والنفس وأحوالهما
40- دَعَوَاتُ الراّونَديِّ،روُيَِ أَنّ فِي العَرشِ تِمثَالًا لِكُلّ عَبدٍ فَإِذَا اشتَغَلَ العَبدُ بِالعِبَادَةِ رَأَتِ المَلَائِكَةُ تِمثَالَهُ وَ إِذَا اشتَغَلَ بِالمَعصِيَةِ أَمَرَ اللّهُ بَعضَ المَلَائِكَةِ حَتّي يَحجُبُوهُ بِأَجنِحَتِهِم لِئَلّا تَرَاهُ المَلَائِكَةُ فَذَلِكَ مَعنَي قَولِهِص يَا مَن أَظهَرَ الجَمِيلَ وَ سَتَرَ القَبِيحَ
بيان ربما يستدل به علي أن الجسد المثالي موجود في حال الحياة أيضا
41-الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ عَن صَالِحِ بنِ أَبِي حَمّادٍ عَنِ الوَشّاءِ عَن كَرّامٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ طَلحَةَ قَالَسَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع عَنِ الوَزَغِ فَقَالَ رِجسٌ وَ هُوَ مَسخٌ كُلّهُ فَإِذَا قَتَلتَهُ فَاغتَسِل وَ قَالَ إِنّ أَبِي كَانَ قَاعِداً فِي الحِجرِ وَ مَعَهُ رَجُلٌ يُحَدّثُهُ فَإِذَا هُوَ بِوَزَغٍ يُوَلوِلُ بِلِسَانِهِ فَقَالَ أَبِي لِلرّجُلِ أَ تدَريِ مَا يَقُولُ هَذَا الوَزَغُ فَقَالَ لَا عِلمَ لِي بِمَا يَقُولُ قَالَ فَإِنّهُ يَقُولُ وَ اللّهِ لَئِن ذَكَرتُم عُثمَانَ بِشَتِيمَةٍ لَأَشتِمَنّ عَلِيّاً حَتّي يَقُومَ مِن هَاهُنَا قَالَ وَ قَالَ أَبِي لَيسَ يَمُوتُ مِن بنَيِ أُمَيّةَ مَيّتٌ إِلّا مُسِخَ وَزَغاً قَالَ وَ قَالَ إِنّ عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروَانَ لَمّا نَزَلَ بِهِ المَوتُ مُسِخَ وَزَغاً فَذَهَبَ مِن بَينِ يدَيَ مَن كَانَ عِندَهُ وَ كَانَ عِندَهُ وُلدُهُ فَلَمّا أَن فَقَدُوهُ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيهِم فَلَم يَدرُوا كَيفَ يَصنَعُونَ ثُمّ اجتَمَعَ أَمرُهُم عَلَي أَن يَأخُذُوا جِذعاً فَيَصنَعُوهُ كَهَيئَةِ الرّجُلِ قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَ أَلبَسُوا الجِذعَ دِرعَ حَدِيدٍ ثُمّ أَلقَوهُ فِي الأَكفَانِ فَلَم يَطّلِع عَلَيهِ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ إِلّا
صفحه : 54
أَنَا وَ وُلدُهُ
بيان المشهور استحباب ذلك الغسل واستندوا في ذلك إلي رواية مرسلة رواها الصدوق في الفقيه وقيل إن العلة في ذلك أنه يخرج من ذنوبه فيغتسل كغسل التوبة و قال المحقق في المعتبر وعندي أن ماذكره ابن بابويه ليس بحجة و ماذكره المعلل ليس طائلا.أقول كأنهم غفلوا عن هذاالخبر إذ لم يذكروه في مقام الاحتجاج و إن كان مجهولا يولول أي يصوت والشتيمة الاسم من الشتم إلامسخ وزغا إما بمسخه قبل موته أوبتعلق روحه بجسد مثالي علي صورة الوزغ وهما ليسا تناسخا كمامر وسيأتي أوبتغيير جسده الأصلي إلي تلك الصورة كما هوظاهر آخر الخبر لكن يشكل تعلق الروح به قبل الرجعة والبعث ويمكن أن يكون قدذهب بجسده إلي الجحيم أوأحرق وتصور لهم جسده المثالي وإلباس الجذع درع الحديد ليصير ثقيلا أولأنه إن مسه أحد فوق الكفن لايحس بأنه خشب
42- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن عَمرِو بنِ أَبِي المِقدَامِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَن أَبِيهِ ع قَالَ وَ اللّهِ مَا مِن عَبدٍ مِن شِيعَتِنَا يَنَامُ إِلّا أَصعَدَ اللّهُ رُوحَهُ إِلَي السّمَاءِ فَيُبَارِكُ عَلَيهَا فَإِن كَانَ قَد أَتَي عَلَيهَا أَجَلُهَا جَعَلَهَا فِي كُنُوزِ رَحمَتِهِ وَ فِي رِيَاضِ جَنّتِهِ وَ فِي ظِلّ عَرشِهِ وَ إِن كَانَ أَجَلُهَا مُتَأَخّراً بَعَثَ بِهَا مَعَ أَمَنَتِهِ مِنَ المَلَائِكَةِ لِيَرُدّهَا إِلَي الجَسَدِ ألّذِي خَرَجَت مِنهُ لِتَسكُنَ فِيهِ الحَدِيثَ
مجالس الصدوق ، عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة
صفحه : 55
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن أبيه ع مثله
43- وَ مِنهُ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ عَنِ القَاسِمِ بنِ يَحيَي عَن جَدّهِ الحَسَنِ بنِ رَاشِدٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَن آبَائِهِ ع عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِص وَ سَاقَ الحَدِيثَ إِلَي أَن قَالَ يَا عَلِيّ إِنّ أَروَاحَ شِيعَتِكَ لَتَصعَدُ إِلَي السّمَاءِ فِي رُقَادِهِم وَ وَفَاتِهِم فَتَنظُرُ المَلَائِكَةُ إِلَيهَا كَمَا يَنظُرُ النّاسُ إِلَي الهِلَالِ شَوقاً إِلَيهِم وَ لِمَا يَرَونَ مَنزِلَتَهُم عِندَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ الخَبَرَ
44- الفَقِيهُ،بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي عُبَيدَةَ الحَذّاءِ وَ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع فِي قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّتَتَجافي جُنُوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ فَقَالَ لَعَلّكَ تَرَي أَنّ القَومَ لَم يَكُونُوا يَنَامُونَ فَقُلتُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَعلَمُ فَقَالَ لَا بُدّ لِهَذَا البَدَنِ أَن تُرِيحَهُ حَتّي تَخرُجَ نَفسُهُ فَإِذَا خَرَجَ النّفسُ استَرَاحَ البَدَنُ وَ رَجَعَتِ الرّوحُ فِيهِ وَ فِيهِ قُوّةٌ عَلَي العَمَلِ الحَدِيثَ
بيان قال بعض المحققين الفرق بين الموت والنوم أن في الموت ينقطع تعلق النفس الناطقة و في النوم يبطل تصرفها فالمراد من خروج النفس الناطقة هنا بطلان تصرفها في البدن والمراد من الروح هذاالجسم البخاري اللطيف ألذي يكون من لطافة الأغذية وبخاراتها و له مدخل عظيم في نظام البدن
45- فِي رِسَالَةِ الإِهلِيلَجَةِ التّيِ كَتَبَ الصّادِقُ ع إِلَي المُفَضّلِ بنِ عُمَرَ وَ ذَكَرَ فِيهَا احتِجَاجَهُ فِي إِثبَاتِ الصّانِعِ تَعَالَي عَلَي الطّبِيبِ الهنِديِّ قَالَ ع قُلتُ أَ فَتُقِرّ بِأَنّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ أَم قَد بقَيَِ فِي نَفسِكَ شَيءٌ مِن ذَلِكَ قَالَ إنِيّ مِن ذَلِكَ عَلَي حَدّ وُقُوفٍ مَا أَتَخَلّصُ إِلَي أَمرٍ يَنفُذُ لِي فِيهِ الأَمرُ قُلتُ أَمّا إِذَا أَبَيتَ إِلّا الجَهَالَةَ وَ زَعَمتَ أَنّ الأَشيَاءَ لَا تُدرَكُ إِلّا بِالحَوَاسّ فإَنِيّ أُخبِرُكَ أَنّهُ لَيسَ لِلحَوَاسّ دَلَالَةٌ عَلَي الأَشيَاءِ وَ لَا فِيهَا مَعرِفَةٌ إِلّا بِالقَلبِ فَإِنّهُ دَلِيلُهَا وَ مُعَرّفُهَا الأَشيَاءُ التّيِ تدَعّيِ أَنّ القَلبَ لَا يَعرِفُهَا إِلّا بِهَا فَقَالَ أَمّا إِذَا نَطَقتَ بِهَذَا فَمَا أَقبَلُ مِنكَ إِلّا بِالتّخلِيصِ وَ التّفَحّصِ مِنهُ
صفحه : 56
بِإِيضَاحٍ وَ بَيَانٍ وَ حُجّةٍ وَ بُرهَانٍ قُلتُ فَأَوّلُ مَا أَبدَأُ بِهِ أَنّكَ تَعلَمُ أَنّهُ رُبّمَا ذَهَبَتِ الحَوَاسّ أَو بَعضُهَا وَ دَبّرَ القَلبُ لِلأَشيَاءِ التّيِ فِيهَا المَضَرّةُ وَ المَنفَعَةُ مِنَ الأُمُورِ العَلَانِيَةِ وَ الخَفِيّةِ فَأَمَرَ بِهَا وَ نَهَي فَنَفَذَ فِيهَا أَمرُهُ وَ صَحّ فِيهَا قَضَاؤُهُ قَالَ إِنّكَ تَقُولُ فِي هَذَا قَولًا يُشبِهُ الحُجّةَ وَ لكَنِيّ أُحِبّ أَن تُوضِحَهُ لِي غَيرَ هَذَا الإِيضَاحِ قُلتُ أَ لَستَ تَعلَمُ أَنّ القَلبَ يَبقَي بَعدَ ذَهَابِ الحَوَاسّ قَالَ نَعَم وَ لَكِن يَبقَي بِغَيرِ دَلِيلٍ عَلَي الأَشيَاءِ التّيِ تَدُلّ عَلَيهَا الحَوَاسّ قُلتُ فَلَستَ تَعلَمُ أَنّ الطّفلَ تَضَعُهُ أُمّهُ مُضغَةً لَيسَ تَدُلّهُ الحَوَاسّ عَلَي شَيءٍ يُسمَعُ وَ لَا يُبصَرُ وَ لَا يُذَاقُ وَ لَا يُلمَسُ وَ لَا يُشَمّ قَالَ بَلَي قُلتُ فَأَيّةُ الحَوَاسّ دَلّتهُ عَلَي طَلَبِ اللّبَنِ إِذَا جَاعَ وَ الضّحِكِ بَعدَ البُكَاءِ إِذَا روَيَِ مِنَ اللّبَنِ وَ أَيّ حَوَاسّ سِبَاعِ الطّيرِ وَ لَاقِطِ الحَبّ مِنهَا دَلّهَا عَلَي أَن تلُقيَِ بَينَ أَفرَاخِهَا اللّحمَ وَ الحَبّ فتَأَويَِ سِبَاعُهَا إِلَي اللّحمِ وَ الآخَرُونَ إِلَي الحَبّ وَ أخَبرِنيِ عَن فِرَاخِ طَيرِ المَاءِ أَ لَستَ تَعلَمُ أَنّ فِرَاخَ طَيرِ المَاءِ إِذَا طُرِحَت فِيهِ سَبَحَت وَ إِذَا طُرِحَت فِيهِ فِرَاخُ طَيرِ البَرّ غَرِقَت وَ الحَوَاسّ وَاحِدَةٌ فَكَيفَ انتَفَعَ بِالحَوَاسّ طَيرُ المَاءِ وَ أَعَانَتهُ عَلَي السّبَاحَةِ وَ لَم يَنتَفِع طَيرُ البَرّ فِي المَاءِ بِحَوَاسّهَا وَ مَا بَالُ طَيرِ البَرّ إِذَا غَمَستَهَا فِي المَاءِ سَاعَةً مَاتَت وَ إِذَا أَمسَكتَ طَيرَ المَاءِ سَاعَةً مَاتَت فَلَا أَرَي الحَوَاسّ فِي هَذَا إِلّا مُنكَسِراً عَلَيكَ وَ لَا ينَبغَيِ ذَلِكَ أَن يَكُونَ إِلّا مِن مُدَبّرٍ حَكِيمٍ جَعَلَ لِلمَاءِ خَلقاً وَ لِلبَرّ خَلقاً أَم أخَبرِنيِ مَا بَالُ الذّرّةِ التّيِ لَا تُعَايِنُ المَاءَ قَطّ تُطرَحُ فِي المَاءِ فَتَسبَحُ وَ تُلقَي الإِنسَانُ ابنُ خَمسِينَ سَنَةً مِن أَقوَي الرّجَالِ وَ أَعقَلِهِم لَم تَتَعَلّمِ السّبَاحَةَ فَيَغرَقُ كَيفَ لَم يَدُلّهُ عَقلُهُ وَ لُبّهُ وَ تَجَارِبُهُ وَ بَصَرُهُ بِالأَشيَاءِ مَعَ اجتِمَاعِ حَوَاسّهِ وَ صِحّتِهَا أَن يُدرِكَ ذَلِكَ بِحَوَاسّهِ كَمَا أَدرَكَتهُ الذّرّةُ إِن كَانَ ذَلِكَ إِنّمَا يُدرَكُ بِالحَوَاسّ أَ فَلَيسَ ينَبغَيِ لَكَ أَن تَعلَمَ أَنّ القَلبَ ألّذِي هُوَ مَعدِنُ العَقلِ فِي الصبّيِّ ألّذِي وَصَفتُ وَ غَيرِهِ مِمّا سَمِعتَ مِنَ الحَيَوَانِ هُوَ ألّذِي يَهِيجُ الصبّيِّ إِلَي طَلَبِ الرّضَاعِ وَ الطّيرَ اللّاقِطَ عَلَي لَقطِ الحَبّ وَ السّبَاعَ عَلَي ابتِلَاعِ اللّحمِ
صفحه : 57
قَالَ لَستُ أَجِدُ القَلبَ يَعلَمُ شَيئاً إِلّا بِالحَوَاسّ قُلتُ أَمّا إِذَا أَبَيتَ إِلّا النّزُوعَ إِلَي الحَوَاسّ فَإِنّا نَقبَلُ نُزُوعَكَ إِلَيهَا بَعدَ رَفضِكَ لَهَا وَ نُجِيبُكَ فِي الحَوَاسّ حَتّي يَتَقَرّرَ عِندَكَ أَنّهَا لَا تَعرِفُ مِن سَائِرِ الأَشيَاءِ إِلّا الظّاهِرَ مِمّا هُوَ دُونَ الرّبّ الأَعلَي سُبحَانَهُ وَ تَعَالَي فَأَمّا مَا يَخفَي وَ لَا يَظهَرُ فَلَستَ تَعرِفُهُ وَ ذَلِكَ أَنّ خَالِقَ الحَوَاسّ جَعَلَ لَهَا قَلباً احتَجّ بِهِ عَلَي العِبَادِ وَ جَعَلَ الحَوَاسّ الدّلَالَاتِ عَلَي الظّاهِرِ ألّذِي يُستَدَلّ بِهَا عَلَي الخَالِقِ سُبحَانَهُ فَنَظَرَتِ العَينُ إِلَي خَلقٍ مُتّصِلٍ بَعضُهُ بِبَعضٍ فَدَلّتِ القَلبَ عَلَي مَا عَايَنَت وَ تَفَكّرَ القَلبُ حِينَ دَلّتهُ العَينُ عَلَي مَا عَايَنَت مِن مَلَكُوتِ السّمَاءِ وَ ارتِفَاعِهَا فِي الهَوَاءِ بِغَيرِ عَمَدٍ يُرَي وَ لَا دَعَائِمَ تُمسِكُهَا لَا تُؤَخّرُ مَرّةً فَتَنكَشِطَ وَ لَا تُقَدّمُ أُخرَي فَتَزُولَ وَ لَا تَهبِطُ مَرّةً فَتَدنُوَ وَ لَا تَرتَفِعُ أُخرَي فَتَنأَي لَا تَتَغَيّرُ لِطُولِ الأَمَلِ وَ لَا تَخلُقُ لِاختِلَافِ الليّاَليِ وَ الأَيّامِ وَ لَا يَتَدَاعَي مِنهَا نَاحِيَةٌ وَ لَا يَنهَارُ مِنهَا طَرَفٌ مَعَ مَا عَايَنَت مِنَ النّجُومِ الجَارِيَةِ السّبعَةِ المُختَلِفَةِ بِمَسِيرِهَا لِدَوَرَانِ الفَلَكِ وَ تَنَقّلِهَا فِي البُرُوجِ يَوماً بَعدَ يَومٍ وَ شَهراً بَعدَ شَهرٍ وَ سَنَةً بَعدَ سَنَةٍ مِنهَا السّرِيعُ وَ مِنهَا البطَيِءُ وَ مِنهَا المُعتَدِلُ السّيرِ ثُمّ رُجُوعِهَا وَ استِقَامَتِهَا وَ أَخذِهَا عَرضاً وَ طُولًا وَ خُنُوسِهَا عِندَ الشّمسِ وَ هيَِ مُشرِقَةٌ وَ ظُهُورِهَا إِذَا غَرَبَت وَ جرَيِ الشّمسِ وَ القَمَرِ فِي البُرُوجِ دَائِبَينِ لَا يَتَغَيّرَانِ فِي أَزمِنَتِهِمَا وَ أَوقَاتِهِمَا يَعرِفُ ذَلِكَ مَن يَعرِفُ بِحِسَابٍ مَوضُوعٍ وَ أَمرٍ مَعلُومٍ بِحِكمَتِهِ يَعرِفُ ذَوُو الأَلبَابِ أَنّهَا لَيسَت مِن حِكمَةِ الإِنسِ وَ لَا تَفتِيشِ الأَوهَامِ وَ لَا تَقلِيبِ التّفَكّرِ فَعَرَفَ القَلبُ حِينَ دَلّتهُ العَينُ عَلَي مَا عَايَنَت أَنّ لِذَلِكَ الخَلقِ وَ التّدبِيرِ وَ الأَمرِ العَجِيبِ صَانِعاً يُمسِكُ السّمَاءَ المُنطَبِقَةَ أَن تهَويَِ إِلَي الأَرضِ وَ أَنّ ألّذِي جَعَلَ الشّمسَ وَ النّجُومَ فِيهَا خَالِقُ السّمَاءِ ثُمّ نَظَرَتِ العَينُ إِلَي مَا استَقَلّهَا مِنَ الأَرضِ فَدَلّتِ القَلبَ عَلَي مَا عَايَنَت فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أَنّ مُمسِكَ الأَرضِ المُمَهّدَةِ أَن تَزُولَ أَو تهَويَِ فِي الهَوَاءِ أَو هُوَ يَرَي الرّيشَةَ تُرمَي بِهَا فَتَسقُطُ مَكَانَهَا وَ هيَِ فِي الخِفّةِ عَلَي مَا هيَِ عَلَيهِ هُوَ ألّذِي يُمسِكُ السّمَاءَ التّيِ فَوقَهَا وَ أَنّهُ لَو لَا ذَلِكَ لَخَسَفَت بِمَا عَلَيهَا مِن ثِقَلِهَا وَ ثِقَلِ الجِبَالِ وَ الأَنَامِ وَ الأَشجَارِ وَ البُحُورِ وَ الرّمَالِ فَعَرَفَ القَلبُ
صفحه : 58
بِدَلَالَةِ العَينِ أَنّ مُدَبّرَ الأَرضِ هُوَ مُدَبّرُ السّمَاءِ ثُمّ سَمِعَتِ الأُذُنُ صَوتَ الرّيَاحِ الشّدِيدَةِ العَاصِفَةِ وَ اللّيّنَةِ الطّيّبَةِ وَ عَايَنَتِ العَينُ مَا يُقلَعُ مِن عِظَامِ الشّجَرِ وَ يُهدَمُ مِن وَثِيقِ البُنيَانِ وَ تسُفيِ مِن ثِقَالِ الرّمَالِ تخُلَيّ مِنهَا نَاحِيَةً وَ تَصُبّهَا فِي أُخرَي بِلَا سَائِقٍ تُبصِرُهُ العَينُ وَ لَا تَسمَعُهُ الأُذُنُ وَ لَا يُدرَكُ بشِيَءٍ مِنَ الحَوَاسّ وَ لَيسَت مُجَسّدَةً تُلمَسُ وَ لَا مَحدُودَةً تُعَايَنُ فَلَم تَزِدِ العَينُ وَ الأُذُنُ وَ سَائِرُ الحَوَاسّ عَلَي أَن دَلّتِ القَلبُ أَنّ لَهَا صَانِعاً وَ ذَلِكَ أَنّ القَلبَ يُفَكّرُ بِالعَقلِ ألّذِي فِيهِ فَيَعرِفُ أَنّ الرّيحَ لَم تَتَحَرّك مِن تِلقَائِهَا وَ أَنّهَا لَو كَانَت هيَِ المُحَرّكَةَ لَم يَكفُف عَنِ التّحَرّكِ وَ لَم تَهدِم طَائِفَةً وَ تعُفيِ أُخرَي وَ لَم تَقلَع شَجَرَةً وَ تَدَعُ أُخرَي إِلَي جَنبِهَا وَ لَم تَصُبّ أَرضاً وَ تَنصَرِفُ عَن أُخرَي فَلَمّا تَفَكّرَ القَلبُ فِي أَمرِ الرّيحِ عَلِمَ أَنّ لَهَا مُحَرّكاً هُوَ ألّذِي يَسُوقُهَا حَيثُ يَشَاءُ وَ يُسكِنُهَا إِذَا شَاءَ وَ يُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَ يَصرِفُهَا عَمّن يَشَاءُ فَلَمّا نَظَرَ القَلبُ إِلَي ذَلِكَ وَجَدَهَا مُتّصِلَةً بِالسّمَاءِ وَ مَا فِيهَا مِنَ الآيَاتِ فَعَرَفَ أَنّ المُدَبّرَ القَادِرَ عَلَي أَن يُمسِكَ الأَرضَ وَ السّمَاءَ هُوَ خَالِقُ الرّيحِ وَ مُحَرّكُهَا إِذَا شَاءَ وَ مُمسِكُهَا كَيفَ شَاءَ وَ مُسَلّطُهَا عَلَي مَن يَشَاءُ وَ كَذَلِكَ دَلّتِ العَينُ وَ الأُذُنُ القَلبَ عَلَي هَذِهِ الزّلزَلَةِ وَ عَرَفَ ذَلِكَ بِغَيرِهِمَا مِن حَوَاسّهِ حِينَ حَرّكَتهُ فَلَمّا دَلّ الحَوَاسّ عَلَي تَحرِيكِ هَذَا الخَلقِ العَظِيمِ مِنَ الأَرضِ فِي غِلَظِهَا وَ ثِقَلِهَا وَ طُولِهَا وَ عَرضِهَا وَ مَا عَلَيهَا مِن ثِقَلِ الجِبَالِ وَ المِيَاهِ وَ الأَنَامِ وَ غَيرِ ذَلِكَ وَ إِنّمَا يَتَحَرّكُ فِي نَاحِيَةٍ وَ لَم يَتَحَرّك فِي نَاحِيَةٍ أُخرَي وَ هيَِ مُلتَحِمَةٌ جَسَداً وَاحِداً وَ خَلقاً مُتّصِلًا بِلَا فَصلٍ وَ لَا وَصلٍ تَهدِمُ نَاحِيَةً وَ تَخسِفُ بِهَا وَ تُسَلّمُ أُخرَي فَعِندَهَا عَرَفَ القَلبُ أَنّ مُحَرّكَ مَا حُرّكَ مِنهَا هُوَ مُمسِكُ مَا أُمسِكَ مِنهَا وَ هُوَ مُحَرّكُ الرّيحِ وَ مُمسِكُهَا وَ هُوَ مُدَبّرُ السّمَاءِ وَ الأَرضِ وَ مَا بَينَهُمَا وَ أَنّ الأَرضَ لَو كَانَت هيَِ المُتَزَلزِلَةَ لِنَفسِهَا لَمَا تَزَلزَلَت وَ لَمَا تَحَرّكَت وَ لَكِنّهُ ألّذِي دَبّرَهَا وَ خَلَقَهَا حَرّكَ مِنهَا مَا شَاءَ ثُمّ نَظَرَ العَينُ إِلَي العَظِيمِ مِنَ الآيَاتِ مِنَ السّحَابِ المُسَخّرِ بَينَ السّمَاءِ وَ الأَرضِ بِمَنزِلَةِ الدّخَانِ لَا جَسَدَ لَهُ يَلمِسُ بشِيَءٍ مِنَ الأَرضِ وَ الجِبَالِ يَتَخَلّلُ الشّجَرَةَ فَلَا يُحَرّكُ مِنهَا شَيئاً وَ لَا يَهصِرُ مِنهَا غُصناً وَ لَا يُعَلّقُ مِنهَا بشِيَءٍ يَعتَرِضُ الرّكبَانَ فَيَحُولُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ مِن ظُلمَتِهِ وَ كَثَافَتِهِ وَ يَحتَمِلُ مِن
صفحه : 59
ثِقَلِ المَاءِ وَ كَثرَتِهِ مَا لَا يَقدِرُ عَلَي صِفَتِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الصّوَاعِقِ الصّادِعَةِ وَ البُرُوقِ اللّامِعَةِ وَ الرّعدِ وَ الثّلجِ وَ البَردِ وَ الجَلِيدِ مَا لَا تَبلُغُ الأَوهَامُ صِفَتَهُ وَ لَا تهَتدَيِ القُلُوبُ إِلَي كُنهِ عَجَائِبِهِ فَيَخرُجُ مُستَقِلّا فِي الهَوَاءِ يَجتَمِعُ بَعدَ تَفَرّقِهِ وَ يَلتَحِمُ بَعدَ تَزَايُلِهِ تُفَرّقُهُ الرّيَاحُ مِنَ الجِهَاتِ كُلّهَا إِلَي حَيثُ تَسُوقُهُ بِإِذنِ اللّهِ رَبّهَا يَسفُلُ مَرّةً وَ يَعلُو أُخرَي مُتَمَسّكٌ بِمَا فِيهِ مِنَ المَاءِ الكَثِيرِ ألّذِي إِذَا أَزجَاهُ صَارَت مِنهُ البُحُورُ يَمُرّ عَلَي الأرَاَضيِ الكَثِيرَةِ وَ البُلدَانِ المُتَنَائِيَةِ لَا تَنقُصُ مِنهُ نُقطَةٌ حَتّي ينَتهَيَِ إِلَي مَا لَا يُحصَي مِنَ الفَرَاسِخِ فَيُرسِلُ مَا فِيهِ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ وَ سَيلًا بَعدَ سَيلٍ مُتَتَابِعٌ عَلَي رِسلِهِ حَتّي يُنقِعَ البِرَكَ وَ تَمتَلِئَ الفِجَاجُ وَ تعَتلَيَِ الأَودِيَةُ بِالسّيُولِ كَأَمثَالِ الجِبَالِ غَاصّةً بِسُيُولِهَا مُصَمّخَةَ الآذَانِ لِدَوِيّهَا وَ هَدِيرِهَا فَتَحيَا بِهَا الأَرضُ المَيّتَةُ فَتُصبِحُ مُخضَرّةً بَعدَ أَن كَانَت مُغبَرّةً وَ مَعِيشَةً[مُعشِبَةً] بَعدَ أَن كَانَت مُجدِبَةً قَد كَسَبَت أَلوَاناً مِن نَبَاتٍ عُشبٍ نَاضِرَةً زَاهِرَةً مُزَيّنَةً مَعَاشاً لِلنّاسِ وَ الأَنعَامِ فَإِذَا أَفرَغَ الغَمَامُ مَاءَهُ أَقلَعَ وَ تَفَرّقَ وَ ذَهَبَ حَيثُ لَا يُعَايَنُ وَ لَا يُدرَي أَينَ تَوَارَي فَأَدّتِ العَينُ ذَلِكَ إِلَي القَلبِ أَنّ ذَلِكَ السّحَابَ لَو كَانَ بِغَيرِ مُدَبّرٍ وَ كَانَ مَا وَصَفتُ مِن تِلقَاءِ نَفسِهِ مَا احتَمَلَ نِصفَ ذَلِكَ مِنَ الثّقَلِ مِنَ المَاءِ وَ إِن كَانَ هُوَ ألّذِي يُرسِلُهُ لَمَا احتَمَلَهُ ألَفيَ فَرسَخٍ أَو أَكثَرَ وَ لَأَرسَلَهُ فِيمَا هُوَ أَقرَبُ مِن ذَلِكَ وَ لَمَا أَرسَلَهُ قَطرَةً بَعدَ قَطرَةٍ بَل كَانَ يُرسِلُهُ إِرسَالًا فَكَانَ يَهدِمُ البُنيَانَ وَ يُفسِدُ النّبَاتَ وَ لَمَا جَازَ إِلَي بَلَدٍ وَ تَرَكَ آخَرَ دُونَهُ فَعَرَفَ القَلبُ بِالأَعلَامِ المُنِيرَةِ الوَاضِحَةِ أَنّ مُدَبّرَ الأُمُورِ وَاحِدٌ وَ أَنّهُ لَو كَانَ اثنَينِ أَو ثَلَاثَةً لَكَانَ فِي طُولِ هَذِهِ الأَزمِنَةِ وَ الأَبَدِ وَ الدّهرِ اختِلَافٌ فِي التّدبِيرِ وَ تَنَاقُضٌ فِي الأُمُورِ وَ لَتَأَخّرَ بَعضٌ وَ تَقَدّمَ بَعضٌ وَ لَكَانَ تَسَفّلَ بَعضُ مَا قَد عَلَا وَ لَعَلَا بَعضُ مَا قَد سَفَلَ وَ لَطَلَعَ شَيءٌ وَ غَابَ فَتَأَخّرَ عَن وَقتِهِ أَو تَقَدّمَ مَا قَبلَهُ فَعَرَفَ القَلبُ بِذَلِكَ أَنّ مُدَبّرَ الأَشيَاءِ مَا غَابَ مِنهَا وَ مَا ظَهَرَ هُوَ اللّهُ الأَوّلُ خَالِقُ السّمَاءِ وَ مُمسِكُهَا وَ فَارِشُ الأَرضِ وَ دَاحِيهَا وَ صَانِعُ مَا بَينَ ذَلِكَ مِمّا عَدَدنَا وَ غَيرِ ذَلِكَ مِمّا لَم يُحصَ وَ كَذَلِكَ عَايَنَتِ العَينُ اختِلَافَ اللّيلِ وَ النّهَارِ دَائِبَينِ جَدِيدَينِ لَا يَبلَيَانِ فِي طُولِ كَرّهِمَا وَ لَا يَتَغَيّرَانِ لِكَثرَةِ اختِلَافِهِمَا وَ لَا يَنقُصَانِ عَن حَالِهِمَا النّهَارُ فِي نُورِهِ وَ ضِيَائِهِ وَ اللّيلُ فِي سَوَادِهِ وَ ظُلمَتِهِ يَلِجُ أَحَدُهَمَا فِي الآخَرِ حَتّي ينَتهَيَِ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا إِلَي غَايَةٍ
صفحه : 60
مَحدُودَةٍ مَعرُوفَةٍ فِي الطّولِ وَ القِصَرِ عَلَي مَرتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَ مَجرًي وَاحِدٍ مَعَ سُكُونِ مَن يَسكُنُ فِي اللّيلِ وَ انتِشَارِ مَن يَنتَشِرُ فِي النّهَارِ وَ انتِشَارِ مَن يَنتَشِرُ فِي اللّيلِ وَ سُكُونِ مَن يَسكُنُ فِي النّهَارِ ثُمّ الحَرّ وَ البَردِ وَ حُلُولِ أَحَدِهِمَا بِعَقِبِ الآخَرِ حَتّي تَكُونَ الحَرّ بَرداً وَ البَردُ حَرّاً فِي وَقتِهِ وَ إِبّانِهِ فَكُلّ هَذَا مِمّا يَستَدِلّ بِهِ القَلبُ عَلَي الرّبّ سُبحَانَهُ وَ تَعَالَي فَعَرَفَ القَلبُ بِعَقلِهِ أَنّ مُدَبّرَ هَذِهِ الأَشيَاءِ هُوَ الوَاحِدُ العَزِيزُ الحَكِيمُ ألّذِي لَم يَزَل وَ لَا يَزَالُ وَ أَنّهُ لَو كَانَ فِي السّمَاوَاتِ وَ الأَرَضِينَ آلِهَةٌ مَعَهُ سُبحَانَهُ لَذَهَبَ كُلّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلَا بَعضُهُم عَلَي بَعضٍ وَ لَفَسَدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُم عَلَي صَاحِبِهِ وَ كَذَلِكَ سَمِعَتِ الأُذُنُ مَا أَنزَلَ المُدَبّرُ مِنَ الكُتُبِ تَصدِيقاً لِمَا أَدرَكَتهُ القُلُوبُ بِعُقُولِهَا وَ تَوفِيقِ اللّهِ إِيّاهَا وَ مَا قَالَهُ مَن عَرَفَهُ كُنهَ مَعرِفَتِهِ بِلَا وَلَدٍ وَ لَا صَاحِبَةٍ وَ لَا شَرِيكٍ فَأَدّتِ الأُذُنُ مَا سَمِعَت مِنَ اللّسَانِ بِمَقَالَةِ الأَنبِيَاءِ إِلَي القَلبِ فَقَالَ قَد أتَيَتنَيِ مِن أَبوَابٍ لَطِيفَةٍ بِمَا لَم يأَتنِيِ بِهِ أَحَدٌ غَيرُكَ إِلّا أَنّهُ لَا يمَنعَنُيِ مِن تَركِ مَا فِي يدَيِ إِلّا الإِيضَاحُ وَ الحُجّةُ القَوِيّةُ بِمَا وَصَفتَ لِي وَ فَسّرتَ وَ قُلتُ أَمّا إِذَا حَجَبتَ عَنِ الجَوَابِ وَ اختَلَفَ مِنكَ المَقَالُ فَسَيَأتِيكَ مِنَ الدّلَالَةِ مِن قِبَلِ نَفسِكَ خَاصّةً مَا يَستَبِينُ لَكَ أَنّ الحَوَاسّ لَا تَعرِفُ شَيئاً إِلّا بِالقَلبِ فَهَل رَأَيتَ فِي المَنَامِ أَنّكَ تَأكُلُ وَ تَشرَبُ حَتّي وَصَلَت لَذّةُ ذَلِكَ إِلَي قَلبِكَ قَالَ نَعَم قُلتُ فَهَل رَأَيتَ أَنّكَ تَضحَكُ وَ تبَكيِ وَ تَجُولُ فِي البُلدَانِ التّيِ لَم تَرَهَا وَ التّيِ قَد رَأَيتَهَا حَتّي تَعلَمَ مَعَالِمَ مَا رَأَيتَ مِنهَا قَالَ نَعَم مَا لَا أحُصيِ قُلتُ فَهَل رَأَيتَ أَحَداً مِن أَقَارِبِكَ مِن أَخٍ أَو أَبٍ أَو ذيِ رَحِمٍ قَد مَاتَ قَبلَ ذَلِكَ حَتّي تَعلَمَهُ وَ تَعرِفَهُ كَمَعرِفَتِكَ إِيّاهُ قَبلَ أَن يَمُوتَ قَالَ أَكثَرُ مِنَ الكَثِيرِ قُلتُ فأَخَبرِنيِ أَيّ حَوَاسّكَ أَدرَكَ هَذِهِ الأَشيَاءَ فِي مَنَامِكَ حَتّي دَلّت قَلبَكَ عَلَي مُعَايَنَةِ المَوتَي وَ كَلَامِهِم وَ أَكلِ طَعَامِهِم وَ الجَوَلَانِ فِي البُلدَانِ وَ الضّحِكِ وَ البُكَاءِ وَ غَيرِ ذَلِكَ قَالَ مَا أَقدِرُ أَن أَقُولَ لَكَ أَيّ حوَاَسيّ أَدرَكَ ذَلِكَ أَو شَيئاً مِنهُ وَ كَيفَ تُدرِكُ وَ هيَِ بِمَنزِلَةِ المَيّتِ لَا تَسمَعُ وَ لَا تُبصِرُ قُلتُ فأَخَبرِنيِ حَيثُ استَيقَظتَ أَ لَستَ قَد ذَكَرتَ ألّذِي رَأَيتَ فِي مَنَامِكَ تَحفَظُهُ وَ تَقُصّهُ بَعدَ يَقَظَتِكَ عَلَي إِخوَانِكَ لَا تَنسَي مِنهُ حَرفاً قَالَ إِنّهُ كَمَا تَقُولُ وَ رُبّمَا رَأَيتُ الشيّءَ فِي منَاَميِ ثُمّ لَا أمُسيِ حَتّي أَرَاهُ فِي يقَظَتَيِ كَمَا
صفحه : 61
رَأَيتُهُ فِي منَاَميِ قُلتُ فأَخَبرِنيِ أَيّ حَوَاسّكَ قَرّرَت عِلمَ ذَلِكَ فِي قَلبِكَ حَتّي ذَكَرتَهُ بَعدَ مَا استَيقَظتَ قَالَ إِنّ هَذَا الأَمرَ مَا دَخَلَت فِيهِ الحَوَاسّ قُلتُ أَ فَلَيسَ ينَبغَيِ لَكَ أَن تَعلَمَ حَيثُ بَطَلَتِ الحَوَاسّ فِي هَذَا أَنّ ألّذِي عَايَنَ تِلكَ الأَشيَاءَ وَ حَفِظَهَا فِي مَنَامِكَ قَلبُكَ ألّذِي جَعَلَ اللّهُ فِيهِ العَقلَ ألّذِي احتَجّ بِهِ عَلَي العِبَادِ قَالَ إِنّ ألّذِي رَأَيتُ فِي منَاَميِ لَيسَ بشِيَءٍ إِنّمَا هُوَ بِمَنزِلَةِ السّرَابِ ألّذِي يُعَايِنُهُ صَاحِبُهُ وَ يَنظُرُ إِلَيهِ لَا يَشُكّ أَنّهُ مَاءٌ فَإِذَا انتَهَي إِلَي مَكَانِهِ لَم يَجِدهُ شَيئاً فَمَا رَأَيتُ فِي منَاَميِ فَبِهَذِهِ المَنزِلَةِ قُلتُ كَيفَ شَبّهتَ السّرَابَ بِمَا رَأَيتَ فِي مَنَامِكَ مِن أَكلِكَ الطّعَامَ الحُلوَ وَ الحَامِضَ وَ مَا رَأَيتَ مِنَ الفَرَحِ وَ الحَزَنِ قَالَ لِأَنّ السّرَابَ حَيثُ انتَهَيتُ إِلَي مَوضِعِهِ صَارَ لَا شَيءَ وَ كَذَلِكَ صَارَ مَا رَأَيتُ فِي منَاَميِ حِينَ انتَبَهتُ قُلتُ فأَخَبرِنيِ إِن أَتَيتُكَ بِأَمرٍ وَجَدتَ لَذّتَهُ فِي مَنَامِكَ وَ خَفَقَ لِذَلِكَ قَلبُكَ أَ لَستَ تَعلَمُ أَنّ الأَمرَ عَلَي مَا وَصَفتُ لَكَ قَالَ بَلَي قُلتُ فأَخَبرِنيِ هَلِ احتَلَمتَ قَطّ حَتّي قَضَيتَ فِي امرَأَةٍ نَهمَتَكَ عَرَفتَهَا أَم لَم تَعرِفهَا قَالَ بَلَي مَا لَا أُحصِيهِ قُلتُ أَ لَستَ وَجَدتَ لِذَلِكَ لَذّةً عَلَي قَدرِ لَذّتِكَ فِي يَقَظَتِكَ فَتَنتَبِهُ وَ قَد أَنزَلتَ الشّهوَةَ حَتّي يَخرُجُ مِنكَ بِقَدرِ مَا يَخرُجُ فِي اليَقَظَةِ هَذَا كَسرٌ بِحُجّتِكَ فِي السّرَابِ قَالَ مَا يَرَي المُحتَلِمُ فِي مَنَامِهِ شَيئاً إِلّا مَا كَانَت حَوَاسّهُ دَلّت عَلَيهِ فِي اليَقَظَةِ قُلتُ مَا زِدتَ عَلَي أَن قَوّيتَ مقَاَلتَيِ وَ زَعَمتَ أَنّ القَلبَ يَعقِلُ الأَشيَاءَ وَ يَعرِفُهَا بَعدَ ذَهَابِ الحَوَاسّ وَ مَوتِهَا فَكَيفَ أَنكَرتَ أَنّ القَلبَ يَعرِفُ الأَشيَاءَ وَ هُوَ يَقظَانُ مُجتَمِعَةٌ لَهُ حَوَاسّهُ وَ مَا ألّذِي عَرّفَهُ إِيّاهَا بَعدَ مَوتِ الحَوَاسّ وَ هُوَ لَا يَسمَعُ وَ لَا يُبصِرُ وَ لَكُنتَ حَقِيقاً أَن لَا تُنكِرَ لَهُ المَعرِفَةَ وَ حَوَاسّهُ حَيّةٌ مُجتَمِعَةٌ إِذَا أَقرَرتَ أَنّهُ يَنظُرُ إِلَي الِامرَأَةِ بَعدَ ذَهَابِ حَوَاسّهِ حَتّي نَكَحَهَا وَ أَصَابَ لَذّتَهُ مِنهَا فيَنَبغَيِ لِمَن يَعقِلُ حَيثُ وَصَفَ القَلبَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِن مَعرِفَتِهِ بِالأَشيَاءِ وَ الحَوَاسّ ذَاهِبَةٌ أَن يَعرِفَ أَنّ القَلبَ مُدَبّرُ الحَوَاسّ وَ مَلِكُهَا وَ رَأسُهَا وَ القاَضيِ عَلَيهَا فَإِنّهُ مَا جَهِلَ الإِنسَانُ مِن شَيءٍ فَمَا يَجهَلُ أَنّ اليَدَ لَا تَقدِرُ عَلَي العَينِ أَن تَقلَعَهَا وَ لَا عَلَي اللّسَانِ أَن تَقطَعَهُ وَ أَنّهُ لَيسَ يَقدِرُ شَيءٌ مِنَ الحَوَاسّ
صفحه : 62
أَن يَفعَلَ بشِيَءٍ مِنَ الجَسَدِ شَيئاً بِغَيرِ إِذنِ القَلبِ وَ دَلَالَتِهِ وَ تَدبِيرِهِ لِأَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي جَعَلَ القَلبَ مُدَبّراً لِلجَسَدِ بِهِ يَسمَعُ وَ بِهِ يُبصِرُ وَ هُوَ القاَضيِ وَ الأَمِيرُ عَلَيهِ لَا يَتَقَدّمُ الجَسَدُ إِن هُوَ تَأَخّرَ وَ لَا يَتَأَخّرُ إِن هُوَ تَقَدّمَ وَ بِهِ سَمِعَتِ الحَوَاسّ وَ أَبصَرَت إِن أَمَرَهَا ائتَمَرَت وَ إِن نَهَاهَا انتَهَت وَ بِهِ يَنزِلُ الفَرَحُ وَ الحَزَنُ وَ بِهِ يَنزِلُ الأَلَمُ إِن فَسَدَ شَيءٌ مِنَ الحَوَاسّ بقَيَِ عَلَي حَالِهِ وَ إِن فَسَدَ القَلبُ ذَهَبَ جَمِيعُهَا حَتّي لَا يَسمَعُ وَ لَا يُبصِرُ قَالَ لَقَد كُنتُ أَظُنّكَ لَا تَتَخَلّصُ مِن هَذِهِ المَسأَلَةِ وَ قَد جِئتَ بشِيَءٍ لَا أَقدِرُ عَلَي رَدّهِ قُلتُ وَ أَنَا أُعطِيكَ تَصَادِيقَ مَا أَنبَأتُكَ بِهِ وَ مَا رَأَيتَ فِي مَنَامِكَ فِي مَجلِسِكَ السّاعَةَ قَالَ افعَل فإَنِيّ قَد تَحَيّرتُ فِي هَذِهِ المَسأَلَةِ قُلتُ أخَبرِنيِ هَل تُحَدّثُ نَفسَكَ مِن تِجَارَةٍ أَو صِنَاعَةٍ أَو بِنَاءٍ أَو تَقدِيرِ شَيءٍ وَ تَأمُرُ بِهِ إِذَا أَحكَمتَ تَقدِيرَهُ فِي ظَنّكَ قَالَ نَعَم قُلتُ فَهَل أَشرَكتَ قَلبَكَ فِي ذَلِكَ الفِكرِ شَيئاً مِن حَوَاسّكَ قَالَ لَا قُلتُ أَ فَلَا تَعلَمُ أَنّ ألّذِي أَخبَرَكَ بِهِ قَلبُكَ حَقّ قَالَ اليَقِينُ هُوَ فزَدِنيِ مَا يُذهِبُ الشّكّ عنَيّ وَ يُزِيلُ الشّبهَةَ مِن قلَبيِ
أقول قدعرفت أن القلب يطلق في لسان الشرع في الآيات والأخبار علي النفس الناطقة و لما كان السائل منكرا لإدراك ماسوي الحواس الظاهرة نبهه ع علي خطائه بمدركات الحواس الباطنة التي هي من آلات النفس و قدمر شرح الفقرات وتمام الحديث في كتاب التوحيد
46- الدّرّ المَنثُورُ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ فِي قَولِهِاللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَالآيَةَ قَالَ نَفسٌ وَ رُوحٌ بَينَهُمَا مِثلُ شُعَاعِ الشّمسِ فَيَتَوَفّي اللّهُ النّفسَ فِي مَنَامِهِ وَ يَدَعُ الرّوحَ فِي جَوفِهِ يَتَقَلّبُ وَ يَعِيشُ فَإِن بَدَا لِلّهِ أَن يَقبِضَهُ قَبَضَ الرّوحَ فَمَاتَ وَ إِن أَخّرَ أَجَلَهُ رَدّ النّفسَ إِلَي مَكَانِهَا مِن جَوفِهِ
47- وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ فِي قَولِهِاللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَالآيَةَ قَالَ كُلّ نَفسٍ لَهَا سَبَبٌ تجَريِ فِيهِ فَإِذَا قَضَي عَلَيهَا المَوتُ نَامَت حَتّي يَنقَطِعَ السّبَبُ وَ التّيِ لَم تَمُت تُترَكُ
صفحه : 63
48- وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ فِي الآيَةِ قَالَ سَبَبٌ مَمدُودٌ مَا بَينَ المَشرِقِ وَ المَغرِبِ بَينَ السّمَاءِ وَ الأَرضِ فَأَروَاحُ المَوتَي وَ أَروَاحُ الأَحيَاءِ تأَويِ إِلَي ذَلِكَ السّبَبِ فَتَعَلّقُ النّفسُ المَيّتَةُ بِالنّفسِ الحَيّةِ فَإِذَا أُذِنَ لِهَذِهِ الحَيّةِ بِالِانصِرَافِ إِلَي جَسَدِهَا تَستَكمِلُ رِزقَهَا أُمسِكَتِ النّفسُ المَيّتَةُ وَ أُرسِلَتِ الأُخرَي
49- وَ عَن جُحَيفَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِص فِي سَفَرِهِ ألّذِي نَامُوا فِيهِ حَتّي طَلَعَتِ الشّمسُ ثُمّ قَالَ إِنّكُم كُنتُم أَموَاتاً فَرَدّ اللّهُ إِلَيكُم أَروَاحَكُم
50- شِهَابُ الأَخبَارِ، قَالَ النّبِيّص الأَروَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ مَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ
ضوء الشهاب هذاالحديث مما تسكب فيه العبرات و لاتؤمن في تفسيره العثرات و أنامورد فيه بقدر مارزقني الله تعالي من العلم به فأقول إن أصل كلمة روح موضوع للطيب والطهارة فتسمي روح الإنسان روحا والملائكة المطهرون أرواحا وروح القدس جبرئيل ع والروح اسم ملك آخر قال تعالي يَومَ يَقُومُ الرّوحُ وَ المَلائِكَةُ صَفّا وعيسي ع روح الله والنسبة إلي الملائكة والجن روحاني بالضم وهم الروحانيون ويقال لكل ذي روح روحاني قاله أبوعبيدة والروح الراحة ومكان روحاني طيب والريح واحدة الرياح والأرواح أصلها روح فقلبت الواو ياء لمكان كسرة الراء والراح والرياح بفتح الراء الخمر وروح وريحان أي رحمة ورزق والروح والنسيم والريحان المشموم و من ذلك الروح التي يحيا بهاالإنسان سميت بذلك لطهارتها وطيبها في الخلقة و في مبدإ التكوين و قال أصحاب الأصول الروح النفس المتردد في مخارق الحي و علي ذلك قال الشاعر
فقلت له ارفعها إليك وأحيها. | بروحك واجعلها له قبة قدرا. |
صفحه : 64
و مايقوله قوم من أن الأرواح قائمة بالأجساد وأنها كانت قبل الأجساد بكذا وكذا عاما وأنها غيرداخلة في الأجساد و لاخارجة منها وأنها تفني إلي غير ذلك فنحن مستغنون عن ذكره فيما نحن بصدده وكتب الأصول والجدل أولي بذكر ذلك فقال بعض من تكلم في هذاالحديث إنه علي حذف المضاف والتقدير ذوو الأرواح و هذاقريب المأخذ و عندجماعة من محققي أصحاب الأصول أنه يجوز عقلا أن يكون الله تعالي إذااستشهد الشهيد أوتوفي النبي أوالصالح من بني آدم ينتزع من جسده أجزاء بقدر ماتحل الحياة التي كانت الجملة بهاحية فيهافيردها إلي تلك الأجزاء فتصير حيا و إن كانت جثة صغيرة فيرفعه إلي حيث شاء فإنه لااعتبار في الحي بالجثة وظاهر الكتاب يشهد بصحة ذلك حيث يقول تعالي وَ لا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ إلي قوله تعالي وَ لا هُم يَحزَنُونَ و فِي الحَدِيثِ أَروَاحُ الشّهَدَاءِ فِي أَجوَافِ طَيرٍ خُضرٍ تَعَلّقُ مِن وَرَقِ الجَنّةِ ثُمّ تأَويِ إِلَي قَنَادِيلَ مُعَلّقَةٍ بِالعَرشِ
و هذاالحديث مما يعضد هذه المقالة فعلي هذاتتعارف هذه الأجساد اللطيفة بعدموت صاحبها كماكانت في دار الدنيا تعرف بعضها بعضا فتتباشر فتأتلف وبالعكس . و
رَوَت عَائِشَةُ فِي سَبَبِ هَذَا الحَدِيثِ أَنّ مُخَنّثاً قَدِمَ المَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَي مُخَنّثٍ مِن غَيرِ أَن يَعلَمَ أَنّهُ مُخَنّثٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّص فَقَالَ الأَروَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ الحَدِيثَ
وَ روُيَِ عَنهُص الأَروَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَتَشَامّ كَمَا تَشَامّ الخَيلُ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ فَلَو أَنّ مُؤمِناً جَاءَ إِلَي مَجلِسٍ فِيهِ مِائَةُ مُنَافِقٍ لَيسَ فِيهِم إِلّا مُؤمِنٌ وَاحِدٌ لَجَاءَ حَتّي يَجلِسَ إِلَيهِ
وَ روُيَِ عَن عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتكَانَتِ امرَأَةٌ بِمَكّةَ تَدخُلُ عَلَي نِسَاءِ قُرَيشٍ تُضحِكُهُنّ فَلَمّا هَاجَرتُ إِلَي المَدِينَةِ دَخَلَتِ المَدِينَةَ فَدَخَلَت عَلَيّ قُلتُ فُلَانَةُ مَا أَقدَمَكِ قَالَت إِلَيكُنّ قُلتُ فَأَينَ نَزَلتِ قَالَت عَلَي فُلَانَةَ امرَأَةٍ مُضحِكَةٍ بِالمَدِينَةِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِص فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ دَخَلَت فُلَانَةُ المُضحِكَةُ قَالَص فَعَلَي مَن نَزَلَت قُلتُ عَلَي فُلَانَةَ قَالَ
صفحه : 65
المُضحِكَةِ قُلتُ نَعَم قَالَ الحَمدُ لِلّهِ إِنّ الأَروَاحَ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ الحَدِيثَ.
و في كلام بعضهم الروح نقاب أي يعلم بالأشياء و هذه كناية عن العلم والفطنة والذكاء والمعرفة والدهاء والعرب تعبر بالروح عن الحياة و الله الموفق . وأقول إن تحقيق أمر الروح عسير و لايعلم حقيقة ذلك إلا من خلقه وأوجده وركبه وَ ما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَلِيلًا و لوأراد الله تعالي أن يعلم حقيقته وماهيته بكنهه لأعلمناه و قال وَ يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ فقال حتي نسكت عما أسكت الله عنه و قدأوردت بعض ماسمعت فيه وعلمت و أنت محكم فانظر فيه واحكم والتوقف فيه فرض من لافرض له و الله أعلم وأحكم ثم رسوله ص وفائدة الحديث إعلام أن الجنس إلي الجنس أميل و إليه أسوق وأشوق والتعارف مما يجر الائتلاف وبالعكس وراوية الحديث عائشة
51- شِهَابُ الأَخبَارِ، قَالَ النّبِيّص النّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذّهَبِ وَ الفِضّةِ
الضوء المعدن مستقر الجوهر من قولك عدن بالمكان إذاأقام فيه و منه جَنّاتُ عَدنٍ أي إقامة والذهب الجسد المعروف ألذي ذهب الناس فيه والقطعة ذهبة وذهب الرجل إذارأي القطعة الكبيرة من الذهب في المعدن فدهش والفضة أحد الثمنين و هوأحد الأجساد أيضا فيقول ص الناس متفاوتون كتفاوت المعادن متفاضلون كتفاضل الجواهر المجلوبة منها فمنها الذهب والفضة والنحاس والحديد والأسرب والرصاص والزرنيخ والفيروزج و غير ذلك و كان الغرض النبوي أن يعلمك أن الناس متفاوتون أمثال الفلز والخرز ليسوا بأمثال و إن كانوا من جنس واحد ومورد هذاالحديث علي العكس من مورد الحديث ألذي قبله يعني قوله ص الناس كأسنان المشط فكأنه ص يقول إذاصادفت أحدا فتعرف أحواله وتجسس أفعاله وأقواله فإن كان صالحا فعليك به فهو من المعدن النفيس فإن كان طالحا فالهرب الهرب منه فهو من المعدن الخسيس وفائدة الحديث الإعلام بتفاوت الناس علي أنهم بنو الرجل وراوي الحديث أبوهريرة وتمام الحديث خيارهم في الجاهلية خيارهم
صفحه : 66
في الإسلام إذافقهوا يعني أن الخيار منهم في الجاهلية إذاتفقهوا فهم الخيار في الإسلام و الله أعلم .بيان قال الطيبيّ هوتشبيه بليغ فكمعادن الذهب تأكيد أومجاز عن التفاوت أي الناس متفاوتون في النسب بالشرف والضعة كتفاوت المعدن في الذهب والفضة و مادونهما وتفاوتهم في الإسلام بالقبول لفيض الله بحسب العلم والحكمة علي مراتب وعدم قبوله وقيد إذافقهوا يفيد أن الإيمان يرفع تفاوت الجاهلية فإذاتحلي بالعلم استجلب النسب الأصلي فيجتمع شرف النسب والحسب و فيه أن الوضيع العالم أرفع من الشريف الجاهل
52- الشّهَابُ، النّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً وَاحِدَةً
الضوء الناس أصله أناس فخفف و ليس الألف واللام عوضا من الهمزة المحذوفة لأنهما تجتمعان مع الهمزة كقوله
ن المنايا يطلعن علي الأناس الآمنينا |
و الناس بن مضر بن نزار اسم قيس عيلان والإبل البعران الكثيرة و لاواحد له من لفظه وأبل الوحشي يأبل أبولا وأبل يأبل إبلا اجتزأ عن الماء شبهت بالإبل في الصبر عن الماء وتأبل الرجل عن امرأته إذاترك مقاربتها و رجل آبل وأبل حسن القيام علي إبله وإبل مأبلة أي مجموعة والراحلة البعير ألذي يصلح للارتحال وراحله عاونه علي رحلته والمعني و الله أعلم أنه ذم للناس و أنه قلما يقع فيهم من هوكامل في بابه و قال أبوعبيد يعني أنهم متساوون ليس لأحد منهم فضل علي أحد في النسب ولكنهم أشباه وأمثال كإبل مائة ليس فيهاراحلة تتبين فيها وتتميز منها بالتمام وحسن المنظر والراحلة عندالعرب تكون الجمل النجيب والناقة النجيبة يختارها الرجل لمركبه ودخول الهاء في الراحلة للمبالغة كماتقول رجل داهية وراوية للشعر وعلامة ونسابة ويقال إنها إنما سميت راحلة لأنها ترحل كما قال تعالي فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي مرضية و كما قال تعالي مِن ماءٍ دافِقٍ أي مدفوق قال ويقال لفلان إبل إذاكانت له مائة من الإبل وإبلان
صفحه : 67
إذاكانت له مائتان ويقال للمائة منها هنيدة معرفة لاتنصرف و قال أبوسليمان الخطابي يقال للمائتين هنيد بغير هاء والعهدة عليه و قال ابن قتيبة الراحلة هي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله علي النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر فإذاكانت في جماعة الإبل عرفت يقول الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل في النسب ولكنهم أشباه كإبل مائة ليس فيهاراحلة و قدخطأه أبومنصور الأزهري لفظا ومعني أمااللفظة فمن حيث جعل الناقة هي الراحلة قال و ليس الجمل عنده راحلة والراحلة عندالعرب تكون الجمل النجيب والناقة النجيبة و أماالمعني أنه يعز فيهم الكامل الفاضل زهدا في الدنيا ورغبة في الآخرة هذامعني كلام الأزهري وفائدة الحديث ذم الناس و أن الكامل فيهم قلما يوجد وراوي الحديث عبد الله بن عمر.بيان قال في النهاية يعني أن المرضي المنتجب من الناس في عزة وجوده كالنجيب من الإبل القوي علي الأحمال والأسفار ألذي لايوجد في كثير من الإبل قال الأزهري ألذي عندي فيه أن الله تعالي ذم الدنيا وحذر العباد سوء مغبتها وضرب لهم فيهاالأمثال ليعتبروا ويحذروا و كان النبي ص يحذرهم ماحذرهم الله ويزهدهم فيهافرغب أصحابه بعده فيهاتنافسوا عليها حتي كان الزهد في النادر القليل منهم . فَقَالَص تَجِدُونَ النّاسَ مِن بعَديِ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَيسَ فِيهَا رَاحِلَةٌ
. أي أن الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة قليل كقلة الراحلة في الإبل والراحلة هي البعير القوي علي الأسفار والأحمال النجيب التام الخلق الحسن المنظر ويقع علي الذكر والأنثي والهاء فيه للمبالغة انتهي و قال الكرماني وقيل أي الناس في أحكام الدين سواء لافضل فيهالشريف علي مشروف و لالرفيع علي وضيع كإبل لاراحلة فيها وهي التي ترحل لتركب أي كلها تصلح للجمل لاللركوب .أقول قدمر بعض الأخبار المناسبة لهذا الباب في أبواب المعاد وأبواب خلق أرواح النبي ص والأئمة ع وسيأتي بعضها في الأبواب الآتية إن شاء الله تعالي
صفحه : 68
قال شارح المقاصد في بيان آراء الحكماء والمتكلمين في النفس لماعرفت أن الجوهر المجرد إن تعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف فنفس و إلافعقل و قديطلق لفظ النفس علي ما ليس بمجرد بل مادي كالنفس النباتية التي هي مبدأ أفاعيله من التغذية والتنمية والتوليد والنفس الحيوانية التي هي مبدأ الحس والحركة الإرادية ويجعل النفس الأرضية اسما لها والنفس الناطقة الإنسانية فيفسر بأنها كمال أول لجسم طبيعي إلي ذي حياة بالقوة ثم قال مقتضي قواعدهم أي الفلاسفة أن يكون في الإنسان نفس هي مبدأ تعقل الكليات وأخري مبدأ الحركات والإحساسات وأخري مبدأ التغذية والتنمية وتوليد المثل لكن ذكر في شرح الإشارات وغيره أن ليس الأمر كذلك بل المركبات منها ما له صورة معدنية يقتصر فعلها علي حفظ المواد المجتمعة من الأسطقسات المتضادة بكيفياتها المتداعية إلي الانفكاك لاختلاف ميولها إلي أمكنتها المختلفة ومنها ما له صورة تسمي نفسا نباتية يصدر عنها مع الحفظ المذكور جمع أجزاء أخر من الأسطقسات وإضافتها إلي مواد المركب وصرفها في وجوه التغذية والإنماء والتوليد ومنها ما له صورة تسمي نفسا حيوانية يصدر عنها مع الأفعال النباتية والحفظ المذكور الحس والحركة الإرادية ومنها ما له نفس مجردة يصدر عنها مع الأفعال السابقة كلها النطق و مايتبعه . ثم قال و لمايثبت عندالمتكلمين اختلاف أنواع الأجسام واستناد الآثار إليها ليحتاج إلي فصول منوعة ومباد مختلفة بنوا إثبات النفس علي الأدلة السمعية
صفحه : 69
والتنبهات العقلية مثل أن البدن وأعضاءه الظاهرة والباطنة دائما في التبدل والتحلل والنفس بحالها و أن الإنسان الصحيح العقل قديغفل عن البدن وأجزائه و لايغفل بحال عن وجود ذاته و أنه قديريد مايمانعه البدن مثل الحركة إلي العلو. وبالجملة قداختلف كلمة الفريقين في حقيقة النفس فقيل هي النار السارية في الهيكل المحسوس وقيل الهواء وقيل الماء وقيل العناصر الأربعة والمحبة والغلبة أي الشهوة والغضب وقيل الأخلاط الأربعة وقيل الدم وقيل نفس كل شخص مزاجه الخاص وقيل جزء لايتجزأ في القلب وكثير من المتكلمين علي أنها الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلي آخره وكأن هذامراد من قال هي هذاالهيكل المخصوص والبنية المحسوسة أي التي من شأنها أن يحس بها وجمهورهم علي أنه جسم مخالف بالماهية للجسم ألذي يتولد منه الأعضاء نوراني علوي خفيف حي لذاته نافذ في جواهر الأعضاء سار فيهاسريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم لايتطرق إليه تبدل و لاانحلال بقاؤه في الأعضاء حياة وانتقاله عنها إلي عالم الأرواح موت وقيل إنها أجسام لطيفة متكونة في القلب سارية في الأعضاء من طريق الشرايين أي العروق الضاربة أومتكونة في الدماغ نافذة في الأعصاب الثابتة منه إلي جملة البدن . واختار المحققون من الفلاسفة و أهل الإسلام إلي أنها جوهر مجرد في ذاته متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف ومتعلقه أولا هو ماذكره المتكلمون من الروح القلبي المتكون في جوفه الأيسر من بخار الأغذية ولطيفه ويفيده قوة بهايسري في جميع البدن فيفيد كل عضو قوة بهايتم نفعه من القوي المذكورة فيما سبق احتج القائلون بأنها من قبيل الأجسام بوجوه الأول أن المدرك للكليات أعني النفس هوبعينه المدرك للجزئيات لأنا نحكم بالكلي علي الجزئي كقولنا هذه الحرارة حرارة والحاكم بين الشيئين لابد أن يتصورهما والمدرك للجزئيات جسم لأنا نعلم بالضرورة أنا إذالمسنا النار كان المدرك لحرارتها هوالعضو اللامس
صفحه : 70
ولأن غيرالإنسان من الحيوانات يدرك الجزئيات مع أن الاتفاق علي أنا لانثبت لها نفوسا مجردة. ورد بأنا لانسلم أن المدرك لهذه الحرارة هوالعضو اللامس بل النفس بواسطته ونحن لاننازع في أن المدرك للكليات والجزئيات هوالنفس لكن للكليات بالذات وللجزئيات بالآلات و إذا لم نجعل العضو مدركا أصلا لايلزم أن يكون الإدراك مرتين والإنسان مدركين علي ماقيل . ويمكن دفعه بأنه يستلزم إما إثبات النفوس المجردة للحيوانات الأخر وإما جعل إحساساتها للقوي والأعضاء وإحساسات الإنسان للنفس بواسطتها مع القطع بعدم التفاوت .الثاني أن كل واحد منا يعلم قطعا أن المشار إليه بأنا و هوالنفس يتصف بأنه حاضر هناك وقائم وقاعد وماش وواقف ونحو ذلك من خواص الأجسام والمتصف بخاصة الجسم جسم وقريب من ذلك مايقال إن للبدن إدراكات هي بعينها إدراكات المشار إليه بأنا أعني النفس مثل إدراك حرارة النار وبرودة الجمد وحلاوة العسل و غير ذلك من المحسوسات فلو كانت النفس مجردة أومغايرة للبدن امتنع أن تكون صفتها غيرصفته . والجواب أن المشار إليه بأنا و إن كان هوالنفس علي الحقيقة لكن كثيرا مايشار به إلي البدن أيضا لشدة مابينهما من التعلق فحيث يوصف بخواص الأجسام
صفحه : 71
كالقيام والقعود وكإدراك المحسوسات عند من يجعل المدرك نفس الأعضاء والقوي لاالنفس بواسطتها فالمراد به البدن و ليس معني هذاالكلام أنها لشدة تعلقها بالبدن واستغراقها في أحواله يغفل فيحكم عليها بما هو من خواص الأجسام كمافهمه صاحب الصحائف ليلزم كونها في غاية الغفلة.الثالث أنها لوكانت مجردة لكانت نسبتها إلي جميع البدن علي السواء فلم يتعلق ببدن دون آخر و علي تقدير التعلق جاز أن ينتقل من بدن إلي بدن آخر وحينئذ لم يصح الحكم بأن زيدا الآن هو ألذي كان بالأمس . ورد بأنا لانسلم أن نسبتها إلي الكل علي السواء بل لكل نفس بدن لايليق بمزاجه واعتداله إلالتلك النفس الفائضة عليه بحسب استعداده الحاصل باعتداله الخاص .الرابع النصوص الظاهرة من الكتاب والسنة تدل علي أنها تبقي بعدخراب البدن وتتصف بما هو من خواص الأجسام كالدخول في النار وعرضها عليها وكالترفرف حول الجنازة وككونها في قناديل من نور أو في جوف طيور خضر وأمثال ذلك و لاخفاء في احتمال التأويل وكونها علي طريق التمثيل ولهذا تمسك بهاالقائلون بتجرد النفوس زعما منهم أن مجرد مغايرتها للبدن يفيد ذلك . و قديستدل بأنه لادليل علي تجردها فيجب أن لاتكون مجردة لأن الشيء إنما يثبت بدليل و هو مع ابتنائه علي القاعدة الواهية معارض بأنه لادليل علي كونها جسما أوجسمانيا فيجب أن لا يكون كذلك . ثم قال واحتج القائلون بتجرد النفس بوجوه الأول أنها تكون محلا لأمور يمتنع حلولها في الماديات و كل ما هوكذلك يكون مجردا بالضرورة أمابيان كونها محلا لأمور هذاشأنها فلأنها تتعقلها و قدسبق أن التعقل إنما يكون بحلول الصورة وانطباع المثال والمادي لا يكون
صفحه : 72
صورة لغير المادي ومثالا له . و أمابيان تلك الأمور وامتناع حلولها في المادة فهو أن من جملة معقولاتها الواجب و إن لم تعقله بالكنه والجواهر المجردة و إن لم نقل بوجودها في الخارج إذ ربما تعقل المعني فتحكم عليه بأنه موجود أو ليس بموجود و لاخفاء في امتناع حلول صورة المجرد في المادي. ومنها المعاني الكلية التي لاتمنع نفس صورها الشركة كالإنسانية المتناولة لزيد وعمرو فإنها يمتنع اختصاصها بشيء من المقادير والأوضاع والكيفيات و غير ذلك مما لاينفك عنه الشيء المادي في الخارج بل يجب تجردها عن جميع ذلك و إلا لم تكن متناولة لما ليس له ذلك والحاصل أن الحلول في المادة يستلزم الاختصاص بشيء من المقادير والأوضاع والكيفيات والكلية تنافي ذلك فلو لم تكن النفس مجردة لم تكن محلا للصورة الكلية عاقلة لها واللازم باطل . ومنها المعاني التي لاتقبل الانقسام كالوجود والوحدة والنقطة و غير ذلك و إلالكان كل معقول مركبا من أجزاء غيرمتناهية بالفعل و هومحال و مع ذلك فالمطلوب و هووجود ما لاينقسم حاصل لأن الكثرة عبارة عن الوحدات و إذا كان من المعقولات ما هوواحد غيرمنقسم لزم أن يكون محله العاقل له غيرجسم بل مجردا لأن الجسم والجسماني منقسم وانقسام المحل مستلزم لانقسام الحال فيما يكون الحلول لذات المحل كحلول السواد والحركة والمقدار في الجسم لالطبيعة تلحقه كحلول النقطة في الخط لتناهيه وكحلول الشكل في السطح لكونه ذا نهاية أوأكثر وكحلول المحاذاة في الجسم من حيث وجود جسم آخر علي وضع ما منه وكحلول الوحدة في الأجزاء من حيث هي مجموع . ومنها المعاني التي لايمكن اجتماعها إلا في المجردات دون الجسم كالضدين وكعدة من الصور والأشكال فإنه لاتزاحم بينها في التعقل بل يتصورها ويحكم فيما بينها بامتناع الاجتماع في محل واحد من المواد الخارجية حكما ضروريا و هذاالوجه
صفحه : 73
من الاحتجاج يمكن أن يجعل وجوها أربعة بأن يقال لوكانت النفس جسما لماكانت عاقلة للمجردات أوللكليات أوللبسائط أوللمتمانعين . والجواب أن مبني هذاالاحتجاج علي مقدمات غيرمسلمة عندالخصم منها أن تعقل الشيء يكون بحلول صورة في العاقل لابمجرد إضافة بين العاقل والمعقول ومنها أن النفس لو لم تكن مجردة لكانت منقسمة و لم يجز أن يكون جوهرا وضعيا غيرمنقسم كالجزء ألذي لايتجزي ومنها أن الشيء إذا كان مجردا كانت صورته الإدراكية مجردة يمتنع حلولها في المادي و لم يجز أن تكون حاله في جسم عاقل لكنها إذاوجدت في الخارج كانت ذلك الشيء المجرد ومنها أن صورة الشيء إذااختصت بوضع ومقدار وكيفية بحلولها في جسم كذلك كان الشيء أيضا مختصا بذلك و لم يجز أن يكون في ذاته غيرمختص بشيء من الأوضاع والكيفيات والمقادير ومنها أن الشيء إذا لم يقبل الانقسام كانت صورته الحاصلة في العاقل كذلك و لم يجز أن تكون منقسمة بانقسام المحل العاقل مع كون الشيء غيرمنقسم لذاته و لالحلوله في منقسم ومنها أن الشيئين إذاكانا بحيث يمتنع اجتماعهما في محل كالسواد والبياض كانت الصورتان الحاصلتان منهما في الجوهر العاقل كذلك و قدسبق أن صورة الشيء قدتخالفه في كثير من الأحكام ومنها أن اجتماعهما في العاقل لايجوز أن يكون بقيام كل منهما بجزء منه ومنها أن انقسام المحل يستلزم انقسام الحال فيه لذاته ليمتنع حلول البسيط في العاقل الجسماني المنقسم البتة بناء علي نفي الجزء ألذي لايتجزي و لايخفي أن بعض هذه المقدمات مما قامت عليه الحجة أقول ثم ذكر حججا أخري لهم أعرضنا عنها و عن أجوبتها حذرا من الإطناب . و قال شارح المواقف مذاهب المنكرين لتجرد النفس الناطقة كثيرة لكن المشهور منها تسعة
صفحه : 74
الأول لابن الراوندي أنه جزء لايتجزي في القلب بدليل عدم الانقسام مع نفي المجردات الممكنة.الثاني للنظام أنه أجزاء هي أجسام لطيفة سارية في البدن سريان ماء الورد في الورد باقية من أول العمر إلي آخره لايتطرق إليها تحلل وتبدل حتي إذاقطع جزء من البدن انقبض ما فيه من تلك الأجزاء إلي سائر الأعضاء إنما المتحلل والمتبدل من البدن فضل ينضم إليه وينفصل عنه إذ كل أحد يعلم أنه باق من أول عمره إلي آخره و لاشك أن المتبدل ليس كذلك .الثالث أنه قوة في الدماغ وقيل في القلب .الرابع أنه ثلاث قوي إحداها في القلب وهي الحيوانية والثانية في الكبد وهي النباتية والثالثة في الدماغ وهي النفسانية.الخامس أنه الهيكل المخصوص و هوالمختار عندجمهور المتكلمين .السادس أنها الأخلاط الأربعة المعتدلة كما وكيفا.السابع أنه اعتدال المزاج النوعي.الثامن أنه الدم المعتدل إذ بكثرته واعتداله تقوي الحياة وبالعكس .التاسع أنه الهواء إذ بانقطاعها طرفة عين تنقطع الحياة فالبدن بمنزلة الزق المنفوخ فيه . ثم قال واعلم أن شيئا من ذلك لم يقم عليه دليل و ماذكروه لايصلح للتعويل عليه ثم قال تعلق النفس بالبدن ليس تعلقا ضعيفا يسهل زواله بأدني سبب مع بقاء المتعلق بحاله كتعلق الجسم بمكانه و إلاتمكنت النفس من مفارقة البدن بمجرد المشيئة من غيرحاجة إلي أمر آخر و ليس أيضا تعلقا في غاية القوة بحيث إذازال التعلق بطل المتعلق مثل تعلق الأعراض والصور المادية بمحالها لماعرفت من أنها مجردة بذاتها غنية عما يحل فيه بل هوتعلق متوسط بين بين كتعلق الصانع بالآلات التي يحتاج إليها في أفعاله المختلفة و من ثم قيل هوتعلق العاشق بالمعشوق عشقا جليا إلهاميا فلاينقطع مادام البدن صالحا لأن يتعلق به النفس أ لاتري أنه
صفحه : 75
تحبه و لاتمله مع طول الصحبة وتكره مفارقته و ذلك لتوقف كمالاتها ولذاتها العقلية والحسية عليه فإنها في مبدإ خلقتها خالية عن الصفات الفاضلة كلها فاحتاجت إلي آلات تعينها علي اكتساب تلك الكمالات و إلي أن تكون تلك الآلات مختلفة فيكون لها بحسب كل آلة فعل خاص حتي إذاحاولت فعلا خاصا كالإبصار مثلا التفتت إلي العين فتقوي بها علي الإبصار التام وكذا الحال في سائر الأفعال و لواتحدت الآلة لاختلطت الأفعال و لم يحصل لها شيءمنها علي الكمال و إذاحصلت لها الإحساسات توصلت منها إلي الإدراكات الكلية ونالت حظها من العلوم والأخلاق المرضية وترقت إلي لذاتها العقلية بعداحتظائها باللذات الحسية فتعلقها بالبدن علي وجه التدبير كتعلق العاشق في القوة بل أقوي منه بكثير وإنما تتعلق من البدن أولا بالروح القلبي المتكون في جوفه الأيسر من بخار الغذاء ولطيفه فإن القلب له تجويف في جانبه الأيسر يجذب إليه لطيف الدم فيبخره بحرارته المفرطة فذلك البخار هوالمسمي بالروح عندالأطباء وعرف كونه أول متعلق للنفس بأن شد الأعصاب يبطل قوي الحس والحركة عما وراء موضع الشد و لايبطلهما مما يلي جهة الدماغ وأيضا التجارب الطبية تشهد بذلك وتفيد النفس الروح بواسطة التعلق قوة بهايسري الروح إلي جميع البدن فيفيد الروح الحامل لتلك القوة كل عضو قوة بهايتم نفعه من القوي التي فصلناها فيما قبل و هذاكله عندنا للقادر المختار ابتداء و لاحاجة إلي إثبات القوي كمامر مرارا انتهي . و قال المحقق القاساني في روض الجنان اعلم أن المذاهب في حقيقة النفس كماهي الدائرة في الألسنة والمذكورة في الكتب المشهورة أربعة عشر مذهبا الأول هذاالهيكل المحسوس المعبر عنه بالبدن .الثاني أنها القلب أعني العضو الصنوبري اللحماني المخصوص .الثالث أنها الدماغ .الرابع أنها أجزاء لاتتجزي في القلب و هومذهب النظام ومتابعيه .الخامس أنها الأجزاء الأصلية المتولدة من المني.
صفحه : 76
السادس أنها المزاج .السابع أنها الروح الحيواني ويقرب منه ماقيل إنها جسم لطيف سار في البدن سريان الماء في الورد والدهن في السمسم .الثامن أنها الماء.التاسع أنها النار والحرارة الغريزية.العاشر أنها النفس .الحادي عشر أنها هي الواجب تعالي عما يقول الظالمون علوا كبيرا.الثاني عشر أنها الأركان الأربعة.الثالث عشر أنها صورة نوعية قائمة بمادة البدن و هومذهب الطبيعيين .الرابع عشر أنها جوهر مجرد عن المادة الجسمية وعوارض الجسم لها تعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف والموت إنما هوقطع هذاالتعلق و هذا هومذهب الحكماء الإلهيين وأكابر الصوفية والإشراقيين و عليه استقر رأي المحققين المتكلمين كالرازي والغزالي والمحقق الطوسي وغيرهم من الأعلام و هو ألذي أشارت إليه الكتب السماوية وانطوت عليه الأنباء النبوية وقادت عليه الأمارات الحدسية والمكاشفات الذوقية انتهي . و قال في الصحائف الإلهية النفس إما أن يكون جسما أوجسمانيا أو لا هذا و لاذاك فإن كان جسما فإما أن يكون هذاالهيكل المحسوس ومال إليه كثير من المتكلمين و هوضعيف وإما أن يكون جسما داخلا فيه و فيه عشر أقوال الأول قول أفلوطرخس أنه النار السارية فيه لأن خاصية النار الإشراق والحركة وخاصية النفس الحركة والإدراك والإدراك إشراق ويتأيد بقول الأطباء مدبر البدن الحرارة الغريزية.الثاني قول ديوجامس أنه الهواء لأنه لطيف نافذ في المنافذ الضيقة قابل للأشكال المختلفة ويحرك الجسم ألذي هو فيه كالزق المنفوخ فيه والنفس كذلك فالنفس الهواء.
صفحه : 77
الثالث قول ثاليس الملطي أنه الماء لأن الماء سبب النمو والنشوء والنفس كذلك و هذه الوجوه ضعيفة لأنها مركبة من موجبتين في الشكل الثاني.الرابع قول أنباذقلس أنه العناصر الأربعة والمحبة والغلبة.الخامس قول طائفة من الطبيعيين أنه الأخلاط الأربعة لأن بقاءها بكيفياتها وكمياتها المخصوصة سبب لبقاء الحياة بالدوران و هوضعيف إذ الدوران لايفيد اليقين .السادس أنه الدم لأنه أشرف الأخلاط.السابع أنه أجسام لطيفة حية لذواتها سارية في الأعضاء والأخلاط لايتطرق إليها انحلال وتبدل وبقاؤها فيها هوالحياة وانفصالها عنها هوالموت .الثامن أنه أجسام لطيفة متكونة في البطن يشوب القلب وينفذ من الشرايين إلي جملة البدن .التاسع أنه أرواح متكونة في الدماغ تصلح لقبول قوي الحس والحركة تنفذ في الأعصاب إلي جملة البدن .العاشر أنه أجزاء أصلية باقية من أول العمر إلي آخره و هواختيار محققي المتكلمين . و إن كان جسمانيا ففيها أقوال الأول أنه المزاج و هوقول أكثر الأطباء.الثاني أنه صفة للحياة.الثالث أنه الشكل والتخطيط.الرابع أنه تناسب الأركان والأخلاط. و إن لم يكن جسما و لاجسمانيا فهو إما متحيز و هوقول ابن الراوندي لأنه قال إنه جزء لايتجزي في القلب أو غيرمتحيز و هوقول جمهور الفلاسفة ومعمر من قدماء المعتزلة وأكثر الإمامية والغزالي والراغب وذهب فرفوريوس إلي اتحاد النفس بالبدن .
صفحه : 78
ثم قال بعدإيراد بعض الدلائل والأجوبة من الجانبين فالحق أنها جوهر لطيف نوراني مدرك للجزئيات والكليات حاصل في البدن متصرف فيه غني عن الاغتذاء بريء عن التحلل والنماء و لم يبعد أن يبقي مثل هذاالجوهر بعدفناء البدن ويلتذ بما يلائمه ويتألم بما يباينه هذاتحقيق ماتحقق عندي من حقيقة النفس انتهي و قال الصدوق رضي الله عنه في رسالة العقائد اعتقادنا في النفوس أنها الأرواح التي بهاالحياة وأنها الخلق الأول لِقَولِ النّبِيّص أَوّلُ مَا أَبدَعَ اللّهُ سُبحَانَهُ وَ تَعَالَي هيَِ النّفُوسُ المُقَدّسَةُ المُطَهّرَةُ فَأَنطَقَهَا بِتَوحِيدِهِ ثُمّ خَلَقَ بَعدَ ذَلِكَ سَائِرَ خَلقِهِ
واعتقادنا فيهاأنها خلقت للبقاء و لم تخلق للفناء
لِقَولِ النّبِيّص مَا خُلِقتُم لِلفَنَاءِ بَل خُلِقتُم لِلبَقَاءِ وَ إِنّمَا تُنقَلُونَ مِن دَارٍ إِلَي دَارٍ
وأنها في الأرض غريبة و في الأبدان مسجونة واعتقادنا فيهاأنها إذافارقت الأبدان فهي باقية منها منعمة ومنها معذبة إلي أن يردها الله عز و جل بقدرته إلي أبدانها
وَ قَالَ عِيسَي ابنُ مَريَمَ لِلحَوَارِيّينَ بِحَقّ أَقُولُ لَكُم إِنّهُ لَا يَصعَدُ إِلَي السّمَاءِ إِلّا مَا نَزَلَ مِنهَا
و قال الله جل ثناؤه وَ لَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَ لكِنّهُ أَخلَدَ إِلَي الأَرضِ وَ اتّبَعَ هَواهُفما لم ترفع منها إلي الملكوت بقي هو في الهاوية و ذلك لأن الجنة درجات والنار دركات و قال الله عز و جل تَعرُجُ المَلائِكَةُ وَ الرّوحُ إِلَيهِ و قال عز و جل إِنّ المُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَهَرٍ فِي مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقتَدِرٍ و قال الله تعالي وَ لا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبّهِم يُرزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ وَ يَستَبشِرُونَ بِالّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِن خَلفِهِم أَلّا خَوفٌ عَلَيهِم وَ لا هُم يَحزَنُونَ و قال الله تعالي وَ لا تَقُولُوا لِمَن يُقتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتٌ بَل أَحياءٌ وَ لكِن لا تَشعُرُونَ
وَ قَالَ النّبِيّص
صفحه : 79
الأَروَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ
وَ قَالَ الصّادِقُ ع إِنّ اللّهَ تَعَالَي آخَي بَينَ الأَروَاحِ فِي الأَظِلّةِ قَبلَ أَن يَخلُقَ الأَبدَانَ بأِلَفيَ عَامٍ فَلَو قَد قَامَ قَائِمُنَا أَهلَ البَيتِ لَوَرِثَ الأَخُ ألّذِي آخَي بَينَهُمَا فِي الأَظِلّةِ وَ لَم يَرِثِ الأَخُ مِنَ الوِلَادَةِ
وَ قَالَ الصّادِقُ ع إِنّ الأَروَاحَ لتَلَتقَيِ فِي الهَوَاءِ فَتَتَعَارَفُ وَ تَسَاءَلُ فَإِذَا أَقبَلَ رُوحٌ مِنَ الأَرضِ قَالَتِ الأَروَاحُ دَعُوهُ فَقَد أَفلَتَ مِن هَولٍ عَظِيمٍ ثُمّ سَأَلُوهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ فَكُلّمَا قَالَ قَد بقَيَِ رَجَوهُ أَن يَلحَقَ بِهِم وَ كُلّمَا قَالَ قَد مَاتَ قَالُوا هَوَي هَوَي
. ثم قال قدس سره والاعتقاد في الروح أنه ليس من جنس البدن فإنه خلق آخر لقوله تعالي ثُمّ أَنشَأناهُ خَلقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحسَنُ الخالِقِينَ واعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة ع أن فيهم خمسة أرواح روح القدس وروح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح المدرج و في المؤمنين أربعة أرواح روح الإيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح المدرج و في الكافرين والبهائم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح المدرج و أما قوله تعالي يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّفإنه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله ص و مع الأئمة ع و هو من الملكوت . و قال الشيخ المفيد نور الله ضريحه في شرحه علي العقائد كلام أبي جعفر في النفس والروح علي مذهب الحدس دون التحقيق و لواقتصر علي الأخبار و لم يتعاط ذكر معانيها كان أسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه ثم قال رحمه الله النفس عبارة عن معان أحدها ذات الشيء والآخر الدم السائل والآخر النفس ألذي هوالهواء والرابع هوالهوي وميل الطبع فأما شاهد المعني الأول فهو قولهم هذانفس الشيء أي ذاته وعينه وشاهد الثاني قولهم كلما كانت النفس سائلة فحكمه كذا وكذا وشاهد الثالث قولهم فلان هلكت نفسه إذاانقطع نفسه و لم يبق
صفحه : 80
في جسمه هواء يخرج من حواسه وشاهد الرابع قول الله تعالي إِنّ النّفسَ لَأَمّارَةٌ بِالسّوءِيعني الهوي داع إلي القبيح و قديعبر عن النفس بالنقم قال الله تعالي وَ يُحَذّرُكُمُ اللّهُ نَفسَهُيريد نقمته وعقابه فأما الروح فعبارة عن معان أحدها الحياة والثاني القرآن والثالث ملك من ملائكة الله تعالي والرابع جبرئيل ع فشاهد الأول قولهم كل ذي روح فحكمه كذا يريدون كل ذي حياة وقولهم فيمن مات قدخرجت منه الروح يعنون الحياة وقولهم في الجنين صورة لم يلجه الروح يريدون لم تلجه الحياة وشاهد الثاني قوله تعالي وَ كَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ رُوحاً مِن أَمرِنايعني القرآن وشاهد الثالث قوله يَومَ يَقُومُ الرّوحُ وَ المَلائِكَةُالآية وشاهد الرابع قوله تعالي قُل نَزّلَهُ رُوحُ القُدُسِيعني جبرئيل ع و أما ماذكره أبو جعفر ورواه أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد بألفي عام فما تعارف منها ائتلف و ماتناكر منها اختلف فهو حديث من أحاديث الآحاد وخبر من طرق الأفراد و له وجه غير ماظنه من لاعلم له بحقائق الأشياء و هو أن الله تعالي خلق الملائكة قبل البشر بألفي عام فما تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عندخلق البشر و ما لم يتعارف منها إذ ذاك اختلف بعدخلق البشر و ليس الأمر كماظنه أصحاب التناسخ ودخلت الشبهة فيه علي حشوية الشيعة فتوهموا أن الذوات الفعالة المأمورة المنهية كانت مخلوقة في الذر وتتعارف وتعقل وتفهم وتنطق ثم خلق الله لها أجسادا من بعد ذلك فركبها فيها و لو كان ذلك كذلك لكنا نعرف نحن ماكنا عليه و إذاذكرنا به ذكرناه و لايخفي علينا الحال فيه أ لاتري أن من نشأ ببلد من البلاد فأقام فيه حولا ثم انتقل إلي غيره لم يذهب عنه علم ذلك و إن خفي
صفحه : 81
عليه لسهوه عنه فيذكر به ذكره و لو لا أن الأمر كذلك لجاز أن يولد منا إنسان ببغداد وينشأ بها ويقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل إلي مصر آخر فينسي حاله ببغداد و لايذكر منها شيئا و إن ذكر به وعدد عليه علامات حاله ومكانه ونشوئه و هذا ما لايذهب إليه عاقل و ألذي صرح به أبو جعفررحمه الله في معني الروح والنفس هوقول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم فالجناية بذلك علي نفسه وغيره عظيمة فأما ماذكره من أن الأنفس باقية فعبارة مذمومة ولفظ يضاد ألفاظ القرآن قال الله تعالي كُلّ مَن عَلَيها فانٍ وَ يَبقي وَجهُ رَبّكَ ذُو الجَلالِ وَ الإِكرامِ و ألذي حكاه من ذلك وتوهمه هومذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن الأنفس لايلحقها الكون والفساد وأنها باقية وإنما تفني وتفسد الأجسام المركبة و إلي هذاذهب بعض أصحاب التناسخ وزعموا أن الأنفس لم تزل تتكرر في الصور والهياكل لم تحدث و لم تفن ولن تعدم وأنها باقية غيرفانية و هذا من أخبث قول وأبعده من الصواب و مادونه في الشناعة والفساد شنع به الناصبة علي الشيعة ونسبوهم به إلي الزندقة و لوعرف مثبته ما فيه لماتعرض له لكن أصحابنا المتعلقين بالأخبار أصحاب سلامة و بعدذهن وقلة فطنة يمرون علي وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث و لاينظرون في سندها و لايفرقون بين حقها وباطلها و لايفهمون مايدخل عليهم في إثباتها و لايحصلون معاني مايطلقونه منها. و ألذي ثبت من الحديث في هذاالباب أن الأرواح بعدموت الأجساد علي ضربين منها ماينقل إلي الثواب والعقاب ومنها مايبطل فلايشعر بثواب و لاعقاب وَ قَد روُيَِ عَنِ الصّادِقِ ع مَا ذَكَرنَا فِي هَذَا المَعنَي وَ بَيّنّاهُ وَ سُئِلَ عَمّن مَاتَ فِي هَذِهِ الدّارِ أَينَ تَكُونُ رُوحُهُ فَقَالَ مَن مَاتَ وَ هُوَ مَاحِضٌ لِلإِيمَانِ مَحضاً أَو مَاحِضٌ لِلكُفرِ مَحضاً نُقِلَت رُوحُهُ مِن هَيكَلِهِ إِلَي مِثلِهِ فِي الصّورَةِ وَ جوُزيَِ بِأَعمَالِهِ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ فَإِذَا بَعَثَ اللّهُ مَن فِي القُبُورِ أَنشَأَ جِسمَهُ وَ رَدّ رُوحَهُ إِلَي جَسَدِهِ وَ حَشَرَهُ لِيُوَفّيَهُ أَعمَالَهُ فَالمُؤمِنُ يَنتَقِلُ رُوحُهُ مِن جَسَدِهِ إِلَي مِثلِ جَسَدِهِ فِي الصّورَةِ فَيُجعَلُ فِي جِنَانٍ مِن جِنَانِ اللّهِ يَتَنَعّمُ
صفحه : 82
فِيهَا إِلَي يَومِ المَآبِ وَ الكَافِرُ يَنتَقِلُ رُوحُهُ مِن جَسَدِهِ إِلَي مِثلِهِ بِعَينِهِ وَ يُجعَلُ فِي النّارِ فَيُعَذّبُ بِهَا إِلَي يَومِ القِيَامَةِ
وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالي قِيلَ ادخُلِ الجَنّةَ قالَ يا لَيتَ قوَميِ يَعلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي ربَيّ وشاهد ماذكرناه في الكافر قوله تعالي النّارُ يُعرَضُونَ عَلَيها غُدُوّا وَ عَشِيّافأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعدموته و قدأدخل الجنةيا لَيتَ قوَميِ يَعلَمُونَ وأخبر أن كافرا يعذب بعدموته غُدُوّا وَ عَشِيّا و يوم يقوم الساعة يخلد في النار. والضرب الآخر من يلهي عنه ويعدم نفسه عندفساد جسمه فلايشعر بشيء حتي يبعث و هو من لم يمحض الإيمان محضا و لاالكفر محضا و قد بين الله ذلك عند قوله إِذ يَقُولُ أَمثَلُهُم طَرِيقَةً إِن لَبِثتُم إِلّا يَوماًفبين أن قوما عندالحشر لايعلمون مقدار لبثهم في القبور حتي يظن بعضهم أن ذلك كان عشرا ويظن بعضهم أن ذلك كان يوما و ليس يجوز أن يكون ذلك من وصف من عذب إلي بعثه ونعم إلي بعثه لأن من لم يزل منعما أومعذبا لايجهل عليه حاله فيما عومل به و لايلتبس عليه الأمر في بقائه بعدوفاته
وَ قَد روُيَِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع أَنّهُ قَالَ إِنّمَا يُسأَلُ فِي قَبرِهِ مَن مَحَضَ الإِيمَانَ مَحضاً أَو مَحَضَ الكُفرَ مَحضاً فَأَمّا مَا سِوَي هَذَينِ فَإِنّهُ يُلهَي عَنهُ
وَ قَالَ فِي الرّجعَةِ إِنّمَا يَرجِعُ إِلَي الدّنيَا عِندَ قِيَامِ القَائِمِ مَن مَحَضَ الإِيمَانَ أَو مَحَضَ الكُفرَ مَحضاً فَأَمّا مَا سِوَي هَذَينِ فَلَا رُجُوعَ لَهُم إِلَي يَومِ المَآبِ
. و قداختلف أصحابنا فيمن ينعم ويعذب بعدموته فقال بعضهم المعذب والمنعم هوالروح التي توجه إليها الأمر والنهي والتكليف سموها جوهرا و قال آخرون بل الروح الحياة جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا وكلا الأمرين يجوزان في العقل والأظهر عندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب و هو ألذي
صفحه : 83
يسميه الفلاسفة البسيط و قدجاء في الحديث أن الأنبياء خاصة والأئمة من بعده ينقلون بأجسادهم وأرواحهم من الأرض إلي السماء فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عندمقامهم في الدنيا و هذاخاص لحجج الله دون من سواهم من الناس
وَ قَد روُيَِ عَنِ النّبِيّص أَنّهُ قَالَ مَن صَلّي عَلَيّ مِن عِندِ قبَريِ سَمِعتُهُ وَ مَن صَلّي عَلَيّ مِن بَعِيدٍ بُلّغتُهُ
وَ قَالَص مَن صَلّي عَلَيّ مَرّةً صَلّيتُ عَلَيهِ عَشراً وَ مَن صَلّي عَلَيّ عَشراً صَلّيتُ عَلَيهِ مِائَةَ مَرّةٍ فَليُكثِرِ امرُؤٌ مِنكُمُ الصّلَاةَ عَلَيّ أَو فَليُقِلّ
فبين أنه ص بعدخروجه من الدنيا يسمع الصلاة عليه و لا يكون كذلك إلا و هوحي عند الله تعالي وكذلك أئمة الهدي يسمعون سلام المسلم عليهم من قرب ويبلغهم سلامه من بعد وبذلك جاءت الآثار الصادقة عنهم و قد قال وَ لا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌالآية إلي آخر مامر في كتاب المعاد أقول و قدتكلمنا عليه هناك فلانعيده و قال المفيد قدس الله روحه في كتاب المسائل القول في تنعم أصحاب القبور وتعذيبهم علي أي شيء يكون الثواب لهم والعقاب و من أي وجه يصل إليهم ذلك وكيف تكون صورهم في تلك الأحوال . وأقول إن الله تعالي يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا ينعم مؤمنيهم فيها ويعذب كفارهم وفساقهم فيهادون أجسامهم التي في القبور يشاهدها الناظرون تتفرق وتندرس وتبلي علي مرور الأوقات وينالهم ذلك في غيرأماكنهم من القبور و هذايستمر علي مذهبي في النفس ومعني الإنسان المكلف عندي و هوالشيء المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات الجواهر والأعراض ومضي به روايات عن الصادقين من آل محمد ع ولست أعرف لمتكلم من الإمامية قبلي فيه مذهبا فأحكمه و لاأعلم بيني و بين فقهاء الإمامية وأصحاب الحديث فيه اختلافا. و قال السيد المرتضي رضي الله عنه في أجوبة المسائل العكبرية حين سئل عن
صفحه : 84
قول الله تعالي وَ لا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبّهِم يُرزَقُونَ و قال فهل يكون الرزق لغير جسم و ماصورة هذه الحياة فإنا مجمعون علي أن الجواهر لاتتلاشي فما الفرق حينئذ في الحياة بين المؤمن والكافر فأجاب قدس الله لطيفه أن الرزق لا يكون عندنا إلاللحيوان والحيوان عندنا ليسوا بأجسام بل ذوات أخرجوا في هذه الدار إلي الأجساد وتعذر عليهم كثير من الأفعال إلا بها وصارت آلتهم في الأفعال الأجساد فإن أغنوا عنها بعدالوفاة جاز أن يرزقوا مع عدمها رزقا تحصل لهم اللذات و إن ردوا إليها كان الرزق لهم حينئذ بحسبه في الدنيا علي السواء.فأما قوله ماصورة هذه الحياة فالحياة لاصورة لها لأنها عرض من الأعراض وهي تقوم بالذات الفعال دون الأجساد التي تقوم بهاحياة النمو دون الحياة التي هي شرط في العلم والقدرة ونحوهما من الأعراض . و قوله إنا مجمعون علي أن الجواهر لاتتلاشي فليس ذلك كماظن و لو كان الأمر فيه ماتوهم لامتنع أن يوجد الحياة لبعض الجواهر ويرفع عن بعض كمايوجد حياة النمو لبعض الأجساد ويرفع عن بعض علي الاتفاق و لوقلنا إن الحياة بعدالنقلة من هذه الدار يعم أهل الكفر والإيمان لم يفسد ذلك علينا أصلا في الدين فكانت الحياة لأهل الإيمان شرطا في وصول اللذات إليهم والحياة لأهل الكفر شرطا في وصول الآلام إليهم بالعقاب . و قال رضي الله عنه في أجوبة المسائل التي وردت عليه من الري حين سئل عن الروح الصحيح عندنا أن الروح عبارة عن الهواء المتردد في مخارق الحي منا ألذي لايثبت كونه حيا إلا مع تردده ولهذا لايسمي مايتردد في مخارق الجماد روحا فالروح جسم علي هذه القاعدة.أقول
وَ قَد رَوَي بَعضُ الصّوفِيّةِ فِي كُتُبِهِم عَن كُمَيلِ بنِ زِيَادٍ أَنّهُ قَالَسَأَلتُ
صفحه : 85
مَولَانَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيّاً ع فَقُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أُرِيدُ أَن تعُرَفّنَيِ نفَسيِ قَالَ يَا كُمَيلُ وَ أَيّ الأَنفُسِ تُرِيدُ أَن أُعَرّفَكَ قُلتُ يَا موَلاَيَ هَل هيَِ إِلّا نَفسٌ وَاحِدَةٌ قَالَ يَا كُمَيلُ إِنّمَا هيَِ أَربَعَةٌ النّامِيَةُ النّبَاتِيّةُ وَ الحِسّيّةُ الحَيَوَانِيّةُ وَ النّاطِقَةُ القُدسِيّةُ وَ الكُلّيّةُ الإِلَهِيّةُ وَ لِكُلّ وَاحِدَةٍ مِن هَذِهِ خَمسُ قُوًي وَ خَاصِيّتَانِ فَالنّامِيَةُ النّبَاتِيّةُ لَهَا خَمسُ قُوًي مَاسِكَةٌ وَ جَاذِبَةٌ وَ هَاضِمَةٌ وَ دَافِعَةٌ وَ مُرَبّيَةٌ وَ لَهَا خَاصِيّتَانِ الزّيَادَةُ وَ النّقصَانُ وَ انبِعَاثُهَا مِنَ الكَبِدِ وَ الحِسّيّةُ الحَيَوَانِيّةُ لَهَا خَمسُ قُوًي سَمعٌ وَ بَصَرٌ وَ شَمّ وَ ذَوقٌ وَ لَمسٌ وَ لَهَا خَاصِيّتَانِ الرّضَا وَ الغَضَبُ وَ انبِعَاثُهَا مِنَ القَلبِ وَ النّاطِقَةُ القُدسِيّةُ لَهَا خَمسُ قُوًي فِكرٌ وَ ذِكرٌ وَ عِلمٌ وَ حِلمٌ وَ نَبَاهَةٌ وَ لَيسَ لَهَا انبِعَاثٌ وَ هيَِ أَشبَهُ الأَشيَاءِ بِالنّفُوسِ الفَلَكِيّةِ وَ لَهَا خَاصِيّتَانِ النّزَاهَةُ وَ الحِكمَةُ وَ الكُلّيّةُ الإِلَهِيّةُ لَهَا خَمسُ قُوًي بَهَاءٌ فِي فَنَاءٍ وَ نَعِيمٌ فِي شَقَاءٍ وَ عِزّ فِي ذُلّ وَ فَقرٌ فِي غَنَاءٍ وَ صَبرٌ فِي بَلَاءٍ وَ لَهَا خَاصِيّتَانِ الرّضَا وَ التّسلِيمُ وَ هَذِهِ التّيِ مَبدَؤُهَا مِنَ اللّهِ وَ إِلَيهِ تَعُودُ قَالَ اللّهُ تَعَالَيوَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ وَ قَالَ تَعَالَييا أَيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنّةُ ارجعِيِ إِلي رَبّكِ راضِيَةً وَ العَقلُ فِي وَسَطِ الكُلّ.
أقول هذه الاصطلاحات لم تكد توجد في الأخبار المعتبرة المتداولة وهي شبيهة بأضغاث أحلام الصوفية و قال بعضهم في شرح هذاالخبر النفسان الأوليان في كلامه ع مختصان بالجهة الحيوانية التي هي محل اللذة والألم في الدنيا والآخرة والأخيرتان بالجهة الإنسانية وهما سعيدة في النشأتين وسميا الأخيرة فإنها لاحظ لها من الشقاء لأنها ليست من عالم الشقاء بل هي منفوخة من روح الله فلايتطرق إليها ألم هناك من وجه وليست هي موجودة في أكثر الناس بل ربما لم يبلغ من ألوف كثيرة واحد إليها وكذلك الأعضاء والجوارح بمعزل عن اللذة والألم أ لاتري إلي المريض إذانام و هوحي والحس عنده موجود والجرح ألذي يتألم به في يقظته موجود في العضو و مع هذا لايجد ألما لأن الواجد للألم قدصرف وجهه عن عالم الشهادة
صفحه : 86
إلي البرزخ فما عنده خير فإذااستيقظ المريض أي رجع إلي عالم الشهادة ونزل منزل الحواس قامت به الأوجاع والآلام فإن كان في البرزخ في ألم كما في رؤيا مفزعة مولمة أو في لذة كما في رؤيا حسنة ملذة انتقل منه الألم واللذة حيث انتقل وكذلك حاله في الآخرة انتهي . و قال العلامة الحلي نور الله مرقده في كتاب معارج الفهم اختلف الناس في حقيقة النفس ماهي وتحرير الأقوال الممكنة فيها أن النفس إما أن تكون جوهرا أوعرضا أومركبا منهما و إن كانت جوهرا فإما أن تكون متحيزة أو غيرمتحيزة و إن كانت متحيزة فإما أن تكون منقسمة أو لاتكون و قدصار إلي كل من هذه الأقوال قائل والمشهور مذهبان أحدهما أن النفس جوهر مجرد ليس بجسم و لاحال في الجسم و هومدبر لهذا البدن و هوقول جمهور الحكماء ومأثور عن شيخنا المفيد وبني نوبخت من أصحابنا والثاني أنها جوهر أصلية في هذاالبدن حاصلة فيه من أول العمر إلي آخره لايتطرق إليها التغير و لاالزيادة و لاالنقصان و عندالمعتزلة عبارة عن الهيكل المشاهد المحسوس وهاهنا مذاهب أخري منها أن النفس هو الله تعالي ومنها أنها هي المزاج ومنها أنها النفس ومنها أنها النار ومنها أنها الهواء و غير ذلك من المذاهب السخيفة انتهي . و قال المحقق الطوسي قدس الله روحه في التجريد هي جوهر مجرد و قال العلامة رفع الله مقامه في شرحه اختلف الناس في ماهية النفس وأنها هل هي جوهر أم لا والقائلون بأنها جوهر اختلفوا في أنها هل هي مجردة أم لا والمشهور عندالأوائل وجماعة من المتكلمين كبني نوبخت من الإمامية والمفيد منهم والغزالي من الآشاعرة أنها جوهر مجرد ليس بجسم و لاجسماني و هو ألذي اختاره المصنف انتهي . و قال المحقق الطوسي رحمه الله أيضا في كتاب الفصول ألذي يشير إليه الإنسان حال قوله أنا لو كان عرضا لاحتاج إلي محل يتصف به لكن لايتصف بالإنسان شيءبالضرورة بل يتصف هوبأوصاف هي غيره فيكون جوهرا و لو كان
صفحه : 87
هوالبدن أو شيء من جوارحه لم يتصف بالعلم لكنه يتصف به الضرورة فيكون جوهرا عالما والبدن وسائر الجوارح آلاته في أفعاله ونحن نسميه هاهنا الروح انتهي . وتوقف رحمه الله في رسالة قواعد العقائد واكتفي بذكر الأقوال حيث قال المسألة الثانية في أقوال الناس في حقيقة الإنسان وأنها أي شيءهي اختلفوا في حقيقة فبعضهم قالوا إن الإنسان هوالهيكل المشاهد وبعضهم قالوا هوأجزاء أصلية داخلية في تركيب الإنسان لايزيد بالنمو و لاينقص بالذبول و قال النظام هوجسم لطيف في داخل الإنسان سار في أعضائه فإذاقطع منه عضو تقلص ما فيه إلي باقي ذلك الجسم و إذاقطع بحيث انقطع ذلك الجسم مات الإنسان و قال ابن الراوندي هوجوهر لايتجزي في القلب وبعضهم قالوا هوالأخلاط الأربعة وبعضهم قالوا هوالروح و هوجوهر مركب من بخارية الأخلاط ولطيفها مسكنه الأعضاء الرئيسة التي هي القلب والدماغ والكبد ومنها ينفذ الروح في العروق والأعصاب إلي سائر الأعضاء وجميع ذلك جواهر جسمانية وبعضهم قالوا هوالمزاج المعتدل الإنساني وبعضهم قالوا تخاطيط الأعضاء وتشكيل الإنسان ألذي لايتغير من أول عمره إلي آخره وبعضهم قالوا العرض المسمي بالحياة وجميع ذلك أعراض والحكماء وجمع من المحققين من غيرهم قالوا إنه جوهر غيرجسماني لايمكن أن يشار إليه إشارة حسية و هذه هي المذاهب وبعضها ظاهر الفساد انتهي . و قال الشيخ السديد المفيد طيب الله تربته حين سأله السائل في المسائل الرؤية ما قوله أدام الله تعالي علوه في الأرواح ومائيتها وحقيقة كيفياتها و مالها عندمفارقتها الأجساد وهي حياة النمو وقبول الغذاء والحياة التي في الذوات الفعالة هي معني أم لاالجواب أن الأرواح عندنا هي أعراض لابقاء لها وإنما عبد الله تعالي منها الحي حالا بحال فإذاقطع امتداد المحيي بهاجاءت الموت ألذي هوضد
صفحه : 88
الحياة و لم يكن للأرواح وجود فإذاأحيا الله تعالي الأموات ابتدأ فيهم الحياة التي هي الروح والحياة التي في الذوات الفعالة هي معني يصحح العلم والقدرة وهي شرط في كون العالم عالما والقادر قادرا وليست من نوع الحياة التي تكون . ثم قال قدس سره حين سأل السائل ما قوله حرس الله تعالي عزه في الإنسان أ هو هذاالشخص المرئي المدرك علي مايذكره أصحاب أبي هاشم أم جزء حال في القلب حساس دراك كمايحكي عن أبي بكر بن الأخشاد والجواب أن الإنسان هو ماذكره بنو نوبخت و قدحكي عن هشام بن الحكم والأخبار عن موالينا ع تدل علي ماأذهب إليه وهي شيءقائم بنفسه لاحجم له و لاحيز لايصح عليه التركيب و لاالحركة والسكون و لاالاجتماع و لاالافتراق و هوالشيء ألذي كانت تسميه الحكماء الأوائل الجوهر البسيط وكذلك كل حي فعال محدث فهو جوهر بسيط و ليس كما قال الجبائي وابنه وأصحابهما إنه جملة مؤلفة و لا كما قال ابن الأخشاد إنه جسم متخلخل في الجملة الظاهرة و لا كما قال الأعوازي إنه جزء لايتجزي و قوله فيه قول معمر من المعتزلة وبني نوبخت من الشيعة علي ماقدمت ذكره و هو شيءيحتمل العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة والبغض والحب قائم بنفسه محتاج في أفعاله إلي الآلة التي هي الجسد والوصف له بأنه حي يصح عليه القول بأنه عالم قادر و ليس الوصف له بالحياة كالوصف للأجساد بالحياة حسب ماقدمناه و قديعبر عنه بالروح و علي هذاالمعني جاءت الأخبار أن الروح إذافارقت الجسد نعمت وعذبت والمراد الإنسان ألذي هوالجوهر البسيط يسمي الروح و عليه الثواب والعقاب و إليه يوجه الأمر والنهي والوعد والوعيد و قددل القرآن علي ذلك بقوله يا أَيّهَا الإِنسانُ ما غَرّكَ بِرَبّكَ الكَرِيمِ ألّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ
صفحه : 89
فِي أَيّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَفأخبر تعالي أنه غيرالصورة و أنه مركب فيها و لو كان الإنسان هوالصورة لم يكن لقوله تعالي فِي أَيّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَمعني لأن المركب في الشيء غيرالشيء المركب فيه ومحال أن تكون الصورة مركبة في نفسها وعينها لماذكرناه و قد قال سبحانه في مؤمن آل يس قِيلَ ادخُلِ الجَنّةَ قالَ يا لَيتَ قوَميِ يَعلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي ربَيّفأخبر أنه حي ناطق منعم و إن كان جسمه علي ظهر الأرض أو في بطنها و قال تعالي وَ لا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبّهِم يُرزَقُونَ فَرِحِينَفأخبر أنهم أحياء و إن كانت أجسادهم علي وجه الأرض مواتا لاحياة فيها وَ روُيَِ عَنِ الصّادِقِينَ ع أَنّهُم قَالُوا إِذَا فَارَقَت أَروَاحُ المُؤمِنِينَ أَجسَادَهُم أَسكَنَهَا اللّهُ تَعَالَي فِي مِثلِ أَجسَادِهِمُ التّيِ فَارَقُوهَا فَيُنَعّمُهُم فِي جَنّةٍ وَ أَنكَرُوا مَا ادّعَتهُ العَامّةُ مِن أَنّهَا تَسكُنُ فِي حَوَاصِلِ الطّيُورِ الخُضرِ وَ قَالُوا المُؤمِنُ أَكرَمُ عَلَي اللّهِ مِن ذَلِكَ
ولنا علي المذهب ألذي وصفناه أدلة عقلية لايطعن المخالف فيها ونظائر لماذكرناه من الأدلة السمعية وبالله أستعين انتهي كلامه رفع الله مقامه . و قال الغزالي في الأربعين الروح هي نفسك وحقيقتك وهي أخفي الأشياء عليك وأعني بنفسك روحك التي هي خاصة الإنسان المضافة إلي الله تعالي بقوله قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ و قوله وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِدون الروح الجسماني اللطيف ألذي هوحامل قوة الحس والحركة التي تنبعث من القلب وتنتشر في جملة البدن في تجويف العروق والضوارب فيفيض منها نور حس البصر علي العين ونور السمع علي الأذن وكذلك سائر القوي والحركات والحواس كمايفيض من السراج
صفحه : 90
نور علي حيطان البيت إذاأدير في جوانبه فإن هذه الروح تتشارك البهائم فيها وتنمحق بالموت لأنه بخار اعتدل نضجه عنداعتدال مزاج الأخلاط فإذاانحل المزاج بطل كمايبطل النور الفائض من السراج عندإطفاء السراج بانقطاع الدهن عنه أوبالنفخ فيه وانقطاع الغذاء عن الحيوان يفسد هذه الروح لأن الغذاء له كالدهن للسراج والقتل له كالنفخ في السراج و هذه الروح هي التي يتصرف في تقويمها وتعديلها علم الطب و لاتحمل هذه الروح المعرفة والأمانة بل الحامل للأمانة الروح الخاصة للإنسان ونعني بالأمانة تقلد عهدة التكليف بأن تعرض لخطر الثواب والعقاب بالطاعة والمعصية. و هذه الروح لاتفني و لاتموت بل تبقي بعدالموت إما في نعيم وسعادة أو في جحيم وشقاوة فإنه محل المعرفة والتراب لايأكل محل المعرفة والإيمان أصلا و قدنطقت به الأخبار وشهدت له شواهد الاستبصار و لم يأذن الشارع في تحقيق صفته إلي أن قال و هذه الروح لاتفني و لاتموت بل يتبدل بالموت حالها فقط و لايتبدل منزلها والقبر في حقها إما روضة من رياض الجنة أوحفرة من حفر النار إذ لم يكن لها مع البدن علاقة سوي استعمالها للبدن أواقتناصها أوائل المعرفة بواسطة شبكة الحواس فالبدن آلتها ومركبها وشبكتها وبطلان الآلة والشبكة والمركب لايوجب بطلان الصائد نعم إن بطلت الشبكة بعدالفراغ من الصيد فبطلانها غنيمة إذ يتخلص من حمله وثقله ولذا
قَالَ ع تُحفَةُ المُؤمِنِ المَوتُ
و إن بطلت الشبكة قبل الصيد عظمت فيه الحسرة والندامة والألم ولذلك يقول المقصررَبّ ارجِعُونِ لعَلَيّ أَعمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكتُ كَلّابل من كان ألف الشبكة وأحبها وتعلق قلبه بحسن صورتها وصنعتها و مايتعلق بسببها كان له من العذاب ضعفين أحدهما حسرة فوات الصيد ألذي لايقتنص إلابشبكة البدن والثاني زوال الشبكة مع تعلق القلب بها وإلفه لها و هذامبدأ من مبادئ معرفة عذاب القبر انتهي .
صفحه : 91
أقول لماكانت رسالة الباب المفتوح إلي ماقيل في النفس والروح للشيخ الفاضل الرضي علي بن يونس العاملي روح الله روحه جمة الفوائد كثيرة العوائد مشتملة علي جل ماقيل في هذاالباب من غيرإسهاب وإطناب أوردت هاهنا جميعها وهي هذه .الحمد لله ألذي خلق النفوس وحجب حقيقتها عنا فإن العين تبصر غيرها ويتعذر إدراك نفسها منها فأوجب ذلك خبط العلماء فيها و لم يصل أكثرهم بدقيق الفكر إليها و قد قال العالم الرباني ألذي أوجب الله حقه من عرف نفسه فقد عرف ربه أشار بامتناع معرفة نفسه مع قربه إلي امتناع الإحاطة بكنه ربه و ماقيل في تفسيره من عرفها بالمخلوقية عرفه بالخالقية لايدفع ماقصدناه و لايمتنع ماذكرناه إذ معرفتها بصفة حدوثها لايستلزم معرفة عينها فإن معرفتها ليست ضروريا بلا خلاف لوجود الخلاف فيها و لاكسبية لامتناع صدق الجنس والفصل عليها بل الاعتراف بالعجز عن وجدانها أسهل من الفحص عن كنهها وبرهانها والإنسان ضعيف القوة محدود الجملة معلومه أقل من مظنونه وتخمينه أكثر من يقينه لكن من كان نظره أعلي ونقده أجلي ونوره أصنع وفكره أشيع كان من الشك أنجي و من الشبهة أنأي وثاقب بصره الأسني إلي النفس أدني و هذاالإنسان الضعيف الصغير فيه ذلك البسيط اللطيف جزء يسير فكيف يدرك بجزء منه كله ويقبل منه جميعه و هذايتعذر أن يكون معلوما ويبعد و إن لم يكن معدوما بل يكفي أن يعلم أنها قوة إلهية مسببة واسطة بين الطبيعة المصرفة والعناصر المركبة المثير لها الطالع عليها السائغ فيهاالممتزج بهافالإنسان ذو طبيعة لآثارها البادية في بدنه وذو نفس لآثارها الظاهرة في مطلبه ومأربه وذو عقل لتميزه وغضبه وشكه ويقينه وها أناذا واضع لك في هذاالمختصر المسمي بالباب المفتوح إلي ماقيل في النفس والروح مابلغني من أقاويل الأوائل و ماأوردوا من الشبهات والدلائل راج من واهب المواهب الإشارة إلي مأخذ تلك المذاهب مورد ماحضرني من دخل فيها.
صفحه : 92
فهنا مقصدان
اسم النفس مشترك بالاشتراك اللفظي بين معان منها ذات الشيء فعل ذلك بنفسه ومنها الأنفة ليس لفلان نفس ومنها الإرادة نفس فلان في كذا ومنها العين قال ابن القيس
يتقي أهلها النفوس عليها | فعلي نحرها الرقي والتميم . |
ومنها مقدار دبغة من الدباغ تقول أعطني نفسا أي قدر ماأدبغ به مرة ومنها العيب إني لاأعلم نفس فلان أي عيبه ومنها العقوبةوَ يُحَذّرُكُمُ اللّهُ نَفسَهُ ومنها مايفوت الحياة بفواته كنفس الحيوان كُلّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ و هذه هي المبحوث عنها المختلف فيها
واعلم أن الاحتمالات التي اقتضاها التقسيم بمناسبة إما جوهر مادي أوجوهر مجرد أومادي وعرض أومجرد وعرض أومادي ومجرد وعرض
قال به جماعة المعتزلة وكثير من المتكلمين ثم اختلفوا علي مذاهب ذهب جمهور المسلمين إلي أنه مجموع الهيكل المحسوس و هذا كماتري ليس هوجوهر فقط بل مضاف إليه عرض لأن الجسم كذلك واختاره القزويني قال لإجماع أهل اللغة أنهم عندإطلاق نفسه يشيرون إليه واتفاق الأمة علي وقوع الإدراكات بالبصر عليه ونصوص القرآن أيضا واردة فيه مثل إِنّا خَلَقنَا الإِنسانَ مِن نُطفَةٍخُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍوَ لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍإنِيّ خالِقٌ بَشَراً مِن صَلصالٍ و أنه هو ألذي يمات ويقبر في قوله ثُمّ أَماتَهُ فَأَقبَرَهُفمن يخرج عن هذه النصوص إلي غيرمدلولاتها كيف يكون مسلما و قدأجمعت الأمة علي أن من رأي هذه البنية وحلف أنه مارأي إنسانا حنث ولكن اختلف في أن الإنسان هل هو هذه الجملة أو شيء له هذه الجملة أو شيء له هذه الجملة قال الأقرب الثاني والفائدة في الملك إذاجاء فيهافإنه ليس بإنسان وكذلك المصور لها من خشب وغيره
صفحه : 93
وإنما جري اسم الإنسان علي الهيكل تبعا لذلك الشيء ألذي له الهيكل آدم وأولاده و هذا ألذي قربه مخالف لماصوره . و قال شارح النظم أطبق العقلاء علي بطلان هذاالقول لأن مقطوع اليد باق ويمتنع بقاء الماهية عندعدم جزئها ولأنها دائما تتحلل وتستخلف فالفائت له ثواب و عليه عقاب فإن حشرت كلها لزم المحال و إن لم تحشر لزم الظلم والإضلال ذهب أهل هذاالتقسيم إلي أنه بعض الهيكل ثم اختلفوا علي أقوال . قال ابن الراوندي إنه جزء في القلب قال النظام إنه أجزاء لطيفة في القلب وكأنهما نظرا إلي أن الإنسان إذارجع إلي نفسه وجد قلبه محل ذكره فظناها ذلك و هوخطأ لعدم إنتاج الشكل الثاني من الموجبتين قال الأطباء إنه الروح ألذي في القلب من الجانب الأيسر نظرا إلي أن جانب الإنسان الأيسر أخطر من الأيمن و هوضعيف لجواز كون محله غيرالقلب وسلامة القلب شرط فيه قال بعضهم إنه الدم لفوات الحياة بفواته و عليه قول السموأل تسيل علي حد الضباة نفوسنا قلنا لايلزم من عدم شيء عندعدم آخر اتحادهما كالجوهر والعرض و لاحجة في الشعر لاحتماله المجاز وقيل هوالأخلاط بشرط أن يكون لكل واحد منها قدر معين ومأخذ هذا وجوابه قريب مما سلف . قال بعض الفلاسفة إنه الجزء الناري لأن خاصة النار الإشراق والحركة وخاصة النفس الإدراك والحركة والإدراك من جنس الإشراق ولذلك قالت الأطباء إن مدبر هذاالبدن الحرارة الغريزية قلنا لايلزم من الاشتراك في الخاصة الاشتراك في ذي الخاصة فإن العناصر مع اختلاف ماهياتها تشترك في كيفياتها. قال الباقلاني هوالجزء الهوائي و هوالنفس المتردد في المخارق و أنه متي انقطع انقطعت الحياة فالنفس هوالنفس قلنا قدأسلفنا أن التلازم لايستلزم الاتحاد.قيل هوالجزء المائي لأنه سبب النمو فالنفس كذلك قلنا و هذا من
صفحه : 94
موجبتين في الشكل الثاني فهو عقيم و لاينحصر النمو في الماء فإنه يوجد في الشمس والهواء.قيل هوأجزاء لطيفة سارية في البدن كسريان الدهن في السمسم وماء الورد في ورقه قلنا هذامجرد خيال خال عن دليل . قال النظام و ابن الإخشيد إنه الروح الدماغي الصالح لقبول الحس والكفر والحفظ والذكر و هوالحي المكلف الفاعل للأفعال و هومركب من بخارية الأخلاط ولطيفها ومسكنه الأعضاء الرئيسة التي هي القلب والدماغ والكبد و ماينفذ في العروق والأعصاب إلي سائر الأعضاء قلنا قدعلمنا أن الأذن هي السامعة والعين هي الباصرة والبدن راكع وساجد فكيف يقال الفاعل غيرها و لم حد الزاني و لم قتل المرتد إذا كان هو غير هذاالمشاهد. قال النظام أيضا إنه جزء لطيف داخل البدن سار في أعضائه فإذاقطع منه عضو تقلص ذلك اللطيف فإذاقطع اللطيف معه مات الإنسان و هذانظر إلي فقد الحياة بفقدانه و قدعرفت ضعفه . قال هشام بن الحكم هوجسم لطيف يختص بالقلب وسماه نورا و إن الجسد موات و إن الروح هوالحي الفعال المدرك و قدعرفت مأخذه وضعفه مما سلف . قال ابن الإخشيد أيضا إنه جسم منبث في الجملة و فيه مافيما قبله .قالت الصوفية إنه جسم لطيف كهيئة الإنسان ملبس كالثوب علي الجسد وكأنهم نظروا إلي الأفعال الصادرة عنه و إلي أنه إذاقطع بعضه لم يمت فجعلوه شيئا ملازما للجملة و هذاخرص محض .قالت الثنوية هوجوهران ممتزجان أحدهما خير هو من النور والآخر شر هو من الظلمة بناء منهم علي قدم هذين وتدبيرهما و قدعرفت بطلان مبناه في الكلام .قالت المرقونية إنه ثلاثة جواهر نور وظلمة وثالث بينهما و هوالفاعل دونهما.
صفحه : 95
قالت الصابئة هوالحواس الخمس لأنه شاعر و هذه مشاعر و هو من موجبتين في الثاني ويلزمهم أنه متي ذهب بعضها ذهب الإنسان لبطلان المركب ببطلان جزئه والحس يكذبه . قال قوم من الدهرية هوالطبائع الأربع فهذا الضرب من الاختلاف كان إنسانا قال بعض الدهرية هوالطبائع الأربع وخامس آخر هوالمنطق والتمييز والفعل . قال بعض أصحاب الهيولي هوالجوهر الحي الناطق و هو في هذاالجوهر شيء ليس بمماس و لامباين و هوالمدبر له .قالت الملكائية من النصاري هوالنفس والعقل والجرم . قال معمر هوعين من الأعيان لايجوز عليه الانتقال و لايجوز له محل و لامكان يدبر هذاالعالم ويحركه و لايجوز إدراكه ورؤيته فقد قيل إنه جعل الإنسان بمثابة القديم غير أنه لماسئل كيف يختص تدبيره بهذا البدن دون غيره دهش و قال إنه مدبر لسائر أبدان العالم و هذه صفة الإله سبحانه فزعم حينئذ أنه ربه و هذا هو ألذي عناه شارح نظم البراهين بقوله وقيل إن النفس هوالإله قالوا يجوز كون النفس مختلفة بالحقيقة والأبدان مختلفة بالمزاج فتعلق كل نفس بما يناسبها من المزاج قلنا الأبدان الإنسانية قريبة المزاج وربما اتحد أكثرها في المزاج فيلزم أن يتعلق بالجميع و هذه الأقوال لإدراكها مأخذ إلاأنها عندتحرير المبحث منها مايرجع إلي الجوهر المجرد ومنها مايرجع إلي الأجزاء الأصلية. قال أكثر المحققين كأبي الحسين البصري وجمال الدين الحلي وكمال الدين البحراني وسالم بن عزيزة السوراوي إن الإنسان أجزاء أصلية في البدن باقية من أول العمر إلي آخره لايجوز عليها التبدل والتغير لامجموع البدن لأنه دائما في التبدل والاستخلاف مع بقاء النفس والباقي غيرالزائل و لو كان هوجملة البدن
صفحه : 96
لزم الظلم حيث إن المعدوم منه لايمكن إعادته لماعرفت من امتناع إعادة المعدوم فلايصل إليه مايستحقه ولأنا متي استحضرنا العلوم وجدناها في ناحية صدورنا فلو كان محل علومنا شيءخارج عن شيء من أجسامنا لزم قيام صفاتنا بغيرنا ولأن الإنسان لو كان مجردا كماقيل لزم أن لايعلم الإنسان الآخر لأنه لوعلم الإنسان الآخر علم ذلك المجرد و هوظاهر البطلان ولأنا نعلم هذاالإنسان والإنسان المطلق جزء منه فلو لم نعلم الجزء لم نعلم الكل وينعكس إلي أنا لماعلمنا الكل علمنا الجزء والمجرد لايعلم فليس بجزء ولأنا ندرك الألم بأجسامنا عندتقريبنا إلي النار مثلا ونحكم عليها به والمحكوم عليه هوالإنسان فهو معلوم والمجرد غيرمعلوم .قالوا الإنسان يدرك الكليات لامتناع حصر الكل ألذي لاينحصر في الجسم المنحصر فيكون هوالمجرد قلنا إن العلم ليس صورة حالة في العالم وإنما هوالوصول إلي المعلوم والنظر إليه و لانسلم له أن العلم بالكل كلي إنما الكلي في الحقيقة هوالمعلوم و إن أطلق عليه فبالمجاز لأن عروض جميع الأفراد مستحيلة علي القوة العقلية وإنما يحصل لها لقيامها بالجسم بعوارض محصورة لأنها صور جزئية في نفس جزئية موصوفة بالحدوث في وقت مخصوص و إذاكانت في النفس بهذه العوارض فهي ليست كلية.قالوا القوة العقلية تقوي من الأفعال علي ما لايتناهي والجسمية لاتقوي علي ما لايتناهي أنتج من الشكل الثاني القوة العقلية ليست جسمية قلنا لانسلم أن القوة العقلية تقوي علي فعل فضلا عن أن يقوي علي ما لايتناهي لأن تعلقها بالمعقول عندكم حصول صورة فيها و ذلك انفعال لافعل و لوسلمنا أصل قوتها منعنا عدم تناهيها لأنكم إن أردتم أنها تقوي في الوقت الواحد علي ما لايتناهي منعناه فإنا نجد في أنفسنا تعذر ذلك علينا و إن أردتم بعدم النهاية أنه ما من وقت إلا ويمكننا أن نفعل فيه فالقوة الجسمية تقوي لذلك إذ ما من آن يفرض إلا ويمكن أويجب أن يحصل لها فيه فعل فيقوي علي ما لايتناهي فتكون القوة العاقلة جسمية.قالوا لوقويت الجسمية علي ما لايتناهي و كان جزؤها يقوي علي ما لايتناهي
صفحه : 97
ساوي الجزء الكل و إن قوي علي مايتناهي تناهي الكل لأن نسبة الكل إلي الجزء معلومة فيكون نسبة تأثيره إلي تأثير الجزء معلومة ونسبة تأثير الجزء متناهية فنسبة تأثير الكل متناهية قلنا لايلزم من كون تأثير الجزء أقل تناهيه فإن الجزء المؤثر الدائم الأثر له تأثير دائم و لايلزم من دوامه مساواته الكل لأن له تأثيرا دائما لكنه ضعيف قليل لأنه واقف علي حد. قال جمهور الفلاسفة ومعمر بن عباد السلمي من قدماء المعتزلة والغزالي و أبوالقاسم الراغب والشيخ المفيد وبنو نوبخت والأسواري ونصير الدين الطوسي إنه جوهر مجرد عن المكان والجهة والمحل متعلق بالبدن تعلق العاشق بمعشوقه والملك بمدينته ويفعل أفعاله بواسطته و إن النفس تدرك حقائق الموجودات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات و إن النفس الفلكية تفيض علي الأشخاص كالشمس تدخل عندطلوعها كل كوة بل قال الغزالي لا هوداخل البدن و لاخارج عنه و لامتصل به و لامنفصل عنه لأن مصحح ذلك الجسمية والتحيز المنفيان عنه كما أن الجماد لاعالم و لاجاهل لنفي المصحح عنه و هوالحياة قال و من نفاه نفاه لغلبة العامية علي طبعه ولهذا إن الكرامية والحنبلية جعلوا الإله جسما موجودا إذ لم يعقلوا إلاجسما يشار إليه و من ترقي عن ذلك قليلا نفي الجسمية و لم يطق ينظر في عوارضها فأثبت الجهة لله سبحانه فإذامنعوا ذلك في صفات الله كيف يجيزونه في غيره قالوا لوتجرد شيءشاركه القديم في أخص صفاته فيشاركه في ذاته قلنا نمنع كون التجرد أخص الصفات بل كونه قيوما لقيامه بذاته وقيام غيره به احتجوا علي إثبات المجرد بأن هنا معلومات بسيطة كالوحدة والنقطة فالعلم بهابسيط إذ لوتركب فإن تعلق جزؤه به أجمع ساوي الجزء الكل ولزم وجود العلم قبل وجوده و إن تعلق ببعضه لزم تركب مافرض بساطته و إن لم يتعلق بشيء ظهر أنه ليس بعلم إذ الكلام في باقي الأجزاء كالكلام فيه فعند الجمع بينهما إن لم تحصل هيئة جديدة كان العلم المفروض محض ما ليس بعلم و إن حصلت الهيئة المفروضة علما فإن كانت من الجزءين فالتركيب في فاعلهما و إن حصلت عندهما قائمة بهما فالتركيب
صفحه : 98
في قابلهما لافيهما إذ لوكانت مركبة عاد الكلام في أجزائها فمحل هذه المفروضة علما هوالنفس وهي بسيطة لأنها لوتركبت فإن حل العلم البسيط في مجموعها انقسم العلم إذ الحال في أحد الجزءين غيرالحال في الآخر و لو كان هوالحال في الآخر لزم حلول العرض الواحد في محلين و إن حل في أحد الجزءين فإن كان هوالنفس فالمطلوب و إن كان هوجزؤها فالجزء الآخر خال منه فلزم أن نعلم شيئا ونجهله في وقت واحد فظهر أن المحل و هوالنفس بسيط و لا شيء من الجسم والجسماني ببسيط ينتج من الشكل الثاني أن محل العلم ليس بجسم و لاجسماني. والجواب أماالمقدمة الأولي وهي أن هنا معلوما بسيطا فمسلم أماالباقيات فممنوعات أماالثانية فلأن الجزء يجوز مساواته للكل في التعلق و إن لم يساوه في الحقيقة كالأدلة المتواترة علي شيءواحد و إن واحدها تعلق بما تعلق به مجموعها و فيه نظر لأن الجزء الثاني من العلم إن زاد المعلوم به انكشافا تعلق بغير ماتعلق به الأول و إن لم يزد كان وجوده مثل عدمه والأصوب في المنع أن قولهم إن لم يتعلق الجزء بشيء ظهر أنه ليس بعلم فعند الجمع إن لم يحصل هيئة كان المفروض علما محض ما ليس بعلم و إن حصلت منه إلخ نفي كل مركب فيقال في الحيوان مثلا ليس بمركب لأن جزأه إما حيوان فيتقدم الحيوان علي نفسه وساوي الجزء الكل أو ليس بحيوان فبعد الجمع بالجزء الآخر إن لم تحصل هيئة كان الحيوان محض ما ليس بحيوان و إن حصلت فهي بسيطة لأنه لو كان لها جزء عاد التقسيم المذكور فيكون التركيب في فاعلها أوقابلها لا فيها و ليس لهم عن هذه المعارضة مذهب و أماالثالثة و هو أنه يلزم من بساطة الحال بساطة المحل فلأنا لانسلم أن العلم علي هيئة الحلول والصورة وإنما هوإدراك ووصول ونظر إلي المعلوم و لوسلم لم يلزم من بساطة الحال بساطة المحل فإن النقطة والوحدة موجودتان في الجسم المركب نعم إنما يلزم ذلك إذا كان الحلول علي نعت السريان و لم يقم علي السريان في محل النزاع برهان . ويلزم مما قالوا كون النفس جسما أوجسمانية لأنها تعلم المركب في صورة
صفحه : 99
المركبة مركبة فيلزم كون محلها مركبا لامتناع حلول المركب في البسيط و هذه معارضة أخري لامحيص عنها و أماالرابعة فنمنع انقسام كل جسم وجسماني لماثبت في الكلام جواهر لاتقبل الانقسام .
فذهب جالينوس إلي أنه المزاج ألذي هواعتدال الأركان و هذانظر إلي فوات الحياة بفواته و قدسلف جوابه . وقيل إنه تشكيل البدن وتخطيطه و هذاقول سخيف جدا منقوض بمقطوع اليد مثلا فإن فوات تخطيطها يلزم منه عدم النفس لعدم الكل بعدم الجزء. وقيل إنه الحياة و هذامأخوذ من التلازم بينهما و قدعرفت أنه لايوجب الاتحاد. وقيل إنه النسبة الواقعة بين الأركان في الكميات والكيفيات . أماتركبه من الجسم والمجرد أو من العرض والمجرد أو من الجسم والعرض والمجرد فقال سديد الدين محفوظ لاأعلم به قائلا إلا أن تفسير الفلاسفة لحقيقة الإنسان بأنه الحيوان الناطق يقتضي كون الإنسان عبارة عن البدن والنفس معا لأن الحياة جنس حلته أعراض والناطق هوالنفس فعلي هذا يكون الإنسان مركبا من هذه تركيبا ثلاثيا و هذامذهب تاسع وعشرون . والثلاثون قال بشر بن معتمر وهشام النوطي إنه الجسم والروح ألذي هوالحياة وإنهما الفاعلان للأفعال و علي هذاقيل في الإنسان نفس وروح فإذانام خرجت نفسه و إذامات خرجتا معا و هذايؤدي إلي أن النفس والروح غيرالإنسان .
قَولُهُ ع مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبّهُ
قال بعض العلماء الروح لطيفة لاهوتية في صفة ناسوتية دالة من عشرة أوجه علي وحدانية ربانية 1- لماحركت الهيكل ودبرته علمنا أنه لابد للعالم من محرك ومدبر.2-دلت وحدتها علي وحدته .
صفحه : 100
3-دل تحريكها للجسد علي قدرته .4-دل اطلاعها علي ما في الجسد علي علمه .5-دل استواؤها إلي الأعضاء علي استوائه إلي خلقه .6-دل تقدمها عليه وبقاؤها بعده علي أزله وأبده .7-دل عدم العلم بكيفيتها علي عدم الإحاطة به .8-دل عدم العلم بمحلها من الجسد علي عدم أينيته .9-دل عدم مسها علي امتناع مسه .10-دل عدم إبصارها علي استحالة رؤيته .
فزعمت الفلاسفة أن في البدن أرواحا وأنفسا يعبرون عنها بالقوي منها الروح الطبيعي التي يشترك فيهاجميع الأجساد النامية ومحلها الكبد ومنها الروح الحيواني وهي التي يشترك فيهاالحيوانات ومحلها من الإنسان القلب ومنها النفساني وهي من فيض النفس الناطقة أوالعقل ومحلها الدماغ وهي المدبرة للبدن وعندنا أن هذه الأرواح معان يخلقها الله تعالي في هذه المحال ثم أثبتوا قوي أخر في المعدة الماسكة والهاضمة والجاذبة والدافعة وعندنا أيضا أنها معان وليست جواهر لتماثل الجواهر و لو كان بعض الجواهر روحا لنفسه لكان كل جوهر كذلك فيستغني كل جزء عن أن يكون له روح غيرنفسه فبطل بذلك كون روح الجسد من نفسه . إن قالوا الروح الباقي عرض واعترض في الروح الأول قلنا فلم لايجوز أن يكون روح هذاالجسد الظاهر عرضا هوالحياة و الله خالق الموت والحياة فإن كانت جوهرا والموت عرض امتنع أن يبطل حكمها لأن العرض لايضاد الجوهر و عندمعظم أهل الفلاسفة والطب أن الروح من بخار الدم تتصاعد فتبقي ببقائها.
صفحه : 101
واعلم أن اسم الروح مشترك باللفظ بين عشر معان ا الوحي ب جبرئيل ج عيسي د الاسم الأعظم ه ملك عظيم الجثة والرحمة ز الراحة ح الإنجيل ط القرآن ي الحياة أوسببها. و قال الباقلاني والأسفراني و ابن كيال وغيرهم أن الروح هي الحياة وهي عرض خاص وليست شيئا من بقية الأعراض المعتدلة والمحسوسة لجواز زوالها مع بقاء الروح . إن قيل فكيف يكون الروح هوالحياة و الله له حياة و ليس له روح قلنا أسماء الله تعالي سبحانه توقيفية لاتبلغ من الآراء فإن الله تعالي عليم و لايسمي داريا و لاشاعرا و لافقيها و لافهيما و الله تعالي قادر مبين و لايسمي شجاعا و لامستطيعا. إن قيل كيف يكون الروح هوالحياة و في الأخبار أن الأرواح تنتقل إلي عليين و إلي سجين و إلي قناديل تحت العرش و إلي حواصل طير خضر والحياة لاتنتقل .قلنا يجوز أن تنتقل أجزاء أحياء وتسمي أرواحا لأنها محال الروح وهي الحياة تسمية للمحل باسم معني فيه كمايسمي المسجد صلاة في قوله تعالي لا تَقرَبُوا الصّلاةَ وَ أَنتُم سُكاري أونقول المنتقل أمثال الأرواح يخلقها الله وتسمي أرواحا نورانية إن كانت قائمة بذوات المطيعين طيبة تصلي عليها الملائكة وظلمانية منتنة إن كانت قائمة بذوات المسيئين تلعنها الملائكة مثل ماورد في الأخبار تصعد صلاة المحسن طيبة مضيئة وصلاة المسيء منتنة مظلمة و إن سورة البقرة وآل عمران تأتيان كأنهما غمامتان و الله تبعث الأيام علي هيئتها وتبعث يوم الجمعة أزهر و أنه يؤتي بكبش أملح فيذبح ويقال هذاالموت و أن الأعمال توزن وإنما هي أمثلة يخلقها الله . إن قيل إن الله وصف النفس التي هي الروح بالإرسال والإمساك في قوله
صفحه : 102
تعالي يَتَوَفّي الأَنفُسَالآية والحياة لاتوصف بذلك .قلنا قدسلف أن النفس يقال علي معان منها الروح ومنها العقل والتمييز وهذان هما المراد من قوله يَتَوَفّي الأَنفُسَالآية وأطلق علي النائم لعدم الدفع والنفع و منه سمي الله الكفار أمواتا في قوله إِنّكَ لا تُسمِعُ المَوتيلعدم النفع . إن قيل في الحديث أن الأرواح جنود في الهواء والحياة لاتكون في الهواء.قلنا محمول علي الذرية التي خرجت من آدم و في هذانظر لمخالفة ظاهر الآية إذ فيهاوَ إِذ أَخَذَ رَبّكَ مِن بنَيِ آدَمَ أو أن الأرواح هنا القلوب لأن التعارف والتساكن فيها. إن قيل في الحديث خلق الله الأرواح قبل الأجساد و لايصح ذلك في الحياة.قلنا لايعلم صحته أوالمراد بالأرواح الملائكة فإن جبرئيل روح والملك العظيم الجثة روح والروحانيون صنف منهم أيضا. والظاهر من كلام أبي الحسن وجماعة أن الروح أجسام لطيفة فقيل ليست معينة و قال الجويني هي ماسكة الأجسام المحسوسة أجري الله العادة باستمرار الحياة مااستمرت و كان ابن فورك يقول هو مايجري في تجاويف الأعضاء ولهذا جوز أبومنصور البغدادي قيام الحياة بالشعر إذ لايشترط في محلها التجويف و لم يجوز قيام الروح لاشتراط التجويف و ليس في الشعر تجويف واستدلوا علي كونها جسما بوصف الله لها ببلوغ الحلقوم وبالإرسال وبالرجوع وبالفزع وبقوله من نام علي وضوء يؤذن لروحه أن تسجد عندالعرش و علي هذااختلف في تكليفها فقيل ليست مكلفة وقيل بل مكلفة بأفعال غيرأفعال البدن المحبة وضدها و أن له
صفحه : 103
حياة وأفعالها اقتناء الأفعال الحميدة واجتناب الذميمة وأوردوا في ذلك ماأورده الخيري في تفسيره قوله تعالي يَومَ تأَتيِ كُلّ نَفسٍ تُجادِلُ عَن نَفسِها أن النفس والروح يجيئان بين يدي الله فيختصمان فتقول النفس كنت كالثوب لم أقترف ذنبا ما لم تدخل فيّ و يقول الروح كنت مخلوقا قبلك بدهور و لم أدر ماالذنب إلي أن دخلت فيك فيمثل الله لهما أعمي ومقعدا وكرما علي الجدار ويأمرهما بالاقتطاف فيقول الأعمي لاأبصر و يقول المقعد لاأمشي فيقول له اركب الأعمي واقتطف فيقول هذامثالكما فكما صار العنب بكما مقطوفا صار الذنب بكما معروفا و من قال الروح هي الحياة قال المراد بالروح في هذاالقول القلب لأنه به حياة الجسد و قدروي في حلية الأولياء عن سلمان رضي الله عنه أنه قال مثل القلب والجسد مثل الأعمي والمقعد قال المقعد أري ثمرة و لاأستطيع القيام فاحملني فحمله فأكل وأطعمه و هذاأولي لأن فعل الجسد إنما يكون طاعة ومعصية بعزيمة القلب ولهذا قَالَ ع إِنّ فِي الجِسمِ لَمُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ سَائِرُهُ وَ إِذَا فَسَدَت فَسَدَ سَائِرُهُ وَ هيَِ القَلبُ
قوله تعالي يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّ إن قيل كيف أبهم الله الجواب قلنا فيه وجوه .ا قال الكتابيون للمشركين اسألوا محمدا عنه فإن توقف فيه فهو نبي فسألوه فأجاب بذلك و قوله وَ ما أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَلِيلًاعني اليهود قالوا أوتينا التوراة و فيهاعلم كل شيء.ب كان قصدهم بالسؤال تخجيل النبي ص فإن الروح لماقيل علي معان
صفحه : 104
مختلفة كماسلف حتي لوأجاب بواحد منها قالوا مانريد هذافأبهموا السؤال فأبهم الجواب بما ينطبق علي الجميع بأنه من أمر الله أي أنه أحدثه بقوله كن أو هو من شأنه وخلقه .ج عن ابن عباس أنهم سألوا عن جبرئيل لأنهم كانوا يدعون معاداته .د عَن عَلِيّ ع أَنّهُم سَأَلُوا عَنِ المَلَكِ العَظِيمِ الجُثّةِ
.ه لوأريد الروح التي في البدن لم يكن في الآية دليل علي أنه لايعلمها إلا الله . هذاآخر ماوجدنا من الرسالة ولن نتكلم علي ما فيهاإحالة علي أفهام الناظرين فخذ منها ماصفا ودع ماكدر.
أقول بعد ماأحطت خبرا بما قيل في هذاالباب من الأقوال المتشتتة والآراء المتخالفة وبعض دلائلهم عليها لايخفي عليك أنه لم يقم دليل عقلي علي التجرد و لا علي المادية وظواهر الآيات والأخبار تدل علي تجسم الروح والنفس و إن كان بعضها قابلا للتأويل و مااستدلوا به علي التجرد لايدل دلالة صريحة عليه و إن كان في بعضها إيماء إليه فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرد إفراط وتحكم كيف و قد قال به جماعة من علماء الإمامية ونحاريرهم وجزم القائلين بالتجرد أيضا بمحض شبهات ضعيفة مع أن ظواهر الآيات والأخبار تنفيه أيضا جرأة وتفريط فالأمر مردد بين أن يكون جسما لطيفا نورانيا ملكوتيا داخلا في البدن تقبضه الملائكة عندالموت وتبقي معذبا أومنعما بنفسه أوبجسد مثالي يتعلق به كمامر في الأخبار أويلهي عنه إلي أن ينفخ في الصور كما في المستضعفين و لااستبعاد في أن يخلق الله جسما لطيفا يبقيه أزمنة متطاولة كما يقول المسلمون في الملائكة والجن ويمكن أن يري في بعض الأحوال بنفسه أوبجسده المثالي و لايري في بعض الأحوال بنفسه أوبجسده بقدرة الله سبحانه أو يكون مجردا يتعلق بعدقطع تعلقه عن جسده الأصلي بجسد مثالي و يكون قبض الروح وبلوغها الحلقوم وأمثال ذلك تجوزا عن
صفحه : 105
قطع تعلقها أوأجري عليها أحكام ماتعلقت أولا به و هوالروح الحيواني البخاري مجازا. ثم الظاهر من الأخبار أن النفس الإنساني غيرالروح الحيواني و غيرسائر أجزاء البدن المعروفة و أماكونها جسما لطيفا خارجا من البدن محيطا به أومتعلقا به فهو بعيد و لم يقل به أحد و إن كان يستفاد من ظواهر بعض الأخبار كماعرفت . و قديستدل علي بطلان القول بوجود مجرد سوي الله بقوله سبحانه لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ و هوضعيف إذ يمكن أن يكون تجرده سبحانه مباينا لتجرد غيره كماتقول في السمع والبصر والقدرة وغيرها. و قديستدل علي نفيه بما سبق من الأخبار الدالة علي أن الوحدة مختصة به تعالي و أن غيره سبحانه متجزئ كخبر فتح بن يزيد عَن أَبِي الحَسَنِ ع وَ قَالَ فِي آخِرِهِ وَ الإِنسَانُ وَاحِدٌ فِي الِاسمِ لَا وَاحِدٌ فِي المَعنَي وَ اللّهُ جَلّ جَلَالُهُ هُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ غَيرُهُ وَ لَا اختِلَافَ فِيهِ وَ لَا تَفَاوُتَ وَ لَا زِيَادَةَ وَ لَا نُقصَانَ وَ أَمّا الإِنسَانُ المَخلُوقُ المَصنُوعُ المُؤَلّفُ مِن أَجزَاءٍ مُختَلِفَةٍ وَ جَوَاهِرَ شَتّي غَيرَ أَنّهُ بِالِاجتِمَاعِ شَيءٌ وَاحِدٌ
وَ عَن أَبِي جَعفَرٍ الثاّنيِ ع فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَ لَكِنّهُ القَدِيمُ فِي ذَاتِهِ وَ مَا سِوَي الوَاحِدِ متُجَزَّئٌ وَ اللّهُ الوَاحِدُ لَا متُجَزَّئٌ وَ لَا مُتَوَهّمٌ بِالقِلّةِ وَ الكَثرَةِ وَ كُلّ متُجَزَّئٍ أَو مُتَوَهّمٍ بِالقِلّةِ وَ الكَثرَةِ فَهُوَ مَخلُوقٌ دَالّ عَلَي خَالِقٍ لَهُ
وَ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع لَا تشبه [تُشبِهُهُ]صُورَةٌ وَ لَا يُحَسّ بِالحَوَاسّ وَ لَا يُقَاسُ بِالنّاسِ قَرِيبٌ فِي بُعدِهِ بَعِيدٌ فِي قُربِهِ فَوقَ كُلّ شَيءٍ وَ لَا يُقَالُ شَيءٌ فَوقَهُ أَمَامَ كُلّ شَيءٍ وَ لَا يُقَالُ لَهُ أَمَامٌ دَاخِلٌ فِي الأَشيَاءِ لَا كشَيَءٍ دَاخِلٍ وَ خَارِجٌ مِنَ الأَشيَاءِ لَا كشَيَءٍ خَارِجٍ سُبحَانَ مَن هُوَ هَكَذَا وَ لَا هَكَذَا غَيرُهُ
فإن هذه الأخبار وغيرها مما مر في كتاب التوحيد تدل علي اختصاص تلك الصفات بالله تعالي و علي القول بوجود مجرد سوي الله كانت مشتركة مع الله سبحانه فيها لاسيما في العقول التي ينفون عنها التغير والتبدل و لايخلو من قوة لكن
صفحه : 106
للكلام فيه مجال و الله يعلم حقائق الأمور وحججه ع . وأقول لماانتهي الكلام في هذاالباب إلي بعض الإطناب لكونه من أهم المطالب وأقصي المآرب فلابأس بأن نذكر بعض المطالب المهمة من أحوال النفس وشئونها في فوائد.الأولي في بيان اتحاد حقيقة النفوس البشرية بالنوع قال نصير الملة والدين رحمه الله في التجريد ودخولها تحت حد واحد يقتضي وحدتها و قال العلامة رفع الله مقامه اختلف الناس في ذلك فذهب الأكثر إلي أن النفوس البشرية متحدة في النوع متكثرة بالشخص و هومذهب أرسطو وذهب جماعة من القدماء إلي أنها مختلفة بالنوع واحتج المصنف علي وحدتها بأنها يشملها حد واحد والأمور المختلفة يستحيل اجتماعها تحت حد واحد وعندي في هذانظر و قال شارح المقاصد ذهب جمع من قدماء الفلاسفة إلي أن النفوس الحيوانية والإنسانية متماثلة متحدة الماهية واختلاف الأفعال والإدراكات عائد إلي اختلاف الآلات و هذالازم علي القائلين بأنها أجسام والأجسام متماثلة إذ لاتختلف إلابالعوارض و أماالقائلون بأن النفوس الإنسانية مجردة فذهب الجمهور منهم إلي أنها متحدة الماهية وإنما تختلف في الصفات والملكات واختلاف الأمزجة والأدوات وذهب بعضهم إلي أنها مختلفة بالماهية بمعني أنها جنس تحته أنواع مختلفة تحت كل نوع أفراد متحدة الماهية متناسبة الأحوال بحسب مايقتضيه الروح العلوي المسمي بالطباع التام لذلك النوع ويشبه أن يكون
قَولُهُ ع النّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذّهَبِ وَ الفِضّةِ
وَ قَولُهُ ع الأَروَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ
إشارة إلي هذا وذكر الإمام في المطالب العالية أن هذاالمذهب هوالمختار عندنا. و أمابمعني أن يكون كل فرد منها مخالفا بالماهية لسائر الأفراد حتي لايشترك منهم اثنان في الحقيقة فلم يقل به قائل تصريحا كذا ذكره أبوالبركات في المعتبر.
صفحه : 107
احتج الجمهور بأن مايعقل من النفس ويجعل لها حدا معني واحد مثل الجوهر المجرد المتعلق بالبدن والحد تمام الماهية و هذاضعيف لأن مجرد التحديد بحد واحد لايوجب الوحدة النوعية إذ المعاني الجنسية أيضا كذلك كقولنا الحيوان جسم حساس متحرك بالإرادة و إن ادعي أن هذامقول في جواب السؤال بما هو عن أي فرد و أي طائفة تفرض فهو ممنوع بل ربما يحتاج إلي ضم مميز جوهري و قديحتج بأنها مشاركة في كونها نفوسا بشرية فلو تخالفت بفصول مميزة لكانت من المركبات دون المجردات والجواب بعدتسليم كون النفسية من الذاتيات دون العرضيات أن التركيب العقلي من الجنس والفصل لاينافي التجرد و لايستلزم الجسمية. واحتج الآخرون بأن اختلاف النفوس في صفاتها لو لم يكن لاختلاف ماهياتها بل لاختلاف الأمزجة والأحوال البدنية والأسباب الخارجية لكانت الأشخاص المتقاربة جدا في أحوال البدن والأسباب الخارجة متقاربة البتة في الملكات والأخلاق من الرحمة والقسوة والكرم والبخل والعفة والفجور وبالعكس واللازم باطل إذ كثيرا مايوجد الأمر بخلاف ذلك بل ربما يوجد الإنسان الواحد يبدل مزاجه جدا و هو علي غريزته الأولي و لاخفاء في أن هذا من الإقناعيات الضعيفة لجواز أن يكون ذلك لأسباب أخر لانطلع علي تفاصيلها.الثانية تساوي الأرواح والأبدان قال شارح المقاصد كل نفس يعلم بالضرورة أن ليس معها في هذاالبدن نفس أخري تدبر أمره و أن ليس لها تدبير وتصرف في بدن آخر فالنفس مع البدن علي التساوي ليس لبدن واحد إلانفس واحدة و لاتتعلق نفس واحدة إلاببدن واحد أما علي سبيل الاجتماع فظاهر و أما علي سبيل التبادل والانتقال من بدن إلي آخر فلوجوه .الأول أن النفس المتعلقة بهذا البدن لوكانت منتقلة إليه من بدن آخر لزم أن يتذكر شيئا من أحوال ذلك البدن لأن العلم والحفظ والتذكر من الصفات القائمة بجوهرها ألذي لايختلف باختلاف أحوال البدن واللازم باطل قطعا.
صفحه : 108
الثاني أنها لوتعلقت بعدمفارقة هذاالبدن ببدن آخر لزم أن يكون عدد الأبدان الهالكة مساويا لعدد الأبدان الحادثة لئلا يلزم تعطل بعض النفوس أواجتماع عدة منها علي التعلق ببدن واحد أوتعلق واحدة منها بأبدان كثيرة معا لكنا نعلم قطعا بأنه قديهلك في مثل الطوفان العام أبدان كثيرة لايحدث مثلها إلا في أعصار متطاولة.الثالث أنه لوانتقل نفس إلي بدن لزم أن يجتمع فيه نفسان منتقلة وحادثة لأن حدوث النفس عن العلة القديمة يتوقف علي حصول الاستعداد في القابل أعني البدن و ذلك بحصول المزاج الصالح و عندحصول الاستعداد في القابل يجب حدوث النفس لماتقرر من لزوم وجود المعلول عندتمام العلة. لايقال لابد مع ذلك من عدم المانع ولعل تعلق المنتقلة مانع وتكون لها الأولوية في المنع لمالها من الكمال .لأنا نقول لادخل للكمال في اقتضاء التعلق بل ربما يكون الأمر بالعكس فإذن ليس منع الانتقال للحدوث أولي من منع الحدوث للانتقال . واعترض علي الوجوه الثلاثة بعدتسليم مقدماتها بأنها إنما تدل علي أن النفس بعدمفارقه البدن لاتنتقل إلي بدن آخر إنساني و لايدل علي أنها لاتنتقل إلي حيوان آخر من البهائم والسباع وغيرهما علي ماجوزه بعض التناسخية وسماه مسخا و لا إلي نبات علي ماجوزه بعضهم وسماه فسخا و لا إلي جماد علي ماجوزه آخر وسماه رسخا و لا إلي جرم سماوي علي مايراه بعض الفلاسفة. وإنما قلنا بعدتسليم المقدمات لأنه ربما يعترض علي الوجه الأول بمنع لزوم التذكر وإنما يلزم لو لم يكن التعلق بذلك البدن شرطا والاستغراق في تدبير البدن الآخر مانعا أوطول العهد منسيا و علي الثاني بمنع لزوم التساوي وإنما يلزم لو كان التعلق ببدن آخر لازما البتة و علي الفور و أما إذا كان جائزا أولازما و لو بعدحين فلالجواز أن لاينتقل نفوس الهالكين الكثيرين أوينتقل بعدحدوث الأبدان الكثيرة و ماتوهم من التعطيل مع أنه لاحجة علي بطلانه فليس بلازم لأن
صفحه : 109
الابتهاج بالكمالات أوالتألم بالجهالات شغل و علي الثالث بأنه مبني علي حدوث النفس وكون المزاج مع الفاعل تمام العلة بحيث لامانع أصلا والكل في حيز المنع ثم قال و ليس للتناسخية دليل يعتد به وغاية ماتمسكوا به في إثبات التناسخ علي الإطلاق أي انتقال النفس بعدالمفارقة إلي جسم آخر إنساني أوغيره وجوه .الأول أنها لو لم تتعلق لكانت معطلة و لاتعطيل في الوجود وكلتا المقدمتين ممنوعة.الثاني أنها مجبولة علي الاستكمال والاستكمال لا يكون إلابالتعلق لأن ذلك شأن النفوس و إلاكانت عقلا لانفسا ورد بأنه ربما كان الشيء طالبا لكماله و لايحصل لزوال الأسباب والآلات بحيث لايحصل لها البدن .الثالث أنها قديمة فتكون متناهية العدد لامتناع وجود ما لايتناهي بالفعل بخلاف ما لايتناهي من الحوادث كالحركات والأوضاع و مايستند إليها فإنها إنما تكون علي سبيل التعاقب دون الاجتماع والأبدان مطلقا بل الأبدان الإنسانية خاصة غيرمتناهية لأنها من الحوادث المتعاقبة المستندة إلي ما لايتناهي من الدورات الفلكية وأوضاعها فلو لم يتعلق كل نفس إلاببدن واحد لزم توزع مايتناهي علي ما لايتناهي و هومحال بالضرورة. ورد بمنع قدم النفوس ومنع لزوم تناهي القدماء لوثبت فإن الأدلة إنما تمت فيما له وضع وترتيب ومنع لاتناهي الأبدان وعللها ومنع لزوم أن يتعلق بكل بدن نفس و إن أريد الأبدان التي صارت إنسانا بالفعل اقتصر علي منع لاتناهيها. ثم قال و قديتوهم أن من شريعتنا القول بالتناسخ فإن مسخ أهل المائدة قردة وخنازير رد لنفوسهم إلي أبدان حيوانات أخر والمعاد الجسماني رد لنفوس الكل إلي أبدان أخر إنسانية للقطع بأن الأبدان المحشورة لاتكون الأبدان الهالكة بعينها لتبدل الصور والأشكال بلا نزاع . والجواب أن المتنازع هو أن النفوس بعدمفارقتها الأبدان تتعلق في الدنيا
صفحه : 110
بأبدان أخر للتدبير والتصرف والاكتساب لا أن تتبدل صور الأبدان كما في المسخ أو أن تجتمع أجزاؤها الأصلية بعدالتفرق فترد إليها النفوس كما في المعادن علي الإطلاق و كما في إحياء عيسي ع بعض الأشخاص . و قال السيد المرتضي رضي الله عنه حين سأله سائل تأول سيدنا أدام الله نعماءه ماورد في المسوخ مثل الدب والقرد والفيل والخنزير و ماشاكل ذلك علي أنها كانت علي خلق جميلة غيرمنفور عنها ثم جعلت هذه الصور المسيئة علي سبيل التنفير عنها والزيادة في الصد عن الانتفاع بها و قال لأن بعض الأحياء لايجوز أن يصير حيا آخر غيره إذاأريد بالمسخ هذافهو باطل و إن أريد غيره نظرنا فيه فما جواب من سأل عندسماع هذا عن الأخبار الواردة عن النبي والأئمة ع بأن الله تعالي يمسخ قوما من هذه الأمة قبل يوم القيامة كمامسخ في الأمم المتقدمة وهي كثيرة لايمكن الإطالة بحصرها في كتاب و قدسلم الشيخ المفيد رضي الله عنه صحتها وضمن ذلك الكتاب ألذي وسمه بالتمهيد وأحال القول بالتناسخ وذكر أن الأخبار المعول عليها لم ترد إلابأن الله تعالي يمسخ قوما قبل يوم القيامة و قدروي النعماني كثيرا من ذلك يحتمل النسخ والمسخ معا فمما رواه مَا أَورَدَهُ فِي كِتَابِ التسّلَيّ وَ التقّوَيِ وَ أَسنَدَهُ إِلَي الصّادِقِ ع حَدِيثٌ طَوِيلٌ يَقُولُ فِي آخِرِهِ وَ إِذَا احتُضِرَ الكَافِرُ حَضَرَهُ رَسُولُ اللّهِص وَ عَلِيّ ع وَ جَبرَئِيلُ وَ مَلَكُ المَوتِ ع فَيَدنُو إِلَيهِ عَلِيّ ع فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ هَذَا كَانَ يُبغِضُنَا أَهلَ البَيتِ فَأَبغِضهُ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ يَا جَبرَئِيلُ إِنّ هَذَا كَانَ يُبغِضُ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهلَ بَيتِ رَسُولِهِ فَأَبغِضهُ فَيَقُولُ جَبرَئِيلُ لِمَلَكِ المَوتِ إِنّ هَذَا كَانَ يُبغِضُ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَهلَ بَيتِهِ فَأَبغِضهُ وَ اعنُف بِهِ فَيَدنُو مِنهُ مَلَكُ المَوتِ فَيَقُولُ يَا عَبدَ اللّهِ أَخَذتَ فَكَاكَ رَقَبَتِكَ أَخَذتَ أَمَانَ بَرَاءَتِكَ تَمَسّكتَ بِالعِصمَةِ الكُبرَي فِي دَارِ الحَيَاةِ الدّنيَا فَيَقُولُ وَ مَا هيَِ فَيَقُولُ وَلَايَةُ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَيَقُولُ مَا أَعرِفُهَا وَ لَا أَعتَقِدُ بِهَا فَيَقُولُ لَهُ جَبرَئِيلُ يَا عَدُوّ اللّهِ وَ مَا كُنتَ تَعتَقِدُ فَيَقُولُ كَذَا وَ كَذَا فَيَقُولُ لَهُ جَبرَئِيلُ أَبشِر يَا عَدُوّ اللّهِ بِسَخَطِ اللّهِ وَ عَذَابِهِ فِي النّارِ وَ أَمّا مَا كُنتَ تَرجُو فَقَد فَاتَكَ وَ أَمّا ألّذِي كُنتَ تَخَافُهُ فَقَد نَزَلَ بِكَ ثُمّ يَسُلّ
صفحه : 111
نَفسَهُ سَلّا عَنِيفاً ثُمّ يُوَكّلُ بِرُوحِهِ مِائَةُ شَيطَانٍ كُلّهُم يَبصُقُ فِي وَجهِهِ وَ يَتَأَذّي بِرِيحِهِ فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبرِهِ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِن أَبوَابِ النّارِ يَدخُلُ عَلَيهِ مِن فَوحِ رِيحِهَا وَ لَهَبِهَا ثُمّ إِنّهُ يُؤتَي بِرُوحِهِ إِلَي جِبَالِ بَرَهُوتَ ثُمّ إِنّهُ يَصِيرُ فِي المُرَكّبَاتِ حَتّي إِنّهُ يَصِيرُ فِي دُودَةٍ بَعدَ أَن يجَريَِ فِي كُلّ مَسخٍ مَسخُوطٍ عَلَيهِ حَتّي يَقُومَ قَائِمُنَا أَهلَ البَيتِ فَيَبعَثُهُ اللّهُ لِيَضرِبَ عُنُقَهُ وَ ذَلِكَ قَولُهُرَبّنا أَمَتّنَا اثنَتَينِ وَ أَحيَيتَنَا اثنَتَينِ فَاعتَرَفنا بِذُنُوبِنا فَهَل إِلي خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ وَ اللّهِ لَقَد أتُيَِ بِعُمَرَ بنِ سَعدٍ بَعدَ مَا قُتِلَ وَ إِنّهُ لفَيِ صُورَةِ قِردٍ فِي عُنُقِهِ سِلسِلَةٌ فَجَعَلَ يَعرِفُ أَهلَ الدّارِ وَ هُم لَا يَعرِفُونَهُ وَ اللّهِ لَا يَذهَبُ الدّنيَا حَتّي يُمسَخَ عَدُوّنَا مَسخاً ظَاهِراً حَتّي إِنّ الرّجُلَ مِنهُم لَيُمسَخُ فِي حَيَاتِهِ قِرداً أَو خِنزِيراً وَ مِن وَرَائِهِم عَذَابٌ غَلِيظٌ وَ مِن وَرَائِهِمجَهَنّمُ وَ ساءَت مَصِيراً
. والأخبار في هذاالمعني كثيرة قدجازت عن حد الآحاد فإن استحال النسخ وعولنا علي أنه ألحق بها ودلس فيها وأضيف إليها فما ذا يحيل المسخ و قدصرح به فيها و في قوله هَل أُنَبّئُكُم بِشَرّ مِن ذلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَعَنَهُ اللّهُ وَ غَضِبَ عَلَيهِ وَ جَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ وَ الخَنازِيرَ و قوله فَقُلنا لَهُم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ و قوله وَ لَو نَشاءُ لَمَسَخناهُم عَلي مَكانَتِهِم. والأخبار ناطقة بأن معني هذاالمسخ هوإحالة التغيير عن بنية الإنسانية إلي ماسواها
وَ فِي الخَبَرِ المَشهُورِ عَن حُذَيفَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ أَ رَأَيتُم لَو قُلتُ لَكُم إِنّهُ يَكُونُ فِيكُم قِرَدَةٌ وَ خَنَازِيرُ أَ كُنتُم مصُدَقّيِّ فَقَالَ رَجُلٌ يَكُونُ فِينَا قِرَدَةٌ وَ خَنَازِيرُ قَالَ وَ مَا يُؤمِنُكَ مِن ذَلِكَ لَا أُمّ لَكَ
و هذاتصريح بالمسخ و قدتواتر الأخبار بما يفيد أن معناه تغيير الهيئة والصورة و في الأحاديث أن رجلا قال لأمير المؤمنين ع
صفحه : 112
و قدحكم عليه بحكم و الله ماحكمت بالحق فقال له اخسأ كلبا و إن الأثواب تطايرت عنه وصار كلبا يمصع بذنبه و إذاجاز أن يجعل الله جل و عزالجماد حيوانا فمن ذا ألذي يحيل جعل حيوان في صورة حيوان آخر.فأجاب قدس سره اعلم أنا لم نحل المسخ وإنما أحلنا أن يصير الحي ألذي كان إنسانا الحي ألذي كان قردا أوخنزيرا والمسخ أن يغير صورة الحي ألذي كان إنسانا يصير بهيمة لا أنه يتغير صورته إلي صورة البهيمة والأصل في المسخ قوله تعالي كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ و قوله تعالي وَ جَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ وَ الخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطّاغُوتَ و قدتأول قوم من المفسرين آيات القرآن التي في ظاهرها المسخ علي أن المراد بها أناحكمنا بنجاستهم وخسة منزلتهم وإيضاع أقدارهم لماكفروا وخالفوا فجروا بذلك مجري القرود التي لها هذه الأحكام كما يقول أحدنا لغيره ناظرت فلانا وأقمت عليه الحجة حتي مسخته كلبا علي هذاالمعني و قال آخرون بل أراد بالمسخ أن الله تعالي غيرصورهم وجعلهم علي صور القرود علي سبيل العقوبة لهم والتنفير عنهم و ذلك جائز مقدور لامانع له و هوأشبه بالظاهر وأمر عليه والتأويل الأول ترك الظاهر وإنما تترك الظواهر لضرورة وليست هاهنا. فإن قيل فكيف يكون ماذكرتم عقوبة قلنا هذه الخلقة إذاابتدئت لم تكن عقوبة و إذا غيرالحي المخلوق علي الخلقة التامة الجميلة إليها كان ذلك عقوبة لأن تغير الحال إلي ماذكرناه يقتضي الغم والحسرة. فإن قيل فيجب أن يكون مع تغير الصورة ناسا قردة و ذلك متناف قلنا متي تغيرت صورة الإنسان إلي صورة القرد لم يكن في تلك الحال إنسانا بل كان إنسانا مع البنية الأولي واستحق الوصف بأنه قرد لماصار علي صورته و إن كان الحي واحدا في الحالين لم يتغير ويجب فيمن مسخ قردا علي سبيل العقوبة له أن يذمه مع تغير
صفحه : 113
الصورة علي ما كان منه من القبائح لأن تغير الهيئة والصورة لايوجب الخروج عن استحقاق الذم كما لايخرج المهزول إذاسمن عما كان يستحقه من الذم وكذا السمين إذاهزل فإن قيل فيقولون إن هؤلاء الممسوخين تناسلوا و إن القردة في أزماننا هذه من نسل أولئك قلنا ليس يمتنع أن يتناسلوا بعد أن مسخوا لكن الإجماع حاصل علي أنه ليس شيء من البهائم من أولاد آدم و لو لا هذاالإجماع لجوزنا ماذكر و علي هذه الجملة التي قررناها لاينكر صحة الأخبار الواردة من طرقنا بالمسخ لأنها كلها يتضمن وقوع ذلك علي من يستحق العقوبة والذم من الأعداء والمخالفين . فإن قيل أفتجوزون أنه يغير الله تعالي صورة حيوان جميلة إلي صورة أخري غيرجميلة بل مشوهة منفور عنها أم لاتجوزون قلنا إنما أجزنا في الأول ذلك علي سبيل العقوبة لصاحب هذه الخلقة التي كانت جميلة ثم تغيرت لأنه يغتم بذلك ويتأسف و هذاالغرض لايتم في الحيوان التي ليس بمكلف فتغيير صورهم عبث فإن كان في ذلك غرض يحسن لمثله جاز انتهي . وظاهر كلامه رحمه الله أولا وآخرا أنه عندالمسخ يخرج عن حقيقة الإنسانية ويدخل في نوع آخر و فيه نظر والحق أن امتياز نوع الإنسان إذا كان بهذا الهيكل المخصوص و هذاالشكل والتخطيط والهيئة فلا يكون هذاإنسانا بل قردة وخنزيرا و إن كان امتيازه بالروح المجرد أوالساري في البدن كما هوالأصوب كانت الإنسانية باقية غيرذاهبة و كان إنسانا في صورة حيوان و لم يخرج من نوع الإنسان و لم يدخل في نوع آخر وَ قَد روُيَِ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع أَنّ الفِرقَةَ المُعتَزِلَةَ عَن أَهلِ السّبتِ لَمّا دَخَلُوا قَريَتَهُم بَعدَ مَسخِهِم عَرَفَتِ القِرَدَةُ أَنسَابَهَا مِنَ الإِنسِ وَ لَم يَعرِفِ الإِنسُ أَنسَابَهَا مِنَ القِرَدَةِ فَقَالَ القَومُ لِلقِرَدَةِ أَ لَم نَنهَكُم
وَ فِي تَفسِيرِ العسَكرَيِّ ع فَمَسَخَهُمُ اللّهُ كُلّهُم قِرَدَةً وَ بقَيَِ بَابُ المَدِينَةِ مُغلَقاً لَا يَخرُجُ مِنهُم أَحَدٌ وَ لَا يَدخُلُ إِلَيهِم أَحَدٌ وَ تَسَامَعَ
صفحه : 114
بِذَلِكَ أَهلُ القُرَي فَقَصَدُوهُم وَ تَسَنّمُوا حِيطَانَ البَلَدِ فَاطّلَعُوا عَلَيهِم فَإِذَا كُلّهُم رِجَالُهُم وَ نِسَاؤُهُم قِرَدَةٌ يَمُوجُ بَعضُهُم فِي بَعضٍ يَعرِفُ هَؤُلَاءِ النّاظِرُونَ مَعَارِفَهُم وَ قَرَابَاتِهِم وَ خُلَطَاءَهُم يَقُولُ المُطّلِعُ لِبَعضِهِم أَنتَ فُلَانٌ أَنتَ فُلَانٌ فَتَدمَعُ عَينَيهِ[عَينُهُ] وَ يُومِئُ بِرَأسِهِ أَي نَعَم
فهذان الخبران يدلان علي أنهم لم يتخلعوا من الإنسانية و كان فيهم العقل والشعور إلاأنهم كانوا لايقدرون علي التكلم . قال النيسابوري في قوله سبحانه كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ عن مجاهد أنه مسخ قلوبهم بمعني الطبع والختم لا أنه مسخ صورهم و هومثل قوله كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفاراً. واحتج بأن الإنسان هو هذاالهيكل المحسوس فإذاأبطله وخلق مكانه تركيب القرد رجع حاصل المسخ إلي إعدام الأعراض التي باعتبارها كان ذلك الجسم إنسانا وإيجاد أعراض أخر باعتبارها صار قردا وأيضا لوجوزنا ذلك لم نؤمن في كل مانراه قردا وكلبا أنه كان إنسانا عاقلا و ذلك شك في المشاهدات . وأجيب بأن الإنسان ليس هذاالهيكل لتبدله بالسمن والهزال فهو أمر وراء ذلك إما جسماني سار في جميع البدن أوجزء في جانب من البدن كقلب أودماغ أومجرد كماتقوله الفلاسفة و علي التقادير فلاامتناع في بقاء ذلك الشيء مع تطرق التغير إلي هذاالهيكل و هذا هوالمسخ وبهذا التأويل يجوز في الملك ألذي تكون جثته في غاية العظم أن يدخل حجرة الرسول ص ولأنه لم يتغير منهم إلاالخلقة والصورة والعقل والفهم باق فإنهم يعرفون مانالهم بشؤم المعصية من تغير الخلقة وتشويه الصورة وعدم القدرة علي النطق وسائر الخواص الإنسانية فيتألمون بذلك ويتعذبون ثم أولئك القرود بقوا أوأفناهم الله و إن بقوا فهذه القرود التي في زماننا من نسلهم أم لاالكل سائر عقلا إلا أن الرواية عن ابن عباس أنهم
صفحه : 115
مامكثوا إلاثلاثة أيام ثم هلكوا انتهي . وأقول قدورد في أخبارنا أيضا موافقا لماروي عن ابن عباس كما في تفسير العسكري ع كانوا كذلك ثلاثة أيام ثم بعث الله عليهم ريحا ومطرا فجر بهم إلي البحر و مابقي مسخ بعدثلاثة أيام و أماالتي ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها لاهي بأعيانها و لا من نسلها.
وَ رَوَي الصّدُوقُ فِي العِلَلِ بِإِسنَادِهِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الفَضلِ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ لَقَد عَلِمتُمُ الّذِينَ اعتَدَوا مِنكُم فِي السّبتِ فَقُلنا لَهُم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قَالَ إِنّ أُولَئِكَ مُسِخُوا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ ثُمّ مَاتُوا وَ لَم يَتَنَاسَلُوا وَ إِنّ القِرَدَةَ اليَومَ مِثلُ أُولَئِكَ وَ كَذَلِكَ الخِنزِيرُ وَ سَائِرُ المُسُوخِ مَا وُجِدَ مِنهَا اليَومَ مِن شَيءٍ فَهُوَ مِثلُهُ لَا يَحِلّ أَن يُؤكَلَ لَحمُهُ الخَبَرَ
وَ رَوَي فِي العُيُونِ بِإِسنَادِهِ عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدِ بنِ الجَهمِ قَالَ سَمِعتُ المَأمُونَ يَسأَلُ الرّضَا ع عَمّا يَروِيهِ النّاسُ مِن أَمرِ الزّهرَةِ وَ أَنّهَا كَانَتِ امرَأَةً فُتِنَ بِهَا هَارُوتُ وَ مَارُوتُ وَ مَا يَروُونَهُ مِن أَمرِ سُهَيلٍ أَنّهُ كَانَ عَشّاراً بِاليَمَنِ فَقَالَ ع كَذَبُوا فِي قَولِهِم إِنّهُمَا كَوكَبَانِ وَ إِنّهُمَا كَانَتَا دَابّتَينِ مِن دَوَابّ البَحرِ فَغَلِطَ النّاسُ وَ ظَنّوا أَنّهُمَا الكَوكَبَانِ وَ مَا كَانَ اللّهُ لِيَمسَخَ أَعدَاءَهُ أَنوَاراً مُضِيئَةً ثُمّ يُبقِيَهُمَا مَا بَقِيَتِ السّمَاءُ وَ الأَرضُ وَ إِنّ المُسُوخَ لَم يَبقَ أَكثَرَ مِن ثَلَاثَةِ أَيّامٍ حَتّي مَاتَت وَ مَا تَنَاسَلَ مِنهَا شَيءٌ وَ مَا عَلَي وَجهِ الأَرضِ اليَومَ مَسخٌ وَ إِنّ التّيِ وَقَعَت عَلَيهَا اسمُ المُسُوخِيّةِ مِثلَ القِردِ وَ الخِنزِيرِ وَ الدّبّ وَ أَشبَاهِهَا إِنّمَا هيَِ مِثلُ مَا مَسَخَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ عَلَي صُوَرِهَا قَوماًغَضِبَ اللّهُ عَلَيهِم وَ لَعَنَهُمبِإِنكَارِهِم تَوحِيدَ اللّهِ وَ تَكذِيبِهِم رُسُلَهُ الخَبَرَ
أقول فقد ثبت بهذه الأخبار أن هذه الحيوانات ليست من نسل هؤلاء المسوخ و لا من نوعهم وإنما هي علي صورهم و قدعرفت أن المسخ ليس تناسخا لأن الروح لم ينتقل إلي بدن آخر وإنما تغيرت صورة البدن و أماالتناسخ بمعني انتقال
صفحه : 116
الروح من بدن إلي بدن غيرالأبدان المثالية فمما أجمع علي نفيه جميع المسلمين و أماالأخبار الشاذة الواردة في ذلك فيشكل التعلق بظواهرها كالخبر ألذي أورده السائل فهي إما مؤولة بالمسخ أوبتصور الأجساد المثالية بتلك الصور كماذكرنا سابقا و أما في الأجساد المثالية فقد تقدم القول فيها في كتاب المعاد و الله الهادي إلي الرشاد. قال شارح المقاصد القول بالتناسخ في الجملة محكي عن كثير من الفلاسفة إلا أنه حكاية لاتعضدها شبهة فضلا عن حجة و مع ذلك فالنصوص القاطعة من الكتاب والسنة ناطقة بخلافها و ذلك أنهم ينكرون المعاد الجسماني أعني حشر الأجساد وكون الجنة والنار داري ثواب وعقاب ولذات وآلام حسية ويجعلون المعاد عبارة عن مفارقة النفوس الأبدان والجنة عن ابتهاجها بكمالاتها والنار عن تعلقها بأبدان حيوانات أخر يناسبها فيما اكتسب من الأخلاق وتمكنت فيها من الهيئات معذبة بما يلقي فيها من الذل والهوان مثلا تتعلق نفس الحريص بالخنزير والسارق بالفار والمعجب بالطاوس والشرير بالكلب و يكون لها تدريج في ذلك بحسب الأنواع والأشخاص أي ينزل من بدن إلي بدن هوأدني في تلك الهيئة المناسبة مثلا يبتدئ نفس الحريص من التعلق ببدن الخنزير ثم إلي مادونه في ذلك حتي ينتهي إلي النمل ثم يتصل بعالم العقول عندزوال تلك الهيئة بالكلية. ثم إن من المنتمين من التناسخية إلي دين الإسلام يروجون هذاالرأي بالعبارات المهذبة والاستعارات المستعذبة ويصرفون به إليه بعض الآيات الواردة في أصحاب العقوبات اجتراء علي الله وافتراء علي ما هودأب الملاحدة والزنادقة و من يجري مجراهم من الغاوين المغوين الذين هم شياطين الإنس الذين يوحون إلي العوام والقاصرين من المحصلين زخرف القول غرورا.فمن جملة ذلك ماقالوا في قوله تعالي كُلّما نَضِجَت جُلُودُهُم أي بالفسادبَدّلناهُم جُلُوداً غَيرَها أي بالكون و في قوله تعالي كُلّما أَرادُوا أَن يَخرُجُوا مِنها
صفحه : 117
أي من دركات جهنم التي هي أبدان الحيوانات وكذا في قوله فَهَل إِلي خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ و قوله تعالي رَبّنا أَخرِجنا مِنها فَإِن عُدنا فَإِنّا ظالِمُونَ و في قوله تعالي وَ ما مِن دَابّةٍ فِي الأَرضِالآية معناه أنهم كانوا مثلكم في الخلق والعلوم والمعايش والصناعات فانتقلوا إلي أبدان هذه الحيوانات و في قوله تعالي كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أي بعدالمفارقة و في قوله تعالي وَ نَحشُرُهُم يَومَ القِيامَةِ عَلي وُجُوهِهِم أي علي صور الحيوانات المتنكسة الرءوس إلي غير ذلك من الآيات و من نظر في كتب التفسير بل في سياق الآيات لايخفي عليه فساد هذه الهذيانات . وجوز بعض الفلاسفة تعلق النفوس المفارقة ببعض الأجرام السماوية للاستكمال وبعضهم علي أن نفوس الكاملين تتصل بعالم المجردات ونفوس المتوسطين تتخلص إلي عالم المثل المعلقة في مظاهر الأجرام العلوية علي اختلاف مراتبهم في ذلك ونفوس الأشقياء إلي هذاالعالم في مظاهر الظلمانيات في الصور المستكرهة بحسب اختلاف مراتبهم في الشقاوة فيبقي بعضهم في تلك الظلمات أبدا لكون الشقاوة في الغاية وبعضهم ينتقل بالتدريج إلي عالم الأنوار المجردة.الثالثة أن النفس لاتفني بفناء البدن قال في شرح المقاصد فناء البدن لايوجب فناء النفس المغايرة له مجردة كانت أومادية أي جسما حالا فيه لأن كونها مدبرة له متصرفة فيه لايقتضي فناءها بفنائه لكن مجرد ذلك لايدل علي كونها باقية البتة فلهذا احتيج في ذلك إلي دليل و هوعندنا النصوص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهي من الكثرة والظهور بحيث لايفتقر إلي الذكر و قدأورد الإمام في المطالب العالية من الشواهد العقلية والنقلية في هذاالباب مايفضي ذكره إلي الإطناب و أماالفلاسفة فزعموا أنه يمتنع فناء النفس
صفحه : 118
أقول ثم ذكر بعض دلائلهم علي ذلك لاحاجة بنا إلي إيرادها.الرابعة في كيفية تعقل النفس وإدراكها قال في التجريد وتعقل بذاتها وتدرك بالآلات و قال شارح المقاصد لانزاع في أن مدرك الكليات من الإنسان هوالنفس و أمامدرك الجزئيات علي وجه كونها جزئيات فعندنا النفس و عندالفلاسفة الحواس ثم قال بعدإيراد الحجج من الجانبين لما كان إدراك الجزئيات مشروطا عندالفلاسفة بحصول الصورة في الآلات فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لاتبقي مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط وعندنا لما لم تكن الآلات شرطا في إدراك الجزئيات إما لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس و لا في الحس وإما لأنه لايمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعدالمفارقة إدراكات متجددة جزئية واطلاع علي بعض جزئيات أحوال الأحياء سيما الذين كان بينهم و بين الميت تعارف في الدنيا ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات واستدفاع الملمات فإن للنفس بعدالمفارقة تعلقا مابالبدن وبالتربة التي دفنت فيها فإذازار الحي تلك التربة وتوجهت تلقاءه نفس الميت حصل بين النفسين علاقات وإفاضات .الخامسة في كمالات النفس ومراتبها قال في شرح المقاصد قدسبق أن لفظ القوة كمايطلق علي مبدإ التغيير والفعل فكذا يطلق علي مبدإ التغير والانفعال فقوة النفس باعتبار تأثرها عما فوقها من المبادئ للاستكمال بالعلوم والإدراكات يسمي عقلا نظريا وباعتبار تأثيرها في البدن لتكميل جوهره و إن كان ذلك أيضا عائدا إلي
صفحه : 119
تكميل النفس من جهة أن البدن آلة لها في تحصيل العلم والعمل يسمي عقلا عمليا والمشهور أن مراتب النفس أربع لأنه إما كمال وإما استعداد نحو الكمال قوي أومتوسط أوضعيف فالضعيف و هومحض قابلية النفس للإدراكات يسمي عقلا هيولانيا تشبيها بالهيولي الأولي الخالية في نفسها عن جميع الصور القابلة لها بمنزلة قوة الطفل للكتابة والمتوسط و هواستعدادها لتحصيل النظريات بعدحصول الضروريات تسمي عقلا بالملكة لماحصل لها من ملكة الانتقال إلي النظريات بمنزلة الشخص المستعد لتعلم الكتابة وتختلف مراتب الناس في ذلك اختلافا عظيما بحسب اختلاف درجات الاستعدادات والقوي و هوالاقتدار علي استحضار النظريات متي شاءت من غيرافتقار إلي كسب جديد لكونها مكتسبة مخزونة تحضر بمجرد الالتفات بمنزلة القادر علي الكتابة حين لايكتب و له أن يكتب متي شاء ويسمي عقلا بالفعل لشدة قربه من الفعل و أماالكمال فهو أن يحصل النظريات مشاهدة بمنزلة الكاتب حين يكتب ويسمي عقلا مستفادا أي من خارج هوالعقل الفعال ألذي يخرج نفوسنا من القوة إلي الفعل فيما له من الكمالات ونسبته إلينا نسبة الشمس إلي أبصارنا وتختلف عبارات القوم في أن المذكورات أسام لهذه الاستعدادات والكمال أوللنفس باعتبار اتصافها بها أولقوي في النفس هي مبادئها مثلا يقال تارة إن العقل الهيولاني هواستعداد النفس لقبول العلوم الضرورية وتارة إنها قوة استعدادية أوقوة من شأنها الاستعداد المحض وتارة إنه النفس في مبدإ الفطرة من حيث قابليتها للعلوم وكذا في البواقي وربما يقال إن العقل بالملكة هوحصول الضروريات من حيث يتأدي إلي النظريات . و قال ابن سينا هوصورة المعقولات الأولي وتتبعها القوة علي كسب غيرها بمنزلة الضوء للإبصار والمستفاد هوالمعقولات المكتسبة عندحصولها بالفعل . و قال في كتاب المبدإ والمعاد إن العقل بالفعل والعقل المستفاد واحد بالذات مختلف بالاعتبار فإنه من جهة تحصيله للنظريات عقل بالفعل و من جهة حصولها
صفحه : 120
فيه بالفعل عقل مستفاد وربما قيل هوعقل بالفعل بالقياس إلي ذاته ومستفاد بالقياس إلي فاعله . واختلفوا أيضا في أن المعتبر في المستفاد هوحصول النظريات الممكنة للنفس بحيث لايغيب أصلا حتي قالوا إنه آخر المراتب البشرية وأول منازل الملكية و أنه يمتنع أويستبعد جدا مادامت النفس متعلقة بالبدن أومجرد الحضور حتي يكون قبل العقل بالفعل بحسب الوجود علي ماصرح به الإمام و إن كان بحسب الشرف هوالغاية والرئيس المطلق ألذي يخدمه سائر القوي الإنسانية والحيوانية والنباتية و لايخفي أن هذاأشبه بما اتفقوا عليه من حصر المراتب في الأربع نعم حضور الكل بحيث لايغيب أصلا هوكمال مرتبة المستفاد. ثم قال أماالعملي فهو قوة بهايتمكن الإنسان من استنباط الصناعات والتصرفات في موضوعاتها التي هي بمنزلة المواد كالخشب للنجار وتميز مصالحه التي يجب الإتيان بها من المفاسد التي يجب الاجتناب عنها لينتظم بذلك أمر معاشه ومعاده وبالجملة هي مبدأ حركة بدن الإنسان إلي الأفاعيل الجزئية الخاصة بالرؤية علي مقتضي آراء تخصها صلاحيته ولها نسبة إلي القوة النزوعية ومنها يتولد الضحك والخجل والبكاء ونحوها ونسبة إلي الحواس الباطنة وهي استعمالها في استخراج أمور مصلحة وصناعات وغيرها ونسبة إلي القوة النظرية وهي أن أفاعيله أعني أعماله الاختيارية تنبعث عن آراء جزئية تستند إلي آراء كلية تستنبط من مقدمات أولية أوتجربية أوذائعة أوظنية تحكم بهاالقوة النظرية مثلا يستنبط من قولنا بذل الدرهم جميل والفعل الجميل ينبغي أن يصدر عنا ينتج أن بذل الدرهم ينبغي أن يصدر عنا ثم يحكم بأن هذاالدرهم ينبغي أن أبذله لهذا المستحق فينبعث من ذلك شوق وإرادة إلي بذله فتقدم القوة المحركة علي دفعه إلي المستحق . ثم قال وكمال القوة النظرية معرفة أعيان الموجودات وأحوالها وأحكامها كماهي أي علي الوجه ألذي هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية وسمي حكمة نظرية وكمال القوة العملية القيام بالأمور علي ماينبغي أي علي الوجه ألذي
صفحه : 121
يرتضيه العقل الصحيح بقدر الطاقة البشرية وسمي حكمة عملية وفسروا الحكمة علي مايشمل القسمين بأنها خروج النفس من القوة إلي الفعل في كمالها الممكن علما وعملا إلا أنه لماكثر الخلاف وفشا الباطل والضلال في شأن الكمال و في كون الأشياء كماهي والأمور علي ماينبغي لزم الاقتداء في ذلك بمن ثبت بالمعجزات الباهرة أنهم علي هدي من الله تعالي وكانت الحكمة الحقيقية هي الشريعة لكن لابمعني مجرد الأحكام العملية بل بمعني معرفة النفس مالها و ماعليها والعمل بها علي ماذهب إليه أهل التحقيق من أن المشار إليها في قوله وَ مَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوُتيَِ خَيراً كَثِيراً هوالفقه و أنه اسم للعلم والعمل جميعا. و قدتقسم الحكمة المفسرة بمعرفة الأشياء كماهي إلي النظرية العملية لأنها إن كانت علما بالأصول المتعلقة بقدرتنا واختيارنا فعملية وغايتها العمل وتحصيل الخير و إلافنظرية وغايتها إدراك الحق و كل منهما ينقسم بالقسمة الأولية إلي ثلاثة أقسام فالنظرية إلي الإلهي والرياضي والطبيعي والعملية إلي علم الأخلاق وعلم تدبير المنزل وعلم سياسة المدينة لأن النظرية إن كان علما بأحوال الموجودات من حيث يتعلق بالمادة تصورا وقواما فهي العلم الطبيعي و إن كان من حيث يتعلق بهاقواما لاتصورا فالرياضي كالبحث عن الخطوط والسطوح وغيرهما مما يفتقر إلي المادة في الوجود لا في التصور و إن كان من حيث لايتعلق بها لاقواما و لاتصورا فالإلهي ويسمي العلم الأعلي وعلم ما بعدالطبيعة كالبحث عن الواجب والمجردات و مايتعلق بذلك . والحكمة العملية إن تعلقت بآراء ينتظم بهاحال الشخص وذكاء نفسه فالحكمة الخلقية و إلا فإن تعلقت بانتظام المشاركة الإنسانية الخاصة فالحكمة المنزلية والعامة فالحكمة المدنية والسياسة. ثم قال للإنسان قوة شهوية هي مبدأ جذب المنافع ودفع المضار من المآكل والمشارب وغيرها وتسمي القوة البهيمية والنفس الأمارة وقوة غضبية هي
صفحه : 122
مبدأ الإقدام علي الأهوال والشوق إلي التسلط والترفع وتسمي السبعية والنفس اللوامة وقوة نطقية هي مبدأ إدراك الحقائق والشوق إلي النظر في العواقب ليتميز بين المصالح والمفاسد ويحدث من اعتدال حركة الأولي العفة وهي أن تكون تصرفات البهيمية علي وفق اقتضاء النطقية ليسلم عن أن تستعبدها الهوي وتستخدمها اللذات ولها طرف إفراط هي الخلاعة والفجور أي الوقوع في ازدياد اللذات علي ما لاينبغي وطرف تفريط هي الخمود أي السكون عن طلب مارخص فيه العقل والشرع من اللذات إيثارا لاخلقة و من اعتدال حركة السبعية الشجاعة وهي انقيادها للنطقية ليكون إقدامها علي حسب الروية من غيراضطراب في الأمور الهائلة ولها طرف إفراط هوالتهور أي الإقدام علي ما لاينبغي وتفريط و هوالجبن أي الحذر عما لاينبغي و من اعتدال حركة النطقية وهي معرفة الحقائق علي ماهي عليه بقدر الاستطاعة وطرف إفراطها الجربزة وهي استعمال الفكر فيما لاينبغي وطرف تفريطها الغباوة وهي تعطيل الفكر بالإرادة والوقوف علي اكتساب العلوم فالأوساط فضائل والأطراف رذائل و إذاامتزجت الفضائل حصل من اجتماعها حالة متشابهة هي العدالة فأصول الفضائل العفة والشجاعة والحكمة والعدالة ولكل منها شعب وفروع مذكورة في كتب الأخلاق وكذا الرذائل الستة انتهي
قال الرازي في المطالب العالية في تعديد خواص النفس الإنسانية ونحن نذكر منها عشرة القسم الأول من الخواص النطق و فيه أبحاث .الأول أن الإنسان الواحد لو لم يكن في الوجود إلا هو و إلاالأمور الموجودة في الطبيعة لهلك أوساءت معيشته بل الإنسان محتاج إلي أمور أزيد مما في الطبيعة مثل الغذاء المعمول فإن الأغذية الطبيعية لايلائم الإنسان والملابس أيضا لايصلح للإنسان إلا بعدصيرورتها صناعية فكذلك يحتاج الإنسان إلي جملة من الصناعات حتي تنتظم أسباب معيشته والإنسان الواحد لايمكنه القيام بمجموع تلك الصناعات
صفحه : 123
بل لابد من المشاركة حتي يخبز هذالذاك وينسج ذاك لهذا فلهذه الأسباب احتاج الإنسان إلي أن تكون له قدرة علي أن يعرف الآخر ألذي هوشريكه ما في نفسه بعلامة وضعية وهي أقسام فالأول أصلحها وأشرفها الأصوات المركبة والسبب في شرفها أن بدن الإنسان لايتم و لايكمل إلابالقلب ألذي هومعدن الحرارة الغريزية و لابد من وصول النسيم البارد إليه ساعة فساعة حتي يبقي علي اعتداله و لايحترق فخلقت آلات في بدنه بحيث يقدر الإنسان علي استدخال النسيم البارد في قلبه فإذامكث ذلك النسيم لحظة تسخن وفسد فوجب إخراجه فالصانع الحكيم جعل النفس الخارج سببا لحدوث الصوت فلاجرم سهل تحصيل الصوت بهذا الطريق ثم إن ذلك الصوت سهل تقطيعه في المحابس المختلفة فحصلت هيئات مخصوصة بسبب تقطيع ذلك الصوت في تلك المحابس وتلك الهيئات المخصوصة هي الحروف فحصلت الحروف والأصوات بهذا الطريق ثم تركب الحروف فحصلت الكلمات بهذا الطريق ثم جعلوا كل كلمة مخصوصة معرفة لمعني مخصوص فلاجرم صار تعريف المعاني المخصوصة بهذا الطريق في غاية السهولة من وجوه الأول أن إدخالها في الوجود في غاية السهولة والثاني أن تكون الكلمات الكثيرة الواقعة في مقابلة المعلومات الكثيرة في غاية السهولة والثالث أن عندالحاجة إلي التعريف تدخل في الوجود و عندالاستغناء عن ذكرها تعدم لأن الأصوات لاتبقي . والقسم الثاني من طرق التعريف الإشارة والنطق أفضل بوجوه الأول أن الإشارة إنما تكون إلي موجود حاضر عندالمشير محسوس و أماالنطق فإنه يتناول المعدوم ويتناول ما لايصح الإشارة إليه ويتناول مايصح الإشارة إليه أيضا والثاني أن الإشارة عبارة عن تحريك الحدقة إلي جانب معين فالإشارة نوع واحد أونوعان فلايصح لتعريف الأشياء المختلفة بخلاف النطق فإن الأصوات والحروف البسيطة والمركبة كثيرة والثالث أنه إذاأشار إلي شيءفذلك الشيء ذات قامت به صفات كثيرة فلايعرف بسبب تلك الإشارة أن المراد تعريف الذات وحدها أوالصفة الفلانية
صفحه : 124
أوالصفة الثانية أوالثالثة أوالرابعة أوالمجموع و أماالنطق فإنه واف بتعرف كل واحدة من هذه الأحوال بعينها. والقسم الثالث الكتابة وظاهر أن المئونة في إدخالها في الوجود صعبة و مع ذلك فإنها مفرعة علي النطق و ذلك لأنا لوافتقرنا إلي أن نضع لتعريف كل معني من المعاني البسيطة والمركبة نقشا لافتقرنا إلي حفظ نقوش غيرمتناهية و ذلك غيرممكن فدبروا فيه طريقا لطيفا و هوأنهم وضعوا بإزاء كل واحد من الحروف النطقية البسيطة نقشا خاصا ثم جعلوا النقوش المركبة في مقابلة الحروف المركبة فسهلت المئونة في الكتابة بهذا الطريق إلا أن علي هذاالتقدير صارت الكتابة مفرعة علي النطق إلا أنه حصل في الكتابة منفعة عظيمة وهي أن عقل الإنسان الواحد لايفي باستنباط العلوم الكثيرة فالإنسان الواحد إذااستنبط مقدارا من العلم وأثبته في الكتاب بواسطة الكتابة فإذاجاء بعده إنسان آخر ووقف عليه قدر علي استنباط أشياء أخر زائدة علي ذلك الأول فظهر أن العلوم إنما كثرت بإعانة الكتابة فَلِهَذَا قَالَ ع قَيّدُوا العِلمَ بِالكِتَابَةِ
فهذا بيان حقيقة النطق والإشارة والكتابة.البحث الثاني مما يتعلق بهذا الباب أن المشهور أنه يقال في حد الإنسان إنه حيوان ناطق فقال بعضهم إن هذاالتعريف باطل طردا وعكسا أماالطرد فلأن بعض الحيوانات قدتنطق و أماالعكس فهو بعض الناس لاينطق فأجيب عنه بأن المراد منه النطق العقلي و لم يذكروا لهذا النطق العقلي تفسيرا ملخصا فنقول الحيوان نوعان منه ما إذاعرف شيئا فإنه لايقدر علي أن يعرف غيره حال نفسه مثل البهائم وغيرها فإنها إذاوجدت من نفسها أحوالا مخصوصة لاتقدر علي أن تعرف غيرها تلك الأحوال و أماالإنسان فإذاوجد من نفسه حالة مخصوصة قدر علي أن يعرف غيره تلك الحالة الموجودة في نفسه فالناطق ألذي جعل فصلا مقوما هو هذاالمعني والسبب فيه أن أكمل طرق التعريف هوالنطق فعبر عن هذه القدرة بأكمل الطرق الدالة عليها وبهذا التقرير فإن تلك السؤال لايتوجه و الله أعلم بالصواب .
صفحه : 125
البحث الثالث أن هذه الألفاظ والكلمات لها أسماء كثيرة فالأول اللفظ و فيه وجهان أحدهما أن هذه الألفاظ إنما تولد بسبب أن ذلك الإنسان لفظ ذلك الهواء من حلقه فلما كان سبب حدوث هذه الأصوات هولفظ ذلك الهواء لاجرم سميت باللفظ والثاني أن تلك المعاني كانت كامنة في قلب ذلك الإنسان فلما ذكر هذه الألفاظ صارت تلك المعاني الكامنة معلومة فكأن ذلك الإنسان لفظها من الداخل إلي الخارج . والاسم الثاني الكلام واشتقاق هذه اللفظة من الكلم و هوالجرح والسبب أن الإنسان إذاسمع تلك اللفظة تأثر جسمه بسماعها وتأثر عقله بفهم معناها فلهذا السبب سمي بالكلمة. والاسم الثالث العبارة وهي مأخوذة من العبور والمجاوزة و فيه وجهان الأول أن ذلك النفس لماخرج منه فكأن جاوزه وعبر عليه الثاني أن ذلك المعني عبر من القائل إلي فهم المستمع .الاسم الرابع القول و هذاالتركيب يفيد الشدة والقوة و لاشك أن تلك اللفظة لها قوة إما لسبب خروجها إلي الخارج وإما لسبب أنها تقوي علي التأثر في السمع و علي التأثير في العقل و الله أعلم .النوع الثاني من خواص الإنسان قدرته علي استنباط الصنائع العجيبة ولهذه القدرة مبدأ وآلة أماالمبدأ فهو الخيال القادر علي تركيب الصور بعضها ببعض و أماالآلة فهي اليدان و قدسماهما الحكيم أرسطاطاليس الآلة المباحة وسنذكر هذه اللفظة في علم التشريح إن شاء الله و قديحصل مايشبه هذه الحالة للحيوانات الأخر كالنحل في بناء البيوت المسدسة إلا أن ذلك لايصدر من استنباط وقياس بل إلهام وتسخير ولذلك لايختلف و لايتنوع هكذا قاله الشيخ و هومنقوض بالحركة الفلكية وسنفرد لهذا البحث فصلا علي الاستقصاء.النوع الثالث من خواص الإنسان الأعراض النفسانية المختلفة وهي علي أقسام فأحدها أنه إذارأي شيئا لم يعرف سببه حصلت حالة مخصوصة في نفسه مسماة
صفحه : 126
بالتعجب وثانيها أنه إذاأحس بحصول الملائم حصلت حالة مخصوصة وتتبعها أحوال جسمانية وهي تمدد في عضلات الوجه مع أصوات مخصوصة وهي الضحك فإن أحس بحصول المنافي والموذي حزن فانعصر دم قلبه في الداخل فينعصر أيضا دماغه وتنفصل عنه قطرة من الماء وتخرج من العين وهي البكاء وثالثها أن الإنسان إذااعتقد في غيره أنه اعتقد فيه أنه أقدم علي شيء من القبائح حصلت حالة مخصوصة تسمي بالخجالة ورابعها أنه إذااعتقد في فعل مخصوص أنه قبيح فامتنع عنه لقبحه حصلت حالة مخصوصة هي الحياء وبالجملة فاستقصاء القول في تعديد الأحوال النفسانية مذكور في باب الكيفيات النفسانية والنوع الرابع من خواص الإنسان الحكم بحسن بعض الأشياء وقبح بعضها إما لأن صريح العقل يوجب ذلك عند من يقول به وإما لأجل أن المصلحة الحاصلة بسبب المشاركة الإنسانية اقتضت تقريرها لتبقي مصالح العالم مرعية و أماسائر الحيوانات فإنها إن تركت بعض الأشياء مثل الأسد فإنه لايفترس صاحبه فليس ذلك مشابها للحالة الحاصلة للإنسان بل هيئة أخري لأن كل حيوان فهو يحب بالطبع كل من ينفعه فلهذا السبب الشخص ألذي أطعمه محبوب عنده فيصير ذلك مانعا له عن افتراسه .النوع الخامس من خواص الإنسان تذكر الأمور الماضية وقيل إن هذه الحالة لاتحصل لسائر الحيوانات والجزم في هذاالباب بالنفي والإثبات مشكل والنوع السادس الفكر والروية و هذاالفكر علي قسمين أحدهما أن يتفكر لأجل أن يعرف حاله و هذاالنوع من الفكر ممكن في الماضي والمستقبل والحاضر والنوع الثاني التفكر في كيفية إيجاده وتكوينه و هذاالنوع من الفكر لايمكن في الواجب والممتنع وإنما يمكن في الممكن ثم لايمكن في الممكن الماضي والحاضر وإنما يمكن في الممكن المستقبل و إذاحكمت هذه القوة تبع حكمها حصول الإرادة الجازمة ويتبعها تأثير القوة والقدرة في تحريك البدن وهل لشيء من الحيوانات شيء من الكيفيات المشهور إنكاره و فيه موضع بحث فإنها راغبة في
صفحه : 127
كل ما يكون لذيذا عندها نافرة عن كل ما يكون مولما عندها فوجب أن يتقرر عندها أن كل لذيذ مطلوب و أن كل مولم مكروه فأجيب عنه بأن رغبتها إنما يكون في هذااللذيذ فكل لذيذ حضر عنده فإنه يرغب فيه من حيث إنه ذلك الشيء فأما أن يعتقد أن كل لذيذ فهو مطلوب فهذا ليس عنده . واعلم أن الحكم في هذه الأشياء بالنفي والإثبات حكم علي الغيب والعلم بها ليس إلالله العلي العليم و الله أعلم .الفصل الثاني والعشرون في بيان أن اللذات العقلية أشرف وأكمل من اللذات الحسية اعلم أن الغالب علي الطباع العامية أن أقوي اللذات وأكمل السعادات لذة المطعم والمنكح ولذلك فإن جمهور الناس لايعبدون الله إلاليجدوا المطاعم اللذيذة في الآخرة و إلاليجدوا المناكح الشهية هناك و هذاالقول مردود عندالمحققين من أهل الحكمة وأرباب الرياضة ويدل عليه وجوه .الحجة الأولي لوكانت سعادة الإنسان متعلقة بقضاء الشهوة وإمضاء الغضب لكان الحيوان ألذي يكون أقوي في هذاالباب من الإنسان أشرف منه لكن الجمل أكثر أكلا من الناس والذئب أقوي في الإيذاء من الإنسان والعصفور أقوي علي السفاد من الإنسان فوجب كون هذه الأشياء أشرف من الإنسان لكن التالي معلوم البطلان بالضرورة فوجب الجزم بأن سعادة الإنسان غيرمتعلقة بهذه الأمور.الحجة الثانية كل شيء يكون سببا لحصول السعادة والكمال فكلما كان ذلك الشيء أكثر حصولا كانت السعادة والكمال أكثر حصولا فلو كان قضاء شهوة البطن والفرج سببا لكمال حال الإنسان ولسعادته لكان الإنسان كلما أكثر اشتغالا بقضاء شهوة البطن والفرج وأكثر استغراقا فيه كان أعلي درجة وأكمل فضيلة لكن التالي باطل لأن الإنسان ألذي جعل عمره وقفا علي الأكل والشرب والبعال يعد من البهيمة ويقضي عليه بالدناءة والخساسة و كل ذلك يدل علي أن الاشتغال بقضاء هاتين الشهوتين ليس من باب السعادات والكمالات بل من باب دفع الحاجات والآفات .الحجة الثالثة أن الإنسان يشاركه في لذة الأكل والشرب جميع الحيوانات
صفحه : 128
الخسيسة فإنه كما أن الإنسان يلتذ بأكل السكر فكذلك الجعل يلتذ بتناول السرقين فلو كانت هذه اللذات البدنية هي السعادة الكبري للإنسان لوجب أن لا يكون للإنسان فضيلة علي هذه الحيوانات الخسيسة بل نزيد ونقول لوكانت سعادة الإنسان متعلقة بهذه اللذات الخسيسة لوجب أن يكون الإنسان أخس الحيوانات والتالي باطل فالمقدم مثله وبيان وجه الملازمة أن الحيوانات الخسيسة مشاركة للإنسان في هذه اللذات الخسيسة البدنية إلا أن الإنسان يتنغص عليه المطالب بسبب العقل فإن العقل سمي عقلا لكونه عقالا له وحبسا له عن أكثر مايشتهيه ويميل طبعه إليه فإذا كان التقدير أن كمال السعادة ليس إلا في هذه اللذات الخسيسة ثم بينا أن هذه اللذات الخسيسة حاصلة علي سبيل الكمال والتمام للبهائم والسباع من غيرمعارض ومدافع وهي حاصلة للإنسان مع المنازع القوي والمعارض الكامل وجب أن يكون الإنسان أخس الحيوانات و لما كان هذامعلوم الفساد بالبديهة ثبت أن هذه اللذات الخسيسة ليست موجبة للبهجة والسعادة.الحجة الرابعة أن هذه اللذات الخسيسة إذابحث عنها فهي في الحقيقة ليست لذات بل حاصلها يرجع إلي دفع الألم والدليل عليه أن الإنسان كلما كان أكثر جوعا كان التذاذه بالأكل أكمل وكلما كان ألم الجوع أقل كان الالتذاذ بالأكل أقل وأيضا إذاطال عهد الإنسان بالوقاع واجتمع المني الكثير في أوعية المني حصلت في تلك الأوعية دغدغة شديدة وتمدد وثقل وكلما كانت هذه الأحوال الموذية أكثر كانت اللذة الحاصلة عنداندفاع ذلك المني أقوي ولهذا السبب فإن لذة الوقاع في حق من طال عهده بالوقاع يكون أكمل منها في حق من قرب عهده به فثبت أن هذه الأحوال التي يظن أنها لذات جسمانية فهي في الحقيقة ليست إلادفع الألم وهكذا القول في اللذة الحاصلة بسبب لبس الثياب فإنه لاحاصل لتلك اللذة إلادفع ألم الحر والبرد و إذاثبت أنه لاحاصل لهذه اللذات إلادفع الآلام فنقول ظهر أنه ليس فيهاسعادة لأن الحالة السابقة هي حصول الألم والحالة الحاضرة عدم الألم و هذاالعدم كان حاصلا عندالعدم الأصلي فثبت أن هذه الأحوال ليست
صفحه : 129
سعادات و لاكمالات البتة.الحجة الخامسة أن الإنسان من حيث يأكل ويشرب ويجامع ويؤذي يشاركه سائر الحيوانات وإنما يمتاز عنها بالإنسانية وهي مانعة من تكميل تلك الأحوال وموجبة لنقصانها وتقليلها فلو كانت هذه الأحوال عين السعادة لكان الإنسان من حيث إنه إنسان ناقصا شقيا خسيسا و لماحكمت البديهة بفساد هذاالتالي ثبت فساد المقدم .الحجة السادسة أن العلم الضروري حاصل بأن بهجة الملائكة وسعادتهم أكمل وأشرف من بهجة الحمار وسعادته و من بهجة الديدان والذباب وسائر الحيوانات والحشرات ثم لانزاع أن الملائكة ليس لها هذه اللذات فلو كانت السعادة القصوي ليست إلا هذه اللذات لزم كون هذه الحيوانات الخسيسة أعلي حالا وأكمل درجة من الملائكة المقربين و لما كان هذاالتالي باطلا كان المقدم مثله بل هاهنا ما هوأعلي وأقوي مما ذكرناه و هو أنه لانسبة لكمال واجب الوجود وجلاله وشرفه وعزته إلي أحوال غيره مع أن هذه اللذات الحسية ممتنعة عليه فثبت أن الكمال والشرف قديحصلان سوي هذه اللذات الجسمية فإن قالوا ذلك الكمال لأجل حصول الإلهية و ذلك في حق الخلق محال فنقول لانزاع أن حصول الإلهية في حق الخلق محال إلا أَنّهُ قَالَ ع تَخَلّقُوا بِأَخلَاقِ اللّهِ
والفلاسفة قالوا الفلسفة عبارة عن التشبه بالإله بقدر الطاقة البشرية فيجب عليه أن يعرف تفسير هذاالتخلق و هذاالتشبه ومعلوم أنه لامعني لهما إلاتقليل الحاجات وإضافة الخيرات والحسنات لابالاستكثار من اللذات والشهوات .الحجة السابعة أن هؤلاء الذين حكموا بأن سعادة الإنسان ليس إلا في تحصيل هذه اللذات البدنية والراحات الجسمانية إذارأوا إنسانا أعرض عن طلبها مثل أن يكون مواظبا للصوم مكتفيا بما جاءت الأرض عظم اعتقادهم فيه وزعموا أنه ليس من جنس الإنسان بل من زمرة الملائكة ويعدون أنفسهم بالنسبة إليه أشقياء أراذل و إذارأوا إنسانا مستغرق الفكر والهمة في طلب الأكل والشرب والوقاع مصروف الهمة إلي تحصيل أسباب هذه الأحوال معرضا عن العلم والزهد والعبادة قضوا بالبهيمية
صفحه : 130
والخزي والنكال و لو لا أنه تقرر في عقولهم أن الاشتغال بتحصيل هذه اللذات الجسدانية نقص ودناءة و أن الترفع عن الالتفات إليها كمال وسعادة لما كان الأمر علي ماذكرنا ولكان يجب أن يحكموا علي المعرض عن تحصيل هذه اللذات بالخزي والنكال و علي المستغرق فيهابالسعادة والكمال وفساد التالي يدل علي فساد المقدم .الحجة الثامنة كل شيء يكون في نفسه كمالا وسعادة وجب أن لايستحيا من إظهاره بل يجب أن يفتخر بإظهاره ويتبجح بفعله ونحن نعلم بالضرورة أن أحدا من العقلاء لايفتخر بكثرة الأكل و لابكثرة المباشرة و لابكونه مستغرق الوقت والزمان في هذه الأعمال وأيضا فالعاقل لايقدر علي الوقاع إلا في الخلوة فأما عندحضور الناس فإن أحدا من العقلاء لايجد في نفسه تجويز الإقدام عليه و ذلك يدل علي أنه تقرر في عقول الخلق أنه فعل خسيس وعمل قبيح فيجب إخفاؤه عن العيون وأيضا فقد جرت عادة السفهاء بأنه لايشتم بعضهم بعضا إلابذكر ألفاظ الوقاع و ذلك يدل علي أنه مرتبة خسيسة ودرجة قبيحة وأيضا لو أن واحدا من السفهاء أخذ يحكي عندحضور الجمع العظيم فلانا كيف يواقع زوجته فإن ذلك الرجل يستحيي من ذلك الكلام ويتأذي من ذلك القائل و كل هذايدل علي أن ذلك الفعل ليس من الكمالات والسعادات بل هوعمل باطل وفعل قبيح .الحجة التاسعة كل فرس وحمار كان ميله إلي الأكل والشرب والإيذاء أكثر و كان قبوله للرياضة أقل كان قيمته أقل و كل حيوان كان أقل رغبة في الأكل والشرب و كان أسرع قبولا للرياضة كانت قيمته أكثر أ لاتري أن الفرس ألذي يقبل الرياضة في الكر والفر والعدو الشديد فإنه يشتري بثمن رفيع و كل فرس لايقبل هذه الرياضة يوضع علي ظهره الإكاف ويسوي بينه و بين الحمار و لايشتري إلابثمن قليل فلما كانت الحيوانات التي هي غيرناطقة لاتظهر فضائلها بسبب الأكل والشرب والوقاع بل بسبب تقليلها وبسبب قبول الأدب وحسن الخدمة لمولاه فما ظنك بالحيوان الناطق العاقل .الحجة العاشرة أن سكان أطراف الأرض لما لم تكمل عقولهم ومعارفهم و
صفحه : 131
أخلاقهم لاجرم كانوا في غاية الخسة والدناءة أ لاتري أن سكان الإقليم السابع وهم الصقالبة لماقل نصيبهم من المعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة فلاجرم تقرر في عقول العقلاء خسة درجاتهم ودناءة مراتبهم و أماسكان وسط المعمور لمافازوا بالمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة لاجرم أقر كل أحد بأنهم أفضل طوائف البشر وأكملهم و ذلك يدل علي أن فضيلة الإنسان وكماله لايظهر إلابالعلوم الحقيقية والأخلاق الفاضلة
1- البَصَائِرُ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَن جَعفَرِ بنِ بَشِيرٍ عَن آدَمَ أَبِي الحُسَينِ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ أَبِي حَمزَةَ عَمّن حَدّثَهُ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَقَالَ وَ اللّهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ لَأُحِبّكَ فَقَالَ كَذَبتَ فَقَالَ الرّجُلُ سُبحَانَ اللّهِ كَأَنّكَ تَعرِفُ مَا فِي قلَبيِ فَقَالَ عَلِيّ ع إِنّ اللّهَ خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ ثُمّ عَرَضَهُم عَلَينَا فَأَينَ كُنتَ لَم أَرَكَ
2- وَ مِنهُ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدٍ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ أَبِي هَاشِمٍ عَن سَلّامِ بنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن عُمَارَةَ قَالَكُنتُ جَالِساً عِندَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع إِذ أَقبَلَ رَجُلٌ فَسَلّمَ عَلَيهِ ثُمّ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ اللّهِ إنِيّ لَأُحِبّكَ فَسَأَلَهُ ثُمّ قَالَ لَهُ
صفحه : 132
إِنّ الأَروَاحَ خُلِقَت قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ ثُمّ أُسكِنَتِ الهَوَاءَ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ثَمّ ائتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا ثَمّ اختَلَفَ هَاهُنَا وَ إِنّ روُحيِ أَنكَرَ رُوحَكَ
3- وَ مِنهُ، عَن أَبِي مُحَمّدٍ عَن عِمرَانَ بنِ مُوسَي عَن يُونُسَ بنِ جَعفَرٍ عَن عَلِيّ بنِ أَسبَاطٍ عَن مُحَمّدِ بنِ الفُضَيلِ عَن أَبِي حَمزَةَ الثمّاَليِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع أَنّ رَجُلًا قَالَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع وَ اللّهِ إنِيّ لَأُحِبّكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ فَقَالَ عَلِيّ ع وَ اللّهِ مَا تحُبِنّيِ فَغَضِبَ الرّجُلُ فَقَالَ كَأَنّكَ وَ اللّهِ تخُبرِنُيِ مَا فِي نفَسيِ قَالَ لَهُ عَلِيّ ع لَا وَ لَكِنّ اللّهَ خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ فَلَم أَرَ رُوحَكَ فِيهَا
4- الكشَيّّ،وَجَدتُ فِي كِتَابِ جَبرَئِيلَ بنِ أَحمَدَ بِخَطّهِ حدَثّنَيِ مُحَمّدُ بنُ عِيسَي عَن مُحَمّدِ بنِ الفُضَيلِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ عَنِ الهَيثَمِ بنِ وَاقِدٍ عَن مَيمُونِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَنِ الصّادِقِ عَن آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص خَلَقَ اللّهُ الأَروَاحَ قَبلَ الأَجسَادِ بأِلَفيَ عَامٍ ثُمّ أَسكَنَهَا الهَوَاءَ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ثَمّ ائتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَا تَنَاكَرَ ثَمّ اختَلَفَ هَاهُنَا
أقول قدأوردنا أمثال هذه الأخبار في باب إخبار أمير المؤمنين ع بشهادته و باب أنهم ع يعرفون الناس بحقيقة الإيمان والنفاق و باب أنهم المتوسمون
5-البَصَائِرُ، عَن بَعضِ أَصحَابِنَا عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَن مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ أَيّوبَ عَن عَمرِو بنِ شِمرٍ عَن جَابِرٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ فَلَمّا رَكّبَ الأَروَاحَ فِي أَبدَانِهَا كَتَبَ بَينَ أَعيُنِهِم مُؤمِنٌ أَو كَافِرٌ وَ مَا هُم بِهِ مُبتَلَونَ وَ
صفحه : 133
مَا هُم عَلَيهِ مِن سَيّئِ أَعمَالِهِم وَ حَسَنِهَا فِي قَدرِ أُذُنِ الفَأرَةِ ثُمّ أَنزَلَ بِذَلِكَ قُرآناً عَلَي نَبِيّهِ فَقَالَإِنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلمُتَوَسّمِينَ وَ كَانَ رَسُولُ اللّهِص هُوَ المُتَوَسّمَ وَ أَنَا بَعدَهُ وَ الأَئِمّةُ مِن ذرُيّتّيِ هُمُ المُتَوَسّمُونَ
تفسير الفرات ، عن أحمد بن يحيي معنعنا عن أبي جعفر ع مثله
6-العِلَلُ، عَن عَلِيّ بنِ أَحمَدَ عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ البرَمكَيِّ عَن جَعفَرِ بنِ سُلَيمَانَ عَن أَبِي أَيّوبَ الخَرّازِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الفَضلِ الهاَشمِيِّ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع لأِيَّ عِلّةٍ جَعَلَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ الأَروَاحَ فِي الأَبدَانِ بَعدَ كَونِهَا فِي مَلَكُوتِهِ الأَعلَي فِي أَرفَعِ مَحَلّ فَقَالَ ع إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي عَلِمَ أَنّ الأَروَاحَ فِي شَرَفِهَا وَ عُلُوّهَا مَتَي مَا تُرِكَت عَلَي حَالِهَا نَزَعَ أَكثَرُهَا إِلَي دَعوَي الرّبُوبِيّةِ دُونَهُ عَزّ وَ جَلّ فَجَعَلَهَا بِقُدرَتِهِ فِي الأَبدَانِ التّيِ قَدّرَ لَهَا فِي ابتِدَاءِ التّقدِيرِ نَظَراً لَهَا وَ رَحمَةً بِهَا وَ أَحوَجَ بَعضَهَا إِلَي بَعضٍ وَ عَلّقَ بَعضَهَا عَلَي بَعضٍ وَ رَفَعَ بَعضَهَا عَلَي بَعضٍ وَ رَفَعَ بَعضَهَا فَوقَ بَعضٍ دَرَجَاتٍ وَ كَفَي بَعضَهَا بِبَعضٍ وَ بَعَثَ إِلَيهِم رُسُلَهُ وَ اتّخَذَ عَلَيهِم حُجَجَهُ مُبَشّرِينَ وَ مُنذِرِينَ يَأمُرُونَ بتِعَاَطيِ العُبُودِيّةِ وَ التّوَاضُعِ لِمَعبُودِهِم بِالأَنوَاعِ التّيِ تَعَبّدَهُم بِهَا وَ نَصَبَ لَهُم عُقُوبَاتٍ فِي العَاجِلِ وَ عُقُوبَاتٍ فِي الآجِلِ وَ مَثُوبَاتٍ فِي العَاجِلِ وَ مَثُوبَاتٍ فِي الآجِلِ لِيُرَغّبَهُم بِذَلِكَ فِي الخَيرِ وَ يُزَهّدَهُم فِي الشّرّ وَ لِيُذِلّهُم بِطَلَبِ المَعَاشِ وَ المَكَاسِبِ فَيَعلَمُوا بِذَلِكَ أَنّهُم بِهَا مَربُوبُونَ وَ عِبَادٌ مَخلُوقُونَ وَ يُقبِلُوا عَلَي عِبَادَتِهِ فَيَستَحِقّوا بِذَلِكَ نَعِيمَ الأَبَدِ وَ جَنّةَ الخُلدِ وَ يَأمَنُوا مِنَ النُزُوعِ إِلَي مَا لَيسَ لَهُم بِحَقّ ثُمّ قَالَ ع يَا ابنَ الفَضلِ إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أَحسَنُ نَظَراً لِعِبَادِهِ مِنهُم لِأَنفُسِهِم أَ لَا تَرَي أَنّكَ لَا تَرَي فِيهِم إِلّا مُحِبّاً لِلعُلُوّ عَلَي غَيرِهِ حَتّي إِنّهُ يَكُونُ مِنهُم
صفحه : 134
لَمَن قَد نَزَعَ إِلَي دَعوَي الرّبُوبِيّةِ وَ مِنهُم مَن نَزَعَ إِلَي دَعوَي النّبُوّةِ بِغَيرِ حَقّهَا وَ مِنهُم مَن نَزَعَ إِلَي دَعوَي الإِمَامَةِ بِغَيرِ حَقّهَا وَ ذَلِكَ مَعَ مَا يَرَونَ فِي أَنفُسِهِم مِنَ النّقصِ وَ العَجزِ وَ الضّعفِ وَ المَهَانَةِ وَ الحَاجَةِ وَ الفَقرِ وَ الآلَامِ وَ المُنَاوَبَةِ عَلَيهِم وَ المَوتِ الغَالِبِ لَهُم وَ القَاهِرِ لِجَمِيعِهِم يَا ابنَ الفَضلِ إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي لَا يَفعَلُ بِعِبَادِهِ إِلّا الأَصلَحَ لَهُم وَلا يَظلِمُ النّاسَ شَيئاً وَ لكِنّ النّاسَ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ
بيان في القاموس نزع إلي أهله نزاعا ونزاعة ونزوعا بالضم اشتاق و في المصباح نزع إلي الشيء نزاعا ذهب إليه والمناوبة عليهم أي إنزال المصائب عليهم بالنوبة نوعا بعدنوع أومعاقبتهم بذلك قال في القاموس النوب نزول الأمر كالنوبة والنوبة الدولة وناوبه عاقبه ويحتمل أن يكون المنادبة بالدال من الندبة والنوحة
7-الإِختِصَاصُ،بِإِسنَادِهِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَنِ الحُسَينِ بنِ سَعِيدٍ عَنِ الحُسَينِ بنِ عُلوَانَ عَن سَعدِ بنِ طَرِيفٍ عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ قَالَكُنتُ مَعَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَلّمَ عَلَيهِ ثُمّ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ وَ اللّهِ لَأُحِبّكَ فِي اللّهِ وَ أُحِبّكَ فِي السّرّ كَمَا أُحِبّكَ فِي العَلَانِيَةِ وَ أَدِينُ اللّهَ بِوَلَايَتِكَ فِي السّرّ كَمَا أَدِينُ بِهَا فِي العَلَانِيَةِ وَ بِيَدِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُودٌ فَطَأطَأَ رَأسَهُ ثُمّ نَكَتَ بِالعُودِ سَاعَةً فِي الأَرضِ ثُمّ رَفَعَ رَأسَهُ إِلَيهِ فَقَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِص حدَثّنَيِ بِأَلفِ حَدِيثٍ لِكُلّ حَدِيثٍ أَلفُ بَابٍ وَ إِنّ أَروَاحَ المُؤمِنِينَ تلَتقَيِ فِي الهَوَاءِ فَتَشَمّ وَ تَتَعَارَفُ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ بِحَقّ اللّهِ لَقَد كَذَبتَ فَمَا أَعرِفُ فِي الوُجُوهِ وَجهَكَ وَ لَا اسمَكَ فِي الأَسمَاءِ ثُمّ دَخَلَ عَلَيهِ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ لَأُحِبّكَ فِي اللّهِ وَ أُحِبّكَ فِي السّرّ كَمَا أُحِبّكَ فِي العَلَانِيَةِ قَالَ فَنَكَتَ الثّانِيَةَ
صفحه : 135
بِعُودِهِ فِي الأَرضِ ثُمّ رَفَعَ رَأسَهُ الأَرضَ ثُمّ رَفَعَ رَأسَهُ إِلَيهِ فَقَالَ لَهُ صَدَقتَ إِنّ طِينَتَنَا طِينَةٌ مَخزُونَةٌ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَهَا مِن صُلبِ آدَمَ فَلَم يَشِذّ مِنهَا شَاذّ وَ لَا يَدخُل فِيهَا دَاخِلٌ مِن غَيرِهَا اذهَب فَاتّخِذ لِلفَقرِ جِلبَاباً فإَنِيّ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِص يَقُولُ يَا عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَ اللّهِ الفَقرُ أَسرَعُ إِلَي مُحِبّينَا مِنَ السّيلِ إِلَي بَطنِ الواَديِ
بيان في النهاية شاممت فلانا إذاقاربته وعرفت ماعنده بالاختبار والكشف وهي مفاعلة من الشم كأنك تشم ماعنده ويشم ماعندك لتعملا بمقتضي ذلك وَ قَالَ فِي حَدِيثِ عَلِيّ ع مَن أَحَبّنَا أَهلَ البَيتِ فَليُعِدّ لِلفَقرِ جِلبَاباً
أي ليزهد في الدنيا وليصبر علي الفقر والقلة الحديث والجلباب الإزار والرداء وقيل هوكالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها وجمعه جلابيب كني به عن الصبر لأنه يستر عن الفقر كمايستر الجلباب البدن وقيل إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس إزار الفقر و يكون منه علي حالة تعمه وتشتمله لأن الغناء من أحوال أهل الدنيا و لايتهيأ الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت
8- العِلَلُ لِمُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ، قَالَ العِلّةُ فِي خَلقِ الأَروَاحِ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ قَالَ إِنّمَا عَنَي بِهِ أَنّ الأَروَاحَ خُلِقَت قَبلَ آدَمَ بأِلَفيَ عَامٍ
9- كِتَابُ مُحَمّدِ بنِ المُثَنّي الحضَرمَيِّ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ شُرَيحٍ الحضَرمَيِّ عَن حُمَيدِ بنِ شُعَيبٍ عَن جَابِرِ بنِ يَزِيدَ قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع يَقُولُ الأَروَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا عِندَ اللّهِ ائتَلَفَ فِي الأَرضِ وَ مَا تَنَاكَرَ عِندَ اللّهِ اختَلَفَ فِي الأَرضِ
10-الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ عَن بُكَيرِ بنِ أَعيَنَ قَالَ كَانَ أَبُو جَعفَرٍ ع يَقُولُ إِنّ اللّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالوَلَايَةِ لَنَا وَ هُم ذَرّ يَومَ أَخَذَ المِيثَاقَ عَلَي الذّرّ بِالإِقرَارِ بِالرّبُوبِيّةِ وَ لِمُحَمّدٍص بِالنّبُوّةِ وَ عَرَضَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ عَلَي مُحَمّدٍ أُمّتَهُ فِي الطّينِ وَ هُم أَظِلّةٌ وَ خَلَقَهُم مِنَ الطّينَةِ التّيِ خَلَقَ مِنهَا آدَمَ
صفحه : 136
وَ خَلَقَ اللّهُ أَروَاحَ شِيعَتِنَا قَبلَ أَبدَانِهِم بأِلَفيَ عَامٍ عَرَضَهُم عَلَيهِ وَ عَرّفَهُم رَسُولَ اللّهِ وَ عَرّفَهُم عَلِيّاً وَ نَحنُ نَعرِفُهُمفِي لَحنِ القَولِ
بيان في الطين أي حين كان النبي ص في الطين أوالأمة أوهما معا و هوأظهر والمراد قبل خلق الجسد وعرضهم عليه أي علي الله أو علي النبي في لحن القول إشارة إلي قوله تعالي وَ لَتَعرِفَنّهُم فِي لَحنِ القَولِ قال البيضاوي لحن القول أسلوبه وإمالته إلي جهة تعريض وتورية منه قيل للمخطئ لاحن لأنه يعدل الكلام عن الصواب
11- معَاَنيِ الأَخبَارِ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ الهَيثَمِ عَن أَحمَدَ بنِ يَحيَي بنِ زَكَرِيّا عَن بَكرِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن تَمِيمِ بنِ بُهلُولٍ عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ عَنِ المُفَضّلِ بنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَجسَادِ بأِلَفيَ عَامٍ فَجَعَلَ أَعلَاهَا وَ أَشرَفَهَا أَروَاحَ مُحَمّدٍ وَ عَلِيّ وَ فَاطِمَةَ وَ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ وَ الأَئِمّةِ بَعدَهُم ع فَعَرَضَهَا عَلَي السّمَاوَاتِ وَ الأَرضِ وَ الجِبَالِ فَغَشِيَهَا نُورُهُم الحَدِيثَ
12- البَصَائِرُ، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ هَاشِمٍ عَن عَمرِو بنِ عُثمَانَ عَن أَبِي مُحَمّدٍ المشَهدَيِّ مِن آلِ رَجَاءٍ البجَلَيِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع أَنَا وَ اللّهِ لَأُحِبّكَ فَقَالَ لَهُ كَذَبتَ إِنّ اللّهَ خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ فَأَسكَنَهَا الهَوَاءَ ثُمّ عَرَضَهَا عَلَينَا أَهلَ البَيتِ فَوَ اللّهِ مَا مِنهَا رُوحٌ إِلّا وَ قَد عَرَفنَا بَدَنَهُ فَوَ اللّهِ مَا رَأَيتُكَ فِيهَا فَأَينَ كُنتَ الخَبَرَ
13-البَصَائِرُ، عَن عَبّادِ بنِ سُلَيمَانَ عَن مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ عَن هَارُونَ بنِ الجَهمِ عَن مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ قَالَبَينَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ جَالِسٌ فِي مَسجِدِ الكُوفَةِ وَ قَدِ احتَبَي بِسَيفِهِ
صفحه : 137
وَ أَلقَي تُرسَهُ خَلفَ ظَهرِهِ إِذ أَتَتهُ امرَأَةٌ تسَتعَديِ عَلَي زَوجِهَا فَقَضَي لِلزّوجِ عَلَيهَا فَغَضِبَت فَقَالَت وَ اللّهِ مَا هُوَ كَمَا قَضَيتَ وَ اللّهِ مَا تقَضيِ بِالسّوِيّةِ وَ لَا تَعدِلُ فِي الرّعِيّةِ وَ لَا قَضِيّتُكَ عِندَ اللّهِ بِالمَرضِيّةِ قَالَ فَغَضِبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع فَنَظَرَ إِلَيهَا مَلِيّاً ثُمّ قَالَ كَذَبتِ يَا جَرِيّةُ يَا بَذِيّةُ يَا سَلسَعُ يَا سَلفَعُ يَا التّيِ لَا تَحِيضُ مِثلَ النّسَاءِ قَالَ فَوَلّت هَارِبَةً وَ هيَِ تَقُولُ ويَليِ ويَليِ فَتَبِعَهَا عَمرُو بنُ حُرَيثٍ فَقَالَ يَا أَمَةَ اللّهِ قَدِ استَقبَلتِ ابنَ أَبِي طَالِبٍ بِكَلَامٍ سرَرَتنِيِ بِهِ ثُمّ نَزَغَكِ بِكَلِمَةٍ فَوَلّيتِ مِنهُ هَارِبَةً تُوَلوِلِينَ قَالَ فَقَالَت يَا هَذَا ابنُ أَبِي طَالِبٍ أخَبرَنَيِ بِالحَقّ وَ اللّهِ مَا رَأَيتُ حَيضاً كَمَا تَرَاهُ المَرأَةُ قَالَ فَرَجَعَ عَمرُو بنُ حُرَيثٍ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَقَالَ لَهُ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ مَا هَذَا التّكَهّنُ قَالَ وَيلَكَ يَا ابنَ حُرَيثٍ لَيسَ منِيّ هَذَا كِهَانَةً إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ ثُمّ كَتَبَ بَينَ أَعيُنِهَا مُؤمِنٌ أَو كَافِرٌ ثُمّ أَنزَلَ بِذَلِكَ قُرآناً عَلَي مُحَمّدٍص إِنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلمُتَوَسّمِينَفَكَانَ رَسُولُ اللّهِص مِنَ المُتَوَسّمِينَ وَ أَنَا بَعدَهُ وَ الأَئِمّةُ مِن ذرُيّتّيِ مِنهُم
وَ مِنهُ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ هَاشِمٍ عَن عَمرِو بنِ عُثمَانَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ أَيّوبَ عَن عَمرِو بنِ شِمرٍ عَن جَابِرٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع مِثلَهُ إِلَي قَولِهِ يَا عَمرُو وَيلَكَ إِنّهَا لَيسَت بِالكِهَانَةِ وَ لَكِنّ اللّهَ خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ فَلَمّا رَكّبَ الأَروَاحَ فِي أَبدَانِهَا كَتَبَ بَينَ أَعيُنِهِم مُؤمِنٌ أَم كَافِرٌ وَ مَا هُم بِهِ مُبتَلَونَ وَ مَا هُم عَلَيهِ مِن شَرّ أَعمَالِهِم وَ حَسَنَتِهِ فِي قَدرِ أُذُنِ الفَأرَةِ ثُمّ أَنزَلَ بِذَلِكَ قُرآناً عَلَي نَبِيّهِ فَقَالَإِنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلمُتَوَسّمِينَفَكَانَ رَسُولُ اللّهِص هُوَ المُتَوَسّمَ ثُمّ أَنَا[ مِن بَعدِهِ وَ الأَئِمّةُ] مِن ذرُيّتّيِ مِن
صفحه : 138
بعَديِ هُمُ المُتَوَسّمُونَ فَلَمّا تَأَمّلتُهَا عَرَفتُ مَا هيَِ عَلَيهَا بِسِيمَاهَا
الإختصاص ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و ابراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان مثله
14- البَصَائِرُ، عَن أَبِي مُحَمّدٍ عَن عِمرَانَ بنِ مُوسَي عَن اِبرَاهِيمَ بنِ مَهزِيَارَ عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ الوَهّابِ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ أَبِي البِلَادِ عَن أَبِيهِ عَن بَعضِ أَصحَابِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع قَالَ دَخَلَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع وَ سَاقَ الحَدِيثَ إِلَي أَن قَالَ قَالَ ع إِنّ اللّهَ خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَجسَادِ بأِلَفيَ عَامٍ فَأَسكَنَهَا الهَوَاءَ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا هُنَالِكَ ائتَلَفَ فِي الدّنيَا وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا هُنَاكَ اختَلَفَ فِي الدّنيَا وَ إِنّ روُحيِ لَا تَعرِفُ رُوحَكَ الخَبَرَ
15- وَ مِنهُ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ مَحبُوبٍ عَن صَالِحِ بنِ سَهلٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع أَنّ رَجُلًا جَاءَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع وَ هُوَ مَعَ أَصحَابِهِ فَسَلّمَ عَلَيهِ ثُمّ قَالَ أَمَا وَ اللّهِ أُحِبّكَ وَ أَتَوَلّاكَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع مَا أَنتَ كَمَا قُلتَ وَيلَكَ إِنّ اللّهَ خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ عَرَضَ عَلَينَا المُحِبّ لَنَا فَوَ اللّهِ مَا رَأَيتُ رُوحَكَ فِيمَن عَرَضَ عَلَينَا فَأَينَ كُنتَ فَسَكَتَ الرّجُلُ عِندَ ذَلِكَ وَ لَم يُرَاجِعهُ
16- وَ مِنهُ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن عِيسَي بنِ هِشَامٍ عَن عَبدِ الكَرِيمِ عَن سَمَاعَةَ بنِ مِهرَانَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَبَينَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع فِي مَسجِدِ الكُوفَةِ إِذ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ اللّهِ إنِيّ لَأُحِبّكَ قَالَ مَا تَفعَلُ قَالَ
صفحه : 139
بَلَي وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ قَالَ وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ مَا تحُبِنّيِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ أَحلِفُ بِاللّهِ أنَيّ أُحِبّكَ وَ أَنتَ تَحلِفُ بِاللّهِ مَا أُحِبّكَ وَ اللّهِ كَأَنّكَ تخُبرِنُيِ أَنّكَ أَعلَمُ بِمَا فِي نفَسيِ قَالَ فَغَضِبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع وَ إِنّمَا كَانَ الحَدِيثُ العَظِيمُ يَخرُجُ مِنهُ عِندَ الغَضَبِ قَالَ فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَي السّمَاءِ وَ قَالَ كَيفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَ هُوَ رَبّنَا تَبَارَكَ وَ تَعَالَي خَلَقَ الأَروَاحَ قَبلَ الأَبدَانِ بأِلَفيَ عَامٍ ثُمّ عَرَضَ عَلَينَا المُحِبّ مِنَ المُبغِضِ فَوَ اللّهِ مَا رَأَيتُكَ فِيمَن أَحَبّ فَأَينَ كُنتَ
بيان ماتفعل أي ماتحب أو ماتعمل بمقتضاه أوللاستفهام أي أيّ شيءتقصد بإظهار الحب فيكون تعريضا بالنفي والأول أظهر
17- العِلَلُ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ أَبِي الخَطّابِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ أَبِي نَصرٍ عَن عَبدِ الكَرِيمِ بنِ عَمرٍو عَن عَبدِ اللّهِ بنِ أَبِي يَعفُورٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ إِنّ الأَروَاحَ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا فِي المِيثَاقِ ائتَلَفَ هَاهُنَا وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا فِي المِيثَاقِ اختَلَفَ هَاهُنَا وَ المِيثَاقُ هُوَ فِي هَذَا الحَجَرُ الأَسوَدُ الخَبَرَ
18- وَ مِنهُ،بِهَذَا الإِسنَادِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَن جَعفَرِ بنِ بَشِيرٍ عَنِ الحُسَينِ بنِ أَبِي العَلَا عَن حَبِيبٍ قَالَ حَدّثَنَا الثّقَةُ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أَخَذَ مِيثَاقَ العِبَادِ وَ هُم أَظِلّةٌ قَبلَ المِيلَادِ فَمَا تَعَارَفَ مِنَ الأَروَاحِ ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ
19- وَ مِنهُ،بِهَذَا الإِسنَادِ عَن حَبِيبٍ عَمّن رَوَاهُ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ مَا تَقُولُ فِي الأَروَاحِ أَنّهَا جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ قَالَ فَقُلتُ إِنّا نَقُولُ ذَلِكَ قَالَ فَإِنّهُ كَذَلِكَ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ أَخَذَ عَلَي العِبَادِ
صفحه : 140
مِيثَاقَهُم وَ هُم أَظِلّةٌ قَبلَ المِيلَادِ وَ هُوَ قَولُهُ عَزّ وَ جَلّوَ إِذ أَخَذَ رَبّكَ مِن بنَيِ آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرّيّتَهُم وَ أَشهَدَهُم عَلي أَنفُسِهِم إِلَي آخِرِ الآيَةِ قَالَ فَمَن أَقَرّ لَهُ يَومَئِذٍ جَاءَت أُلفَتُهُ هَاهُنَا وَ مَن أَنكَرَهُ يَومَئِذٍ جَاءَ خِلَافُهُ هَاهُنَا
بيان قال في النهاية فيه الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ماتناكر منها اختلف مجندة أي مجموعة كمايقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة ومعناه الإخبار عن مبدإ كون الأرواح وتقدمها علي الأجساد أي أنها خلقت أول خلقها علي قسمين من ائتلاف واختلاف كالجنود المجموعة إذاتقابلت وتواجهت ومعني تقابل الأرواح ماجعلها الله عليه من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدإ الخلق يقول إن الأجساد التي فيهاالأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف علي حسب ماخلقت عليه ولهذا تري الخيّر يحب الأخيار ويميل إليهم والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم انتهي . و قال الكرماني في شرح البخاري أي خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسامها فمن وافق الصفة ألفه و من باعد نافره و قال الخطابي خلقت قبلها فكانت تلتقي فلما التبست بهاتعارفت بالذكر الأول فصار كل إنما يعرف وينكر علي ماسبق له من العهد و قال النووي مجندة أي جموع مجتمعة وأنواع مختلفة وتعارفها لأمر جعلها الله عليه وقيل موافقة صفاتها وتناسبها في شيمها و قال الطيبي الفاء في فما تعارف تدل علي تقدم اشتباك في الأزل ثم تفرق فيما لايزال أزمنة متطاولة ثم ائتلاف بعدتناكر كمن فقد أنيسه ثم اتصل به فلزمه وأنس به و إن لم يسبق له اختلاط معه اشمأز منه ودل التشبيه بالجنود علي أن ذلك الاجتماع في الأزل كان لأمر عظيم من فتح بلاد وقهر أعداء ودل علي أن أحد الحزبين حزب الله والآخر
صفحه : 141
حزب الشيطان و هذاالتعارف إلهامات من الله من غيرإشعار منهم بالسابقة انتهي و قدمر كلام قطب الدين الراوندي رحمه الله في هذاالخبر.اعلم أن ماتقدم من الأخبار المعتبرة في هذاالباب و ماأسلفناه في أبواب بدء خلق الرسول ص والأئمة ع وهي قريبة من التواتر دلت علي تقادم خلق الأرواح علي الأجساد و ماذكروه من الأدلة علي حدوث الأرواح عندخلق الأبدان مدخولة لايمكن رد تلك الروايات لأجلها
صفحه : 142
20- الكاَفيِ، عَنِ الحُسَينِ بنِ مُحَمّدٍ عَن عَبدِ اللّهِ عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ عَنِ المُفَضّلِ عَن جَابِرِ بنِ يَزِيدَ قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعفَرٍ ع يَا جَابِرُ إِنّ اللّهَ أَوّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمّداً وَ عِترَتَهُ الهُدَاةَ المُهتَدِينَ فَكَانُوا أَشبَاحَ نُورٍ بَينَ يدَيَِ اللّهِ قُلتُ وَ مَا الأَشبَاحُ قَالَ ظِلّ النّورِ أَبدَانٌ نُورِيّةٌ بِلَا أَروَاحٍ وَ كَانَ مُؤَيّداً بِرُوحٍ وَاحِدٍ وَ هيَِ رُوحُ القُدُسِ فَبِهِ كَانَ يَعبُدُ اللّهَ وَ عِترَتَهُ[ وَ]لِذَلِكَ خَلَقَهُم حُلَمَاءَ عُلَمَاءَ بَرَرَةً أَصفِيَاءَ يَعبُدُونَ اللّهَ بِالصّلَاةِ وَ الصّومِ وَ السّجُودِ وَ التّسبِيحِ وَ التّهلِيلِ وَ يُصَلّونَ الصّلَاةَ وَ يَحُجّونَ وَ يَصُومُونَ
بيان أول منصوب بالظرفية والمهتدين صفة وكونه مفعول الهداة بعيد فكانوا أشباح نور الإضافة إما بيانية أي أشباحا هي أنوار والأشباح جمع الشبح بالتحريك و هوسواد الإنسان أوغيره تراه من بعيد فالمراد إما الأجساد المثالية فالمراد بقوله بلا أرواح بلا أرواح الحيوانية أوالروح مجردا كان أوجسما
صفحه : 143
لطيفا فيستقيم أيضا لأن الأرواح ما لم تتعلق بالأبدان فهي مستقلة بنفسها أرواح من جهة وأجساد من جهة فهي أبدان نورانية لم تتعلق بهاأرواح أخر و علي هذافظل النور أيضا إضافته للبيان أولامية والمراد بالنور نور ذاته تعالي فإنها من آثار ذلك النور الأقدس وظلاله والمعني دقيق وربما يؤول النور بالعقل الفعال علي طريقة الفلاسفة. و كان مؤيدا بروح واحد أي في عالم الأرواح أو في عالم الأجساد والأول أظهر ولذلك أي لتأيدهم بذلك الروح في أول الفطرة الروحانية خلقهم في الفطرة الجسمانية حلماء علماء إلخ ويصلون كأنه تأكيد لمامر أوالمراد بقوله خلقهم خلقهم في عالم الأرواح أي كانوا يعبدون الله في هذاالعالم وكانوا فيه علماء بخلاف سائر الأرواح لتأيدهم حينئذ بروح القدس فقوله ع ويصلون أي في عالم الأجساد فلاتكرار.أقول قدمرت أخبار كثيرة في ذلك في باب حدوث العالم . قال شارح المقاصد النفوس الإنسانية سواء جعلناها مجردة أومادية حادثة عندنا لكونها أثر القادر المختار وإنما الكلام في أن حدوثها قبل البدن لقوله ص خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام أوبعده لقوله تعالي بعدذكر أطوار البدن ثُمّ أَنشَأناهُ خَلقاً آخَرَإشارة إلي إفاضة النفس و لادلالة في الحديث مع كونه خبر واحد علي أن المراد بالأرواح النفوس البشرية أوالجوهر العلوية و لا في الآية علي أن المراد إحداث النفس أوإحداث تعلقها بالبدن و أماالفلاسفة فمنهم من جعلها قديمة وذهب أرسطو وشيعته إلي أنها حادثة ثم ذكر دلائل الطرفين واعترض عليها بوجوه أعرضنا عن ذكرها.
صفحه : 144
و قال الشيخ المفيد قدس الله نفسه في أجوبة المسائل الروية فأما الخبر بأن الله تعالي خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد و قدروته العامة كماروته الخاصة و ليس هو مع ذلك مما يقطع علي الله بصحته و إن ثبت القول فالمعني فيه أن الله تعالي قدر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد واخترع الأجساد واخترع لها الأرواح فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم كماقدمناه و ليس بخلق لذواتها كماوصفناه والخلق لها بالإحداث والاختراع بعدخلق الأجسام والصور التي تدبرها الأرواح و لو لا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها و لاتحتاج إلي آلات تعلقها ولكنا نعرف ماسلف لنا من الأرواح قبل خلق الأجساد كمانعلم أحوالنا بعدخلق الأجساد و هذامحال لاخفاء بفساده و أماالحديث بأن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ماتناكر منها اختلف فالمعني فيه أن الأرواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوي ائتلف و ماتناكر منها بمباينة في الرأي والهوي اختلف و هذاموجود حسا ومشاهد و ليس المراد بذلك أن ماتعارف منها في الذر ائتلف كماذهبت إليه الحشوية كمابيناه من أنه لاعلم للإنسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذاالعالم و لوذكر بكل شيء ماذكر ذلك فوضح بما ذكرناه أن المراد بالخبر ماشرحناه و الله الموفق للصواب انتهي . وأقول قيام الأرواح بأنفسها أوتعلقها بالأجساد المثالية ثم تعلقها بالأجساد العنصرية مما لادليل علي امتناعه و أماعدم تذكر الأحوال السابقة فلعله لتقلبها في الأطوار المختلفة أولعدم القوي البدنية أوكون تلك القوي قائمة بما فارقته من الأجساد المثالية أولإذهاب الله تعالي تذكر هذه الأمور عنها لنوع من المصلحة كماورد أن الذكر والنسيان من صنعه تعالي مع أن الإنسان لايتذكر كثيرا من أحوال الطفولية والولادة والتأويل ألذي ذكره للحديث في غاية البعد لاسيما مع الإضافات الواردة في الأخبار المتقدمة
صفحه : 145
21- العِلَلُ، عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي العَطّارِ عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ بنِ يَحيَي عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَن عَبّاسٍ عَن أَسبَاطٍ عَن أَبِي عَبدِ الرّحمَنِ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع إنِيّ رُبّمَا حَزِنتُ فَلَا أَعرِفُ فِي أَهلٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا وَلَدٍ وَ رُبّمَا فَرِحتُ فَلَا أَعرِفُ فِي أَهلٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا وَلَدٍ فَقَالَ إِنّهُ لَيسَ مِن أَحَدٍ إِلّا وَ مَعَهُ مَلَكٌ وَ شَيطَانٌ فَإِذَا كَانَ فَرَحُهُ كَانَ دُنُوّ[ مِن دُنُوّ]المَلَكِ مِنهُ وَ إِذَا كَانَ حَزَنُهُ كَانَ دُنُوّ[ مِن دُنُوّ]الشّيطَانِ مِنهُ وَ ذَلِكَ قَولُ اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيالشّيطانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَ يَأمُرُكُم بِالفَحشاءِ وَ اللّهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَ فَضلًا وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ
بيان لعل المراد أن هذالهم من أجل وساوس الشيطان وأمانيه في أمور الدنيا الفانية و إن لم يتفطن به الإنسان فيظن أنه لاسبب له أو يكون غرض السائل فوت الأهل والمال والولد في الماضي فلاينافي الهم للتفكر فيهالأجل مايستقبل أوالمراد أنه لما كان شأن الشيطان ذلك يصير محض دنوه سببا للهم و في الملك بعكس ذلك في الوجهين
22-العِلَلُ، عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي العَطّارِ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ مَالِكٍ عَن أَحمَدَ بنِ مَديَنٍ مِن وُلدِ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ الأَشتَرِ عَن مُحَمّدِ بنِ عَمّارٍ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي بَصِيرٍ قَالَدَخَلتُ عَلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع وَ معَيِ رَجُلٌ مِن أَصحَابِنَا فَقُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ إنِيّ لَأَغتَمّ وَ أَحزَنُ مِن غَيرِ أَن أَعرِفَ لِذَلِكَ سَبَباً فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع إِنّ ذَلِكَ الحَزَنَ وَ الفَرَحَ يَصِلُ إِلَيكُم مِنّا لِأَنّا إِذَا دَخَلَ عَلَينَا حُزنٌ أَو سُرُورٌ كَانَ ذَلِكَ دَاخِلًا عَلَيكُم وَ لِأَنّا وَ إِيّاكُم مِن نُورِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ فَجَعَلَنَا وَ طِينَتَنَا وَ طِينَتَكُم وَاحِدَةً وَ لَو تُرِكَت طِينَتُكُم كَمَا أُخِذَت لَكُنّا وَ أَنتُم سَوَاءً وَ لَكِن مُزِجَت طِينَتُكُم بِطِينَةِ أَعدَائِكُم فَلَو لَا ذَلِكَ مَا أَذنَبتُم ذَنباً أَبَداً قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ فَتَعُودُ طِينَتُنَا وَ نُورُنَا كَمَا بدُِئَ فَقَالَ إيِ وَ اللّهِ يَا عَبدَ اللّهِ أخَبرِنيِ عَن هَذَا الشّعَاعِ
صفحه : 146
الزّاخِرِ مِنَ القُرصِ إِذَا طَلَعَ أَ هُوَ مُتّصِلٌ بِهِ أَو بَائِنٌ مِنهُ فَقُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ بَل هُوَ بَائِنٌ مِنهُ فَقَالَ أَ فَلَيسَ إِذَا غَابَتِ الشّمسُ وَ سَقَطَ القُرصُ عَادَ إِلَيهِ فَاتّصَلَ بِهِ كَمَا بَدَأَ مِنهُ فَقُلتُ لَهُ نَعَم فَقَالَ كَذَلِكَ وَ اللّهِ شِيعَتُنَا مِن نُورِ اللّهِ خُلِقُوا وَ إِلَيهِ يَعُودُونَ وَ اللّهِ إِنّكُم لَمُلحَقُونَ بِنَا يَومَ القِيَامَةِ وَ إِنّا لَنَشفَعُ فَنُشَفّعُ وَ وَ اللّهِ إِنّكُم لَتَشفَعُونَ فَتُشَفّعُونَ وَ مَا مِن رَجُلٍ مِنكُم إِلّا وَ سَتُرفَعُ لَهُ نَارٌ عَن شِمَالِهِ وَ جَنّةٌ عَن يَمِينِهِ فَيُدخِلُ أَحِبّاءَهُ الجَنّةَ وَ أَعدَاءَهُ النّارَ
بيان يا عبد الله ليس هذااسم أبي بصير فإن المشهور بهذا اللقب اثنان أحدهما ليث المرادي والآخر يحيي بن القاسم و ليس كنية واحد منهما أبا عبد الله حتي يمكن أن يقال كان أبا عبد الله فسقط أبا من النساخ ولكن كنيتهما أبو محمدفالظاهر أن أبابصير هذا ليس شيئا منهما بل هو عبد الله بن محمدالأسدي الكوفي المكني بأبي بصير كماذكره الشيخ في الرجال و إن كان ذكره في أصحاب الباقر ع لأنه كثيرا مايذكر الرجل في أصحاب إمام ثم يذكره في أصحاب إمام آخر وكثيرا مايكتفي بأحدهما و لو كان أحد المشهورين يمكن أن يكون المراد المركب الإضافي لاالتسمية و قدشاع النداء بهذا عندالضجر في عرف العرب والعجم و في القاموس زخر البحر كمنع طما وتملأ والوادي مد جدا وارتفع والشيء ملأه والقوم جاشوا لنفير أوحرب والقدر والحرب جاشتا والنبات طال و الرجل بما عنده فخر انتهي وأكثر المعاني مناسبة و في بعض النسخ بالجيم و لايستقيم إلابتكلف . قوله عاد إليه كأنه علي المجاز كما أن في المشبه أيضا كذلك فإن الظاهر عود الضمير في إليه إلي الله ويحتمل عوده إلي النور والمراد بنور الله النور المشرق والمكرم ألذي اصطفاه وخلقه و لايبعد أن يكون المراد أنوار الأئمة ع كما قال ع إنكم لملحقون بنا أوالمراد بنور الله رحمته والتشفيع قبول الشفاعة
صفحه : 147
23- المَحَاسِنُ، عَن أَبِيهِ عَن فَضَالَةَ عَن عُمَرَ بنِ أَبَانٍ عَن جَابِرٍ الجعُفيِّ قَالَ تَنَفّستُ بَينَ يدَيَ أَبِي جَعفَرٍ ع ثُمّ قُلتُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ أَهتَمّ مِن غَيرِ مُصِيبَةٍ تصُيِبنُيِ أَو أَمرٍ نَزَلَ بيِ حَتّي تَعرِفُ ذَلِكَ أهَليِ فِي وجَهيِ وَ يَعرِفُهُ صدَيِقيِ قَالَ نَعَم يَا جَابِرُ قُلتُ وَ مِمّ ذَلِكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ قَالَ وَ مَا تَصنَعُ بِذَلِكَ قُلتُ أُحِبّ أَن أَعلَمَهُ فَقَالَ يَا جَابِرُ إِنّ اللّهَ خَلَقَ المُؤمِنِينَ مِن طِينَةِ الجِنَانِ وَ أَجرَي فِيهِم مِن رِيحِ رُوحِهِ فَلِذَلِكَ المُؤمِنُ أَخُو المُؤمِنِ لِأَبِيهِ وَ أُمّهِ فَإِذَا أَصَابَ تِلكَ الأَروَاحَ فِي بَلَدٍ مِنَ البُلدَانِ شَيءٌ حَزِنَت عَلَيهِ الأَروَاحُ لِأَنّهَا مِنهُ
بيان تنفست أي تأوهت و في الكافي تقبضت بمعني الانبساط كماسيأتي من ريح روحه بالضم أي من رحمة ذاته أونسيم روحه ألذي اصطفاه كمامر أوبالفتح أي رحمته كماورد في خبر آخر وأجري فيهم من روح رحمته ويؤيد الأول بعض الأخبار لأبيه وأمه لأن الطينة بمنزلة الأم والروح بمنزلة الأب وهما متحدان نوعا أوصنفا فيهما
24- الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ البرَقيِّ عَن أَبِيهِ عَن فَضَالَةَ بنِ أَيّوبَ عَن عُمَرَ بنِ أَبَانٍ عَن جَابِرٍ الجعُفيِّ قَالَ تَقَبّضتُ بَينَ يدَيَ أَبِي جَعفَرٍ ع فَقُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ رُبّمَا حَزِنتُ مِن غَيرِ مُصِيبَةٍ تصُيِبنُيِ أَو أَلَمٍ يَنزِلُ بيِ حَتّي يَعرِفُ ذَلِكَ أهَليِ فِي وجَهيِ وَ صدَيِقيِ فَقَالَ نَعَم يَا جَابِرُ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ خَلَقَ المُؤمِنِينَ مِن طِينَةِ الجِنَانِ وَ أَجرَي فِيهِم مِن رِيحِ رُوحِهِ فَلِذَلِكَ المُؤمِنُ أَخُو المُؤمِنِ لِأَبِيهِ وَ أُمّهِ فَإِذَا أَصَابَ رُوحاً مِن تِلكَ الأَروَاحِ فِي بَلَدٍ مِنَ البُلدَانِ حُزنٌ حَزِنَت هَذِهِ لِأَنّهَا مِنهَا
صفحه : 148
25- وَ مِنهُ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي وَ عِدّةٍ مِن أَصحَابِنَا عَن سَهلِ بنِ زِيَادٍ جَمِيعاً عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ عَن عَلِيّ بنِ رِئَابٍ عَن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع يَقُولُ المُؤمِنُ أَخُو المُؤمِنِ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ إِنِ اشتَكَي شَيئاً مِنهُ وَجَدَ أَلَمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ جَسَدِهِ وَ أَروَاحُهُمَا مِن رُوحٍ وَاحِدَةٍ وَ إِنّ رُوحَ المُؤمِنِ لَأَشَدّ اتّصَالًا بِرُوحِ اللّهِ مِنِ اتّصَالِ شُعَاعِ الشّمسِ بِهَا
الإختصاص ، عنه ع مرسلامثله تبيين قوله ع كالجسد الواحد كأنه ع ترقي عن الأخوة إلي الاتحاد أو بين أن إخوتهم ليست مثل سائر الأخوات بل هم بمنزلة أعضاء جسد واحد تعلق بهاروح واحد فكما أنه بتألم عضو واحد تتألم وتتعطل سائر الأعضاء فكذا بتألم واحد من المؤمنين يحزن ويتألم سائرهم كمامر فقوله ع كالجسد الواحد تقديره كعضوي جسد واحد و قوله إن اشتكي ظاهره أنه بيان لحال المشبه به والضميران المستتران فيه و في وجد راجعان إلي المرء والإنسان أوالروح ألذي يدل عليه الجسد وضمير منه للجسد وضمير أرواحهما لشيء وسائر الجسد والجمعية باعتبار جمعية السائر أو من إطلاق الجمع علي التثنية مجازا و في الإختصاص و أن روحهما و هوأظهر والمراد بالروح الواحد إن كان الروح الحيوانية فمن للتبعيض و إن كان النفس الناطقة فمن للتعليل فإن روحهما الروح الحيوانية هذا إذا كان قوله وأرواحهما من تتمة بيان المشبه به ويحتمل تعلقه بالمشبه فالضمير للأخوين المذكورين في أول الخبر والغرض إما بيان شدة اتصال الروحين كأنهما روح واحدة أو أن روحيهما من روح واحدة هي روح الأئمة ع و هونور الله كمامر في خبر أبي بصير ألذي هوكالشرح لهذا الخبر ويحتمل أن يكون إن اشتكي أيضا لبيان حال المشبه لاتضاح وجه الشبه و علي التقادير المراد بروح الله أيضا الروح التي اصطفاها الله وجعلها في الأئمة ع كمامر في قوله تعالي
صفحه : 149
وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ ويحتمل أن يكون المراد بروحه ذاته سبحانه إشارة إلي شدة ارتباط أرواح المقربين والمحبين من الشيعة المخلصين بجناب الحق تعالي حيث لايغفلون عن ربهم ساعة ويفيض عليهم منه سبحانه آنا فآنا وساعة فساعة العلم والحكم والكمالات والهدايات بل الإرادة أيضا لتخليهم عن إرادتهم وتفويضهم جميع أمورهم إلي ربهم كما قال فيهم وَ ما تَشاؤُنَ إِلّا أَن يَشاءَ اللّهُ وَ قَالَ فِي الحَدِيثِ القدُسيِّ
فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ وَ بَصَرَهُ وَ يَدَهُ وَ رِجلَهُ وَ لِسَانَهُ
وسيأتي تمام القول فيه في محله إن شاء الله تعالي بحسب فهمي و الله الموفق
26- قُربُ الإِسنَادِ، عَن هَارُونَ بنِ مُسلِمٍ عَن مَسعَدَةَ بنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعتُ جَعفَراً ع وَ سُئِلَ هَل يَكُونُ أَن يُحِبّ الرّجُلُ الشيّءَ وَ لَم يَرَهُ قَالَ نَعَم فَقِيلَ لَهُ مِثلُ أَيّ شَيءٍ فَقَالَ مِثلُ اللّونِ مِنَ الطّعَامِ يُوصَفُ لِلإِنسَانِ وَ لَم يَأكُلهُ فَيُحِبّهُ وَ مَا أَشبَهَ ذَلِكَ مِثلُ الرّجُلِ يُحِبّ الشيّءَ يَذكُرُ لِأَصحَابِهِ وَ مَا لَكَ أَكثَرُ مِمّا تَدَعُ
بيان لعل المعني إذاتفكرت في أمثلة ذلك كان ما لك منها أكثر مما تتركه كناية عن كثرة أمثلة ذلك وظهورها ويمكن أن يكون تصحيف تسمع ويمكن أن يكون غرض السائل السؤال عن حب المؤمن أخاه من غيرسابقة كما في سائر الأخبار
27- مَجَالِسُ الشّيخِ، عَن جَمَاعَةٍ عَن أَبِي المُفَضّلِ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ العلَوَيِّ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ أَحمَدَ بنِ نَهِيكٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ جَبَلَةَ عَن حُمَيدِ بنِ شُعَيبٍ عَن جَابِرِ بنِ يَزِيدَ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ لَمّا احتُضِرَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع جَمَعَ بَنِيهِ فَأَوصَاهُم ثُمّ قَالَ يَا بنَيِّ إِنّ القُلُوبَ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ تَتَلَاحَظُ بِالمَوَدّةِ وَ تَتَنَاجَي بِهَا وَ كَذَلِكَ هيَِ فِي البُغضِ فَإِذَا أَحبَبتُمُ الرّجُلَ مِن غَيرِ خَيرٍ سَبَقَ مِنهُ إِلَيكُم فَارجُوهُ وَ إِذَا أَبغَضتُمُ الرّجُلَ مِن غَيرِ سُوءٍ سَبَقَ مِنهُ إِلَيكُم فَاحذَرُوهُ
28-مَجَالِسُ ابنِ الشّيخِ، عَن أَبِيهِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ الوَلِيدِ عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ الصّفّارِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن حَنَانِ
صفحه : 150
بنِ سَدِيرٍ عَن أَبِيهِ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع إنِيّ لَأَلقَي الرّجُلَ لَم أَرَهُ وَ لَم يرَنَيِ فِيمَا مَضَي قَبلَ يَومِهِ ذَلِكَ فَأُحِبّهُ حُبّاً شَدِيداً فَإِذَا كَلّمتُهُ وَجَدتُهُ لِي مِثلَ مَا أَنَا عَلَيهِ لَهُ وَ يخُبرِنُيِ أَنّهُ يَجِدُ لِي مِثلَ ألّذِي أَجِدُ لَهُ فَقَالَ صَدَقتَ يَا سَدِيرُ إِنّ ائتِلَافَ قُلُوبِ الأَبرَارِ إِذَا التَقَوا وَ إِن لَم يُظهِرُوا التّوَدّدَ بِأَلسِنَتِهِم كَسُرعَةِ اختِلَاطِ قَطرِ المَاءِ عَلَي مِيَاهِ الأَنهَارِ وَ إِنّ بُعدَ ائتِلَافِ قُلُوبِ الفُجّارِ إِذَا التَقَوا وَ إِن أَظهَرُوا التّوَدّدَ بِأَلسِنَتِهِم كَبُعدِ البَهَائِمِ مِنَ التّعَاطُفِ وَ إِن طَالَ اعتِلَافُهَا عَلَي مِزوَدٍ وَاحِدٍ
بيان المزود كمنبر وعاء الزاد
29- الشّهَابُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِص مَثَلُ المُؤمِنِ فِي تَوَادّهِم وَ تَرَاحُمِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ إِذَا اشتَكَي بَعضُهُ تَدَاعَي سَائِرُهُ بِالسّهَرِ وَ الحُمّي
30- وَ قَالَص مَثَلُ القَلبِ مَثَلُ رِيشَةٍ بِأَرضٍ تُقَلّبُهَا الرّيَاحُ
الضوء يقال تداعت الحيطان إذاتهادمت أوتهيأت للسقوط بأن تميل أوتتهور يَقُولُص
المُؤمِنُونَ مُتّحِدُونَ مُتَآزِرُونَ مُتَضَافِرُونَ كَأَنّهُم نَفسٌ وَاحِدَةٌ
وَ لِذَلِكَ قَالَص المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ بِمَنزِلَةِ البُنيَانِ يَشُدّ بَعضُهُ بَعضاً
وَ قَالَص المُؤمِنُونَ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَي مَن سِوَاهُم
شبه ع المؤمنين في اتحادهم وموازرتهم بالجسد المجتمع من آلات وأعضاء إذااشتكي بعضه كانت الجملة ألمة سقيمة مساهرة محمومة لاتصال بعضه ببعض ولأن الألم هوالجملة و هو في حكم الجزء الواحد بسبب الحياة التي هي كالمسمار يضم أجزاءها وينتظمها ولفظ الحديث خبر وتشبيه والمعني أمر يأمرهم به أن يتوادوا ويتحابوا ويرحم بعضهم بعضا وفائدة الحديث الأمر بالتناصر والتعاون وراوي الحديث النعمان بن بشير و قال ره في الحديث الثاني وروي بأرض فلاة شبه ع القلب بريشة ساقطة بأرض عراء لاحاجز بها و لامانع فالريح تطيرها هنا و ثم و ذلك للاعتقادات والأحوال التي يتقلب لها ولسرعة انقلابه وقلة ثبوته ودوامه علي حالة واحدة و قدقيل إنما سمي قلبا لتقلبه وفائدة الحديث إعلام أن القلب سريع الانقلاب لايبقي علي وجه واحد وراوي الحديث أنس بن مالك
صفحه : 151
الآيات يونس الّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتّقُونَ لَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا وَ فِي الآخِرَةِ لا تَبدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُيوسف إِذ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إنِيّ رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَباً وَ الشّمسَ وَ القَمَرَ رَأَيتُهُم لِي ساجِدِينَ قالَ يا بنُيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلي إِخوَتِكَ إلي قوله تعالي وَ كَذلِكَ يَجتَبِيكَ رَبّكَ وَ يُعَلّمُكَ مِن تَأوِيلِ الأَحادِيثِ و قال تعالي وَ لِنُعَلّمَهُ مِن تَأوِيلِ الأَحادِيثِ و قال تعالي وَ دَخَلَ مَعَهُ السّجنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إنِيّ أرَانيِ أَعصِرُ خَمراً وَ قالَ الآخَرُ إنِيّ أرَانيِ أَحمِلُ فَوقَ رأَسيِ خُبزاً تَأكُلُ الطّيرُ مِنهُ نَبّئنا بِتَأوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ المُحسِنِينَ قالَ لا يَأتِيكُما طَعامٌ تُرزَقانِهِ إِلّا نَبّأتُكُما بِتَأوِيلِهِ قَبلَ أَن يَأتِيَكُما ذلِكُما مِمّا علَمّنَيِ ربَيّ إلي قوله يا صاحبِيَِ السّجنِ أَمّا أَحَدُكُما فيَسَقيِ رَبّهُ خَمراً وَ أَمّا الآخَرُ فَيُصلَبُ فَتَأكُلُ الطّيرُ مِن رَأسِهِ قضُيَِ الأَمرُ ألّذِي فِيهِ تَستَفتِيانِ إلي قوله تعالي قالَ المَلِكُ إنِيّ أَري سَبعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنّ سَبعٌ عِجافٌ وَ سَبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ يا أَيّهَا المَلَأُ أفَتوُنيِ فِي رءُيايَ إِن كُنتُم لِلرّءيا تَعبُرُونَ قالُوا أَضغاثُ أَحلامٍ وَ ما نَحنُ بِتَأوِيلِ الأَحلامِ بِعالِمِينَ وَ قالَ ألّذِي نَجا مِنهُما وَ ادّكَرَ بَعدَ أُمّةٍ أَنَا أُنَبّئُكُم بِتَأوِيلِهِ فَأَرسِلُونِ يُوسُفُ أَيّهَا الصّدّيقُ أَفتِنا فِي سَبعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنّ سَبعٌ عِجافٌ وَ سَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ
صفحه : 152
لعَلَيّ أَرجِعُ إِلَي النّاسِ لَعَلّهُم يَعلَمُونَ قالَ تَزرَعُونَ سَبعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدتُم فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلّا قَلِيلًا مِمّا تَأكُلُونَ ثُمّ يأَتيِ مِن بَعدِ ذلِكَ سَبعٌ شِدادٌ يَأكُلنَ ما قَدّمتُم لَهُنّ إِلّا قَلِيلًا مِمّا تُحصِنُونَ ثُمّ يأَتيِ مِن بَعدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعصِرُونَالإسراءوَ ما جَعَلنَا الرّؤيَا التّيِ أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِالروم وَ مِن آياتِهِ مَنامُكُم بِاللّيلِ وَ النّهارِ وَ ابتِغاؤُكُم مِن فَضلِهِالصافات قالَ يا بنُيَّ إنِيّ أَري فِي المَنامِ أنَيّ أَذبَحُكَالفتح لَقَد صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤيا بِالحَقّالمجادلةإِنّمَا النّجوي مِنَ الشّيطانِ لِيَحزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَ لَيسَ بِضارّهِم شَيئاً إِلّا بِإِذنِ اللّهِ وَ عَلَي اللّهِ فَليَتَوَكّلِ المُؤمِنُونَالنبأوَ جَعَلنا نَومَكُم سُباتاً.تفسيرالّذِينَ آمَنُوا أي بجميع مايجب الإيمان به وَ كانُوا يَتّقُونَ مع ذلك معاصيه لَهُمُ البُشري قال الطبرسي رحمه الله قيل فيه أقوال أحدها أن البشري في الحياة الدنيا هي مابشرهم الله تعالي به في القرآن علي الأعمال الصالحة وثانيها أن البشارة في الحياة الدنيا بشارة الملائكة للمؤمنين عندموتهم بأَلّا تَخافُوا وَ لا تَحزَنُوا وَ أَبشِرُوا بِالجَنّةِ التّيِ كُنتُم تُوعَدُونَ وثالثها أنها في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أوتري له و في القيامة إلي أن يدخلوا الجنة يبشرونهم بهاحالا بعدحال و هوالمروي عن أبي جعفر ع وروي ذلك في حديث مرفوعا عن النبي ص .لا تَقصُص رُؤياكَ قال البيضاوي الرؤيا كالرؤية غيرأنها مختصة بما يكون في
صفحه : 153
النوم وفرق بينهما بحرف التأنيث كالقربة والقربي وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلي الحس المشترك والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لمابينهما من التناسب عندفراغها من تدبير البدن أدني فراغ فتتصور بما فيهامما يليق من المعاني الحاصلة هناك ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلي الحس المشترك فتصير مشاهدة ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعني بحيث لا يكون التفاوت إلابالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير و إلااحتاجت إليه .مِن تَأوِيلِ الأَحادِيثِ أي من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة وأحاديث النفس والشيطان إن كانت كاذبة أو من تأويل غوامض كتب الله وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء. و قال الطبرسي رحمه الله قيل إنه كان بين رؤياه و بين مصير أبيه وإخوته إلي مصر أربعون سنة عن ابن عباس وأكثر المفسرين وقيل ثمانون عن الحسن و قال النيسابوري قال علماء التعبير إن الرؤيا الردية يظهر أثرها عن قريب لكيلا يبقي المؤمن في الحزن والغم والرؤيا الجيدة يبطئ تأثيرها لتكون بهجة المؤمن أدوم .قالَ أَحَدُهُما إنِيّ أرَانيِ أَعصِرُ خَمراً قال الطبرسي رحمه الله هو من رؤيا المنام كان يوسف ع لمادخل السجن قال لأهله إني أعبر الرؤيا فقال أحد العبدين و هوالساقي رأيت أصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها وعصرتها في كأس الملك وسقيته إياها و قال صاحب الطعام إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيهاالخبز وأنواع الأطعمة وسباع الطير تنهش منه نَبّئنا بِتَأوِيلِهِ أي أخبرنا بتعبيره و مايئول إليه أمره قالَ لا يَأتِيكُما طَعامٌ تُرزَقانِهِ في منامكماإِلّا نَبّأتُكُما بِتَأوِيلِهِ في اليقظة قبل أن يأتيكما التأويل أَمّا أَحَدُكُما فيَسَقيِ رَبّهُ خَمراًروي أنه قال
صفحه : 154
أماالعناقيد الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تبقي في السجن ثم يخرجك الملك في يوم الرابع وتعود إلي ماكنت عليه والرب المالك وَ أَمّا الآخَرُ أي صاحب الطعام روي أنه قال بئس مارأيت أماالسلاسل الثلاث فإنها ثلاثة أيام تبقي في السجن فيخرجك الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك فقال عند ذلك مارأيت شيئا وكنت ألعب فقال يوسف قضُيَِ الأَمرُ ألّذِي فِيهِ تَستَفتِيانِ أي فرغ من الأمر ألذي تسألان وتطلبان معرفته و ماقلته لكما فإنه نازل بكما و هوكائن لامحالة.وَ قالَ المَلِكُ قال النيسابوري لمادنا فرج يوسف أراه الله في المنام سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأي سبع سنبلات خضر قدانعقد حبها وسبعا أخر يابسات قداستحصدت وأدركت فالتوت اليابسات علي الخضر حتي غلبن عليها فاضطرب الملك بسببه لأن فطرته قدشهدت بأن استيلاء الضعيف علي القوي منذر بنوع من أنواع الشر إلا أنه لم يعرف تفصيله فجمع الكهنة والمعبرين و قال يا أَيّهَا المَلَأُ أفَتوُنيِ فِي رءُيايَ ثم إنه تعالي إذاأراد أمرا هيأ أسبابه فأعجز الله أولئك الملأ عن جواب المسألة وعماه عليهم حتي قالوا إنهاأَضغاثُ أَحلامٍ ونفوا عن أنفسهم كونهم عالمين بتأويلها. واعلم أنه سبحانه خلق جوهر النفس الناطقة بحيث يمكنها الصعود إلي عالم الأفلاك ومطالعة اللوح المحفوظ والمانع لها من ذلك هواشتغالها بتدبير البدن و مايرد عليها من طريق الحواس و في وقت النوم تقل تلك الشواغل فتقوي النفس علي تلك المطالعة فإذاوقفت النفس علي حالة من تلك الأحوال فإن بقيت في الخيال كماشوهدت لم تحتج إلي التأويل و إن نزلت آثار مخصوصة مناسبة للإدراك الروحاني إلي عالم الخيال فهناك يفتقر إلي المعبر ثم منها ماهي متسقة منتظمة يسهل علي المعبر الانتقال من تلك المتخيلات إلي الحقائق الروحانيات ومنها ماتكون مختلطة مضطربة لايضبط تحليلها وتركيبها لتشويش وقع في ترتيبها وتأليفها فهي المسماة بالأضغاث وبالحقيقة الأضغاث ما يكون مبدؤها تشويش القوة المتخيلة لفساد وقع في القوي البدنية
صفحه : 155
ولورود أمر غريب عليه من خارج لكن القسم المذكور قدتعد من الأضغاث من حيث إنها أعيت المعبر عن تأويلها انتهي وَ قالَ ألّذِي نَجا مِنهُما قال البيضاوي أي من صاحبي السجن و هوالشرابيوَ ادّكَرَ بَعدَ أُمّةٍ وتذكر يوسف بعدجماعة من الزمان مجتمعة أومدة طويلةفَأَرسِلُونِ إلي من عنده علمه أو إلي السجن لعَلَيّ أَرجِعُ إِلَي النّاسِ أي إلي الملك و من عنده لَعَلّهُم يَعلَمُونَتأويله أوفضلك ومكانك دَأَباً أي علي عادتكم المستمرة وانتصابه علي الحال بمعني دائبين أوالمصدر بإضمار فعله أي تدأبون دأبا وتكون الجملة حالافَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِلئلا يأكله السوس إِلّا قَلِيلًا مِمّا تَأكُلُونَ في تلك السنين ثُمّ يأَتيِ مِن بَعدِ ذلِكَ سَبعٌ شِدادٌ يَأكُلنَ ما قَدّمتُم لَهُنّ أي يأكل أهلهن ماادخرتم لأجلهن فنسب إليهن علي المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به إِلّا قَلِيلًا مِمّا تُحصِنُونَ أي تحرزون لبذور الزراعةفِيهِ يُغاثُ النّاسُ أي يمطرون من الغيث أويغاثون من القحط من الغوث وَ فِيهِ يَعصِرُونَ مايعصر كالعنب والزيتون لكثرة الثمار وقيل يحلبون الضروع .وَ ما جَعَلنَا الرّؤيَاقيل المراد رؤية العين والأكثر علي أنه رؤية المنام و قال الطبرسي رحمه الله روي عن ابن عباس أنها رؤيا نوم رآها أنه سيدخل مكة و هوبالمدينة فقصدها فصده المشركون في الحديبية عن دخولها حتي شك قوم ودخلت عليهم الشبهة فقالوا يا رسول الله أ ليس قدأخبرتنا أناندخل المسجد الحرام آمنين فقال أ و قلت لكم إنكم تدخلونها العام قالوا لا فقال لندخلنها إن شاء الله ورجع ثم دخل مكة في العام القابل فنزل لَقَد صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤيا بِالحَقّ وقيل رأي ص في منامه أن قرودا تصعد منبره وتنزل فساءه ذلك واغتم به فلم
صفحه : 156
ير بعد ذلك ضاحكا حتي توفي.أقول و قدمرت أخبار كثيرة في ذلك و قال الرازي قال سعيد بن المسيب رأي رسول الله ص بني أمية ينزون علي منبره نزو القردة فساءه ذلك و هذاقول ابن عباس في رواية عطا.وَ مِن آياتِهِ مَنامُكُم بِاللّيلِ وَ النّهارِ أي منامكم في الزمانين لاستراحة القوي النفسانية وقوة القوي الطبيعية وطلب معاشكم فيهما أومنامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف وضم بين الزمانين والفعلين بعاطفين إشعارا بأن كلا من الزمانين و إن اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عندالحاجة ويؤيده سائر الآيات الواردة فيه .إنِيّ أَري فِي المَنامِيدل علي أن نوم الأنبياء ع بمنزلة الوحي وكذا الآية التاليةإِنّمَا النّجوي مِنَ الشّيطانِ قال الطبرسي رحمه الله يعني نجوي المنافقين والكفار بما يسوء المؤمنين ويغمهم من وساوس الشيطان وبدعائه وإغوائه وقيل المراد بهاأحلام المنام التي يراها الإنسان في منامه ويحزنه .أقول سيأتي ذلك في الروايةوَ جَعَلنا نَومَكُم سُباتاً قال السيد المرتضي رحمه الله إن سأل سائل عن قوله تعالي وَ جَعَلنا نَومَكُم سُباتاً فقال إذا كان المراد بالسبات هوالنوم فكأنه قال وجعلنا نومكم نوما و هذامما لافائدة فيه الجواب قلنا في هذه الآية وجوه منها أن يكون المراد بالسبات الراحة والدعة و قد قال قوم إن اجتماع الخلق كان في يوم الجمعة والفراغ منه في يوم السبت فسمي اليوم بالسبت للفراغ ألذي كان فيه ولأن الله تعالي أمر بني إسرائيل فيه بالاستراحة من الأعمال قيل وأصل السبات التمدد يقال سبتت المرأة شعرها إذاحلته من العقص وأرسلته قال الشاعر و إن سبتته مال جثلا كأنه .سدي واهلات من نواسج خثعما.أراد إن أرسلته ومنها أن يكون المراد بذلك القطع والسبت أيضا الحلق
صفحه : 157
يقال سبت شعره إذاحلقه و هويرجع إلي معني القطع والنعال السبتية التي لاشعر عليها. قال عنترة
بطل كأن ثيابه في سرحة | يحذي نعال السبت ليس بتوأم . |
ويقال لكل أرض مرتفعة منقطعة مما حولها سبتاء وجمعها سباتي فيكون المعني علي هذاالجواب جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم وتصرفكم ومنها أن يكون المراد بذلك أناجعلنا نومكم سباتا ليس بموت لأن النائم قديفقد من علومه وقصوده وأحواله أشياء كثيرة يفقدها الميت فأراد سبحانه أن يمتن علينا بأن جعل نومنا ألذي يضاهي فيه بعض أحوالنا أحوال الميت ليس بموت علي الحقيقة و لايخرج لنا عن الحياة والإدراك فجعل التأكيد بذكر المصدر قائما مقام نفي الموت وسادا مسد قوله وجعلنا نومكم ليس بموت ويمكن في الآية وجه آخر لم يذكر فيها هو أن السبات ليس هو كل نوم وإنما هو من صفات النوم إذاوقع علي بعض الوجوه والسبات هوالنوم الممتد الطويل السكون ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم إنه مسبوت و به سبات و لايقال ذلك في كل نائم و إذا كان الأمر علي هذا لم يجر قوله تعالي وَ جَعَلنا نَومَكُم سُباتاًمجري أن يقول وجعلنا نومكم نوما والوجه في الامتنان علينا بأن جعل نومنا ممتدا طويلا ظاهر و هو لما في ذلك لنا من المنفعة والراحة لأن التهويم والنوم الغرار لايكسبان شيئا من الراحة بل يصحبهما في الأكثر القلق والانزعاج والهموم هي التي تقلل النوم وتنزره وفراغ القلب ورخاء البال تكون معهما غزارة النوم وامتداده و هذاواضح . قال السيد قدس الله روحه وجدت أبابكر محمد بن القاسم الأنباري يطعن علي الجواب ألذي ذكرناه أولا و يقول إن ابن قتيبة أخطأ في اعتماده لأن الراحة لايقال لها سبات و لايقال سبت الرجل بمعني استراح وأراح ويعتمد علي الجواب ألذي ثنينا بذكره و يقول في مااستشهد به ابن قتيبة من قوله سبتت المرأة شعرها إن معناه أيضا القطع لأن ذلك إنما يكون بإزالة الشداد ألذي كان مجموعا به
صفحه : 158
وقطعه والمقدار ألذي ذكره ابن الأنباري لايقدح في جواب ابن قتيبة لأنه لاينكر أن يكون السبات هوالراحة والدعة إذاكانتا عن نوم و إن لم توصف كل راحة بأنها سبات و يكون هذاالاسم يخص الراحة إذاكانت علي هذاالوجه ولهذا نظائر كثيرة في الأسماء و إذاأمكن ذلك لم يكن في امتناع قولهم سبت الرجل بمعني استراح في كل موضع دلالة علي أن السبات لا يكون اسما للراحة عندالنوم و ألذي يبقي علي ابن قتيبة أن يبين أن السبات هوالراحة والدعة ويستشهد علي ذلك بشعر أولغة فإن البيت ألذي ذكره يمكن أن يكون المراد به القطع دون التمدد والاسترسال . فإن قيل فما الفرق بين جواب ابن قتيبة وجوابكم ألذي ذكرتموه أخيرا قلنا الفرق بينهما بين لأن ابن قتيبة جعل السبات نفسه راحة وجعله عبارة عنها وأخذ يستشهد علي ذلك بالتمدد دون غيره ونحن جعلنا السبات نفسه من صفات النوم والراحة واقعة عنده للامتداد وطول السكون فيه فلايلزمنا أن نقول سبت الرجل بمعني استراح لأن الشيء لايسمي بما يقع عنده حقيقة والاستراحة تقع علي جوابنا عندالسبات و ليس السبات إياها بعينها علي أن في الجواب ألذي اختاره ابن الأنباري ضربا من الكلام لأن السبت و إن كان القطع علي ماذكره فلم يسمع فيه البناء ألذي ذكره و هوالسبات ويحتاج في إثبات مثل هذاالبناء إلي سمع عن أهل اللغة و قد كان يجب أن يورد من أي وجه إذا كان السبت هوالقطع جاز أن يقال سبات علي هذاالمعني و لم نره فعل ذلك
1-مَجَالِسُ الصّدُوقِ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ أَبِي الخَطّابِ عَن عِيسَي بنِ عَبدِ اللّهِ عَن أَبِيهِ عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ع عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ عَن عَلِيّ ع قَالَسَأَلتُ رَسُولَ اللّهِص عَنِ الرّجُلِ يَنَامُ فَيَرَي الرّؤيَا فَرُبّمَا كَانَت حَقّاً وَ رُبّمَا كَانَت بَاطِلًا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِص يَا عَلِيّ مَا مِن عَبدٍ يَنَامُ إِلّا عُرِجَ بِرُوحِهِ إِلَي رَبّ العَالَمِينَ فَمَا رَأَي عِندَ رَبّ العَالَمِينَ فَهُوَ حَقّ ثُمّ إِذَا أَمَرَ اللّهُ العَزِيزُ الجَبّارُ بِرَدّ رُوحِهِ إِلَي جَسَدِهِ فَصَارَتِ الرّوحُ بَينَ السّمَاءِ وَ الأَرضِ فَمَا
صفحه : 159
رَأَتهُ فَهُوَ أَضغَاثُ أَحلَامٍ
2- وَ مِنهُ،بِإِسنَادِهِ عَن عَلِيّ بنِ الحَكَمِ عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ قَالَ وَ حدَثّنَيِ مُحَمّدُ بنُ الحُسَينِ بنِ أَبِي الخَطّابِ عَن مُحَسّنِ بنِ أَحمَدَ عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ عَن أَبِي بَصِيرٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ إِنّ لِإِبلِيسَ شَيطَاناً يُقَالُ لَهُ هُزَعُ يَملَأُ المَشرِقَ وَ المَغرِبَ فِي كُلّ لَيلَةٍ يأَتيِ النّاسَ فِي المَنَامِ
3- قُربُ الإِسنَادِ، عَن هَارُونَ بنِ مُسلِمٍ عَن مَسعَدَةَ بنِ زِيَادٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ مَن رَأَي أَنّهُ فِي الحَرَمِ وَ كَانَ خَائِفاً أَمِنَ
4- تَفسِيرُ عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ، فِي قَولِهِ تَعَالَيلَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا وَ فِي الآخِرَةِ قَالَ فِي الحَيَاةِ الدّنيَا الرّؤيَا الحَسَنَةُ يَرَاهَا المُؤمِنُ وَ فِي الآخِرَةِ عِندَ المَوتِ
5- المَحَاسِنُ، عَن أَبِيهِ عَن صَفوَانَ عَن دَاوُدَ عَن أَخِيهِ عَبدِ اللّهِ قَالَ بعَثَنَيِ إِنسَانٌ إِلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع زَعَمَ أَنّهُ يَفزَعُ فِي مَنَامِهِ مِنِ امرَأَةٍ تَأتِيهِ قَالَ فَصِحتُ حَتّي سَمِعَ الجِيرَانُ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع اذهَب فَقُل إِنّكَ لَا تؤُدَيّ الزّكَاةَ قَالَ بَلَي وَ اللّهِ إنِيّ لَأُؤَدّيهَا فَقَالَ قُل لَهُ إِن كُنتَ تُؤَدّيهَا لَا تُؤَدّيهَا إِلَي أَهلِهَا
6- الخَرَائِجُ،روُيَِ أَنّ أَبَا عُمَارَةَ المَعرُوفَ بِالطّيّانِ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع رَأَيتُ فِي النّومِ كَأَنّ معَيِ قَنَاةً قَالَ كَانَ فِيهَا زُجّ قُلتُ لَا قَالَ لَو رَأَيتَ فِيهَا زُجّاً لَوُلِدَ لَكَ غُلَامٌ لَكِنّهُ تُولَدُ جَارِيَةٌ ثُمّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمّ قَالَ كَم فِي القَنَاةِ مِن كَعبٍ قُلتُ اثنَا عَشَرَ كَعباً قَالَ تَلِدُ الجَارِيَةُ اثنيَ عَشَرَ بِنتاً
قَالَ مُحَمّدُ بنُ يَحيَي فَحَدّثتُ بِهَذَا الحَدِيثِ العَبّاسَ بنَ الوَلِيدِ فَقَالَ أَنَا مِن
صفحه : 160
وَاحِدَةٍ مِنهُنّ وَ لِي إِحدَي عَشرَةَ خَالَةً وَ أَبُو عُمَارَةَ جدَيّ
7- المَنَاقِبُ، عَن يَاسِرٍ الخَادِمِ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ الحَسَنِ الرّضَا ع رَأَيتُ فِي النّومِ كَأَنّ قَفَصاً فِيهِ سَبعَ عَشرَةَ قَارُورَةً إِذ وَقَعَ القَفَصُ فَتَكَسّرَتِ القَوَارِيرُ فَقَالَ إِن صَدَقَت رُؤيَاكَ يَخرُجُ رَجُلٌ مِن أَهلِ بيَتيِ يَملِكُ سَبعَةَ عَشَرَ يَوماً ثُمّ يَمُوتُ فَخَرَجَ مُحَمّدُ بنُ اِبرَاهِيمَ بِالكُوفَةِ مَعَ أَبِي السّرَايَا فَمَكَثَ سَبعَةَ عَشَرَ يَوماً ثُمّ مَاتَ
الكافي، عن الحسين عن أحمد بن هلال عن ياسر مثله بيان إن صدقت رؤياك أي لم تكن من أضغاث الأحلام التي لاتعبير لها أو لم تكذب في نقلها والأول أظهر و محمد بن ابراهيم هوطباطبا بايعه أولا أبوالسرايا وخرج و لمامات بايع محمد بن زيد و قال الطبري في تاريخه كان اسم أبي السرايا سري بن منصور و كان من أولاد هاني بن قبيصة ألذي عصي علي كسري أَبرَوَيز و كان أبوالسرايا من أمراء المأمون ثم عصي في الكوفة علي أميرالعراق وبايع محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ع ثم أرسل إليه حسن بن سهل أميرالعراق جندا فقاتلوه وأسر وقتل
8- الكشَيّّ، عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي قَالَ قَالَ لِي يَاسِرٌ الخَادِمُ إِنّ أَبَا الحَسَنِ الثاّنيَِ ع أَصبَحَ فِي بَعضِ الأَيّامِ قَالَ فَقَالَ لِي رَأَيتُ البَارِحَةَ مَولًي لعِلَيِّ بنِ يَقطِينٍ وَ بَينَ عَينَيهِ غُرّةٌ بَيضَاءُ فَتَأَوّلتُ ذَلِكَ عَلَي الدّينِ
9-دَعَوَاتُ الراّونَديِّ،حَدّثَ أَبُو بَكرِ بنُ عَيّاشٍ قَالَكُنتُ عِندَ أَبِي عَبدِ اللّهِ ع فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ رَأَيتُكَ فِي النّومِ كأَنَيّ أَقُولُ لَكَ كَم بقَيَِ مِن أجَلَيِ فَقُلتَ لِي بِيَدِكَ هَكَذَا وَ أَومَأَ إِلَي خَمسٍ وَ قَد شَغَلَ ذَلِكَ قلَبيِ فَقَالَ ع إِنّكَ سأَلَتنَيِ عَن شَيءٍ لَا يَعلَمُهُ إِلّا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ وَ هيَِ خَمسٌ تَفَرّدَ اللّهُ بِهَاإِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلمُ السّاعَةِ وَ يُنَزّلُ الغَيثَ وَ يَعلَمُ ما فِي الأَرحامِ وَ ما تدَريِ نَفسٌ ما ذا تَكسِبُ غَداً وَ ما تدَريِ
صفحه : 161
نَفسٌ بأِيَّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
بيان قال الطبرسي رحمه الله جَاءَ فِي الحَدِيثِ أَنّ مَفَاتِيحَ الغَيبِ خَمسٌ لَا يَعلَمُهُنّ إِلّا اللّهُ وَ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ
وَ قَد روُيَِ عَن أَئِمّةِ الهُدَي أَنّ هَذِهِ الأَشيَاءَ الخَمسَةَ لَا يَعلَمُهَا عَلَي التّفصِيلِ وَ التّحقِيقِ غَيرُهُ تَعَالَي
.أقول هذا لاينافي ماأخبروا ع به من هذه الأشياء علي سبيل الإعجاز لأنه كان بالوحي والإلهام و كان عدم الإخبار في هذاالمقام لعدم وصول الخبر من الله تعالي إليه في تلك الواقعة أولمصلحة و قدمر القول فيه في كتاب الإمامة
10- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَنِ ابنِ أُذَينَةَ أَنّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع فَقَالَ رَأَيتُ كَأَنّ الشّمسَ طَالِعَةٌ عَلَي رأَسيِ دُونَ جسَدَيِ فَقَالَ تَنَالُ أَمراً جَسِيماً وَ نُوراً سَاطِعاً وَ دِيناً شَامِلًا فَلَو غَطّتكَ لَانغَمَستَ فِيهِ وَ لَكِنّهَا غَطّت رَأسَكَ أَ مَا قَرَأتَفَلَمّا رَأَي الشّمسَ بازِغَةً قالَ هذا ربَيّ فَلَمّا أَفَلَت تَبَرّأَ مِنهَا اِبرَاهِيمُ ع قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ إِنّهُم يَقُولُونَ إِنّ الشّمسَ خَلِيفَةٌ أَو مَلِكٌ فَقَالَ مَا أَرَاكَ تَنَالُ الخِلَافَةَ وَ لَم يَكُن فِي آبَائِكَ وَ أَجدَادِكَ مَلِكٌ وَ أَيّ خِلَافَةٍ وَ مُلُوكِيّةٍ أَكثَرُ مِنَ الدّينِ وَ النّورِ تَرجُو بِهِ دُخُولَ الجَنّةِ إِنّهُم يَغلَطُونَ فَقُلتُ صَدَقتَ جُعِلتُ فِدَاكَ
بيان بازِغَةً أي طالعة ولعل استشهاده ع كان بأن ابراهيم ع بعدرؤية الشمس واختلاف أحوالها اهتدي أوأظهر الاهتداء وهدي قومه إلي التوحيد فطلوع الشمس علي رأسك علامة لاهتدائك إلي الدين القويم أوبأن الشمس لما
صفحه : 162
كان في عالم المحسوسات أضوأ الأنوار حتي إن ابراهيم ع قال لموافقة قومه وإتمام الحجة عليهم هذا ربَيّلغلبة نورها وظهورها ووصفها بالكبر ثم تبرأ منها لتغير أحوالها الدالة علي إمكانها وحدوثها و في الرؤيا تتمثل الأمور المعنوية بالأمور المحسوسة المناسبة لها فينبغي أن يكون هذاالنور أضوأ الأنوار المعنوية فليس إلاالدين الحق والأول أظهر لفظا والثاني معني قوله ع و لم يكن في آبائك يظهر منه أن تعبير الرؤيا يختلف باختلاف الأشخاص ويحتمل أن يكون الغرض بيان خطإ أصل تعبيرهم بأن ذلك غيرمحتمل لا أنه لايستقيم في خصوص تلك المادة
11- الكاَفيِ،بِالإِسنَادِ المُتَقَدّمِ عَنِ ابنِ أُذَينَةَ عَن رَجُلٍ رَأَي كَأَنّ الشّمسَ طَالِعَةٌ عَلَي قَدَمَيهِ دُونَ جَسَدِهِ قَالَ مَالٌ يَنَالُهُ مِن نَبَاتِ الأَرضِ مِن بُرّ أَو تَمرٍ يَطَؤُهُ بِقَدَمَيهِ وَ يَتّسِعُ فِيهِ وَ هُوَ حَلَالٌ إِلّا أَنّهُ يَكُدّ فِيهِ كَمَا كَدّ آدَمُ ع
12- وَ مِنهُ، عَن عَلِيّ عَن أَبِيهِ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَن أَبِي جَعفَرٍ الصّائِغِ عَن مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ قَالَدَخَلتُ عَلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع وَ عِندَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَقُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ رَأَيتُ رُؤيَا عَجِيبَةً فَقَالَ يَا ابنَ مُسلِمٍ هَاتِهَا فَإِنّ العَالِمَ بِهَا جَالِسٌ وَ أَومَأَ بِيَدِهِ إِلَي أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فَقُلتُ رَأَيتُ كأَنَيّ دَخَلتُ داَريِ وَ إِذَا أهَليِ قَد خَرَجَت عَلَيّ فَكَسَرَت جَوزاً كَثِيراً وَ نَثَرَتهُ عَلَيّ فَتَعَجّبتُ مِن هَذِهِ الرّؤيَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنتَ رَجُلٌ تُخَاصِمُ وَ تُجَادِلُ لِئَاماً فِي مَوَارِيثِ أَهلِكَ فَبَعدَ نَصَبٍ شَدِيدٍ تَنَالُ حَاجَتَكَ مِنهَا إِن شَاءَ اللّهُ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع أَصَبتَ وَ اللّهِ يَا أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ ثُمّ خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ مِن عِندِهِ فَقُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ إنِيّ كَرِهتُ تَعبِيرَ هَذَا النّاصِبِ فَقَالَ يَا ابنَ مُسلِمٍ لَا يَسُؤكَ اللّهُ فَمَا يُوَاطِئُ تَعبِيرُهُم تَعبِيرَنَا وَ لَا تَعبِيرُنَا تَعبِيرَهُم وَ لَيسَ التّعبِيرُ كَمَا عَبّرَهُ قَالَ فَقُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ فَقَولُكَ أَصَبتَ وَ تَحلِفُ عَلَيهِ وَ هُوَ مُخطِئٌ قَالَ نَعَم حَلَفتُ عَلَيهِ أَنّهُ أَصَابَ الخَطَاءَ قَالَ فَقُلتُ لَهُ فَمَا تَأوِيلُهَا قَالَ يَا ابنَ مُسلِمٍ
صفحه : 163
إِنّكَ تَتَمَتّعُ بِامرَأَةٍ فَتَعلَمُ بِهَا أَهلُكَ فَتَخرِقُ عَلَيكَ ثِيَاباً جُدُداً فَإِنّ القِشرَ كِسوَةُ اللّبّ قَالَ ابنُ مُسلِمٍ فَوَ اللّهِ مَا كَانَ بَينَ تَعبِيرِهِ وَ تَصحِيحِ الرّؤيَا إِلّا صَبِيحَةُ الجُمُعَةِ فَلَمّا كَانَ غَدَاةُ الجُمُعَةِ أَنَا جَالِسٌ بِالبَابِ إِذ مَرّت بيِ جَارِيَةٌ فَأَمَرتُ غلُاَميِ فَرَدّهَا ثُمّ أَدخَلَهَا داَريِ فَتَمَتّعتُ بِهَا فَأَحَسّت بيِ وَ بِهَا أهَليِ فَدَخَلَت عَلَينَا البَيتَ فَبَادَرَتِ الجَارِيَةُ نَحوَ البَابِ فَبَقِيتُ أَنَا فَمَزّقَت عَلَيّ ثِيَاباً جُدُداً كُنتُ أَلبَسُهَا فِي الأَعيَادِ وَ جَاءَ مُوسَي الزّوّارُ العَطّارُ إِلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع فَقَالَ لَهُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ رَأَيتُ رُؤيَا هاَلتَنيِ رَأَيتُ صِهراً لِي مَيّتاً وَ قَد عاَنقَنَيِ وَ قَد خِفتُ أَن يَكُونَ الأَجَلُ قَدِ اقتَرَبَ فَقَالَ يَا مُوسَي تَوَقّعِ المَوتَ صَبَاحاً وَ مَسَاءً فَإِنّهُ مُلَاقِينَا وَ مُعَانَقَةُ الأَموَاتِ لِلأَحيَاءِ أَطوَلُ لِأَعمَارِهِم فَمَا كَانَ اسمُ صِهرِكَ قَالَ حُسَينٌ فَقَالَ أَمَا إِنّ رُؤيَاكَ تَدُلّ عَلَي بَقَائِكَ وَ زِيَارَتِكَ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع فَإِنّ كُلّ مَن عَانَقَ سمَيِّ الحُسَينِ ع يَزُورُهُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي وَ ذَكَرَ إِسمَاعِيلُ بنُ عَبدِ اللّهِ القرُشَيِّ قَالَ أَتَي إِلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع رَجُلٌ فَقَالَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ رَأَيتُ فِي منَاَميِ كأَنَيّ خَارِجٌ مِن مَدِينَةِ الكُوفَةِ فِي مَوضِعٍ أَعرِفُهُ وَ كَأَنّ شَيخاً مِن خَشَبٍ أَو رَجُلًا مَنحُوتاً مِن خَشَبٍ عَلَي فَرَسٍ مِن خَشَبٍ يُلَوّحُ بِسَيفِهِ وَ أَنَا أُشَاهِدُهُ فَزِعاً مَذعُوراً مَرعُوباً فَقَالَ ع أَنتَ رَجُلٌ تُرِيدُ اغتِيَالَ رَجُلٍ فِي مَعِيشَتِهِ فَاتّقِ اللّهَ ألّذِي خَلَقَكَ ثُمّ يُمِيتُكَ فَقَالَ الرّجُلُ أَشهَدُ أَنّكَ قَد أُوتِيتَ عِلماً وَ استَنبَطتَهُ مِن مَعدِنِهِ أُخبِرُكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ عَمّا قَد فَسّرتَ لِي إِنّ رَجُلًا مِن جيِراَنيِ جاَءنَيِ وَ عَرَضَ عَلَيّ ضَيعَتَهُ فَهَمَمتُ أَن أَملِكَهَا بِوَكسٍ كَثِيرٍ لِمَا عَرَفتُ أَنّهُ لَيسَ لَهَا طَالِبٌ غيَريِ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع وَ صَاحِبُكَ يَتَوَلّانَا وَ يَبرَأُ مِن عَدُوّنَا فَقَالَ نَعَم يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ رَجُلٌ جَيّدُ البَصِيرَةِ مُستَحكَمُ الدّينِ وَ أَنَا
صفحه : 164
تَائِبٌ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ إِلَيكَ مِمّا هَمَمتُ بِهِ وَ نَوَيتُهُ فأَخَبرِنيِ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ لَو كَانَ نَاصِبِيّاً حَلّ لِيَ اغتِيَالُهُ فَقَالَ أَدّ الأَمَانَةَ لِمَنِ ائتَمَنَكَ وَ أَرَادَ مِنكَ النّصِيحَةَ وَ لَو إِلَي قَاتِلِ الحُسَينِ ع
بيان الظاهر أن الراوي عن الزوار والقرشي هو محمد بن مسلم ويحتمل الإرسال من الكليني قوله أورجلا كأن الترديد من الراوي ويقال لوّح بسيفه علي بناء التفعيل أي لمع به
13- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَنِ ابنِ فَضّالٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ الجَهمِ قَالَ سَمِعتُ أَبَا الحَسَنِ ع يَقُولُ الرّؤيَا عَلَي مَا تُعَبّرُ فَقُلتُ لَهُ إِنّ بَعضَ أَصحَابِنَا رَوَي أَنّ رُؤيَا المَلِكِ كَانَت أَضغَاثَ أَحلَامٍ فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ ع إِنّ امرَأَةً رَأَت عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِص أَنّ جِذعَ بَيتِهَا انكَسَرَ فَأَتَت رَسُولَ اللّهِص فَقَصّت عَلَيهِ الرّؤيَا فَقَالَ لَهَا النّبِيّص يَقدَمُ زَوجُكِ وَ يأَتيِ وَ هُوَ صَالِحٌ وَ قَد كَانَ زَوجُهَا غَائِباً فَقَدِمَ كَمَا قَالَ النّبِيّص ثُمّ غَابَ عَنهَا زَوجُهَا غَيبَةً أُخرَي فَرَأَت فِي المَنَامِ كَأَنّ جِذعَ بَيتِهَا قَدِ انكَسَرَ فَأَتَتِ النّبِيّص فَقَصّت عَلَيهِ الرّؤيَا فَقَالَ لَهَا يَقدَمُ زَوجُكِ وَ يأَتيِ صَالِحاً فَقَدِمَ عَلَي مَا قَالَ ثُمّ غَابَ زَوجُهَا ثَالِثَةً فَرَأَت فِي مَنَامِهَا أَنّ جِذعَ بَيتِهَا قَدِ انكَسَرَ فَلَقِيَت رَجُلًا أَعسَرَ فَقَصّت عَلَيهِ الرّؤيَا فَقَالَ لَهَا الرّجُلُ السّوءُ يَمُوتُ زَوجُكِ فَبَلَغَ النّبِيّص فَقَالَ أَلّا كَانَ عَبّرَ لَهَا خَيراً
توضيح أضغاث أحلام أي لم تكن لها حقيقة وإنما وقعت كذلك لتعبير يوسف ع وإنما أورد الراوي تلك الرواية تأييدا لماذكره قوله ص يقدم
صفحه : 165
زوجك لعله ص عبر انكسار أسطوانة بيتها بفوات ما كان لها من التمكن والتصرف في غيبته و قال الفيروزآبادي يوم عسر وعسير وأعسر شديد أوشؤم وأعسر يسر يعمل بيديه جميعا فإن عمل بالشمال فهو أعسر والمراد هنا الشوم أو من يعمل باليسار فإنه أيضا مشوم ويظهر من أخبار المخالفين أن هذاالأعسر كان أبابكر ولعله ص لم يصرح باسمه تقية قال في النهاية فيه إن امرأة أتت النبي ص فقالت رأيت كأن جائز بيتي انكسر فقال يرد الله غائبك فرجع زوجها ثم غاب فرأت مثل ذلك فأتت النبي ص فلم تجده ووجدت أبابكر فأخبرته فقال يموت زوجك فذكرت ذلك لرسول الله ص فقال هل قصصتها علي أحد قالت نعم قال هو كماقيل لك الجائز الخشبة التي توضع عليها أطراف العوارض في سقف البيت والجمع أجوزة
14- الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ عَن أَبِيهِ عَنِ النّضرِ بنِ سُوَيدٍ عَنِ الحلَبَيِّ عَنِ ابنِ مُسكَانَ عَن زُرَارَةَ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ رَأَيتُ كأَنَيّ عَلَي رَأسِ جَبَلٍ وَ النّاسُ يَصعَدُونَ إِلَيهِ مِن كُلّ جَانِبٍ حَتّي إِذَا كَثُرُوا عَلَيهِ تَطَاوَلَ بِهِم فِي السّمَاءِ وَ جَعَلَ النّاسُ يَتَسَاقَطُونَ عَنهُ مِن كُلّ جَانِبٍ حَتّي لَم يَبقَ مِنهُم أَحَدٌ إِلّا عِصَابَةٌ يَسِيرَةٌ فَفُعِلَ ذَلِكَ خَمسَ مَرّاتٍ فِي كُلّ ذَلِكَ يَتَسَاقَطُ عَنهُ النّاسُ وَ تَبقَي تِلكَ العِصَابَةُ أَمَا إِنّ قَيسَ بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ عَجلَانَ فِي تِلكَ العِصَابَةِ فَمَا مَكَثَ بَعدَ ذَلِكَ إِلّا نَحواً مِن خَمسٍ حَتّي هَلَكَ
بيان كأن تأويل الرؤيا الفتن التي حدثت بعده صلوات الله عليه في الشيعة فارتدوا. وأقول وروي الكشي عن حمدويه بن نصير عن محمد بن عيسي عن النضر مثله و فيه أما إن ميسر بن عبدالعزيز و عبد الله بن عجلان في تلك العصابة فما مكث بعد ذلك إلانحوا من سنتين حتي هلك ع وقيس غيرمذكور في كتب الرجال
15-المَحَاسِنُ، عَن أَبِيهِ عَن حَمزَةَ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن جَمِيلِ بنِ دَرّاجٍ قَالَ قَالَ
صفحه : 166
أَبُو عَبدِ اللّهِ ع إِنّ المُؤمِنِينَ إِذَا أَخَذُوا مَضَاجِعَهُم صَعِدَ اللّهُ بِأَروَاحِهِم إِلَيهِ فَمَن قَضَي عَلَيهِ بِالمَوتِ جَعَلَهُ فِي رِيَاضِ الجَنّةِ بِنُورِ رَحمَتِهِ وَ نُورِ عِزّتِهِ وَ إِن لَم يُقَدّر عَلَيهِ المَوتَ بَعَثَ بِهَا مَعَ أُمَنَائِهِ مِنَ المَلَائِكَةِ إِلَي الأَبدَانِ التّيِ هيَِ فِيهَا
16- العيَاّشيِّ، عَن أَبِي بَصِيرٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ رَأَت فَاطِمَةُ ع فِي النّومِ كَأَنّ الحَسَنَ وَ الحُسَينَ ع ذُبِحَا أَو قُتِلَا فَأَحزَنَهَا ذَلِكَ فَأَخبَرَت بِهِ رَسُولَ اللّهِص فَقَالَ يَا رُؤيَا فَتَمَثّلَت بَينَ يَدَيهِ قَالَ أَنتِ أَرَيتِ فَاطِمَةَ هَذَا البَلَاءَ قَالَت لَا فَقَالَ يَا أَضغَاثُ وَ أَنتِ أَرَيتِ فَاطِمَةَ هَذَا البَلَاءَ قَالَت نَعَم يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ مَا أَرَدتِ بِذَلِكِ قَالَت أَرَدتُ أُحزِنُهَا فَقَالَص لِفَاطِمَةَ ع اسمعَيِ لَيسَ هَذَا بشِيَءٍ
بيان كأن خطابه ص كان لملك الرؤيا وشيطان الأضغاث لقوله سبحانه إِنّمَا النّجوي مِنَ الشّيطانِ أوتمثل بإعجازه ص لكل منهما مثال وتعلق به روح فسأله ومثل هذاالتسلط ألذي يذهب أثره سريعا من الشيطان و لم يوجب معصية علي المعصومين ع لم يدل دليل علي نفيه و لاينافيه قوله تعالي إِنّ عبِاديِ لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطانٌ و قدمر بعض القول فيه في كتاب النبوة وسيأتي أيضا إن شاء الله تعالي
17- فَرَجُ المَهمُومِ،نَقلًا مِن كِتَابِ تَعبِيرِ الرّؤيَا للِكلُيَنيِّ بِإِسنَادِهِ عَن مُحَمّدِ بنِ سَالِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع قَومٌ يَقُولُونَ النّجُومُ أَصَحّ مِنَ الرّؤيَا وَ ذَلِكَ كَانَت صَحِيحَةً حِينَ لَم يُرَدّ الشّمسُ عَلَي يُوشَعَ بنِ نُونٍ وَ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَلَمّا رَدّ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ الشّمسَ عَلَيهِمَا ضَلّ فِيهِمَا عُلَمَاءُ النّجُومِ فَمِنهُم مُصِيبٌ وَ مِنهُم مُخطِئٌ
18-البَصَائِرُ، عَن عَلِيّ بنِ حَسّانَ عَنِ ابنِ بُكَيرٍ عَن زُرَارَةَ قَالَسَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ ع مَنِ الرّسُولُ وَ مَنِ النّبِيّ وَ مَنِ المُحَدّثُ فَقَالَ الرّسُولُ ألّذِي يَأتِيهِ
صفحه : 167
جَبرَئِيلُ فَيُكَلّمُهُ قُبُلًا فَيَرَاهُ كَمَا يَرَي أَحَدُكُم صَاحِبَهُ ألّذِي يُكَلّمُهُ فَهَذَا الرّسُولُ وَ النّبِيّ ألّذِي يُؤتَي فِي النّومِ نَحوَ رُؤيَا اِبرَاهِيمَ وَ نَحوَ مَا كَانَ يَأخُذُ رَسُولَ اللّهِص مِنَ السّبَاتِ إِذَا أَتَاهُ جَبرَئِيلُ فِي النّومِ فَهَكَذَا النّبِيّ وَ مِنهُم مَن تُجمَعُ لَهُ الرّسَالَةُ وَ النّبُوّةُ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِص رَسُولًا نَبِيّاً يَأتِيهِ جَبرَئِيلُ قُبُلًا فَيُكَلّمُهُ وَ يَرَاهُ وَ يَأتِيهِ فِي النّومِ وَ أَمّا المُحَدّثُ فَهُوَ ألّذِي يَسمَعُ كَلَامَ المَلَكِ فَيُحَدّثُهُ مِن غَيرِ أَن يَرَاهُ وَ مِن غَيرِ أَن يَأتِيَهُ فِي النّومِ
أقول قدمضي مثله بأسانيد جمة في كتاب النبوة و كتاب الإمامة وغيرهما
19- الإِختِصَاصُ، قَالَ الصّادِقُ ع إِذَا كَانَ العَبدُ عَلَي مَعصِيَةِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ أَرَادَ اللّهُ بِهِ خَيراً أَرَاهُ فِي مَنَامِهِ رُؤيَا تُرَوّعُهُ فَيَنزَجِرُ بِهَا عَن تِلكَ المَعصِيَةِ وَ إِنّ الرّؤيَا الصّادِقَةَ جُزءٌ مِن سَبعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
20- وَ مِنهُ، عَن أَبِي الفَرَجِ عَن سَهلِ بنِ زِيَادٍ عَن رَجُلٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ جَبَلَةَ عَن أَبِي المَغرَاءِ عَن مُوسَي بنِ جَعفَرٍ ع قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ مَن كَانَت لَهُ إِلَي اللّهِ حَاجَةٌ وَ أَرَادَ أَن يَرَانَا وَ أَن يَعرِفَ مَوضِعَهُ فَليَغتَسِل ثَلَاثَةَ لَيَالٍ ينُاَجيِ بِنَا فَإِنّهُ يَرَانَا وَ يُغفَرُ لَهُ بِنَا وَ لَا يَخفَي عَلَيهِ مَوضِعُهُ قُلتُ سيَدّيِ فَإِنّ رَجُلًا رَآكَ فِي المَنَامِ وَ هُوَ يَشرَبُ النّبِيذَ قَالَ لَيسَ النّبِيذُ يُفسِدُ عَلَيهِ دِينَهُ إِنّمَا يُفسِدُ عَلَيهِ تَركُنَا وَ تَخَلّفُهُ عَنّا الخَبَرَ
21-مَجَالِسُ الصّدُوقِ، عَنِ الحُسَينِ بنِ اِبرَاهِيمَ بنِ نَاتَانَةَ عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن اِبرَاهِيمَ الكرَخيِّ قَالَ قُلتُ لِلصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ ع إِنّ رَجُلًا رَأَي رَبّهُ عَزّ وَ جَلّ فِي مَنَامِهِ فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فَقَالَ ذَلِكَ
صفحه : 168
رَجُلٌ لَا دِينَ لَهُ إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي لَا يُرَي فِي اليَقَظَةِ وَ لَا فِي المَنَامِ وَ لَا فِي الدّنيَا وَ لَا فِي الآخِرَةِ
22- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن عَلِيّ بنِ حَدِيدٍ عَن جَمِيلِ بنِ دَرّاجٍ عَن زُرَارَةَ عَن أَحَدِهِمَا ع قَالَ أَصبَحَ رَسُولُ اللّهِ يَوماً كَئِيباً حَزِيناً فَقَالَ لَهُ عَلِيّ ع مَا لِي أَرَاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ كَئِيباً حَزِيناً فَقَالَص وَ كَيفَ لَا أَكُونُ كَذَلِكَ وَ قَد رَأَيتُ فِي ليَلتَيِ هَذِهِ أَنّ بنَيِ تَيمٍ وَ بنَيِ عدَيِّ وَ بنَيِ أُمَيّةَ يَصعَدُونَ منِبرَيِ هَذَا يَرُدّونَ النّاسَ عَنِ الإِسلَامِ القَهقَرَي فَقُلتُ يَا رَبّ فِي حيَاَتيِ أَو بَعدَ موَتيِ فَقَالَ بَعدَ مَوتِكَ
23- وَ مِنهُ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَن مُحَمّدِ بنِ الوَلِيدِ وَ مُحَسّنِ بنِ أَحمَدَ عَن يُونُسَ بنِ يَعقُوبَ عَن عَلِيّ بنِ عِيسَي القَمّاطِ عَن عَمّهِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ رَأَي رَسُولُ اللّهِص بنَيِ أُمَيّةَ يَصعَدُونَ عَلَي مِنبَرِهِ مِن بَعدِهِ وَ يُضِلّونَ النّاسَ عَنِ الصّرَاطِ القَهقَرَي فَأَصبَحَ كَئِيباً حَزِيناً قَالَ فَهَبَطَ عَلَيهِ جَبرَئِيلُ ع فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لِي أَرَاكَ كَئِيباً حَزِيناً قَالَ يَا جَبرَئِيلُ إنِيّ رَأَيتُ بنَيِ أُمَيّةَ فِي ليَلتَيِ هَذِهِ يَصعَدُونَ منِبرَيِ مِن بعَديِ يُضِلّونَ النّاسَ عَنِ الصّرَاطِ القَهقَرَي فَقَالَ وَ ألّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ نَبِيّاً إِنّ هَذَا شَيءٌ مَا اطّلَعتُ عَلَيهِ فَعَرَجَ إِلَي السّمَاءِ فَلَم يَلبَث أَن نَزَلَ عَلَيهِ بآِيٍ مِنَ القُرآنِ يُؤنِسُهُ بِهَا قَالَأَ فَرَأَيتَ إِن مَتّعناهُم سِنِينَ ثُمّ جاءَهُم ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغني عَنهُم ما كانُوا يُمَتّعُونَ وَ أَنزَلَ عَلَيهِإِنّا أَنزَلناهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ وَ ما أَدراكَ ما لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍجَعَلَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ لَيلَةَ القَدرِ لِنَبِيّهِص خَيراً مِن أَلفِ شَهرِ مُلكِ بنَيِ أُمَيّةَ
صفحه : 169
24- كِتَابُ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ قَالَ كُنتُ عِندَ مُعَاوِيَةَ وَ سَاقَ الحَدِيثَ إِلَي أَن قَالَ قُلتُ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِص وَ سُئِلَ عَن هَذِهِ الآيَةِوَ ما جَعَلنَا الرّؤيَا التّيِ أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِ وَ الشّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِ فَقَالَ إنِيّ رَأَيتُ اثنيَ عَشَرَ رَجُلًا مِن أَئِمّةِ الضّلَالِ يَصعَدُونَ منِبرَيِ وَ يَنزِلُونَ يَرُدّونَ أمُتّيِ عَلَي أَدبَارِهِمُ القَهقَرَي فِيهِم رَجُلَانِ مِن حَيّينِ مِن قُرَيشٍ مُختَلِفَينِ وَ ثَلَاثَةٌ مِن بنَيِ أُمَيّةَ وَ سَبعَةٌ مِن وُلدِ الحَكَمِ بنِ العَاصِ إِذَا بَلَغُوا خَمسَةَ عَشَرَ رَجُلًا جَعَلُوا كِتَابَ اللّهِ دَخَلًا وَ عِبَادَ اللّهِ خَوَلًا الحَدِيثَ
25- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَنِ ابنِ أَبِي نَصرٍ عَنِ ابنِ أَبِي حَمزَةَ عَن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع الفَرقُ مِنَ السّنّةِ قَالَ لَا قُلتُ هَل فَرّقَ رَسُولُ اللّهِص قَالَ نَعَم قُلتُ كَيفَ ذَلِكَ قَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِص حِينَ صُدّ عَنِ البَيتِ وَ قَد كَانَ سَاقَ الهدَيَ وَ أَحرَمَ أَرَاهُ اللّهُ الرّؤيَا التّيِ أَخبَرَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ إِذ يَقُولُلَقَد صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤيا بِالحَقّ لَتَدخُلُنّ المَسجِدَ الحَرامَ إِن شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلّقِينَ رُؤُسَكُم وَ مُقَصّرِينَفَعَلِمَ رَسُولُ اللّهِص أَنّهُ سيَفَيِ لَهُ بِمَا أَرَاهُ فَمِن ثَمّ وَفّرَ ذَلِكَ الشّعرَ ألّذِي كَانَ عَلَي رَأسِهِ حِينَ أَحرَمَ انتِظَاراً لِحَلقِهِ فِي الحَرَمِ حَيثُ وَعَدَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ فَلَمّا حَلَقَهُ لَم يُعِد تَوفِيرَ الشّعرِ وَ لَا كَانَ ذَلِكَ مِن قَبلِهِ[قِبَلِهِ]
صفحه : 170
26- مَجَالِسُ الصّدُوقِ،بِإِسنَادِهِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ كُنتُ مَعَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فِي خُرُوجِهِ إِلَي صِفّينَ فَلَمّا نَزَلَ نَينَوَي وَ هُوَ بِشَطّ الفُرَاتِ تَوَضّأَ وَ صَلّي ثُمّ نَعَسَ فَانتَبَهَ فَقَالَ رَأَيتُ فِي منَاَميِ كأَنَيّ بِرِجَالٍ قَد نَزَلُوا مِنَ السّمَاءِ مَعَهُم أَعلَامٌ بِيضٌ قَد تَقَلّدُوا سُيُوفَهُم وَ هيَِ بِيضٌ تَلمَعُ وَ قَد خَطّوا حَولَ هَذِهِ الأَرضِ خَطّةً ثُمّ رَأَيتُ كَأَنّ هَذِهِ النّخِيلَ قَد ضَرَبَت بِأَغصَانِهَا الأَرضَ يَضطَرِبُ بِدَمٍ عَبِيطٍ وَ كأَنَيّ بِالحُسَينِ فرَخيِ وَ مضُغتَيِ وَ مخُيّ قَد غَرِقَ فِيهِ يَستَغِيثُ فَلَا يُغَاثُ وَ كَأَنّ الرّجَالَ البِيضَ قَد نَزَلُوا مِنَ السّمَاءِ يُنَادُونَهُ وَ يَقُولُونَ صَبراً آلَ الرّسُولِ فَإِنّكُم تُقتَلُونَ عَلَي أيَديِ شِرَارِ النّاسِ وَ هَذِهِ الجَنّةُ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ إِلَيكَ مُشتَاقَةٌ ثُمّ يعُزَوّننَيِ وَ يَقُولُونَ يَا أَبَا الحَسَنِ أَبشِر فَقَد أَقَرّ اللّهُ عَينَكَ بِهِيَومَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العالَمِينَ ثُمّ انتَبَهتُ هَكَذَا وَ ألّذِي نَفسُ عَلِيّ بِيَدِهِ لَقَد نبَأّنَيَِ الصّادِقُ المُصَدّقُ أَبُو القَاسِمِص أنَيّ سَأَرَاهَا فِي خرُوُجيِ إِلَي أَهلِ البغَيِ عَلَينَا وَ هَذِهِ أَرضُ كَربٍ وَ بَلَاءٍ يُدفَنُ فِيهَا الحُسَينُ وَ سَبعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِن ولُديِ وَ وُلدِ فَاطِمَةَ وَ الحَدِيثُ مُختَصَرٌ
27- المَكَارِمُ،روُيَِ أَنّ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ ع قَالَ كُنتُ أَدعُو اللّهَ سَنَةً عَقِيبَ كُلّ صَلَاةٍ أَن يعُلَمّنَيَِ الِاسمَ الأَعظَمَ فإَنِيّ ذَاتَ يَومٍ قَد صَلّيتُ الفَجرَ فغَلَبَتَنيِ عيَناَيَ وَ أَنَا قَاعِدٌ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَائِمٍ بَينَ يدَيَّ يَقُولُ لِي سَأَلتَ اللّهَ تَعَالَي أَن يُعَلّمَكَ الِاسمَ الأَعظَمَ قَالَ[ قُلتُ]نَعَم قَالَ قُلِ أللّهُمّ إنِيّ أَسأَلُكَ بِاسمِكَ اللّهِ اللّهِ اللّهِ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ رَبّ العَرشِ العَظِيمِ قَالَ فَوَ اللّهِ مَا دَعَوتُ بِهَا لشِيَءٍ إِلّا رَأَيتُ نُجحَهُ
صفحه : 171
أقول قدمر رؤيا عبدالمطلب في بشارة النبي ص أنه رأي أن شجرة قدنبتت علي ظهره قدنال رأسها السماء وضربت بأغصانها الشرق والغرب و أن نورا يزهر منها أعظم من نور الشمس و أن العرب والعجم ساجدة لها وهي كل يوم تزداد عظما ونورا و أن رهطا من قريش يريدون قطعها فإذادنوا منها يأخذهم شاب من أحسن الناس وجها ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم فقالت الكاهنة لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب وينبأ في الناس و قدمر أيضا رؤياه في حفر زمزم والسيوف وهي طويلة و قدمرت منامات آمنة في ولادة النبي ص ومضي رؤيا العباس في بشارة النبي ص أنه رأي أنه خرج من منخر عبد الله بن عبدالمطلب طائر أبيض فطار وبلغ المشرق والمغرب ثم رجع حتي سقط علي بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها فصار نورا بين السماء و الأرض وامتد حتي بلغ المشرق والمغرب فقالت كاهنة بني مخزوم ياعباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له وتقدم في غزوة بدر أن عاتكة بنت عبدالمطلب رأت أن راكبا قددخل مكة ينادي ثلاث مرات ياآل عدي ياآل فهر اغدوا إلي مصارعكم فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلاأصابته منه فلذة و كان وادي مكة قدصار من أسفله دما فوافي زمزم بعدثلاث ونادي فيهم أدركوا العير فكانت غزوة بدر وَ مَرّ فِي وِلَادَةِ الحُسَينِ ع أَنّ أُمّ أَيمَنَ قَالَت يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيتُ فِي ليَلتَيِ هَذِهِ كَأَنّ بَعضَ أَعضَائِكَ مُلقًي فِي بيَتيِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِص تَلِدُ فَاطِمَةُ الحُسَينَ فَتُرَبّينَهُ وَ تَلُفّينَهُ فَيَكُونُ بَعضُ أعَضاَئيِ فِي بَيتِكَ
وتقدم أيضا أن امرأة حنظلة بن أبي عامر الراهب رأت في المنام كأن السماء انفرجت فوقع فيهاحنظلة ثم انضمت فذهب حنظلة إلي أحد فاستشهد وتقدم أيضا منامات غريبة من بخت نصر منها أنه رأي في المنام كأن ملائكة السماء هبطت إلي الأرض أفواجا إلي الجب ألذي حبس فيه دانيال ع مسلمين عليه يبشرونه بالفرج فندم علي مافعل وأخرجه من الجب ومنها أنه رأي في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب فعبرها دانيال بأنه يذهب ملكه ويقتل بعدثلاث
صفحه : 172
يقتله رجل من ولد فارس فكان كذلك ورأي المؤبدان في ولادة النبي ص في المنام إبلا صعابا يقود خيلا عرابا
28- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ عَن عُمَرَ بنِ يَزِيدَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ كَانَ فِي بنَيِ إِسرَائِيلَ رَجُلٌ فَدَعَا اللّهَ أَن يَرزُقَهُ غُلَاماً ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمّا رَأَي أَنّ اللّهَ لَا يُجِيبُهُ قَالَ يَا رَبّ أَ بَعِيدٌ أَنَا مِنكَ فَلَا تسَمعَنُيِ أَم قَرِيبٌ أَنتَ منِيّ فَلَا تجُيِبنُيِ قَالَ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ إِنّكَ تَدعُو اللّهَ عَزّ وَ جَلّ مُنذُ ثَلَاثِ سِنِينَ بِلِسَانٍ بذَيِّ وَ قَلبٍ عَاتٍ غَيرِ تقَيِّ وَ نِيّةٍ غَيرِ صَادِقَةٍ فَاقلَع عَن بَذَائِكَ وَ ليَتّقِ اللّهَ قَلبُكَ وَ لتَحسُن نِيّتُكَ قَالَ فَفَعَلَ الرّجُلُ ذَلِكَ ثُمّ دَعَا اللّهَ فَوُلِدَ لَهُ الغُلَامُ
29- مَجَالِسُ الشّيخِ،بِإِسنَادِهِ عَن شِمرِ بنِ عَطِيّةَ قَالَ كَانَ أَبِي يَنَالُ مِن عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ ع فأَتُيَِ فِي المَنَامِ فَقِيلَ لَهُ أَنتَ السّابّ عَلِيّاً فَحَنِقَ حَتّي أَحدَثَ فِي فِرَاشِهِ ثَلَاثاً
30- قِصَصُ الراّونَديِّ،بِإِسنَادِهِ عَن طِربَالٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ لَمّا أَمَرَ المَلِكُ بِحَبسِ يُوسُفَ ع فِي السّجنِ أَلهَمَهُ اللّهُ تَأوِيلَ الرّؤيَا فَكَانَ يُعَبّرُ لِأَهلِ السّجنِ رُؤيَاهُم
31- مَجَالِسُ ابنِ الشّيخِ، عَن وَالِدِهِ عَنِ ابنِ مَخلَدٍ عَن أَبِي عَمرٍو عَنِ الحَسَنِ بنِ سَلّامٍ عَن قَبِيصَةَ عَن سُفيَانَ عَن هِشَامٍ عَنِ ابنِ سِيرِينَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النّبِيّص قَالَ إِذَا تَقَارَبَ الزّمَانُ لَم تَكذِب رُؤيَا المُؤمِنِ وَ أَصدَقُهُم رُؤيَا أَصدَقُهُم حَدِيثاً
بيان هذه الرواية رواها من طرق المخالفين قال في النهاية فيه إذاتقارب الزمان و في رواية اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب أراد اقتراب الساعة وقيل اعتدال الليل والنهار وتكون الرؤيا فيه صحيحة لاعتدال الزمان واقترب افتعل من القرب وتقارب تفاعل منه ويقال للشيء إذاولي وأدبر تقارب و منه حديث المهدي يتقارب الزمان حتي تكون السنة كالشهر انتهي .
صفحه : 173
و قال الخطابي في أعلام الحديث قوله إذااقترب الزمان فيه قولان أحدهما أن يكون معناه تقارب زمان الليل والنهار وقت استوائهما أيام الربيع و ذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبا وكذلك هو في الخريف والمعبرون يقولون أصدق الرؤيا ما كان وقت اعتدال الليل والنهار وإدراك الثمار وينعها والوجه الآخر أن اقتراب الزمان انتهاء مدة إذادنا قيام الساعة. وأصدقهم رؤيا قال النووي في شرح الصحيح ظاهره الإطلاق وقيد القاضي بآخر الزمان عندانقطاع العلم بموت العلماء والصالحين فجعله الله جابرا ومنبها لهم والأول أظهر لأن غيرالصادق في حديثه يتطرق الخلل إلي رؤياه وحكايته إياها
32- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَن مُعَمّرِ بنِ خَلّادٍ قَالَ سَمِعتُ أَبَا الحَسَنِ ع يَقُولُ رُبّمَا رَأَيتُ الرّؤيَا فَأُعَبّرُهَا وَ الرّؤيَا عَلَي مَا تُعَبّرُ
بيان قال في النهاية فيه الرؤيا لأول عابر يقال عبرت الرؤيا أعبرها عبرا وعبرتها تعبيرا إذاأولتها وفسرتها وخبرت بآخر مايئول إليه أمرها يقال هوعابر الرؤيا وعابر للرؤيا و هذه اللام تسمي لام التعقيب لأنها عقبت الإضافة والعابر الناظر في الشيء والمعبر المستدل بالشيء علي الشيء و منه الحديث للرؤيا كني وأسماء فكنوها بكناها واعتبروها بأسمائها و منه حديث ابن سيرين كان يقول إني أعتبر الحديث المعني فيه أنه يعبر الرؤيا علي الحديث ويعتبر به كمايعتبرها بالقرآن في تأويلها مثل أن يعبر الغراب بالرجل الفاسق والضلع بالمرأة لأن النبي ص سمي الغراب فاسقا وجعل المرأة كالضلع ونحو ذلك من الكني والأسماء انتهي قوله ع علي ماتعبر أي تقع موافقة لماعبرت به
33-الكاَفيِ، عَن عِدّةٍ مِن أَصحَابِهِ عَن سَهلِ بنِ زِيَادٍ وَ عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ غَالِبٍ عَن جَابِرِ بنِ يَزِيدَ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع أَنّ رَسُولَ اللّهِص كَانَ يَقُولُ إِنّ رُؤيَا المُؤمِنِ تُرَفّ بَينَ السّمَاءِ وَ الأَرضِ
صفحه : 174
عَلَي رَأسِ صَاحِبِهَا حَتّي يُعَبّرَهَا لِنَفسِهِ أَو يُعَبّرَهَا لَهُ مِثلُهُ فَإِذَا عُبّرَت لَزِمَتِ الأَرضَ فَلَا تَقُصّوا رُؤيَاكُم إِلّا عَلَي مَن يَعقِلُ
بيان في القاموس رف الطائر أي بسط جناحيه كرفرف والرفرفة تحريك الظليم جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه انتهي و في تشبيه الرؤيا بالطير وإثبات الرفرفة وترشيحه بالقص ألذي هوقطع الجناح وبلزوم الأرض لطائف لاتخفي و في النهاية في حديث الرؤيا لاتقصها إلا علي واد يقال قصصت الرؤيا علي فلان إذاأخبرته بهاأقصها قصا والقص البيان
34- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ عَنِ القَاسِمِ بنِ عُروَةَ عَن أَبِي بَصِيرٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص الرّؤيَا لَا تُقَصّ إِلّا عَلَي مُؤمِنٍ خَلَا مِنَ الحَسَدِ وَ البغَيِ
بيان إنما اشترط ع ذلك لئلا يتعمد المعبر تعبيرها بالسوء حسدا وبغيا أقول رَوَي البغَوَيِّ فِي شَرحِ السّنّةِ عَن جَابِرٍ قَالَ أَتَي النّبِيّص رَجُلٌ وَ هُوَ يَخطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيتُ فِيمَا يَرَي النّائِمُ البَارِحَةَ كَأَنّ عنُقُيِ ضُرِبَت فَسَقَطَ رأَسيِ فَاتّبَعتُهُ فَأَخَذتُهُ ثُمّ أَعَدتُهُ مَكَانَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِص إِذَا لَعِبَ الشّيطَانُ بِأَحَدِكُم فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدّثَنّ بِهِ النّاسَ
عَن أَبِي سَلَمَةَ قَالَ كُنتُ أَرَي الرّؤيَا فيَهُمِنّيِ حَتّي سَمِعتُ أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ كُنتُ أَرَي الرّؤيَا فيَمُرضِنُيِ حَتّي سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِص يَقُولُ الرّؤيَا الصّالِحَةُ مِنَ اللّهِ فَإِذَا رَأَي أَحَدُكُم مَا يُحِبّ فَلَا يُحَدّث بِهِ إِلّا مَن يُحِبّ وَ إِذَا رَأَي مَا يَكرَهُ فَلَا يُحَدّث بِهِ وَ ليَنقُل عَن يَسَارِهِ وَ ليَتَعَوّذ بِاللّهِ مِنَ الشّيطَانِ الرّجِيمِ وَ مِن شَرّ مَا رَأَي فَإِنّهَا لَن تَضُرّهُ
ثم قال فيه إرشاد للمستعبر لموضع رؤياه فإن رأي مايكره لايحدث به حتي لايستقبله في تعبيرها مايزداد به هما فإن رأي مايحبه فلايحدث به إلا من يحبه لأنه لايأمن ممن لايحبه أن يعبره حسدا علي غيروجهه فيغمه أويكيده بأمر كماأخبر الله تعالي عن يعقوب حين قص عليه يوسف رؤياه
صفحه : 175
لا تَقصُص رُؤياكَ عَلي إِخوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيداً
وَ روُيَِ عَن أَبِي رَزِينٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص الرّؤيَا جُزءٌ مِن سِتّةٍ وَ أَربَعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ وَ هيَِ عَلَي رِجلِ طَائِرٍ فَإِذَا حَدّثتَ بِهَا وَقَعَت وَ أَحسَبُهُ قَالَ لَا تُحَدّث بِهَا إِلّا حَبِيباً أَو لَبِيباً
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي الرّؤيَا عَلَي رِجلِ طَائِرٍ مَا لَم يُعَبّر فَإِذَا عُبّرَت وَقَعَت قَالَ وَ أَحسَبُهُ قَالَ وَ لَا تَقُصّهَا إِلّا عَلَي وَادّ أَو ذيِ رأَيٍ
الواد لايحب أن يستقبلك في تفسيرها إلابما تحب و إن لم يكن عالما بالعبارة لم يعجل لك بما يغمك و أماذو الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها أوبأقرب مما تعلم منها ولعله أن يكون في تفسيرها موعظة يردعك عن قبيح ما أنت عليه أو يكون فيهابشري فتشكر الله عليها قال وروي أبوأيوب مرسلا أن النبي ص قال إن الرؤيا يقع علي ماعبر ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متي يضعها و إذارأي أحدكم رؤيا فلايحدث بها إلاناصحا أوعالما انتهي . و قال في النهاية فيه الرؤيا لأول عابر وهي علي رجل طائر لأول عابر أي إذاعبرها بر صادق عالم بأصولها وفروعها واجتهد فيهاوقعت له دون غيره ممن فسرها بعده وهي علي رجل طائر أي أنها علي رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أوشر و إن ذلك هو ألذي قسمه الله تعالي لصاحبها من قولهم اقتسموا دارا فطار سهم فلان في ناحيتها أي وقع سهمه وخرج و كل حركة من كلمة أو شيءيجري لك فهو طائر والمراد أن الرؤيا هي التي يعبرها المعبر الأول فكأنها كانت علي رجل طائر فسقطت ووقعت حيث عبرت كمايسقط ألذي يكون علي رجل الطائر بأدني حركة
35- غوَاَليِ اللئّاَليِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِص بَينَا أَنَا نَائِمٌ إِذَا أُتِيتُ بِقَدَحٍ مِن لَبَنٍ فَشَرِبتُ مِنهُ حَتّي إنِيّ لَأَرَي الريّّ يَخرُجُ مِن بَينِ أظَاَفيِريِ قَالُوا بِمَا أَوّلتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ العِلمِ
بيان قال في فتح الباري و في رواية من أطرافي ويحتمل أن يكون بصر به و هوالظاهر و أن يكون علمه ويؤيد الأول ما في رواية أخري فشربت منه حتي
صفحه : 176
رأيته يجري في عروقي بين الجلد واللحم علي أنه محتمل أيضا و قال في حديث أبي هريرة اللبن في المنام فطرة و في رواية أبي بكرة من رأي أنه يشرب لبنا فهو الفطرة و في حديث الإسراء حين أتي بقدح خمر وقدح لبن فأخذ اللبن فقال له جبرئيل أخذت الفطرة و قال إن من الرؤيا مايدل علي الماضي والحال والمستقبل و هذه أولت علي الماضي فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قدوقع لأن ألذي أعطيه من العلم كان قدحصل له قال وذكر الدينوري أن اللبن المذكور فيهايختص بالإبل و أنه لشاربه مال حلال وعلم وحكمة قال ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة ولبن السباع غيرمحمود إلا أن لبن اللبؤة مال مع عداوة لذي أمر
36- جَامِعُ الأَخبَارِ، فِي كِتَابِ التّعبِيرِ عَنِ الأَئِمّةِ ع أَنّ رُؤيَا المُؤمِنِ صَحِيحَةٌ لِأَنّ نَفسَهُ طَيّبَةٌ وَ يَقِينَهُ صَحِيحٌ وَ تَخرُجُ فَتَتَلَقّي مِنَ المَلَائِكَةِ فهَيَِ وحَيٌ مِنَ اللّهِ العَزِيزِ الجَبّارِ وَ قَالَ ع انقَطَعَ الوحَيُ وَ بقَيَِ المُبَشّرَاتُ أَلَا وَ هيَِ نَومُ الصّالِحِينَ وَ الصّالِحَاتِ وَ لَقَد حدَثّنَيِ أَبِي عَن جدَيّ عَن أَبِيهِ ع أَنّ رَسُولَ اللّهِص قَالَ مَن رآَنيِ فِي مَنَامِهِ فَقَد رآَنيِ فَإِنّ الشّيطَانَ لَا يَتَمَثّلُ فِي صوُرتَيِ وَ لَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِن أوَصيِاَئيِ وَ لَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِن شِيعَتِهِم وَ إِنّ الرّؤيَا الصّادِقَةَ جُزءٌ مِن سَبعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
37- كَمَالُ الدّينِ،يُروَي فِي الأَخبَارِ الصّحِيحَةِ عَن أَئِمّتِنَا ع أَنّ مَن رَأَي رَسُولَ اللّهِص أَو أَحَداً مِنَ الأَئِمّةِ ع قَد دَخَلَ مَدِينَةً أَو قَريَةً فِي مَنَامِهِ فَإِنّهُ أَمنٌ لِأَهلِ المَدِينَةِ أَوِ القَريَةِ مِمّا يَخَافُونَ وَ يَحذَرُونَ وَ بُلُوغٌ لِمَا يَأمُلُونَ وَ يَرجُونَ
38-الفَقِيهُ، قَالَأَتَي رَسُولَ اللّهِص رَجُلٌ مِن أَهلِ البَادِيَةِ لَهُ جِسمٌ وَ جَمَالٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أخَبرِنيِ عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّالّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتّقُونَ لَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا وَ فِي الآخِرَةِ فَقَالَ أَمّا قَولُهُلَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيافهَيَِ
صفحه : 177
الرّؤيَا الحَسَنَةُ يَرَاهَا المُؤمِنُ فَيُبَشّرُ بِهَا فِي دُنيَاهُ وَ أَمّا قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ فِي الآخِرَةِفَإِنّهَا بِشَارَةُ المُؤمِنِ عِندَ المَوتِ يُبَشّرُ بِهَا عِندَ مَوتِهِ أَنّ اللّهَ قَد غَفَرَ لَكَ وَ لِمَن يَحمِلُكَ إِلَي قَبرِكَ
39- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن مُعَمّرِ بنِ خَلّادٍ عَنِ الرّضَا ع قَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِص إِذَا أَصبَحَ قَالَ لِأَصحَابِهِ هَل مِن مُبَشّرَاتٍ يعَنيِ بِهِ الرّؤيَا
بيان روت العامة أيضا هذه الرواية بإسنادهم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ص يقول لم يبق من النبوة إلاالمبشرات قالوا و ماالمبشرات قال الرؤيا الصالحة
40- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن هِشَامِ بنِ سَالِمٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ رأَيُ المُؤمِنِ وَ رُؤيَاهُ فِي آخِرِ الزّمَانِ عَلَي سَبعِينَ جُزءاً مِن أَجزَاءِ النّبُوّةِ
بيان لماغيب الله تعالي في آخر الزمان عن الناس حجتهم تفضل عليهم وأعطاهم رأيا في استنباط الأحكام الشرعية مما وصل إليهم من أئمتهم ع و لماحجب عنهم الوحي وخزانه أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد مما كان لغيرهم ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل حدوثها وقيل إنما يكون هذا في زمان القائم ع علي سبعين جزءا لعل المراد أن للنبوة أجزاء كثيرة سبعون منها من قبل الرأي أي الاستنباط اليقيني لاالاجتهاد والتظني والرؤيا الصادقة فهذا المعني الحاصل لأهل آخر الزمان علي نحو تلك السبعين ومشابه لها و إن كان في النبي أقوي ويحتمل أن يكون المعني علي نحو بعض أجزاء السبعين كماورد أن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين
صفحه : 178
جزءا من النبوة و قدروت العامة بأسانيد عَن أَنَسٍ عَنِ النّبِيّص أَنّهُ قَالَ الرّؤيَا الحَسَنَةُ مِنَ الرّجُلِ الصّالِحِ جُزءٌ مِن سِتّةٍ وَ أَربَعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
قال البغوي في شرح السنة أراد تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده وإنما كانت جزءا من النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي وقرأإنِيّ أَري فِي المَنامِالآية وقيل إنها جزء من أجزاء علم النبوة وعلم النبوة باق والنبوة غيرباقية أوأراد به أنها كالنبوة في الحكم بالصحة كما قال ص الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة أي هذه الخصال في الحسن والاستحباب كجزء من أجزاء النبوة و هذه الخلال جزء من شمائل الأنبياء وجزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا فيهابهم لاأنها حقيقة نبوة لأن النبوة لاتتجزي و لانبوة بعد محمدص و هومعني قوله ع ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها المسلم أويري له وقيل معني قوله جزء من ستة وأربعين أن مدة الوحي علي رسول الله من حين بدأ إلي أن فارق الدنيا كان ثلاثا وعشرين سنة و كان ستة أشهر منها في أول الأمر يوحي إليه في النوم و هونصف سنة فكانت مدة وحيه في النوم جزء من ستة وأربعين جزءا من أيام الوحي انتهي . و قال الجزري في النهاية الجزء القطعة والنصيب من الشيء و منه الحديث الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وإنما خص هذاالعدد لأن عمر النبي ص في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثا وستين سنة وكانت مدة نبوته منها ثلاثا وعشرين سنة لأنه بعث عنداستيفاء الأربعين و كان في أول العمر يري الوحي في المنام ودام كذلك نصف سنة ثم رأي الملك في اليقظة فإذانسب مدة الوحي في النوم وهي نصف سنة إلي مدة نبوته وهي ثلاث وعشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزءا و ذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزءا و قدتعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا بهذا العدد وجاء في بعضها من خمسة وأربعين جزءا ووجه ذلك أن عمره لم يكن قداستكمل ثلاثا وستين ومات في أثناء السنة الثالثة والستين ونسبة نصف السنة إلي اثنتين وعشرين سنة وبعض الأخري نسبة جزء من خمسة وأربعين و في
صفحه : 179
بعض الروايات جزء من أربعين و يكون محمولا علي من روي أن عمره كان ستين سنة فيكون نسبة نصف سنة إلي عشرين سنة كنسبة جزء إلي أربعين انتهي . و قال الخطابي في أعلام الحديث هذا و إن كان وجها قديحتمله الحساب والعدد فإن أول مايجب من الشرط فيه أن يثبت ماقاله من ذلك بخبر أورواية و لم نسمع فيه خبرا و لاذكر قائل هذه المقالة في مابلغني عنه في ذلك أثرا فهو كأنه ظن وحسبان والظن لايغني من الحق شيئا ولئن كانت هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة علي ماذهب إليه من هذه القسمة لقد كان يجب أن يلحق بهاسائر الأوقات التي كان يوحي إليه في منامه في تضاعيف أيام حياته و أن تلتقط وتلفق وتزداد في أصل الحساب و إذاصرنا إلي أصل هذه القضية بطلت هذه القسمة وسقط هذاالحساب من أصله و قدثبت عن رسول الله ص في عدة أحاديث من روايات كثيرة أنه كان يري الرؤيا المختلفة في أمور الشريعة ومهمات أسباب الدين فيقصها علي أصحابه فكان يقول لهم إذاأصبح من رأي منكم رؤيا فيقصونها عليه و قال لهم يوم أحد رأيت في سيفي ثلمة ورأيت كأني مردف كبشا فتأولت ثلمة السيف أنه يصاب في أصحابه و أنه يقتل كبش القوم ثم ذكر رؤيا كثيرة فقال و هذه كلها بعدالهجرة وأعلي هذه كلها مانطق به الكتاب من رؤيا الفتح في قوله جل و عزلَقَد صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤيا بِالحَقّالآية و قوله وَ ما جَعَلنَا الرّؤيَا التّيِ أَرَيناكَ إِلّا فِتنَةً لِلنّاسِالآية فدل ماذكرناه من هذا و ماتركناه من هذاالباب علي ضعف هذاالتأويل ونقول إن هذاالحديث صحيح وجملة ما فيه حق و ليس كل مايخفي علينا علته لاتلزمنا حجته و قدنري أعداد ركعات الصلوات وأيام الصيام ورمي الجمار محصورة في حساب معلوم و ليس يمكننا أن نصل من علمها إلي أمر يوجب حصرها تحت هذه الأعداد دون ما هوأكثر منها أوأقل فلم يكن ذهابنا عن معرفة ذلك قادحا في موجب الاعتقاد منا في اللازم من أمرها ومعني الحديث تحقيق أمر الرؤيا وأنها مما كان الأنبياء يثبتونه ويحققونه وأنها كانت جزءا
صفحه : 180
من أجزاء ألذي كان يأتيهم والأنباء التي كان ينزل بهاالوحي عليهم انتهي . و قال بعض شراح البخاري الرؤيا جزء من النبوة أي في حق الأنبياء فإنهم يوحي إليهم في المنام وقيل الرؤيا تأتي علي وفق النبوة لاأنها جزء باق منها وقيل هي من الأنباء أي أنباء صدق من الله لاكذب فيه و لاحرج في الأخذ بظاهره فإن أجزاء النبوة لاتكون نبوة فلاينافي حينئذ ذهبت النبوة ثم رؤيا الكافر قديصدق لكن لا يكون جزءا منها إذ المراد الرؤيا الصالحة من المؤمن الصالح جزء منها. و قال النووي في شرح صحيح مسلم وجّه الطبري اختلاف الروايات في عدد ما هوجزء منه باختلاف حال الرائي بالصلاح والفسق وقيل باعتبار الخفي والجلي من الرؤيا وقيل إن للمنامات شبها بما حصل له وميز به من النبوة بجزء من ستة وأربعين
41- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَنِ ابنِ فَضّالٍ عَن أَبِي جَمِيلَةَ عَن جَابِرٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللّهِص فِي قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّلَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا قَالَ هيَِ الرّؤيَا الحَسَنَةُ يَرَي المُؤمِنُ فَيُبَشّرُ بِهَا فِي دُنيَاهُ
بيان روي في شرح السنة بإسناده عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله ص عن قوله تعالي لَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا قال هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أويري له و لاتنافي بينه و بين ماورد في بعض الأخبار أنها هي البشارة عندالموت لاحتمال شمولها لهما
42- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن سَعدِ بنِ أَبِي خَلَفٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ الرّؤيَا عَلَي ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ بِشَارَةٍ مِنَ اللّهِ لِلمُؤمِنِ وَ تَحذِيرٍ مِنَ الشّيطَانِ وَ أَضغَاثِ أَحلَامٍ
صفحه : 181
بيان لعل المراد بتحذير الشيطان أنه يحذر ويخوف عن ارتكاب الأعمال الصالحة أوالمراد به الأحلام الهائلة المخوفة والظاهر أنه تصحيف تحزين لآية النجوي و قوله لِيَحزُنَ الّذِينَ آمَنُوا ولرواية محمد بن الأشعث الآتية وَ لِمَا رَوَاهُ فِي شَرحِ السّنّةِ بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص إِذَا كَانَ آخِرُ الزّمَانِ لَم يَكَد رُؤيَا المُؤمِنِ يَكذِبُ وَ أَصدَقُهُم رُؤيَا أَصدَقُهُم حَدِيثاً وَ الرّؤيَا ثَلَاثَةٌ رُؤيَا بُشرَي مِنَ اللّهِ وَ رُؤيَا مِمّا يُحَدّثُ بِهِ الرّجُلُ نَفسَهُ وَ رُؤيَا مِن تَحزِينِ الشّيطَانِ فَإِذَا رَأَي أَحَدُكُم مَا يَكرَهُ فَلَا يُحَدّث بِهِ وَ ليَقُم وَ ليُصَلّ وَ القَيدُ فِي المَنَامِ ثَبَاتٌ فِي الدّينِ وَ الغُلّ أَكرَهُهُ
ثم قال قوله والقيد ثبات في الدين لأن القيد يمنع عن النهوض والتقلب وكذلك الورع يمنعه مما لايوافق الدين و هذا إذا كان مقيدا في مسجد أوسبيل الخير و إن رآه مسافر فهو إقامة عن السفر وكذلك إذارأي دابته مقيدة و إن رآه مريض أومحبوس طال مرضه وحبسه أومكروب طال كربه والغل كفر لقوله تعالي غُلّت أَيدِيهِم وَ لُعِنُوا بِما قالُواإِنّا جَعَلنا فِي أَعناقِهِم أَغلالًا و قد يكون بخلا قال تعالي وَ لا تَجعَل يَدَكَ مَغلُولَةً إِلي عُنُقِكَ و قد يكون كفّا عن المعاصي إذا كان في الرؤيا مايدل علي الصلاح بأن يري ذلك لرجل صالح
43- مَجَالِسُ ابنِ الشّيخِ، عَن وَالِدِهِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ الصّلتِ عَنِ ابنِ عُقدَةَ عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ الحسَنَيِّ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَلِيّ عَنِ الرّضَا عَن عَلِيّ ع قَالَ رُؤيَا الأَنبِيَاءِ وحَيٌ
44- وَ مِنهُ، عَن وَالِدِهِ عَن أَبِي القَاسِمِ بنِ شِبلٍ عَن ظَفرِ بنِ حُمدُونٍ عَن
صفحه : 182
اِبرَاهِيمَ بنِ إِسحَاقَ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي وَ مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ عَن عَلِيّ بنِ النّعمَانِ عَن يَزِيدَ بنِ إِسحَاقَ شَعِرٍ عَن هَارُونَ بنِ حَمزَةَ قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع يَقُولُ إِنّ مِنّا لَمَن يُنكَتُ فِي قَلبِهِ وَ إِنّ مِنّا لَمَن يُؤتَي فِي مَنَامِهِ وَ إِنّ مِنّا لَمَن يَسمَعُ الصّوتَ مِثلَ صَوتِ السّلسِلَةِ فِي الطّشتِ وَ إِنّ مِنّا لَمَن يَأتِيهِ صُورَةٌ أَعظَمُ مِن جَبرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ ع
45- المَكَارِمُ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِص كَثِيرَ الرّؤيَا وَ لَا يَرَي رُؤيَا إِلّا جَاءَت مِثلَ فَلَقِ الصّبحِ
46- مَجَالِسُ الصّدُوقِ، عَن مُحَمّدِ بنِ عُمَرَ البغَداَديِّ عَنِ الحَسَنِ بنِ عُثمَانَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ مُوسَي عَن مَرِيسَةَ بِنتِ مُوسَي بنِ يُونُسَ عَن صَفِيّةَ بِنتِ يُونُسَ عَن بَهجَةَ بِنتِ الحَارِثِ عَن خَالِهَا عَبدِ اللّهِ بنِ مَنصُورٍ قَالَ سَأَلتُ جَعفَرَ بنَ مُحَمّدٍ ع عَن مَقتَلِ الحُسَينِ بنِ رَسُولِ اللّهِص فَقَالَ حدَثّنَيِ أَبِي عَن أَبِيهِ وَ سَاقَ الحَدِيثَ الطّوِيلَ فِي قِصّةِ كَربَلَاءَ وَ سَفَرِهِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ إِلَي العِرَاقِ إِلَي أَن قَالَ فَهَمّ بِالخُرُوجِ مِن أَرضِ الحِجَازِ إِلَي أَرضِ العِرَاقِ فَلَمّا أَقبَلَ اللّيلُ رَاحَ إِلَي مَسجِدِ النّبِيّص لِيُوَدّعَ القَبرَ فَقَامَ يصُلَيّ فَأَطَالَ فَنَعَسَ وَ هُوَ سَاجِدٌ فَجَاءَ النّبِيّص وَ هُوَ فِي مَنَامِهِ فَأَخَذَ الحُسَينَ ع وَ ضَمّهُ إِلَي صَدرِهِ وَ جَعَلَ يُقَبّلُ عَينَيهِ وَ يَقُولُ بأِبَيِ أَنتَ كأَنَيّ أَرَاكَ مُرَمّلًا بِدَمِكَ بَينَ عِصَابَةٍ مِن هَذِهِ الأُمّةِ يَرجُونَ شفَاَعتَيِ مَا لَهُم عِندَ اللّهِ مِن خَلَاقٍ يَا بنُيَّ إِنّكَ قَادِمٌ عَلَي أَبِيكَ وَ أُمّكَ وَ أَخِيكَ وَ هُم مُشتَاقُونَ إِلَيكَ وَ إِنّ لَكَ فِي الجَنّةِ دَرَجَاتٍ لَا تَنَالُهَا إِلّا بِالشّهَادَةِ فَانتَبَهَ الحُسَينُ ع مِن نَومِهِ بَاكِياً فَأَتَي أَهلَ بَيتِهِ فَأَخبَرَهُم بِالرّؤيَا وَ وَدّعَهُم وَ سَاقَ إِلَي أَن قَالَ ثُمّ سَارَ حَتّي نَزَلَ العُذَيبَ فَقَالَ فِيهَا قَائِلَةَ الظّهِيرَةِ ثُمّ انتَبَهَ مِن نَومِهِ بَاكِياً فَقَالَ لَهُ ابنُهُ مَا يُبكِيكَ يَا أَبَه فَقَالَ يَا بنُيَّ إِنّهَا سَاعَةٌ لَا تَكذِبُ الرّؤيَا فِيهَا وَ إِنّهُ عَرَضَ لِي فِي منَاَميِ عَارِضٌ فَقَالَ تُسرِعُونَ السّيرَ وَ المَنَايَا تَسِيرُ بِكُم إِلَي الجَنّةِ الحَدِيثَ
47-ثَوَابُ الأَعمَالِ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ الصّفّارِ عَن
صفحه : 183
يَعقُوبَ بنِ يَزِيدَ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ المُثَنّي عَن هِشَامِ بنِ أَحمَدَ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ مُسكَانَ وَ مُحَمّدِ بنِ مَروَانَ عَن مَروَانَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ ثَلَاثَةٌ يُعَذّبُونَ يَومَ القِيَامَةِ مَن صَوّرَ صُورَةً مِنَ الحَيَوَانِ حَتّي يَنفُخَ فِيهَا وَ لَيسَ بِنَافِخٍ فِيهَا وَ ألّذِي يَكذِبُ فِي مَنَامِهِ يُعَذّبُ حَتّي يَعقِدَ بَينَ شَعِيرَتَينِ وَ لَيسَ بِعَاقِدِهِمَا وَ المُستَمِعُ مِن قَومٍ وَ هُم لَهُ كَارِهُونَ يُصَبّ فِي أُذُنَيهِ الآنُكُ وَ هُوَ الأُسرُبّ
48- الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ أَبِي نَصرٍ عَن حَمّادِ بنِ عُثمَانَ عَن أَبِي بَصِيرٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ إِنّ رَجُلًا كَانَ عَلَي أَميَالٍ مِنَ المَدِينَةِ فَرَأَي فِي مَنَامِهِ فَقِيلَ لَهُ انطَلِق فَصَلّ عَلَي أَبِي جَعفَرٍ فَإِنّ المَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ فِي البَقِيعِ فَجَاءَ الرّجُلُ فَوَجَدَ أَبَا جَعفَرٍ ع قَد توُفُيَّ
49- تَوحِيدُ المُفَضّلِ، فَكّر يَا مُفَضّلُ فِي الأَحلَامِ كَيفَ دَبّرَ الأَمرَ فِيهَا فَمَزّجَ صَادِقَهَا بِكَاذِبِهَا فَإِنّهَا لَو كَانَت كُلّهَا تَصدُقُ لَكَانَ النّاسُ كُلّهُم أَنبِيَاءَ وَ لَو كَانَت كُلّهَا تَكذِبُ لَم يَكُن فِيهَا مَنفَعَةٌ بَل كَانَت فَضلًا لَا مَعنَي لَهُ فَصَارَت تَصدُقُ أَحيَاناً فَيَنتَفِعُ بِهَا النّاسُ فِي مَصلَحَةٍ يهَتدَيِ لَهَا أَو مَضَرّةٍ يَتَحَذّرُ مِنهَا وَ تَكذِبُ كَثِيراً لِئَلّا يَعتَمِدَ عَلَيهَا كُلّ الِاعتِمَادِ
50- مَنَاقِبُ الخوُاَرزِميِّ، قَالَ لَمّا كَانَ وَقتُ السّحَرِ فِي اللّيلَةِ التّيِ حُوصِرَ فِيهَا الحُسَينُ ع خَفَقَ بِرَأسِهِ خَفقَةً ثُمّ استَيقَظَ فَقَالَ رَأَيتُ فِي منَاَميِ السّاعَةَ كَأَنّ كِلَاباً قَد شَدّت عَلَيّ لتِنَهشَنَيِ وَ فِيهَا كَلبٌ أَبقَعُ رَأَيتُهُ أَشَدّهَا عَلَيّ وَ أَظُنّ أَنّ ألّذِي يَتَوَلّي قتَليِ رَجُلٌ أَبرَصُ مِن بَينِ هَؤُلَاءِ القَومِ الخَبَرَ
51-دَعَوَاتُ الراّونَديِّ،حَدّثَ أَبُو عُمَرَ القاَضيِ أَنّ أَبَا يُوسُفَ اعتَلّ فَقَالَ لَيلَةً رَأَيتُ قَائِلًا يَقُولُ كُل لَا وَ اشرَب لَا فَإِنّكَ تَبرَأُ فَأَرسَلنَا إِلَي أَبِي عَلِيّ الخَيّاطِ فَقَالَ مَا سَمِعتُ بِأَعجَبَ مِن هَذَا وَ المَنَامَاتُ تُعَبّرُ مِنَ القُرآنِ وَ الحَدِيثِ فأَنَظرِوُنيِ حَتّي
صفحه : 184
أُفَكّرَ فَلَمّا كَانَ مِنَ الغَدِ جَاءَنَا فَقَالَ مَرَرتُ البَارِحَةَ عَلَي هَذِهِ الآيَةِشَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيتُونَةٍ لا شَرقِيّةٍ وَ لا غَربِيّةٍفَنَظَرتُ إِلَي لَا يَتَرَدّدُ فِيهَا وَ هيَِ شَجَرَةُ الزّيتُونِ اسقُوهُ زَيتاً وَ أَطعِمُوهُ زَيتاً قَالَ فَفَعَلنَا هَذَا فَكَانَ سَبَبَ عَافِيَتِهِ
52- وَ عَن سَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِص مِمّا يُكثِرُ أَن يَقُولَ لِأَصحَابِهِ هَل رَأَي مِنكُم أَحَدٌ رُؤيَا فَيَقُصّ عَلَيهِ مَن شَاءَ اللّهُ أَن يَقُصّ وَ إِنّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ إِنّهُ أتَاَنيِ اللّيلَةَ آتِيَانِ فَقَالَا لِيَ انطَلِق فَانطَلَقتُ مَعَهُم فأَخَرجَاَنيِ إِلَي الأَرضِ المُقَدّسَةِ فَأَتَينَا عَلَي رَجُلٍ مُضطَجِعٍ وَ إِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيهِ بِصَخرَةٍ فَإِذَا هُوَ يهَويِ بِالصّخرَةِ لِرَأسِهِ فَيُثلَغُ رَأسُهُ فَيَتَدَهدَهُ الحَجَرُ هَاهُنَا فَيَتبَعُ الحَجَرَ فَيَأخُذُهُ فَلَا يَرجِعُ إِلَيهِ حَتّي يَصِحّ رَأسُهُ كَمَا كَانَ ثُمّ يَعُودُ عَلَيهِ فَيَفعَلُ بِهِ مِثلَ مَا فَعَلَ فِي المَرّةِ الأُولَي قُلتُ لَهُمَا سُبحَانَ اللّهِ مَا هَذَانِ قَالَا لِي انطَلِق فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَي رَجُلٍ مُستَلقٍ لِقَفَاهُ وَ إِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيهِ بِكَلّوبٍ مِن حَدِيدٍ وَ إِذَا هُوَ يأَتيِ أَحَدَ شقِيّ وَجهِهِ فَيُشَرشِرُ شِدقَهُ إِلَي قَفَاهُ وَ مَنخِرَهُ إِلَي قَفَاهُ وَ عَينَهُ إِلَي قَفَاهُ ثُمّ يَتَحَوّلُ إِلَي الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفعَلُ بِهِ مِثلَ مَا فَعَلَ فِي الجَانِبِ الأَوّلِ فَمَا يَفرُغُ مِن ذَلِكَ الجَانِبِ حَتّي يَصِحّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمّ يَعُودُ عَلَيهِ فَيَفعَلُ مِثلَ مَا فَعَلَ فِي المَرّةِ الأُولَي قُلتُ سُبحَانَ اللّهِ مَا هَذَانِ قَالَا لِي انطَلِق فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَي مِثلِ التّنّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَ أَصوَاتٌ فَاطّلَعنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَ نِسَاءٌ عُرَاةٌ فَإِذَا هُم يَأتِيهِم لَهَبٌ مِن أَسفَلَ مِنهُم فَإِذَا أَتَاهُم ذَلِكَ اللّهَبُ ضَوضَوا قُلتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالَا لِي انطَلِق فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَي
صفحه : 185
نَهَرٍ أَحمَرَ مِثلَ الدّمِ وَ إِذَا فِي النّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسبَحُ وَ إِذَا عَلَي شَاطِئِ النّهَرِ رَجُلٌ عِندَهُ حِجَارَةٌ كَثِيرَةٌ وَ إِذَا ذَلِكَ السّابِحُ يَسبَحُ مَا يَسبَحُ ثُمّ يأَتيِ ألّذِي قَد جَمَعَ عِندَهُ الحِجَارَةَ فَيَفغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلقِمُهُ حَجَراً فَيَنطَلِقُ فَيَسبَحُ ثُمّ يَرجِعُ إِلَيهِ وَ كُلّمَا رَجَعَ إِلَيهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلقَمَهُ حَجَراً قُلتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ قَالَا لِي انطَلِق فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَي رَجُلٍ كَرِيهِ المَرآةِ كَأَكرَهِ مَا أَنتَ رَاءٍ وَ إِذَا هُوَ عِندَهُ نَارٌ لَهُ يَحُشّهَا وَ يَسعَي حَولَهَا قُلتُ لَهُمَا مَا هَذَا فَقَالَا لِي انطَلِق فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَي رَوضَةٍ مُعتَمّةٍ فِيهَا مِن كُلّ نَورِ الرّبِيعِ وَ إِذَا بَينَ ظهَريَِ الرّوضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَي رَأسَهُ طُولًا فِي السّمَاءِ وَ إِذَا حَولَ الرّجُلِ مِن أَكثَرِ وِلدَانٍ مَا رَأَيتُهُم قَطّ قُلتُ لَهُمَا مَا هَؤُلَاءِ قَالَا لِي انطَلِق فَانطَلَقنَا فَانتَهَينَا إِلَي رَوضَةٍ عَظِيمَةٍ لَم أَرَ رَوضَةً قَطّ أَعظَمَ مِنهَا وَ لَا أَحسَنَ قَالَا لِيَ ارقَ فِيهَا فَارتَقَينَا فِيهَا فَانتَهَينَا إِلَي مَدِينَةٍ مَبنِيّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَ لَبِنِ فِضّةٍ فَأَتَينَا بَابَ المَدِينَةِ فَاستَفتَحنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلنَاهَا فَتَلَقّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطرٌ مِن خَلقِهِم كَأَحسَنِ مَا أَنتَ رَاءٍ وَ شَطرٌ كَأَقبَحِ مَا أَنتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمُ اذهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النّهَرِ فَإِذَا نَهَرٌ مُعتَرِضٌ يجَريِ كَانَ مَاءُهُ المَحضَ فِي البَيَاضِ فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمّ رَجَعُوا إِلَينَا فَذَهَبَ السّوءُ عَنهُم فَصَارُوا فِي أَحسَنِ صُورَةٍ قَالَا لِي هَذِهِ جَنّةُ عَدنٍ وَ هُنَاكَ مَنزِلُكَ فَسَمَا بصَرَيِ صُعُداً فَإِذَا قَصرٌ مِثلُ الرّبَابَةِ البَيضَاءِ قَالَا لِي هَذَا مَنزِلُكَ قُلتُ لَهُمَا بَارَكَ اللّهُ فِيكُمَا ذرَاَنيِ أَدخُلهُ قَالَا أَمّا الآنَ فَلَا وَ أَنتَ دَاخِلُهُ قُلتُ لَهُمَا فإَنِيّ رَأَيتُ مُنذُ اللّيلَةِ عَجَباً فَمَا هَذَا ألّذِي رَأَيتُ قَالَا لِي أَمَا إِنّا سَنُخبِرُكَ أَمّا الرّجُلُ الأَوّلُ ألّذِي أَتَيتَ عَلَيهِ فَيُثلَغُ رَأسُهُ بِالحَجَرِ فَإِنّهُ الرّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرفُضُهُ وَ يَنَامُ عَنِ الصّلَاةِ المَكتُوبَةِ يُفعَلُ بِهِ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ وَ أَمّا الرّجُلُ ألّذِي أَتَيتَ عَلَيهِ يُشَرشِرُ شِدقَهُ إِلَي قَفَاهُ وَ مَنخِرَهُ إِلَي قَفَاهُ وَ عَينَهُ إِلَي قَفَاهُ فَإِنّهُ الرّجُلُ يَغدُو مِن بَيتِهِ فَيَكذِبُ الكَذِبَةَ تَبلُغُ الآفَاقَ فَيُصنَعُ بِهِ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ وَ أَمّا الرّجَالُ وَ النّسَاءُ العُرَاةُ الّذِينَ فِي مِثلِ التّنّورِ فَإِنّهُمُ الزّنَاةُ وَ الزوّاَنيِ وَ أَمّا الرّجُلُ ألّذِي أَتَيتَ عَلَيهِ يَسبَحُ فِي النّهَرِ وَ يُلقَمُ الحِجَارَةَ فَإِنّهُ آكِلُ الرّبَا وَ أَمّا الرّجُلُ الكَرِيهُ المَرآةِ ألّذِي عِندَهُ النّارُ يَحُشّهَا
صفحه : 186
فَإِنّهُ مَالِكٌ خَازِنُ النّارِ وَ أَمّا الرّجُلُ الطّوِيلُ ألّذِي فِي الرّوضَةِ فَإِنّهُ اِبرَاهِيمُ ع وَ أَمّا الوِلدَانُ الّذِينَ حَولَهُ فَكُلّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَي الفِطرَةِ وَ أَمّا القَومُ الّذِينَ كَانُوا شَطرٌ مِنهُم حَسَنٌ وَ شَطرٌ مِنهُم قَبِيحٌ فَإِنّهُم قَومٌخَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيّئاًتَجَاوَزَ اللّهُ عَنهُم وَ أَنَا جَبرَئِيلُ وَ هَذَا مِيكَائِيلُ
تبيين أقول هذه الرواية رواها الخطابي في كتاب أعلام الدين وزاد بعد قوله مات علي الفطرة قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله ص وأولاد المشركين و قال الجزري في النهاية الثلغ الشدخ و هوضربك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتي يتشدخ و منه حديث الرؤيا و إذا هويهوي بالصخرة فيثلغ بهارأسه و قال في حديث الرؤيا فيتدهدي الحجر فيتبعه فيأخذه أي يتدحرج يقال دهديت الحجر ودهدهته و قال الكلوب بالتشديد حديدة معوجة الرأس و قال فيشرشر شدقه أي يشقه ويقطعه والشدق طرف الفم و قال اللغط صوت وضجة لايفهم معناه و قال ضوضوا أي ضجوا واستغاثوا والضوضاة أصوات الناس وغلبتهم وهي مصدر و قال فيفغر فاه أي يفتحه و قال كريه المرآة أي قبيح المنظر يقال رجل حسن المنظر والمرآة وحسن في مرآة العين وهي مفعلة من الرؤية و قال يحشها أي يوقدها يقال حششت النار أحشها إذاألهبتها وأضرمتها و قال علي روضة معتمة أي وافية النبات طويلة انتهي . و قال الخطابي يعني كافية النبات والعميم الطويل من النبات كقول الأعشي
ؤزر بعميم النبت مكتهل |
ويقال جارية عميمة أي طويلة القد و في النهاية المحض في اللغة اللبن الخالص غيرمشوب بشيء و قال الربابة بالفتح السحابة التي ركب بعضها بعضا و قال الخطابي و أما قوله ص وأولاد المشركين فظاهره أنه ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة و إن كان قدحكم بحكم آبائهم في الدنيا و ذلك أنه سئل عن ذراري المشركين فقال هم من آبائهم وللناس فيهم اختلاف
صفحه : 187
وعامة أهل السنة علي أن حكمهم حكم آبائهم في الكفر و قدذهبت طائفة منهم إلي أنهم في الآخرة من أهل الجنة و قدرويت آثار عن نفر من الصحابة واحتجوا لهذه المقالة بِحَدِيثِ النّبِيّص كُلّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَي الفِطرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَ يُنَصّرَانِهِ وَ يُمَجّسَانِهِ
واحتجوا بقول الله عز و جل وَ إِذَا المَوؤُدَةُ سُئِلَت بأِيَّ ذَنبٍ قُتِلَت واحتجوا بقول الله عز و جل يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدانٌ مُخَلّدُونَ قال بعض أهل التفسير إنهم أطفال الكفار واحتجوا لذلك بأن اسم الولدان يشتق من الولادة و لاولادة في الجنة فكانوا هم الذين نالتهم الولادة في الدنيا وروي عن بعضهم أنهم إن كانوا سبيا وخدما للمسلمين في الدنيا فهم كذلك خدم لهم في الجنة
53-تَفسِيرُ عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ، فِي قَولِهِ تَعَالَيإِنّمَا النّجوي مِنَ الشّيطانِحدَثّنَيِ أَبِي عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن أَبِي بَصِيرٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ كَانَ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ أَنّ فَاطِمَةَ ع رَأَت فِي مَنَامِهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِص هَمّ أَن يَخرُجَ هُوَ وَ فَاطِمَةُ وَ عَلِيّ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ ع مِنَ المَدِينَةِ فَخَرَجُوا حَتّي جَاوَزُوا مِن حِيطَانِ المَدِينَةِ فَتَعَرّضَ لَهُم طَرِيقَانِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِص ذَاتَ اليَمِينِ حَتّي انتَهَي بِهِم إِلَي مَوضِعٍ فِيهِ نَخلٌ وَ مَاءٌ فَاشتَرَي رَسُولُ اللّهِص شَاةً كَبرَاءَ وَ هيَِ التّيِ فِي إِحدَي أُذُنَيهَا نُقَطٌ بِيضٌ فَأَمَرَ بِذَبحِهَا فَلَمّا أَكَلُوا مَاتُوا فِي مَكَانِهِم فَانتَبَهَت فَاطِمَةُ بَاكِيَةً ذَعِرَةً فَلَم تُخبِر رَسُولَ اللّهِ بِذَلِكَ فَلَمّا أَصبَحَت جَاءَ رَسُولُ اللّهِص بِحِمَارٍ فَأَركَبَ عَلَيهِ فَاطِمَةَ ع وَ أَمَرَ أَن يَخرُجَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ ع مِنَ المَدِينَةِ كَمَا رَأَت فَاطِمَةُ ع فِي نَومِهَا فَلَمّا خَرَجُوا مِن حِيطَانِ المَدِينَةِ عَرَضَ لَهُ طَرِيقَانِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ذَاتَ اليَمِينِ كَمَا رَأَت فَاطِمَةُ ع حَتّي انتَهَوا إِلَي مَوضِعٍ فِيهِ نَخلٌ وَ مَاءٌ فَاشتَرَي رَسُولُ اللّهِص شَاةً كَبرَاءَ كَمَا رَأَت فَاطِمَةُ فَأَمَرَ بِذَبحِهَا فَذُبِحَت وَ شُوِيَت فَلَمّا أَرَادُوا أَكلَهَا قَامَت فَاطِمَةُ وَ تَنَحّت نَاحِيَةً مِنهُم تبَكيِ مَخَافَةَ أَن يَمُوتُوا فَطَلَبَهَا
صفحه : 188
رَسُولُ اللّهِص حَتّي وَقَعَ عَلَيهَا وَ هيَِ تبَكيِ فَقَالَ مَا شَأنُكِ يَا بُنَيّةُ قَالَت يَا رَسُولَ اللّهِ إنِيّ رَأَيتُ كَذَا وَ كَذَا فِي نوَميِ وَ قَد فَعَلتَ أَنتَ كَمَا رَأَيتُهُ فَتَنَحّيتُ عَنكُم فَلَا أَرَاكُم تَمُوتُونَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِص فَصَلّي رَكعَتَينِ ثُمّ نَاجَي رَبّهُ فَنَزَلَ عَلَيهِ جَبرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ هَذَا شَيطَانٌ يقول [يُقَالُ] لَهُ الدّهَارُ وَ هُوَ ألّذِي أَرَي فَاطِمَةَ هَذِهِ الرّؤيَا وَ يؤُذيِ المُؤمِنِينَ فِي نَومِهِم مَا يَغتَمّونَ بِهِ فَأَمَرَ جَبرَئِيلُ فَجَاءَ بِهِ إِلَي رَسُولِ اللّهِص فَقَالَ لَهُ أَنتَ أَرَيتَ فَاطِمَةَ هَذِهِ الرّؤيَا فَقَالَ نَعَم يَا مُحَمّدُ فَبَزَقَ عَلَيهِ ثَلَاثَ بَزَقَاتٍ فَشَجّهُ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ ثُمّ قَالَ جَبرَئِيلُ لِمُحَمّدٍ قُل يَا مُحَمّدُ إِذَا رَأَيتَ فِي مَنَامِكَ شَيئاً تَكرَهُهُ أَو رَأَي أَحَدٌ مِنَ المُؤمِنِينَ فَليَقُل أَعُوذُ بِمَا عَاذَت بِهِ مَلَائِكَةُ اللّهِ المُقَرّبُونَ وَ أَنبِيَاؤُهُ المُرسَلُونَ وَ عِبَادُهُ الصّالِحُونَ مِن شَرّ مَا رَأَيتُ وَ مِن رؤُياَيَ وَ تَقرَأُ الحَمدَ وَ المُعَوّذَتَينِ وَ قُل هُوَ اللّهُ أَحَدٌ وَ تَتفُلُ عَن يَسَارِكِ ثَلَاثَ تَفَلَاتٍ فَإِنّهُ لَا يَضُرّهُ مَا رَأَي وَ أَنزَلَ اللّهُ عَلَي رَسُولِهِإِنّمَا النّجوي مِنَ الشّيطانِالآيَةَ
بيان مارأيت الكبراء بهذا المعني فيما عندنا من كتب اللغة وتعرض الشيطان لفاطمة ع وكون منامها المضاهي للوحي شيطانيا و إن كان بعيدا لكن باعتبار عدم بقاء الشبهة وزوالها سريعا وترتب المعجز من الرسول ص في ذلك والمنفعة المستمرة للأمة ببركتها يقل الاستبعاد والحديث مشهور ومتكرر في الأصول و الله يعلم
54-البَصَائِرُ، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ إِسحَاقَ عَن مُحَمّدِ بنِ فُلَانٍ الواَقفِيِّ قَالَ كَانَ لِي ابنُ عَمّ يُقَالُ لَهُ الحَسَنُ بنُ عَبدِ اللّهِ وَ كَانَ زَاهِداً وَ كَانَ مِن أَعبَدِ أَهلِ زَمَانِهِ وَ كَانَ يَلقَاهُ السّلطَانُ وَ رُبّمَا استَقبَلَ السّلطَانَ بِالكَلَامِ الصّعبِ يَعِظُهُ وَ يَأمُرُ بِالمَعرُوفِ
صفحه : 189
وَ كَانَ السّلطَانُ يَحتَمِلُ لَهُ ذَلِكَ لِصَلَاحِهِ فَلَم يَزَل هَذِهِ حَالَهُ حَتّي كَانَ يَوماً دَخَلَ أَبُو الحَسَنِ مُوسَي ع المَسجِدَ فَرَآهُ فَدَنَا إِلَيهِ ثُمّ قَالَ لَهُ يَا بَا عَلِيّ مَا أَحَبّ إلِيَّ مَا أَنتَ فِيهِ وَ أسَرَنّيِ بِكَ إِلّا أَنّهُ لَيسَت بِكَ مَعرِفَةٌ فَاذهَب فَاطلُبِ المَعرِفَةَ قَالَ جُعِلتُ فِدَاكَ وَ مَا المَعرِفَةُ قَالَ لَهُ اذهَب وَ تَفَقّه وَ اطلُبِ الحَدِيثَ قَالَ عَمّن قَالَ عَن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَ عَن فُقَهَاءِ أَهلِ المَدِينَةِ ثُمّ اعرِضِ الحَدِيثَ عَلَيّ قَالَ فَذَهَبَ فَتَكَلّمَ مَعَهُم ثُمّ جَاءَهُ فَقَرَأَهُ عَلَيهِ فَأَسقَطَهُ كُلّهُ ثُمّ قَالَ لَهُ اذهَب وَ اطلُبِ المَعرِفَةَ وَ كَانَ الرّجُلُ مَعنِيّاً بِدِينِهِ فَلَم يَزَل يَتَرَصّدُ أَبَا الحَسَنِ ع حَتّي خَرَجَ إِلَي ضَيعَةٍ لَهُ فَتَبِعَهُ وَ لَحِقَهُ فِي الطّرِيقِ فَقَالَ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ إنِيّ أَحتَجّ عَلَيكَ بَينَ يدَيَِ اللّهِ فدَلُنّيِ عَلَي المَعرِفَةِ قَالَ فَأَخبَرَهُ بِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ قَالَ لَهُ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ بَعدَ رَسُولِ اللّهِص وَ أَخبَرَهُ بِأَمرِ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ فَقَبِلَ مِنهُ ثُمّ قَالَ فَمَن كَانَ بَعدَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ قَالَ الحَسَنُ ثُمّ الحُسَينُ حَتّي انتَهَي إِلَي نَفسِهِ ع ثُمّ سَكَتَ قَالَ جُعِلتُ فِدَاكَ فَمَن هُوَ اليَومَ قَالَ إِن أَخبَرتُكَ تَقبَلُ قَالَ بَلَي جُعِلتُ فِدَاكَ فَقَالَ أَنَا هُوَ قَالَ جُعِلتُ فِدَاكَ فشَيَءٌ أَستَدِلّ بِهِ قَالَ اذهَب إِلَي تِلكَ الشّجَرَةِ وَ أَشَارَ إِلَي أُمّ غَيلَانَ فَقُل لَهَا يَقُولُ لَكِ مُوسَي بنُ جَعفَرٍ أقَبلِيِ قَالَ فَأَتَيتُهَا قَالَ فَرَأَيتُهَا وَ اللّهِ تَجُبّ الأَرضَ جُبُوباً حَتّي وَقَفَت بَينَ يَدَيهِ ثُمّ أَشَارَ إِلَيهَا فَرَجَعَت قَالَ فَأَقَرّ بِهِ ثُمّ لَزِمَ السّكُوتَ فَكَانَ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَتَكَلّمُ بَعدَ ذَلِكَ وَ كَانَ مِن قَبلِ ذَلِكَ يَرَي الرّؤيَا الحَسَنَةَ وَ تُرَي لَهُ ثُمّ انقَطَعَت عَنهُ الرّؤيَا فَرَأَي لَيلَةً أَبَا عَبدِ اللّهِ ع فِيمَا يَرَي النّائِمُ فَشَكَا إِلَيهِ انقِطَاعَ الرّؤيَا فَقَالَ لَا تَغتَمّ فَإِنّ المُؤمِنَ إِذَا رَسَخَ فِي الإِيمَانِ رُفِعَ عَنهُ الرّؤيَا
بيان الجب القطع
55-الكاَفيِ، عَن بَعضِ أَصحَابِهِ عَن عَلِيّ بنِ العَبّاسِ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ عَن أَبِي الحَسَنِ الأَوّلِ ع قَالَ إِنّ الأَحلَامَ لَم تَكُن فِي مَا مَضَي فِي أَوّلِ الخَلقِ وَ إِنّمَا حَدَثَت فَقُلتُ وَ مَا العِلّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنّ اللّهَ عَزّ ذِكرُهُ بَعَثَ رَسُولًا إِلَي أَهلِ زَمَانِهِ فَدَعَاهُم إِلَي عِبَادَةِ اللّهِ وَ طَاعَتِهِ فَقَالُوا إِن فَعَلنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا
صفحه : 190
فَوَ اللّهِ مَا أَنتَ بِأَكثَرِنَا مَالًا وَ لَا بِأَعَزّنَا عَشِيرَةً فَقَالَ إِن أطَعَتمُوُنيِ أَدخَلَكُمُ اللّهُ الجَنّةَ وَ إِن عصَيَتمُوُنيِ أَدخَلَكُمُ اللّهُ النّارَ فَقَالُوا وَ مَا الجَنّةُ وَ مَا النّارُ فَوَصَفَ لَهُم ذَلِكَ فَقَالُوا مَتَي نَصِيرُ إِلَي ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا مِتّم فَقَالُوا لَقَد رَأَينَا أَموَاتَنَا صَارُوا عِظَاماً وَ رُفَاتاً فَازدَادُوا لَهُ تَكذِيباً وَ بِهِ استِخفَافاً فَأَحدَثَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ فِيهِمُ الأَحلَامَ فَأَتَوهُ فَأَخبَرُوهُ بِمَا رَأَوا وَ مَا أَنكَرُوا مِن ذَلِكَ فَقَالَ إِنّ اللّهَ عَزّ ذِكرُهُ أَرَادَ أَن يَحتَجّ عَلَيكُم بِهَذَا هَكَذَا تَكُونُ أَروَاحُكُم إِذَا مِتّم وَ إِن بُلِيَت أَبدَانُكُم تَصِيرُ الأَروَاحُ إِلَي عِقَابٍ حَتّي تُبعَثَ الأَبدَانُ
بيان الرفات كل مادق وكسر و ماأنكروا من ذلك أي استغرابهم من ذلك أو ماأصابوا من المنكر والعذاب في النوم أو ماأنكروا أولا من عذاب البرزخ والأول أظهر هكذا تكون أرواحكم كما أن في النوم تتألم أرواحكم بما لم يظهر أثره علي أجسادكم و لايطلع من ينظر إليكم عليه كذلك نعيم البرزخ وعذابه و قدمر الكلام فيه في كتاب المعاد
56- الدّرّةُ البَاهِرَةُ، قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ العسَكرَيِّ ع مَن أَكثَرَ المَنَامَ رَأَي الأَحلَامَ
بيان قال مؤلفه قدس سره الظاهر أنه ع يعني أن طلب الدنيا كالنوم و مايصير منها كالحلم انتهي . وأقول يتحمل أن يكون المعني أن كثرة الغفلة عن ذكر الله و عن الموت وأمور الآخرة موجبة للأماني الباطلة والخيالات الفاسدة التي هي كأضغاث الأحلام و لايلتفت إليها الكرام مع أن الحمل علي ظاهره أظهر وأصوب بحمل الأحلام علي الفاسدة منها كماورد أن الحلم من الشيطان
57- كِتَابُ الغَايَاتِ لِجَعفَرِ بنِ أَحمَدَ القمُيّّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص خِيَارُكُم أُولُو النّهَي قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَ مَن أُولُو النّهَي فَقَالَ أُولُو النّهَي أُولُو الأَحلَامِ الصّادِقَةِ
صفحه : 191
58- كِتَابُ التّبصِرَةِ لعِلَيِّ بنِ بَابَوَيهِ، عَن سَهلِ بنِ أَحمَدَ عَن مُحَمّدِ بنِ مُحَمّدِ بنِ الأَشعَثِ عَن مُوسَي بنِ إِسمَاعِيلَ بنِ مُوسَي بنِ جَعفَرٍ عَن أَبِيهِ عَن آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص الرّؤيَا ثَلَاثَةٌ بُشرَي مِنَ اللّهِ وَ تَحزِينٌ مِنَ الشّيطَانِ وَ ألّذِي يُحَدّثُ بِهِ الإِنسَانُ نَفسَهُ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ وَ قَالَص الرّؤيَا مِنَ اللّهِ وَ الحُلمُ مِنَ الشّيطَانِ
59- كِتَابُ المُؤمِنِ لِلحُسَينِ بنِ سَعِيدٍ،بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ رأَيُ المُؤمِنِ وَ رُؤيَاهُ جُزءٌ مِن سَبعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ وَ مِنهُم مَن يُعطَي عَلَي الثّلُثِ
بيان ومنهم من يعطي لعل المعني أن بعض الكمّل من المؤمنين يكون رأيه ورؤياه ثلثا من أجزاء النبوة
60- الدّرّ المَنثُورُ، مِن عِدّةِ كُتُبٍ بِأَسَانِيدَ عَن أَبِي الدّردَاءِ عَنِ النّبِيّص فِي قَولِهِ تَعَالَيلَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا وَ فِي الآخِرَةِ قَالَ هيَِ الرّؤيَا الصّالِحَةُ يَرَاهَا المُسلِمُ أَو تُرَي لَهُ فهَيَِ بُشرَاهُ فِي الحَيَاةِ الدّنيَا وَ بُشرَاهُ فِي الآخِرَةِ الجَنّةُ
وروي مثله بأسانيد عن عبادة بن الصامت و أبي هريرة وجابر بن عبد الله وغيرهم ^
61- وَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ عَنِ النّبِيّص فِي قَولِهِ تَعَالَيلَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا قَالَ الرّؤيَا الصّالِحَةُ يُبَشّرُ بِهَا المُؤمِنُ جُزءٌ مِن سِتّةٍ وَ أَربَعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ فَمَن رَأَي ذَلِكَ فَليُخبِر بِهَا وَادّاً وَ مَن رَأَي سِوَي ذَلِكَ فَإِنّمَا هُوَ مِنَ الشّيطَانِ لِيَحزُنَهُ فَليَنفِث عَن يَسَارِهِ ثَلَاثاً وَ لَا يُخبِر بِهَا أَحَداً
62- وَ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ قَالَأَتَي رَجُلٌ مِن أَهلِ البَادِيَةِ رَسُولَ اللّهِص فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أخَبرِنيِ عَن قَولِ اللّهِالّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتّقُونَ لَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا وَ فِي الآخِرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِص أَمّا قَولُهُلَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيافهَيَِ الرّؤيَا الحَسَنَةُ تُرَي لِلمُؤمِنِ فَيُبَشّرُ بِهَا فِي دُنيَاهُ وَ أَمّا قَولُهُوَ فِي
صفحه : 192
الآخِرَةِفَإِنّهَا بِشَارَةُ المُؤمِنِ عِندَ المَوتِ أَنّ اللّهَ قَد غَفَرَ لَكَ وَ لِمَن يَحمِلُكَ إِلَي قَبرِكَ
63- وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ لَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا قَالَ هيَِ الرّؤيَا الحَسَنَةُ يَرَاهَا المُسلِمُ لِنَفسِهِ أَو لِبَعضِ إِخوَانِهِ
64- وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ عَنِ النّبِيّص قَالَ أَلَا إِنّهُ لَم يَبقَ مِن مُبَشّرَاتِ النّبُوّةِ إِلّا الرّؤيَا الصّالِحَةُ يَرَاهَا المُسلِمُ أَو تُرَي لَهُ
65- وَ عَن أَبِي الطّفَيلِ عَنهُص قَالَ لَا نُبُوّةَ بعَديِ إِلّا المُبَشّرَاتُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَ مَا المُبَشّرَاتُ قَالَ الرّؤيَا الصّالِحَةُ
66- وَ عَن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص الرّؤيَا الصّالِحَةُ بُشرَي مِنَ اللّهِ وَ هيَِ جُزءٌ مِن أَجزَاءِ النّبُوّةِ
67- وَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص إِذَا اقتَرَبَ الزّمَانُ لَم تَكَد رُؤيَا المُؤمِنِ تَكذِبُ وَ أَصدَقُهُم رُؤيَا أَصدَقُهُم حَدِيثاً وَ رُؤيَا المُسلِمِ جُزءٌ مِن سِتّةٍ وَ أَربَعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ وَ الرّؤيَا ثَلَاثٌ فَالرّؤيَا الصّالِحَةُ بُشرَي مِنَ اللّهِ وَ الرّؤيَا مِن تَحزِينِ الشّيطَانِ وَ الرّؤيَا مِمّا يُحَدّثُ الرّجُلُ نَفسَهُ وَ إِذَا رَأَي أَحَدُكُم مَا يَكرَهُ فَليَقُم وَ ليَتفُل وَ لَا يُحَدّث بِهِ النّاسَ وَ أُحِبّ القَيدَ فِي النّومِ وَ أَكرَهُ الغُلّ القَيدُ ثَبَاتٌ فِي الدّينِ فَإِن رَأَي أَحَدُكُم رُؤيَا تُعجِبُهُ فَليَقُصّهَا إِن شَاءَ وَ إِن رَأَي شَيئاً يَكرَهُهُ فَلَا يَقُصّهُ عَلَي أَحَدٍ وَ ليَقُم يصُلَيّ
68- وَ عَن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ أَنّ النّبِيّص قَالَ رُؤيَا المُؤمِنِ جُزءٌ مِن سِتّةٍ وَ أَربَعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
و عن أنس مثله
69- وَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ عَنهُص قَالَ إِذَا رَأَي أَحَدُكُمُ الرّؤيَا يُحِبّهَا فَإِنّمَا هيَِ مِنَ اللّهِ فَليَحمَدِ اللّهَ عَلَيهَا وَ ليُحَدّث بِهَا وَ إِذَا رَأَي غَيرَهُ مِمّا يَكرَهُ فَإِنّمَا هيَِ مِنَ الشّيطَانِ فَليَستَعِذ بِاللّهِ مِن شَرّهَا وَ لَا يَذكُرهَا لِأَحَدٍ فَإِنّهَا لَا تَضُرّهُ
70- وَ عَن أَبِي سَعِيدٍ أَيضاً عَنهُص قَالَ الرّؤيَا الصّالِحَةُ جُزءٌ مِن سَبعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
صفحه : 193
71- وَ عَن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ عَنهُص فِي قَولِهِ تَعَالَيلَهُمُ البُشري فِي الحَياةِ الدّنيا قَالَ هيَِ الرّؤيَا الصّالِحَةُ يَرَاهَا المُؤمِنُ لِنَفسِهِ أَو تُرَي لَهُ وَ هُوَ كَلَامٌ يُكَلّمُ بِهِ رَبّكَ عَبدَهُ فِي المَنَامِ
72- وَ عَن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ الرّؤيَا مِنَ اللّهِ وَ الحُلمُ مِنَ الشّيطَانِ فَإِذَا رَأَي أَحَدُكُم شَيئاً يَكرَهُهُ فَليَنفِث عَن يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ ثُمّ ليَستَعِذ بِاللّهِ مِن شَرّهَا فَإِنّهَا لَا تَضُرّهُ
73- وَ عَن عَوفِ بنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص الرّؤيَا عَلَي ثَلَاثَةٍ مِنهَا تَخوِيفٌ مِنَ الشّيطَانِ لِيَحزُنَ بِهِ ابنَ آدَمَ وَ مِنهَا الأَمرُ يُحَدّثُ بِهِ نَفسَهُ فِي اليَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي المَنَامِ وَ مِنهَا جُزءٌ مِن سِتّةٍ وَ أَربَعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
74- وَ عَن سُلَيمِ بنِ عَامِرٍ أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ قَالَ العَجَبُ مِن رُؤيَا الرّجُلِ أَنّهُ يَبِيتُ فَيَرَي الشيّءَ لَم يَخطُر لَهُ عَلَي بَالٍ فَيَكُونُ رُؤيَاهُ كَأَخذٍ بِاليَدِ وَ يَرَي الرّجُلُ الرّؤيَا فَلَا يَكُونُ رُؤيَاهُ شَيئاً
فَقَالَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ ع أَ فَلَا أُخبِرُكَ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّ اللّهَ يَقُولُاللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَ حِينَ مَوتِها وَ التّيِ لَم تَمُت فِي مَنامِها فَيُمسِكُ التّيِ قَضي عَلَيهَا المَوتَ وَ يُرسِلُ الأُخري إِلي أَجَلٍ مُسَمّيفَاللّهُ يَتَوَفّي الأَنفُسَ كُلّهَا فَمَا رَأَت وَ هيَِ عِندَهُ فِي السّمَاءِ فهَيَِ الرّؤيَا الصّادِقَةُ وَ مَا رَأَت إِذَا أُرسِلَت إِلَي أَجسَادِهَا تَلَقّتهَا الشّيَاطِينُ فِي الهَوَاءِ فَكَذَبَتهَا وَ أَخبَرَتهَا بِالأَبَاطِيلِ فَكُذِبَت فِيهَا فَعَجِبَ عُمَرُ مِن قَولِهِ
بيان فلينفث أي فليتفل تفلا خفيفا و إن لم يخرج معه شيء من البزاق
75-الكاَفيِ، عَنِ العِدّةِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ عَن أَبِيهِ عَنِ النّضرِ بنِ سُوَيدٍ عَن دُرُستَ بنِ أَبِي مَنصُورٍ عَن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع جُعِلتُ فِدَاكَ الرّؤيَا الصّادِقَةُ وَ الكَاذِبَةُ مَخرَجُهُمَا مِن مَوضِعٍ وَاحِدٍ قَالَ صَدَقتَ أَمّا الكَاذِبَةُ المُختَلِفَةُ فَإِنّ الرّجُلَ يَرَاهَا فِي أَوّلِ لَيلَةٍ فِي سُلطَانِ المَرَدَةِ الفَسَقَةِ وَ إِنّمَا هيَِ شَيءٌ
صفحه : 194
يُخَيّلُ إِلَي الرّجُلِ وَ هيَِ كَاذِبَةٌ مُخَالِفَةٌ لَا خَيرَ فِيهَا وَ أَمّا الصّادِقَةُ إِذَا رَآهَا بَعدَ الثّلُثَينِ مِنَ اللّيلِ مَعَ حُلُولِ المَلَائِكَةِ وَ ذَلِكَ قَبلَ السّحَرِ فهَيَِ صَادِقَةٌ لَا تَختَلِفُ إِن شَاءَ اللّهُ إِلّا أَن يَكُونَ جُنُباً أَو يَكُونَ عَلَي غَيرِ طُهرٍ أَو لَم يَذكُرِ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ حَقِيقَةَ ذِكرِهِ فَإِنّهَا تَختَلِفُ وَ تُبطِئُ عَلَي صَاحِبِهَا
بيان قوله مخرجهما من موضع واحد لعل المراد أن ارتسامهما في محل واحد أو أن علتهما معا الارتسام لكن علة الارتسام فيهما مختلفة وقيل يعني كليهما صورة علمية يخلقها الله تعالي في قلب عباده بأسباب روحانية أوشيطانية أوطبيعية قوله ع في سلطان المردة الفسقة أي في أول الليل يستولي علي الإنسان شهوات مارآه في النهار وكثرت في ذهنه الصور الخيالية واختلطت بعضها ببعض وبسبب كثرة مزاولة الأمور الدنيوية بعد عن ربه وغلبت عليه القوي النفسانية والطبيعية فبسبب هذه الأمور تبعد عنه ملائكة الرحمن وتستولي عليه جنود الشيطان فإذا كان وقت السحر سكنت قواه وزالت عنه مااعتراه من الخيالات الشهوانية فأقبل عليه مولاه بالفضل والإحسان وأرسل عليه ملائكته ليدفعوا عنه أحزاب الشيطان فلذا أمره الله تعالي في ذلك الوقت بعبادته ومناجاته و قال إِنّ ناشِئَةَ اللّيلِ هيَِ أَشَدّ وَطئاً وَ أَقوَمُ قِيلًافما يراه في الحالة الأولي فهو من التسويلات والتخييلات الشيطانية و من الوساوس النفسانية و مايراه في الحالة الثانية فهو من الإفاضات الرحمانية بتوسط الملائكة الروحانية ثم ذكر ع علة تخلف بعض الرؤيا مع كونها في السحر فقال إنه إما بسبب جنابة أوحدث أوغفلة عن ذكر الله تعالي فإنها توجب البعد عن الله واستيلاء الشيطان . و قال في شرح السنة قال أرباب التعبير رؤيا الليل أقوي من رؤيا النهار و
صفحه : 195
أصدق ساعات الرؤيا وقت السحر وروي عن أبي سعيد قال أصدق الرؤيا بالأسحار. و قال ابن حجر في فتح الباري ذكر الدينوري أن رؤيا أول الليل يبطئ تأويلها و من النصف الثاني يسرع و إن أسرعها تأويلا وقت السحر و لاسيما عندطلوع الفجر و عن جعفرالصادق ع أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة.
لما كان أمر الرؤيا وصدقها وكذبها مما اختلفت فيه أقاويل الناس فلابأس
صفحه : 196
أن نذكر هاهنا بعض أقوال المتكلمين والحكماء ثم نبين ماظهر لنا فيه من أخبار أئمة الأنام ع .فأما الحكماء فقد بنوا ذلك علي ماأسسوه من انطباع صور الجزئيات في النفوس المنطبعة الفلكية وصور الكليات في العقول المجردة وقالوا إن النفس في حالة النوم قدتتصل بتلك المبادئ العالية فتحصل لها بعض العلوم الحقة الواقعة فهذه هي الرؤيا الصادقة و قديركب المتخيلة بعض الصور المخزونة في الخيال ببعض فهذه هي الرؤيا الكاذبة و قال بعضهم إن للنفوس الإنسانية اطلاعا علي الغيب في حال المنام و ليس أحد من الناس إلا و قدجرب ذلك من نفسه تجارب أوجبته التصديق و ليس ذلك بسبب الفكر فإن الفكر في حال اليقظة التي هو فيهاأمكن يقصر عن تحصيل مثل ذلك فكيف في حال النوم بل بسبب أن النفوس الإنسانية لها مناسبة الجنسية إلي المبادئ العالية المنتقشة بجميع ما كان و ماسيكون و ما هوكائن في الحال ولها أن تتصل بهااتصالا روحانيا و أن تنتقش بما هومرتسم فيهالأن اشتغال النفس ببعض أفاعيلها يمنعها عن الاشتغال بغير تلك الأفاعيل و ليس لنا سبيل إلي إزالة عوائق النفس بالكلية عن الانتقاش بما في المبادئ العالية لأن أحد العائقين هواشتغال النفس بالبدن و لايمكن لنا إزالة هذاالعائق بالكلية مادام البدن صالحا لتدبيرها إلا أنه قديسكن
صفحه : 197
أحد الشاغلين في حالة النوم فإن الروح ينتشر إلي ظاهر البدن بواسطة الشرايين وينصب إلي الحواس الظاهرة حالة الانتشار ويحصل الإدراك بها و هذه الحالة هي اليقظة فتشتغل النفس بتلك الإدراكات فإذاانخنس الروح إلي الباطن تعطلت هذه الحواس و هذه الحالة هي النوم وبتعطلها يخف إحدي شواغل النفس عن الاتصال بالمبادئ العالية والانتقاش ببعض ما فيهافيتصل حينئذ بتلك المبادئ اتصالا روحانيا ويرتسم في النفس بعض ماانتقش في تلك المبادئ مما استعدت هي لأن تكون منتقشة به كالمرايا إذاحوذي بعضها ببعض والقوة المتخيلة جبلت محاكيه لمايرد عليها فتحاكي تلك المعاني المنتقشة في النفس بصور جزئية مناسبة لها ثم تصير تلك الصور الجزئية في الحس المشترك فتصير مشاهدة و هذه هي الرؤيا الصادقة. ثم إن الصور التي تركبها القوة المتخيلة إن كانت شديدة المناسبة لتلك المعاني المنطبعة في النفس حتي لا يكون بين المعاني التي أدركتها النفس و بين الصور التي ركبتها القوة المتخيلة تفاوت إلا في الكلية والجزئية كانت الرؤيا غنية عن التعبير و إن لم تكن شديدة المناسبة إلا أنه مع ذلك تكون بينهما مناسبة بوجه ماكانت الرؤيا محتاجة إلي التعبير و هو أن يرجع من الصورة التي في الخيال إلي المعني ألذي صورته المتخيلة بتلك الصورة و أما إذا لم تكن بين المعني ألذي أدركته النفس و بين الصورة التي ركبتها القوة المتخيلة مناسبة أصلا لكثرة انتقالات المتخيلة من صورة إلي صورة لاتناسب المعني ألذي أدركته النفس أصلا فهذه الرؤيا من قبيل أضغاث الأحلام ولهذا قالوا لااعتماد علي رؤيا الشاعر والكاذب لأن قوتهما المتخيلة قدتعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة انتهي . و لايخفي أن هذارجم بالغيب وتقول بالظن والريب و لم يستند إلي دليل وبرهان و لا إلي مشاهدة وعيان و لا إلي وحي إلهي مع ابتنائه علي إثبات العقول المجردة والنفوس الفلكية المنطبعة وهما مما نفتهما الشريعة المقدسة كماتقرر في محله . و قال الرازي في المطالب العالية في بيان طريقة الفلاسفة في كيفية صدور
صفحه : 198
المعجزات والكرامات عن الأنبياء والأولياء قالوا قدعرفت أن انطباع الصور في الحس المشترك علي وجهين أحدهما أن الحواس الظاهرة إذاأخذت صور المحسوسات الموجودة في الخارج وأدتها إلي الحس المشترك فحينئذ تنطبع في الحس المشترك وتصير مشاهدة له والثاني أن القوة المتخيلة التي من شأنها تركيب الصور بعضها بالبعض إذاركبت صورة فإن تلك الصورة قدتنطبع في الحس المشترك ومتي حصل الانطباع وجب أن تصير مشاهدة و ذلك لأن في القسم الأول إنما صارت تلك الصورة مشاهدة لأجل أن تلك الصور انطبعت في الحس المشترك لالأجل أنها وردت عليه من الخارج و إذا كان كذلك وجب أيضا في الصور المنحدرة عليه من جانب المتخيلة أن تصير مشاهدة ومثال الحس المشترك المرآة فإن كل صورة تنطبع فيها من أي جانب كان صارت مشاهدة فكذلك الصور المنطبعة في الحس المشترك إذاانطبعت فيه من أي جانب كان وجب أن تصير محسوسة إذاعرفت هذافنقول الصور التي تشاهدها الأبرار والكهنة والنائمون والممرورون ليست موجودة في الخارج فإنها لوكانت موجودة في الخارج لوجب أن يراها كل من كان سليم الحس بناء علي أنه متي كانت الحاسة سليمة و كان الشيء الحاضر بحيث تصح رؤيته و لم يحصل القرب القريب والبعد البعيد واللطافة والصغر وحصلت المقابلة فعند حضور هذه الشرائط يكون الإدراك والإبصار واجبا إذ لوجاز أن لايحصل الإدراك عندحضور هذه الشرائط لجاز أن يصير عندنا جبال عظيمة وأصوات هائلة و لانراها و لانسمعها ومعلوم أن تجويزه يوجب الجهالات العظيمة فثبت بهذا أن تلك الصور غيرموجودة في الخارج فيجب الجزم بأن ورودها علي الحس المشترك إنما كان من الداخل و هو أن القوة المتخيلة ركبت تلك الصور فانحدرت إلي الحس المشترك فصارت مرئية و قد كان الواجب أن تحصل هذه الحاصلة أبدا إلا أن العائق عنه أمران الأول أن الحس المشترك إذاحصلت فيه الصور المأخوذة من الخارج لم يتسع للصور التي يركبها المتخيلة فحينئذ تصير الصور التي يركبها المتخيلة بحيث لايمكن انطباعها في الحس المشترك والثاني أن القوة
صفحه : 199
العاقلة تكون مسلطة علي القوة المتخيلة فيمنعها عن تركيب تلك الصور. إذاعرفت هذافنقول إنه إذاانتفي الشاغلان معا أوأحدهما فإنه يحصل ذلك التلويح وذاك التشبيح أما في وقت النوم فقد زال أحد الشاغلين و هوالحس الظاهر فلاينتقل من الحواس الظاهرة إلي الحس المشترك شيء من الصور فيبقي لوح الحس المشترك خاليا عن النقوش الخارجية فيستعد لقبول الصور التي تركبها المتخيلة فتنحدر تلك الصورة من المتخيلة إلي لوح الحس المشترك فتصير محسوسة. و أما في وقت المرض فإن النفس تصير مشغولة بتدبير البدن فلاتتفرغ لمنع القوة المتخيلة من تركيب تلك الصور فحينئذ تقوي القوة المتخيلة علي عملها و إذاقويت علي هذاالعمل عصت الحس المشترك عن قبول الصور الخارجية فوردت عليه هذه الصور فتصير مشاهدة محسوسة والصور الهائلة التي تصير مشاهدة في حالة الخوف فهي من هذاالباب فإن الخوف المستولي علي النفس يصدها عن تأديب المتخيلة فلاجرم تقدر المتخيلة علي رسم صورها في الحس المشترك كصورة الغول وغيرها وكذلك قديستولي علي النفوس الضعيفة العقل قوي أخري كشهوة شيءفتشتد تلك الشهوة حتي تغلب العقل فالمتخيلة تركب صورة ذلك المشتهي وتنطبع تلك الصورة في لوح الحس المشترك فتصير محسوسة. إذاعرفت هذافنقول إنه يتفرع عليه أشياء كثيرة الفرع الأول في سبب المنامات الصادقة والكاذبة اعلم أن الصور التي تركبها المتخيلة قدتكون كاذبة و قدتكون صادقة أماالكاذبة فوقوعها علي ثلاثة أوجه الأول أن الإنسان إذاأحس بشيء وبقيت صورة ذلك المحسوس في خزانة الخيال فعند النوم ترتسم تلك الصورة في الحس المشترك فتصير مشاهدة محسوسة والثاني أن القوة المفكرة إذاألفت صورة ارتسمت تلك الصورة في الخيال ثم وقت النوم تنتقل تلك إلي الحس المشترك فتصير محسوسة كما أن الإنسان إذاتفكر في الانتقال من بلد إلي بلد وحصل في خاطره شيء أوخوف عن شيءفإنه يري تلك الأحوال في النوم والثالث أن مزاج الروح الحامل للقوة المفكرة إذاتغير فإنه تتغير أحوال القوة
صفحه : 200
المفكرة ولهذا السبب فإن ألذي يميل مزاجه إلي الحرارة يري في النوم النيران والحريق والدخان و من مال مزاجه إلي البرودة يري الثلوج و من مال مزاجه إلي الرطوبة يري الأمطار و من مال مزاجه إلي اليبوسة يري التراب والألوان المظلمة فهذه الأنواع الثلاثة لاعبرة بهاالبتة بل هي من قبيل أضغاث الأحلام . و أماالرؤيا الصادقة فالكلام في ذكر سببها متفرع علي مقدمتين إحداهما أن جميع الأمور الكائنة في هذاالعالم الأسفل مما كان ومما سيكون ومما هوكائن موجود في علم البارئ تعالي وعلم الملائكة العقلية والنفوس السماوية والثانية أن النفس الناطقة من شأنها أن تتصل بتلك المبادئ وتنتقش فيهاالصور المنتقشة في تلك المبادئ وعدم حصول هذاالمعني ليس لأجل البخل من تلك المبادئ أولأجل أن النفس الناطقة غيرقابلة لتلك الصور بل لأجل أن استغراق النفس في تدبير البدن صار مانعا من ذلك الاتصال العام . إذاعرفت هذافنقول النفس إذاحصل لها أدني فراغ من تدبير البدن اتصلت بطباعها بتلك المبادئ فينطبع فيهابعض تلك الصور الحاضرة عندتلك المبادئ و هوالصور التي هي أليق بتلك النفس ومعلوم أن أليق الأحوال بها مايتعلق بأحوال ذلك الإنسان وبأصحابه وبأهل بلده وإقليمه و أما إن كان ذلك الإنسان منجذب الهمة إلي تحصيل علوم المعقولات لاحت له منها أشياء و من كانت همته مصالح الناس رآها ثم إذاانطبعت تلك الصور في جوهر النفس الناطقة أخذت المتخيلة التي من طباعها محاكاة الأمور في حكاية تلك الصور المنطبعة في النفس بصور جزئية يناسبها ثم إن تلك الصور تنطبع في الحس المشترك فتصير مشاهدة فهذا هوسبب الرؤيا في المنام ثم إن تلك الصور التي ركبتها المتخيلة لأجل تلك المعاني قدتكون شديدة المناسبة لتلك المعاني فتكون هذه الرؤيا غنية عن التعبير و قد لاتكون كذلك إلاأنها أيضا مناسبة لتلك المعاني من بعض الوجوه وهاهنا تحتاج هذه المنامات إلي التعبير وفائدة التعبير التحليل بالعكس يعني أن يرجع المعبر من
صفحه : 201
هذه الصور الحاضرة في الخيال إلي تلك المعاني والقسم الثالث أن لاتكون هذه الصور مناسبة لتلك المعاني البتة و ذلك يكون لأحد وجهين أحدهما أن يكون حدوث هذاالخيال الغريب إنما كان لوجه واحد من الوجوه الثلاثة المذكورة في سبب أضغاث الأحلام والثاني أن يكون ذلك لأجل أن القوة المتخيلة ركبت لأجل ذلك المعني صورة ثم ركبت لأجل تلك الصورة صورة ثانية وللثانية ثالثة وأمعنت في هذه الانتقالات فانتهت بالأخرة إلي صورة لاتناسب المعني التي أدركته النفس أولا البتة وحينئذ يصير هذاالقسم أيضا من باب أضغاث الأحلام ولهذا السبب قيل إنه لااعتماد علي رؤيا الكاذب والشاعر لأن القوة المتخيلة منهما قدعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة و الله أعلم .الفرع الثاني في كيفية الإخبار عن الغيب اعلم أن النفس الناطقة إذاكانت كاملة القوة وافية في الوصول إلي الجوانب العالية والسافلة وتكون في القوة بحيث لايصير اشتغالها بتدبير البدن عائقا لها عن الاتصال بالمبادئ المفارقة ثم اتفق أيضا أن كانت قوته الفكرية قوية قادرة علي انتزاع لوح الحس المشترك عن الحواس الظاهرة فحينئذ لايبعد أن يقع لمثل هذه النفس في حال اليقظة مثل مايقع للنائمين من الاتصال بالمبادئ المفارقة فحينئذ يرتسم عن بعض تلك المفارقات صور تدل علي وقائع هذاالعالم في جوهر النفس الناطقة ثم إن القوة لأجل قوتها تركب صورة مناسبة لها ثم تنحدر تلك الصورة إلي لوح الحس المشترك فتصير مشاهدة و عند هذه الحال يسمع ذلك الإنسان كلاما منظوما من هاتف و قديشاهد منظرا في أكمل هيئة وأجل صورة تخاطبه تلك الصورة بما يهمه من أحوال من يتصل به ثم إن كانت هذه الصورة المحسوسة منطبقة علي تلك المعاني التي أدركتها النفس الناطقة كان ذلك وحيا صريحا و إن كانت الصورة الخيالية مخالفة لذلك المعني العقلي من بعض الوجوه كان ذلك وحيا محتاجا إلي التأويل والصارف للقوة المتخيلة عن هذاالتغيير والتبديل أمران
صفحه : 202
الأول أن الصورة المنطبقة في النفس الناطقة الفائضة من جانب المبادئ العالية لمافاضت علي غاية الجلاء والوضوح صارت تلك القوة مانعة للخيال عن التصرف فيها كما أن الصور المحسوسة المأخوذة من الخارج إذاكانت في غاية القوة فحينئذ يقوي علي منع القوة المتخيلة من التصرف في تلك الصورة بالتغيير والتبديل .النوع الثاني أن النفوس التي ليس لها من القوة مايقوي علي الاتصال بعالم الغيب في حال اليقظة فربما استعانت في حال اليقظة بما يدهش الحس ويحير الخيال كمايستعين بعضهم بشد حثيث وبعضهم بتأمل شيءشفاف أوبرق لامع يورث البصر ارتعاشا فإن كل ذلك مما يدهش الخيال فيستعد النفس بسبب حيرتها وانقطاعها في تلك اللحظة عن تدبير البدن لانتهاز فرصة إدراك الغيب والشرط في هذا أن يكون ذلك الإنسان ضعيف العقل مصدقا لكل مايحكي له من مسيس الجن مثل الصبيان والنسوان والبله فهؤلاء إذاضعفت حواسهم وكانت أوهامهم شديدة الانجذاب إلي مطلوب معين فحينئذ يقع لنفوسهم التفات في تلك اللحظة إلي عالم الغيب ويتأمل ذلك المطلوب فتارة يسمع خطابا ويظن أنه جني وتارة تتراءي له صور مشاهدة فيظن أنها من إخوان الجن فيلقي إليه من الغيب ماينطق به في أثناء الغشي فيأخذه السامعون ويبنون عليه تدابيرهم في مهماتهم فهذا ماقرره الشيخ الرئيس في هذاالباب . واعلم أن الأصل في جملة هذه التفاريع أمران الأول أن يقال هذه الصور التي تشاهدها الأنبياء والأولياء وغيرهم ليست موجودة في الخارج لأنها لوكانت موجودة في الخارج لوجب أن يدركها كل من كان له سليم الحس إذ لوجوزنا أن لايحصل الإدراك مع حصول هذه الشرائط لجاز أن تكون بحضرتنا جبال ورعود ونحن لانراها و لانسمعها و ذلك يوجب السفسطة و لايخفي أن الجهالات التي ألزمتموها علي هذاالقول هي علي قولكم ألزم و ذلك لأنا لوجوزنا أن يري الإنسان صورا ويشاهدها ويتكلم معها ويسمع أصواتها ويري
صفحه : 203
أشكالها ثم إنها لاتكون موجودة البتة في الخارج جاز أيضا في كل هذه الأشياء التي نراها ونسمعها من صور الناس والجبال والبحار وأصوات الرعود أن لا يكون لشيء منها وجود في الخارج بل يكون محض الخيالات ومحض الصور المرتسمة في الحس المشترك ومعلوم أن القول به محض السفسطة بل نقول هذا في البعد عن الحق والغوص في الجهالة أشد من الأول لأن علي القول ألذي نقول نحن جازمون بأن كل مارأيناه فهو موجود حق إلا أنه يلزمنا تجويز أن يكون قدحضر عندنا أشياء ونحن لانراها وتجويز هذا لايوجب الشك في وجود مارأيناه وسمعناه أما علي القول ألذي يقولونه فإنه يلزم وقوع الشك في وجود كل صورة رأيناها و كل صوت سمعناه و ذلك هوالجهالة التامة والسفسطة الكاملة فثبت أن القول ألذي اخترتموه في غاية الفساد. فإن قالوا إن حصول هذه الحالة لحصول أحوال منها أن يكون كامل النفس قوي العقل كما في حق الأنبياء والأولياء فإذا لم يحصل شيء من هذه الأحوال و كان الإنسان باقيا علي مقتضي المزاج المعتدل لم يحصل شيء من هذه الأحوال فحينئذ يحصل القطع بوجود هذه الأشياء في الخارج فنقول في الجواب إن بالطريق ألذي ذكرتم ظهر أنه لايمتنع أن يحس الإنسان بوجود صور مع أنها لاتكون موجودة أصلا و إذاظهر جواز هذاالمعني فنحن إنما يمكننا انتفاء هذه الحالة إذادللنا علي أن الأسباب الموجبة لحصول هذه الحالة محصورة في كذا وكذا ونقيم علي هذاالحصر برهانا يقينيا ثم نبين في المقام الثاني أنها بأسرها منتفية زائدة بالبرهان اليقيني ثم نبين في المقام الثالث أن الممكن حال بقائه لايستغني عن السبب فإن بتقدير أن يكون الأمر كذلك لم يلزم من زوال تلك الأسباب زوال هذه الحالة ثم علي تقدير إقامة البراهين القاطعة الجازمة علي صحة هذه المقدمات يصير جزمنا بحصول هذه المحسوسات في الخارج موقوفا علي إثبات هذه المقدمات النظرية الغامضة والموقوف علي النظري الغامض أولي أن يكون نظريا غامضا وحينئذ تبطل هذه العلوم المستفادة
صفحه : 204
من الحواس بطلانا كليا فثبت أن القول ألذي ذكرتموه قول باطل يوجب التزام السفسطة. واعلم أن ألذي حمل هؤلاء الفلاسفة علي ذكر هذه العلل والأسباب إطباقهم علي إنكار الملائكة و علي إنكار الجن و قدبينا في كتاب الأرواح أنه ليس لهم شبهة و لاخيال يدل علي نفي هذه الأشياء و إذا كان أصل هذه الأقوال نفي الملائكة والجن و قدعرفت أنه ليس لهم فيه دليل وفرعه مما يوجب القول بالسفسطة كان هذاالقول في غاية الفساد والبطلان فهذا تمام الكلام في هذاالأصل . و أماالأصل الثاني فهو أن هذه الكلمات متفرعة علي إثبات إدراك الحواس الباطنة ونحن قدبينا بالبرهان القاهر القاطع أن المدرك لجميع الإدراكات هوالنفس الناطقة و أن القول بتوزيع الإدراكات علي قوي متفرقة قول باطل وكلام فاسد فثبت بهذه البيانات أن كلامهم في غاية الضعف والفساد. والحق أن هذاالباب يحتمل وجوها كثيرة فأحدها أنابينا أن النفوس الناطقة أنواع كثيرة ذو طوائف مختلفة ولكل طائفة منها روح فلكي كلي هوالعلة لوجودها و هوالمتكفل بإصلاح أحوالها و ذلك الروح الفلكي كالأصل والمعدن والينبوع بالنسبة إليها وسميناه بالطباع التام فلايمتنع أن يكون ألذي يراها في المنامات و في اليقظة أخري و علي سبيل الإلهامات ثالثا هو ذلك الطباع التام و لايمتنع كون ذلك الطباع التام قادرا علي أن يتشكل بأشكال مختلفة بحسب جسم مخصوص هوائي في جميع أعماله وثانيها أن تثبت طوائف الملائكة وطوائف الجن ونحكم بكونها قادرة علي أن تأتي بأعمال مخصوصة عندها يظهرون للبشر و علي أعمال أخري عندها يحتجبون عن البشر فهذا مانقوله في هذاالباب انتهي . و قال في المواقف وشرحه و أماالرؤيا فخيال باطل عندالمتكلمين أي جمهورهم أما عندالمعتزلة فلفقد شرائط الإدراك حالة النوم من المقابلة وإثبات الشعاع وتوسط الهواء الشفاف والبنية المخصوصة وانتفاء الحجاب إلي غير ذلك من الشرائط المعتبرة في الإدراكات فما يراه النائم ليس من الإدراكات في شيءبل هو من قبيل الخيالات
صفحه : 205
الفاسدة والأوهام الباطلة و أما عندالأصحاب إذ لم يشترطوا في الإدراك شيئا من ذلك فلأنه خلاف العادة أي لم تجر عادته تعالي بخلق الإدراكات في الشخص و هونائم ولأن النوم ضد للإدراك فلايجامعه فلا يكون الرؤيا إدراكا حقيقة بل هو من قبيل الخيال الباطل . و قال الأستاد أبوإسحاق إنه إدراك حق بلا شبهه إذ لافرق بين مايجده النائم من نفسه في نومه من إبصار المبصرات وسمع المسموعات وذوق وغيرها من الإدراكات و بين مايجده اليقظان في إدراكاته فلو جاز التشكيك فيه لجاز التشكيك فيما يجده اليقظان ولزم السفسطة والقدح في الأمور المعلومة حقيقتها بالبديهة و لم يخالف الأستاد في كون النوم ضدا للإدراك لكنه زعم أن الإدراك يقوم بجزء من أجزاء الإنسان غير مايقوم به النوم من أجزائه فلايلزم اجتماع الضدين في محل واحد أقول ثم ذكر مازعمته الفلاسفة في ذلك نحوا مما مر و قال بعض المحققين من الحكماء والصوفية الجامعين بزعمهم بين الشرع والحكمة سبب الرؤيا انخناس الروح البخاري من الظاهر إلي الباطن بأسباب شتي مثل طلب الاستراحة عن كثرة الحركة وميل الاشتغال بتأثيره في الباطن لينفتح السد ولهذا يغلب النوم عندامتلاء المعدة ومثل أن يكون الروح قليلا ناقصا فلايفي بالظاهر والباطن جميعا ولزيادته ونقصانه أسباب طبية مذكورة في كتب الأطباء فإذاانخنس الروح إلي الباطن وركدت الحواس بسبب من الأسباب بقيت النفس فارغة عن شغل الحواس لأنها لاتزال مشغولة بالتفكر فيما تورده الحواس عليها فإذاوجدت فرصة الفراغ وارتفعت عنها الموانع فإن كانت عالية معتادة بالصدق أومائلة إلي العالم الروحاني العقلي متوجهة إلي الحق مطهرة عن النقائص معرضة عن الشواغل البدنية متصفة بالمحامد أو غير ذلك مما جب تنويرها وتقويتها وقدرتها علي خرق العالم الحسي من الإتيان بالطاعات والعبادات واستعمال القوي والآلات بموجب الأوامر الإلهية وحفظ الاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط فيها ودوام الوضوء والذكر خصوصا من أول
صفحه : 206
الليل إلي وقت النوم وصحة البدن واعتدال مزاجه الشخصي والدماغي اتصلت بالجواهر الروحانية الشريفة التي فيهانقوش جميع الموجودات كلية وجزئية المسماة بالكتاب المبين وأم الكتاب فانتقشت بما فيها من صور الأشياء لاسيما ماناسب أغراضها و يكون مهما لها فإن النفس بمنزلة مرآة ينطبع فيها كل ماقابلها من مرآة أخري عندحصول الأسباب وارتفاع الحجاب بينهما والحجاب هاهنا اشتغال النفس بما تورده الحواس فإذاارتفع ظهر فيها من تلك المرائي مايناسبها ويحاذيها فإن كانت تلك الصور جزئية وبقيت في النفس بحفظ الحافظة إياها علي وجهها و لم تتصرف فيه القوة المتخيلة الحاكية للأشياء بمثلها فتصدق هذه الرؤيا و لاتحتاج إلي التعبير و إن كانت المتخيلة غالبة وإدراك النفس للصورة ضعيفا صارت المتخيلة بطبعها إلي تبديل مارأته النفس بمثال كتبديل العلم باللبن وتبديل العدو بالحية وتبديل الملك بالبحر والجبل إلي غير ذلك و ذلك لمادريت أن لكل معني صورة في نشأة غيرصورته في النشأة الأخري و أن النشآت متطابقة.نقل أن رجلا جاء إلي ابن سيرين و قال رأيت كأن في يدي خاتما أختم به أفواه الرجال وفروج النساء فقال إنك مؤذن تؤذن في شهر رمضان قبل الفجر فقال صدقت وجاء آخر فقال كأني صببت الزيت في الزيتون فقال إن كانت تحتك جارية اشتريتها ففتش عن حالها فإنها أمك لأن الزيتون أصل الزيت فهو رد إلي الأصل فنظر فإذاجاريته كانت أمه و قدسبيت في صغره و قال آخر له كأني أعلق الدر في أعناق الخنازير فقال كأنك تعلم الحكمة غيرأهلها و كان كما قال . وربما تبدل المتخيلة الأشياء المرئية في النوم بما يشابهها ويناسبها مناسبة ما أو مايضادها كما من رأي أنه ولد له ابن فتولد له بنت وبالعكس و هذه الرؤيا تحتاج إلي مزيد تصرف في تعبيره فيحلل بالعكس أي يرجع من الصور الخيالية الجزئية إلي المعاني النفسانية الكلية وربما لم تكن انتقالات المتخيلة مضبوطة بنوع مخصوص فانشعبت وجوه التعبير فصار مختلفا بالأشخاص والأحوال والصناعات وفصول السنة وصحة النائم ومرضه وصاحب التعبير لاينال إلابضرب من الحدس ويغلط فيه كثيرا للالتباس
صفحه : 207
و إن كانت النفس سفلية متعلقة بالدنيا منهمكة في الشهوات حريصة علي المخالفات مستعملة للمتخيلة في التخيلات الفاسدة و غير ذلك مما يوجب الظلمة وازدياد الحجب أوسوء مزاج الدماغ فلاتتصل بالجواهر الروحانية بمجرد ذلك فتفعل باختراعها بقوتها المتخيلة في مملكتها وعالمها الباطني صورا وأشخاصا جسمانية بعضها مطابقة لمايوجد في الخارج وبعضها خرافات لاأصل لها في شيء من العوالم بل هو من دعابات المتخيلة واضطراباتها التي لاتفتر عنها في أكثر الأحوال ثم انتقلت منها وحاكتها بأمور أخري في النوم فبقيت مشغولة بمحاكاتها كماتبقي مشغولة بالحواس في اليقظة وخصوصا إذاكانت ضعيفة منفعلة عن آثار القوي وهي أضغاث الأحلام ولمحاكاتها أسباب من أحوال البدن ومزاجه فإن غلبت علي مزاجه الصفراء حاكاها بالأشياء الصفر و إن كان فيه الحرارة حاكاها بالنار والحمام الحار و إن غلبت البرودة حاكاها بالثلج والشتاء ونظائرهما و إن غلبت السوداء حاكاها بالأشياء السود والأمور الهائلة قال بعض العلماء وإنما حصلت صورة النار مثلا في التخيل عندغلبة الحرارة لأن الحرارة التي في موضع تتعدي إلي المجاور لها كمايتعدي نور الشمس إلي الأجسام بمعني أنه سيكون سببا لحدوثه إذ خلقت الأشياء موجودة وجودا فائضا بأمثاله علي غيره والقوة المتخيلة منطبعة في الجسم الحار فيتأثر به تأثرا يليق بطبعها لأن كل شيءقابل يتأثر من شيءفإنما يتأثر منه بشيء يناسب جوهر هذاالقابل وطبعه فالمتخيلة ليست بجسم حتي تقبل نفس الحرارة فتقبل من الحرارة ما في طبعها القبول و هوصورة الحار فهذا هوالسبب فيه . ثم قال والاتصال بالجواهر الروحانية كما يكون في المنام فكذلك قد يكون في اليقظة أيضا كما أن الاختراعات الخيالية تكون في الحالتين و ذلك لأن رفع الحجاب بين مرآة النفس و ذلك العالم كما يكون في المنام فكذلك قد يكون بأسباب أخر مثل صفاء النفس بسبب أصل الفطرة ومثل انزعاج النفس وانزجارها عن هذاالعالم بسبب مايكدرها وينقص عيشها الدنياوي من المؤلمات والمنفرات فيتوجه
صفحه : 208
إلي عالمها هربا من هذه الأمور الموحشة فيرتفع الحجاب بينها و بين عالمها ومثل الرياضات العلمية والعملية التي توجب المكاشفات الصورية والمعنوية أي ظهور الحوادث والحقائق ومثل الموت الإرادي ألذي يكون للأولياء ومثل الموت الطبيعي ألذي يوجب كشف الغطاء للجميع سواء كانوا سعداء أوأشقياء ومثل ما لوغلب علي المزاج اليبوسة والحرارة وقل الروح البخاري حتي صرفت النفس لغلبة السوداء وقلة الروح عن موارد الحواس فيكون مع فتح العين وسائر أبواب الحواس كالمبهوت الغافل الغائب عما يري ويسمع و ذلك لضعف خروج الروح إلي الظاهر فهذا أيضا لايستحيل أن ينكشف لنفسه من الجواهر الروحانية شيء من الغيب فيحدث به ويجري علي لسانه فكأنه أيضا غافل عما يحدث به و هذايوجد في بعض المجانين والمصروعين وبعض الكهنة فيحدثون بما يكون موافقا لماسيكون . ثم ماتتلقاه النفس في اليقظة علي وجهين فإن كانت النفس قوية وافية بضبط الجوانب لاتشغلها المشاعر السفلية عن المدارك العالية وتكون متخيلتها قوية علي استخلاص الحس المشترك عن مشاهدة الظواهر إلي مشاهدة مايراها في الباطن فلايبعد أن يقع لها مايقع للنائم من غيرتفاوت فمنه ما هووحي صريح لايفتقر إلي التأويل و منه ما ليس كذلك فيفتقر إليه أو يكون شبيها بالمنامات التي هي أضغاث أحلام إن أمعنت المتخيلة في الانتقال والمحاكات و إن لم يكن كذلك فلايخلو إما أن يستعين بما يقع للحس دهشة وللخيال حيرة أو لابل كانت لضعف طبيعي في الحواس أومرض طار فالأول كفعل المستنطقين المشغلين للصبيان والنساء ذوات المدارك الضعيفة بأمور مترقرقة أوبأشياء ملطخة سود مدهشة محيرة للحس مرعشة للبصر برجرجتها أوشفيفها وكاستعانة بعض المتصوفة والمتكهنة برقص وتصفيق وتطريب فكل هذه موهنة للحواس مخلة بها وربما يستعينون أيضا بالإبهام بالعزائم وبأدعية غيرمفهومة الألفاظ يوجب الترهيب بالحس إذااستنطقوا غيرهم والثاني كماللمصروعين والممرورين و من في قواه ضعف و في دماغه رطوبة قابلة و قديجتمع الشيئان ضعف
صفحه : 209
الفائق وقوة النفس بتطريب وغيره كالكثير من المرتاضين من أولي الكد و هذاحسن و ماللكهنة والممرورين نقص أوضلال أوتعطيل للقوي كماخلقت لأجله و أماالفضلاء فرياضاتهم وعلومهم مرموزة مكتومة عن المحجوبين . و قال الكراجكي رحمه الله في كتاب كنز الفوائد وجدت لشيخنا المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه أن الكلام في باب رؤيا المنامات عزيز وتهاون أهل النظر به شديد والبلية بذلك عظيمة وصدق القول فيه أصل جليل والرؤيا في المنام يكون من أربع جهات أحدها حديث النفس بالشيء والفكر فيه حتي يحصل كالمنطبع في النفس فيتخيل إلي النائم ذلك بعينه وأشكاله ونتائجه و هذامعروف بالاعتبار.الجهة الثانية من الطباع و ما يكون من قهر بعضها لبعض فيضطرب له المزاج ويتخيل لصاحبه مايلائم ذلك الطبع الغالب من مأكول ومشروب ومرئي وملبوس ومبهج ومزعج قدتري تأثير الطبع الغالب في اليقظة والشاهد حتي أن من غلب عليه الصفراء يصعب عليه الصعود إلي المكان العالي يتخيل له من وقوعه منه ويناله من الهلع والزمع ما لاينال غيره و من غلبت عليه السوداء يتخيل له أنه قدصعد في الهواء وناجته الملائكة ويظن صحة ذلك حتي إنه ربما اعتقد في نفسه النبوة و أن الوحي يأتيه من السماء و ماأشبه ذلك . والجهة الثالثة ألطاف من الله عز و جل لبعض خلقه من تنبيه وتيسير وإعذار وإنذار فيلقي في روعه ماينتج له تخييلات أمور تدعوه إلي الطاعة والشكر علي النعمة وتزجره عن المعصية وتخوفه الآخرة ويحصل له بهامصلحة وزيادة فائدة وفكر يحدث له معرفة. والجهة الرابعة أسباب من الشيطان ووسوسة يفعلها للإنسان يذكره بهاأمورا تحزنه وأسبابا تغمه فيما لايناله أويدعوه إلي ارتكاب محظور يكون فيه عطبه أوتخيل شبهة في دينه يكون منها هلاكه و ذلك مختص بمن عدم التوفيق
صفحه : 210
لعصيانه وكثرة تفريطه في طاعات الله سبحانه ولن ينجو من باطل المنامات وأحلامها إلاالأنبياء والأئمة ع و من رسخ في العلم من الصالحين . و قد كان شيخي رضي الله عنه قال لي إن كل من كثر علمه واتسع فهمه قلت مناماته فإن رأي مع ذلك مناما و كان جسمه من العوارض سليما فلا يكون منامه إلاحقا يريد بسلامة الجسم عدم الأمراض المهيجة للطباع وغلبة بعضها علي ماتقدم به البيان والسكران أيضا لايصح منامه وكذلك الممتلئ من الطعام لأنه كالسكران ولذلك قيل إن المنامات قل مايصح في ليالي شهر رمضان فأما منامات الأنبياء ع فلاتكون إلاصادقة وهي وحي في الحقيقة ومنامات الأئمة ع جارية مجري الوحي و إن لم تسم وحيا و لاتكون قط إلاحقا وصدقا و إذاصح منام المؤمن فإنه من قبل الله تعالي كماذكرناه وَ قَد جَاءَ فِي الحَدِيثِ عَن رَسُولِ اللّهِص أَنّهُ قَالَ رُؤيَا المُؤمِنِ جُزءٌ مِن سَبعَةٍ وَ سَبعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
وَ روُيَِ عَنهُ ع أَنّهُ قَالَ رُؤيَا المُؤمِنِ تجَريِ مَجرَي كَلَامٍ تَكَلّمَ بِهِ الرّبّ عِندَهُ
.فأما وسوسة شياطين الجن فقد ورد السمع بذكرها قال الله تعالي مِن شَرّ الوَسواسِ الخَنّاسِ ألّذِي يُوَسوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ و قال وَ إِنّ الشّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلي أَولِيائِهِم لِيُجادِلُوكُم و قال شَياطِينَ الإِنسِ وَ الجِنّ يوُحيِ بَعضُهُم إِلي بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُوراً وورد السمع به فلاطريق إلي دفعه .فأما كيفية وسوسة الجني للإنسي فهو أن الجن أجسام رقاق لطاف فيصح أن يتوصل أحدهم برقة جسمه ولطافته إلي غاية سمع الإنسان ونهايته فيوقع فيه كلاما يلبس عليه إذاسمعه ويشتبه عليه بخواطره لأنه لايرد عليه ورود المحسوسات من ظاهر جوارحه ويصح أن يفعل هذابالنائم واليقظان جميعا و ليس هو في العقل
صفحه : 211
مستحيلا
رَوَي جَابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ أَنّهُ قَالَ بَينَمَا رَسُولُ اللّهِص يَخطُبُ إِذ قَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنِيّ رَأَيتُ كَأَنّ رأَسيِ قَد قُطِعَ وَ هُوَ يَتَدَحرَجُ وَ أَنَا أَتبَعُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِص لَا تُحَدّث بِلَعبِ الشّيطَانِ بِكَ ثُمّ قَالَ إِذَا لَعِبَ الشّيطَانُ أَحَدَكُم[بِأَحَدِكُم] فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدّثَنّ بِهِ أَحَداً
. و أمارؤية الإنسان للنبيص أولأحد الأئمة ع في المنام فإن ذلك عندي علي ثلاثة أقسام قسم أقطع علي صحته وقسم أقطع علي بطلانه وقسم أجوز فيه الصحة والبطلان فلاأقطع فيه علي حال فأما ألذي أقطع علي صحته فهو كل منام رأي فيه النبي ص أوأحد الأئمة ع و هوالفاعل لطاعة أوآمر بها وناه عن معصية أومبين لقبحها وقائل لحق أوداع إليه وزاجر عن باطل أوذام لمن هو عليه و أما ألذي أقطع علي بطلانه فهو كل ما كان ضد ذلك لعلمنا أن النبي ص والإمام ع صاحبا حق وصاحب الحق بعيد عن الباطل و أما ألذي أجوز فيه الصحة والبطلان فهو المنام ألذي يري فيه النبي والإمام ع و ليس هوآمرا و لاناهيا و لا علي حال يختص بالديانات مثل أن يراه راكبا أوماشيا أوجالسا ونحو ذلك و أماالخبر ألذي
يُروَي عَنِ النّبِيّص مِن قَولِهِ مَن رآَنيِ فَقَد رآَنيِ فَإِنّ الشّيطَانَ لَا يَتَشَبّهُ بيِ
.فإنه إذا كان المراد به المنام يحمل علي التخصيص دون أن يكون في كل حال و يكون المراد به القسم الأول من الثلاثة الأقسام لأن الشيطان لايتشبه بالنبيص في شيء من الحق والطاعات و أما
مَا روُيَِ عَنهُص مِن قَولِهِ مَن رآَنيِ نَائِماً رآَنيِ يَقظَانَ
.فإنه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد به رؤية المنام و يكون خاصا كالخبر الأول علي القسم ألذي قدمناه والثاني أن يكون أراد به رؤية اليقظة دون المنام و يكون قوله نائما حالا للنبي وليست حالا لمن رآه فكأنه قال من رآني و أنانائم فكأنما رآني و أنامنتبه والفائدة في هذاالمقال أن يعلمهم بأنه يدرك في الحالتين إدراكا واحدا فيمنعهم ذلك إذاحضروا عنده و هونائم
صفحه : 212
أن يفيضوا فيما لايحسن أن يذكروه بحضرته و هومنتبه
وَ قَد روُيَِ عَنهُ ع أَنّهُ غَفَا ثُمّ قَامَ يصُلَيّ مِن غَيرِ تَجدِيدِ وُضُوءٍ فَسُئِلَ عَن ذَلِكَ فَقَالَ إنِيّ لَستُ كَأَحَدِكُم تَنَامُ عيَناَيَ وَ لَا يَنَامُ قلَبيِ
. وجميع هذه الروايات أخبار آحاد فإن سلمت فعلي هذاالمنهاج و قد كان شيخي رحمه الله يقول إذاجاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه إله كفرعون و من جري مجراه مع قلة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة فما المانع من أن يدعي إبليس عندالنائم بوسوسة له أنه نبي مع تمكن إبليس مما لايتمكن منه البشر وكثرة اللبس المعترض في المنام ومما يوضح لك أن من المنامات التي يتخيل للإنسان أنه قدرأي فيها رسول الله والأئمة منها ما هوحق ومنها ما هوباطل أنك تري الشيعي يقول رأيت في المنام رسول الله ص ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و هويأمرني بالاقتداء به دون غيره ويعلمني أنه خليفته من بعده و أن أبابكر وعمر وعثمان ظالموه وأعداؤه وينهاني عن موالاتهم ويأمرني بالبراءة منهم ونحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة ثم يري الناصبي يقول رأيت رسول الله في النوم ومعه أبوبكر وعمر وعثمان و هويأمرني بمحبتهم وينهاني عن بغضهم ويعلمني أنهم أصحابه في الدنيا والآخرة وأنهم معه في الجنة ونحو ذلك مما يختص بمذهب الناصبية فنعلم لامحالة أن أحد المنامين حق والآخر باطل فأولي الأشياء أن يكون الحق منهما ماثبت الدليل في اليقظة علي صحة ماتضمنه والباطل ماأوضحت الحجة عن فساده وبطلانه و ليس يمكن الشيعي أن يقول للناصبي إنك كذبت في قولك إنك رأيت رسول الله ص لأنه يقدر أن يقول له مثل هذابعينه و قدشاهدنا ناصبيا يتشيع وأخبرنا في حال تشيعه بأنه يري منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه فبان بذلك أن أحد المنامين باطل و أنه من نتيجة حديث النفس أو من وسوسة إبليس ونحو ذلك و أن المنام الصحيحة هولطف من الله تعالي بعبده علي المعني المتقدم
صفحه : 213
وصفه وقولنا في المنام الصحيح إن الإنسان رأي في نومه النبي ص إنما معناه أنه كان قدرآه و ليس المراد به التحقق في اتصال شعاع بصره بجسد النبي ص و أي بصر يدرك به في حال نومه وإنما هي معاني تصورت و في نفسه تخيل له فيهاأمر لطف الله تعالي له به قام مقام العلم و ليس هذابمناف للخبر ألذي روي من قوله من رآني فقد رآني لأن معناه فكأنما رآني و ليس يغلط في هذاالمكان إلا من ليس له من عقله اعتبار قال المازري من العامة في شرح قول النبي الرؤيا من الله والحلم من الشيطان مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالي يخلق في قلب النائم اعتقادات كمايخلقها في قلب اليقظان و هوسبحانه و تعالي يَفعَلُ ما يَشاءُ لايمنعه النوم واليقظة فإذاخلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما علي أمور أخر يخلقها في ثاني الحال أو كان قدخلقها فإذاخلق في قلب النائم الطيران و ليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا علي خلاف ما هوفيكون ذلك الاعتقاد علما علي غيره كما يكون خلق الله تعالي الغيم علما علي المطر والجميع خلق الله تعالي ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علما علي مايسر بغير حضرة الشيطان وخلق ما هوعلم علي مايضر بحضرة الشيطان فنسب إلي الشيطان مجازا لحضوره عندها و إن كان لافعل له حقيقة. و قال البغوي في شرح السنة ليس كل مايراه الإنسان صحيحا ويجوز تعبيره بل الصحيح ما كان من الله يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب و ماسوي ذلك أضغاث أحلام لاتأويل لها وهي علي أنواع قدتكون من فعل الشيطان يلعب بالإنسان أويريه مايحزنه و له مكايد يحزن بهابني آدم كما قال تعالي إِنّمَا النّجوي مِنَ الشّيطانِ لِيَحزُنَ الّذِينَ آمَنُوا و من لعب الشيطان به الاحتلام ألذي يوجب الغسل فلا يكون له تأويل و قد يكون من حديث النفس كما يكون في أمر أوحرفة يري نفسه في ذلك الأمر والعاشق يري معشوقه ونحوه و قد يكون من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يري الفصد والحجامة والحمرة والرعاف والرياحين والمزامير والنشاط ونحوه و من غلب عليه الصفراء يري النار و
صفحه : 214
الشمع والسراج والأشياء الصفر والطيران في الهواء ونحوه و من غلب عليه السوداء يري الظلمة والسواد والأشياء السود وصيد الوحش والأحوال والأموات والقبور والمواضع الخربة وكونه في مضيق لامنفذ له أوتحت ثقل ونحوه و من غلب عليه البلغم يري البياض والمياه والأنداء والثلج والوحل فلاتأويل لشيء منها. و قال السيد المرتضي رحمه الله في كتاب الغرر والدرر في جواب سائل سأله ماالقول في المنامات أصحيحة هي أم باطلة و مِن فعل مَن هي و ماوجه صحتها في الأكثر و ماوجه الإنزال عندرؤية المباشرة في المنام و إن كان فيهاصحيح وباطل فما السبيل إلي تمييز أحدهما من الآخر.الجواب اعلم أن النائم غيركامل العقل لأن النوم ضرب من السهو والسهو ينفي العلوم ولهذا يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة لنقصان عقله وفقد علومه وجميع المنامات إنما هي اعتقادات يبتدئها النائم في نفسه و لايجوز أن تكون من فعل غيره فيه لأن من عداه من المحدثين سواء كانوا بشرا أوملائكة أوجنا أجسام والجسم لايقدر أن يفعل في غيره اعتقادا ابتداء بل و لاشيئا من الأجناس علي هذاالوجه وإنما يفعل ذلك في نفسه علي سبيل الابتداء وإنما قلنا إنه لايفعل في غيره جنس الاعتقادات متولدا لأن ألذي يعدي الفعل من محل القدرة إلي غيرها من الأسباب إنما هوالاعتمادات و ليس في جنس الاعتمادات مايولد الاعتقادات ولهذا لواعتمد أحدنا علي قلب غيره الدهر الطويل ماتولد فيه شيء من الاعتقادات و قد بين ذلك وشرح في مواضع كثيرة والقديم تعالي هوالقادر أن يفعل في قلوبنا ابتداء من غيرسبب أجناس الاعتقادات و لايجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا لأن أكثر اعتقادات النائم جهل ويتأول الشيء علي خلاف ما هو به لأنه يعتقد أنه يري ويمشي و أنه راكب و علي صفات كثيرة و كل ذلك علي خلاف ما هو به و هو تعالي لايفعل الجهل فلم يبق إلا أن الاعتقادات كلها من جهة النائم و قدذكر في المقالات أن المعروف بصالح قبة كان يذهب إلي أن مايراه النائم في منامه علي الحقيقة و هذاجهل منه
صفحه : 215
يضاهي جهل السوفسطائية لأن النائم يري أن رأسه مقطوع و أنه قدمات و أنه قدصعد إلي السماء ونحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كله و إذاجاز عندصالح هذا أن يعتقد اليقظان في السراب أنه ماء و في المردي إذا كان في الماء أنه مكسور و هو علي الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة واللبس فألا جاز ذلك في النائم و هو من الكمال أبعد و من النقص أقرب . وينبغي أن يقسم مايتخيل النائم أنه يراه إلي أقسام ثلاثة منها ما يكون من غيرسبب يقتضيه و لاداع يدعو إليه اعتقادا مبتدأ ومنها ما يكون من وسواس الشيطان يفعل في داخل سمعه كلاما خفيا يتضمن أشياء مخصوصة فيعتقد النائم إذاسمع ذلك الكلام أنه يراه فقد نجد كثيرا من النيام يسمعون حديث من يتحدث بالقرب منها فيعتقدون أنهم يرون ذلك الحديث في منامهم ومنها ما يكون سببه والداعي إليه خاطرا يفعله الله تعالي أويأمر بعض الملائكة بفعله ومعني هذاالخاطر أن يكون كلاما يفعل في داخل السمع فيعتقد النائم أيضا أنه مايتضمن ذلك الكلام والمنامات الداعية إلي الخير والصلاح في الدين يجب أن تكون إلي هذاالوجه مصروفة كماأنما يقتضي الشر منها الأولي أن تكون إلي وسواس الشيطان مصروفة و قديجوز علي هذا في مايراه النائم في منامه ثم يصح ذلك حتي يراه في يقظته علي حد مايراه في منامه و في كل منام يصح تأويله أن يكون سبب صحته أن الله تعالي يفعل كلاما في سمعه لضرب من المصلحة بأن شيئا يكون أو قد كان علي بعض الصفات فيعتقد النائم أن ألذي يسمعه هويراه فإذاصح تأويله علي مايراه فما ذكرناه إن لم يكن مما يجوز أن تتفق فيه الصحة اتفاقا فإن في المنامات مايجوز أن يصح بالاتفاق و مايضيق فيه مجال نسبته إلي الاتفاق فهذا ألذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه . فإن قيل أ ليس قد قال أبو علي الجبائي في بعض كلامه في المنامات إن الطبائع لايجوز أن تكون مؤثرة فيهالأن الطبائع لايجوز علي المذاهب الصحيحة أن تؤثر في شيء وإنه غيرممتنع مع ذلك أن يكون بعض المآكل يكثر عندها المنامات بالعادة كما أن فيها مايكثر عنده بالعادة تخييل الإنسان و هومستيقظ ما لا
صفحه : 216
أصل له قلنا قد قال ذلك أبو علي و هوخطأ لأن تأثيرات المآكل بمجري العادة علي المذاهب الصحيحة إذا لم تكن مضافة إلي الطبائع فهو من فعل الله تعالي فكيف نضيف التخيل الباطل والاعتقاد الفاسد إلي فعل الله تعالي فأما المستيقظ ألذي استشهد به فالكلام فيه والكلام في النائم واحد و لايجوز أن نضيف التخيل الباطل إلي فعل الله تعالي في نائم و لايقظان فأما مايتخيل من الفاسد و هو غيرنائم فلابد من أن يكون ناقص العقل في الحال وفاقد التمييز بسهو و مايجري مجراه فيبتدئ اعتقاد الأصل له كماقلناه في النائم . فإن قيل فما قولكم في منامات الأنبياء ع و ماالسبب في صحتها حتي عد مايرونه في المنام مضاهيا لمايسمعونه من الوحي.قلنا الأخبار الواردة بهذا الجنس غيرمقطوع علي صحتها و لاهي مما توجب العلم و قديمكن أن يكون الله تعالي أعلم النبي بوحي يسمعه من الملك علي الوجه الموجب للعلم أني سأريك في منامك في وقت كذا مايجب أن تعمل عليه فيقطع علي صحته من هذاالوجه لابمجرد رؤيته له في المنام و علي هذاالوجه يحمل منام ابراهيم ع في ذبح ابنه و لو لا ماأشرنا إليه كيف كان يقطع ابراهيم ع بأنه متعبد بذبح ولده . فإن قيل فما تأويل مايروي عنه ع من قوله من رآني فقد رآني فإن الشيطان لايتخيل بي و قدعلمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قديرون النبي ص في النوم ويخبر كل واحد منهم عنه بضد مايخبر به الآخر فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا.قلنا هذاخبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد و لامعول علي مثل ذلك علي أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به من رآني في اليقظة فقد رآني علي الحقيقة لأن الشيطان لايتمثل بي لليقظان فقد قيل إن الشيطان ربما تمثلت بصورة البشر و هذاالتشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر لأنه قال من رآني فقد رآني فأثبت غيره رائيا له ونفسه مرئية و في النوم لارائي له في الحقيقة و لا
صفحه : 217
مرئي وإنما ذلك في اليقظة و لوحملناه علي النوم لكان تقدير الكلام من اعتقد أنه يراني في منامه و إن كان غيرراء له علي الحقيقة فهو في الحكم كأنه قدرآني و هذاعدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته و هذا ألذي رتبناه في المنامات وقسمناه أسد تحقيقا من كل شيءقيل في أسباب المنامات و ماسطر في ذلك معروف غيرمحصل و لامحقق فأما مايهذي إليه الفلاسفة في هذاالباب فهو مما يضحك الثكلي لأنهم ينسبون ماصح من المنامات لماأعيتهم الحيل في ذكر سببه إلي أن النفس اطلعت إلي عالمها فأشرفت علي ما يكون و هذا ألذي يذهبون إليه في حقيقة النفس غيرمفهوم و لامضبوط فكيف إذاأضيف إليه الاطلاع علي عالمها و ما هذاالاطلاع و إلي أي شيءيشيرون بعالم النفس و لم يجب أن تعرف الكائنات عند هذاالاطلاع فكل هذازخرفة ومخرقة وتهاويل لايتحصل منها شيء وقول صالح قبة مع أنه تجاهل محض أقرب إلي أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة لأن صالحا ادعي أن النائم يري علي الحقيقة ما ليس يراه فلم يشر إلي أمر غيرمعقول و لامفهوم بل ادعي ما ليس بصحيح و إن كان مفهوما وهؤلاء عولوا علي ما لايفهم مع الاجتهاد و لايعقل مع قوة التأمل والفرق بينهما واضح .فأما سبب الإنزال فيجب أن يبني علي شيءيحقق سبب الإنزال في اليقظة مع الجماع ليس هذامما يهذي به أصحاب الطبائع لأنا قدبينا في غيرموضع أن الطبع لاأصل له و أن الإحالة فيه علي سراب لايتحصل وإنما سبب الإنزال أن الله تعالي أجري العادة بأن يخرج هذاالماء من الظهر عنداعتقاد النائم أنه يجامع و إن كان هذاالاعتقاد باطلا انتهي كلامه قدس الله روحه . ولنكتف بذكر هذه الأقوال و لانشتغل بنقدها وتفصيلها و لابردها وتحصيلها لأن ذلك مما يؤدي إلي التطويل الخارج عن المقصود في الكتاب ولنذكر ماظهر لنا في هذاالباب من الأخبار المنتمية إلي الأئمة الأخيار ع فهو أن الرؤيا تستند إلي أمور شتي .
صفحه : 218
فمنها أن للروح في حالة النوم حركة إلي السماء إما بنفسها بناء علي تجسمها كما هوالظاهر من الأخبار أوبتعلقها بجسد مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضا بأن يكون للروح جسدان أصلي ومثالي يشتد تعلقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي ويضعف تعلقها بالآخر وينعكس الأمر في حال النوم أوبتوجهها وإقبالها إلي عالم الأرواح بعدضعف تعلقها بالجسد بنفسها من غيرجسد مثالي و علي تقدير التجسم أيضا يحتمل ذلك كمايومئ إليه بعض الأخبار بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذاالجسد وإقبالها إلي عالم آخر وتوجهها إلي نشأة أخري و بعدحركتها بأي معني كانت تري أشياء في الملكوت الأعلي وتطالع بعض الألواح التي أثبتت فيهاالتقديرات فإن كان لها صفاء ولعينها ضياء يري الأشياء كماأثبتت فلاتحتاج رؤياه إلي تعبير و إن استدلت علي عين قلبه أغطية أرماد التعلقات الجسمانية والشهوات النفسانية فيري الأشياء بصور شبيهة لها كما أن ضعيف البصر ومؤف العين يري الأشياء علي غير ماهي عليه والعارف بعلته يعرف أن هذه الصورة المشبهة التي اشتبهت عليه صورة لأي شيءفهذا شأن المعبر العارف بداء كل شخص وعلته ويمكن أيضا أن يظهر الله عليه الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة كما أن الإنسان قديري المال في نوم بصورة حية و قديري الدراهم بصورة عذرة ليعرف أنهما يضران وهما مستقذران واقعا فينبغي أن يتحرز عنهما ويجتنبهما و قدتري في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لاحقيقة لها ويحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ماأنس به من الأمور المألوفة والشهوات والخيالات الباطلة و قدمضي مايدل علي هذين النوعين في رواية محمد بن القاسم ورواية معاوية بن عمار وغيرهما. ومنها ما هوبسبب إفاضة الله تعالي عليه في منامه إما بتوسط الملائكة أوبدونه كمايومئ إليه خبر أبي بصير وسعد بن أبي خلف . ومنها ما هوبسبب وسواس الشيطان واستيلائه عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة أوالطاعات التي تركها فيها أوالكثافات والنجاسات الظاهرية والباطنية التي
صفحه : 219
لوث نفسه بها كمامر في رواية هزع ورواية تارك الزكاة وغيرهما وتدل عليه آية النجوي علي بعض الوجوه . ومنها ما هوبسبب مابقي في ذهنه من الخيالات الواهية والأمور الباطلة ويومئ إليه خبر ابن أبي خلف وغيره . و أما ماوراء ذلك مما سبق ذكره و إن كان بعضها محتملا ويمكن تطبيق الآيات والأخبار عليه لكن لم يدل عليه دليل والتجويز والإمكان لايقومان مقام البرهان مع أنه ليس من الأمور التي يجب تحقيقها والإذعان بكيفيتها.
نورد فيهابعض ماذكره أرباب التعبير والتأويل و إن لم يكن لأكثرها مأخذ يصلح للتعويل . قال بعضهم السحاب حكمة فمن ركبه علا في الحكمة و إن أصاب منها شيئا أصاب حكمة و إن خالطه و لم يصب شيئا خالط الحكماء فإن كان في السحاب سواد أوظلمة أورياح أو شيء من هيئته العذاب فهو عذاب و إن كان فيه غيث فهو رحمة والسمن والعسل قد يكون مالا في التأويل و قد يكون علما وحكمة روي أن رجلا سأل ابن سيرين قال رأيت كأني ألعق عسلا من جام من جوهر فقال اتق الله وعاود القرآن فقد قرأته ثم نسيته . والعلو إلي السماء رفعة قال تعالي وَ رَفَعناهُ مَكاناً عَلِيّا و من رأي أنه صعد السماء ودخلها نال شرفا وذكرا وشهادة. والطيران في الهواء عزم سفر أونيل شرف و قال بعضهم من رأي أنه يطير فإن كان إلي جهة السماء من غيرتعريج ناله ضرر و إن غاب في السماء و لم يرجع مات و إن رجع أفاق من مرضه و إن كان يطير عرضا سافر ونال رفعة بقدر طيرانه و إن كان بجناح فهو مال وسلطان يسافر في كنفه و إن كان بغير جناح دل علي التعزير في ما
صفحه : 220
يدخل فيه وقالوا إن الطيران للشرار دليل ردي والحبل العهد والأمان لقوله تعالي وَ اعتَصِمُوا بِحَبلِ اللّهِ جَمِيعاً. واعلم أن التأويل قد يكون بدلالة كتاب أوسنة أو من الأمثال السائرة بين الناس و قديقع التأويل علي الأسماء والمعاني و قديقع علي الضد فالتأويل بدلالة القرآن كالحبل يعبر بالعهد كمامر والسفينة بالنجاة قال تعالي فَأَنجَيناهُ وَ أَصحابَ السّفِينَةِ والخشبة بالنفاق لقوله تعالي كَأَنّهُم خُشُبٌ مُسَنّدَةٌ والحجارة بالقسوة لقوله تعالي أَو أَشَدّ قَسوَةً والمرض بالنفاق لقوله فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ والماء بالفتنة في حال لقوله لَأَسقَيناهُم ماءً غَدَقاً لِنَفتِنَهُم وأكل اللحم الني بالغيبة لقوله أَ يُحِبّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتاً ودخول الملك محلة أوبلدا أودارا يصغر عن قدره وينكر دخول مثله مثلها يعبر بمصيبة وذل ينال أهله لقوله إِنّ المُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوها والبيض بالنساء لقوله كَأَنّهُنّ بَيضٌ مَكنُونٌ وكذلك اللباس لقوله هُنّ لِباسٌ لَكُم واستفتاح الباب بالدعاء لقوله إِن تَستَفتِحُوا أي تدعوا. والتأويل بدلالة الحديث كالغراب بالرجل الفاسق لأن النبي ص سماه فاسقا والفأرة بالمرأة الفاسقة لأنه ص سماه فويسقة والضلع بالمرأة لِقَولِهِص إِنّهَا خُلِقَت مِن ضِلعٍ أَعوَجَ
لِقَولِهِص رُوَيدَكَ سَوقاً بِالقَوَارِيرِ
. والتأويل بالأمثال كالصائغ بالكذاب لقولهم أكذب الناس الصواغون وحفر الحفرة بالمكر لقولهم من حفر حفرة لأخيه وقع فيها قال تعالي وَ لا يَحِيقُ
المَكرُ السّيّئُ إِلّا بِأَهلِهِ والحاطب بالنمام لقولهم لمن نم ووشي إنه يحطب عليه وفسروا قوله حَمّالَةَ الحَطَبِبالنميمة وطول اليد بصنائع المعروف لقولهم فلان أطول يدا من فلان ويعبر الرمي بالحجارة والسهم بالقذف لقولهم رمي فلانا بفاحشة قال الله تعالي وَ الّذِينَ يَرمُونَ المُحصَناتِ وغسل اليد باليأس عما يؤمل لقولهم غسلت يدي عنك والتأويل بالأسامي كمن رأي من يسمي راشدا يعبر بالرشد وسالما بالسلامة
وَ روُيَِ عَن أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص رَأَيتُ ذَاتَ لَيلَةٍ فِيمَا يَرَي النّائِمُ كَأَنّا فِي دَارِ عُقبَةَ بنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبِ ابنِ طَابٍ فَأَوّلتُ الرّفعَةَ لَنَا فِي الدّنيَا وَ العَافِيَةَ فِي الآخِرَةِ وَ أَنّ دِينَنَا قَد طَابَ
و قال ابن سيرين نوي التمر نية السفر و قديعبر السفرجل بالسفر إذا لم يكن في الرؤيا مايدل علي المرض والسوسن بالسوء لأن أوله سوء إذاعدل به مما ينسب إليه في التأويل . والتأويل بالمعني كالأترج يعبر بالنفاق لمخالفة باطنه ظاهره إذا لم يكن في الرؤيا مايدل علي المال وكالورد والنرجس بقلة البقاء إن عدل به عما نسب إليه لسرعة ذهابه والآس بالبقاء لأنه يدوم روي أن امرأة بالأهواز رأت كأن زوجها ناولها نرجسا وناول ضرتها آسا فقال المعبر يطلقك ويتمسك بضرتك أ ماسمعت قول الشاعر
ليس للنرجس عهد | إنما العهد للآس . |
و أماالتأويل بالضد فكما أن الخوف يعبر بالأمن لقوله وَ لَيُبَدّلَنّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً والأمن بالخوف والبكاء بالفرح إذا لم يكن معه رنة والضحك بالحزن إلا أن يكون تبسما والطاعون بالحرب والحرب بالطاعون والعجلة بالندم والندم بالعجلة والعشق بالجنون والجنون بالعشق والنكاح بالتجارة والتجارة بالنكاح والحجامة بكتبة الصك والصك بالحجامة والتحول عن المنزل بالسفر
صفحه : 222
والسفر بالتحول عن المنزل و من هنا أن العطش خير من الري والفقر من الغني والمضروب والمجروح والمقذوف أحسن حالا من الفاعل . و قديتغير بالزيادة والنقصان كالبكاء إنه فرح و إن كان معه صوت ورنة فمصيبة و في الضحك إنه حزن فإن كان تبسما فصالح و في الجوز مال مكنون فإن سمعت له قعقعة فهو خصومة والدهن في الرأس زينة فإن سال عن الوجه فهو غم والزعفران ثناء حسن فإن ظهر له لون فهو مرض أوهم والمريض يخرج من منزله و لايتكلم فهو موته فإن تكلم برأ والفأر نساء فإن اختلفت ألوانها إلي البيض والسود فهي الأيام والليالي والسمك نساء فإذاعرف عددها فإن كثر فغنيمة. و قديتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي كالغل في النوم مكروه و هو في حق الرجل الصالح قبض اليد عن الشر و قال ابن سيرين نقول في الرجل يخطب علي المنبر يصيب سلطانا فإن لم يكن من أهله يصلب وسأل رجل ابن سيرين عن الأذان فقال الحج وسأله آخر فأول بقطع السرقة و قال رأيت الأول في سيماء حسنة فتأولت وَ أَذّن فِي النّاسِ بِالحَجّ و لم أرض هيئة الثاني فأولت ثُمّ أَذّنَ مُؤَذّنٌ أَيّتُهَا العِيرُ إِنّكُم لَسارِقُونَ و قديري فيصيبه عين مارأي حقيقة من ولاية أوحج أوقدوم غائب أوخير أونكبة و قدرأي النبي ص عام الفتح فكان كذلك قال تعالي لَقَد صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤيا وروي الزهري عن ابن خزيمة بن ثابت عن عمه أن خزيمة رأي أنه سجد علي جبهة النبي ص فأخبره فاضطجع له و قال صدق رؤياك فسجد علي جبهته و قديري في المنام الشيء فيكون لولده أوقريبه أوسميه فقد أري[رأي ] النبي ص متابعة أبي جهل معه فكان لابنه عكرمة فلما أسلم قال ص هو هذا ورأي لأسيد بن العاص ولاية مكة فكان لابنه عتاب ولاه النبي ص مكة وروي البخاري بإسناده عن ابن سيرين عن قيس بن عباد قال كنت جالسا في مسجد المدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبي ص فدخل
صفحه : 223
رجل علي وجهه أثر الخشوع فقال بعض القوم هذا رجل من أهل الجنة فصلي ركعتين تجوز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت له إنك حين دخلت المسجد قالوا هذا من أهل الجنة قال و الله ماينبغي لأحد أن يقول ما لايعلم وسأحدثك بم ذاك رأيت رؤيا علي عهد النبي ص فقصصتها عليه رأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها في وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء وأعلاه عروة فقيل لي ارقه قلت لاأستطيع فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حتي كنت في أعلاها فأخذت بالعروة فقيل استمسك فاستيقظت وإنها لفي يدي فقصصتها علي النبي ص فقال تلك الروضة الإسلام و ذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة العروة الوثقي فأنت علي الإسلام حتي تموت و الرجل عبد الله بن سلام . قال في النهاية في الحديث تجوزوا في الصلاة أي خففوها وأسرعوا بها وقيل إنه من الجواز القطع والسير و قال المنصف بكسر الميم الخادم و قديفتح . و قال في شرح السنة من رأي في النوم أنه قدصعد السماء فدخلها نال شرفا وذكرا ونال الشهادة فإن رأي نفسه فيها لايدري متي صعد إليها فهو شرف معجل وشهادة مؤجلة والشمس ملك عظيم و من رأي فيها من تغير أوكسوف فهو حدث بالملك من هم أومرض أونحوه والقمر وزير الملك في التأويل والزهرة امرأته وعطارد كاتبه والمريخ صاحب حربه وزحل صاحب عذابه والمشتري صاحب ماله وسائر النجوم العظام أشراف الناس وإنما يكون القمر وزيرا مارئي في السماء فإن رآه عنده أو في حجره أو في بيته تزوج زوجا يغلب ضوؤه رجلا كان أوامرأة وكانت الشمس في تأويل رؤيا يوسف أباه والقمر أمه أوخالته والكواكب الأحد عشر إخوته كما قال تعالي وَ رَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَي العَرشِالآية و كان رؤياه في صباه فظهر تأويلها بعدأربعين سنة ويقال بعدثمانين سنة. وروي أن ابن سيرين رأي في المنام كأن الجوزاء تقدمت الثريا فأخذ في
صفحه : 224
الوصية و قال يموت الحسن وأموت بعده و هوأشرف مني وسأل رجل ابن سيرين فقال رأيت كأني أطير بين السماء و الأرض فقال أنت رجل كثير المني وقالوا من رأي القيامة قدقامت في موضع فإن العدل يبسط في ذلك المكان فإن كانوا مظلومين نصروا و إن كانوا ظالمين انتقم منهم لأنه العدل و يوم القيامة يوم الفصل والعدل قال تعالي وَ نَضَعُ المَوازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ و من رأي دخل الجنة فهو البشري من الله بالجنة فإن أكل شيئا من ثمارها أوأصابها فهو خير يناله في دينه ودنياه وعلم ينتفع به فإن أعطاها غيره ينتفع بعلمه غيره ودخول جهنم إنذار للعاصي ليتوب فإن رأي أنه تناول شيئا من طعامها أوشرابها فهو خلاف أعمال البر منه أوعلم يصير عليه وبالا والغسل والوضوء بالماء البارد توبة وشفاء من المرض وخروج من الحبس وقضاء للدين وأمن من الخوف غير أن الغسل أقوي من الوضوء قال تعالي لأيوب ع هذا مُغتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ فلما اغتسل خرج من المكاره والغسل والوضوء بالماء المسخن همّ أومرض والأذان حج لقوله تعالي وَ أَذّن فِي النّاسِ بِالحَجّ وربما كان سلطانا في الدين وقوة والصلاة في النوم استقامة الرأي في الدين والسنة إذاكانت إلي الكعبة والإمامة رئاسة وولاية إن استقامت قبلته وتمت صلاته والركوع توبة لقوله تعالي خَرّ راكِعاً وَ أَنابَ والسجود قربة لقوله تعالي وَ اسجُد وَ اقتَرِب و إن صلي منحرفا عن سمت القبلة شرقا أوغربا فانحراف عن السنة فإن جعلها وراء ظهره فهو نبذه الإسلام لقوله تعالي فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِم فإن رأي أنه لايعرف القبلة فهو حيرة منه في الدين و من رأي نفسه فوق الكعبة فلادين له والكعبة الإمام العادل فمن أم الكعبة فقد أم الإمام والمسجد الجامع هوالسلطان و من رأي نفسه بالكعبة أويأتي بشيء من المناسك فهو صلاح في دينه بقدر عمله ودخول الحرم أمن لقوله وَ مَن دَخَلَهُ كانَ آمِناً
صفحه : 225
والأضحية فك الرقبة فمن ضحي و كان عبدا أعتق و إن كان أسيرا نجا أوخائفا أمن أومديونا قضي دينه أومريضا شفاه الله أوصرورة حج . و قال من رأي في المنام أنه تزوج امرأة عاينها أوعرفها أونسبت إليه أصاب سلطانا و إن تزوج امرأة لم يعاينها و لم يعرفها و لم تنسب إليه إلا أنه يسمي عروسا فهو موته أويقتل إنسانا و من طلق امرأة عزل عن سلطنته و من تزوج امرأة ميتة ظفر بأمر ميت و من رأي أنه نكح امرأة من محارمها يصل رحمها و من أصاب زانية أصاب دنيا حراما فإن رآه رجل من الصالحين أصاب علما فإن رأت امرأة أنها تزوجت أصابت خيرا فإن رأت أن زانيا نكحها فهو نقصان مالها وتشتت أمرها. وَ رَوَي البخُاَريِّ عَنِ ابنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّص قَالَ رَأَيتُ امرَأَةً سَودَاءَ ثَائِرَةَ الرّأسِ خَرَجَت مِنَ المَدِينَةِ حَتّي نَزَلَت مَهيَعَةَ فَتَأَوّلتُهَا أَنّ وَبَاءَ المَدِينَةِ نُقِلَ إِلَي مَهيَعَةَ وَ هيَِ الجُحفَةُ
. و قال أصحاب التعبير الرجل المعروف في النوم هو ذلك الرجل أوسميه أونظيره والمجهول إن كان شابا فهو عدو و إن كان شيخا فهو جدة والمرأة العجوزة المجهولة هي الدنيا فإن كانت ذات هيئة وسمت حسن كانت حلالا و إن كانت علي غيرسمت الإسلام كانت دنيا حراما و إن كانت شعثة قبيحة فلادين و لادنيا والمرأة سنة والجارية خير والصبي هم والمرأة الزانية هي الدنيا لطالب الدنيا وعلم لأهل الصلاح والعلم والخصيان هم الملائكة إذارآهم في سمت حسن وسأل رجل ابن سيرين فقال رأيت في النوم صبيا في حجري يصيح فقال اتق الله و لاتضرب بالعود.فأما الأعضاء فرأس الرجل رئيسه والوجه جاهه والشيب وقاره وطول الشعر هم إلا أن يكون ممن يلبس السلاح فهو له زينة وحلق الرأس كفارة الذنوب إن كان في حرم أوأيام موسم و إن كان مديونا أو في كرب ففرج و إن لم يكن
صفحه : 226
شيئا منها فهو هتك أوعزل رئيسه وطول اللحية فوق القدر دين أوهم وخضاب الرأس واللحية تغطية أمر وشعر الشارب والإبط زيادة مكروهه ونقصانه محمود والأذن امرأة الرجل وابنته والسمع والبصر دينه والصوت صيته في الناس و ماحدث عن شيء منه كان ذلك فيما ينسب إليه والعين دين فإن رأي أنه أعمي ضل عن الإسلام و إن رأي أنه أعور ذهب نصف دينه أوأصاب إثما عظيما والرمد حدث في الدين وأشفار العين وقاية الدين وكذا الاكتحال والجبهة والأنف من الجاه والفم مفتاح أمره وخاتمته والقلب القائم بأمره ومدبره واللسان ترجمانه والمبلغ عنه و قد يكون حجته وقطعه انقطاع حجته في المنازعة و قد يكون اللسان ذكره قال تعالي وَ اجعَل لِي لِسانَ صِدقٍ فِي الآخِرِينَ وقطع اللسان للنساء محمود يدل علي الستر والحياء والأسنان أهل البيت والقرابات لتقاربها وتلاصقها والثنايا أقربهم والأبعد منها أبعدهم والعليا رجال القرابة والسفلي نساؤها و ماحدث فيها من حسن أوفساد أوكلال ففي القرابة فإن رأي أن أسنانه سقطت فصارت في يده تكثر نساء أهله فإن سقطت وذهبت فهو موتهم قبله والعنق موضع الأمانة والدين وضعفه عجز عن احتمال الأمانة والدين والعضد أخ أوولد قدأدرك واليد أخ وقطعها موته و قديؤول طول اليد بصنائع المعروف و إذانسبت اليد إلي الأخ كانت الأصابع أولادا لأخ و إذاانفردت الأصابع عن ذكر اليد فهي الصلوات الخمس ونقصانها حدث في الصلاة فالإبهام الصبح والسبابة الظهر والوسطي العصر والبنصر المغرب والخنصر العشاء والصدر حلم الرجل واحتماله والثدي البنت والبطن والأمعاء مال وولد فإن رأي ظهور شيء من أمعائه من جوفه فهو ظهور ماله والكبد كنز و في الحديث يخرج الأرض أفلاذ كبدها أي كنوزها وكذلك الدماغ والمخ والأضلاع النساء لأن المرأة خلقت من ضلع والظهر سند الرجل وقوته و من المملوك سيده و
صفحه : 227
الصلب القوة و قد يكون الولد لأن الولد يخرج منه والذكر ذكره و قد يكون ولده والخصيتان الأعداء فإن رأي قطعهما ظفر به أعداؤه فإن عظمتا كان منيعا و قد يكون انقطاع الخصيتين انقطاع إناث الولد والفخذ عشيرة الرجل وقومه والركبة موضع كده ونصبه في المعيشة والقروح والبثر والجراح والورم في البدن والجنون والجذام كلها مال والبرص مال وكسوة
وَ روُيَِ أَنّ رَسُولَ اللّهِص سَأَلَ عَن وَرَقَةَ فَقَالَت خَدِيجَةُ إِنّهُ قَد صَدّقَكَ وَ لَكِن مَاتَ قَبلَ أَن تَظهَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِص رَأَيتُهُ فِي المَنَامِ وَ عَلَيهِ ثِيَابٌ بِيضٌ وَ لَو كَانَ مِن أَهلِ النّارِ لَكَانَ عَلَيهِ لِبَاسٌ غَيرُ ذَلِكَ
قال المعبرون القميص علي الرجل دينه علي لسان صاحب الشرع و قديعبر القميص بشأنه في مكسبه ومعيشته و مارأي في قميصه صفاقة أوخرق أووسخ فهو صلاح معيشته أوفساده والسراويل جارية أعجمية والإزار امرأة وأفضل الثياب ما كان جديدا صفيقا واسعا والبياض في الثياب جمال في الدين والدنيا والحمرة في الثياب صالحة للنساء وتكره للرجال إلا أن تكون في ملحفة أوإزار أوفراش فهو حينئذ سرور وفرح والصفرة في الثياب مرض والخضرة حياة في الدين لأنها لباس أهل الجنة والسواد سود وسلطان لمن يلبس السواد في اليقظة ولمن لايلبسها مكروه والصوف مال كثير والبرد من القطن يجمع خير الدين والدنيا وأجود البرود الحبرة فإن كان البرد من إبريشم فهو مال حرام وفساد من الدين والقطن والكتان والشعر والوبر كلها مال والعمامة ولاية والفراش امرأة حرة أوأمة والوسائد والمرافق والمقادم والمناديل خدم والسرير سلطان إذا كان ممن يصلح لذلك و إلافهو شهرة. ويقال المرأة فضيحة والستور علي الأبواب هم وحزن والنعل امرأة وخمار
صفحه : 228
المرأة زوجها فإن لم يكن لها زوج فوليها.
وَ روُيَِ عَن أُمّ العَلَا الأَنصَارِيّةِ قَالَت رَأَيتُ فِي النّومِ لِعُثمَانَ بنِ مَظعُونٍ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ بَعدَ مَوتِهِ عَيناً تجَريِ فَقَصَصتُهَا عَلَي رَسُولِ اللّهِص فَقَالَ ذَاكَ عِلمُهُ
و قال أصحاب التعبير الساقية التي لايغرق في مثلها حياة طيبة والبحر الملك الأعظم فإن استقي منه ماء أصاب من الملك مالا والنهر رجل يقدر عظمته والماء الصافي إذاشرب خير وحياة طيبة و إن كان كدرا أصابه مرض وشرب الماء المسخن ودخول الحمام هم ومرض والماء الراكد أضعف في التأويل من الجاري والمطر غياث ورحمة إن كان عاما و إن كان خاصا في موضع فهو أوجاع يكون في ذلك الموضع والطين والوحل والماء الكدر هم وحزن والسيل عدو يتسلط والثلج والبرد والجليد هم وعذاب إلا أن يكون الثلج قليلا في موضعه وحينه فيكون خصبا لأهل ذلك الموضع والسباحة احتباس أمر والمشي علي الماء قوة نفس و من غمره الماء أصابه هم غالب والغرق فيه إذا لم يمت غرق في أمر الدنيا وانفجار العيون من الدار والحائط وحيث ينكر انفجارها هم وحزن ومصيبة بقدر قوة العين والخمر مال حرام فإن سكر منها أصاب معه سلطانا والسكر من غيرالشراب خوف و من اعتصر خمرا خدم السلطان وأخصب وجرت علي يده أمور عظام قال تعالي إنِيّ أرَانيِ أَعصِرُ خَمراًفأوله يوسف بأنه يسقي ربه خمرا وشرب اللبن فطرة و هو يكون مالا حلالا
وَ قَد وَرَدَ فِي الخَبَرِ أَنّ النّبِيّص أَوّلَ اللّبَنَ بِالعِلمِ
وروي أن امرأة رأت في المنام أنها كانت تحلب حية فسألت ابن سيرين فقال هذه يدخل عليها أهل الأهواء.اللبن فطرة والحية عدو وليست من الفطرة في شيء والأشجار رجال أحوالهم
صفحه : 229
كأحوال الشجر في الطبع والنفع وطيب الريح فمن رأي شجرا أوأصاب شيئا من ثمره أصاب من رجل في مثل حال ذلك الشجر والنخل رجل شريف والتمر مال وشجر الجوز رجل أعجمي شحيح والجوز نفسه مال مكنون وشجرة السدر رجل شريف وشجرة الزيتون رجل مبارك نفاع وثمر الزيتون هم وحزن والكرم والبستان امرأة والعنب الأبيض في وقته غضارة الدنيا وخيرها و في غيروقته مال يناله قبل وقته ألذي يرجوه والأشجار العظام التي لاثمر لها كالدلب والصنوبر إن رأي فهو رجل ضخم بعيد الصوت قليل الخير والمال والشجرة ذات الشوك رجل صعب المرام والصفر من الثمار مثل المشمش والكمثري والزعرور الأصفر ونحوها أمراض والحامض منها هم وحزن والحبوب كلها مال والحشيش مال والزرع عمله في دينه أودنياه والثوم والبصل والجزر والشلجم هم وحزن والرياحين كلها بكاء وحزن إلا مايري منها ثابتا في موضعه من غير أن يمسه و هويجد ريحه .
وَ رَوَي البخُاَريِّ وَ غَيرُهُ مِنَ المُخَالِفِينَ بِإِسنَادِهِم عَنِ النّبِيّص قَالَ رَأَيتُ فِي المَنَامِ أنَيّ أُهَاجِرُ مِن مَكّةَ إِلَي أَرضٍ لَهَا نَخلٌ فَذَهَبَ وهَليِ إِلَي أَنّهَا اليَمَامَةُ أَو هَجَرُ فَإِذَا هيَِ المَدِينَةُ يَثرِبُ وَ رَأَيتُ فِي رؤُياَيَ هَذِهِ أنَيّ هَزَزتُ سَيفاً فَانقَطَعَ صَدرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبُ مِنَ المُؤمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ ثُمّ هَزَزتُهُ أُخرَي فَعَادَ أَحسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللّهُ بِهِ مِنَ الفَتحِ وَ اجتِمَاعِ المُؤمِنِينَ وَ رَأَيتُ أَيضاً فِيهَا بَقَراً وَ اللّهِ خَيرٌ فَإِذَا هُمُ النّفَرُ مِنَ المُؤمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ وَ إِذَا الخَيرُ مَا جَاءَ اللّهُ بِهِ مِنَ الخَيرِ بَعدُ وَ ثَوَابُ الصّدقِ ألّذِي أَتَانَا اللّهُ بَعدَ يَومِ بَدرٍ
. قال في النهاية وهل إلي الشيء بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذاذهب وهمه إليه انتهي وضبطه النووي بالتحريك و قال الوهل بالتحريك معناه الوهم والاعتقاد وسائر اللغويين علي الأول .
وَ رَوَوا أَيضاً عَن جَابِرٍ فِي خَبَرِ غَزوَةِ أُحُدٍ أَنّ النّبِيّص قَالَرَأَيتُ كأَنَيّ فِي دِرعٍ حَصِينَةٍ وَ رَأَيتُ بَقَراً تُنحَرُ فَأَوّلتُ الدّرعَ الحَصِينَةَ بِالمَدِينَةِ وَ البَقَرَ بَقَرَةً وَ اللّهِ
صفحه : 230
خَيرٌ. وَ أَوّلُوا ذَبحَ البَقَرَةِ بِالمُسلِمِينَ الّذِينَ استُشهِدُوا يَومَ أُحُدٍ.
قال ابن حجر هذه اللفظة الأخيرة هي بفتح الموحدة وسكون القاف مصدر بقره بقرا ومنهم من ضبطها بفتح النون والفاء. و قال أهل التعبير السيف سلطان في المنام و إن رآه قدرفعه فوق رأسه نال سلطانا مشهورا و إن لم يكن ممن ينبغي له فهو ولد وكذلك كل من أعطي سكينا أورمحا أوقوسا ليس معه سلاح فهو ولد و إن كان معه سلاح فهو سلطان و ماحدث في السيف من انكسار أوثلمة أوكدورة فهو حدث فيما ينسب السيف إليه و إن رأي أنه سل سيفا من غمد ولدت امرأته غلاما فإن انكسر السيف في الغمد مات الولد فإن انكسر الغمد دون السيف ماتت الأم وسلم الولد والرمي عن القوس نفوذ كتبه في السلطان بالأمر والنهي وانكسار القوس مصيبة والبقر سنون فإن كانت سمانا كانت مخاصب و إن كانت عجافا كانت مجادب كما في تأويل يوسف ع و من ركب ثورا أصاب مالا من عمل السلطان أواستمكن من عامل و إن رأي ثورا من العوامل ذبح وقسم لحمه فهو موت عامل وقسمة تركته فإن كان من غيرالعوامل كان رجلا ضخما والبعير رجل ضخم والناقة امرأة و مارأي أنه راكب بعير مجهول سافر و إن نزل عنه مرض و إن دخل جماعة من الإبل أرضا دخلها عدو وربما كان أوجاعا و من رأي أنه يرعي غنما سودا فهو أناس من أناس العرب و إن كانت بيضا فمن العجم
وَ روُيَِ عَن رَسُولِ اللّهِص قَالَ رَأَيتُ غَنَماً كَثِيرَةً سُوداً دَخَلَ فِيهَا غَنَمٌ كَثِيرٌ بِيضٌ قَالُوا فَمَا أَوّلتَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ العَجَمُ يُشَارِكُونَكُم فِي دِينِكُم وَ أَنسَابِكُم وَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ لَو كَانَ الإِيمَانُ مُعَلّقاً بِالثّرَيّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنَ العَجَمِ فَأَسعَدُهُم بِهِ فَارِسُ
. والكبش رجل ضخم والنعجة امرأة شريفة والعنز يجري مجري النعجة إذا كان في الرؤيا مايدل علي المرأة إلا أن العنز دون النعجة في الشرف والحسب و قديجري مجري النعجة في كونها سنة مخصبة إن كانت سمينة ومجدبة إن كانت عجافا
صفحه : 231
والفرس عز وسلطان والأنثي امرأة شريفة والبغل سفر والحمار جد الرجل ألذي يسعي به فمن رأي أنه ذبح حماره ليأكل من لحمه أصاب مالا يجده والفيل سلطان أعجمي فإن ركبه في أرض حرب كانت الدبرة علي أصحاب الفيل قال تعالي أَ لَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبّكَ و من أصاب حمار وحش أووعلا وصغيره أنه يريد أكله يصيب غنيمة و من رأي أنه راكب حمار وحش يصرفه كيف شاء فهو راكب معصية أويفارق رأي الجماعة والأسد عدو قاهر والخنزير رجل دني شديد الشوكة والضبع امرأة قبيحة سوء والدب عدو دني أحمق والذئب سلطان غشوم أولص ضعيف كذاب والثعلب كثير الاختلاف فمن رأي أنه ينازعه خاصم ذا قرابة و إن طلب ثعلبا أصابه وجع و إن طلبه ثعلب أصابه فزع و من رأي ثعلبا يهرب منه فهو عزيمة يراوغه و من أصاب ثعلبا أصاب امرأة يحبها حبا ضعيفا و ابن آوي كالثعلب وأضعف والسنور لص و ابن عرس في معناه وأضعف والكلب عدو دني غيرمبالغ في العداوة والقرد عدو ملعون والحية عدو مكاتم للعداوة والعقرب عدو ضعيف لاتجاوز عداوته لسانه وكذلك سائر الهوام أعداء علي منازلهم وذو السم أبلغ والنسر والعقاب سلطان قوي والحدأة ملك خامل الذكر شديد الشوكة والبازي سلطان غشوم والصقر قريب منه والغراب إنسان فاسق كذوب والعقعق إنسان لاعهد له و لاحفاظ و لادين والطاوس الذكر ملك أعجمي والأنثي امرأة حسناء أعجمية والحمامة امرأة أوخادمة والفاختة امرأة غيرآلفة والدجاج خدم والديك رجل أعجمي من نسل الملوك . قال عمر رأيت أن ديكا نقر بي نقرتين فأولت أن رجلا من العجم سيقتلني فقتله أبولؤلؤة والعصفور رجل صخاب دني والبلبل غلام صغير والببغاء ولد يناغي والخفاش عابد مجتهد والزرزور صاحب أسفار والهدهد كاتب يتعاطي دقيق العلم و لادين له والثناء عليه قبيح لنتن ريحه والزنابير والذباب سفلة الناس وغوغاؤهم
صفحه : 232
والنحلة إنسان كسوب عظيم الخطر والبركة وطير الماء أفضل الطير في التأويل لأنها أكثرها ريشا وأقلها غائلة ولها سلطانان في البر والماء والسمك الطري الكبار إذاكثر عددها مال وغنيمة وصغارها هموم كالصبيان و من أصاب سمكة طرية أوسمكتين أصاب امرأة أوامرأتين فإن أصاب في بطنها لؤلؤة أصاب منها غلاما والضفدع إنسان عابد مجتهد فإن كثر من الضفادع فعذاب والجراد جند والجنود إذادخلوا موضعا فهو خراب
وَ رَوَي مُسلِمٌ وَ البخُاَريِّ فِي صَحِيحَيهِمَا بِإِسنَادِهِمَا عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص نَحنُ الآخِرُونَ السّابِقُونَ بَينَا أَنَا نَائِمٌ إِذ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الأَرضِ فَوُضِعَ فِي يدَيَّ سِوَارَانِ مِن ذَهَبٍ فَكَبّرَا عَلَيّ وَ أهَمَاّنيِ فأَوُحيَِ إلِيَّ أَنِ انفُخهُمَا فَنَفَختُهُمَا فَطَارَا فَأَوّلتُهُمَا الكَذّابَينِ الّذَينِ أَنَا بَينَهُمَا صَاحِبَ صَنعَاءَ وَ صَاحِبَ اليَمَامَةِ
وَ فِي رِوَايَةِ الترّمذِيِّ قَالَ رَأَيتُ فِي المَنَامِ كَأَنّ فِي يدَيَّ سِوَارَينِ فَأَوّلتُهُمَا كَاذِبَينِ يَخرُجَانِ مِن بعَديِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مُسَيلَمَةُ صَاحِبُ اليَمَامَةِ وَ العبَسيِّ صَاحِبُ صَنعَاءَ
و قال علماء التعبير من رأي عليه سوارين من ذهب أصابه ضيق في ذات يده و من الفضة خير من الذهب فإن رأي عليه خلخالا من ذهب أوفضة أصابه حبس أوخوف أوقيد و ليس يصلح للرجال في المنام من الحلي إلاالقلادة والتاج والعقد والقرط والخاتم وللنساء كله زينة والقلادة ولاية وأمانة واللؤلؤ المنظوم كلام الله أو من كلام البر و إن كان منثورا فهو ولد وغلمان وربما كان اللؤلؤ جارية أوامرأة والقرط زينة وجمال والخاتم إذا كان معروف الصياغة والنقش سلطان صاحبه فإن أعطي خاتما فتختم به ملك شيئا وربما كان الخاتم امرأة ومالا أوولدا. وفص الخاتم وجه مايعبر الخاتم به و إن كان الخاتم من ذهب كان مانسب إليه حراما فإن رأي حلقته انكسرت وسقطت وبقي الفص ذهب سلطانه وبقي الذكر والجمال و من رأي أنه أصاب ذهبا يصيبه غرم ويذهب ماله فإن كان الذهب معمولا من إناء أونحوه كان أضعف في التأويل والدراهم مختلفة التأويل علي اختلاف الطبائع فمنهم من يراها في المنام فيصيبها في اليقظة ومنهم من يعبرها بالكلام فإن كانت بيضا فهي كلام حسن و إن كانت ردية فكلام سوء ومنهم من
صفحه : 233
لايوافقه شيءمنهما والدراهم في الجملة خير من الدنانير فقد يكون الدينار الواحد والدرهم الواحد يكون ولدا صغيرا.انتهي ماأخرجناه من كتبهم المعتبرة عندهم و لايعتمد علي أكثرها لابتنائها علي مناسبات خفية وأوهام ردية والأخبار التي رووها أكثرها غيرثابتة و قدجرت التجربة في كثير منها علي خلاف ماذكروه فكثيرا مارأينا ماء صافيا فأصبنا علما ودخلنا بستانا أخضر فأصبنا معرفة ووجدنا الحية دنيا كماشبه أمير المؤمنين ع الدنيا بهافإنها لين لمسها و في جوفها السم الناقع يهوي إليها الصبي الجاهل ويهرب منها الفطن العاقل وكثيرا ماتري العذرة في المنام يقع علي الإنسان أويتلوث يده بهافيصيب مالا وسقوط الأسنان العليا لموت أقارب الأب والسفلي لأقارب الأم وكسر الظهر لفوت الأخ .
كَمَا قَالَ سَيّدُ الشّهَدَاءِ ع حِينَ استُشهِدَ العَبّاسُ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ الآنَ انكَسَرَ ظهَريِ
. وكثيرا مايري الإنسان أنه يدخل الحمام فيوفق لزيارة أحد الأئمة ع فإنها موجبة لتطهير الأرواح عن لوث الخطايا والذنوب كالحمام لتطهير الأجساد وتناثر النجوم لكثرة فوت العلماء ولذا سموا ابتداء الغيبة الكبري سنة تناثر النجوم لفوت كثير من أكابر العلماء فيهاكالكليني و علي بن بابويه والسمري آخر السفراء وغيرهم رضي الله عنهم . ثم إنها تختلف كثيرا باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان ولذا كان هذاالعلم من معجزات الأنبياء والأولياء ع و ليس لغيرهم من ذلك إلاحظ يسيرلا يُسمِنُ وَ لا يغُنيِ مِن جُوعٍ. و أماأضغاث الأحلام الناشئة من الأغذية الردية والأخلاط البدنية فهي كثيرة معلومة بالتجارب ولقد أتي رجل والدي قدس سره فزعا مهموما و قال رأيت الليلة أسدا أبيض في عنقه حية سوداء يحملان علي ويريدان قتلي فقال والدي رحمه الله لعلك أكلت البارحة طعام الأقط مع رب الرمان قال نعم قال لابأس عليك الطعامان المؤذيان صورا لك في المنام وأمثال ذلك كثيرة جربها كل إنسان من نفسه و الله ولي التوفيق
صفحه : 234
1- العُيُونُ، وَ المَجَالِسُ،لِلصّدُوقِ عَن مُحَمّدِ بنِ اِبرَاهِيمَ الطاّلقَاَنيِّ عَنِ ابنِ عُقدَةَ عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ بنِ فَضّالٍ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي الحَسَنِ الرّضَا ع قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِن أَهلِ خُرَاسَانَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ رَأَيتُ رَسُولَ اللّهِص فِي المَنَامِ كَأَنّهُ يَقُولُ لِي كَيفَ أَنتُم إِذَا دُفِنَ فِي أَرضِكُم بعَضيِ وَ استُحفِظتُم ودَيِعتَيِ وَ غُيّبَ فِي تُرَابِكُم نجَميِ فَقَالَ لَهُ الرّضَا ع أَنَا المَدفُونُ فِي أَرضِكُم وَ أَنَا بَضعَةٌ مِن نَبِيّكُم وَ أَنَا الوَدِيعَةُ وَ النّجمُ أَلَا فَمَن زاَرنَيِ وَ هُوَ يَعرِفُ مَا أَوجَبَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي مِن حقَيّ وَ طاَعتَيِ فَأَنَا وَ آباَئيِ شُفَعَاؤُهُ يَومَ القِيَامَةِ وَ مَن كُنّا شُفَعَاءَهُ يَومَ القِيَامَةِ نَجَا وَ لَو كَانَ عَلَيهِ مِثلُ وِزرِ الثّقَلَينِ الجِنّ وَ الإِنسِ وَ لَقَد حدَثّنَيِ أَبِي عَن جدَيّ عَن أَبِيهِ ع أَنّ رَسُولَ اللّهِص قَالَ
مَن رآَنيِ فِي مَنَامِهِ فَقَد رآَنيِ لِأَنّ الشّيطَانَ لَا يَتَمَثّلُ فِي صوُرتَيِ وَ لَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِن أوَصيِاَئيِ وَ لَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِن شِيعَتِهِم وَ إِنّ الرّؤيَا الصّادِقَةَ جُزءٌ مِن سَبعِينَ جُزءاً مِنَ النّبُوّةِ
تبيان يدل الخبر علي عدم تمثل الشيطان في المنام بصورة النبي ص والأئمة بل بصورة شيعتهم أيضا ولعله محمول علي خلص شيعتهم كسلمان و أبي ذر والمقداد وأضرابهم و قدروي المخالفون أيضا مثله بأسانيد عن ابن عمر و أبي
صفحه : 235
هريرة و ابن مسعود وجابر و أبي سعيد و أبي قتادة عن النبي ص برواية أبي داود والبخاري ومسلم والترمذي بألفاظ مختلفة منها من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة و لايتمثل الشيطان بي ومنها من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لايتمثل بي ومنها من رآني في النوم فقد رآني فإنه لاينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي و في رواية أن يتشبه بي ومنها من رآني فقد رأي الحق فإن الشيطان لايتراءي بي. و قال في النهاية الحق ضد الباطل و منه الحديث من رآني فقد رأي الحق أي رؤيا صادقة ليست من أضغاث الأحلام وقيل فقد رآني حقيقة غيرمشتبه انتهي . واعلم أن العلماء اختلفوا في أن المراد رؤيتهم ع في صورهم الأصلية أوبأي صورة كانت و لايخفي أن ظاهر حديث الرضا ع التعميم لأن الرائي لم يكن رأي النبي ص و لم يسأله ع في أي صورة رأيته وحمله علي أنه ع علم أنه رآه بصورته الأصلية بعيد عن السياق فإن من رأي أحدا من الأئمة ع في المنام لم يحصل له علم في المنام بأنه رآه ويقال في العرف واللغة إنه رآهم و إن رأي الشخص الواحد بصور مختلفة فيقال رآه بصورة فلان و لايعدون هذاالكلام من المتناقض . والعامة أيضا اختلفوا في ذلك فمنهم من قال المراد رؤيته ص بصورته الأصلية وأيدوه عن ابن سيرين أنه إذاقص عليه رجل أنه رأي النبي ص قال صف لي ألذي رأيته فإن وصف له صفة لايعرفها قال لم تره وبعضهم قال بالتعميم وأيده بما رووه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص من رآني في المنام فقد رآني فإني أري في كل صورة. و قال القرطبي اختلف في معني الحديث فقال قوم هو علي ظاهره فمن رآه في النوم رأي حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء قال و هذاقول يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لايراه أحد إلا علي صورته التي مات عليها و أن لايراه رائيان في آن
صفحه : 236
واحد في مكانين و أن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبونه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره عن جسده فلايبقي فيه منه شيء ويزار مجرد القبر ويسلم علي غائب لأنه جائز أن يري في الليل والنهار مع اتصال الأوقات علي حقيقته في غيرقبره و هذه جهالات لايلتزمها من له أدني مسكة من العقل وقالت طائفة معناه أن من رآه علي صورته التي كان عليها ويلزم منه أن من رآه علي غيرصفته أن يكون رؤياه من الأضغاث و من المعلوم أنه يري في النوم علي حالة تخالف حاله في الدنيا من الأحوال اللائقة وتقع تلك الرؤيا حقا كما لورأي امتلاء دارا[دار]بجسمه مثلا فإنه يدل علي امتلاء تلك الدار بالخير و لوتمكن الشيطان من التمثل بشيء مما كان عليه أوينسب إليه لعارض عموم قوله فإن الشيطان لايتمثل بي فالأولي تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه أومما ينسب إليه عن ذلك فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كماعصم من الشيطان في يقظته قال والصحيح في تأويل هذاالحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة و لاأضغاث أحلام بل هي حق في نفسها و لورأي علي غيرصورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله قال و هذاقول القاضي أبي بكر وغيره ويؤيده قوله فقد رأي الحق أي رأي الحق ألذي قصد إعلام الرائي فيه فإن كانت علي ظاهرها و إلاسعي في تأويلها و لايهمل أمرها لأنها إما بشري بخير أوإنذار من شر وإما تنبيه علي حكم ينفع له في دينه أودنياه . و قال الغزالي لايريد أنه رأي بل رأي مثالا صار آلة يتأدي بهامعني في نفسي إليه وصار واسطة بيني وبينه في تعريف الحق إياه بل البدن في اليقظة أيضا ليس إلاآلة النفس والحق أن مايراه حقيقة روحه المقدس ص ويعلم الرائي كونه ص بخلق علم لا غير.
صفحه : 237
و قال الكرماني في شرح البخاري فقد رآني أي رؤيته ليست أضغاث أحلام و لاتخييلات الشيطان كماروي فقد رأي الحق ثم الرؤية بخلق الله لايشترط فيهامواجهة و لامقابلة فإن قيل كثيرا مايري علي خلاف صفته ويراه شخصان في حالة في مكانين قلت ذلك ظن الرائي أنه كذلك و قديظن الظان بعض الخيالات مرئيا لكونه مرتبطا بما يراه عادة فذاته الشريفة هي مرئية قطعا لاخيال فيه و لاظن فإن قلت الجزاء هوالشرط قلت أراد لازمه أي فليستبشر فإنه رآني و قال الطيبي اتحاد الشرط والجزاء يدل علي المبالغة أي رأي حقيقتي علي كمالها قال و قال القاضي لعله مقيد بما رآه علي صفته فإن خالف كان رؤيا تأويل رؤيا حقيقة و هوضعيف انتهي كلماتهم الواهية. والظاهر أنها ليست رؤية بالحقيقة وإنما هوبحصول الصورة في الحس المشترك أوغيره بقدرة الله تعالي والغرض من هذه العبارة بيان حقيقة الرؤيا وأنها من الله لا من الشيطان و هذاالمعني هوالشائع في مثل هذه العبارة كأن يقول رجل من أراد أن يراني فلير فلانا أو من رأي فلانا فقد رآني أو من وصل فلانا فقد وصلني فإن كل هذه محمولة علي التجوز والمبالغة و لم يرد بهامعناها حقيقة. و أماالتأويل ألذي ذكره المفيد قدس الله روحه فيما نقلنا عنه في الباب السابق فلايخفي بعده مع أنه غيرمحتمل في خبر الرضا ع أصلا بل في بعض ألفاظ الروايات العامية أيضا بقي الكلام في أنه هل يكون حجة في الأحكام الشرعية فيه إشكال فإنه قَد وَرَدَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنِ الصّادِقِ ع فِي حَدِيثِ الأَذَانِ أَنّ دِينَ اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أَعَزّ مِن أَن يُرَي فِي النّومِ
. ويمكن أن يقال المراد أنه لايثبت أصل شرعية الأحكام بالنوم بل إنما هي بالوحي الجلي و مع ذلك ينبغي أن يخص بنوم غيرالأنبياء والأئمة ع لمامر أن نومهم بمنزلة الوحي لكن هذه الأخبار ليست بصريحة في وجوب العمل به إذ لعله مع العلم بكونه منهم ع لم يجب العمل به إذ مناط الأحكام الشرعية العلوم الظاهرة كما أن النبي والأئمة ع كانوا يعرفون كفر
صفحه : 238
المنافقين وفسق الفاسقين ونجاسة أكثر الأشياء لكن الظاهر أنهم لم يكونوا مأمورين بالعمل بهذا العلم بل كانوا يستندون في تلك الأحكام إلي الأمور الظاهرة من المشاهدة وسماع البينة مع أن الظاهر أن هذا من مسائل الأصول و لابد فيه من العلم و لايثبت بأخبار الآحاد المفيدة للظن وأيضا مايري في المنام قديحتاج إلي تعبير وتأويل فلعل مارآه مما له تعبير و هو لايعرفه و إن لم يكن من قبيل الأضغاث . ولقد سأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي قدس الله روحه ما يقول سيدنا فيمن رأي في منامه رسول الله ص أوبعض الأئمة ع و هويأمره بشيء وينهاه عن شيءهل يجب عليه امتثال ماأمره به أواجتناب مانهاه عنه أم لايجب ذلك مع ماصح عن سيدنا رسول الله ص أنه قال من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لم يتمثل بي و غير ذلك من الأحاديث . و ماقولكم لو كان ماأمر به أونهي عنه علي خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة هل بين الحالين فرق أم لاأفتنا في ذلك مبينا جعل الله كل صعب عليك هينا.فأجاب نور الله ضريحه أما مايخالف الظاهر فلاينبغي المصير إليه و أما مايوافق الظاهر فالأولي المتابعة من غيروجوب لأن رؤيته ع لايعطي وجوب الاتباع في المنام انتهي . و قال البغوي في شرح السنة رؤية النبي ص في المنام حق وكذلك جميع الأنبياء والملائكة وكذلك الشمس والقمر والنجوم المضيئة والسحاب ألذي فيه الغيث و من رأي نزول الملائكة بمكان فهو نصرة لأهله إن كانوا في كرب وجدب وكذلك رؤية الأنبياء و من رأي ملكا يكلمه ببر أوعظة أوبصلة أويبشره فهو شرف في الدنيا وشهادة في العاقبة ورؤية الأنبياء كالملائكة إلا في الشهادة لأن الأنبياء كانوا يخالطون الناس كما قال إِنّ الّذِينَ عِندَ رَبّكَ لا يَستَكبِرُونَالآية و قال في
صفحه : 239
الشهداءوَ الشّهَداءُ عِندَ رَبّهِم ورؤية النبي ص في مكان سعة لأهله إن كانوا في ضيق ونصرة إن كانوا في ظلم وكذلك الصحابة والتابعين لهم بإحسان ورؤية أهل الدين بركة وخير علي قدر منازلهم في الدين و من رأي النبي كثيرا في المنام لم يزل خفيف الحال مقلا في دنيا من غيرحاجة فادحة و لاخذلان قال النبي ص إن الفقر أسرع إلي من يحبني من السيل إلي منتهاه ورؤية الإمام إصابة خير وشرف
2- قُربُ الإِسنَادِ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ حُكَيمٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ بِنتِ إِليَاسَ قَالَ قَالَ أَبُو الحَسَنِ الرّضَا ع بِخُرَاسَانَ رَأَيتُ رَسُولَ اللّهِص وَ التَزَمتُهُ
3- وَ بِهَذَا الإِسنَادِ عَنهُ ع قَالَ قَالَ لِيَ ابتِدَاءً إِنّ أَبِي كَانَ عنِديَِ البَارِحَةَ قُلتُ أَبُوكَ قَالَ أَبِي قُلتُ أَبُوكَ قَالَ فِي المَنَامِ إِنّ جَعفَراً كَانَ يجَيِءُ إِلَي أَبِي فَيَقُولُ يَا بنُيَّ افعَل كَذَا يَا بنُيَّ افعَل كَذَا قَالَ فَدَخَلتُ عَلَيهِ بَعدَ ذَلِكَ فَقَالَ لِي يَا حَسَنُ إِنّ مَنَامَنَا وَ يَقَظَتَنَا وَاحِدَةٌ
4- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَن عَلِيّ بنِ النّعمَانِ عَن سُوَيدٍ القَلّا[القَلّاءِ] عَن بَشِيرٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قُلتُ لَهُ إنِيّ رَأَيتُ فِي المَنَامِ أنَيّ قُلتُ لَكَ إِنّ القِتَالَ مَعَ غَيرِ الإِمَامِ المُفتَرَضِ الطّاعَةِ حَرَامٌ مِثلَ المَيتَةِ وَ الدّمِ وَ لَحمِ الخِنزِيرِ فَقُلتَ لِي نَعَم هُوَ كَذَلِكَ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع هُوَ كَذَلِكَ
5-تَفسِيرُ الفُرَاتِ، عَن سَعِيدِ بنِ عُمَرَ القرُشَيِّ عَنِ الحُسَينِ بنِ عُمَرَ الجعَفرَيِّ عَن أَبِيهِ قَالَكُنتُ أُدمِنُ الحَجّ فَأَمُرّ عَلَي عَلِيّ بنِ الحُسَينِ ع فَأُسَلّمُ عَلَيهِ فَدَخَلتُ
صفحه : 240
فِي بَعضِ حجِجَيِ عَلَيهِ فَقَالَ رَأَيتُ رَسُولَ اللّهِص فِي ليَلتَيِ هَذِهِ حَتّي أَخَذَ بيِدَيِ فأَدَخلَنَيَِ الجَنّةَ فزَوَجّنَيِ حَورَاءَ فَوَاقَعتُهَا فَعَلِقَت فَصَاحَ بيِ رَسُولُ اللّهِص يَا عَلِيّ بنَ الحُسَينِ سَمّ المَولُودَ مِنهَا زَيداً قَالَ فَمَا قُمنَا مِن ذَلِكَ المَجلِسِ حَتّي أَرسَلَ المُختَارُ بنُ أَبِي عُبَيدٍ هَدِيّةً إِلَي عَلِيّ بنِ الحُسَينِ ع شَرَاهَا بِثَلَاثِينَ أَلفاً فَلَمّا رَأَينَا إِشعَافَهُ بِهَا تَفَرّقنَا مِنَ المَجلِسِ فَلَمّا كَانَ مِن قَابِلٍ حَجَجتُ وَ مَرَرتُ عَلَي عَلِيّ بنِ الحُسَينِ لِأُسَلّمَ عَلَيهِ فَخَرَجَ بِزَيدٍ عَلَي كَتِفِهِ الأَيسَرِ وَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشهُرٍ وَ هُوَ يَتلُو هَذِهِ الآيَةَ وَ يُومِئُ بِيَدِهِ إِلَي زَيدٍ وَ هُوَ يَقُولُهذا تَأوِيلُ رءُيايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَها ربَيّ حَقّا
6- مَجَالِسُ الصّدُوقِ، عَن مُحَمّدِ بنِ بَكرَانَ النّقّاشِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ البَردِ الهمَداَنيِّ عَنِ المُنذِرِ بنِ مُحَمّدٍ عَن أَحمَدَ بنِ رُشَيدٍ عَن عَمّهِ سَعِيدِ بنِ خُثَيمٍ عَن أَبِي حَمزَةَ الثمّاَليِّ قَالَ حَجَجتُ فَأَتَيتُ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ ع فَقَالَ يَا حَمزَةُ أَ لَا أُحَدّثُكَ عَن رُؤيَا رَأَيتُهَا رَأَيتُ كأَنَيّ أُدخِلتُ الجَنّةَ فَأُوتِيتُ بِحَورَاءَ لَم أَرَ أَحسَنَ مِنهَا فَبَينَا أَنَا مُتّكِئٌ عَلَي أرَيِكتَيِ إِذ سَمِعتُ قَائِلًا يَقُولُ يَا عَلِيّ بنَ الحُسَينِ لِيَهنِئكَ زَيدٌ لِيَهنِئكَ زَيدٌ قَالَ أَبُو حَمزَةَ ثُمّ حَجَجتُ بَعدَهُ فَأَتَيتُ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ فَقَرَعتُ البَابَ فَفُتِحَ لِي وَ دَخَلتُ فَإِذَا هُوَ حَامِلٌ زَيداً عَلَي يَدِهِ أَو قَالَ حَامِلًا غُلَاماً عَلَي يَدِهِ فَقَالَ لِي يَا أَبَا حَمزَةَهذا تَأوِيلُ رءُيايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَها ربَيّ حَقّا
7- كِتَابُ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ، قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع لِعَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ مَا قَالَ لَكَ أَبُوكَ حِينَ دَعَانَا رَجُلًا رَجُلًا فَقَالَ أَمّا أَدنَي شهَاَدتَيِ فَإِنّهُ قَالَ إِن بَايَعُوا أَصلَعَ بنَيِ هَاشِمٍ حَمَلَهُم عَلَي المَحَجّةِ البَيضَاءِ وَ أَقَامَهُم عَلَي كِتَابِ رَبّهِم وَ سُنّةِ نَبِيّهِم ثُمّ قَالَ يَا ابنَ عُمَرَ فَمَا قُلتَ أَنتَ عِندَ ذَلِكَ قَالَ قُلتُ لَهُ فَمَا يَمنَعُكَ أَن تَستَخلِفَهُ قَالَ فَمَا رَدّ عَلَيكَ قَالَ وَ رَدّ عَلَيّ شَيئاً أَكتُمُهُ قَالَ عَلِيّ ع فَإِنّ رَسُولَ اللّهِص قَد أخَبرَنَيِ بِهِ لَيلَةَ مَاتَ أَبُوكَ فِي منَاَميِ وَ مَن رَأَي رَسُولَ اللّهِص فَقَد رَآهُ فِي اليَقَظَةِ قَالَ فَمَا أَخبَرَكَ قَالَ أَنشُدُكَ اللّهَ يَا ابنَ عُمَرَ لَئِن حَدّثتُكَ لَتُصَدّقَنّ
صفحه : 241
قَالَ أَو أَسكُتُ قَالَ فَإِنّهُ قَالَ لَكَ حِينَ قُلتَ لَهُ فَمَا يَمنَعُكَ أَن تَستَخلِفَهُ قَالَ الصّحِيفَةُ التّيِ كَتَبنَاهَا بَينَنَا وَ العَهدُ فِي الكَعبَةِ فِي حَجّةِ الوَدَاعِ فَسَكَتَ ابنُ عُمَرَ وَ قَالَ أَسأَلُكَ بِحَقّ رَسُولِ اللّهِص لَمّا أَمسَكتَ عنَيّ الخَبَرَ
8- وَ مِنهُ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ غَنمٍ الأزَديِّ وَ سَاقَ قِصّةَ وَفَاةِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَ أَبِي بَكرٍ إِلَي أَن قَالَ دَعَا بِالوَيلِ وَ الثّبُورِ وَ قَالَ هَذَا مُحَمّدٌ وَ عَلِيّ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِمَا يبُشَرّاَنيِ بِالنّارِ بِيَدِهِ الصّحِيفَةُ التّيِ تَعَاهَدنَا عَلَيهَا فِي الكَعبَةِ وَ هُوَ يَقُولُ لَقَد وَفَيتَ بِهَا فَظَاهَرتَ عَلَي ولَيِّ اللّهِ[ أَنتَ] وَ أَصحَابُكَ فَأَبشِر بِالنّارِ فِي أَسفَلِ السّافِلِينَ قَالَ سُلَيمٌ فَقُلتُ لِمُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ فَمَن تَرَي حَدّثَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَن هَؤُلَاءِ الخَمسَةِ بِمَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللّهِص إِنّهُ يَرَاهُ فِي مَنَامِهِ كُلّ لَيلَةٍ وَ حَدِيثُهُ إِيّاهُ فِي المَنَامِ مِثلُ حَدِيثِهِ إِيّاهُ فِي اليَقَظَةِ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِص قَالَ مَن رآَنيِ فِي المَنَامِ فَقَد رآَنيِ فَإِنّ الشّيطَانَ لَا يَتَمَثّلُ بيِ فِي نَومٍ وَ لَا يَقَظَةٍ وَ لَا بِأَحَدٍ مِن أوَصيِاَئيِ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ قَالَ سُلَيمٌ فَقُلتُ لِمُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ مَن حَدّثَكَ بِهَذَا قَالَ عَلِيّ ع فَقُلتُ سَمِعتُ أَنَا أَيضاً كَمَا سَمِعتَ أَنتَ قُلتُ لِمُحَمّدٍ فَلَعَلّ مَلَكاً مِنَ المَلَائِكَةِ حَدّثَهُ قَالَ أَو ذَاكَ وَ سَاقَهُ إِلَي أَن قَالَ سُلَيمٌ فَلَمّا قُتِلَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ بِمِصرَ وَ عَزّينَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ع حَدّثتُهُ بِمَا حدَثّنَيِ بِهِ مُحَمّدٌ وَ خَبّرتُهُ بِمَا خبَرّنَيِ بِهِ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ غَنمٍ قَالَ صَدَقَ مُحَمّدٌ رَحِمَهُ اللّهُ أَمَا إِنّهُ شَهِيدٌ يُرزَقُ الحَدِيثَ
9-مَجَالِسُ ابنِ الشّيخِ، عَن أَبِيهِ عَنِ المُفِيدِ عَنِ الصّدُوقِ عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ عَن أَحمَدَ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ البرَقيِّ عَن أَبِيهِ عَمّن سَمِعَ حَنَانَ بنَ سَدِيرٍ الصيّرفَيِّ قَالَ سَمِعتُ أَبِي يَقُولُرَأَيتُ رَسُولَ اللّهِص فِيمَا يَرَي النّائِمُ وَ بَينَ يَدَيهِ طَبَقٌ مُغَطّي بِمِندِيلٍ فَدَنَوتُ مِنهُ وَ سَلّمتُ عَلَيهِ فَرَدّ السّلَامَ ثُمّ كَشَفَ المِندِيلَ عَنِ الطّبَقِ فَإِذَا فِيهِ رُطَبٌ فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنهُ فَدَنَوتُ مِنهُ فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ ناَولِنيِ رُطَبَةً فنَاَولَنَيِ وَاحِدَةً فَأَكَلتُهَا ثُمّ قُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ ناَولِنيِ أُخرَي فَنَاوَلَنِيهَا فَأَكَلتُهَا فَجَعَلتُ كُلّمَا أَكَلتُ وَاحِدَةً سَأَلتُهُ أُخرَي حَتّي أعَطاَنيِ ثَمَانِيَةَ رُطَبَاتٍ فَأَكَلتُهَا ثُمّ طَلَبتُ مِنهُ أُخرَي فَقَالَ لِي حَسبُكَ قَالَ فَانتَبَهتُ مِن منَاَميِ فَلَمّا كَانَ مِنَ
صفحه : 242
الغَدِ دَخَلتُ عَلَي جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ الصّادِقِ ع وَ بَينَ يَدَيهِ طَبَقٌ مُغَطّي بِمِندِيلٍ كَأَنّهُ ألّذِي رَأَيتُهُ فِي المَنَامِ بَينَ يدَيَ رَسُولِ اللّهِص فَسَلّمتُ عَلَيهِ فَرَدّ عَلَيّ السّلَامَ ثُمّ كَشَفَ الطّبَقَ فَإِذَا فِيهِ رُطَبٌ فَجَعَلَ يَأكُلُ مِنهُ فَعَجِبتُ لِذَلِكَ وَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ ناَولِنيِ رُطَبَةً فنَاَولَنَيِ فَأَكَلتُهَا ثُمّ طَلَبتُ أُخرَي حَتّي أَكَلتُ ثمَاَنيَِ رُطَبَاتٍ ثُمّ طَلَبتُ مِنهُ أُخرَي فَقَالَ لِي لَو زَادَكَ جدَيّ رَسُولُ اللّهِص لَزِدنَاكَ فَأَخبَرتُهُ فَتَبَسّمَ تَبَسّمَ عَارِفٍ بِمَا كَانَ
10- وَ مِنهُ،بِإِسنَادِهِ عَن سَلمَانَ فِي أَجوِبَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع عَن مَسَائِلِ الجَاثَلِيقِ وَ سَاقَ إِلَي أَن طَلَبَ الجَاثَلِيقُ مِنهُ ع المُعجِزَ فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ خَرَجتَ أَيّهَا النصّراَنيِّ مِن مُستَقَرّكَ مُضمِراً خِلَافَ مَا أَظهَرتَ الآنَ مِنَ الطّلَبِ وَ الِاستِرشَادِ فَأُرِيتَ فِي مَنَامِكَ مقَاَميِ وَ حُدّثتَ فِيهِ كلَاَميِ وَ حُذّرتَ فِيهِ مِن خلِاَفيِ وَ أُمِرتَ فِيهِ باِتبّاَعيِ قَالَ صَدَقتَ وَ اللّهِ ألّذِي بَعَثَ المَسِيحَ مَا اطّلَعَ عَلَي مَا أخَبرَتنَيِ بِهِ غَيرُ اللّهِ تَعَالَي ثُمّ أَسلَمَ وَ أَسلَمَ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ
أقول قدمر في أبواب معجزات الأئمة ع أخبار كثيرة في ذلك تركناها مخافة الإطناب والتكرار وستأتي رؤيا أم داود في باب عمل الاستفتاح
11- التّوحِيدُ لِلصّدُوقِ،بِإِسنَادِهِ عَن وَهبِ بنِ وَهبٍ القرُشَيِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَن آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع رَأَيتُ الخَضِرَ ع قَبلَ بَدرٍ بِلَيلَةٍ فَقُلتُ لَهُ علَمّنيِ شَيئاً أُنصَر بِهِ عَلَي الأَعدَاءِ فَقَالَ يَا هُوَ يَا مَن لَا هُوَ إِلّا هُوَ فَلَمّا أَصبَحتُ قَصَصتُهَا عَلَي رَسُولِ اللّهِص فَقَالَ يَا عَلِيّ عُلّمتَ الِاسمَ الأَعظَمَ وَ كَانَ عَلَي لسِاَنيِ يَومَ بَدرٍ الخَبَرَ
12-مَجَالِسُ ابنِ الشّيخِ، عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ حَشِيشٍ عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدِ بنِ مَخلَدٍ عَن أَحمَدَ بنِ مِيثَمٍ عَن يَحيَي بنِ عَبدِ الحَمِيدِ الحمِاّنيِّ عَن
صفحه : 243
أَبِي بَكرِ بنِ عَيّاشٍ قَالَإنِيّ رَأَيتُ فِي منَاَميِ حِينَ وَجّهَ مُوسَي بنُ عِيسَي إِلَي قَبرِ الحُسَينِ ع مِن كَربِهِ وَ كَربِ جَمِيعِ أَرضِ الحَائِرِ وَ زَرعِ الزّرعِ فِيهَا كأَنَيّ خَرَجتُ إِلَي قوَميِ بنَيِ غَاضِرَةَ فَلَمّا صِرتُ بِقَنطَرَةِ الكُوفَةِ اعترَضَتَنيِ خَنَازِيرُ عَشَرَةٌ ترُيِدنُيِ فأَغَاَثنَيَِ اللّهُ بِرَجُلٍ كُنتُ أَعرِفُهُ مِن بنَيِ أَسَدٍ فَدَفَعَهَا عنَيّ فَمَضَيتُ لوِجَهيِ فَلَمّا صِرتُ إِلَي شاَهيِ ضَلَلتُ الطّرِيقَ فَرَأَيتُ هُنَاكَ عَجُوزاً فَقَالَت لِي أَينَ تُرِيدُ أَيّهَا الشّيخُ قُلتُ أُرِيدُ الغَاضِرِيّةَ قَالَت لِي تَنظُرُ هَذَا الواَديَِ فَإِنّكَ إِذَا أَتَيتَ إِلَي آخِرِهِ اتّضَحَ لَكَ الطّرِيقُ فَمَضَيتُ وَ فَعَلتُ ذَلِكَ فَلَمّا صِرتُ إِلَي نَينَوَي إِذَا أَنَا بِشَيخٍ كَبِيرٍ جَالِسٌ هُنَاكَ فَقُلتُ مِن أَينَ أَنتَ أَيّهَا الشّيخُ فَقَالَ لِي أَنَا مِن أَهلِ هَذِهِ القَريَةِ فَقُلتُ كَم تُعَدّ مِنَ السّنِينَ قَالَ مَا أَحفَظُ مَا مَرّ مِن سنِيّ وَ عمُرُيِ وَ لَكِن أَبعَدُ ذكِريِ أنَيّ رَأَيتُ الحُسَينَ بنَ عَلِيّ ع وَ مَن كَانَ مَعَهُ مِن أَهلِهِ وَ مَن تَبِعَهُ يُمنَعُونَ المَاءَ ألّذِي تَرَاهُ وَ لَا تُمنَعُ الكِلَابُ وَ لَا الوُحُوشُ شُربَهُ فَاستَفظَعتُ ذَلِكَ وَ قُلتُ لَهُ وَيحَكَ أَنتَ رَأَيتَ هَذَا قَالَ إيِ وَ ألّذِي سَمَكَ السّمَاءَ لَقَد رَأَيتُ هَذَا أَيّهَا الشّيخُ وَ عَايَنتُهُ وَ إِنّكَ وَ أَصحَابَكَ الّذِينَ تُعِينُونَ عَلَي مَا قَد رَأَينَا مِمّا أَقرَحَ عُيُونَ المُسلِمِينَ إِن كَانَ فِي الدّنيَا مُسلِمٌ فَقُلتُ وَيحَكَ وَ مَا هُوَ قَالَ حَيثُ لَم تُنكِرُوا مَا أَجرَي سُلطَانُكُم إِلَيهِ قُلتُ وَ مَا جَرَي قَالَ أَ يُكرَبُ قَبرُ ابنِ النّبِيّص وَ يُحرَثُ أَرضُهُ قُلتُ وَ أَينَ القَبرُ قَالَ هَا هُوَ ذَا أَنتَ وَاقِفٌ فِي أَرضِهِ وَ أَمّا القَبرُ فَقَد عمَيَِ عَن أَن يُعرَفَ مَوضِعُهُ قَالَ ابنُ عَيّاشٍ وَ مَا كُنتُ رَأَيتُ القَبرَ قَبلَ ذَلِكَ الوَقتِ قَطّ وَ لَا أَتَيتُهُ فِي طُولِ عمُرُيِ فَقُلتُ مَن لِي بِمَعرِفَتِهِ فَمَضَي معَيَِ الشّيخُ حَتّي وَقَفَ بيِ عَلَي حَيرٍ لَهُ بَابٌ وَ آذِنٌ وَ إِذَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَي البَابِ فَقُلتُ لِلآذِنِ أُرِيدُ الدّخُولَ عَلَي ابنِ رَسُولِ اللّهِص فَقَالَ لَا تَقدِرُ عَلَي الوُصُولِ فِي هَذَا الوَقتِ قُلتُ وَ لِمَ قَالَ هَذَا وَقتُ زِيَارَةِ اِبرَاهِيمَ خَلِيلِ اللّهِ وَ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ وَ مَعَهُمَا جَبرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ فِي رَعِيلٍ مِنَ المَلَائِكَةِ كَثِيرٍ قَالَ ابنُ عَيّاشٍ فَانتَبَهتُ وَ قَد دخَلَنَيِ رَوعٌ شَدِيدٌ وَ حُزنٌ وَ كَآبَةٌ وَ مَضَت بيَِ الأَيّامُ حَتّي كِدتُ أَن أَنسَي المَنَامَ ثُمّ اضطُرِرتُ إِلَي الخُرُوجِ إِلَي بنَيِ غَاضِرَةَ لِدَينٍ
صفحه : 244
كَانَ لِي عَلَي رَجُلٍ مِنهُم فَخَرَجتُ وَ أَنَا لَا أَذكُرُ الحَدِيثَ حَتّي صِرتُ بِقَنطَرَةِ الكُوفَةِ وَ لقَيِنَيِ عَشَرَةٌ مِنَ اللّصُوصِ فَحِينَ رَأَيتُهُم ذَكَرتُ الحَدِيثَ وَ رَعَبتُ مِن خشَيتَيِ لَهُم فَقَالُوا لِي أَلقِ مَا مَعَكَ وَ انجُ بِنَفسِكَ وَ كَانَ معَيِ نُفَيقَةٌ فَقُلتُ وَيحَكُم أَنَا أَبُو بَكرِ بنُ عَيّاشٍ وَ إِنّمَا خَرَجتُ فِي طَلَبِ دَينٍ لِي وَ اللّهِ لَا تقَطعَوُنيِ عَن طَلَبِ ديَنيِ وَ تصَرَفّاَتيِ فِي نفَقَتَيِ فإَنِيّ شَدِيدُ الإِضَافَةِ فَنَادَي رَجُلٌ مِنهُم موَلاَيَ وَ رَبّ الكَعبَةِ لَا تَعَرّض لَهُ ثُمّ قَالَ لِبَعضِ فِتيَانِهِم كُن مَعَهُ حَتّي تَصِيرَ بِهِ إِلَي الطّرِيقِ الأَيمَنِ قَالَ أَبُو بَكرٍ فَجَعَلتُ أَتَذَكّرُ مَا رَأَيتُهُ فِي المَنَامِ وَ أَتَعَجّبُ مِن تَأوِيلِ الخَنَازِيرِ حَتّي صِرتُ إِلَي نَينَوَي فَرَأَيتُ وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الشّيخَ ألّذِي كُنتُ رَأَيتُهُ فِي منَاَميِ بِصُورَتِهِ وَ هَيئَتِهِ رَأَيتُهُ فِي اليَقَظَةِ كَمَا رَأَيتُهُ فِي المَنَامِ سَوَاءً فَحِينَ رَأَيتُهُ ذَكَرتُ الأَمرَ وَ الرّؤيَا فَقُلتُ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ مَا كَانَ هَذَا إِلّا وَحياً ثُمّ سَأَلتُهُ كمَسَألَتَيِ إِيّاهُ فِي المَنَامِ فأَجَاَبنَيِ بِمَا كَانَ أجَاَبنَيِ ثُمّ قَالَ لِي امضِ بِنَا فَمَضَيتُ فَوَقَفتُ مَعَهُ عَلَي المَوضِعِ وَ هُوَ مَكرُوبٌ فَلَم يفَتُنيِ شَيءٌ مِن منَاَميِ إِلّا الآذِنُ وَ الحَيرُ فإَنِيّ لَم أَرَ حَيراً وَ لَم أَرَ آذِناً ثُمّ قَالَ أَبُو بَكرٍ إِنّ أَبَا حُصَينٍ حدَثّنَيِ أَنّ رَسُولَ اللّهِص قَالَ مَن رآَنيِ فِي المَنَامِ فإَيِاّيَ رَأَي فَإِنّ الشّيطَانَ لَا يَتَشَبّهُ بيِ تَمَامَ الخَبَرَ
بيان تقول كرب الأرض إذاقلبتها للحرث والرعيل القطعة من الخيل والإضافة الضيافة.أقول و قدمضت أخبار كثيرة من هذاالباب في أبواب معجزات الأئمة ومعجزات ضرائحهم المقدسة
صفحه : 245
الآيات البقرةخَتَمَ اللّهُ عَلي قُلُوبِهِم وَ عَلي سَمعِهِم وَ عَلي أَبصارِهِم غِشاوَةٌ وَ لَهُم عَذابٌ عَظِيمٌالنحل وَ اللّهُ أَخرَجَكُم مِن بُطُونِ أُمّهاتِكُم لا تَعلَمُونَ شَيئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السّمعَ وَ الأَبصارَ وَ الأَفئِدَةَ لَعَلّكُم تَشكُرُونَالمؤمنون وَ هُوَ ألّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السّمعَ وَ الأَبصارَ وَ الأَفئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشكُرُونَالروم وَ مِن آياتِهِ خَلقُ السّماواتِ وَ الأَرضِ وَ اختِلافُ أَلسِنَتِكُم وَ أَلوانِكُم إِنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلعالِمِينَ.تفسيرخَتَمَ اللّهُ عَلي قُلُوبِهِم قال النيسابوري القلب تارة يراد به اللحم الصنوبري المودع في التجويف الأيسر من الصدر و هومحل الروح الحيواني ألذي هومنشأ الحس والحركة وينبعث منه إلي سائر الأعضاء بتوسط الأوردة والشرايين ويراد به تارة اللطيفة الربانية التي بها يكون الإنسان إنسانا و بهايستعد لامتثال الأوامر والنواهي والقيام بموجب التكليف إِنّ فِي ذلِكَ لَذِكري لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ وهي من عالم الأمر ألذي لايتوقف وجوده علي مادة ومدة بعدإرادة موجده
صفحه : 246
إِنّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ كما أن البدن بل اللحم الصنوبري من عالم الخلق و هونقيض ذلك أَلا لَهُ الخَلقُ وَ الأَمرُ و قديعبر عنها بالنفس الناطقةوَ نَفسٍ وَ ما سَوّاها فَأَلهَمَها فُجُورَها وَ تَقواها وبالروح قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ ربَيّوَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ ثم قال بعدتفسير السمع والبصر والحق عندي أن نسبة البصر إلي العين نسبة البصيرة إلي القلب ولكل من القلب والعين نور أمانور العين فمنطبع فيهالأنه من عالم الخلق فهو نور جزئي ومدركه في ذلك النور ولكل منهما بل لكل فرد منهما حد ينتهي إليه بحسب شدته وضعفه ويتدرج في الضعف بحسب تباعد المرئي حتي لايدركه أويدركه أصغر مما هو عليه انتهي .أقول و قدمضي تفسير الختم وتأويله في كتاب العدل .لا تَعلَمُونَ شَيئاً قال الزمخشري هو في موضع الحال أي غيرعالمين شيئا من حق المنعم ألذي خلقكم في البطون وسواكم ثم أخرجكم من الضيق إلي السعةوَ جَعَلَ لَكُمُمعناه وركب فيكم هذه الأشياء آلات لإزالة الجهل ألذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والترقي إلي مايسعدكم . و قال النيسابوري اعلم أن جمهور الحكماء زعموا أن الإنسان في مبدإ فطرته خال عن المعارف والعلوم إلا أنه تعالي خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوي المدركة حتي ارتسم في خياله بسبب كثرة ورود المحسوسات عليه حقائق تلك الماهيات وحضرت صورها في ذهنه ثم إن مجرد حضور تلك الحقائق إن كان كافيا في جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أوانتفاء بعضها عن بعض فتلك الأحكام علوم بديهية و إن لم يكن
صفحه : 247
كذلك بل كانت متوقفة علي علوم سابقة عليها و لامحالة تنتهي إلي البديهيات قطعا للدور أوالتسلسل فهي علوم كسبية فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف في النفوس الإنسانية هو أنه تعالي أعطي الحواس والقوي الداركة للصور الجزئية وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هي التي ينبغي أن تسمي بالبديهيات وإنما لايظهر آثارها عليها حتي إذاقوي وترقي ظهرت آثارها شيئا فشيئا و قدبرهنا علي هذه المعاني في كتبنا الحكمية فالمراد بقوله لا تَعلَمُونَ شَيئاً أنه لايظهر أثر العلم عليهم ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب سائر العلوم ومعني لَعَلّكُم تَشكُرُونَ أن تصرفوا كل آلة في ماخلق لأجله و ليس الواو للترتيب حتي يلزم من عطف جعل علي أخرج أن يكون جعل السمع والبصر والأفئدة متأخرا عن الإخراج من البطن .وَ اختِلافُ أَلسِنَتِكُم وَ أَلوانِكُم قال الرازي لماأشار إلي دلائل الأنفس والآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بالاختلاف ألذي بين ألوان الإنسان فإن واحدا منهم مع كثرة عددهم وصغر حجمهم خدودهم وقدودهم لاتشتبه بغيرهم والثاني اختلاف كلامهم فإن عربيين هما أخوان إذاتكلما بلغة واحدة يعرف أحدهما من الآخر حتي أن من يكون محجوبا عنهما لايبصرهما يقول هنا صوت فلان و فيه حكمة بالغة و ذلك لأن الإنسان يحتاج إلي التمييز بين الأشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره والعدو من الصديق ليحترز قبل وصول العدو إليه وليقبل علي الصديق قبل أن يفوته الإقبال عليه و ذلك قد يكون بالبصر فخلق اختلاف الصور و قد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات و أمااللمس والشم والذوق فلايفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلايقع بهاالتمييز و من الناس من قال إن المراد اختلاف اللغات كالعربية والفارسية والرومية وغيرها والأول أصح انتهي . و علي الثاني المراد أنه علم كل صنف لغته أوألهمه وضعها وأقدره عليها.
صفحه : 248
الأخبار
1-مَجَالِسُ الصّدُوقِ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ هَاشِمٍ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ مَرّارٍ عَن يُونُسَ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ عَن يُونُسَ بنِ يَعقُوبَ قَالَ كَانَ عِندَ أَبِي عَبدِ اللّهِ الصّادِقِ ع جَمَاعَةٌ مِن أَصحَابِهِ فِيهِم حُمرَانُ بنُ أَعيَنَ وَ مُؤمِنُ الطّاقِ وَ هِشَامُ بنُ سَالِمٍ وَ الطّيّارُ وَ جَمَاعَةٌ مِن أَصحَابِهِ فِيهِم هِشَامُ بنُ الحَكَمِ وَ هُوَ شَابّ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع يَا هِشَامُ قَالَ لَبّيكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ قَالَ أَ لَا تحُدَثّنُيِ كَيفَ صَنَعتَ بِعَمرِو بنِ عُبَيدٍ وَ كَيفَ سَأَلتَهُ قَالَ هِشَامٌ جُعِلتُ فِدَاكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ إنِيّ أُجِلّكَ وَ أَستَحيِيكَ وَ لَا يَعمَلُ لسِاَنيِ بَينَ يَدَيكَ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع إِذَا أَمَرتُكُم بشِيَءٍ فَافعَلُوا قَالَ هِشَامٌ بلَغَنَيِ مَا كَانَ فِيهِ عَمرُو بنُ عُبَيدٍ وَ جُلُوسُهُ فِي مَسجِدِ البَصرَةِ وَ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيّ فَخَرَجتُ إِلَيهِ وَ دَخَلتُ البَصرَةَ فِي يَومِ الجُمُعَةِ فَأَتَيتُ مَسجِدَ البَصرَةِ فَإِذَا أَنَا بِحَلقَةٍ كَبِيرَةٍ وَ إِذَا أَنَا بِعَمرِو بنِ عُبَيدٍ عَلَيهِ شَملَةٌ سَودَاءُ مُتّزِرٌ بِهَا مِن صُوفٍ وَ شَملَةٌ مُرتَدٍ بِهَا فَاستَفرَجتُ النّاسَ فَأَفرَجُوا لِي ثُمّ قَعَدتُ فِي آخِرِ القَومِ عَلَي ركُبتَيَّ ثُمّ قُلتُ أَيّهَا العَالِمُ أَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ تَأذَنُ لِي فَأَسأَلَكَ عَن مَسأَلَةٍ قَالَ فَقَالَ نَعَم قَالَ قُلتُ لَهُ أَ لَكَ عَينٌ قَالَ يَا بنُيَّ أَيّ شَيءٍ هَذَا مِنَ السّؤَالِ فَقُلتُ هَكَذَا مسَألَتَيِ فَقَالَ يَا بنُيَّ سَل وَ إِن كَانَت مَسأَلَتُكَ حَمقَاءَ قُلتُ أجَبِنيِ فِيهَا قَالَ فَقَالَ لِي سَل قُلتُ أَ لَكَ عَينٌ قَالَ نَعَم قُلتُ فَمَا تَرَي بِهَا قَالَ الأَلوَانَ وَ الأَشخَاصَ قَالَ قُلتُ فَلَكَ أَنفٌ قَالَ نَعَم قُلتُ فَمَا تَصنَعُ بِهِ قَالَ أَتَشَمّمُ بِهَا الرّائِحَةَ قَالَ قُلتُ أَ لَكَ فَمٌ قَالَ نَعَم قَالَ قُلتُ وَ مَا تَصنَعُ بِهِ قَالَ أَعرِفُ بِهِ طَعمَ الأَشيَاءِ قَالَ قُلتُ أَ لَكَ لِسَانٌ قَالَ نَعَم قُلتُ وَ مَا تَصنَعُ بِهِ قَالَ أَتَكَلّمُ بِهِ قَالَ قُلتُ أَ لَكَ أُذُنٌ قَالَ نَعَم قُلتُ وَ مَا تَصنَعُ بِهَا قَالَ أَسمَعُ بِهَا الأَصوَاتَ قَالَ قُلتُ
صفحه : 249
أَ لَكَ يَدٌ قَالَ نَعَم قُلتُ وَ مَا تَصنَعُ بِهَا قَالَ أَبطِشُ بِهَا قَالَ قُلتُ أَ لَكَ قَلبٌ قَالَ نَعَم قُلتُ وَ مَا تَصنَعُ بِهِ قَالَ أُمَيّزُ كُلّ مَا وَرَدَ عَلَي هَذِهِ الجَوَارِحِ قَالَ قُلتُ أَ فَلَيسَ فِي هَذِهِ الجَوَارِحِ غِنًي عَنِ القَلبِ قَالَ لَا قُلتُ وَ كَيفَ ذَلِكَ وَ هيَِ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ قَالَ يَا بنُيَّ إِنّ الجَوَارِحَ إِذَا شَكّت فِي شَيءٍ شَمّتهُ أَو رَأَتهُ أَو ذَاقَتهُ أَو سَمِعَتهُ أَو لَمَسَتهُ رَدّتهُ إِلَي القَلبِ فَيُيقِنُ اليَقِينَ وَ يُبطِلُ الشّكّ قَالَ فَقُلتُ إِنّمَا أَقَامَ اللّهُ القَلبَ لِشَكّ الجَوَارِحِ قَالَ نَعَم قَالَ قُلتُ فَلَا بُدّ مِنَ القَلبِ وَ إِلّا لَم تَستَقِمِ الجَوَارِحُ قَالَ نَعَم قَالَ فَقُلتُ يَا أَبَا مَروَانَ إِنّ اللّهَ تَعَالَي ذِكرُهُ لَم يَترُك جَوَارِحَكَ حَتّي جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحّحُ لَهَا الصّحِيحَ وَ يُيقِنُ مَا شَكّ فِيهِ وَ يَترُكُ هَذَا الخَلقَ كُلّهُم فِي حَيرَتِهِم وَ شَكّهِم وَ اختِلَافِهِم لَا يُقِيمُ لَهُم إِمَاماً يَرُدّونَ إِلَيهِ شَكّهُم وَ حَيرَتَهُم وَ يُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدّ إِلَيهِ حَيرَتَكَ وَ شَكّكَ قَالَ فَسَكَتَ وَ لَم يَقُل شَيئاً قَالَ ثُمّ التَفَتَ إلِيَّ فَقَالَ أَنتَ هِشَامٌ فَقُلتُ لَا فَقَالَ لِي أَ جَالَستَهُ فَقُلتُ لَا قَالَ فَمِن أَينَ أَنتَ قُلتُ مِن أَهلِ الكُوفَةِ قَالَ فَأَنتَ إِذاً هُوَ قَالَ ثُمّ ضمَنّيِ إِلَيهِ وَ أقَعدَنَيِ فِي مَجلِسِهِ وَ مَا نَطَقَ حَتّي قُمتُ فَضَحِكَ أَبُو عَبدِ اللّهِ الصّادِقُ ع ثُمّ قَالَ يَا هِشَامُ مَن عَلّمَكَ هَذَا قَالَ قُلتُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ جَرَي عَلَي لسِاَنيِ قَالَ يَا هِشَامُ هَذَا وَ اللّهِ مَكتُوبٌ فِيصُحُفِ اِبراهِيمَ وَ مُوسي
2-العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُوسَي البرَقيِّ عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ مَاجِيلَوَيهِ عَن أَحمَدَ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ عَن بَعضِ أَصحَابِهِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَسَمِعتُهُ يَقُولُ لِرَجُلٍ اعلَم يَا فُلَانُ إِنّ مَنزِلَةَ القَلبِ مِنَ الجَسَدِ بِمَنزِلَةِ الإِمَامِ مِنَ النّاسِ الوَاجِبِ الطّاعَةِ عَلَيهِم أَ لَا تَرَي أَنّ جَمِيعَ جَوَارِحِ الجَسَدِ شُرَطٌ لِلقَلبِ وَ تَرَاجِمَةٌ لَهُ مُؤَدّيَةٌ عَنهُ الأُذُنَانِ وَ العَينَانِ وَ الأَنفُ وَ اليَدَانِ وَ الرّجلَانِ وَ الفَرجُ فَإِنّ القَلبَ إِذَا هَمّ بِالنّظَرِ فَتَحَ الرّجُلُ عَينَيهِ وَ إِذَا هَمّ بِالِاستِمَاعِ حَرّكَ أُذُنَيهِ وَ فَتَحَ
صفحه : 250
مَسَامِعَهُ فَسَمِعَ وَ إِذَا هَمّ القَلبُ بِالشّمّ استَنشَقَ بِأَنفِهِ فَأَدّي تِلكَ الرّائِحَةَ إِلَي القَلبِ وَ إِذَا هَمّ بِالنّطقِ تَكَلّمَ بِاللّسَانِ وَ إِذَا هَمّ بِالحَرَكَةِ سَعَتِ الرّجلَانِ وَ إِذَا هَمّ بِالشّهوَةِ تَحَرّكَ الذّكَرُ فَهَذِهِ كُلّهَا مُؤَدّيَةٌ عَنِ القَلبِ بِالتّحرِيكِ وَ كَذَا ينَبغَيِ لِلإِمَامِ أَن يُطَاعَ لِلأَمرِ مِنهُ
بيان قال في القاموس الشرطة بالضم واحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة
3- التّوحِيدُ، وَ الخِصَالُ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمّدٍ الأصَبهَاَنيِّ عَن سُلَيمَانَ بنِ دَاوُدَ المنِقرَيِّ عَن سُفيَانَ بنِ عُيَينَةَ عَنِ الزهّريِّ عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ ع فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَقُولُ فِيهِ أَلَا إِنّ لِلعَبدِ أَربَعَ أَعيُنٍ عَينَانِ يُبصِرُ بِهِمَا أَمرَ دِينِهِ وَ دُنيَاهُ وَ عَينَانِ يُبصِرُ بِهِمَا أَمرَ آخِرَتِهِ فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِعَبدٍ خَيراً فَتَحَ لَهُ العَينَينِ اللّتَينِ فِي قَلبِهِ فَأَبصَرَ بِهِمَا الغَيبَ وَ أَمرَ آخِرَتِهِ وَ إِذَا أَرَادَ بِهِ غَيرَ ذَلِكَ تَرَكَ القَلبَ بِمَا فِيهِ
أقول أوردت الأخبار في أحوال القلب وصلاحه وفساده وكذا أحوال النفس ودرجاتها في الصلاح والفساد في أبواب مكارم الأخلاق من كتاب الكفر والإيمان
4-المَنَاقِبُ لِابنِ شَهرَآشُوبَ،مِمّا أَجَابَ الرّضَا ع بِحَضرَةِ المَأمُونِ لِضُبَاعِ بنِ نَصرٍ الهنِديِّ وَ عِمرَانَ الصاّبيِ عَن مَسَائِلِهِمَا قَالَ عِمرَانُ العَينُ نُورٌ مُرَكّبَةٌ أَمِ الرّوحُ تُبصِرُ الأَشيَاءَ مِن مَنظَرِهَا قَالَ ع العَينُ شَحمَةٌ وَ هُوَ البَيَاضُ وَ السّوَادُ وَ النّظَرُ لِلرّوحِ دَلِيلُهُ أَنّكَ تَنظُرُ فِيهِ فَتَرَي صُورَتَكَ فِي وَسَطِهِ وَ الإِنسَانُ لَا يَرَي صُورَتَهُ إِلّا فِي مَاءٍ أَو مِرآةٍ وَ مَا أَشبَهَ ذَلِكَ قَالَ ضِبَاعٌ فَإِذَا عَمِيَتِ العَينُ كَيفَ صَارَتِ الرّوحُ قَائِمَةً وَ النّظَرُ ذَاهِبٌ قَالَ كَالشّمسِ طَالِعَةً يَغشَاهَا الظّلَامُ قَالَا أَينَ تَذهَبُ الرّوحُ قَالَ أَينَ يَذهَبُ الضّوءُ الطّالِعُ مِنَ الكُوّةِ فِي البَيتِ إِذَا سُدّتِ الكُوّةُ قَالَ أَوضِح لِي
صفحه : 251
ذَلِكَ قَالَ الرّوحُ مَسكَنُهَا فِي الدّمَاغِ وَ شُعَاعُهَا مُنبَثّ فِي الجَسَدِ بِمَنزِلَةِ الشّمسِ دَارَتُهَا فِي السّمَاءِ وَ شُعَاعُهَا مُنبَسِطٌ عَلَي الأَرضِ فَإِذَا غَابَتِ الدّارَةُ فَلَا شَمسَ وَ إِذَا قُطِعَتِ الرّأسُ فَلَا رُوحَ
بيان نور مركبة أي مدرك ركب في هذاالعضو و هويدرك المبصرات أم المدرك الروح و هذامنظره واختار ع الثاني ويدل علي أن المدرك النفس و هذه آلاتها كمامر أنه المشهور ويحتمل أن يكون المراد به الروح الحيواني بأن يكون المراد أن المدرك هوالروح ألذي في العين لانفس الضوء فلاينفي المذهب الآخر كمايومئ إليه قوله الروح مسكنها في الدماغ و هويدل علي أن محل الروح ومنشأه الدماغ كماقيل و كان النزاع لفظي والمراد هنا الروح النفساني النازل من الدماغ بتوسط الأعصاب إلي جميع البدن ومنشأ الجميع القلب . قال بعض المحققين خلق الله سبحانه بلطيف صنعه جرما حارا لطيفا نورانيا شفافا يسمي بالروح البخاري وجعله مركبا للنفس وقواها وكرسيا لملائكتها حيا بحياتها باقيا بتعلقها به فانيا برحلتها عنه لاكسائر الأجرام التي تزول عنها الحياة وهي باقية و به حياة البدن من الواهب بواسطة النفس فكل موضع يفيض عليه من سلطان نوره يحيا و إلافيموت واعتبر بالسدد فلو لا أن قوة الحس والحركة قائمة بهذا الجسم اللطيف لماكانت السدد يمنعها و قديخدر العضو بالسدة بحيث لايتألم بجرح وضرب وربما ينقطع فتبطل الحياة منه و لو لا أنه شديد اللطافة لمانفذ في شباك العصب و من أخذ بعض عروقه يحس بجري جسم لطيف حار فيه وتراجعه عنه و هذا هوالروح ومنبعه القلب الصنوبري و منه يتوزع علي الأعضاء العالية والسافلة من البدن فما يصعد إلي معدن الدماغ علي أيدي خوادم الشرايين معتدلا بتبريده فائضا إلي الأعضاء المدركة المتحركة منبثا في جميع البدن يسمي روحا نفسانيا و مايسفل منه إلي الكبد بأيدي سفراء الأوردة ألذي هومبدأ
صفحه : 252
القوي النباتية منبثا في أعراق البدن يسمي روحا طبيعيا انتهي . قوله دليله أنك تنظر فيه كأن الغرض التنبيه علي أن هذاالعضو بنفسه ليس شاعرا لشيء لأنه مثل سائر الأجسام الصقيلة التي يري فيهاالوجه كالماء والمرآة فكما أنها ليست مدركة لماينطبع فيهافكذا العين وغيرها من المشاعر أودفع لتوهم كون الانطباع دليلا علي كونها شاعرة فيكون سندا للمنع . قوله دارتها أي جرمها المستدير في القاموس الدار المحل يجمع البناء والعرصة كالدارة وبالهاء ماأحاط بالشيء كالدائرة و من الرمل مااستدار منه وهالة القمر و في المصباح الدارة دارة القمر وغيره سميت بذلك لاستدارتها انتهي والرأس مذكر وتأنيث الفعل كأنه لاشتماله علي الأعضاء الكثيرة إن لم يكن من تصحيف النساخ
5-التّوحِيدُ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُوسَي بنِ المُتَوَكّلِ عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي إِسحَاقَ عَن عِدّةٍ مِن أَصحَابِنَا أَنّ عَبدَ اللّهِ الديّصَاَنيِّ أَتَي هِشَامَ بنَ الحَكَمِ فَقَالَ لَهُ أَ لَكَ رَبّ فَقَالَ بَلَي قَالَ قَادِرٌ قَالَ بَلَي قَادِرٌ قَاهِرٌ قَالَ يَقدِرُ أَن يُدخِلَ الدّنيَا كُلّهَا فِي البَيضَةِ لَا تَكبُرُ البَيضَةُ وَ لَا تَصغُرُ الدّنيَا فَقَالَ هِشَامٌ النّظِرَةَ فَقَالَ لَهُ قَد أَنظَرتُكَ حَولًا ثُمّ خَرَجَ عَنهُ فَرَكِبَ هِشَامٌ إِلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع فَاستَأذَنَ عَلَيهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ أتَاَنيِ عَبدُ اللّهِ الديّصَاَنيِّ بِمَسأَلَةٍ لَيسَ المُعَوّلُ فِيهَا إِلّا عَلَي اللّهِ وَ عَلَيكَ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع عَمّا ذَا سَأَلَكَ فَقَالَ قَالَ لِي كَيتَ وَ كَيتَ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع يَا هِشَامُ كَم حَوَاسّكَ قَالَ خَمسٌ فَقَالَ أَيّهَا أَصغَرُ فَقَالَ النّاظِرُ قَالَ وَ كَم قَدرُ النّاظِرِ قَالَ مِثلُ العَدَسَةِ أَو أَقَلّ مِنهَا فَقَالَ يَا هِشَامُ فَانظُر أَمَامَكَ وَ فَوقَكَ وَ أخَبرِنيِ بِمَا تَرَي فَقَالَ أَرَي سَمَاءً وَ أَرضاً وَ دُوراً وَ قُصُوراً وَ تُرَاباً وَ جِبَالًا وَ أَنهَاراً فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع إِنّ ألّذِي قَدَرَ أَن يُدخِلَ
صفحه : 253
ألّذِي تَرَاهُ العَدَسَةَ أَو أَقَلّ مِنهَا قَادِرٌ أَن يُدخِلَ الدّنيَا كُلّهَا البَيضَةَ وَ لَا تَصغُرُ الدّنيَا وَ لَا تَكبُرُ البَيضَةُ فَانكَبّ هِشَامٌ عَلَيهِ وَ قَبّلَ يَدَيهِ وَ رَأسَهُ وَ رِجلَيهِ وَ قَالَ حسَبيِ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ فَانصَرَفَ إِلَي مَنزِلِهِ وَ غَدَا عَلَيهِ الديّصَاَنيِّ فَقَالَ لَهُ يَا هِشَامُ إنِيّ جِئتُكَ مُسَلّماً وَ لَم أَجِئكَ مُتَقَاضِياً لِلجَوَابِ فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ إِن كُنتَ جِئتَ مُتَقَاضِياً فَهَاكَ الجَوَابَ الخَبَرَ
تبيين أقول في حل هذاالخبر وجوه أوردتها في كتاب التوحيد و علي التقادير يدل علي أن الإبصار بالانطباع و علي بعض الوجوه المتقدمة يحتمل أن يكون إقناعيا مبنيا علي المقدمة المشهورة بين الجمهور أن الرؤية بدخول صور المرئيات في العضو البصري فلاينافي كون الإبصار حقيقة بخروج الشعاع
6-الإِختِصَاصُ، قَالَ العَالِمُ ع خَلَقَ اللّهُ عَالَمَينِ مُتّصِلَينِ فَعَالَمٌ علِويِّ وَ عَالَمٌ سفِليِّ وَ رَكّبَ العَالَمَينِ جَمِيعاً فِي ابنِ آدَمَ وَ خَلَقَهُ كريا[كُرَوِيّاً]مُدَوّراً فَخَلَقَ اللّهُ رَأسَ ابنِ آدَمَ كَقُبّةِ الفَلَكِ وَ شَعرَهُ كَعَدَدِ النّجُومِ وَ عَينَيهِ كَالشّمسِ وَ القَمَرِ وَ مَنخِرَيهِ كَالشّمَالِ وَ الجَنُوبِ وَ أُذُنَيهِ كَالمَشرِقِ وَ المَغرِبِ وَ جَعَلَ لَمحَهُ كَالبَرقِ وَ كَلَامَهُ كَالرّعدِ وَ مَشيَهُ كَسَيرِ الكَوَاكِبِ وَ قُعُودَهُ كَشَرَفِهَا وَ غَفوَهُ كَهُبُوطِهَا وَ مَوتَهُ كَاحتِرَاقِهَا وَ خَلَقَ فِي ظَهرِهِ أَربَعاً وَ عِشرِينَ فِقرَةً كَعَدَدِ سَاعَاتِ اللّيلِ وَ النّهَارِ وَ خَلَقَ لَهُ ثَلَاثِينَ مِعًي كَعَدَدِ الهِلَالِ ثَلَاثِينَ يَوماً وَ خَلَقَ لَهُ اثنيَ عَشَرَ وِصلًا كَعَدَدِ السّنَةِ اثنيَ عَشَرَ شَهراً وَ خَلَقَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتّينَ عِرقاً كَعَدَدِ السّنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَ سِتّينَ يَوماً وَ خَلَقَ لَهُ سَبعَمِائَةِ عَصَبَةٍ وَ اثنيَ عَشَرَ عُضواً وَ هُوَ مِقدَارُ مَا يُقِيمُ الجَنِينَ فِي بَطنِ أُمّهِ وَ عَجّنَهُ مِن مِيَاهٍ أَربَعَةٍ فَخَلَقَ المَالِحَ فِي عَينَيهِ فَهُمَا لَا يَذُوبَانِ فِي الحَرّ وَ لَا يَجمُدَانِ فِي البَردِ وَ خَلَقَ المُرّ فِي أُذُنَيهِ لكِيَ لَا تَقرَبَهُمَا الهَوَامّ وَ خَلَقَ المنَيِّ فِي ظَهرِهِ لِكَيلَا يَعتَرِيَهُ الفَسَادُ وَ خَلَقَ
صفحه : 254
العَذبَ فِي لِسَانِهِ لِيَجِدَ طَعمَ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ وَ خَلَقَهُ بِنَفسٍ وَ جَسَدٍ وَ رُوحٍ فَرُوحُهُ التّيِ لَا تُفَارِقُهُ إِلّا بِفِرَاقِ الدّنيَا وَ نَفسُهُ التّيِ تُرِيهِ الأَحلَامَ وَ المَنَامَاتِ وَ جِسمُهُ هُوَ ألّذِي يَبلَي وَ يَرجِعُ إِلَي التّرَابِ
بيان وغفوه أي نومه و في بعض النسخ فقره وكأنه تصحيف و هومقدار مايقيم أي الاثنا عشر فإن أكثر الحمل اثنا عشر شهرا علي الأشهر وكأن الروح هوالحيواني والنفس هي الناطقة
7- تُحَفُ العُقُولِ، سَأَلَ يَحيَي بنُ أَكثَمَ عَن قَولِ عَلِيّ ع إِنّ الخُنثَي يُوَرّثُ مِنَ المَبَالِ وَ قَالَ فَمَن يَنظُرُ إِذَا بَالَ إِلَيهِ مَعَ أَنّهُ عَسَي أَن تَكُونَ امرَأَةً وَ قَد نَظَرَ إِلَيهَا الرّجَالُ أَو عَسَي أَن يَكُونَ رَجُلًا وَ قَد نَظَرَت إِلَيهِ النّسَاءُ وَ هَذَا مَا لَا يَحِلّ فَأَجَابَ أَبُو الحَسَنِ الثّالِثُ ع إِنّ قَولَ عَلِيّ ع حَقّ وَ يَنظُرُ قَومٌ عُدُولٌ يَأخُذُ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُم مِرآةً وَ تَقُومُ الخُنثَي خَلفَهُم عُريَانَةً فَيَنظُرُونَ فِي المَرَايَا فَيَرَونَ الشّبَحَ فَيَحكُمُونَ عَلَيهِ
بيان ظاهره أن الرؤية بالانطباع لابخروج الشعاع لقوله ع فيرون الشبح ولأنه إذا كان بخروج الشعاع فلاينفع النظر في المرآة لأن المرئي حينئذ هوالفرج أيضا ويمكن الجواب بوجهين .الأول أن مبني الأحكام الشرعية الحقائق العرفية واللغوية لاالدقائق الحكمية و من رأي امرأة في الماء لايقال لغة و لاعرفا أنه رآها وإنما يقال رأي صورتها وشبحها والنصوص الدالة علي تحريم النظر إلي العورة إنما تدل علي تحريم الرؤية المتعارفة وشمولها لهذا النوع من الرؤية غيرمعلوم فيمكن أن يكون كلامه ع مبنيا علي ذلك لا علي كون الرؤية بالانطباع و يكون قوله فيرون الشبح
صفحه : 255
مبنيا علي مايحكم به أهل العرف وذكره لبيان أن مثل تلك الرؤية لاتسمي رؤية حقيقية لاعرفا و لالغة. والثاني أنه يحتمل أن يكون الحكم مبنيا علي الضرورة ويجوز في حال الضرورة ما لايجوز في غيرها فيجوز النظر إلي العورة كنظر الطبيب والقابلة وأمثالهما و لما كان هذاالنوع من الرؤية أخف شناعة وأقل مفسدة اختاره ع لدفع الضرورة هناك بها فلايدل علي الجواز عندفقد الضرورة و علي الانطباع والأول أظهر و مع ذلك لايمكن دفع كون ظاهر الخبر الانطباع وسنتكلم في أصل الحكم في موضعه إن شاء الله تعالي
8-تَوحِيدُ المُفَضّلِ، قَالَ الصّادِقُ ع فَكّر يَا مُفَضّلُ فِي الأَفعَالِ التّيِ جُعِلَت فِي الإِنسَانِ مِنَ الطّعمِ وَ النّومِ وَ الجِمَاعِ وَ مَا دُبّرَ فِيهَا فَإِنّهُ جُعِلَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنهَا فِي الطّبَاعِ نَفسِهِ مُحَرّكٌ يَقتَضِيهِ وَ يَستَحِثّ بِهِ فَالجُوعُ يقَتضَيِ الطّعمَ ألّذِي بِهِ حَيَاةُ البَدَنِ وَ قِوَامُهُ وَ الكَرَي يقَتضَيِ النّومَ ألّذِي فِيهِ رَاحَةُ البَدَنِ وَ إِجمَامُ قُوَاهُ وَ الشّبَقُ يقَتضَيِ الجِمَاعَ ألّذِي فِيهِ دَوَامُ النّسلِ وَ بَقَاؤُهُ وَ لَو كَانَ الإِنسَانُ إِنّمَا يَصِيرُ إِلَي أَكلِ الطّعَامِ لِمَعرِفَتِهِ بِحَاجَةِ بَدَنِهِ إِلَيهِ وَ لَم يَجِد مِن طِبَاعِهِ شَيئاً يَضطَرّهُ إِلَي ذَلِكَ كَانَ خَلِيقاً أَن يَتَوَانَي عَنهُ أَحيَاناً بِالتّثَقّلِ وَ الكَسَلِ حَتّي يَنحَلّ بَدَنُهُ فَيَهلِكَ كَمَا يَحتَاجُ الوَاحِدُ إِلَي الدّوَاءِ لشِيَءٍ مِمّا يَصلُحُ بِهِ بَدَنُهُ فَيُدَافِعُ بِهِ حَتّي يُؤَدّيَهُ ذَلِكَ إِلَي المَرَضِ وَ المَوتِ وَ كَذَلِكَ لَو كَانَ إِنّمَا يَصِيرُ إِلَي النّومِ بِالتّفَكّرِ فِي حَاجَتِهِ إِلَي رَاحَةِ البَدَنِ وَ إِجمَامِ قُوَاهُ كَانَ عَسَي أَن يَتَثَاقَلَ عَن ذَلِكَ فَيَدفَعَهُ حَتّي يُنهَكَ بَدَنُهُ وَ لَو كَانَ إِنّمَا يَتَحَرّكُ لِلجِمَاعِ بِالرّغبَةِ فِي الوَلَدِ كَانَ غَيرَ بَعِيدٍ أَن يَفتُرَ عَنهُ حَتّي يَقِلّ النّسلُ أَو يَنقَطِعَ فَإِنّ مِنَ النّاسِ مَن لَا يَرغَبُ فِي الوَلَدِ وَ لَا يَحفِلُ بِهِ فَانظُر كَيفَ جُعِلَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِن هَذِهِ الأَفعَالِ التّيِ بِهَا قِوَامُ الإِنسَانِ وَ صَلَاحُهُ مُحَرّكٌ مِن نَفسِ الطّبعِ يُحَرّكُهُ كَذَلِكَ وَ يَحدُوهُ عَلَيهِ
صفحه : 256
وَ اعلَم أَنّ فِي الإِنسَانِ قُوًي أَربَعاً قُوّةً جَاذِبَةً تَقبَلُ الغِذَاءَ وَ تُورِدُهُ عَلَي المَعِدَةِ وَ قُوّةً مُمسِكَةً تَحبِسُ الطّعَامَ حَتّي تَفعَلَ فِيهِ الطّبِيعَةُ فِعلَهَا وَ قُوّةً هَاضِمَةً وَ هيَِ التّيِ تَطبُخُهُ وَ تَستَخرِجُ صَفوَهُ وَ تَبُثّهُ فِي البَدَنِ وَ قُوّةً دَافِعَةً تَدفَعُهُ وَ تَحدُرُ الثّفلَ الفَاضِلَ بَعدَ أَخذِ الهَاضِمَةِ حَاجَتَهَا فَفَكّر فِي تَقدِيرِ هَذِهِ القُوَي الأَربَعِ التّيِ فِي البَدَنِ وَ أَفعَالِهَا وَ تَقدِيرِهَا لِلحَاجَةِ إِلَيهَا وَ الإِربِ فِيهَا وَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ التّدبِيرِ وَ الحِكمَةِ وَ لَو لَا الجَاذِبَةُ كَيفَ يَتَحَرّكُ الإِنسَانُ لِطَلَبِ الغِذَاءِ التّيِ بِهَا قِوَامُ البَدَنِ وَ لَو لَا المَاسِكَةُ كَيفَ كَانَ يَلبَثُ الطّعَامُ فِي الجَوفِ حَتّي تَهضِمَهُ المَعِدَةُ وَ لَو لَا الهَاضِمَةُ كَيفَ كَانَ يَنطَبِخُ مِنهُ حَتّي يَخلُصَ مِنهُ الصّفوُ ألّذِي يَغذُو البَدَنَ وَ يَسُدّ خُلَلَهُ وَ لَو لَا الدّافِعَةُ كَيفَ كَانَ الثّفلُ ألّذِي تُخَلّفُهُ الهَاضِمَةُ يَندَفِعُ وَ يَخرُجُ أَوّلًا فَأَوّلًا أَ فَلَا تَرَي كَيفَ وَكّلَ اللّهُ سُبحَانَهُ بِلَطِيفِ صُنعِهِ وَ حُسنِ تَقدِيرِهِ هَذِهِ القُوَي بِالبَدَنِ وَ القِيَامِ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَ سَأُمَثّلُ فِي ذَلِكَ مِثَالًا إِنّ البَدَنَ بِمَنزِلَةِ دَارِ المَلِكِ وَ لَهُ فِيهَا حَشَمٌ وَ صِبيَةٌ وَ قُوّامٌ مُوَكّلُونَ بِالدّارِ فَوَاحِدٌ لِإِفضَاءِ حَوَائِجِ الحَشَمِ وَ إِيرَادِهَا عَلَيهِم وَ آخَرُ لِقَبضِ مَا يَرِدُ وَ خَزنِهِ إِلَي أَن يُعَالَجَ وَ يُهَيّأَ وَ آخَرُ لِعِلَاجِ ذَلِكَ وَ تَهيِئَتِهِ وَ تَفرِيقِهِ وَ آخَرُ لِتَنظِيفِ مَا فِي الدّارِ مِنَ الأَقذَارِ وَ إِخرَاجِهِ مِنهَا فَالمَلِكُ هُوَ الخَلّاقُ الحَكِيمُ مَلِكُ العَالَمِينَ وَ الدّارُ هيَِ البَدَنُ وَ الحَشَمُ هيَِ الأَعضَاءُ وَ القُوّامُ هيَِ هَذِهِ القُوَي الأَربَعُ وَ لَعَلّكَ تَرَي ذِكرَنَا هَذِهِ القُوَي الأَربَعَ وَ أَفعَالَهَا بَعدَ ألّذِي وَصَفتُ فَضلًا وَ تَزدَاداً وَ لَيسَ مَا ذَكَرتُهُ مِن هَذِهِ القُوَي عَلَي الجِهَةِ التّيِ ذُكِرَت فِي كُتُبِ الأَطِبّاءِ وَ لَا قَولُنَا فِيهِ كَقَولِهِم لِأَنّهُم ذَكَرُوهَا عَلَي مَا يُحتَاجُ إِلَيهِ فِي صِنَاعَةِ الطّبّ وَ تَصحِيحِ الأَبدَانِ وَ ذَكَرنَاهَا عَلَي مَا يُحتَاجُ فِي صَلَاحِ الدّينِ وَ شِفَاءِ النّفُوسِ مِنَ الغيَّ كاَلذّيِ أَوضَحتُهُ بِالوَصفِ الثاّنيِ وَ المَثَلِ المَضرُوبِ مِنَ التّدبِيرِ وَ الحِكمَةِ فِيهَا تَأَمّل يَا مُفَضّلُ هَذِهِ القُوَي التّيِ فِي النّفسِ وَ مَوقِعَهَا مِنَ الإِنسَانِ أعَنيِ الفِكرَ وَ الوَهمَ وَ العَقلَ وَ الحِفظَ وَ غَيرَ ذَلِكَ أَ فَرَأَيتَ لَو نُقِصَ الإِنسَانُ مِن هَذِهِ الخِلَالِ الحِفظَ وَحدَهُ
صفحه : 257
كَيفَ كَانَت تَكُونُ حَالُهُ وَ كَم مِن خَلَلٍ كَانَ يَدخُلُ عَلَيهِ فِي أُمُورِهِ وَ مَعَاشِهِ وَ تَجَارُبِهِ إِذَا لَم يَحفَظ مَا لَهُ وَ عَلَيهِ وَ مَا أَخَذَهُ وَ مَا أَعطَي وَ مَا رَأَي وَ مَا سَمِعَ وَ مَا قَالَ وَ مَا قِيلَ لَهُ وَ لَم يَذكُر مَن أَحسَنَ إِلَيهِ مِمّن أَسَاءَهُ وَ مَا نَفَعَهُ مِمّا ضَرّهُ ثُمّ كَانَ لَا يهَتدَيِ لِطَرِيقٍ لَو سَلَكَهُ مَا لَا يُحصَي وَ لَا يَحفَظُ عِلماً وَ لَو دَرَسَهُ عُمُرَهُ وَ لَا يَعتَقِدُ دِيناً وَ لَا يَنتَفِعُ بِتَجرِبَةٍ وَ لَا يَستَطِيعُ أَن يَعتَبِرَ شَيئاً عَلَي مَا مَضَي بَل كَانَ حَقِيقاً أَن يَنسَلِخَ مِنَ الإِنسَانِيّةِ أَصلًا فَانظُر إِلَي النّعمَةِ عَلَي الإِنسَانِ فِي هَذِهِ الخِلَالِ أَو كَيفَ مَوقِعُ الوَاحِدَةِ مِنهَا دُونَ الجَمِيعِ وَ أَعظَمُ مِنَ النّعمَةِ عَلَي الإِنسَانِ فِي الحِفظِ النّعمَةُ فِي النّسيَانِ فَإِنّهُ لَو لَا النّسيَانُ لَمَا سَلَا أَحَدٌ عَن مُصِيبَةٍ وَ لَا انقَضَت لَهُ حَسرَةٌ وَ لَا مَاتَ لَهُ حِقدٌ وَ لَا استَمتَعَ بشِيَءٍ مِن مَتَاعِ الدّنيَا مَعَ تَذَكّرِ الآفَاتِ وَ لَا رَجَاءُ غَفلَةٍ[رَجَا غَفلَةً] مِن سُلطَانٍ وَ لَا فَترَةٌ[فَترَةً] مِن حَاسِدٍ أَ فَلَا تَرَي كَيفَ جُعِلَ فِي الإِنسَانِ الحِفظُ وَ النّسيَانُ وَ هُمَا مُختَلِفَانِ مُتَضَادّانِ جُعِلَ لَهُ فِي كُلّ مِنهُمَا ضَربٌ مِنَ المَصلَحَةِ وَ مَا عَسَي أَن يَقُولَ الّذِينَ قَسّمُوا الأَشيَاءَ بَينَ خَالِقَينِ مُتَضَادّينِ فِي هَذِهِ الأَشيَاءِ المُتَضَادّةِ المُتَبَايِنَةِ وَ قَد تَرَاهَا تَجمَعُ عَلَي مَا فِيهِ الصّلَاحُ وَ المَنفَعَةُ انظُر يَا مُفَضّلُ إِلَي مَا خُصّ بِهِ الإِنسَانُ دُونَ جَمِيعِ الحَيَوَانِ مِن هَذَا الخَلقِ الجَلِيلِ قَدرُهُ العَظِيمِ غَنَاؤُهُ أعَنيِ الحَيَاءَ فَلَولَاهُ لَم يُقرَ ضَيفٌ وَ لَم يُوفَ بِالعِدَاتِ وَ لَم تُقضَ الحَوَائِجُ وَ لَم يُتَحَرّ الجَمِيلُ وَ لَم يُتَنَكّبِ القَبِيحُ فِي شَيءٍ مِنَ الأَشيَاءِ حَتّي إِنّ كَثِيراً مِنَ الأُمُورِ المُفتَرَضَةِ أَيضاً إِنّمَا يُفعَلُ لِلحَيَاءِ فَإِنّ مِنَ النّاسِ[ مَن] لَو لَا الحَيَاءُ لَم يَرعَ حَقّ وَالِدَيهِ وَ لَم يَصِل ذَا رَحِمٍ وَ لَم يُؤَدّ أَمَانَةً وَ لَم يَعفُ عَن فَاحِشَةٍ أَ فَلَا تَرَي كَيفَ وفُيَّ الإِنسَانُ جَمِيعَ الخِلَالِ التّيِ فِيهَا صَلَاحُهُ وَ تَمَامُ أَمرِهِ تَأَمّل يَا مُفَضّلُ مَا أَنعَمَ اللّهُ تَقَدّسَت أَسمَاؤُهُ بِهِ عَلَي الإِنسَانِ مِن هَذَا النّطقِ ألّذِي يُعَبّرُ بِهِ عَمّا فِي ضَمِيرِهِ وَ مَا يَخطُرُ بِقَلبِهِ وَ يُنتِجُهُ فِكرُهُ وَ بِهِ يَفهَمُ مِن غَيرِهِ مَا فِي نَفسِهِ وَ لَو لَا ذَلِكَ كَانَ بِمَنزِلَةِ البَهَائِمِ المُهمَلَةِ التّيِ لَا تُخبِرُ عَن نَفسِهَا بشِيَءٍ وَ لَا تَفهَمُ عَن مُخبِرٍ شَيئاً وَ كَذَلِكَ الكِتَابَةُ التّيِ بِهَا تُقَيّدُ أَخبَارُ المَاضِينَ لِلبَاقِينَ وَ أَخبَارُ البَاقِينَ لِلآتِينَ وَ بِهَا تُخَلّدُ الكُتُبُ فِي العُلُومِ وَ الآدَابِ وَ غَيرِهَا وَ بِهَا يَحفَظُ الإِنسَانُ ذِكرَ مَا يجَريِ بَينَهُ وَ بَينَ غَيرِهِ مِنَ المُعَامَلَاتِ وَ الحِسَابِ وَ لَولَاهُ لَانقَطَعَ أَخبَارُ بَعضِ الأَزمِنَةِ
صفحه : 258
عَن بَعضٍ وَ أَخبَارُ الغَائِبِينَ عَن أَوطَانِهِم وَ دَرَسَتِ العُلُومُ وَ ضَاعَتِ الآدَابُ وَ عَظُمَ مَا يَدخُلُ عَلَي النّاسِ مِنَ الخَلَلِ فِي أُمُورِهِم وَ مُعَامَلَاتِهِم وَ مَا يَحتَاجُونَ إِلَي النّظَرِ فِيهِ مِن أَمرِ دِينِهِم وَ مَا روُيَِ لَهُم مِمّا لَا يَسَعُهُم جَهلُهُ وَ لَعَلّكَ تَظُنّ أَنّهَا مِمّا يُخلَصُ إِلَيهِ بِالحِيلَةِ وَ الفِطنَةِ وَ لَيسَت مِمّا أُعطِيَهُ الإِنسَانُ مِن خَلقِهِ وَ طِبَاعِهِ وَ كَذَلِكَ الكَلَامُ إِنّمَا هُوَ شَيءٌ يَصطَلِحُ عَلَيهِ النّاسُ فيَجَريِ بَينَهُم وَ لِهَذَا صَارَ يَختَلِفُ فِي الأُمَمِ المُختَلِفَةِ بِأَلسُنٍ مُختَلِفَةٍ وَ كَذَلِكَ الكِتَابَةُ كَكِتَابَةِ العرَبَيِّ وَ السرّياَنيِّ وَ العبِراَنيِّ وَ الروّميِّ وَ غَيرِهَا مِن سَائِرِ الكِتَابَةِ التّيِ هيَِ مُتَفَرّقَةٌ فِي الأُمَمِ إِنّمَا اصطَلَحُوا عَلَيهَا كَمَا اصطَلَحُوا عَلَي الكَلَامِ فَيُقَالُ لِمَنِ ادّعَي ذَلِكَ إِنّ الإِنسَانَ وَ إِن كَانَ لَهُ فِي الأَمرَينِ جَمِيعاً فِعلٌ أَو حِيلَةٌ فَإِنّ الشيّءَ ألّذِي يَبلُغُ بِهِ ذَلِكَ الفِعلَ وَ الحِيلَةَ عَطِيّةٌ وَ هِبَةٌ مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ لَهُ فِي خَلقِهِ فَإِنّهُ لَو لَم يَكُن لَهُ لِسَانٌ مُهَيّأٌ لِلكَلَامِ وَ ذِهنٌ يهَتدَيِ بِهِ لِلأُمُورِ لَم يَكُن لِيَتَكَلّمَ أَبَداً وَ لَو لَم يَكُن لَهُ كَفّ مُهَيّأَةٌ وَ أَصَابِعُ لِلكِتَابَةِ لَم يَكُن لِيَكتُبَ أَبَداً وَ اعتَبِر ذَلِكَ مِنَ البَهَائِمِ التّيِ لَا كَلَامَ لَهَا وَ لَا كِتَابَةَ فَأَصلُ ذَلِكَ فِطرَةُ الباَرِئِ جَلّ وَ عَزّ وَ مَا تَفَضّلَ بِهِ عَلَي خَلقِهِ فَمَن شَكَرَ أُثِيبَ وَ مَن كَفَرَ فَإِنّ اللّهَ غنَيِّ عَنِ العَالَمِينَ فَكّر يَا مُفَضّلُ فِي مَا أعُطيَِ الإِنسَانُ عِلمَهُ وَ مَا مُنِعَ فَإِنّهُ أعُطيَِ عِلمَ جَمِيعِ مَا فِيهِ صَلَاحُ دِينِهِ وَ دُنيَاهُ فَمِمّا فِيهِ صَلَاحُ دِينِهِ مَعرِفَةُ الخَالِقِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي بِالدّلَائِلِ وَ الشّوَاهِدِ القَائِمَةِ فِي الخَلقِ وَ مَعرِفَةُ الوَاجِبِ عَلَيهِ مِنَ العَدلِ عَلَي النّاسِ كَافّةً وَ بِرّ الوَالِدَينِ وَ أَدَاءِ الأَمَانَةِ وَ مُوَاسَاةِ أَهلِ الخُلّةِ وَ أَشبَاهِ ذَلِكَ مِمّا قَد تُوجَبُ[تُوجَدُ]مَعرِفَتُهُ وَ الإِقرَارُ وَ الِاعتِرَافُ بِهِ فِي الطّبعِ وَ الفِطرَةِ مِن كُلّ أُمّةٍ مُوَافِقَةٍ أَو مُخَالِفَةٍ وَ كَذَلِكَ أعُطيَِ عِلمَ مَا فِيهِ صَلَاحُ دُنيَاهُ كَالزّرَاعَةِ وَ الغِرَاسِ وَ استِخرَاجِ الأَرَضِينَ وَ اقتِنَاءِ الأَغنَامِ وَ الأَنعَامِ وَ استِنبَاطِ المِيَاهِ وَ مَعرِفَةِ العَقَاقِيرِ التّيِ يُستَشفَي بِهَا مِن ضُرُوبِ الأَسقَامِ وَ المَعَادِنِ التّيِ يُستَخرَجُ مِنهَا أَنوَاعُ الجَوَاهِرِ وَ رُكُوبِ السّفُنِ وَ الغَوصِ فِي البَحرِ وَ ضُرُوبِ الحِيَلِ فِي صَيدِ الوَحشِ وَ الطّيرِ وَ الحِيتَانِ وَ التّصَرّفِ فِي الصّنَاعَاتِ وَ وُجُوهِ المَتَاجِرِ وَ المَكَاسِبِ وَ غَيرِ ذَلِكَ مِمّا يَطُولُ شَرحُهُ وَ يَكثُرُ تَعدَادُهُ مِمّا فِيهِ صَلَاحُ أَمرِهِ فِي هَذِهِ الدّارِ فأَعُطيَِ عِلمَ مَا يَصلُحُ بِهِ دِينُهُ وَ دُنيَاهُ وَ مُنِعَ مَا سِوَي ذَلِكَ مِمّا لَيسَ فِيهِ
صفحه : 259
شَأنُهُ وَ لَا طَاقَتُهُ أَن يَعلَمَ كَعِلمِ الغَيبِ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ وَ بَعضِ مَا قَد كَانَ أَيضاً كَعِلمِ مَا فَوقَ السّمَاءِ وَ مَا تَحتَ الأَرضِ وَ مَا فِي لُجَجِ البِحَارِ وَ أَقطَارِ العَالَمِ وَ مَا فِي قُلُوبِ النّاسِ وَ مَا فِي الأَرحَامِ وَ أَشبَاهِ هَذَا مِمّا حُجِبَ عَلَي النّاسِ عِلمُهُ وَ قَدِ ادّعَت طَائِفَةٌ مِنَ النّاسِ هَذِهِ الأُمُورَ فَأَبطَلَ دَعوَاهُم مَا يَبِينُ مِن خَطَئِهُم فِي مَا يَقضُونَ عَلَيهِ وَ يَحكُمُونَ بِهِ فِي مَا ادّعَوا عِلمَهُ فَانظُر كَيفَ أعُطيَِ الإِنسَانُ عِلمَ جَمِيعِ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ لِدِينِهِ وَ دُنيَاهُ وَ حُجِبَ عَنهُ مَا سِوَي ذَلِكَ لِيَعرِفَ قَدرَهُ وَ نَقصَهُ وَ كِلَا الأَمرَينِ فِيهَا صَلَاحُهُ تَأَمّلِ الآنَ يَا مُفَضّلُ مَا سُتِرَ عَنِ الإِنسَانِ عِلمُهُ مِن مُدّةِ حَيَاتِهِ فَإِنّهُ لَو عَرَفَ مِقدَارَ عُمُرِهِ وَ كَانَ قَصِيرَ العُمُرِ لَم يَتَهَنّأ بِالعَيشِ مَعَ تَرَقّبِ المَوتِ وَ تَوَقّعِهِ لِوَقتٍ قَد عَرَفَهُ بَل كَانَ يَكُونُ بِمَنزِلَةِ مَن قَد فنَيَِ مَالُهُ أَو قَارَبَ الفَنَاءَ فَقَدِ استَشعَرَ الفَقرَ وَ الوَجَلَ مِن فَنَاءِ مَالِهِ وَ خَوفِ الفَقرِ عَلَي أَنّ ألّذِي يَدخُلُ عَلَي الإِنسَانِ مِن فَنَاءِ العُمُرِ أَعظَمُ مِمّا يَدخُلُ عَلَيهِ مِن فَنَاءِ المَالِ لِأَنّ مَن يَقِلّ مَالُهُ يَأمُلُ أَن يَستَخلِفَ مِنهُ فَيَسكُنُ إِلَي ذَلِكَ وَ مَن أَيقَنَ بِفَنَاءِ العُمُرِ استَحكَمَ عَلَيهِ اليَأسُ وَ إِن كَانَ طَوِيلَ العُمُرِ ثُمّ عَرَفَ ذَلِكَ وَثِقَ بِالبَقَاءِ وَ انهَمَكَ فِي اللّذّاتِ وَ المعَاَصيِ وَ عَمِلَ عَلَي أَنّهُ يَبلُغُ مِن ذَلِكَ شَهوَتَهُ ثُمّ يَتُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَ هَذَا مَذهَبٌ لَا يَرضَاهُ اللّهُ مِن عِبَادِهِ وَ لَا يَقبَلُهُ أَ لَا تَرَي لَو أَنّ عَبداً لَكَ عَمِلَ عَلَي أَنّهُ يُسخِطُكَ سَنَةً وَ يُرضِيكَ يَوماً أَو شَهراً لَم تَقبَل ذَلِكَ مِنهُ وَ لَم يَحُلّ عِندَكَ مَحَلّ العَبدِ الصّالِحِ دُونَ أَن يُضمِرَ طَاعَتَكَ وَ نُصحَكَ فِي كُلّ الأُمُورِ فِي كُلّ الأَوقَاتِ عَلَي تَصَرّفِ الحَالَاتِ فَإِن قُلتَ أَ وَ لَيسَ قَد يُقِيمُ الإِنسَانُ عَلَي المَعصِيَةِ حِيناً ثُمّ يَتُوبُ فَتُقبَلُ تَوبَتُهُ قُلنَا إِنّ ذَلِكَ شَيءٌ يَكُونُ مِنَ الإِنسَانِ لِغَلَبَةِ الشّهَوَاتِ لَهُ لو[ وَ]تَركِهِ مُخَالَفَتَهَا مِن غَيرِ أَن يُقَدّرَهَا فِي نَفسِهِ وَ يبَنيَِ عَلَيهِ أَمرَهُ فَيَصفَحُ اللّهُ عَنهُ وَ يَتَفَضّلُ عَلَيهِ بِالمَغفِرَةِ فَأَمّا مَن قَدّرَ أَمرَهُ عَلَي أَن يعَصيَِ مَا بَدَا لَهُ ثُمّ يَتُوبَ آخِرَ ذَلِكَ فَإِنّمَا يُحَاوِلُ خَدِيعَةَ مَن لَا يُخَادَعُ بِأَن يَتَسَلّفَ التّلَذّذَ فِي العَاجِلِ وَ يَعِدَ وَ يمُنَيَّ نَفسَهُ التّوبَةَ فِي الآجِلِ وَ لِأَنّهُ لَا يفَيِ بِمَا يَعِدُ مِن ذَلِكَ فَإِنّ النُزُوعَ مِنَ التّرَفّهِ وَ التّلَذّذِ وَ مُعَانَاةَ التّوبَةِ وَ لَا سِيّمَا عِندَ الكِبَرِ وَ ضَعفِ البَدَنِ أَمرٌ صَعبٌ وَ لَا يُؤمَنُ عَلَي الإِنسَانِ مَعَ مُدَافَعَتِهِ بِالتّوبَةِ أَن
صفحه : 260
يُرهِقَهُ المَوتُ فَيَخرُجَ مِنَ الدّنيَا غَيرَ تَائِبٍ كَمَا قَد يَكُونُ عَلَي الوَاحِدِ دَينٌ إِلَي أَجَلٍ وَ قَد يَقدِرُ عَلَي قَضَائِهِ فَلَا يَزَالُ يُدَافِعُ بِذَلِكَ حَتّي يَحِلّ الأَجَلُ وَ قَد نَفِدَ المَالُ فَيَبقَي الدّينُ قَائِماً عَلَيهِ فَكَانَ خَيرَ الإِنسَانِ أَن يُستَرَ عَنهُ مَبلَغُ عُمُرِهِ فَيَكُونَ طُولَ عُمُرِهِ يَتَرَقّبُ المَوتَ فَيَترُكَ المعَاَصيَِ وَ يُؤثِرَ العَمَلَ الصّالِحَ فَإِن قُلتَ وَ هَا هُوَ الآنَ قَد سُتِرَ عَنهُ مِقدَارُ حَيَاتِهِ وَ صَارَ يَتَرَقّبُ المَوتَ فِي كُلّ سَاعَةٍ يُقَارِفُ الفَوَاحِشَ وَ يَنتَهِكُ المَحَارِمَ قُلنَا إِنّ وَجهَ التّدبِيرِ فِي هَذَا البَابِ هُوَ ألّذِي جَرَي عَلَيهِ الأَمرُ فِيهِ فَإِن كَانَ الإِنسَانُ مَعَ ذَلِكَ لَا يرَعوَيِ وَ لَا يَنصَرِفُ عَنِ المسَاَويِ فَإِنّمَا ذَلِكَ مِن مَرَحِهِ وَ مِن قَسَاوَةِ قَلبِهِ لَا مِن خَطَإٍ فِي التّدبِيرِ كَمَا أَنّ الطّبِيبَ قَد يَصِفُ لِلمَرِيضِ مَا يَنتَفِعُ بِهِ فَإِن كَانَ المَرِيضُ مُخَالِفاً لِقَولِ الطّبِيبِ لَا يَعمَلُ بِمَا يَأمُرُهُ وَ لَا ينَتهَيِ عَمّا يَنهَاهُ عَنهُ لَم يَنتَفِع بِصِفَتِهِ وَ لَم يَكُنِ الإِسَاءَةُ فِي ذَلِكَ الطّبِيبِ بَل لِلمَرِيضِ حَيثُ لَم يَقبَل مِنهُ وَ لَئِن كَانَ الإِنسَانُ مَعَ تَرَقّبِهِ لِلمَوتِ كُلّ سَاعَةٍ لَا يَمتَنِعُ عَنِ المعَاَصيِ فَإِنّهُ لَو وَثِقَ بِطُولِ البَقَاءِ كَانَ أَحرَي بِأَن يَخرُجَ إِلَي الكَبَائِرِ القَطعِيّةِ فَتَرَقّبُ المَوتِ عَلَي كُلّ حَالٍ خَيرٌ لَهُ مِنَ الثّقَةِ بِالبَقَاءِ ثُمّ إِنّ تَرَقّبَ المَوتِ وَ إِن كَانَ صِنفٌ مِنَ النّاسِ يَلهَونَ عَنهُ وَ لَا يَتّعِظُونَ بِهِ فَقَد يَتّعِظُ بِهِ صِنفٌ آخَرُ مِنهُم وَ يَنزِعُونَ عَنِ المعَاَصيِ وَ يُؤثِرُونَ العَمَلَ الصّالِحَ وَ يَجُودُونَ بِالأَموَالِ وَ العَقَائِلِ النّفسِيّةِ فِي الصّدَقَةِ عَلَي الفُقَرَاءِ وَ المَسَاكِينِ فَلَم يَكُن مِنَ العَدلِ أَن يُحرَمَ هَؤُلَاءِ الِانتِفَاعَ بِهَذِهِ الخَصلَةِ لِتَضيِيعِ أُولَئِكَ حَظّهُم مِنهَا
ولنذكر بعض ماذكره الحكماء في تحقيق القوي البدنية الإنسانية لتوقف فهم الآيات والأخبار عليها في الجملة واشتمالها علي الحكم الربانية.قالوا الحيوان جسم مركب مختص من بين المركبات بالنفس الحيوانية لكون مزاجه أقرب إلي الاعتدال جدا من النباتات والمعادن فبعد أن يستوفي درجة
صفحه : 261
الجماد والنبات يقبل صورة أشرف من صورتهما وعرفوا النفس الحيوانية بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة مايدرك الجزئيات ويتحرك بالإرادة ولها قوتان مدركة ومحركة أماالمدركة فهي إما في الظاهر أو في الباطن أماالتي في الظاهر فهي خمس بحكم الاستقراء وقيل لأن الطبيعة لاتنتقل من درجة الحيوانية إلي درجة فوقها إلا و قداستكملت جميع ما في تلك المرتبة فلو كان في الإمكان حس آخر لكان حاصلا للإنسان فلما لم يحصل علمنا أن الحواس منحصرة في الخمس .فمنها السمع و هوقوة مودعة في العصب المفروش في مقعر الصماخ ويتوقف علي وصول الهواء المنضغط بين القارع والمقروع والقالع والمقلوع مع مقاومة المتكيف بكيفية الصوت المعلول لتموج ذلك الهواء إلي الصماخ و ليس مرادهم بوصوله ما هوالمتبادر منه بل إن ذلك الهواء بتموجه يموج الهواء المجاور له ويكفيه بالصوت ثم يتموج المجاور لهذا المجاور وهكذا إلي أن يتموج الهواء الراكد في الصماخ وقيل لاينحصر المتوسط في الهواء بل كل جسم سيال كالماء أيضا. ومنها البصر و هوقوة مودعة في ملتقي العصبتين المجوفتين النابتتين من غور البطنين المقدمين من الدماغ يتيامن النابت منهما يسارا ويتياسر النابت منهما يمينا فيلتقيان ويصير تجويفهما واحدا ثم ينعطف النابت منهما يمينا إلي الحدقة اليمني والنابت منهما يسارا إلي الحدقة اليسري ويسمي الملتقي بمجمع النور. والفلاسفة اختلفوا في كيفية الإبصار فالطبيعيون منهم ذهبوا إلي أنه بانطباع شبح المرئي في جزء من الرطوبة الجليدية التي هي بمنزلة البرد والجمد في الصقالة المرآتية فإذاقابلها متلون مستنير انطبع مثل صورته فيها كماينطبع صورة الإنسان في المرآة لابأن ينفصل من المتلون شيء ويميل إلي العين بل بأن يحدث مثل صورته في عين الناظر و يكون استعداد حصوله بالمقابلة المخصوصة مع توسط الهواء المشف .
صفحه : 262
والرياضيون ذهبوا إلي أنه بخروج الشعاع من العين علي هيئة مخروط رأسه عندالعين وقاعدته عندالمرئي ثم اختلفوا في أن ذلك المخروط مصمت أومؤتلف من خطوط مجتمعة في الجانب ألذي يلي الرأس متفرقة في الجانب ألذي يلي القاعدة و قال بعضهم بأن الخارج من العين خط واحد مستقيم لكن يثبت طرفه ألذي يلي العين ويضطرب طرفه الأخري علي المرئي فيتخيل منه هيئة مخروط. والإشراقيون قالوا لاشعاع و لاانطباع وإنما الإبصار مقابلة المستنير للعضو الباصر ألذي فيه رطوبة صقيلة فإذاوجدت هذه الشروط مع زوال المانع يقع للنفس علم حضوري إشراقي علي المبصر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلية لكن المشهور من آراء الفلاسفة الانطباع والشعاع .تمسك الأولون بوجوه أحدها و هوالعمدة أن العين جسم صقيل نوراني و كل جسم كذلك إذاقابله كثيف ملون انطبع فيه شبحه كالمرآة أماالكبري فظاهر و أماالصغري فلما نشاهد من النور في الظلمة إذاحك المنتبه من النوم عينه ولأن الإنسان إذانظر نحو أنفه قديري عليه دائرة مثل الضياء و إذاانتبه من النوم قديبصر ماقرب منه ثم يفقده و ذلك لامتلاء العين من النور و إن غمضنا إحدي العينين اتسع مثقب العين الأخري فيعلم أنه يملؤه جوهر نوري و لو لاانصباب أجسام نورانية من الدماغ إلي العين لكان تجويف العصبتين عديم الفائدة. وثانيها أن الإحساس بسائر الحواس ليس لأجل خروج شيء من المحسوس بل لأجل أن يأتيها صورة المحسوس فكذا حكم الإبصار. وثالثها أن كون رؤية الأشياء الكبيرة من البعيد صغيرة لضيق زاوية الرؤية لايتأتي إلا مع القول بكون موضع الرؤية هوالزاوية كما هورأي أصحاب الانطباع لاالقاعدة علي ما هورأي القائلين بخروج الشعاع فإنها لاتتفاوت . ورابعها أن من حدق النظر إلي الشمس ثم انصرف عنها يبقي في عينه صورتها زمانا و ذلك يوجب ماقلناه . وخامسها أن الممرورين يرون صورا مخصوصة لاوجود لها في الخارج فإذن
صفحه : 263
حصولها في البصر. وأجيب عن الأول بأنه بعدتمامه لايفيد إلاانطباع الشبح و أماكون الإبصار به فلا و عن الثاني أنه تمثيل بلا جامع و عن الثالث بأن كون العلة ماذكرتم غيرمسلم كيف وأصحاب الشعاع يذكرون له وجها آخر و عن الرابع بأن الصورة غيرباقية في الباصرة بل في الخيال وأين أحدهما من الآخر و عن الخامس أنه إنما يدل علي إثبات الانطباع في هذاالنحو من الرؤية التي هي من قبيل الرؤيا ومشاهدة الأمور الغائبة عن الأبصار بوقوع أشباحها في الخيال و لايدل علي أن الإبصار للموجودات في الخارج بالانطباع وقياس أحدهما علي الآخر غيرملتفت إليه في العلوم . وتمسك القائلون بالشعاع أيضا بوجوه أحدها أن من قل شعاع بصره كان إدراكه للقريب أصح من إدراكه للبعيد لتفرق الشعاع في البعيد و من كثر شعاع بصره مع غلظه كان إدراكه للبعيد أصح لأن الحركة في المسافة البعيدة تفيد رقة وصفاء و لو كان الإبصار بالانطباع لماتفاوت الحال . وثانيها أن الأجهر يبصر بالليل دون النهار لأن شعاع بصره لقلته يتخلل نهارا شعاع الشمس فلايبصر ويجتمع ليلا فيقوي علي الإبصار والأعمش بالعكس لأن شعاع بصره لغلظه لايقوي علي الإبصار إلا إذاأفادته الشمس رقة وصفاء. وثالثها أن الإنسان إذانظر إلي ورقة ورآها كلها لم يظهر له إلاالسطر ألذي يحدق نحوه البصر و ماذاك إلابسبب أن مسقط سهم مخروط الشعاع أصح إدراكا. ورابعها أن الإنسان يري في الظلمة كأن نورا انفصل عن عينه وأشرق علي أنفه و إذاغمض عينه علي السراج يري كأن خطوطا شعاعية اتصلت بين عينيه والسراج . والجواب عن الكل أنها لاتدل علي المطلوب أعني كون الإبصار بخروج الشعاع بل علي أن في العين نورا ونحن لاننكر أن في آلات الإبصار أجساما شعاعية مضيئة تسمي بالروح الباصرة و إن أنكرها محمد بن زكريا زعما أن النور لايوجد إلا في النار
صفحه : 264
و في الكواكب و أماالأجسام الكثيفة و ما في بواطنها فالأولي بهاالظلمة وكيف يعقل داخل الدماغ مع تسترها بالحجب جسم نوراني أما ابن سينا فقد اعترف بذلك لأن جالينوس لمااحتج ببعض الشبه التي مر ذكرها علي خروج الشعاع من العين وأجاب عنه بأن ذلك يدل علي وجود الشعاع في العين و لانزاع فيه لكن قلتم إن ذلك الشعاع يخرج فحينئذ نقول آلة الإبصار جسم نوراني في الجليدية يرتسم منه بين العين والمرئي مخروط وهمي يتعلق إدراك النفس بذلك المرئي من جهة زاويته التي عندالجليدية وتشتد حركته عندرؤية البعيد فيتخلل لطيفها فيفتقر إلي تلطيف إذاغلظ وتكثيف إذالطف ورق فوق ماينبغي ويحدث منها في المقابل القابل أشعة وأضواء يكون قوتها في مسقط السهم مما يحاذي مركز العين ألذي هوبمنزلة الزاوية للمخروط الوهمي ولشدة استنارته يكون مايري منه أظهر وإدراكه أقوي وأكمل ويشبه أن يكون هذامراد القائلين بخروج الشعاع تجوزا منهم علي ماصرح به الشيخ و إلافهو باطل قطعا أما إذاأريد حقيقة الشعاع ألذي هو من قبيل الأعراض فظاهر و إن أريد جسم شعاعي يتحرك من العين إلي المرئي فلأنا قاطعون بأنه يمتنع أن يخرج من العين جسم ينبسط في لحظة علي نصف كرة العالم ثم إذاطبق الجفن عاد إليها أوانعدم ثم إذافتح خرج مثله وهكذا و أن يتحرك الجسم الشعاعي من دون قاسر أوإرادة إلي جميع الجهات و أن ينفذ في الأفلاك ويخرقها ليري الكواكب و أن لايتشوش لهبوب الرياح و لايتصل بغير المقابل كما في الأصوات حيث يميلها الرياح إلي الجهات ولأنه يلزم أن لايري القمر مثل الثوابت بل بزمان يناسب التفاوت بينهما و ليس كذلك بل يري الأفلاك بما فيها من الكواكب دفعة ثم إن للقائلين بالشعاع مذهبا آخر و هو أن المشف ألذي بين البصر والمرئي يتكيف بكيفية الشعاع ألذي في البصر ويصير بذلك آلة للإبصار ويرد عليه المفاسد المتقدمة مع زيادة. و قال صاحب المقاصد الحق أن الإبصار بمحض خلق الله تعالي عندفتح العين . ثم اعلم أنه يعرض في الرؤية أمور غريبة قديستدل ببعضها علي أحد المذهبين
صفحه : 265
منها اختلاف الأقدار بسبب تفاوت الأبعاد والسبب فيه علي كلا المذهبين اختلاف زاوية مركز الجليدية انفراجا وحدة فإنه إذاقابل المبصر البصر توهمنا خطين مستقيمين واصلين بين مركز الجليدية وطرفي المبصر فيحصل زاوية البتة عندمركز الجليدية فكلما كانت تلك الزاوية أعظم يري المرئي أصغر و لايخفي علي المتدرب أن قرب المرئي سبب لعظم تلك الزاوية وبعده سبب لصغرها أوبزيادة القرب يزيد عظمها وبزيادة البعد يزيد صغرها فالخطوط التي هي أضلاع الزوايا موجودة عندالرياضيين موهومة عندالمشاءين و كل من أصحاب المذهبين جعل هذامؤيدا لمذهبه و له وجه و إن كان بمذهب المشاءين أنسب . و قال بعض المحققين قدقرر الحكماء عن آخرهم أن تفاوت أقدار المبصرات بتفاوت أقدار الزاوية المذكورة ويتبع تفاوت إحداهما تفاوت الأخري علي نسبتها من غيرانثلام في اتساق النسبة وبنوا عليه علم المناظر وغيره من معظمات المسائل و فيه شبهة و هو أنا إذاقربنا جسما صغيرا طوله مثل طول البصر أوأزيد بقليل كالإصبع من البصر بحيث يصل إلي رءوس شعر الجفن فيري بزاوية عظيمة جدا ويحجب الجبل العظيم جدا فزاويته أعظم من زاوية الجبل فيجب أن يري أعظم مع أن الأمر بخلافه ضرورة والجواب أنه في الرؤية أعظم إلا أنه يعلم بحكم العقل أنه صغير جدا ورئي عظيما بسبب كمال قربه انتهي . ومنها رؤية المرئيات في المرايا والأجسام الصقيلة واختلف في سببه وتفرق آراؤهم إلي مذاهب أربعة الأول مذهب أصحاب الشعاع حيث ذهبوا إلي أنه بانعكاس الخطوط الشعاعية وتفصيله أنانعلم تجربة أن الشعاع ينعكس من الجسم الصقيل كماينعكس شعاع الشمس من الماء إلي الجدار و من المرآة إلي مقابلها فإذاوقع شعاع البصر علي المرآة مثلا ينعكس منها إلي جسم آخر وضعه من المرآة وضع المرآة من البصر علي وجه تتساوي زاويتا الشعاع والانعكاس فإذاقابلت المرآة وجه المبصر و كان سهم المخروط الشعاعي عمودا علي سطح المرآة وجب انعكاس ذلك الخط العمود من سمته بعينه إلي مركز الجليدية إذ لوانعكس إلي غيره لزم تساوي زاوية قائمة مع زاوية
صفحه : 266
حادة وانعكست الخطوط القريبة منه إلي باقي أجزاء الوجه فيري الوجه و إذاكانت المرآة غيرمقابلة للبصر علي الوجه المذكور لم ينعكس الشعاع إليه بل إلي جسم آخر من شأنه أن تتساوي به الزاويتان المذكورتان فالمرئي في المرآة إنما هوالأمر الخارجي لكن لمارئي بالشعاع ألذي رئي به المرآة يظن أنه في المرآة و ليس موجودا في المرآة و إذا كان الوجه قريبا من المرآة والخطوط المنعكسة قصيرة يظن أن صورة المرئي قريبة من سطح المرآة و إذا كان الوجه بعيدا عنها والخطوط المنعكسة طويلة يظن الصورة غائرة فيها وأورد عليه وجوه من الإيراد المذكورة في محالها.الثاني مذهب أصحاب الانطباع وتوضيحه أنه كما أن القوة الباصرة بحيث إذاقابلت جسما ملونا مضيئا ارتسمت صورته فيهافكذلك هي بحيث إذاقابلت جسما صقيلا ارتسمت صورتها في الباصرة مع صورة مقابل ذلك الجسم الصقيل وترتسم في جزء ارتسمت فيه صورة المرآة وشرط الانعكاس عندهم أيضا مامر من كون الجسم المقابل من المرآة مثل مقابلة المرآة للمبصر بحيث تتساوي زاويتا الشعاع والانعكاس من الخطوط الشعاعية الموهومة المفروضة المستقيمة.الثالث مذهب سخيف ضعيف و هو أن الصورة ينطبع في المرآة.الرابع مذهب أفلاطون و من سبقه وتبعه من الإشراقيين حيث أثبتوا عالما آخر سوي هذاالعالم الجسماني ألذي هوالمحدد للجهات مع ما فيه من الأجرام الفلكية والأجسام العنصرية و هوعالم متوسط بينه و بين عالم المجردات العقلية الصرفة المنزهة عن المقدار والحيز والجهة والشكل فإن أشخاص هذاالعالم صور مثالية وأشباح برزخية مجردة عن الطبائع والمواد نورانية يسمي ذلك العالم عالم المثال وقالوا إن الصور المرئية في المرايا وغيرها من الأجسام الصقيلة والصور المتخيلة وأمثالها صور موجودة قائمة بنفسها إذ لوكانت الصور في المرآة لمااختلفت رؤية الشيء باختلاف مواضع نظرنا إليها و لوكانت في الهواء لم يمكن أن تري لأن الهواء شفاف لم يمكن أن يري وكذا ماحل فيه وليست هي صورتك بعينها بأن ينعكس الشعاع من المرآة إليك لبطلان القول بالشعاع لوجوه مذكورة في كتب
صفحه : 267
القوم و لا في القوة الباصرة أوغيرها من القوي البدنية لوجوه ذكروها فهي صور جسمانية موجودة في عالم آخر متوسط بين عالمي الحس والعقل يسمي بعالم المثال وهي قائمة بذاتها معلقة لا في محل و لا في مكان لها مظاهر كالمرآة في الصور المرئية المرآتية والخيال في الصور الخيالية ووافقهم الصوفية في إثبات هذاالعالم و قدمرت الإشارة إليه . قال القيصري في شرح الفصوص اعلم أن العالم المثالي هوعالم روحاني من جوهر نوراني شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوسا مقداريا وبالجوهر المجرد العقلي في كونه نورانيا و ليس بجسم مركب مادي و لاجوهر مجرد عقلي لأنه برزخ وحد فاصل بينهما و كل ما هوبرزخ بين الشيئين لابد و أن يكون غيرهما بل له جهتان يشبه بكل منهما مايناسب عالمه أللهم إلا أن يقال أنه جسم نوري في غاية مايمكن من اللطافة فيكون حدا فاصلا بين الجواهر المجردة اللطيفة و بين الجواهر الجسمانية الكثيفة و إن كان بعض هذه الأجسام ألطف من البعض كالسماوات بالنسبة إلي غيرهما انتهي . ومنها رؤية الشيء شيئين كما في الأحول و في من مد طرف عينه أوغمض إصبعه في طرف من العين فإنه يري كل شيءاثنين واختلفت الآراء في تعليله ولنذكر منها مذهبين الأول مذهب أصحاب الشعاع فإنهم يقولون إنه يخرج من كل عين مخروط شعاعي له سهم فإن وقع السهمان علي موضع واحد من المرئي يري شيئا واحدا و إن اختلف موقعاهما يري اثنين الثاني مذهب أصحاب الانطباع ومداره علي مقدمة وهي أن القوة البصرية قائمة بالروح الحيواني المصبوب في العصبتين المجوفتين النابتتين من مقدم الدماغ المتقاطعتين و عندالتقاطع يتحد التجويفان وهناك مجمع النور فإذاقابل البصر المبصر انطبعت صورته في الجليديتين و لايكفي ذلك في الإبصار و إلالرئي الشيء الواحد شيئين بل يحب أن تتأدي صورة أخري مثل تلك الصورة إلي مجمع النور فتحصل الإبصار ثم إن هذاالروح ألذي في مجمع النور يؤدي صورة المرئي إلي الحس المشترك وهناك يتم كمال الإبصار
صفحه : 268
ثم بعده هذه المقدمة نقول إن لإدراك الشيء الواحد اثنين أربعة أسباب الأول انتقال الآلة المؤدية للشبح ألذي في الجليدية إلي ملتقي العصبتين فلايتأدي الشبحان إلي موضع واحد بل ينتهي كل إلي جزء آخر من الروح الباصرة لأن خطي الشبحين لم ينفذا نفوذا من شأنه أن يتقاطعا عندملتقي العصبتين و إذااختص كل بجزء آخر من الروح الباصرة فكأنهما شبحان لشيئين ولأنه يختلف موضع الشبح في الروح الباصرة يري الاثنين في الاثنين .الثاني حركة الروح الباصرة التي في الملتقي وتموجها يمينا ويسارا حتي يتقدم مركزها المرسوم له في الطبع إلي جهتي الجليديتين أخذا متموجا مضطربا فيرتسم فيه الشبح قبل تقاطع المخروطين فينطبع من الشيء الواحد شبحان ويري كشيئين مفترقين و هذامثل ارتسام شبح الشمس في الماء الساكن الراكد مرة واحدة و في الماء المتوج متكررا.الثالث اضطراب روح الباصرة التي في مقدم الدماغ وحركته قداما إلي صوب ملتقي العصبتين وخلفا إلي الحس المشترك فإذانظر في تلك الحالة إلي المرئي انطبع شبحه في جزء من الروح الحاصل في مركزه ألذي له وضع مخصوص بالقياس إلي ذلك المرئي فإذاتحرك ذلك الجزء ووقع جزء آخر في موضعه فلاجرم انطبع شبحه في ذلك الجزء أيضا و لم يزل بعد عن الجزء الأول فتجتمع هناك صورتان ويري شيئان ولمثل هذاالسبب يري الشيء السريع الحركة إلي جانبين كشيئين لأنه قبل انمحاء صورته عن الحس المشترك و هو في جانب يراه البصر في جانب آخر فتتوافي إدراكاته في الجانبين معا و من هذاالقبيل رؤية القطرة النازلة خطا مستقيما والشعلة الجوالة دائرة ونظير الحركة الدورية لصاحب الدوار فإنه لسبب من الأسباب الطبية يتحرك الروح ألذي في تجويف مقدم الدماغ علي الدور فحينئذ إن انطبعت فيه صورة تزول بسرعة لتحركه كزوال الضوء عن أجزاء الكرة المقابلة
صفحه : 269
للكوة التي تشرق منها الشمس علي الكرة إذادارت الكرة لكن قبل زوالها عن ذلك الجزء تحصل صورة في الجزء ألذي حصل مكانه فيظن أن المرئي يدور حول نفسه و ما ذلك إلالحركة الرائي.الرابع اضطراب يعرض للثقبة العنبية فإن الطبقة العنبية سهلة الحركة إلي هيئة تتسع بهاالثقبة تارة وتضيق أخري تارة إلي خارج وتارة إلي داخل فإن تحرك إلي خارج يعرض للثقبة اتساع و إن تحرك إلي داخل يعرض لها تضيق فإن ضاقت يري الشيء أكبر و إن اتسعت يري أصغر فيري المرئي أولا غيرالمرئي ثانيا خصوصا إذاتمثلت قبل انمحاء الأول فيري اثنين و في حال ضيق الثقبة يتكاثف الروح البصري والنور الشعاعي فيري أكبر كمايري الشيء في البخار أعظم و في حال السعة يتلطف الروح ويتخلخل ويرق فيري أصغر. ومنها انعطاف الشعاع وبيان ذلك أن الخطوط الشعاعية التي هي علي سطح المخروط تنفذ علي الاستقامة إلي طرفي المرئي إذا كان الشفاف المتوسط متشابه الغلظ والرقة فإن فرض هناك تفاوت بأن يكون مما يلي الرائي هواء ومما يلي المرئي ماء أوبخارا فإن تلك الخطوط إذاوصلت إلي ذلك الماء مثلا انعطفت ومالت إلي سهم المخروط ثم وصلت إلي طرفي المرئي و لوانعكس الفرض مالت الخطوط إلي خلاف جانب السهم و من لوازم الانعطاف رؤية الشيء في الماء والبخار أعظم مما يري في الهواء فإن العنبة تري في الماء كالإجاصة والكوكب يري في الأفق أعظم مما يري في وسط السماء و ذلك لأن الخطوط إذاانعطفت ومالت إلي جانب السهم تكون زاوية رأس المخروط أعظم منها إذانفذت الخطوط علي الاستقامة لأنه يجب أن تتباعد الخطوط بحيث إذاانعطفت ومالت إلي السهم وصلت إلي طرفي المرئي فيكون المرئي بهاأعظم من المرئي بالأخري . ومنها رؤية الشجر علي الشط منتكسا و ذلك لأن الخطوط الشعاعية المنعكسة من سطح الماء إلي الشجر إنما تنعكس إليه علي هيئة أوتار الآلة الحدباء المسماة بالفارسية چنگ فإذا كان الشجر علي الطرف الآخر من الماء انعكس الشعاع
صفحه : 270
إلي رأس الشجر من موضع أقرب من الرائي و إلي ماتحت رأسه من موضع أبعد منه وهكذا و إذا كان الشجر علي طرف الرائي كان الأمر في الانعكاس علي عكس ماذكر أ لاتري أنك إذاسترت سطح الماء من جانبك يستر عنك رأس الشجر في الصورة الأولي وقاعدتها في الصورة الثانية فيكون الخط الشعاعي المنعكس إلي رأس الشجر أطول من جميع تلك الخطوط المنعكسة إلي مادونه و يكون ما هوأقرب منه أطول مما هوأبعد منه علي الترتيب حتي يكون أقصرها هوالمنعكس إلي قاعدة الشجرة و ذلك لتساوي زاويتي الشعاع والانعكاس . ولنفرض خط ا ب عرض النهر وخط ج ب الشجر القائم علي شطه وه الحدقة ونفرض علي ا ب نقطتي د و و علي ج ب ح وط فإذاخرج من ه خط شعاعي إلي و وآخر إلي د وجب أن ينعكس الأول إلي نقطة ط مثلا فتكون الزاوية الشعاعية أعني زاوية ه وا كالزاوية الانعكاسية أعني زاوية ط وب و أن ينعكس الآخر إلي نقطة ح وتتساوي أيضا شعاعية ه د ا وانعكاسية ح د ب . ثم إن النفس لاتدرك الانعكاس لتعودها في رؤية المرئيات بنفوذ الشعاع علي الاستقامة فتحسب الشعاع المنعكس نافذا في الماء و لانفوذ حينئذ هناك إذ ربما لا يكون الماء عميقا بقدر طول الشجر فيحسب لذلك أن رأس الشجر أكثر نزولا في الماء لكون الشعاع المنعكس إليه أطول وكذا الحال في باقي الأجزاء علي الترتيب فتراه كأنه منتكس تحت سطح الماء. ومنها الشامة وهي قوة منبثة في زائدتي مقدم الدماغ الشبيهتين بحلمتي الثدي تدرك الروائح بتوسط الهواء المتكيف بكيفية ذي الرائحة وقيل بتبخر أجزاء
صفحه : 271
لطيفة من ذي الرائحة تختلط بالهواء وتصل معه إلي الخيشوم وقيل بفعل ذي الرائحة في الشامة من غيراستحالة في الهواء و لاتبخر وانفصال أجزاء ورد الثاني بأن القليل من المسك يشم علي طول الأزمنة وكثرة الأمكنة من غيرنقصان في وزنه وحجمه والثالث بأن المسك قديذهب به إلي مسافة بعيدة ويحرق ويفني بالكلية مع أن رائحته تدرك في الهواء الأول أزمنة متطاولة ويؤيد ذلك ماحكي أرسطو أن الرخمة قدانتقلت من مسافة مائتي فرسخ برائحة جيفة من حرب وقع بين اليونانيين ودلهم علي انتقالها من تلك المسافة عدم كون الرخمة في تلك الأرض إلا في نحو من هذاالحد من المسافة و قديقال لعل المتحلل منه أجزاء صغار جدا تختلط بجميع تلك الأجزاء الهوائية والاستبعاد غيركاف في المباحث العلمية علي أن الشيخ اعترض عليه في الشفاء بقوله يجوز أن يكون إدراكها للجيف بالباصرة حين هي محلقة في الجو العالي. ومنها الذائقة وهي قوة منبثة في العصب المفروش علي جرم اللسان وهي تالية للامسة إذ منفعتها أيضا في الفعل ألذي به يتقوم البدن وهي تشهية الغذاء واختياره وبالجملة يتمكن به علي جذب الملائم ودفع المنافر من المطعومات كما أن اللامسة يتمكن بها علي مثل ذلك من الملموسات وهي توافق اللامسة في الاحتياج إلي الملامسة وتفارقها في أن نفس ملامسة المطعوم لايؤدي الطعم كما أن نفس ملامسة الحار تؤدي الحرارة بل تفتقر إلي توسط الرطوبة اللعابية المنبعثة عن الآلة التي تسمي الملعبة ويشترط أن تكون هذه الرطوبة خالية عن مثل طعم المطعوم وضده بل عن غير مايؤدي طعم المذوق كما هو إلي الذائقة فإن المريض إذاتكيف لعابه بطعم الخلط الغالب عليه لايدرك طعوم الأشياء المأكولة والمشروبة إلامشوبة بذلك الطعوم فإن الممرور إنما يجد طعم العسل مرا. واختلفوا في أن توسطها إما بأن يخالطها أجزاء لطيفة من ذي الطعم ثم تغوص هذه الرطوبة معها في جرم اللسان إلي الذائقة فالمحسوس حينئذ هوكيفية ذي الطعم
صفحه : 272
وتكون الرطوبة واسطة لتسهل وصول جوهر المحسوس الحامل للكيفية إلي الحاسة أوبأن يتكيف نفس الرطوبة بالطعم بسبب المجاورة فتغوص وحدها فيكون المحسوس كيفيتها و علي التقديرين لاواسطة بين الذائقة ومحسوسها حقيقة بخلاف الإبصار المحتاج إلي توسط الجسم الشفاف ومنها اللامسة وهي منبثة في البدن كله من شأنها إدراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك بأن ينفعل عنها العضو اللامس عندالملامسة بحكم الاستقراء قال الشيخ أول الحواس ألذي يصير به الحيوان حيوانا هواللمس فإنه كما أن للنبات قوة غاذية يجوز أن يفقد سائر القوي دونها كذلك حال اللامسة للحيوان لأن صلاح مزاجه من الكيفيات الملموسة وفساده باختلالها والحس طليعة للنفس فيجب أن يكون الطليعة الأولي هو مايدل علي مامنع به الفساد ويحفظ به الصلاح و أن يكون قبل الطلائع التي تدل علي أمور تتعلق ببعضها منفعة خارجة عن القوام ومضرة خارجة عن الفساد والذوق و إن كان دالا علي الشيء ألذي به يستبقي الحياة من المطعومات فقد يجوز أن يبقي الحيوان بدونه لإرشاد الحواس الأخر علي الغذاء الموافق واجتناب المضار و ليس شيءمنها يعين علي أن الهواء محرق أومجمد ولشدة الاحتياج إليه كان بمعونة الأعصاب ساريا في جميع الأعضاء إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد والطحال والكلية لئلا تتأذي بما يلاقيها من الحاد اللذاع فإن الكبد مولد للصفراء والسوداء والطحال والكلية مصبان لما فيه لذع وكالرئة فإنها دائمة الحركة فتتألم باصطكاك بعضها ببعض وكالعظام فإنها أساس البدن ودعامة الحركات فلو أحست لتألمت بالضغط والمزاحمة وبما يرد عليها من المصاكات . ثم إن الجمهور ذهبوا إلي أن اللامسة قوة واحدة بهايدرك جميع الملموسات كسائر الحواس فإن اختلاف المدركات لايوجب اختلاف الإدراكات ليستدل بذلك علي تعدد مبادئها وذهب كثير من المحققين ومنهم الشيخ إلي أنها قوي متعددة بناء علي مامهدوه في تكثير القوي من أن القوة الواحدة لايصدر عنها أكثر من واحد
صفحه : 273
فقالوا هاهنا ملموسات مختلفة الأجناس متضادة الأجناس فلابد لها من قوي مدركة مختلفة تحكم بالتضاد بينها فأثبتوا لكل ضدين منها قوة واحدة هي الحاكمة بين الحرارة والبرودة والحاكمة بين الرطوبة واليبوسة والحاكمة بين الخشونة والملاسة والحاكمة بين اللين والصلابة ومنهم من زاد الحاكمة بين الثقل والخفة قالوا ويجوز أن يكون لهذه القوي بأسرها آلة واحدة مشتركة بينها و أن يكون هناك في الآلات انقسام غيرمحسوس فلذا توهم اتحاد القوي . ويرد عليه أن المدرك بالحس هوالمتضادان كالحرارة والبرودة دون التضاد فإنه من المعاني المدركة بالعقل أوالوهم و إذاجاز إدراك قوة واحدة للضدين فقد صدر عنها اثنان فلم لايجوز أن يصدر عنها ما هوأكثر من ذلك وأيضا فإن الطعوم والروائح والألوان أجناس مختلفة متضادة مع اتحاد القوي المدركة لها وكون التضاد في ما بين الملموسات أكثر وأقوي لايجدي نفعا. و أماالحواس الباطنة فهي أيضا خمس عندهم بشهادة الاستقراء.الأول الحس المشترك ويسمي باليونانية بنطاسيا أي لوح النفس وهي قوة مرتبة في مقدم التجويف الأول من التجاويف الثلاثة التي في الدماغ تقبل جميع الصور المنطبعة في الحواس الظاهرة بالتأدي إليها من طريق الحواس فهو كحوض ينصب فيه أنهار خمسة واستدلوا علي وجوده بوجوه .الأول أنانشاهد القطرة النازلة خطا مستقيما والنقطة الدائرة بسرعة خطا مستديرا و ليس ارتسامها في البصر إذ لايرتسم فيه إلاالمقابل و هوالقطرة والنقطة فإذن ارتسامها إنما يكون في قوة أخري غيرالبصر حصل فيهاالارتسامات المتتالية بعضها ببعض فيشاهد خطا.الثاني أنانحكم ببعض المحسوسات الظاهرة علي بعض كالحكم بأن هذاالأبيض هو هذاالحلو و هذاالأصفر هو هذاالحار و كل من الحواس الظاهرة
صفحه : 274
لايحضر عندها إلانوع مدركاتها فلابد من قوة يحضر عندها جميع الأنواع ليصح الحكم بينها.الثالث أن المبرسم أي من به المرض المسمي بذات الجنب إذاقوي مرضه وتعطلت حواسه الظاهرة بغلبة المرض يري أشياء لاتحقق لها في الخارج علي سبيل المشاهدة دون التخيل فإنه قديري سباعا وأشخاصا حاضرة عنده و لايراها أحد ممن سلم حواسه وليست هذه الصور مرتسمة في بصره إذ لايرتسم فيه إلا ما هوموجود مقابل إياه و لما كان إدراكها كإدراك مايرتسم من الخارج بلا فرق عندالمدرك دل ذلك أيضا علي أن الإبصار إنما هوبالحس المشترك و لما كان الإبصار بارتسام الصورة في الحس المشترك لم يتميز الحال عندالمدرك بين أن يرد عليه الصورة من الخارج كما هوالغالب و بين أن ترد عليه من داخل كما في المبرسم فإنه لمااشتغل نفسه بمزاولة المرض بحيث تعطلت حواسه الظاهرة استولت المتخيلة ونقشت في لوح الحس المشترك صورا كانت مخزونة في الخيال وصورا ركبتها من الصور المخزونة علي طريق انتقاشها فيه من الخارج و لما لم يكن لها شعور بانتقاشها فيه من داخل لم يفرق بينها و بين الصور المنتقشة فيه من خارج فيحسب الأشياء التي هذه صورها موجودة في الخارج حاضرة عنده كما في الصحة بلا فرق . واعترض علي الأول بأنه يجوز أن يكون اتصال الارتسام في الباصرة بأن يرتسم المقابل الآخر قبل أن يزول المرتسم قبله بسرعة لحوق الثاني وقوة ارتسام الأول فيكونان معا قيل و هذامكابرة للقطع بأنه لاارتسام في البصر عندزوال المقابلة. و علي الثاني بأنه لايلزم من عدم كون الارتسام في الباصرة كونه في قوة أخري جسمانية لجواز أن يكون في النفس أ لاتري أنانحكم بالكلي علي الجزئي كحكمنا بأن زيدا إنسان مع القطع بأن مدرك الكلي هوالنفس ويجوز أن يكون حضورهما عندالنفس وحكمها بينهما لارتسامهما في آلتين كما أن الحكم بين الكلي والجزئي تكون لارتسام الكلي في النفس والجزئي في الآلة.
صفحه : 275
و علي الثالث أنه لايلزم من ذلك وجود حس مشترك غاية الأمر أن لاتكفي الحواس الظاهرة لمشاهدة الصور حالتي الغيبة والحضور بل يكون لكل حس ظاهر حس باطن .الثاني الخيال وهي قوة مرتبة في مؤخر التجويف الأول من الدماغ بحسب المشهور و عندالمحققين الروح المصوب في التجويف الأول آلة للحس المشترك والخيال إلا أن المشاهدة اختص بما في مقدمه والتخيل بما في مؤخره و هويحفظ جميع صور المحسوسات ويمثلها بعدالغيبة عن الحواس المختصة والحس المشترك وهي خزانة الحس المشترك لبقاء الصور المحسوسة فيها بعدزوالها عنه وإنما جعلت خزانة للحس المشترك مع أن مدركات جميع الحواس الظاهرة تختزن فيهالأن الحواس الظاهرة لاتدرك شيئا بسبب الاختزان بالخيال بل بإحساس جديد من خارج فيفوت معني الخزانة بالقياس إليها بخلاف الحس المشترك فإنا إذاشاهدنا صورة في اليقظة أوالنوم ثم ذهلنا عنها ثم شاهدناها مرة أخري نحكم عليها بأنها هي التي شاهدناها قبل ذلك فلو لم تكن الصور محفوظة لم يكن هذاالحكم كما لوصارت منسية وإنما احتيج إلي الحفظ لئلا يختل نظام العالم و لايشتبه الضار بالنافع إذا لم يعلم أنه المبصر أو لا وينفسد المعاملات وغيرها. والدليل علي مغايرتها للحس المشترك وجهان أحدهما أن قوة القبول غيرقوة الحفظ فرب قابل النقش كالماء لم يحفظ لوجود رطوبة فيه هي شرط سرعة القبول وعدم اليبس ألذي هوشرط الحفظ وثانيهما أن استحضار الصور والذهول عنها من غيرنسيان والنسيان يوجب تغاير القوتين ليكون الاستحضار حصول الصورة فيهما والذهول حصولها في أحدهما دون الأخري والنسيان زوالها عنهما واعترض عليهما بوجوه وأجابوا منها وهي مذكورة في محالها. واحتج الرازي علي إبطال الخيال بأن من طاف في العالم ورأي البلاد والأشخاص الغير المعدودة فلو انطبقت صورها في الروح الدماغي فإما أن يحصل جميع تلك الصور في محل واحد فيلزم الاختلاط وعدم التمايز وإما أن يكون لكل صورة
صفحه : 276
محل فيلزم ارتسام صورة في غاية العظم في جزء في غاية الصغر. وأجيب بأنه قياس للصور علي الأعيان و هوباطل فإنه لااستحالة و لااستبعاد في توارد الصور علي محل واحد مع تمايزها و لا في ارتسام صورة العظيم في المحل الصغير وإنما ذلك في الأعيان الحالة في محالها حلول العرض في الموضوع أوالجسم في المكان الثالث الوهم وهي القوة المدركة للمعاني الجزئية الموجودة في المحسوسات كالعداوة المعينة من زيد وقيد بذلك لأن مدرك العداوة الكلية هوالنفس والمراد بالمعاني ما لايدرك بالحواس الظاهرة فيقابل الصور أعني مايدرك بهافإدراك تلك المعاني دليل علي وجود قوة بهاإدراكها وكونها مما لم يتأد من الحواس دليل علي مغايرتها للحس المشترك وكونها جزئية دليل علي مغايرتها للنفس الناطقة بناء علي أنها لاتدرك الجزئيات بالذات هذا مع وجودها في الحيوانات العجم كإدراك الشاة معني في الذئب بقي الكلام في أن القوة الواحدة لماجاز أن تكون آلة لإدراك أنواع المحسوسات لم لايجوز أن تكون آلة لإدراك معانيها أيضا. و أماإثبات ذلك بأنهم جعلوا من أحكام الوهم ما إذارأينا شيئا أصفر فحكمنا بأنه عسل وحلو فيكون الوهم مدركا للحلاوة والصفرة والعسل جميعا ليصح الحكم وبأن مدرك عداوة الشخص مدرك له ضرورة فضعيف لأن الحاكم حقيقة هوالنفس فيكون المجموع من الصور والمعاني حاضرا عندها بواسطة الآلات كل منها بآلتها الخاصة و لايلزم كون محل الصور والمعاني قوة واحدة لكن يشكل بأن مثل هذاالحكم قد يكون للحيوانات العجم التي لايعلم وجود النفس الناطقة لها كذا ذكره في شرح المقاصد. و قديستدل علي وجودها بأن في الإنسان شيئا ينازع عقله في قضاياه كمايخاف الانفراد بميت يقتضي عقله الأمن منه وربما يغلب التخويف علي التأمين فهو قوة باطنية غيرعقله وقيل محل هذه القوة التجويف الأوسط من الدماغ وآلتها الدماغ كله لأنها الرئيس المطلق في الحيوان ومستخدمة سائر القوي
صفحه : 277
الحيوانية التي مصدر أكثر أفاعيلها الروح الدماغي فيكون كل الدماغ آلة لكن الأخص بهاالتجويف الأوسط لاستخدامها المتخيلة ومحلها مؤخر ذلك التجويف و لايستلزم كون الشيء آلة القوة كونه محلا لها ليلزم توارد القوي علي محل واحد كماتوهم .الرابع الحافظة وهي للوهم كالخيال للحس المشترك ووجه تغايرهما أن قوة القبول غيرقوة الحفظ والحافظة للمعاني غيرالحافظة للصور والكلام فيه كالكلام في ماتقدم ويسميها قوم ذاكرة إذ بهاالذكر أعني ملاحظة المحفوظ بعدالذهول ومتذكرة إذ بهاالتذكر أي الاحتيال لاستعراض الصور بعد مااندرست ومحلها أول التجويف الآخر من الدماغ . والخامس المتخيلة المركبة للصور المحسوسة والمعاني الجزئية المتعلقة بهابعضها مع بعض والمفصلة بعضها عن بعض تركيب الصورة بالصورة كما في قولك صاحب هذااللون المخصوص له هذاالطعم المخصوص وتركيب المعني بالمعني كما في قولك ما له هذه العداوة له هذه النفرة وتركيب الصورة بالمعني كما في قولك صاحب هذه الصداقة له هذااللون وتفصيل الصورة عن الصورة كما في قولك هذااللون ليس هذاالطعم وقس علي هذا و قال بعضهم هي مرتبة في مقدم التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها تركيب بعض ما في الخيال أوالحافظة من الصور والمعاني مع بعض وتفصيل بعضها عن بعض فتجمع أجزاء أنواع مختلفة كجعلها حيوانا من رأس إنسان وعنق جمل وظهر نمر ويفرق أجزاء نوع واحد كإنسان بلا رأس و لايسكن عن فعلها دائما لانوما و لايقظة وهي المحاكية للمدركات والهيئات المزاجية وتنتقل إلي الضد والشبيه فما في القوي الباطنة أشد شيطنة منها ليس من شأنها أن يكون عملها منتظما بل النفس هي التي تستعملها علي أي نظام أرادت فتسمي عنداستعمال النفس إياها بواسطة الوهم بالمتخيلة و عنداستعمالها إياها بواسطة القوة
صفحه : 278
العقلية بالمفكرة بهاتستنبط العلوم والصناعات وتقتنص الحدود الوسطي باستعراض ما في الحافظة.
قال بعض المحققين قدعلم بالتشريح أن للدماغ بطونا ثلاثة أعظمها البطن المقدم وأصغرها البطن الأوسط و هوكمنفذ من البطن المقدم إلي البطن المؤخر فآلة الحس المشترك هوالروح المصبوب في مقدم البطن المقدم وآلة الخيال هوالروح المصبوب في مؤخره و لما كان الوهم سلطان القوي الحسية ومستخدما لسائر القوي الحيوانية كان الدماغ كله آلة له و إن كان له اختصاص بآخر التجويف الأوسط وآلة المتصرفة مقدم التجويف الأوسط وآلة الحافظة مقدم التجويف الأخير و أمامؤخر هذاالتجويف فلم يودع فيه شيء من هذه القوي إذ لاحارس هناك من الحواس الظاهرة فلو أودع فيه شيء من هذه القوي لكثر فيه المصادمات الموجبة لاختلال القوة. قال المحقق الشريف فانظر إلي حكمة البارئ حيث قدم مايدرك به الصور الجزئية ووضع تحته مايحفظها وأخر مايدرك به المعاني المنتزعة من تلك الصور وقرنه بما يحفظها وأقعد المتصرف فيهما بينهما فسبحانه جلت قدرته وعظمت حكمته انتهي . و هوإشارة إلي ماقيل في تعيين محال تلك القوي بطريق الحكمة والغاية من أن الحس المشترك ينبغي أن يكون في مقدم الدماغ ليكون قريبا من الحواس الظاهرة فيكون التأدي إليه سهلا والخيال خلفه لأن خزانة الشيء ينبغي أن يكون كذلك ثم ينبغي أن يكون الوهم بقرب الخيال ليكون الصور الجزئية بحذاء معانيها الجزئية والحافظة بعده لأنها خزانته والمتخيلة في الوسط لتكون قريبة من الصور والمعاني فيمكنها الأخذ منهما بسهولة. و أماالقوي المحركة فعندهم تنقسم إلي فاعلة وباعثة أماالباعثة المسماة
صفحه : 279
بالشوقية فهي القوة التي إذاارتسمت في الخيال صورة مطلوبة أومهروبة عنها حملت القوة الفاعلة علي تحريك آلات الحركة والشوقية ذات شعبتين شهوية وغضبية لأنها إن حملت الفاعلة علي تحريك يطلب بهاالأشياء المتخيلة التي اعتقد أنها نافعة سواء كانت ضارة بحسب الواقع أونافعة طلبا لحصول اللذة تسمي قوة شهوانية و إن حملت القوة الشوقية القوي المباشرة علي تحريك يدفع به الشيء المتخيل ضارا كان بحسب الواقع أومفيدا دفعا علي سبيل الغلبة تسمي قوة غضبية. و أماالفاعلة المباشرة للتحريك فهي التي من شأنها أن تعد العضلات للتحريك وكيفية ذلك الإعداد منها أن تبسط العضل بإرخاء الأعصاب إلي خلاف جهة مبدئها لينبسط العضو المتحرك أي يزداد طولا وينتقص عرضا أوتقبضه بتمديد الأعصاب إلي جهة مبدئها لينقبض العضو المتحرك أي يزداد عرضا وينتقص طولا. ثم اعلم أن للحركات الاختيارية مبادئ مترتبة أبعدها القوي المدركة التي هي الخيال أوالوهم في الحيوان والعقل بتوسطهما في الإنسان و في الفلك بزعمهم وتليها القوة الشوقية وهي الرئيسة في القوة المحركة الفاعلة كما أن الوهم رئيسه في القوي المدركة و بعدالشوقية وقبل الفاعلة قوة أخري هي مبدأ العزم والإجماع المسماة بالإرادة والكراهة وهي التي تصمم بعدالتردد في الفعل والترك عندوجود مايترجح به أحد طرفيهما المتساوي نسبتهما إلي القادر عليهما. ويدل علي مغايرة الشوق للإدراك تحقق الإدراك بدونه و علي مغايرة الشوق للإجماع أنه قد يكون شوق و لاإرادة وقيل إنه لاتغاير بينهما إلابالشدة والضعف فإن الشوق قد يكون ضعيفا ثم يقوي فيصير عزما فالعزم كمال الشوق و ماقيل من أنه قديحصل كمال الشوق بدون الإرادة كما في المحرمات للزاهد المغلوب للشهوة فغير مسلم بل الشوق العقلي فيه إلي جانب الترك أقوي من الميل الشهوي إلي خلافه ويدل علي مغايرة الفاعلة لسائر المبادئ كون الإنسان المشتاق العازم غيرقادر علي التحريك وكون القادر علي ذلك غيرمشتاق
صفحه : 280
و قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب المسائل الحس كله مماسة ماتحس به المحسوس واتصال به أوبما يتصل به أوبما ينفصل منه أوبما يتصل بما ينفصل منه و ذلك كالبصر فإن شعاعه لابد من أن يتصل بالمبصر أوبما ينفصل منه أوبما يتصل بما ينفصل منه و لو كان يحس به بغير اتصال لماضر الساتر والحاجز و لماضرت الظلمة ولكان وجود ذلك وعدمه في وقوع العلم سواء فإن قال قائل أفيتصل شعاع البصر بالمشتري وزحل علي بعدهما قيل له لالكنه يتصل بالشعاع المنفصل منهما فيصيران كالشيء الواحد لتجانسهما وتشاكلهما. و أماالصوت فإنه إذاحدث في أول الهواء ألذي يلي الأجسام المصطكة وكذا في مايليه من الهواء مثله ثم كذلك إلي أن يتولد في الهواء ألذي يلي الصماخ فيدركه السامع ومما يدل علي ذلك أن القصار يضرب الثوب علي الحجر فتري مماسة الثوب للحجر ويصل الصوت بعد ذلك فهذا دال علي ماقلناه من أنه يتولد في هواء بعدهواء إلي أن يتولد في الهواء ألذي يلي الصماخ . و أماالرائحة فإنه ينفصل من الجسم ذي الرائحة أجزاء لطاف وتتفرق في الهواء فما صار منه في الخيشوم ألذي يقرب من موضع ذي الرائحة أدركه . و أماالذوق فإنه إدراك ماينحل من الجسم فيمازج رطوبة اللسان واللهوات ولذلك لايوجد طعم ما لاينحل منه الشيء كاليواقيت والزجاج ونحوهما والطعم والرائحة لاخلاف في أنهما لايكونان إلابمماسة واللمس في الحقيقة هوطلب الشيء ليشعر به وحقيقته الشعور و هذه جملة علي اعتقادنا و أبي القاسم البلخي وجمهور أهل العدل و أبوهاشم الجبائي يخالف في مواضع منها. وأقول قال الحكماء أيضا للنفس الناطقة قوي تشارك بهاالحيوان الأعجم والنبات وقوي أخري أخص يحصل بهاالإدراك للجزئي وهي قوي تشارك بهاالحيوان الأعجم دون النبات وهي الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة ولها قوة أخري أخص من الأوليين لأنها تختص بالإنسان وهي قوة يحصل بهاالإدراك للكلي.
صفحه : 281
فأما القوي التي تشارك بهاالنبات والحيوان الأعجم فأصولها ثلاثة اثنتان لأجل الشخص وهما الغاذية والنامية وواحدة لأجل النوع وهي المولدة و هذه القوي الثلاثة تسمي نباتية لالاختصاص النبات بهابل لانحصار قواه فيها وتسمي طبيعية أيضا.فأما الغاذية فهي التي تحيل الغذاء إلي مشاكلة المغتذي ويتم فعلها بأفعال جزئية ثلاثة أحدها تحصيل جوهر البدل وهي الدم والخلط ألذي هوبالقوة القريبة من الفعل وبالإلزاق و هو أن يلصق ذلك الحاصل بالعضو ويجعله جزءا منه وبالتشبيه بالعضو المغتذي حتي في قوامه ولونه و قدتخل بكل واحد من هذه الأفعال الثلاثة أماالأول فكما في علة تسمي أطروقيا وهي عدم الغذاء و أماالثاني فكما في الاستسقاء اللحمي و أماالثالث فكما في البرص والبهق فإن البدل والإلصاق موجودان فيهما والتشبيه غيرموجود فهذه الأفعال الثلاثة لابد و أن تكون بقوي ثلاث لكن القوة الغاذية هي مجموعها أوقوة أخري هي تستخدم كل واحدة منها والقوة التي يصدر منها التشبيه يسمونها مغيرة ثانية وهي واحدة بالجنس في الإنسان وغيره من المركبات التي لها أجزاء وأعضاء مختلفة بالحقيقة بمنزلة الأعضاء وتختلف بالنوع إذ في كل عضو منها قوة تغير الغذاء إلي تشبيه مخالف لتشبيه قوة أخري . و أماالنامية فهي التي تداخل الغذاء بين أجزاء المغتذي فيزيد في الأقطار الثلاثة بنسبة طبيعية بأن يزيد في الأعضاء الأصلية أعني مايتولد عن المني كالعظم والعصب والرباط وغيرها وبذلك يظهر الفرق بين النمو والسمن فإن السمن إنما هوزيادة في الأعضاء المتولدة من الدم كاللحم والشحم والسمين لا في الأعضاء الأصلية وبقولنا بنسبة طبيعية يخرج الورم فإنه ليس علي نسبة طبيعية بل خارج عن المجري الطبيعي. و أماالمولدة فالمراد بهاقوتان فوحدتهما اعتبارية كما في الغاذية إحداهما مايجعل فضلة الهضم الرابع منيا و هذه القوة فعلها في الأنثيين لأن ذلك الدم
صفحه : 282
يصير منيا فيها وثانيهما مايهيئ كل جزء من المني من الذكر والأنثي في الرحم بعضو مخصوص بأن يجعل بعضه مستعدا للعظمية وبعضه مستعدا للعصبية وبعضه للرباطية إلي غير ذلك و هذه القوة تسمي المغيرة الأولي وفعلها إنما يكون حال كون المني في الرحم ليصادف ذلك فعل القوة المصورة لأنها تعد مواد الأعضاء والمصورة تلبسها صورها الخاصة بها. وإنما احتيج إلي هذه القوي أما إلي الغاذية فلأن بقاء البدن بدون الغذاء محال لأن البدن إنما يمكن تكونه من جسم رطب ليكون قابلا للتشكيل والتمديد و لابد من حرارة عاقدة منضجة محللة للفضول يلزمها لامحالة أن تحلل الرطوبة ويعينها علي ذلك الهواء الخارجي والحركات البدنية والنفسانية فلو لا أن الغذاء يخلف بدل مايتحلل منه لم يمكن بقاؤه مدة تمام التكون فضلا عما بعد ذلك و ليس يوجد في الخارج جسم إذامس جسد الإنسان استحال بطبيعته فلابد إذن من أن يكون للنفس قوة من شأنها أن تحيل الوارد إلي مشابهة جوهر أعضاء البدن ليخلف بذلك بدل مايتحلل منه وهي القوة الغاذية. و أما إلي المولدة فلما ثبت من أن الموت ضروري وحدوث الإنسان بالتولد مما يندر وجوده فوجب أن يكون للنفس قوة تفصل من المادة التي تحصلها الغاذية مابعده مادة لشخص آخر و لماكانت المادة المنفصلة أقل من المقدار الواجب لشخص كامل جعلت النفس ذات قوة تضيف من المادة التي تحصلها الغاذية شيئا فشيئا إلي المادة المفصولة فيزيد بهامقدارها في الأقطار علي تناسب طبيعي يليق بأشخاص ذلك النوع إلي أن يتم الشخص . وتخدم الغاذية قوي أربع هي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة أماالاحتياج إلي الجاذبة فظاهر لأن الغذاء لايمكن أن يصل بنفسه إلي جميع الأعضاء لأنه لايخلو إما أن يكون ثقيلا فلايصل إلي الأعضاء العالية وإما أن يكون خفيفا فلايصل إلي الأعضاء السافلة ووجودها في بعض الأعضاء معلوم بالحس فإن المنتكس إذااشتدت حاجته إلي الغذاء يجده ينجذب من فمه إلي المعدة من غير
صفحه : 283
إرادته بل مع إرادة إمساكه في فمه وأيضا إن الحلو يخرج بالقيء بعدغيره و إن تناوله أولا و ما ذلك إلابجذب المعدة اللذيذ إلي قعرها وأيضا الرحم إذاكانت خالية عن الفضول بعيدة العهد من الجماع يحس الإنسان وقت الجماع أن إحليله ينجذب إلي الداخل . و أما إلي الماسكة فلأن الغذاء لابد فيه من الاستحالة حتي يصير شبيها بجوهر المغتذي والاستحالة حركة و كل حركة في زمان فلابد من زمان في مثله يستحيل الغذاء إلي جوهر المغتذي ولأن الخلط جسم رطب سيال استحال أن يقف بنفسه زمانا فلابد من قاسر يقسره علي الوقوف و ذلك القاسر هوالماسكة ووجودها في بعض الأعضاء معلوم بالحس فإن أرباب التشريح قالوا إذاشرحنا الحيوان حال ماتناول الغذاء وجدنا معدته محتوية علي الغذاء بحيث لايمكن أن يسيل من ذلك الغذاء شيء وأيضا قالوا إذاشققنا بطن الحامل من تحت السرة وجدنا رحمها منضمة انضماما شديدا بحيث لايسع أن يدخل فيهاطرف الميل وأيضا فإن المني إذااستقر في الرحم لاينزل عنها مع ثقله . و أما إلي الهاضمة فلأن إحالة القوة المغيرة إنما يكون لما هومتقارب الاستعداد للصورة العضوية وإنما يكون ذلك بعدفعل القوة التي تجعله متقارب الاستعداد وتلك هي القوة الهاضمة. ومراتب الهضم أربع أولها في المعدة فإن الغذاء يصير فيهاكيلوسا أي جوهرا شبيها بماء الكشك الثخين إما بمخالطة المشروب و ذلك في أكثر الحيوانات وإما بلا مخالطة المشروب كما في جوارح الصيد وابتداء ذلك الهضم في الفم ولهذا كانت الحنطة الممضوغة تفعل في إنضاج الدماميل ما لاتفعله المطبوخة و لاالمدقوقة المخلوطة باللعاب وثانيها في الكبد فإن الكيلوس إذاتم انهضامه في المعدة انجذبت لطائفه بالعروق المسماة بالماساريقا إلي الكبد وتداخلت في العروق المتصغرة المتضائلة المنتشرة في جميع أجزاء الكبد بحيث يلاقي الكبد بكليته الكيلوس فينهضم هناك انهضاما ثانيا وتنخلع صورته النوعية الغذائية ويستحيل إلي الأخلاط ويسمي
صفحه : 284
كيموسا وابتداء هذاالهضم في الماساريقا وثالثها في العروق وابتداؤه من حين صعود الخلط في العرق العظيم الطالع من حدبة الكبد ورابعها في الأعضاء وابتداؤه من حين ماترشح الدم من فوهات العروق . و أما إلي الدافعة فلأنه ليس غذاء يصير بتمامه جزءا من المغتذي بل يفضل منه مايضيق المكان ويمنع مايرد من الغذاء عن الوصول إلي الأعضاء ويوجب ثقل البدن بل يفسد ويفسد فلابد من قوة تدفع تلك الفضلات ووجودها ظاهر عندالحس في حال التبرز والقيء وإراقة البول . و قدتتضاعف هذه القوي لبعض الأعضاء كماللمعدة فإن فيهاالجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة بالنسبة إلي غذاء جميع البدن و فيهاأيضا هذه القوي بالنسبة إلي ماتغتذي به خاصة. ثم اعلم أن الحكماء عدوا من القوي المولدة القوة المصورة وأنكرها جماعة منهم المحقق الطوسي قدس سره والفخر الرازي والغزالي وغيرهم قال في المقاصد المولدة هي قوة شأنها تحصيل البزر وتفصيله إلي أجزاء مختلفة وهيئات مناسبة و ذلك بأن يفرز جزءا من الغذاء بعدالهضم التام ليصير مبدأ لشخص آخر من نوع المغتذي أوجنسه ثم يفصل ما فيه من الكيفيات المزاجية فيمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو ثم يفيده بعدالاستحالات الصور والقوي والأعراض الحاصلة للنوع ألذي انفصل عنه البزر أولجنسه كما في البغل والمحققون علي أن هذه الأفعال مستندة إلي قوي ثلاث بينوا حالها علي ماعرفت في الإنسان وكثير من الحيوانات الأولي التي تجذب الدم إلي الأنثيين وتتصرف فيه إلي أن يصير منيا وهي لاتفارق الأنثيين وتخص باسم المحصلة.
صفحه : 285
والثانية التي تتصرف في المني فتفصل كيفياتها المزاجية وتمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو فتعين للعصب مثلا مزاجا خاصا وللشريان مزاجا خاصا وللعظم مزاجا خاصا وبالجملة تعد مواد الأعضاء وتخص هذه باسم المفصلة والمغيرة الأولي تمييزا عن المغيرة التي هي من جملة الغاذية. والثالثة التي تفيد تمييز الأجزاء وتشكيلها علي مقاديرها وأوضاع بعضها عن بعض وكيفياتها وبالجملة تلبس كل عضو صورته الخاصة به يستكمل وجود الأعضاء و هذه تخص باسم المصورة وفعلها إنما يكون في الرحم انتهي . و قال المحقق الطوسي قدس سره والمصورة عندي باطلة لاستحالة صدور هذه الأفعال المحكمة المركبة عن قوة بسيطة ليس لها شعور أصلا انتهي . والغزالي بالغ في ذلك حتي أبطل القوي مطلقا وادعي أن الأفعال المنسوبة إلي القوي صادرة عن ملائكة موكلة بهذه الأفعال تفعلها بالشعور والاختيار كما هوظاهر النصوص الواردة في هذاالباب . و قال الشارح القوشجي بعدإيراد الكلام المتقدم يرد عليه أنا لانسلم أن المصورة قوة واحدة بسيطة لم لايجوز أن تكون وحدتها بالجنس كما أن المغيرة واحدة بالجنس مختلفة بالنوع و لوسلم فلم لايجوز أن يكون صدور هذه الأفعال عنها بحسب استعداد المادة فإن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع في الأعضاء ففضلة هضم كل عضو إنما تستعد لصورة ذلك العضو.لكن الإنصاف أن تلك الأفعال المتقنة المحكمة علي النظام المشاهد من الصور العجيبة والأشكال الغريبة والنقوش المؤتلفة والألوان المختلفة و ماروعي فيها من حكم ومصالح لقد تحيرت فيهاالأوهام وعجزت عن إدراكها العقول والأفهام قدبلغ المدون منها كماعلم في علم التشريح ومنافع خلقة الناس خمسة آلاف مع أن ما لم يعلم منها أكثر مما قدعلم كما لايخفي علي ذي حدس كامل كما لايكاد يذعن العقل بصدورها عن القوة التي سموها مصورة و إن فرضنا كونها مركبة والمواد
صفحه : 286
مختلفة بل يحكم بأن أمثال تلك الأمور لايمكن أن تصدر إلا عن حكيم عليم خبير قدير. ثم أطال الكلام في الاعتراض علي دلائلهم في إثبات تلك القوي وتعددها تركناها مخافة الإطناب والإسهاب
1-العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ شَاذَانَ بنِ عُثمَانَ بنِ أَحمَدَ البرَاَوذِيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ مُحَمّدِ بنِ الحَرثِ بنِ سُفيَانَ السمّرَقنَديِّ عَن صَالِحِ بنِ سَعِيدٍ الترّمذِيِّ عَن عَبدِ المُنعِمِ بنِ إِدرِيسَ عَن أَبِيهِ عَن وَهبِ بنِ مُنَبّهٍ أَنّهُ وُجِدَ فِي التّورَاةِ صِفَةُ خَلقِ آدَمَ ع حِينَ خَلَقَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ وَ ابتَدَعَهُ قَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي إنِيّ خَلَقتُ آدَمَ وَ رَكّبتُ جَسَدَهُ مِن أَربَعَةِ أَشيَاءَ ثُمّ جَعَلتُهَا وِرَاثَةً فِي وُلدِهِ تنَميِ فِي أَجسَادِهِم وَ يَنمُونَ عَلَيهَا إِلَي يَومِ القِيَامَةِ وَ رَكّبتُ جَسَدَهُ حِينَ خَلَقتُهُ مِن رَطبٍ وَ يَابِسٍ وَ سُخنٍ وَ بَارِدٍ وَ ذَلِكَ أنَيّ خَلَقتُهُ مِن تُرَابٍ وَ مَاءٍ ثُمّ جَعَلتُ فِيهِ نَفساً وَ رُوحاً فَيُبُوسَةُ كُلّ جَسَدٍ مِن قِبَلِ التّرَابِ وَ رُطُوبَتُهُ مِن قِبَلِ المَاءِ وَ حَرَارَتُهُ مِن قِبَلِ النّفسِ وَ بُرُودَتُهُ مِن قِبَلِ الرّوحِ ثُمّ خَلَقتُ فِي الجَسَدِ بَعدَ هَذَا الخَلقِ الأَوّلِ أَربَعَةَ أَنوَاعٍ وَ هُنّ مِلَاكُ الجَسَدِ وَ قِوَامُهُ بإِذِنيِ لَا يَقُومُ الجَسَدُ إِلّا بِهِنّ وَ لَا تَقُومُ مِنهُنّ وَاحِدَةٌ إِلّا بِالأُخرَي مِنهَا المِرّةُ السّودَاءُ وَ المِرّةُ الصّفرَاءُ وَ الدّمُ وَ البَلغَمُ ثُمّ أَسكَنَ بَعضَ هَذَا الخَلقِ فِي بَعضٍ فَجَعَلَ مَسكَنَ اليُبُوسَةِ فِي المِرّةِ
صفحه : 287
السّودَاءِ وَ مَسكَنَ الرّطُوبَةِ فِي المِرّةِ الصّفرَاءِ وَ مَسكَنَ الحَرَارَةِ فِي الدّمِ وَ مَسكَنَ البُرُودَةِ فِي البَلغَمِ فَأَيّمَا جَسَدٍ اعتَدَلَت بِهِ هَذِهِ الأَنوَاعُ الأَربَعُ التّيِ جَعَلتُهَا مِلَاكَهُ وَ قِوَامَهُ وَ كَانَت كُلّ وَاحِدَةٍ مِنهُنّ أَربَعاً لَا تَزِيدُ وَ لَا تَنقُصُ كَمُلَت صِحّتُهُ وَ اعتَدَلَ بُنيَانُهُ فَإِن زَادَ مِنهُنّ وَاحِدَةٌ عَلَيهِنّ فَقَهَرَتهُنّ وَ مَالَت بِهِنّ[ وَ]دَخَلَ عَلَي البَدَنِ السّقمُ مِن نَاحِيَتِهَا بِقَدرِ مَا زَادَت وَ إِذَا كَانَت نَاقِصَةً نُقِلَ[تَقِلّ]عَنهُنّ حَتّي تَضعُفَ مِن طَاقَتِهِنّ وَ تَعجِزَ عَن مُقَارَنَتِهِنّ وَ جَعَلَ عَقلَهُ فِي دِمَاغِهِ وَ شَرَهَهُ فِي كُليَتِهِ وَ غَضَبَهُ فِي كَبِدِهِ وَ صَرَامَتَهُ فِي قَلبِهِ وَ رَغبَتَهُ فِي رِئَتِهِ وَ ضَحِكَهُ فِي طِحَالِهِ وَ فَرَحَهُ وَ حَزَنَهُ وَ كَربَهُ فِي وَجهِهِ وَ جَعَلَ فِيهِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتّينَ مَفصَلًا قَالَ وَهبٌ فَالطّبِيبُ العَالِمُ بِالدّاءِ وَ الدّوَاءِ يَعلَمُ مِن حَيثُ يأَتيِ السّقمُ مِن قِبَلِ زِيَادَةٍ تَكُونُ فِي إِحدَي هَذِهِ الفِطَرِ الأَربَعِ أَو نُقصَانٍ مِنهَا وَ يَعلَمُ الدّوَاءَ ألّذِي بِهِ يُعَالِجُهُنّ فَيَزِيدُ فِي النّاقِصَةِ مِنهُنّ أَو يَنقُصُ مِنَ الزّائِدَةِ حَتّي يَستَقِيمَ الجَسَدُ عَلَي فِطرَتِهِ وَ يَعتَدِلَ الشيّءُ بِأَقرَانِهِ ثُمّ تَصِيرُ هَذِهِ الأَخلَاقُ التّيِ رَكّبَ عَلَيهَا الجَسَدَ فِطَراً عَلَيهِ تُبنَي أَخلَاقُ بنَيِ آدَمَ وَ بِهَا تُوصَفُ فَمِنَ التّرَابِ العَزمُ وَ مِنَ المَاءِ اللّينُ وَ مِنَ الحَرَارَةِ الحِدّةُ وَ مِنَ البُرُودَةِ الأَنَاةُ فَإِن مَالَت بِهِ اليُبُوسَةُ كَانَ عَزمُهُ القَسوَةَ وَ إِن مَالَت بِهِ الرّطُوبَةُ كَانَت لِينُهُ مَهَانَةً وَ إِن مَالَت بِهِ الحَرَارَةُ كَانَت حِدّتُهُ طَيشاً وَ سَفَهاً وَ إِن مَالَت بِهِ البُرُودَةُ كَانَت أَنَاتُهُ رَيباً وَ بَلَداً فَإِنِ اعتَدَلَت أَخلَاقُهُ وَ كُنّ سَوَاءً وَ استَقَامَت فِطرَتُهُ كَانَ حَازِماً فِي أَمرِهِ لَيّناً فِي عَزمِهِ حَادّاً فِي لِينِهِ مُتَأَنّياً فِي حِدّتِهِ لَا يَغلِبُهُ خُلُقٌ مِن أَخلَاقِهِ وَ لَا يَمِيلُ بِهِ مِن أَيّهَا شَاءَ استَكثَرَ
صفحه : 288
وَ مِن أَيّهَا شَاءَ أَقَلّ وَ مِن أَيّهَا شَاءَ عَدَلَ وَ يَعلَمُ كُلّ خُلُقٍ مِنهَا إِذَا عَلَا عَلَيهِ بأِيَّ شَيءٍ يَمزُجُهُ وَ يُقَوّمُهُ فَأَخلَاقُهُ كُلّهَا مُعتَدِلَةٌ كَمَا يَجِبُ أَن يَكُونَ فَمِنَ التّرَابِ قَسوَتُهُ وَ بُخلُهُ وَ حَصرُهُ وَ فَظَاظَتُهُ وَ بُرمُهُ وَ شُحّهُ وَ بَأسُهُ[يَأسُهُ] وَ قُنُوطُهُ وَ عَزمُهُ وَ إِصرَارُهُ وَ مِنَ المَاءِ كَرَمُهُ وَ مَعرُوفُهُ وَ تَوَسّعُهُ وَ سُهُولَتُهُ وَ تَوَسّلُهُ[تَرَسّلُهُ] وَ قُربُهُ وَ قَبُولُهُ وَ رَجَاؤُهُ وَ استِبشَارُهُ فَإِذَا خَافَ ذُو العَقلِ أَن يَغلِبَ عَلَيهِ أَخلَاقُ التّرَابِ وَ يَمِيلَ بِهِ أَلزَمَ كُلّ خُلُقٍ مِنهَا خُلُقاً مِن أَخلَاقِ المَاءِ يَمزُجُهُ بِهِ بِلِينِهِ يُلزِمُ القَسوَةَ اللّينَ وَ الحَصرَ التّوَسّعَ وَ البُخلَ العَطَاءَ وَ الفَظَاظَةَ الكَرَمَ وَ البَرَمَ التّرَسّلَ وَ الشّحّ السّمَاحَ وَ اليَأسَ الرّجَاءَ وَ القُنُوطَ الِاستِبشَارَ وَ العَزمَ القَبُولَ وَ الإِصرَارَ القُربَ ثُمّ مِنَ النّفسِ حِدّتُهُ وَ خِفّتُهُ وَ شَهوَتُهُ وَ لَهوُهُ وَ لَعِبُهُ وَ ضَحِكُهُ وَ سَفَهُهُ وَ خِدَاعُهُ وَ عُنفُهُ وَ خَوفُهُ وَ مِنَ الرّوحِ حِلمُهُ وَ وَقَارُهُ وَ عَفَافُهُ وَ حَيَاؤُهُ وَ بَهَاؤُهُ وَ فَهمُهُ وَ كَرَمُهُ وَ صِدقُهُ وَ رِفقُهُ وَ كِبرُهُ وَ إِذَا خَافَ ذُو العَقلِ أَن تَغلِبَ عَلَيهِ أَخلَاقُ النّفسِ وَ تَمِيلَ بِهِ أَلزَمَ كُلّ خُلُقٍ مِنهَا خُلُقاً مِن أَخلَاقِ الرّوحِ يُقَوّمُهُ بِهِ يُلزِمُ الحِدّةَ الحِلمَ وَ الخِفّةَ الوَقَارَ وَ الشّهوَةَ العَفَافَ وَ اللّعِبَ الحَيَاءَ وَ الضّحِكَ الفَهمَ وَ السّفَهَ الكَرَمَ وَ الخِدَاعَ الصّدقَ وَ العُنفَ الرّفقَ وَ الخَوفَ الصّبرَ ثُمّ بِالنّفسِ سَمِعَ ابنُ آدَمَ وَ أَبصَرَ وَ أَكَلَ وَ شَرِبَ وَ قَامَ وَ قَعَدَ وَ ضَحِكَ وَ بَكَي وَ فَرِحَ وَ حَزِنَ وَ بِالرّوحِ عَرَفَ الحَقّ مِنَ البَاطِلِ وَ الرّشدَ مِنَ الغيَّ وَ الصّوَابَ مِنَ الخَطَاءِ وَ بِهِ عَلِمَ وَ تَعَلّمَ وَ حَكَمَ وَ عَقَلَ وَ استَحيَا وَ تَكَرّمَ وَ تَفَقّهَ وَ تَفَهّمَ وَ تَحَذّرَ وَ تَقَدّمَ ثُمّ يَقرُنُ إِلَي أَخلَاقِهِ عَشَرَةَ خِصَالٍ أُخرَي الإِيمَانَ وَ الحِلمَ وَ العَقلَ وَ العِلمَ وَ العَمَلَ وَ اللّينَ وَ الوَرَعَ وَ الصّدقَ وَ الصّبرَ وَ الرّفقَ ففَيِ هَذِهِ الأَخلَاقِ العَشرِ جَمِيعُ الدّينِ كُلّهِ وَ لِكُلّ خُلُقٍ مِنهَا عَدُوّ فَعَدُوّ الإِيمَانِ الكُفرُ وَ عَدُوّ الحِلمِ الحُمقُ وَ عَدُوّ العَقلِ الغيَّ وَ عَدُوّ العِلمِ الجَهلُ وَ عَدُوّ العَمَلِ الكَسَلُ وَ عَدُوّ اللّينِ العَجَلَةُ وَ عَدُوّ الوَرَعِ الفُجُورُ
صفحه : 289
وَ عَدُوّ الصّدقِ الكَذِبُ وَ عَدُوّ الصّبرِ الجَزَعُ وَ عَدُوّ الرّفقِ العُنفُ فَإِذَا وَهَنَ الإِيمَانُ تَسَلّطَ عَلَيهِ الكُفرُ وَ تَعَبّدَهُ وَ حَالَ بَينَهُ وَ بَينَ كُلّ شَيءٍ يَرجُو مَنفَعَتَهُ وَ إِذَا صَلُبَ الإِيمَانُ وَهَنَ لَهُ الكُفرُ وَ تَعَبّدَ وَ استَكَانَ وَ اعتَرَفَ الإِيمَانَ وَ إِذَا ضَعُفَ الحِلمُ عَلَا الحُمقُ وَ حَاطَهُ وَ ذَبذَبَهُ وَ أَلبَسَهُ الهَوَانَ بَعدَ الكَرَامَةِ وَ إِذَا استَقَامَ الحِلمُ فَضَحَ الحُمقَ وَ تَبَيّنَ عَورَتَهُ وَ أَبدَي سَوأَتَهُ وَ كَشَفَ سِترَهُ وَ أَكثَرَ مَذَمّتَهُ فَإِذَا استَقَامَ اللّينُ تَكَرّمَ مِنَ الخِفّةِ وَ العَجَلَةِ وَ اطّرَدَتِ الحِدّةُ وَ ظَهَرَ الوَقَارُ وَ العَفَافُ وَ عُرِفَتِ السّكِينَةُ وَ إِذَا ضَعُفَ الوَرَعُ تَسَلّطَ عَلَيهِ الفُجُورُ وَ ظَهَرَ الإِثمُ وَ تَبَيّنَ العُدوَانُ وَ كَثُرَ الظّلمُ وَ نَزَلَ الحُمقُ وَ عُمِلَ بِالبَاطِلِ وَ إِذَا ضَعُفَ الصّدقُ كَثُرَ الكَذِبُ وَ فَشَتِ الفِريَةُ وَ جَاءَ الإِفكُ بِكُلّ وَجهِ البُهتَانِ[ وَ البُهتَانُ] وَ إِذَا حَصَلَ الصّدقُ اختَسَأَ الكَذِبُ وَ ذَلّ وَ صَمَتَ لِلإِفكِ وَ أُمِيتَتِ الفِريَةُ وَ أُهِينَ البُهتَانُ وَ دَنَا البِرّ وَ اقتَرَبَ الخَيرُ وَ طُرِدَتِ الشّرّةُ وَ إِذَا وَهَنَ الصّبرُ وَهَنَ الدّينُ وَ كَثُرَ الحُزنُ وَ رَهِقَ الجَزَعُ وَ أُمِيتَتِ الحَسَنَةُ وَ ذَهَبَ الأَجرُ وَ إِذَا صَلُبَ الصّبرُ خَلَصَ الدّينُ وَ ذَهَبَ الحُزنُ وَ أُخّرَ الجَزَعُ وَ أُحيِيَتِ الحَسَنَةُ وَ عَظُمَ الأَجرُ وَ تَبَيّنَ الحَزمُ وَ ذَهَبَ الوَهنُ وَ إِذَا تُرِكَ الرّفقُ ظَهَرَ الغِشّ وَ جَاءَتِ الفَظَاظَةُ وَ اشتَدّتِ الغِلظَةُ وَ كَثُرَ الغَشمُ وَ تُرِكَ العَدلُ وَ فَشَا المُنكَرُ وَ تُرِكَ المَعرُوفُ وَ ظَهَرَ السّفَهُ وَ رُفِضَ الحِلمُ وَ ذَهَبَ العَقلُ وَ تُرِكَ العِلمُ وَ فَتَرَ العَمَلُ وَ مَاتَ اللّينُ وَ ضَعُفَ الصّبرُ وَ غُلِبَ الوَرَعُ وَ وَهَنَ الصّدقُ وَ بَطَلَ تَعَبّدُ أَهلِ الإِيمَانِ فَمِن أَخلَاقِ العَقلِ عَشَرَةُ أَخلَاقٍ صَالِحَةٍ الحِلمُ وَ العِلمُ وَ الرّشدُ وَ العَفَافُ وَ الصّيَانَةُ وَ الحَيَاءُ وَ الرّزَانَةُ وَ المُدَاوَمَةُ عَلَي الخَيرِ وَ كَرَاهَةُ الشّرّ وَ طَاعَةُ النّاصِحِ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَخلَاقٍ صَالِحَةٍ ثُمّ يَتَشَعّبُ كُلّ[ مِن كُلّ]خُلُقٍ مِنهَا عَشرَ[عَشرُ]خِصَالٍ فَالحِلمُ يَتَشَعّبُ مِنهُ حُسنُ العَوَاقِبِ وَ المَحمَدَةُ فِي النّاسِ وَ تَشَرّفُ المَنزِلَةِ وَ السّلبُ عَنِ السّفِلَةِ وَ رُكُوبُ
صفحه : 290
الجَمِيلِ وَ صُحبَةُ الأَبرَارِ وَ الِارتِدَاعُ عَنِ الضّيعَةِ وَ الِارتِفَاعُ عَنِ الخَسَاسَةِ وَ شُهرَةُ اللّينِ وَ القُربُ مِن معَاَليِ الدّرَجَاتِ وَ يَتَشَعّبُ مِنَ العِلمِ الشّرَفُ وَ إِن كَانَ دَنِيّاً وَ العِزّ وَ إِن كَانَ مَهِيناً وَ الغِنَي وَ إِن كَانَ فَقِيراً وَ القُوّةُ وَ إِن كَانَ ضَعِيفاً وَ النّيلُ وَ إِن كَانَ حَقِيراً وَ القُربُ وَ إِن كَانَ قَصِيّاً وَ الجُودُ وَ إِن كَانَ بَخِيلًا وَ الحَيَاءُ وَ إِن كَانَ صَلِفاً وَ المَهَابَةُ وَ إِن كَانَ وَضِيعاً وَ السّلَامَةُ وَ إِن كَانَ سَفِيهاً وَ يَتَشَعّبُ مِنَ الرّشدِ السّدَادُ وَ الهُدَي وَ البِرّ وَ التّقوَي وَ العِبَادَةُ وَ القَصدُ وَ الِاقتِصَادُ وَ القَنَاعَةُ وَ الكَرَمُ وَ الصّدقُ وَ يَتَشَعّبُ مِنَ العَفَافِ الكِفَايَةُ وَ الِاستِكَانَةُ وَ المُصَادَقَةُ وَ المُرَاقَبَةُ وَ الصّبرُ وَ النّصرُ وَ اليَقِينُ وَ الرّضَا وَ الرّاحَةُ وَ التّسلِيمُ وَ يَتَشَعّبُ مِنَ الصّيَانَةِ الكَفّ وَ الوَرَعُ وَ حُسنُ الثّنَاءِ وَ التّزكِيَةُ وَ المُرُوءَةُ وَ الكَرَمُ وَ الغِبطَةُ وَ السّرُورُ وَ المَنَالَةُ وَ التّفَكّرُ وَ يَتَشَعّبُ مِنَ الحَيَاءِ اللّينُ وَ الرّأفَةُ وَ الرّحمَةُ وَ المُدَاوَمَةُ وَ البَشَاشَةُ وَ المُطَاوَعَةُ وَ ذُلّ النّفسِ وَ النّهَي وَ الوَرَعُ وَ حُسنُ الخُلُقِ وَ يَتَشَعّبُ مِنَ المُدَاوَمَةِ عَلَي الخَيرِ الصّلَاحُ وَ الِاقتِدَارُ وَ العِزّ وَ الإِخبَاتُ وَ الإِنَابَةُ وَ السّؤدَدُ وَ الأَمنُ وَ الرّضَا فِي النّاسِ وَ حُسنُ العَاقِبَةِ وَ يَتَشَعّبُ مِن كَرَاهَةِ الشّرّ حُسنُ الأَمَانَةِ وَ تَركُ الخِيَانَةِ وَ اجتِنَابُ السّوءِ وَ تَحصِينُ الفَرجِ وَ صِدقُ اللّسَانِ وَ التّوَاضُعُ وَ التّضَرّعُ لِمَن هُوَ فَوقَهُ وَ الإِنصَافُ لِمَن هُوَ دُونَهُ وَ حُسنُ الجِوَارِ وَ مُجَانَبَةُ إِخوَانِ السّوءِ وَ يَتَشَعّبُ مِنَ الرّزَانَةِ التّوَقّرُ وَ السّكُونُ وَ التأّنَيّ وَ العِلمُ وَ التّمكِينُ وَ الحُظوَةُ وَ المَحَبّةُ وَ الفَلَحُ وَ الزّكَايَةُ وَ الإِنَابَةُ وَ يَتَشَعّبُ مِن طَاعَةِ النّاصِحِ زِيَادَةُ العَقلِ وَ كَمَالُ اللّبّ وَ مَحمَدَةُ النّاسِ وَ الِامتِعَاضُ مِنَ اللّومِ وَ البُعدُ مِنَ البَطشِ وَ استِصلَاحُ الحَالِ وَ مُرَاقَبَةُ مَا هُوَ نَازِلٌ وَ الِاستِعدَادُ لِلعَدُوّ وَ الِاستِقَامَةُ عَلَي المِنهَاجِ وَ المُدَاوَمَةُ عَلَي الرّشَادِ فَهَذِهِ مِائَةُ خَصلَةٍ مِن أَخلَاقِ العَاقِلِ
بيان الصرامة بالصاد المهملة الشجاعة والحدة والعزم و في بعض النسخ
صفحه : 291
بالمعجمة من ضرم كفرح اشتد جوعه أو من ضرم عليه احتد غضبا في وجهه أي تظهر فيه و في القاموس التبلد التجلد بلد ككرم وفرح فهو بليد وأبلد و قال الحصر كالنصر والضرب التضييق وبالتحريك ضيق الصدر والبخل والعي في المنطق و قال الفظ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسي الخشن الكلام فظ بين الفظاظة والفظاظ بالكسر. قوله يلزم القسوة اللين إلخ أي يختار الوسط بينهما ويكسر سورة كل منهما بالآخر وهي العدالة المطلوبة في الأخلاق أويستعمل كلا منها في موقعه كما قال تعالي في وصف أمير المؤمنين ع وأضرابه أَذِلّةٍ عَلَي المُؤمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَي الكافِرِينَ و هوالتخلق بأخلاق رب العالمين كما قال سبحانه نَبّئ عبِاديِ أنَيّ أَنَا الغَفُورُ الرّحِيمُ وَ أَنّ عذَابيِ هُوَ العَذابُ الأَلِيمُ. والبرم التوسل أي التقرب إلي الناس أو إلي الله بالصبر علي أخلاق الناس ولعله كان بالراء و هوالاستئناس فإنه أنسب والعزم بالقبول أي إذاعزم في أمر فنصحه صادق يقبل منه والإصرار القرب أي من الله بالتوبة أوالأعم قوله وكبره أي علي أعداء الدين والظاهر صبره كمايظهر من قوله والخوف الصبر ويحتمل أن يكون التصحيف في ماسيأتي و يكون المراد بالكبر الشجاعة لمقابلة الخوف . ثم الظاهر أن المراد بالنفس في هذاالحديث الروح الحيواني وبالروح الناطقة ونسبة البرد إليها لأنه يلزم تعلقها تحرك النفس ألذي يحصل البرد بسببه وتقدم أي إلي الخير والسعادة والكمال و في القاموس الذبذبة تردد الشيء المعلق في الهواء وحماية الجوار والأهل وإيذاء الخلق والتحريك و قال تكرم عنه تنزه و قال الطرد الإبعاد و قال خسأ الكلب طرده وصمت للإفك أي عنه وشرّة الشباب بالكسر نشاطه والرزانة الوقار والارتداع الانزجار و لايبعد أن يكون مكان الضيعة الضعة كمامر في كتاب العقل و في القاموس الصلف بالتحريك التكلم بما يكرهه صاحبك
صفحه : 292
والتمدح بما ليس عندك أومجاوزة حد الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا انتهي والمنالة لعل المراد بهاالدرجة التي تنال بهاأشرف المقاصد من القرب والفوز والسعادة من النيل الإصابة والإخبات الخشوع والخضوع للرب تعالي والحظوة بالضم والكسر المكانة والمنزلة والفلح بالمهملة محركة والفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير وبالمعجمة بالفتح الظفر والفوز والاسم بالضم والزكاية النمو والطهارة و في بعض النسخ الركانة بالراء المهملة والنون وهي العلو والرفعة والوقار ولعله أصوب و في القاموس معض من الأمر كفرح غضب وشق عليه فهو ماعض ومعض وأمعضه ومعضه تمعيضا فامتعض .أقول إنما لم نعط شرح هذاالخبر حقه لأنه من الأخبار العامية المنسوبة إلي أهل الكتاب و قدمر قريب منه في كتاب العقل وشرحناه هناك بما ينفع في هذاالمقام
2- الخِصَالُ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُوسَي بنِ المُتَوَكّلِ عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي العَطّارِ عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ الأشَعرَيِّ عَنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَينِ اللؤّلؤُيِّ عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ الطاّطرَيِّ عَن سَعِيدِ بنِ مُحَمّدٍ عَن دُرُستَ عَن أَبِي الأَصبَغِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ بنُيَِ الجَسَدُ عَلَي أَربَعَةِ أَشيَاءَ الرّوحِ وَ العَقلِ وَ الدّمِ وَ النّفسِ فَإِذَا خَرَجَ الرّوحُ تَبِعَهُ العَقلُ فَإِذَا رَأَي الرّوحُ شَيئاً حَفِظَهُ عَلَيهِ العَقلُ وَ بقَيَِ الدّمُ وَ النّفسُ
بيان كأن المراد بالروح النفس الناطقة وبالعقل الحالات والصفات الحالة فيها و لابد لها منها في العلوم والإدراكات فإذافارق الروح البدن تبعتها تلك الأحوال لأنها في البرزخ لاتفارقها العلوم والمعارف بل تترقي فيها كمايظهر من الأخبار وبالنفس الروح الحيوانية فهي مع الدم الحامل لها تبقيان في البدن وتضمحلان و قوله فإذارأي الروح أي بعدمفارقة البدن والرؤية بمعني العلم أوبعين الجسد المثالي
صفحه : 293
3- الخِصَالُ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ الوَلِيدِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ الصّفّارِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ أَبِي الخَطّابِ عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ عَنِ المُفَضّلِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قِوَامُ الإِنسَانِ وَ بَقَاؤُهُ بِأَربَعَةٍ بِالنّارِ وَ النّورِ وَ الرّيحِ وَ المَاءِ فَبِالنّارِ يَأكُلُ وَ يَشرَبُ وَ بِالنّورِ يُبصِرُ وَ يَعقِلُ وَ بِالرّيحِ يَسمَعُ وَ يَشَمّ وَ بِالمَاءِ يَجِدُ لَذّةَ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ فَلَو لَا النّارُ فِي مَعِدَتِهِ لَمَا هَضَمَتِ الطّعَامَ وَ الشّرَابَ وَ لَو لَا النّورُ فِي بَصَرِهِ لَمَا أَبصَرَ وَ لَا عَقَلَ وَ لَو لَا الرّيحُ لَمَا التَهَبَت نَارُ المَعِدَةِ وَ لَو لَا المَاءُ لَم يَجِد لَذّةَ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ قَالَ وَ سَأَلتُهُ عَنِ النّيرَانِ فَقَالَ النّيرَانُ أَربَعَةٌ نَارٌ تَأكُلُ وَ تَشرَبُ وَ نَارٌ تَأكُلُ وَ لَا تَشرَبُ وَ نَارٌ تَشرَبُ وَ لَا تَأكُلُ وَ نَارٌ لَا تَأكُلُ وَ لَا تَشرَبُ فَالنّارُ التّيِ تَأكُلُ وَ تَشرَبُ فَنَارُ ابنِ آدَمَ وَ جَمِيعِ الحَيَوَانِ وَ التّيِ تَأكُلُ وَ لَا تَشرَبُ فَنَارُ الوَقُودِ وَ التّيِ تَشرَبُ وَ لَا تَأكُلُ فَنَارُ الشّجَرَةِ وَ التّيِ لَا تَأكُلُ وَ لَا تَشرَبُ فَنَارُ القَدّاحَةِ وَ الحُبَاحِبِ
بيان فبالنار يأكل ويشرب أي بالحرارة الغريزية التي تتولد من النار ويسمونها نار الله والمراد بالنور إما نور البصر أوالأعم منه و من سائر القوي والمشاعر فإن النور مايصير سببا لظهور الأشياء كماعرفت مرارا وبالريح يسمع ويشم لأن الهواء حامل للصوت والكيفيات المشمومة وبالماء يجد لذة الطعام والشراب أي الماء ألذي في الفم فإنه الموصل للكيفيات المذوقة إلي الذائقة كمامر فلو لاالنار في معدته أي الحرارة المفرطة فنار ابن آدم أي الحرارة الغريزية فإنها الداعية إلي الأكل والشرب وتحيل المأكول والمشروب فنار الوقود أي النيران التي توقدها الناس فإنها تأكل الحطب و كل ماتقع فيه أي تحيلها وتكسرها و لاتشرب لأن الماء غالبا يطفئها والتي تشرب و لاتأكل فنار الشجرة أي النار التي توري من الشجر الأخضر كمامر في تفسير قوله تعالي ألّذِي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشّجَرِ الأَخضَرِ ناراًفإنها تشرب الماء ألذي يسقي الشجر و لاتأكل أي لايحيل شيئا ترد عليه بحرارتها
صفحه : 294
و قدمر الكلام فيها و في القاموس قدح بالزند رام الإيراء به كاقتدح والمقدح والقداح والمقداح حديدته والقداح والقداحة حجره و قال الجوهري الحباحب اسم رجل بخيل كان لايوقد إلانارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بهاالمثل حتي قالوا نار الحباحب لماتقدحه الخيل بحوافرها انتهي ولعل المعني أنها لماكانت تخرج من بين الحديد والحجر و لاينفذ الماء فيهما و لايحيلان شيئا فكأنهما لاتأكل و لاتشرب و قدمر الكلام فيه من باب النار
4- العُيُونُ، عَن هاَنيِ بنِ مُحَمّدِ بنِ مَحمُودٍ العبَديِّ عَن أَبِيهِ بِإِسنَادِهِ رَفَعَهُ أَنّ مُوسَي بنَ جَعفَرٍ ع دَخَلَ عَلَي الرّشِيدِ فَقَالَ لَهُ الرّشِيدُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ أخَبرِنيِ عَنِ الطّبَائِعِ الأَربَعِ فَقَالَ مُوسَي ع أَمّا الرّيحُ فَإِنّهُ مَلِكٌ يُدَارَي وَ أَمّا الدّمُ فَإِنّهُ عَبدٌ عَارِمٌ وَ رُبّمَا قَتَلَ العَبدُ مَولَاهُ وَ أَمّا البَلغَمُ فَإِنّهُ خَصمٌ جَدِلٌ إِن سَدَدتَهُ مِن جَانِبٍ انفَتَحَ مِن آخَرَ وَ أَمّا المِرّةُ فَإِنّهَا أَرضٌ إِذَا اهتَزّت رَجَفَت بِمَا فَوقَهَا فَقَالَ لَهُ هَارُونُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ تُنفِقُ عَلَي النّاسِ مِن كُنُوزِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ
بيان يحتمل أن يكون المراد بالريح المرة الصفراء لحدتها ولطافتها وسرعة تأثيرها فينبغي أن يداري لئلا تغلب وتهلك أوالمراد بهاالروح الحيوانية وبالمرة الصفراء والسوداء معا فإنه تطلق عليهما المرة فيكون اصطلاحا آخر في الطبائع وتقسيما آخر لها والعارم سيئ الخلق الشديد يقال عرم الصبي علينا أي أشر ومرح أوبطر أوفسد ولعل المعني أنه خادم للبدن نافع له لكن ربما كانت غلبته سببا للهلاك فينبغي أن يصلح و يكون الإنسان علي حذر منه فإنه خصم جدل كناية عن بطء علاجه وعدم اندفاعه بسهولة إذااهتزت أي غلبت وتحركت رجفت بما فوقها كما في حمي النائبة من الغب والربع وغيرهما فإنها تزلزل البدن وتحركها ورأيت مثل هذاالكلام في كتب الأطباء والحكماء الأقدمين
صفحه : 295
5- العُيُونُ، وَ العِلَلُ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن أَحمَدَ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ البرَقيِّ عَن غَيرِ وَاحِدٍ عَن أَبِي طَاهِرِ بنِ أَبِي حَمزَةَ عَن أَبِي الحَسَنِ الرّضَا ع قَالَ الطّبَائِعُ أَربَعٌ فَمِنهُنّ البَلغَمُ وَ هُوَ خَصمٌ جَدِلٌ وَ مِنهُنّ الدّمُ وَ هُوَ عَبدٌ وَ رُبّمَا قَتَلَ العَبدُ سَيّدَهُ وَ مِنهُنّ الرّيحُ وَ هُوَ مَلِكٌ يُدَارَي وَ مِنهُنّ المِرّةُ وَ هَيهَاتَ وَ هَيهَاتَ هيَِ الأَرضُ إِذَا ارتَجّت ارتَجّت بِمَا عَلَيهَا
6-العِلَلُ، عَن عَلِيّ بنِ أَحمَدَ عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ الكوُفيِّ عَن مُوسَي بنِ عِمرَانَ النخّعَيِّ عَن عَمّهِ الحُسَينِ بنِ يَزِيدَ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ أَبِي زِيَادٍ السكّوُنيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع إِنّمَا صَارَ الإِنسَانُ يَأكُلُ وَ يَشرَبُ بِالنّارِ وَ يُبصِرُ وَ يَعمَلُ بِالنّورِ وَ يَسمَعُ وَ يَشَمّ بِالرّيحِ وَ يَجِدُ لَذّةَ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ بِالمَاءِ وَ يَتَحَرّكُ بِالرّوحِ وَ لَو لَا أَنّ النّارَ فِي مَعِدَتِهِ مَا هُضِمَت أَو قَالَ حُطِمَتِ الطّعَامُ وَ الشّرَابُ فِي جَوفِهِ وَ لَو لَا الرّيحُ مَا التَهَبَت نَارُ المَعِدَةِ وَ لَا خَرَجَ الثّفلُ مِن بَطنِهِ وَ لَو لَا الرّوحُ مَا تَحَرّكَ وَ لَا جَاءَ وَ لَا ذَهَبَ وَ لَو لَا بَردُ المَاءِ لَاحتَرَقَهُ نَارُ المَعِدَةِ وَ لَو لَا النّورُ مَا أَبصَرَ وَ لَا عَقَلَ فَالطّينُ صُورَتُهُ وَ العَظمُ فِي جَسَدِهِ بِمَنزِلَةِ الشّجَرِ فِي الأَرضِ وَ الدّمُ فِي جَسَدِهِ بِمَنزِلَةِ المَاءِ فِي الأَرضِ وَ لَا قِوَامَ لِلأَرضِ إِلّا بِالمَاءِ وَ لَا قِوَامَ لِجَسَدِ الإِنسَانِ إِلّا بِالدّمِ وَ المُخّ دَسَمُ الدّمِ وَ زُبدُهُ فَهَكَذَا الإِنسَانُ خُلِقَ مِن شَأنِ الدّنيَا وَ شَأنِ الآخِرَةِ فَإِذَا جَمَعَ اللّهُ بَينَهُمَا صَارَت حَيَاتُهُ فِي الأَرضِ لِأَنّهُ نَزَلَ مِن شَأنِ السّمَاءِ إِلَي الدّنيَا فَإِذَا فَرّقَ اللّهُ بَينَهُمَا صَارَت تِلكَ الفُرقَةُ المَوتَ تَرُدّ شَأنَ الأُخرَي إِلَي السّمَاءِ فَالحَيَاةُ فِي الأَرضِ وَ المَوتُ فِي السّمَاءِ
صفحه : 296
وَ ذَلِكَ أَنّهُ يُفَرّقُ بَينَ الأَروَاحِ وَ الجَسَدِ فَرُدّتِ الرّوحُ وَ النّورُ إِلَي القُدرَةِ الأُولَي وَ تُرِكَ الجَسَدُ لِأَنّهُ مِن شَأنِ الدّنيَا وَ إِنّمَا فَسَدَ الجَسَدُ فِي الدّنيَا لِأَنّ الرّيحَ تُنَشّفُ المَاءَ فَيَيبَسُ فَيَبقَي الطّينُ فَيَصِيرُ رُفَاتاً وَ يَبلَي وَ يَرجِعُ كُلّ إِلَي جَوهَرِهِ الأَوّلِ وَ تَحَرّكَتِ الرّوحُ بِالنّفسِ حَرَكَتَهَا مِنَ الرّيحِ فَمَا كَانَ مِن نَفسِ المُؤمِنِ فَهُوَ نُورٌ مُؤَيّدٌ بِالعَقلِ وَ مَا كَانَ مِن نَفسِ الكَافِرِ فَهُوَ نَارٌ مُؤَيّدٌ بِالنّكرَاءِ فَهَذِهِ صُورَةُ نَارٍ وَ هَذِهِ صُورَةُ نُورٍ وَ المَوتُ رَحمَةٌ مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ وَ نَقِمَةٌ عَلَي الكَافِرِينَ وَ لِلّهِ عُقُوبَتَانِ إِحدَاهُمَا مِن أَمرِ الرّوحِ وَ الأُخرَي تَسلِيطُ بَعضِ النّاسِ عَلَي بَعضٍ فَمَا كَانَ مِن قِبَلِ الرّوحِ فَهُوَ السّقمُ وَ الفَقرُ وَ مَا كَانَ مِن تَسلِيطٍ فَهُوَ النّقِمَةُ وَ ذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَيوَ كَذلِكَ نوُلَيّ بَعضَ الظّالِمِينَ بَعضاً بِما كانُوا يَكسِبُونَ مِنَ الذّنُوبِ فَمَا كَانَ مِن ذَنبِ الرّوحِ مِن ذَلِكَ سُقمٌ وَ فَقرٌ وَ مَا كَانَ مِن تَسلِيطٍ فَهُوَ النّقِمَةُ وَ كُلّ ذَلِكَ لِلمُؤمِنِ عُقُوبَةٌ لَهُ فِي الدّنيَا وَ عَذَابٌ لَهُ فِيهَا وَ أَمّا الكَافِرُ فَنَقِمَةٌ عَلَيهِ فِي الدّنيَا وَ سُوءُ العَذَابِ فِي الآخِرَةِ وَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلّا بِذَنبٍ وَ الذّنبُ مِنَ الشّهوَةِ وَ هيَِ مِنَ المُؤمِنِ خَطَأٌ وَ نِسيَانٌ وَ أَن يَكُونَ مُستَكرَهاً وَ مَا لَا يُطِيقُ وَ مَا كَانَ فِي الكَافِرِ فَعَمدٌ وَ جُحُودٌ وَ اعتِدَاءٌ وَ حَسَدٌ وَ ذَلِكَ قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّكُفّاراً حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِم
بيان أو قال الترديد من الراوي والحطم الكسر و لو لاالريح أي التي تدخل المعدة مع الطعام والشراب أوالمتولدة في المعدة أوالالتهاب من الأولي وخروج الثفل من الثانية كماذكر الأطباء أن الرياح المتولدة فيهاتعين علي إحدار الثفل فالطين صورته أي مادته التي تقبل صورته و قال الفيروزآبادي وتستعمل الصورة بمعني النوع والصفة خلق من شأن الدنيا أي البدن وشأن الآخرة أي الروح فإذاجمع الله بينهما أي بين النشأتين صارت حياته في الأرض أي تعلقت روحه السماوية
صفحه : 297
بالجسد الأرضي فتدخل فيه علي الجسمية أوتظهر آثارها في الأرض بتوسط البدن علي التجرد ترد شأن الآخرة أي الروح إلي السماء فالحياة في الأرض أي بسبب كون الروح أوتعلقها في الأرض والموت في السماء أي بسبب عروج الروح إلي السماء أوالروح في حال الحياة في الأرض و بعدالموت في السماء فردت الروح والنور إلي القدرة الأولي أي إلي عالم الأرواح التي هي أولي مخلوقاته تعالي و في بعض النسخ إلي القدس الأولي أي إلي عوالم القدس الأولي ويرجع كل أي من العناصر إلي جوهره الأول قبل الامتزاج أو كل من الروح والبدن إلي الجوهر الأول وتحركت الروح بالنفس كأن المراد بالروح هنا الحيوانية وبالنفس الناطقة أي عندالموت تتحرك الروح إلي السماء بسبب حركة النفس أوقطع تعلقها كحركة الروح في حال الحياة في البدن من الريح التي هي النفس أوالمراد حركتها في حال الحياة أي الروح الحيوانية إنما تتحرك وتجري في مجاري البدن بسبب النفس حركتها التي بسبب الريح والتنفس ويمكن أن يقرأ بالنفس بالتحريك أي حركة الروح الحيوانية تابعة للنفس كما أن النفس وتحركه تابع للريح فيرتكب تأويل في تأنيث الضمير كالأنفاس ونحوه و علي هذايحتمل وجها آخر بأن يكون المراد خروج الحيوانية بالنفس وخروجه كحركة الروح بالريح إلي السماء بعدخروجها والروح في قوله فردت الروح يمكن أيضا حملها علي الحيوانية فالمراد بالنور الناطقة ويدل عليه قوله فهو نور مؤيد بالعقل و إذاحملناها علي الناطقة فالمراد بالنور كمالاتها وعلمها وإدراكاتها والأول في أكثر أجزاء الخبر أظهر والنكراء بالفتح الحيل والخداع والفطنة في الباطل قال في القاموس النكر والنكارة والنكراء والنكر بالضم الدهاء والفتنة والمنكر و قدمر في الحديث أنها شبهة بالعقل وليست به . قوله إحداهما من الروح أي مايصيب روحه من الآلام الجسمانية والروحانية
صفحه : 298
بلا توسط أحد والأخري مايصيبه بسبب تسلط الغير عليه فهو النقمة أي ينتقم الله منه بغيره وعقوبة المؤمن منحصرة فيهما و أماالكافر فيجتمع عليه عقاب الدنيا وعذاب الآخرة ويحتمل أن تكون أن مخففة و كان المعني إنما يفعله باستكراه الشهوة وعدم طاقته لمقاومتها لعسر تركها عليه لابسبب اختياره وخروجه عن التكليف و أماالكافر فيفعلها عمدا واعتداء واستهانة بأمر الله ونهيه كماورد في خبر آخر فإذاوقع الاستخفاف فهو الكفر.حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِمالآية في سورة البقرة هكذاوَدّ كَثِيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ لَو يَرُدّونَكُم مِن بَعدِ إِيمانِكُم كُفّاراً حَسَداً قال البيضاوي علة ودمِن عِندِ أَنفُسِهِميجوز أن يتعلق بود أي تمنوا ذلك من عندأنفسهم وتشهيهم لا من قبل التدين والميل مع الحق أوبحسدا أي حسدا بالغا منبعثا من أصل نفوسهم انتهي وظاهر الخبر أن الاستشهاد بقوله مِن عِندِ أَنفُسِهِم أي باختيارهم لاباستكراه واضطرار وخطإ ونسيان فيدل علي أن المؤمن لايرتكب المعصية إلا علي أحد هذه الوجوه فالمراد بالمؤمن الكامل و هو ألذي لايخاف عليه العذاب في الآخرة و علي ماأولنا يشمل غيره أيضا و لايخفي ما في الخبر من التشويش وكأنه من الرواة و هو مع ذلك مشتمل علي رموز خفية وأسرار غيبية وحكم ربانية وحقائق إيمانيةلِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَي السّمعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ
7-العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ الوَلِيدِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ الصّفّارِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَنِ الحَسَنِ بنِ مَحبُوبٍ عَن عَمرِو بنِ أَبِي المِقدَامِ عَن جَابِرٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي لَمّا أَحَبّ أَن يَخلُقَ خَلقاً بِيَدِهِ وَ ذَلِكَ بَعدَ مَا مَضَي مِنَ الجِنّ وَ النّسنَاسِ فِي الأَرضِ سَبعَةُ آلَافِ سَنَةٍ قَالَ وَ لَمّا كَانَ مِن شَأنِ اللّهِ أَن يَخلُقَ آدَمَ للِذّيِ أَرَادَ مِنَ التّدبِيرِ وَ التّقدِيرِ لِمَا هُوَ مُكَوّنُهُ فِي السّمَاوَاتِ وَ الأَرضِ وَ عِلمِهِ لَمّا أَرَادَ مِن ذَلِكَ كُلّهِ كَشَطَ عَن أَطبَاقِ السّمَاوَاتِ ثُمّ قَالَ لِلمَلَائِكَةِ انظُرُوا إِلَي أَهلِ
صفحه : 299
الأَرضِ مِن خلَقيِ مِنَ الجِنّ وَ النّسنَاسِ فَلَمّا رَأَوا مَا يَعمَلُونَ فِيهَا مِنَ المعَاَصيِ وَ سَفكِ الدّمَاءِ وَ الفَسَادِ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقّ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيهِم وَ غَضِبُوا لِلّهِ وَ أَسِفُوا عَلَي أَهلِ الأَرضِ وَ لَم يَملِكُوا غَضَبَهُم أَن قَالُوا يَا رَبّ أَنتَ العَزِيزُ القَادِرُ الجَبّارُ القَاهِرُ العَظِيمُ الشّأنِ وَ هَذَا خَلقُكَ الضّعِيفُ الذّلِيلُ فِي أَرضِكَ يَتَقَلّبُ فِي قَبضَتِكَ وَ يَعِيشُونَ بِرِزقِكَ وَ يَستَمتِعُونَ بِعَافِيَتِكَ وَ هُم يَعصُونَكَ بِمِثلِ هَذِهِ الذّنُوبِ العِظَامِ لَا تَأسَفُ وَ لَا تَغضَبُ وَ لَا تَنتَقِمُ لِنَفسِكَ لِمَا تَسمَعُ مِنهُم وَ تَرَي وَ قَد عَظُمَ ذَلِكَ عَلَينَا وَ أَكبَرنَاهُ فِيكَ فَلَمّا سَمِعَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ مِنَ المَلَائِكَةِ قَالَإنِيّ جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً لِي عَلَيهِم فَيَكُونُ حَجّةً لِي عَلَيهِم فِي أرَضيِ عَلَي خلَقيِ فَقَالَتِ المَلَائِكَةُ سُبحَانَكَأَ تَجعَلُ فِيها مَن يُفسِدُ فِيها وَ يَسفِكُ الدّماءَ وَ نَحنُ نُسَبّحُ بِحَمدِكَ وَ نُقَدّسُ لَكَقَالُوا فَاجعَلهُ مِنّا فَإِنّا لَا نُفسِدُ فِي الأَرضِ وَ لَا نَسفِكُ الدّمَاءَ قَالَ اللّهُ جَلّ جَلَالُهُ يَا ملَاَئكِتَيِإنِيّ أَعلَمُ ما لا تَعلَمُونَإنِيّ أُرِيدُ أَن أَخلُقَ خَلقاً بيِدَيِ أَجعَلُ ذُرّيّتَهُ أَنبِيَاءَ مُرسَلِينَ وَ عِبَاداً صَالِحِينَ وَ أَئِمّةً مُهتَدِينَ أَجعَلُهُم خلُفَاَئيِ عَلَي خلَقيِ فِي أرَضيِ يَنهَونَهُم عَن معَاَصيِّ وَ يُنذِرُونَهُم عذَاَبيِ وَ يَهدُونَهُم إِلَي طاَعتَيِ وَ يَسلُكُونَ بِهِم طَرِيقَ سبَيِليِ وَ أَجعَلُهُم حُجّةً لِيعُذراً أَو نُذراً وَ أُبِينُ النّسنَاسَ مِن أرَضيِ فَأُطَهّرُهَا مِنهُم وَ أَنقُلُ مَرَدَةَ الجِنّ العُصَاةَ عَن برَيِتّيِ وَ خلَقيِ وَ خيِرَتَيِ وَ أُسكِنُهُم فِي الهَوَاءِ وَ فِي أَقطَارِ الأَرضِ لَا يُجَاوِرُونَ نَسلَ خلَقيِ وَ أَجعَلُ بَينَ الجِنّ وَ بَينَ خلَقيِ حِجَاباً وَ لَا يَرَي نَسلُ خلَقيِ الجِنّ وَ لَا يُؤَانِسُونَهُم وَ لَا يُخَالِطُونَهُم فَمَن عصَاَنيِ مِن نَسلِ خلَقيَِ الّذِينَ اصطَفَيتُهُم لنِفَسيِ أَسكَنتُهُم مَسَاكِنَ العُصَاةِ وَ أَورَدتُهُم مَوَارِدَهُم وَ لَا أبُاَليِ
صفحه : 300
فَقَالَتِ المَلَائِكَةُ يَا رَبّنَا افعَل مَا شِئتَلا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلّمتَنا إِنّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ فَقَالَ اللّهُ جَلّ جَلَالُهُ لِلمَلَائِكَةِإنِيّ خالِقٌ بَشَراً مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنُونٍ فَإِذا سَوّيتُهُ وَ نَفَختُ فِيهِ مِن روُحيِ فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ وَ كَانَ ذَلِكَ مِن أَمرِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ تَقَدّمَ إِلَي المَلَائِكَةِ فِي آدَمَ مِن قَبلِ أَن يَخلُقَهُ احتِجَاجاً مِنهُ عَلَيهِم قَالَ فَاغتَرَفَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي غُرفَةً مِنَ المَاءِ العَذبِ الفُرَاتِ فَصَلصَلَهَا فَجَمَدَت ثُمّ قَالَ لَهَا مِنكِ أَخلُقُ النّبِيّينَ وَ المُرسَلِينَ وَ عبِاَديَِ الصّالِحِينَ وَ الأَئِمّةَ المُهتَدِينَ الدّعَاةَ إِلَي الجَنّةِ وَ أَتبَاعَهُم إِلَي يَومِ القِيَامَةِ وَ لَا أبُاَليِ وَ لَا أُسأَلُ عَمّا أَفعَلُوَ هُم يُسئَلُونَيعَنيِ بِذَلِكَ خَلقَهُ أَنّهُ سَيَسأَلُهُم ثُمّ اغتَرَفَ غُرفَةً مِنَ المَاءِ المَالِحِ الأُجَاجِ فَصَلصَلَهَا فَجَمَدَت ثُمّ قَالَ لَهَا مِنكِ أَخلُقُ الجَبّارِينَ وَ الفَرَاعِنَةَ وَ العُتَاةَ إِخوَانَ الشّيَاطِينِ وَ الدّعَاةَ إِلَي النّارِ يَومَ القِيَامَةِ وَ أَتبَاعَهُم وَ لَا أبُاَليِ وَ لَا أُسأَلُ عَمّا أَفعَلُوَ هُم يُسئَلُونَ قَالَ وَ شَرَطَ فِي ذَلِكَ البَدَاءَ وَ لَم يَشتَرِط فِي أَصحَابِ اليَمِينِ البَدَاءَ ثُمّ خَلَطَ المَاءَينِ فَصَلصَلَهُمَا ثُمّ أَلقَاهُمَا قُدّامَ عَرشِهِ وَ هُمَا ثُلّةٌ مِن طِينٍ ثُمّ أَمَرَ المَلَائِكَةَ الأَربَعَةَ الشّمَالَ وَ الدّبُورَ وَ الصّبَا وَ الجَنُوبَ أَن جَوّلُوا عَلَي هَذِهِ السّلَالَةِ الطّينِ وَ أَبرِءُوهَا وَ أَنشِئُوهَا ثُمّ جَزّءُوهَا وَ فَصّلُوهَا وَ أَجرُوا فِيهَا الطّبَائِعَ الأَربَعَةَ الرّيحَ وَ المِرّةَ وَ الدّمَ وَ البَلغَمَ قَالَ فَجَالَتِ المَلَائِكَةُ عَلَيهَا وَ هيَِ الشّمَالُ وَ الصّبَا وَ الجَنُوبُ وَ الدّبُورُ فَأَجرَوا فِيهَا الطّبَائِعَ الأَربَعَةَ قَالَ وَ الرّيحُ فِي الطّبَائِعِ الأَربَعَةِ فِي البَدَنِ مِن نَاحِيَةِ الشّمَالِ قَالَ وَ البَلغَمُ فِي الطّبَائِعِ الأَربَعَةِ فِي البَدَنِ مِن نَاحِيَةِ الصّبَا قَالَ وَ المِرّةُ فِي الطّبَائِعِ الأَربَعَةِ فِي البَدَنِ مِن نَاحِيَةِ الدّبُورِ قَالَ وَ الدّمُ فِي الطّبَائِعِ الأَربَعَةِ فِي البَدَنِ مِن نَاحِيَةِ الجَنُوبِ قَالَ فَاستَقَلّتِ النّسَمَةُ وَ كَمَلَ البَدَنُ قَالَ فَلَزِمَهُ
صفحه : 301
مِن نَاحِيَةِ الرّيحِ حُبّ الحَيَاةِ وَ طُولُ الأَمَلِ وَ الحِرصُ وَ لَزِمَهُ مِن نَاحِيَةِ البَلغَمِ حُبّ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ وَ اللّينُ وَ الرّفقُ وَ لَزِمَهُ مِن نَاحِيَةِ المِرّةِ الغَضَبُ وَ السّفَهُ وَ الشّيطَنَةُ وَ التّجَبّرُ وَ التّمَرّدُ وَ العَجَلَةُ وَ لَزِمَهُ مِن نَاحِيَةِ الدّمِ حُبّ النّسَاءِ وَ اللّذّاتِ وَ رُكُوبُ المَحَارِمِ وَ الشّهَوَاتِ قَالَ عَمرٌو أخَبرَنَيِ جَابِرٌ أَنّ أَبَا جَعفَرٍ ع قَالَ وَجَدنَاهُ فِي كِتَابٍ مِن كُتُبِ عَلِيّ ع
تفسير علي بن ابراهيم ، عن أبيه عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن ثابت الحداد عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع مثله بأدني تغيير و قدأوردناه بلفظ التفسير في باب خلق آدم ع بيان لما هومكونه متعلق بالتقدير والتدبير علي التنازع وعلمه معطوف علي ألذي أو علي شأن الله أوعلمه بصيغة الماضي عطفا علي هومكونه و لماأراد بالتشديد تأكيد لقوله لماأحب لبعد العهد بين الشرط والجزاء و قال الجوهري كشطت الجل عن ظهر الفرس والغطاء عن الشيء إذاكشفته عنه و في المصباح أسف غضب وزنا ومعني أن قالوا أي إلي أن قالوا و أن ليس في التفسير و فيه يتقلبون و هوأظهر و ماهنا لرعاية إفراد لفظ الخلق و فيه خليفة يكون حجة لي في أرضي علي خلقي بيدي أي بقدرتي وأبين النسناس أي أخرجهم و في بعض النسخ أبير أي أهلك و في التفسير أبيد بمعناه والمردة جمع المارد و هوالعاتي و في الصحاح الصلصال الطين الحر خلط بالرمل فصار يتصلصل إذاجف والحمأ الطين الأسود والمسنون المتغير المنتن و قال ثلة البئر ماأخرج من ترابها والثلة بالضم الجماعة من الناس انتهي و في التفسير سلالة من طين وسلالة الشيء مااستل منه أن جولوا من الجولان و في التفسير أن يجولوا وابروها من البري بمعني النحت أوبالهمز أي اجعلوها مستعدة لأن أبرأها وأنشئها مجازا والبر التراب ويمكن
صفحه : 302
أن يكون من التأبير و في القاموس أبر النخل والزرع كأبره أصلحه ولعل المراد بالريح المرة الصفراء وبالمرة السوداء كمامر أوبالعكس أوالمراد بالريح الروح الحيواني وبالمرة المرتان و في التفسير الصغير لعلي بن ابراهيم وأجروا فيهاالطبائع الأربع المرتين والدم والبلغم إلي قوله فالدم من ناحية الصبا والبلغم من ناحية الشمال والمرة الصفراء من ناحية الجنوب والمرة السوداء من ناحية الدبور
8-العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُوسَي بنِ المُتَوَكّلِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ الحمِيرَيِّ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَنِ الحَسَنِ بنِ مَحبُوبٍ عَن بَعضِ أَصحَابِنَا رَفَعَهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع عِرفَانُ المَرءِ نَفسَهُ أَن يَعرِفَهَا بِأَربَعِ طَبَائِعَ وَ أَربَعِ دَعَائِمَ وَ أَربَعَةِ أَركَانٍ وَ طَبَائِعُهُ الدّمُ وَ المِرّةُ وَ الرّيحُ وَ البَلغَمُ وَ دَعَائِمُهُ العَقلُ وَ مِنَ العَقلِ الفِطنَةُ وَ الفَهمُ وَ الحِفظُ وَ العِلمُ وَ أَركَانُهُ النّورُ وَ النّارُ وَ الرّوحُ وَ المَاءُ فَأَبصَرَ وَ سَمِعَ وَ عَقَلَ بِالنّورِ وَ أَكَلَ وَ شَرِبَ بِالنّارِ وَ جَامَعَ وَ تَحَرّكَ بِالرّوحِ وَ وَجَدَ طَعمَ الذّوقِ وَ الطّعمِ بِالمَاءِ فَهَذَا تَأسِيسُ صُورَتِهِ فَإِذَا كَانَ عَالِماً حَافِظاً ذَكِيّاً فَطِناً فَهِماً عَرَفَ فِي مَا هُوَ وَ مِن أَينَ تَأتِيهِ الأَشيَاءُ وَ لأِيَّ شَيءٍ هُوَ هَاهُنَا وَ لِمَا هُوَ صَائِرٌ بِإِخلَاصِ الوَحدَانِيّةِ وَ الإِقرَارِ بِالطّاعَةِ وَ قَد جَرَي فِيهِ النّفسُ وَ هيَِ حَارّةٌ وَ تجَريِ فِيهِ وَ هيَِ بَارِدَةٌ فَإِذَا حَلّت بِهِ الحَرَارَةُ أَشِرَ وَ بَطِرَ وَ ارتَاحَ وَ قَتَلَ وَ سَرَقَ وَ نَصَحَ وَ استَبشَرَ وَ فَجَرَ وَ زَنَي وَ اهتَزّ وَ بَذَخَ وَ إِذَا كَانَت بَارِدَةً اهتَمّ وَ حَزِنَ وَ استَكَانَ وَ ذَبُلَ وَ نسَيَِ وَ أَيِسَ فهَيَِ العَوَارِضُ التّيِ تَكُونُ مِنهَا الأَسقَامُ فَإِنّهُ سَبِيلُهَا وَ لَا يَكُونُ أَوّلُ ذَلِكَ إِلّا لِخَطِيئَةٍ عَمِلَهَا فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَأكَلٌ أَو مَشرَبٌ فِي إِحدَي سَاعَاتٍ لَا تَكُونُ تِلكَ السّاعَةُ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ المَأكَلِ وَ المَشرَبِ بِحَالِ الخَطِيئَةِ فَيَستَوجِبُ الأَلَمَ مِن أَلوَانِ الأَسقَامِ وَ قَالَ جَوَارِحُ الإِنسَانِ وَ عُرُوقُهُ وَ أَعضَاؤُهُ جُنُودٌ لِلّهِ
صفحه : 303
مُجَنّدَةٌ عَلَيهِ فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ سُقماً سَلّطَهَا عَلَيهِ فَأَسقَمَهُ مِن حَيثُ يُرِيدُ بِهِ ذَلِكَ السّقمَ
بيان قوله والفهم عطف علي العقل أوعد العقل أربعا باعتبار شعبه والأول أظهر و قال الراغب في مفرداته النور الضوء المنتشر ألذي يعين علي الإبصار و ذلك ضربان دنيوي وأخروي فالدنيوي ضربان ضرب معقول بعين البصيرة و هو ماانتشر من الأمور الإلهية كنور العقل ونور القرآن ومحسوس بعين البصر و هو ماانتشر من الأجسام النيرة كالقمر والنجوم والنيران فمن النور الإلهي قوله عز و جل قَد جاءَكُم مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ و قال وَ جَعَلنا لَهُ نُوراً يمَشيِ بِهِ فِي النّاسِ و قال وَ لكِن جَعَلناهُ نُوراً نهَديِ بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا و قال فَهُوَ عَلي نُورٍ مِن رَبّهِ و قال نُورٌ عَلي نُورٍ يهَديِ اللّهُ لِنُورِهِ مَن يَشاءُ ثم قال و من النور الأخروي قوله يَسعي نُورُهُم بَينَ أَيدِيهِم و قوله انظُرُونا نَقتَبِس مِن نُورِكُم وسمي الله نفسه نورا فقال اللّهُ نُورُ السّماواتِ وَ الأَرضِانتهي .عرف في ما هو أي فناء الدنيا ودناءتها وأحوال نفسه وضعفه وعجزه و من أين تأتيه الأشياء أي يؤمن بالقضاء والقدر ويعلم أسباب الخير والشر والسعادة والشقاوة ولأي شيء هوهاهنا أي في الدنيا للمعرفة والطاعة و إلي ما هوصائر من الآخرة و قوله بإخلاص الطاعة إما حال عن فاعل عرف أي متلبسا به أومتعلق بصائر أي يعلم أن مصيره إلي الجنة إذاأخلص الوحدانية أومتعلق بالمعرفة علة لها
صفحه : 304
والارتياح النشاط والبذخ الكبر بذخ كفرح وذبل ذوي وضمر بحال الخطيئة أي تلك الموافقة بسبب الخطيئة و قال الجوهري الجند الأنصار والأعوان وفلان جنّد الجنود
9- العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُوسَي البرَقيِّ عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ مَاجِيلَوَيهِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ البرَقيِّ عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ عَن بَعضِ أَصحَابِهِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ لِرَجُلٍ اعلَم يَا فُلَانُ إِنّ مَنزِلَةَ القَلبِ مِنَ الجَسَدِ بِمَنزِلَةِ الإِمَامِ مِنَ النّاسِ الوَاجِبِ الطّاعَةِ عَلَيهِم أَ لَا تَرَي أَنّ جَمِيعَ جَوَارِحِ الجَسَدِ شُرَطٌ لِلقَلبِ وَ تَرَاجِمَةٌ لَهُ مُؤَدّيَةٌ عَنهُ الأُذُنَانِ وَ العَينَانِ وَ الأَنفُ وَ الفَمُ وَ اليَدَانِ وَ الرّجلَانِ وَ الفَرجُ فَإِنّ القَلبَ إِذَا هَمّ بِالنّظَرِ فَتَحَ الرّجُلُ عَينَيهِ وَ إِذَا هَمّ بِالِاستِمَاعِ حَرّكَ أُذُنَيهِ وَ فَتَحَ مَسَامِعَهُ فَسَمِعَ وَ إِذَا هَمّ القَلبُ بِالشّمّ استَنشَقَ بِأَنفِهِ فَأَدّي تِلكَ الرّائِحَةَ إِلَي القَلبِ وَ إِذَا هَمّ بِالنّطقِ تَكَلّمَ بِاللّسَانِ وَ إِذَا هَمّ بِالحَرَكَةِ سَعَتِ الرّجلَانِ وَ إِذَا هَمّ بِالشّهوَةِ تَحَرّكَ الذّكَرُ فَهَذِهِ كُلّهَا مُؤَدّيَةٌ عَنِ القَلبِ بِالتّحرِيكِ وَ كَذَلِكَ ينَبغَيِ الإِمَامَ[لِلإِمَامِ] أَن يُطَاعَ لِلأَمرِ مِنهُ
بيان الشرط كصرد طائفة من أعوان الولاة
10- العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ الوَلِيدِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ الصّفّارِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ أَبِي نَصرٍ البزَنَطيِّ عَن أَبِي جَمِيلَةَ عَمّن ذَكَرَهُ عَن أَبِي جَعفَرٍ ع قَالَ إِنّ الغِلظَةَ فِي الكَبِدِ وَ الحَيَاءَ فِي الرّيحِ وَ العَقلَ مَسكَنُهُ القَلبُ
11-الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَنِ ابنِ أَبِي نَصرٍ وَ الحَسَنِ بنِ
صفحه : 305
فَضّالٍ عَن أَبِي جَمِيلَةَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ الحَزمُ فِي القَلبِ وَ الرّحمَةُ وَ الغِلظَةُ فِي الكَبِدِ وَ الحَيَاءُ فِي الرّئَةِ وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ لأِبَيِ جَمِيلَةَ العَقلُ مَسكَنُهُ فِي القَلبِ
بيان الحزم ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة ونسبته إلي القلب إما لأن المراد بالقلب النفس و هوظاهر وإما لأن لقوة القلب مدخلا في حسن التدبير والرحمة والغلظة منسوبتان إلي الأخلاط المتولدة في الكبد فلذا نسبهما إليه ويحتمل أن يكون لبعض صفاته مدخلا فيهما كما هوالمعروف بين الناس وكذا الرئة و لايبعد أن يكون الريح في الخبر السابق تصحيف الرئة لاتحاد الراوي و علي تقدير صحته المراد المرة السوداء أوالصفراء والأول أنسب
12- العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُوسَي بنِ المُتَوَكّلِ عَن عَبدِ اللّهِ الحمِيرَيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ أَبِي الخَطّابِ عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ عَن بَعضِ أَصحَابِنَا رَفَعَ الحَدِيثَ قَالَ لَمّا خَلَقَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ طِينَةَ آدَمَ أَمَرَ الرّيَاحَ الأَربَعَ فَجَرَت عَلَيهَا فَأَخَذَت مِن كُلّ رِيحٍ طَبِيعَتَهَا
13- النّصُوصُ، عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ عَن هَارُونَ بنِ مُوسَي عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدِ بنِ مَخلَدٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ بَزِيعٍ عَن يَحيَي بنِ الحَسَنِ بنِ فُرَاتٍ عَن عَلِيّ بنِ هَاشِمٍ البَرِيدِ عَن مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع فِي صِغَرِهِ عِندَ أَبِيهِ ع يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ مِن أَينَ الضّحِكُ قَالَ يَا مُحَمّدُ العَقلُ مِنَ القَلبِ وَ الحُزنُ مِنَ الكَبِدِ وَ النّفَسُ مِنَ الرّئَةِ وَ الضّحِكُ مِنَ الطّحَالِ فَقُمتُ وَ قَبّلتُ رَأسَهُ
14-الكاَفيِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَنِ ابنِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعتُ
صفحه : 306
أَبَا الحَسَنِ ع يَقُولُ طَبَائِعُ الجِسمِ عَلَي أَربَعَةٍ فَمِنهَا الهَوَاءُ ألّذِي لَا تَحيَا النّفسُ إِلّا بِهِ وَ بِنَسِيمِهِ وَ يُخرِجُ مَا فِي الجِسمِ مِن دَاءٍ وَ عُفُونَةٍ وَ الأَرضُ التّيِ قَد تُوَلّدُ اليُبسَ وَ الحَرَارَةَ وَ الطّعَامُ وَ مِنهُ يَتَوَلّدُ الدّمُ أَ لَا يَرَي[تَرَي] أَنّهُ يَصِيرُ إِلَي المَعِدَةِ فَيُغَذّيهِ حَتّي يَلِينَ ثُمّ يَصفُو فَيَأخُذُ[فَتَأخُذُ]الطّبِيعَةُ صَفوَهُ دَماً ثُمّ يَنحَدِرُ الثّفلُ وَ المَاءُ وَ هُوَ يُوَلّدُ البَلغَمَ
بيان طبائع الجسم علي أربعة أي مبني طبائع جسد الإنسان وصلاحها علي أربعة أشياء ويحتمل أن يكون المراد بالطبائع ما له مدخل في قوام البدن و إن كان خارجا عنه فالمراد أنها علي أربعة أقسام ويخرج ما في الجسم يدل علي أن لتحرك النفس مدخلا في دفع الأدواء ورفع العفونات عن الجسد كما هوالظاهر و الأرض أي الثانية منها الأرض وهي تولد اليبس بطبعها والحرارة بانعكاس أشعة الشمس والكواكب عنها فلها مدخل في تولد المرة الصفراء والمرة السوداء والطعام هذا هوالثالثة وإنما نسب الدم فقط إليها لأنها أدخل في قوام البدن من سائر الأخلاط مع عدم مدخلية الأشياء الخارجة كثيرا فيها والماء هوالرابعة ومدخليتها في تولد البلغم ظاهرة
15-الإِختِصَاصُ، عَنِ المُعَلّي بنِ مُحَمّدٍ عَن بَعضِ أَصحَابِنَا يَرفَعُهُ إِلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ إِنّ أَوّلَ مَن قَاسَ إِبلِيسُ فَقَالَخلَقَتنَيِ مِن نارٍ وَ خَلَقتَهُ مِن طِينٍ وَ لَو عَلِمَ إِبلِيسُ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي آدَمَ لَم يَفتَخِر عَلَيهِ ثُمّ قَالَ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ خَلَقَ المَلَائِكَةَ مِن نُورٍ وَ خَلَقَ الجَانّ مِنَ النّارِ وَ خَلَقَ الجِنّ صِنفاً مِنَ الجَانّ مِنَ الرّيحِ وَ خَلَقَ الجِنّ صِنفاً مِنَ الجِنّ مِنَ المَاءِ وَ خَلَقَ آدَمَ مِن صَفحَةِ الطّينِ ثُمّ أَجرَي فِي آدَمَ النّورَ
صفحه : 307
وَ النّارَ وَ الرّيحَ وَ المَاءَ فَبِالنّورِ أَبصَرَ وَ عَقَلَ وَ فَهِمَ وَ بِالنّارِ أَكَلَ وَ شَرِبَ وَ لَو لَا أَنّ النّارَ فِي المَعِدَةِ لَم يَطحَنِ المَعِدَةُ الطّعَامَ وَ لَو لَا أَنّ الرّيحَ فِي جَوفِ آدَمَ تُلَهّبُ نَارَ المَعِدَةِ لَم تَلتَهِب وَ لَو لَا أَنّ المَاءَ فِي جَوفِ ابنِ آدَمَ يُطفِئُ حَرّ نَارِ المَعِدَةِ لَأَحرَقَتِ النّارُ جَوفَ ابنِ آدَمَ فَجَمَعَ اللّهُ ذَلِكَ فِي آدَمَ الخَمسَ الخِصَالِ وَ كَانَت فِي إِبلِيسَ خَصلَةٌ فَافتَخَرَ بِهَا
16- نهج ،[نهج البلاغة] قَالَ ع اعجَبُوا لِهَذَا الإِنسَانِ يَنظُرُ بِشَحمٍ وَ يَتَكَلّمُ بِلَحمٍ وَ يَسمَعُ بِعَظمٍ وَ يَتَنَفّسُ مِن خَرمٍ
17- العِلَلُ،لِمُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ رَفَعَهُ قَالَ سَأَلتُهُ عَنِ المَوتِ مِمّا هُوَ وَ مِن أَيّ شَيءٍ هُوَ فَقَالَ هُوَ مِنَ الطّبَائِعِ الأَربَعِ التّيِ هيَِ مُرَكّبَةٌ فِي الإِنسَانِ وَ هيَِ المِرّتَانِ وَ الدّمُ وَ الرّيحُ فَإِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ نُزِعنَ هَذِهِ الطّبَائِعُ مِنَ الإِنسَانِ فَيُخلَقُ مِنهَا المَوتُ فَيُؤتَي بِهِ فِي صُورَةِ كَبشٍ أَملَحَ أَي أَغبَرَ فَيُذبَحُ بَينَ الجَنّةِ وَ النّارِ فَلَا يَكُونُ فِي الإِنسَانِ هَذِهِ الطّبَائِعُ الأَربَعُ فَلَا يَمُوتُ أَبَداً
18-الخِصَالُ، وَ العِلَلُ، عَن مُحَمّدِ بنِ اِبرَاهِيمَ الطاّلقَاَنيِّ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ العدَوَيِّ عَن عَبّادِ بنِ صُهَيبٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ عَنِ الرّبِيعِ صَاحِبِ المَنصُورِ قَالَحَضَرَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع مَجلِسَ المَنصُورِ يَوماً وَ عِندَهُ رَجُلٌ مِنَ الهِندِ يَقرَأُ كُتُبَ الطّبّ فَجَعَلَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع يُنصِتُ لِقِرَاءَتِهِ فَلَمّا فَرَغَ الهنِديِّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ أَ تُرِيدُ مِمّا معَيِ شَيئاً قَالَ لَا فَإِنّ معَيِ مَا هُوَ خَيرٌ مِمّا مَعَكَ قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ أدُاَويِ الحَارّ بِالبَارِدِ وَ البَارِدَ بِالحَارّ وَ الرّطبَ بِاليَابِسِ وَ اليَابِسَ بِالرّطبِ وَ أَرُدّ الأَمرَ كُلّهُ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ أَستَعمِلُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللّهِص وَ أَعلَمُ أَنّ المَعِدَةَ بَيتُ الدّاءِ وَ أَنّ الحِميَةَ هيَِ الدّوَاءُ وَ أُعَوّدُ البَدَنَ مَا اعتَادَ فَقَالَ الهنِديِّ وَ هَلِ الطّبّ إِلّا هَذَا فَقَالَ الصّادِقُ ع أَ فتَرَاَنيِ مِن كُتُبِ
صفحه : 308
الطّبّ أَخَذتُ قَالَ نَعَم قَالَ لَا وَ اللّهِ مَا أَخَذتُ إِلّا عَنِ اللّهِ سُبحَانَهُ فأَخَبرِنيِ أَنَا أَعلَمُ بِالطّبّ أَم أَنتَ قَالَ الهنِديِّ لَا بَل أَنَا قَالَ الصّادِقُ ع فَأَسأَلُكَ شَيئاً قَالَ سَل قَالَ الصّادِقُ ع أخَبرِنيِ يَا هنِديِّ لِمَ كَانَ فِي الرّأسِ شُئُونٌ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ الشّعرُ عَلَيهِ مِن فَوقُ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ خَلَتِ الجَبهَةُ مِنَ الشّعرِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ لَهَا تَخَاطِيطُ وَ أَسَارِيرُ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ الحَاجِبَانِ مِن فَوقِ العَينَينِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ العَينَانِ كَاللّوزَتَينِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ الأَنفُ بَينَهُمَا قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ ثَقبُ الأَنفِ فِي أَسفَلِهِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَتِ الشّفَةُ وَ الشّارِبُ مِن فَوقِ الفَمِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ احتَدّ السّنّ وَ عَرُضَ الضّرسُ وَ طَالَ النّابُ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَتِ اللّحيَةُ لِلرّجَالِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ خَلَتِ الكَفّانِ مِنَ الشّعرِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ خَلَا الظّفُرُ وَ الشّعرُ مِنَ الحَيَاةِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَ القَلبُ كَحَبّ الصّنَوبَرِ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَتِ الرّئَةُ قِطعَتَينِ وَ جُعِلَ حَرَكَتُهَا فِي مَوضِعِهَا قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَتِ الكَبِدُ حَدبَاءَ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ كَانَتِ الكُليَةُ كَحَبّ اللّوبِيَا قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ طيَّ الرّكبَةِ إِلَي خَلفٍ قَالَ لَا أَعلَمُ قَالَ فَلِمَ انخَصَرَتِ القَدَمُ قَالَ لَا أَعلَمُ فَقَالَ الصّادِقُ ع لكَنِيّ أَعلَمُ قَالَ فَأَجِب فَقَالَ الصّادِقُ ع كَانَ فِي الرّأسِ شُئُونٌ لِأَنّ المُجَوّفَ إِذَا كَانَ بِلَا فَصلٍ أَسرَعَ إِلَيهِ الصّدَاعُ فَإِذَا جُعِلَ ذَا فُصُولٍ كَانَ الصّدَاعُ مِنهُ أَبعَدَ وَ جُعِلَ الشّعرُ مِن فَوقِهِ لِيُوصِلَ بِوُصُولِهِ الأَدهَانَ إِلَي الدّمَاغِ وَ
صفحه : 309
يُخرِجَ بِأَطرَافِهِ البُخَارَ مِنهُ وَ يَرُدّ الحَرّ وَ البَردَ الوَارِدَينِ عَلَيهِ وَ خَلَتِ الجَبهَةُ مِنَ الشّعرِ لِأَنّهَا مَصَبّ النّورِ إِلَي العَينَينِ وَ جُعِلَ فِيهَا التّخَاطِيطُ وَ الأَسَارِيرُ لِيُحبَسَ العَرَقُ الوَارِدُ مِنَ الرّأسِ عَنِ العَينِ قَدرَ مَا يُمِيطُهُ الإِنسَانُ عَن نَفسِهِ كَالأَنهَارِ فِي الأَرضِ التّيِ تَحبِسُ المِيَاهَ وَ جُعِلَ الحَاجِبَانِ مِن فَوقِ العَينَينِ لِيَرُدّا عَلَيهِمَا مِنَ النّورِ قَدرَ الكِفَايَةِ أَ لَا تَرَي يَا هنِديِّ أَنّ مَن غَلَبَهُ النّورُ جَعَلَ يَدَهُ عَلَي عَينَيهِ لِيَرُدّ عَلَيهِمَا قَدرَ كِفَايَتِهِمَا مِنهُ وَ جُعِلَ الأَنفُ فِي مَا بَينَهُمَا لِيُقسَمَ النّورُ قِسمَينِ إِلَي كُلّ عَينٍ سَوَاءً وَ كَانَتِ العَينُ كَاللّوزَةِ ليِجَريَِ فِيهَا المِيلُ بِالدّوَاءِ وَ يَخرُجَ مِنهَا الدّاءُ وَ لَو كَانَت مُرَبّعَةً أَو مُدَوّرَةً مَا جَرَي فِيهَا المِيلُ وَ مَا وَصَلَ إِلَيهَا دَوَاءٌ وَ لَا خَرَجَ مِنهَا دَاءٌ وَ جُعِلَ ثَقبُ الأَنفِ فِي أَسفَلِهِ لِيَنزِلَ مِنهُ الأَدوَاءُ المُنحَدِرَةُ مِنَ الدّمَاغِ وَ يَصعَدَ فِيهَا الأَرَايِيحُ إِلَي المَشَامّ وَ لَو كَانَ فِي أَعلَاهُ لَمَا نَزَلَ دَاءٌ وَ لَا وَجَدَ رَائِحَةً وَ جُعِلَ الشّارِبُ وَ الشّفَةُ فَوقَ الفَمِ لِحَبسِ مَا يَنزِلُ مِنَ الدّمَاغِ عَنِ الفَمِ لِئَلّا يَتَنَغّصَ عَلَي الإِنسَانِ طَعَامُهُ وَ شَرَابُهُ فَيُمِيطَهُ عَن نَفسِهِ وَ جُعِلَتِ اللّحيَةُ لِلرّجَالِ لِيُستَغنَي بِهَا عَنِ الكَشفِ فِي المَنظَرِ وَ يُعلَمَ بِهَا الذّكَرُ مِنَ الأُنثَي وَ جُعِلَ السّنّ حَادّاً لِأَنّ بِهِ يَقَعُ العَضّ وَ جُعِلَ الضّرسُ عَرِيضاً لِأَنّ بِهِ يَقَعُ الطّحنُ وَ المَضغُ وَ كَانَ النّابُ طَوِيلًا لِيَشُدّ الأَضرَاسَ وَ الأَسنَانَ كَالأُسطُوَانَةِ فِي البِنَاءِ وَ خَلَا الكَفّانِ مِنَ الشّعرِ لِأَنّ بِهِمَا يَقَعُ اللّمسُ فَلَو كَانَ بِهِمَا شَعرٌ مَا دَرَي الإِنسَانُ مَا يُقَابِلُهُ وَ يَلمِسُهُ وَ خَلَا الشّعرُ وَ الظّفُرُ مِنَ الحَيَاةِ لِأَنّ طُولَهُمَا سَمِجٌ يَقبُحُ وَ قَصّهُمَا حَسَنٌ فَلَو كَانَ فِيهِمَا حَيَاةٌ لَأَلِمَ الإِنسَانُ لِقَصّهِمَا وَ كَانَ القَلبُ كَحَبّ الصّنَوبَرِ لِأَنّهُ مُنَكّسٌ فَجُعِلَ
صفحه : 310
رَأسُهُ دَقِيقاً لِيَدخُلَ فِي الرّئَةِ فَيَتَرَوّحَ عَنهُ بِبَردِهَا لِئَلّا يَشِيطَ الدّمَاغُ بِحَرّهِ وَ جُعِلَتِ الرّئَةُ قِطعَتَينِ لِيَدخُلَ بَينَ مَضَاغِطِهَا فَتَرَوّحَ عَنهُ بِحَرَكَتِهَا وَ كَانَتِ الكَبِدُ حَدبَاءَ لِتُثَقّلَ المَعِدَةَ وَ تَقَعَ جَمِيعُهَا عَلَيهَا فَتَعصِرَهَا فَيَخرُجَ مَا فِيهَا مِنَ البُخَارِ وَ جُعِلَتِ الكُليَةُ كَحَبّ اللّوبِيَا لِأَنّ عَلَيهَا مَصَبّ المنَيِّ نُقطَةً بَعدَ نُقطَةٍ فَلَو كَانَت مُرَبّعَةً أَو مُدَوّرَةً لَاحتَبَسَتِ النّقطَةُ الأُولَي الثّانِيَةَ فَلَا يَلتَذّ بِخُرُوجِهَا الحيَّ إِذِ المنَيِّ يَنزِلُ مِن فِقَارِ الظّهرِ إِلَي الكُليَةِ فهَيَِ كَالدّودَةِ تَنقَبِضُ وَ تَنبَسِطُ تَرمِيهِ أَوّلًا فَأَوّلًا إِلَي المَثَانَةِ كَالبُندُقَةِ مِنَ القَوسِ وَ جُعِلَ طيَّ الرّكبَةِ إِلَي خَلفٍ لِأَنّ الإِنسَانَ يمَشيِ إِلَي مَا بَينَ يَدَيهِ فَتَعتَدِلُ الحَرَكَاتُ وَ لَو لَا ذَلِكَ لَسَقَطَ فِي المشَيِ وَ جُعِلَتِ القَدَمُ مُتَخَصّرَةً لِأَنّ الشيّءَ إِذَا وَقَعَ عَلَي الأَرضِ جَمِيعُهُ ثَقُلَ ثِقلَ حَجَرِ الرّحَي إِذَا كَانَ عَلَي حَرفِهِ دَفَعَهُ الصبّيِّ وَ إِذَا وَقَعَ عَلَي وَجهِهِ صَعُبَ ثِقلُهُ عَلَي الرّجُلِ فَقَالَ الهنِديِّ مِن أَينَ لَكَ هَذَا العِلمُ فَقَالَ ع أَخَذتُهُ عَن آباَئيِ ع عَن رَسُولِ اللّهِص عَن جَبرَئِيلَ ع عَن رَبّ العَالَمِينَ جَلّ جَلَالُهُ ألّذِي خَلَقَ الأَجسَادَ وَ الأَروَاحَ فَقَالَ الهنِديِّ صَدَقتَ وَ أَنَا أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ وَ عَبدُهُ وَ أَنّكَ أَعلَمُ أَهلِ زَمَانِكَ
بيان قال في القاموس المعدة ككلمة وبالكسر موضع الطعام و قال الجوهري الشأن واحد الشئون وهي مواصل قبائل الرأس وملتقاها ومنها تجيء الدموع و قال السرر أيضا واحد أسرار الكف والجبهة وهي خطوطها وجمع الجمع أسارير و ألذي يظهر من كلام اللغويين أن السن والضرس مترادفان ويظهر من إطلاقات الأخبار وغيرها اختصاص السن بالمقاديم الحداد والضرس بالمآخير العراض و في المصباح حدب الإنسان من باب تعب إذاخرج ظهره وارتفع عن الاستواء و الرجل أحدب والمرأة حدباء و قال الجوهري رجل مخصر القدمين إذاكانت قدمه تمس الأرض من مقدمها
صفحه : 311
وعقبها وتخوي أخمصها مع دقة فيه قوله ع ليوصل بوصوله أي بسبب وصول الشعر إلي الدماغ تصل إليه الأدهان أو هوجمع الوصل إلي منابته وأصوله و لايبعد أن يكون في الأصل بأصوله فصحف بقرينة مقابلة أطرافه قوله ع لأنها مصب النور و ذلك لأن طول الشعر من الجانب الأعلي إليهما وأكثر الأنوار السماوية ترد من الجهة العليا أو أن الأعصاب التي ترد منها الروح إليهما في باطن الجبهة و مع نبات الشعر تصل منابتها إلي تلك الأعصاب فتمنع ورود الروح التي هي محل النور أو أنه مزاج الروح الحامل للنور حار رطب والشعر يتولد من المواد الباردة اليابسة فلايتوافقان والأول أظهر ويقال ماطه يميطه وأماطه أي نحاه وأبعده و في القاموس الريح معروف والجمع أرواح وأرياح ورياح وريح كعنب وجمع الجمع أراويح وأراييح قوله ع فيميطه عن نفسه أي فيحتاج إلي أن يميط ماينزل من الدماغ في أثناء الأكل والشرب عن نفسه أوفيميط الشارب والشفة ماينزل عنه و هوبعيد ليستغني بها عن الكشف أي عن كشف العورة لاستعلام كونه ذكرا أم أنثي و قوله في المنظر متعلق بقوله يستغني لابالكشف ليشد الأضراس و في بعض النسخ ليسند و في المصباح السند بفتحتين مااستندت إليه من حائط وغيره يقال أسندته إلي الشيء فسند هوانتهي و علي التقديرين لعل وجه كونه سندا من بين سائر الأسنان أنه لطوله يمنع وقوع الأسنان بعضه علي بعض في بعض الأحوال كما أن الأسطوانة تمنع السقف من السقوط أوأنها لطولها وقوتها تكون أثبت من غيرها فتمنعها من التزلزل والسقوط لاتصالها كالأسطوانة التي تنصب في الأرض ويجعل بينها التخاتج فتمسكها ويؤيده أن هذاالسن يسقط غالبا بعدسائرها فهو أقوي منها وأثبت . مايقابله كأنه كان يعامله فصحف مع أن أكثر مايلمس يكون مقابلا ليدخل أي القلب بين مضاغطها أي بين قطعتي الرئة فتروح أي الرئة عنه أي القلب و في القاموس شاط يشيط شيطا احترق وفلان هلك انتهي واستعيرت
صفحه : 312
النقطة هنا للشيء القليل والقطرة والاحتباس يكون لازما ومتعديا إلي الثانية أي منضمة إليها و هذاموافق لمامر من مذهب جالينوس في ذلك وكأنه كان مكان المثانة الأنثيين لأنهم لم يذكروا مرور المني علي المثانة كماعرفت إلا أن يكون المراد رميه قريبا من المثانة كمامر و قال الشيخ في القانون في ذكر أوعية المني و هذه الأوعية تصعد أولا ثم تتصل برقبة المثانة أسفل من مجري البول مع أن أكثر ماذكره مبني علي الظن والتخمين فإن صح الخبر وضبطه كان قولهم في ذلك باطلا قوله ع يمشي إلي ما بين يديه أي يميل في المشي إلي قدامه فلو كان طي الركبة من القدام لانثني أيضا من هذاالجانب فيسقط قوله إذاوقع علي الأرض جميعه و ذلك لامتناع الخلأ لأنه إذا لم يكن بين السطحين هواء أصلا وانطبقتا لم يكن رفع أحدهما عن الآخر فيرتفعان معا و لو كان بينهما هواء قليل يرتفع لكن يعسر لتوقفه علي تخلخل هذاالهواء ودخول الهواء من خارج أيضا فتخصر القدم يوجب وجود هواء كثير تحت القدم فإذارفع القدم يدخل تحت مالصق بالأرض من قدام القدم وعقبه الهواء من الأطراف بسرعة وسهولة فلايعسر رفعه
19-العِلَلُ، عَنِ الحُسَينِ بنِ أَحمَدَ عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ الداّريِّ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي حَمزَةَ عَن سُفيَانَ الحرَيِريِّ عَن مُعَاذٍ عَن بِشرِ بنِ يَحيَي العاَمرِيِّ عَنِ ابنِ أَبِي لَيلَي قَالَدَخَلتُ عَلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع وَ معَيِ نُعمَانُ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ ع مَنِ ألّذِي مَعَكَ فَقُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ هَذَا رَجُلٌ مِن أَهلِ الكُوفَةِ لَهُ نَظَرٌ وَ نَفَاذُ رأَيٍ يُقَالُ لَهُ نُعمَانُ قَالَ فَلَعَلّ هَذَا
صفحه : 313
ألّذِي يَقِيسُ الأَشيَاءَ بِرَأيِهِ فَقُلتُ نَعَم قَالَ يَا نُعمَانُ هَل تُحسِنُ أَن تَقِيسَ رَأسَكَ فَقَالَ لَا فَقَالَ مَا أَرَاكَ تُحسِنُ شَيئاً وَ لَا فَرضَكَ إِلّا مِن عِندِ غَيرِكَ فَهَل عَرَفتَ كَلِمَةً أَوّلُهَا كُفرٌ وَ آخِرُهَا إِيمَانٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَل عَرَفتَ مَا المُلُوحَةُ فِي العَينَينِ وَ المَرَارَةُ فِي الأُذُنَينِ وَ البُرُودَةُ فِي المَنخِرَينِ وَ العُذُوبَةُ فِي الشّفَتَينِ قَالَ لَا قَالَ ابنُ أَبِي لَيلَي فَقُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ فَسّر لَنَا جَمِيعَ مَا وَصَفتَ قَالَ حدَثّنَيِ أَبِي عَن آبَائِهِ عَن رَسُولِ اللّهِص أَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي خَلَقَ عيَنيَِ ابنِ آدَمَ مِن شَحمَتَينِ فَجَعَلَ فِيهِمَا المُلُوحَةَ وَ لَو لَا ذَلِكَ لَذَابَتَا فَالمُلُوحَةُ تَلفِظُ مَا يَقَعُ فِي العَينِ مِنَ القَذَي وَ جَعَلَ المَرَارَةَ فِي الأُذُنَينِ حِجَاباً مِنَ الدّمَاغِ فَلَيسَ مِن دَابّةٍ تَقَعُ فِيهِ إِلّا التَمَسَتِ الخُرُوجَ وَ لَو لَا ذَلِكَ لَوَصَلَت إِلَي الدّمَاغِ وَ جُعِلَتِ العُذُوبَةُ فِي الشّفَتَينِ مَنّاً مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ عَلَي ابنِ آدَمَ يَجِدُ بِذَلِكَ عُذُوبَةَ الرّيقِ وَ طَعمَ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ وَ جَعَلَ البُرُودَةَ فِي المَنخِرَينِ لِئَلّا تَدَعَ فِي الرّأسِ شَيئاً إِلّا أَخرَجَتهُ قُلتُ فَمَا الكَلِمَةُ التّيِ أَوّلُهَا كُفرٌ وَ آخِرُهَا إِيمَانٌ قَالَ قَولُ الرّجُلِ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ أَوّلُهَا كُفرٌ وَ آخِرُهَا إِيمَانٌ ثُمّ قَالَ يَا نُعمَانُ إِيّاكَ وَ القِيَاسَ فَقَد حدَثّنَيِ أَبِي عَن آبَائِهِ عَن رَسُولِ اللّهِص أَنّهُ قَالَ مَن قَاسَ شَيئاً بشِيَءٍ قَرَنَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ مَعَ إِبلِيسَ فِي النّارِ فَإِنّهُ أَوّلُ مَن قَاسَ عَلَي رَبّهِ فَدَعِ الرأّيَ وَ القِيَاسَ فَإِنّ الدّينَ لَم يُوضَع بِالقِيَاسِ وَ باِلرأّيِ
بيان أقول قدمرت أخبار كثيرة في هذاالمعني في باب البدع والمقاييس و في بعضها جعل الأذنين مرتين لئلا يدخلها شيء إلامات لو لا ذلك لقتل ابن آدم الهوام وجعل الشفتين عذبتين ليجد ابن آدم طعم الحلو والمر وجعل العينين مالحتين لأنهما شحمتان و لو لاملوحتهما لذابتا وجعل الأنف باردا سائلا لئلا يدع في الرأس داء إلاأخرجه و لو لا ذلك لثقل الدماغ وتدود و في بعضها وجعل الماء في المنخرين
صفحه : 314
ليصعد منه النفس وينزل ويجد منه الريح الطيبة من الخبيثة قوله ع و لافرضك أي ماأراك تحسن ماافترض الله عليك إلا إذاأخذته من غيرك و قوله فالملوحة تلفظ علة أخري وجعل البرودة أي الماء البارد فإن السيلان علة لإخراج ما في الرأس لاالبرودة وهي علة لعدم سيلان الدماغ كماأشير إليه في الخبر الآخر
20- العِلَلُ، عَن عَلِيّ بنِ أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ الكوُفيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ البرَمكَيِّ عَن عَلِيّ بنِ العَبّاسِ عَن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ قَالَ حَدّثَنَا هِشَامُ بنُ الحَكَمِ قَالَ سَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع فَقُلتُ مَا العِلّةُ فِي بَطنِ الرّاحَةِ لَا يَنبُتُ فِيهِ الشّعرُ وَ يَنبُتُ فِي ظَاهِرِهَا فَقَالَ لِعِلّتَينِ أَمّا إِحدَاهُمَا فَلِأَنّ النّاسَ يَعلَمُونَ الأَرضَ التّيِ تُدَاسُ وَ يُكثِرُ عَلَيهَا المشَيُ لَا تُنبِتُ شَيئاً وَ العِلّةُ الأُخرَي لِأَنّهَا جُعِلَت مِنَ الأَبوَابِ التّيِ تلُاَقيِ الأَشيَاءَ فَتُرِكَت لَا يَنبُتُ عَلَيهَا الشّعرُ لِتَجِدَ مَسّ اللّيّنِ وَ الخَشِنِ وَ لَا يَحجُبَهَا الشّعرُ عَن وُجُودِ الأَشيَاءِ وَ لَا يَكُونُ بَقَاءُ الخَلقِ إِلّا عَلَي ذَلِكَ
بيان الأرض التي تداس كأنه علة لعدم نبات الشعر بعدالكبر لاابتداء والدوس الوطء بالرجل من الأبواب التي تلاقي الأشياء أي من أسباب العلم التي تدرك بهاالأشياء بالملاقاة أو من الأعضاء التي تلاقي الأشياء كثيرا عن وجود الأشياء أي وجدان كيفياتها في القاموس وجد المطلوب كوعد وجدا ووجودا ووجدانا وإجدانا بكسرهما أدركه
21-العِلَلُ، عَن أَبِيهِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن أَحمَدَ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ البرَقيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَن عِيسَي بنِ عَبدِ اللّهِ القرُشَيِّ رَفَعَهُ قَالَدَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ ع فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا حَنِيفَةَ بلَغَنَيِ أَنّكَ تَقِيسُ قَالَ نَعَم أَنَا أَقِيسُ فَقَالَ وَيلَكَ لَا تَقِس فَإِنّ أَوّلَ مَن قَاسَ إِبلِيسُ قَالَخلَقَتنَيِ مِن نارٍ وَ خَلَقتَهُ مِن طِينٍقَاسَ
صفحه : 315
مَا بَينَ النّارِ وَ الطّينِ وَ لَو قَاسَ نُورِيّةَ آدَمَ بِنُورِ النّارِ عَرَفَ فَضلَ مَا بَينَ النّورَينِ وَ صَفَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَي الآخَرِ وَ لَكِن قِس لِي رَأسَكَ مَعَ جَسَدِكَ أخَبرِنيِ عَن أُذُنَيكَ مَا لَهُمَا مُرّتَانِ وَ عَن عَينَيكَ مَا لَهُمَا مَالِحَتَانِ وَ عَن شَفَتَيكَ مَا لَهُمَا عَذبَتَانِ وَ عَن أَنفِكَ مَا لَهُ بَارِدٌ فَقَالَ لَا أدَريِ فَقَالَ لَهُ أَنتَ لَا تُحسِنُ تَقِيسُ رَأسَكَ تَقِيسُ الحَلَالَ وَ الحَرَامَ فَقَالَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ أخَبرِنيِ كَيفَ ذَلِكَ فَقَالَ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ جَعَلَ الأُذُنَينِ مُرّتَينِ لِئَلّا يَدخُلَهُمَا شَيءٌ إِلّا مَاتَ وَ لَو لَا ذَلِكَ لَقَتَلَتِ الدّوَابّ ابنَ آدَمَ وَ جَعَلَ العَينَينِ مَالِحَتَينِ لِأَنّهَا شَحمَتَانِ وَ لَو لَا مُلُوحَتُهُمَا لَذَابَتَا وَ جَعَلَ الشّفَتَينِ عَذبَتَينِ لِيَجِدَ ابنُ آدَمَ طَعمَ الحُلوِ وَ المُرّ وَ جَعَلَ الأَنفَ بَارِداً سَائِلًا لِئَلّا يَدَعَ فِي الرّأسِ دَاءً إِلّا أَخرَجَهُ وَ لَو لَا ذَلِكَ لَثَقُلَ الدّمَاغُ وَ تَدَوّدَ
وَ قَالَ البرَقيِّ وَ رَوَي بَعضُهُم أَنّهُ قَالَ فِي الأُذُنَينِ لِامتِنَاعِهِمَا مِنَ العِلَاجِ وَ قَالَ فِي مَوضِعِ ذِكرِ الشّفَتَينِ الرّيقَ فَإِنّمَا عَذُبَ الرّيقُ لِيُمَيّزَ بِهِ بَينَ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ وَ قَالَ فِي ذِكرِ الأَنفِ لَو لَا بَردُ مَاءِ الأَنفِ وَ إِمسَاكُهُ الدّمَاغَ لَسَالَ الدّمَاغُ مِن حَرَارَتِهِ
وَ مِنهُ عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ هَاشِمٍ عَن أَحمَدَ بنِ عَبدِ اللّهِ العقَيِليِّ عَن عِيسَي بنِ عَبدِ اللّهِ القرُشَيِّ رَفَعَ الحَدِيثَ وَ ذَكَرَ مِثلَهُ إِلَي قَولِهِ وَ تَدَوّدَ
بيان وتدود أي تولد فيه الدود لامتناعهما من العلاج أي لتكونا بطبعهما آبيتين ممتنعتين عن أن تعالج الدواب فيهما بعددخولهما بل تموت أوتخرج أولأنهما لكونهما غائرتين في الرأس يشكل علاجهما إذالذعتهما هامة أودابة فينفذ السم سريعا إلي الدماغ فيهلك
صفحه : 316
22- المَنَاقِبُ، مِمّا أَجَابَ الرّضَا ع بِحَضرَةِ المَأمُونِ لِضُبَاعِ بنِ نَصرٍ الهنِديِّ وَ عِمرَانَ الصاّبيِ عَن مَسَائِلِهِمَا قَالَا فَمَا بَالُ الرّجُلِ يلَتحَيِ دُونَ المَرأَةِ قَالَ ع زَيّنَ اللّهُ الرّجَالَ بِاللّحَي وَ جَعَلَهَا فَصلًا يُستَدَلّ بِهَا عَلَي الرّجَالِ وَ النّسَاءِ
23- مَجَالِسُ الشّيخِ، عَن جَمَاعَةٍ عَن أَبِي المُفَضّلِ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ الموُسوَيِّ عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ أَحمَدَ بنِ نَهِيكٍ عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن سَبرَةَ بنِ يَعقُوبَ بنِ شُعَيبٍ عَن أَبِيهِ عَنِ الصّادِقِ عَن آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص فِي ابنِ آدَمَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتّونَ عِرقاً مِنهَا مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ مُتَحَرّكَةٌ وَ مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ سَاكِنَةٌ فَلَو سَكَنَ المُتَحَرّكُ لَم يَبقَ الإِنسَانُ وَ لَو تَحَرّكَ السّاكِنُ لَهَلَكَ الإِنسَانُ الخَبَرَ
المكارم ، عن علي ع عنه ص مثله
24- العِلَلُ،لِمُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ العِلّةُ فِي زِيَادَةِ ضِلعِ المَرأَةِ عَلَي ضِلعِ الرّجُلِ لِمَكَانِ الجَنِينِ كيَ يَتّسِعَ جَوفُهَا لِلوَلَدِ
25- الكاَفيِ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن أَبِي الحَسَنِ الأنَباَريِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِص يَحمَدُ اللّهَ فِي كُلّ يَومٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتّينَ مَرّةً عَدَدَ عُرُوقِ الجَسَدِ يَقُولُالحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَكَثِيراً عَلَي كُلّ حَالٍ
26- وَ مِنهُ، عَن عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ وَ حُمَيدِ بنِ زِيَادٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمّدٍ جَمِيعاً عَن أَحمَدَ بنِ الحَسَنِ الميِثمَيِّ عَن يَعقُوبَ بنِ شُعَيبٍ قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ ع يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللّهِص إِنّ فِي ابنِ آدَمَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتّينَ عِرقاً مِنهَا مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ مُتَحَرّكَةٌ
صفحه : 317
وَ مِنهَا مِائَةٌ وَ ثَمَانُونَ سَاكِنَةٌ فَلَو سَكَنَ المُتَحَرّكُ لَم يَنَم وَ لَو تَحَرّكَ السّاكِنُ لَم يَنَم وَ كَانَ رَسُولُ اللّهِص إِذَا أَصبَحَ قَالَالحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَكَثِيراً عَلَي كُلّ حَالٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتّينَ مَرّةً وَ إِذَا أَمسَي قَالَ مِثلَ ذَلِكَ
العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن الميثمي مثله
27- المَنَاقِبُ لِابنِ شَهرَآشُوبَ، عَن سَالِمٍ الضّرِيرِ أَنّ نَصرَانِيّاً سَأَلَ الصّادِقَ ع عَن أَسرَارِ الطّبّ ثُمّ سَأَلَهُ عَن تَفصِيلِ الجِسمِ فَقَالَ ع إِنّ اللّهَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَي اثنيَ عَشَرَ وَصلًا وَ عَلَي مِائَتَينِ وَ ثَمَانِيَةٍ وَ أَربَعِينَ عَظماً وَ عَلَي ثَلَاثِمِائَةٍ وَ سِتّينَ عِرقاً فَالعُرُوقُ هيَِ التّيِ تسَقيِ الجَسَدَ كُلّهُ وَ العِظَامُ تُمسِكُهَا وَ اللّحمُ يُمسِكُ العِظَامَ وَ العَصَبُ يُمسِكُ اللّحمَ وَ جَعَلَ فِي يَدَيهِ اثنَينِ وَ ثَمَانِينَ عَظماً فِي كُلّ يَدٍ أَحَدٌ وَ أَربَعُونَ عَظماً مِنهَا فِي كَفّهِ خَمسَةٌ وَ ثَلَاثُونَ عَظماً وَ فِي سَاعِدِهِ اثنَانِ وَ فِي عَضُدِهِ وَاحِدٌ وَ فِي كَتِفِهِ ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ أَحَدٌ وَ أَربَعُونَ عَظماً وَ كَذَلِكَ فِي الأُخرَي وَ فِي رِجلِهِ ثَلَاثَةٌ وَ أَربَعُونَ عَظماً مِنهَا فِي قَدَمِهِ خَمسَةٌ وَ ثَلَاثُونَ عَظماً وَ فِي سَاقِهِ اثنَانِ وَ فِي رُكبَتِهِ ثَلَاثَةٌ وَ فِي فَخِذِهِ وَاحِدٌ وَ فِي وَرِكِهِ اثنَانِ وَ كَذَلِكَ فِي الأُخرَي وَ فِي صُلبِهِ ثمَاَنيَِ عَشرَةَ فَقَارَةً وَ فِي كُلّ وَاحِدٍ مِن جَنبَيهِ تِسعَةُ أَضلَاعٍ وَ فِي وَقَصَتِهِ ثَمَانِيَةٌ وَ فِي رَأسِهِ سِتّةٌ وَ ثَلَاثُونَ عَظماً وَ فِي فِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشرُونَ أَوِ اثنَانِ وَ ثَلَاثُونَ عَظماً
تبيين يمكن أن يكون المراد وصل الأعضاء العظيمة بعضها ببعض كالرأس والعنق العضدين والساعدين والوركين مع الفخذين والساقين والأضلاع من اليمين والأضلاع
صفحه : 318
من الشمال وكأن المراد بالوقصة العنق قال الفيروزآبادي وقص عنقه كوعد كسرها والوقص بالتحريك قصر العنق انتهي فعدها ثمانية باعتبار ضم بعض فقرات الظهر إليها لقربها منها وانحنائها ويحتمل أن يكون في الأصل و في وقيصته وهي عظام وسط الظهر وهي علي المشهور سبعة فتكون الثمانية بضم الترقوة إليها و في بعض النسخ في أول الخبر وستة وأربعين عظما و هوتصحيف لأنه لايستقيم الحساب والأسنان غيرداخلة في عدد العظام فيدل علي أنها ليست بعظم و قداختلف الأطباء في ذلك اختلافا عظيما فمنهم من ذهب إلي أنها عظم وقيل هوعصب وقيل عضو مركب . وظاهر الأخبار أنها نوع آخر غيرالعظم والعصب لأنهم ع عدوها في ما لاتحله الحياة من الحيوان مقابلا للقرن والعظم والظلف والحافر وغيرها و هو لاينافي المذهب الأخير كثيرا وظاهر الأخبار أنه لاحس لها و لم تحلها الحياة كماذهب إليه بعض الأطباء و قال بعضهم لها حس قال في القانون ليس لشيء من العظام حس البتة إلاللأسنان فإن جالينوس قال بل التجربة تشهد أن لها حسا أعينت به بقوة تأتيها من الدماغ ليميز أيضا بين الحار والبارد و قال القرشي قال جالينوس ليس بشيء من العظام حس إلاللأسنان لأن قوة الحس تأتيها في عصب لين و هذاعجب فإنه كيف جعل لينا و هومخالط للعظام وينبغي أن يكون شبيها بجرمها فيكون صلبا لئلا تتضرر بمماستها و قال بقي هاهنا بحث و هو أن الأسنان عظام أو ليس بعظام و قدشنع جالينوس علي من لايجعلها عظاما وجعلهم سوفسطائية واستدل علي أنها عظام بما هوعين السفسطة و ذلك لأنه قال ما هذامعناه لأنها لو لم تكن عظاما لكانت إما أن تكون عروقا أوشرايين أولحما أوعصبا ومعلوم أنها ليست كذلك و هذا غيرلازم فإن القائلين بأنها ليست بعظام يجعلونها من الأعضاء المؤلفة لا من هذه المفردة ويستدلون علي تركيبها بما يشاهد فيها من الشظايا وتلك رباطية وعصبية قالوا و هذايوجد في أسنان الحيوانات الكبار ظاهرا.
صفحه : 319
و قوله ع و في فيه ثمانية وعشرون أي في بدء الإنبات ثم ينبت في قريب من العشرين أربعة أخري تسمي أسنان الحلم بالكسر بمعني العقل أوبالضم بمعني الاحتلام يعني البلوغ ولذا قال ع بعده واثنان وثلاثون ويحتمل أن يكون باعتبار اختلافها في الأشخاص قال في القانون الأسنان اثنتان وثلاثون سنا وربما عدمت النواجد منها في بعض الناس وهي الأربعة الطرفانية فكانت ثماني وعشرين سنا فمن الأسنان ثنيتان ورباعيتان من فوق ومثلهما من أسفل للقطع ونابان من فوق ونابان من تحت للكسر وأضراس للطحن في كل جانب فوقاني وسفلاني أربعة أوخمسة فكل ذلك اثنتان وثلاثون سنا أوثماني وعشرون والنواجد تنبت في الأكثر في وسط زمان النمو و هو بعدالبلوغ إلي الوقف و ذلك أن الوقوف قريب من ثلاثين سنة ولذلك تسمي أسنان الحلم
28- الكاَفيِ، عَن مُحَمّدٍ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن عَلِيّ بنِ الحَكَمِ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ العزَرمَيِّ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع إِنّ لِلّهِ عِبَاداً فِي أَصلَابِهِم أَرحَامٌ كَأَرحَامِ النّسَاءِ قَالَ فَسُئِلَ فَمَا لَهُم لَا يَحمِلُونَ فَقَالَ إِنّهَا مَنكُوسَةٌ وَ لَهُم فِي أَدبَارِهِم غُدّةٌ كَغُدّةِ الجَمَلِ أَوِ البَعِيرِ فَإِذَا هَاجَت هَاجُوا وَ إِذَا سَكَنَت سَكَنُوا
29- وَ مِنهُ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَن صَالِحِ بنِ عُقبَةَ عَن رِفَاعَةَ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ ع مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا فَنَقَصَ بَعضَ نَفَسِهِ بأِيَّ شَيءٍ يُعرَفُ ذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ بِالسّاعَاتِ قُلتُ وَ كَيفَ السّاعَاتُ قَالَ إِنّ النّفَسَ يَطلُعُ الفَجرُ وَ هُوَ فِي الشّقّ الأَيمَنِ مِنَ الأَنفِ فَإِذَا مَضَتِ السّاعَةُ صَارَ إِلَي الشّقّ الأَيسَرِ فَتَنظُرُ مَا بَينَ نَفَسِكَ وَ نَفَسِهِ ثُمّ يُحسَبُ فَيُؤخَذُ بِحِسَابِ ذَلِكَ مِنهُ
صفحه : 320
بيان كأن المراد به أنه في أول اليوم يكون النفس في الشق الأيمن أكثر ولعل هذاإنما ذكر استطرادا فإن استعلام عدد النفس لايتوقف عليه و لم أر من عمل به سوي الشيخ يحيي بن سعيد في جامعه و قال العلامة ره في التحرير في انقطاع النفس الدية و في بعضه بحسب مايراه
30- التّهذِيبُ،بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِص يَومَ بَدرٍ لَا تُوَارُوا إِلّا كَمِيشاً يعَنيِ بِهِ مَن كَانَ ذَكَرُهُ صَغِيراً وَ قَالَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلّا فِي كِرَامِ النّاسِ
31-تَوحِيدُ المُفَضّلِ،فَكّر يَا مُفَضّلُ كَيفَ جُعِلَت آلَاتُ الجِمَاعِ فِي الذّكَرِ وَ الأُنثَي جَمِيعاً عَلَي مَا يُشَاكِلُ ذَلِكَ فَجُعِلَ لِلذّكَرِ آلَةٌ نَاشِرَةٌ تَمتَدّ حَتّي تَصِلَ النّطفَةُ إِلَي الرّحِمِ إِذ كَانَ مُحتَاجاً إِلَي أَن يَقذِفَ مَاءَهُ فِي غَيرِهِ وَ خُلِقَ لِلأُنثَي وِعَاءٌ قَعِرٌ لِيَشتَمِلَ عَلَي المَاءَينِ جَمِيعاً وَ يَحتَمِلَ الوَلَدَ وَ يَتّسِعَ لَهُ وَ يَصُونَهُ حَتّي يَستَحكِمَ أَ لَيسَ ذَلِكَ مِن تَدبِيرِ حَكِيمٍ لَطِيفٍسُبحانَهُ وَ تَعالي عَمّا يُشرِكُونَفَكّر يَا مُفَضّلُ فِي أَعضَاءِ البَدَنِ أَجمَعَ وَ تَدبِيرِ كُلّ مِنهَا لِلإِربِ فَاليَدَانِ لِلعِلَاجِ وَ الرّجلَانِ للِسعّيِ وَ العَينَانِ لِلِاهتِدَاءِ وَ الفَمُ لِلِاغتِذَاءِ وَ المَعِدَةُ لِلهَضمِ وَ الكَبِدُ لِلتّخلِيصِ وَ المَنَافِذُ لِتَنفِيذِ الفُضُولِ وَ الأَوعِيَةُ لِحَملِهَا وَ الفَرجُ لِإِقَامَةِ النّسلِ وَ كَذَلِكَ جَمِيعُ الأَعضَاءِ إِذَا تَأَمّلتَهَا وَ أَعمَلتَ فِكرَكَ فِيهَا وَ نَظَرَكَ وَجَدتَ كُلّ شَيءٍ مِنهَا قَد قُدّرَ لشِيَءٍ عَلَي صَوَابٍ وَ حِكمَةٍ قَالَ المُفَضّلُ فَقُلتُ يَا موَلاَيَ إِنّ قَوماً يَزعُمُونَ أَنّ هَذَا مِن فِعلِ الطّبِيعَةِ فَقَالَ سَلهُم عَن هَذِهِ الطّبِيعَةِ أَ هيَِ شَيءٌ لَهُ عِلمٌ وَ قُدرَةٌ عَلَي مِثلِ هَذِهِ الأَفعَالِ أَم لَيسَت كَذَلِكَ فَإِن أَوجَبُوا لَهَا العِلمَ وَ القُدرَةَ فَمَا يَمنَعُهُم مِن إِثبَاتِ الخَالِقِ فَإِنّ هَذِهِ صِفَتُهُ وَ إِن زَعَمُوا أَنّهَا تَفعَلُ هَذِهِ الأَفعَالَ بِغَيرِ عِلمٍ وَ لَا عَمدٍ وَ كَانَ فِي أَفعَالِهَا مَا قَد تَرَاهُ مِنَ
صفحه : 321
الصّوَابِ وَ الحِكمَةِ عُلِمَ أَنّ هَذَا الفِعلَ لِلخَالِقِ الحَكِيمِ وَ أَنّ ألّذِي سَمّوهُ طَبِيعَةً هُوَ سُنّةٌ[سُنّتُهُ] فِي خَلقِهِ الجَارِيَةُ عَلَي مَا أَجرَاهَا عَلَيهِ فَكّر يَا مُفَضّلُ فِي وُصُولِ الغِذَاءِ إِلَي البَدَنِ وَ مَا فِيهِ مِنَ التّدبِيرِ فَإِنّ الطّعَامَ يَصِيرُ إِلَي المَعِدَةِ فَتَطبُخُهُ وَ تَبعَثُ بِصَفوِهِ إِلَي الكَبِدِ فِي عُرُوقٍ رِقَاقٍ وَاشِجَةٍ بَينَهُمَا قَد جُعِلَت كاَلمصُفَيّ لِلغِذَاءِ لِكَيلَا يَصِلَ إِلَي الكَبِدِ مِنهُ شَيءٌ فَيَنكَاهَا وَ ذَلِكَ أَنّ الكَبِدَ رَقِيقَةٌ لَا تَحتَمِلُ العُنفَ ثُمّ إِنّ الكَبِدَ ثَقِيلَةٌ[تَقبَلُهُ]فَيَستَحِيلُ بِلُطفِ التّدبِيرِ دَماً وَ يَنفُذُ إِلَي البَدَنِ كُلّهِ فِي مجَاَريَِ مُهَيّأَةٍ لِذَلِكَ بِمَنزِلَةِ المجَاَريِ التّيِ تُهَيّأُ لِلمَاءِ حَتّي يَطّرِدَ إِلَي الأَرضِ كُلّهَا وَ يَنفُذُ مَا يَخرُجُ مِنهُ مِنَ الخَبَثِ وَ الفُضُولِ إِلَي مَغَايِضَ قَد أُعِدّت لِذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنهُ مِن جِنسِ المِرّةِ الصّفرَاءِ جَرَي إِلَي المَرَارَةِ وَ مَا كَانَ مِن جِنسِ السّودَاءِ جَرَي إِلَي الطّحَالِ وَ مَا كَانَ مِنَ البِلّةِ وَ الرّطُوبَةِ جَرَي إِلَي المَثَانَةِ فَتَأَمّل حِكمَةَ التّدبِيرِ فِي تَركِيبِ البَدَنِ وَ وَضعِ هَذِهِ الأَعضَاءِ مِنهُ مَوَاضِعَهَا وَ إِعدَادِ هَذِهِ الأَوعِيَةِ فِيهِ لِتَحمِلَ تِلكَ الفُضُولَ لِئَلّا تَنتَشِرَ فِي البَدَنِ فَتُسقِمَهُ وَ تَنهَكَهُ فَتَبَارَكَ مَن أَحسَنَ التّقدِيرَ وَ أَحكَمَ التّدبِيرَ وَ لَهُ الحَمدُ كَمَا هُوَ أَهلُهُ وَ مُستَحِقّهُ قَالَ المُفَضّلُ فَقُلتُ صِف نُشُوءَ الأَبدَانِ وَ نُمُوّهَا حَالًا بَعدَ حَالٍ حَتّي تَبلُغَ التّمَامَ وَ الكَمَالَ فَقَالَ ع أَوّلُ ذَلِكَ تَصوِيرُ الجَنِينِ فِي الرّحِمِ حَيثُ لَا تَرَاهُ عَينٌ وَ لَا تَنَالُهُ يَدٌ وَ يُدَبّرُهُ حَتّي يَخرُجَ سَوِيّاً مُستَوفِياً جَمِيعُ مَا فِيهِ قِوَامُهُ وَ صَلَاحُهُ مِنَ الأَحشَاءِ وَ الجَوَارِحِ وَ العَوَامِلِ إِلَي مَا فِي تَركِيبِ أَعضَائِهِ مِنَ العِظَامِ وَ اللّحمِ وَ الشّحمِ وَ المُخّ وَ العَصَبِ وَ العُرُوقِ وَ الغَضَارِيفِ فَإِذَا خَرَجَ إِلَي العَالَمِ تَرَاهُ كَيفَ ينَميِ بِجَمِيعِ أَعضَائِهِ وَ هُوَ ثَابِتٌ عَلَي شَكلِهِ وَ هَيئَتِهِ لَا تَتَزَايَدُ وَ لَا تَنقُصُ إِلَي أَن يَبلُغَ أَشُدّهُ إِن مُدّ فِي عُمُرِهِ أَو يسَتوَفيِ مُدّتَهُ قَبلَ ذَلِكَ هَل هَذَا إِلّا مِن لَطِيفِ التّدبِيرِ وَ الحِكمَةِ يَا مُفَضّلُ انظُر إِلَي مَا خُصّ بِهِ الإِنسَانُ فِي خَلقِهِ تَشرِيفاً وَ تَفضِيلًا عَلَي البَهَائِمِ فَإِنّهُ
صفحه : 322
خُلِقَ يَنتَصِبُ قَائِماً وَ يسَتوَيِ جَالِساً لِيَستَقبِلَ الأَشيَاءَ بِيَدَيهِ وَ جَوَارِحِهِ وَ يُمكِنَهُ العِلَاجُ وَ العَمَلُ بِهِمَا فَلَو كَانَ مَكبُوباً عَلَي وَجهِهِ كَذَاتِ الأَربَعِ لَمَا استَطَاعَ أَن يَعمَلَ شَيئاً مِنَ الأَعمَالِ انظُرِ الآنَ يَا مُفَضّلُ إِلَي هَذِهِ الحَوَاسّ التّيِ خُصّ بِهَا الإِنسَانُ فِي خَلقِهِ وَ شُرّفَ بِهَا عَلَي غَيرِهِ كَيفَ جُعِلَتِ العَينَانِ فِي الرّأسِ كَالمَصَابِيحِ فَوقَ المَنَارَةِ لِيَتَمَكّنَ مِنَ مُطَالَعَةِ الأَشيَاءِ وَ لَم تُجعَل فِي الأَعضَاءِ التّيِ تَحتَهُنّ كَاليَدَينِ وَ الرّجلَينِ فَتَعرِضَهَا الآفَاتُ وَ تُصِيبَهَا مِن مُبَاشَرَةِ العَمَلِ وَ الحَرَكَةِ مَا يُعَلّلُهَا وَ يُؤَثّرُ فِيهَا وَ يَنقُصُ مِنهَا وَ لَا فِي الأَعضَاءِ التّيِ وَسَطَ البَدَنِ كَالبَطنِ وَ الظّهرِ فَيَعسُرَ تَقَلّبُهَا وَ اطّلَاعُهَا نَحوَ الأَشيَاءِ فَلَمّا لَم يَكُن لَهَا فِي شَيءٍ مِن هَذِهِ الأَعضَاءِ مَوضِعٌ كَانَ الرّأسُ أَسنَي المَوَاضِعِ لِلحَوَاسّ وَ هُوَ بِمَنزِلَةِ الصّومَعَةِ لَهَا فَجُعِلَ الحَوَاسّ خَمساً تَلقَي خَمساً لِكَيلَا يَفُوتَهَا شَيءٌ مِنَ المَحسُوسَاتِ فَخُلِقَ البَصَرُ لِيُدرِكَ الأَلوَانَ فَلَو كَانَتِ الأَلوَانُ وَ لَم يَكُن بَصَرٌ يُدرِكُهَا لَم يَكُن فِيهَا مَنفَعَةٌ وَ خُلِقَ السّمعُ لِيُدرِكَ الأَصوَاتَ فَلَو كَانَتِ الأَصوَاتُ وَ لَم يَكُن سَمعٌ يُدرِكُهَا لَم يَكُن فِيهَا إِربٌ وَ كَذَلِكَ سَائِرُ الحَوَاسّ ثُمّ هَذَا يَرجِعُ مُتَكَافِئاً فَلَو كَانَ بَصَراً[بَصَرٌ] وَ لَم يَكُن أَلوَاناً[أَلوَانٌ] لَمَا كَانَ لِلبَصَرِ مَعنًي وَ لَو كَانَ سَمعٌ وَ لَم يَكُن أَصوَاتٌ لَم يَكُن لِلسّمعِ مَوضِعٌ فَانظُر كَيفَ قَدّرَ بَعضَهَا يَلقَي بَعضاً فَجَعَلَ لِكُلّ حَاسّةٍ مَحسُوساً يَعمَلُ فِيهِ وَ لِكُلّ مَحسُوسٍ حَاسّةً تُدرِكُهُ وَ مَعَ هَذَا فَقَد جُعِلَت أَشيَاءُ مُتَوَسّطَةٌ بَينَ الحَوَاسّ وَ المَحسُوسَاتِ لَا يَتِمّ الحَوَاسّ إِلّا بِهَا كَمِثلِ الضّيَاءِ وَ الهَوَاءِ فَإِنّهُ لَو لَم يَكُن ضِيَاءٌ يُظهِرُ اللّونَ لِلبَصَرِ لَم يَكُنِ البَصَرُ يُدرِكُ اللّونَ وَ لَو لَم يَكُن هَوَاءٌ يؤُدَيّ الصّوتَ إِلَي السّمعِ لَم يَكُنِ السّمعُ يُدرِكُ الصّوتَ فَهَل يَخفَي عَلَي مَن صَحّ نَظَرُهُ وَ أَعمَلَ فِكرَهُ أَنّ مِثلَ هَذَا ألّذِي وَصَفتُ مِن تَهيِئَةِ الحَوَاسّ وَ المَحسُوسَاتِ بَعضُهَا يَلقَي بَعضاً وَ تَهيِئَةِ أَشيَاءَ أُخَرَ بِهَا تَتِمّ الحَوَاسّ لَا يَكُونُ إِلّا بِعَمدٍ وَ تَقدِيرٍ مِن لَطِيفٍ خَبِيرٍ فَكّر يَا مُفَضّلُ فِي مَن عَدِمَ البَصَرَ مِنَ النّاسِ وَ مَا يَنَالُهُ مِنَ الخَلَلِ فِي أُمُورِهِ فَإِنّهُ لَا يَعرِفُ مَوضِعَ قَدَمِهِ وَ لَا يُبصِرُ مَا بَينَ يَدَيهِ فَلَا يُفَرّقُ بَينَ الأَلوَانِ وَ بَينَ المَنظَرِ الحَسَنِ وَ القَبِيحِ وَ لَا يَرَي حُفرَةً إِن هَجَمَ عَلَيهَا وَ لَا عَدُوّاً إِن أَهوَي إِلَيهِ بِسَيفٍ وَ لَا يَكُونُ لَهُ
صفحه : 323
سَبِيلٌ إِلَي أَن يَعمَلَ شَيئاً مِن هَذِهِ الصّنَاعَاتِ مِثلَ الكِتَابَةِ وَ التّجَارَةِ وَ الصّيَاغَةِ حَتّي إِنّهُ لَو لَا نَفَاذُ ذِهنِهِ لَكَانَ بِمَنزِلَةِ الحَجَرِ المُلقَي وَ كَذَلِكَ مَن عَدِمَ السّمعَ يَختَلّ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ فَإِنّهُ يَفقِدُ رَوحَ المُخَاطَبَةِ وَ المُحَاوَرَةِ وَ يَعدَمُ لَذّةَ الأَصوَاتِ وَ اللّحُونِ الشّجِيّةِ المُطرِبَةِ وَ يُعَظّمُ المَئُونَةَ عَلَي النّاسِ فِي مُحَاوَرَتِهِ حَتّي يَتَبَرّمُوا بِهِ وَ لَا يَسمَعُ شَيئاً مِن أَخبَارِ النّاسِ وَ أَحَادِيثِهِم حَتّي يَكُونُ كَالغَائِبِ وَ هُوَ شَاهِدٌ أَو كَالمَيّتِ وَ هُوَ حيَّ فَأَمّا مَن عَدِمَ العَقلَ فَإِنّهُ يَلحَقُ بِمَنزِلَةِ البَهَائِمِ بَل يَجهَلُ كَثِيراً مِمّا يهَتدَيِ إِلَيهِ البَهَائِمُ أَ فَلَا تَرَي كَيفَ صَارَتِ الجَوَارِحُ وَ العَقلُ وَ سَائِرُ الخِلَالِ التّيِ بِهَا صَلَاحُ الإِنسَانِ وَ التّيِ لَو فَقَدَ مِنهَا شَيئاً لَعَظُمَ مَا يَنَالُهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الخَلَلِ يوُاَفيِ خَلقَهُ عَلَي التّمَامِ حَتّي لَا يَفقِدَ شَيئاً مِنهَا فَلِمَ كَانَ كَذَلِكَ إِلّا لِأَنّهُ خُلِقَ بِعِلمٍ وَ تَقدِيرٍ قَالَ المُفَضّلُ فَقُلتُ فَلِمَ صَارَ بَعضُ النّاسِ يَفقِدُ شَيئاً مِن هَذِهِ الجَوَارِحِ فَيَنَالُهُ فِي ذَلِكَ مِثلُ مَا وَصَفتَهُ يَا موَلاَيَ قَالَ ع ذَلِكَ لِلتّأدِيبِ وَ المَوعِظَةِ لِمَن يَحِلّ ذَلِكَ بِهِ وَ لِغَيرِهِ بِسَبَبِهِ كَمَا قَد يُؤَدّبُ المُلُوكُ النّاسَ لِلتّنكِيلِ وَ المَوعِظَةِ فَلَا يُنكَرُ ذَلِكَ عَلَيهِم بَل يُحمَدُ مِن رَأيِهِم وَ يُصَوّبُ مِن تَدبِيرِهِم ثُمّ إِنّ لِلّذِينَ تَنزِلُ بِهِم هَذِهِ البَلَايَا مِنَ الثّوَابِ بَعدَ المَوتِ إِن شَكَرُوا وَ أَنَابُوا لَمَا يَستَصغِرُونَ مَعَهُ مَا يَنَالُهُم مِنهَا حَتّي إِنّهُم لَو خُيّرُوا بَعدَ المَوتِ لَاختَارُوا أَن يُرَدّوا إِلَي البَلَايَا لِيَزدَادُوا مِنَ الثّوَابِ فَكّر يَا مُفَضّلُ فِي الأَعضَاءِ التّيِ خُلِقَت أَفرَاداً وَ أَزوَاجاً وَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الحِكمَةِ وَ التّقدِيرِ وَ الصّوَابِ فِي التّدبِيرِ فَالرّأسُ مِمّا خُلِقَ فَرداً وَ لَم يَكُن لِلإِنسَانِ صَلَاحٌ فِي أَن يَكُونَ أَكثَرَ مِن وَاحِدٍ أَ لَا تَرَي أَنّهُ لَو أُضِيفَ إِلَي رَأسِ الإِنسَانِ رَأسٌ آخَرُ لَكَانَ ثِقلًا عَلَيهِ مِن غَيرِ حَاجَةٍ إِلَيهِ لِأَنّ الحَوَاسّ التّيِ يَحتَاجُ إِلَيهَا مُجتَمِعَةٌ فِي رَأسٍ وَاحِدٍ ثُمّ كَانَ الإِنسَانُ يَنقَسِمُ قِسمَينِ لَو كَانَ لَهُ رَأسَانِ فَإِن تَكَلّمَ مِن أَحَدِهِمَا كَانَ الآخَرُ مُعَطّلًا لَا إِربَ فِيهِ وَ لَا حَاجَةَ إِلَيهِ وَ إِن تَكَلّمَ مِنهُمَا جَمِيعاً بِكَلَامٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَدُهُمَا فَضلًا لَا يُحتَاجُ إِلَيهِ وَ إِن تَكَلّمَ بِأَحَدِهِمَا بِغَيرِ ألّذِي تَكَلّمَ بِهِ مِنَ الآخَرِ لَم يَدرِ السّامِعُ بأِيَّ
صفحه : 324
ذَلِكَ يَأخُذُ وَ كَانَ أَشبَاهُ هَذَا مِنَ الِاختِلَاطِ وَ اليَدَانِ مِمّا خُلِقَ أَزوَاجاً وَ لَم يَكُن لِلإِنسَانِ خَيرٌ فِي أَن يَكُونَ لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ لِأَنّ ذَلِكَ كَانَ يُخِلّ بِهِ فِي مَا يَحتَاجُ إِلَي مُعَالَجَتِهِ مِنَ الأَشيَاءِ أَ لَا تَرَي أَنّ النّجّارَ وَ البَنّاءَ لَو شَلّت إِحدَي يَدَيهِ لَا يَستَطِيعُ أَن يُعَالِجَ صِنَاعَتَهُ وَ إِن تَكَلّفَ ذَلِكَ لَم يُحكِمهُ وَ لَم يَبلُغ مِنهُ مَا يَبلُغُهُ إِذَا كَانَت لَهُ يَدَانِ يَتَعَاوَنَانِ عَلَي العَمَلِ أَطِلِ الفِكرَ يَا مُفَضّلُ فِي الصّوتِ وَ الكَلَامِ وَ تَهيِئَةِ آلَاتِهِ فِي الأَسنَانِ فَالحَنجَرَةُ كَالأُنبُوبَةِ لِخُرُوجِ الصّوتِ وَ اللّسَانُ وَ الشّفَتَانِ وَ الأَسنَانُ لِصِيَاغَةِ الحُرُوفِ وَ النّغمِ أَ لَا تَرَي أَنّ مَن سَقَطَت أَسنَانُهُ لَم يُقِمِ السّينَ وَ مَن سَقَطَت شَفَتُهُ لَم يُصَحّحِ الفَاءَ وَ مَن ثَقُلَ لِسَانُهُ لَم يُفصِحِ الرّاءَ وَ أَشبَهُ شَيءٍ بِذَلِكَ المِزمَارُ الأَعظَمُ فَالحَنجَرَةُ يُشبِهُ قَصَبَةَ المِزمَارِ وَ الرّئَةُ يُشبِهُ الزّقّ ألّذِي يُنفَخُ فِيهِ لِتَدخُلَ الرّيحُ وَ العَضُلَاتُ التّيِ تَقبِضُ عَلَي الرّئَةِ لِيَخرُجَ الصّوتُ كَالأَصَابِعِ التّيِ تَقبِضُ عَلَي الزّقّ حَتّي تجَريَِ الرّيحُ فِي المِزمَارِ وَ الشّفَتَانِ وَ الأَسنَانُ التّيِ تَصُوغُ الصّوتَ حُرُوفاً وَ نَغماً كَالأَصَابِعِ التّيِ تَختَلِفُ فِي فَمِ المِزمَارِ فَتَصُوغُ صَفِيرَهُ أَلحَاناً غَيرَ أَنّهُ وَ إِن كَانَ مَخرَجُ الصّوتِ يُشبِهُ المِزمَارَ بِالدّلَالَةِ وَ التّعرِيفِ فَإِنّ المِزمَارَ بِالحَقِيقَةِ هُوَ المُشَبّهُ بِمَخرَجِ الصّوتِ قَد أَنبَأتُكَ بِمَا فِي الأَعضَاءِ مِنَ الغِنَاءِ فِي صَنعَةِ الكَلَامِ وَ إِقَامَةِ الحُرُوفِ وَ فِيهَا مَعَ ألّذِي ذَكَرتُ لَكَ مَآرِبُ أُخرَي فَالحَنجَرَةُ لِيُسلَكَ فِيهَا هَذَا النّسِيمُ إِلَي الرّئَةِ فَتَرَوّحَ عَنِ الفُؤَادِ بِالنّفَسِ الدّائِمِ المُتَتَابِعِ ألّذِي لَو حَبَسَ شَيئاً يَسِيراً لَهَلَكَ الإِنسَانُ وَ بِاللّسَانِ تُذَاقُ الطّعُومُ فَيُمَيّزُ بَينَهَا وَ يُعرَفُ كُلّ وَاحِدٍ مِنهَا حُلوُهَا مِن مُرّهَا وَ حَامِضُهَا مِن مُزّهَا وَ مَالِحُهَا مِن عَذبِهَا وَ طَيّبُهَا مِن خَبِيثِهَا وَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ مَعُونَةٌ عَلَي إِسَاغَةِ الطّعَامِ وَ الشّرَابِ وَ الأَسنَانُ تَمضَغُ الطّعَامَ حَتّي يَلِينَ وَ يَسهُلَ إِسَاغَتُهُ وَ هيَِ مَعَ ذَلِكَ
صفحه : 325
كَالسّنَدِ لِلشّفَتَينِ تُمسِكُهُمَا وَ تَدعَمُهُمَا مِن دَاخِلِ الفَمِ وَ اعتَبِر ذَلِكَ بِأَنّكَ تَرَي مَن سَقَطَت أَسنَانُهُ مسُترَخيَِ الشّفَةِ وَ مُضطَرِبَهَا وَ بِالشّفَتَينِ يُتَرَشّفُ الشّرَابُ حَتّي يَكُونَ ألّذِي يَصِلُ إِلَي الجَوفِ مِنهُ بِقَصدٍ وَ قَدَرٍ لَا يَثُجّ ثَجّاً فَيَغَصّ بِهِ الشّارِبُ أَو يَنكَأَ فِي الجَوفِ ثُمّ هُمَا بَعدَ ذَلِكَ كَالبَابِ المُطبَقِ عَلَي الفَمِ يَفتَحُهُمَا الإِنسَانُ إِذَا شَاءَ وَ يُطبِقُهُمَا إِذَا شَاءَ ففَيِ مَا وَصَفنَا مِن هَذَا بَيَانُ أَنّ كُلّ وَاحِدٍ مِن هَذِهِ الأَعضَاءِ يَتَصَرّفُ وَ يَنقَسِمُ إِلَي وُجُوهٍ مِنَ المَنَافِعِ كَمَا تَتَصَرّفُ الأَدَاةُ الوَاحِدَةُ فِي أَعمَالٍ شَتّي وَ ذَلِكَ كَالفَأسِ يُستَعمَلُ فِي النّجَارَةِ وَ الحَفرِ وَ غَيرِهِمَا مِنَ الأَعمَالِ لَو رَأَيتَ الدّمَاغَ إِذَا كُشِفَ عَنهُ لَرَأَيتَهُ قَد لُفّ بِحُجُبٍ بَعضُهَا فَوقَ بَعضٍ لِتَصُونَهُ مِنَ الأَعرَاضِ وَ تُمسِكَهُ فَلَا يَضطَرِبَ وَ لَرَأَيتَ عَلَيهِ الجُمجُمَةَ بِمَنزِلَةِ البَيضَةِ كَيمَا يَفُتّهُ هَدّ الصّدمَةِ وَ الصّكّةِ التّيِ رُبّمَا وَقَعَت فِي الرّأسِ ثُمّ قَد جُلّلَتِ الجُمجُمَةُ بِالشّعرِ حَتّي صَارَ بِمَنزِلَةِ الفَروِ لِلرّأسِ تَستُرُهُ مِن شِدّةِ الحَرّ وَ البَردِ فَمَن حَصّنَ الدّمَاغَ هَذَا التّحصِينَ إِلّا ألّذِي خَلَقَهُ وَ جَعَلَهُ يَنبُوعَ الحِسّ وَ المُستَحِقّ لِلحِيطَةِ وَ الصّيَانَةِ لِعُلُوّ مَنزِلَتِهِ مِنَ البَدَنِ وَ ارتِفَاعِ دَرَجَتِهِ وَ خَطَرِ مَرتَبَتِهِ تَأَمّل يَا مُفَضّلُ الجَفنُ عَلَي العَينِ كَيفَ جُعِلَ كَالغِشَاءِ وَ الأَشفَارُ كَالأَشرَاجِ وَ أَولَجَهَا فِي هَذَا الغَارِ وَ أَظَلّهَا بِالحِجَابِ وَ مَا عَلَيهِ مِنَ الشّعرِ فَكّر يَا مُفَضّلُ مَن غَيّبَ الفُؤَادَ فِي جَوفِ الصّدرِ وَ كَسَاهُ المِدرَعَةَ التّيِ هيَِ غِشَاؤُهُ وَ حَصّنَهُ بِالجَوَانِحِ وَ مَا عَلَيهَا مِنَ اللّحمِ وَ العَصَبِ لِئَلّا يَصِلَ إِلَيهِ مَا يَنكَؤُهُ مَن جَعَلَ فِي الحَلقِ مَنفَذَينِ أَحَدُهُمَا لِمَخرَجِ الصّوتِ وَ هُوَ الحُلقُومُ المُتّصِلُ بِالرّئَةِ وَ الآخَرُ مَنفَذٌ لِلغِذَاءِ وَ هُوَ المرَيِءُ المُتّصِلُ بِالمَعِدَةِ المُوصِلُ الغِذَاءَ إِلَيهَا وَ جَعَلَ عَلَي الحُلقُومِ طَبَقاً يَمنَعُ الطّعَامَ أَن يَصِلَ إِلَي الرّئَةِ فَيَقتُلَ مَن جَعَلَ الرّئَةَ مِروَحَةَ الفُؤَادِ لَا تَفتُرُ وَ لَا تُخِلّ لِكَيلَا
صفحه : 326
تَتَحَيّزَ الحَرَارَةُ فِي الفُؤَادِ فتَؤُدَيَّ إِلَي التّلَفِ مَن جَعَلَ لِمَنَافِذِ البَولِ وَ الغَائِطِ أَشرَاجاً تَضبِطُهُمَا لِئَلّا يَجرِيَا جَرَيَاناً دَائِماً فَيَفسُدَ عَلَي الإِنسَانِ عَيشُهُ فَكَم عَسَي أَن يحُصيَِ المحُصيِ مِن هَذَا بَلِ ألّذِي لَا يُحصَي مِنهُ وَ لَا يَعلَمُهُ النّاسُ أَكثَرُ مَن جَعَلَ المَعِدَةَ عَصَبَانِيّةً شَدِيدَةً وَ قَدّرَهَا لِهَضمِ الطّعَامِ الغَلِيظِ وَ مَن جَعَلَ الكَبِدَ رَقِيقَةً نَاعِمَةً لِقَبُولِ الصّفوِ اللّطِيفِ مِنَ الغِذَاءِ وَ لِتَهضِمَ وَ تَعمَلَ مَا هُوَ أَلطَفُ مِن عَمَلِ المَعِدَةِ إِلّا اللّهُ القَادِرُ أَ تَرَي مِنَ الإِهمَالِ يأَتيِ بشِيَءٍ مِن ذَلِكَ كَلّا بَل هُوَ تَدبِيرٌ مِن مُدَبّرٍ حَكِيمٍ قَادِرٍ عَلِيمٍ بِالأَشيَاءِ قَبلَ خَلقِهِ إِيّاهَا لَا يُعجِزُهُ شَيءٌوَ هُوَ اللّطِيفُ الخَبِيرُفَكّر يَا مُفَضّلُ لِمَ صَارَ المُخّ الرّقِيقُ مُحَصّناً فِي أَنَابِيبِ العِظَامِ هَل ذَلِكَ إِلّا لِيَحفَظَهُ وَ يَصُونَهُ لِمَ صَارَ الدّمُ السّائِلُ مَحصُوراً فِي العُرُوقِ بِمَنزِلَةِ المَاءِ فِي الظّرُوفِ إِلّا لِتَضبِطَهُ فَلَا يُفِيضَ لِمَ صَارَتِ الأَظفَارُ عَلَي أَطرَافِ الأَصَابِعِ إِلّا وِقَايَةً لَهَا وَ مَعُونَةً عَلَي العَمَلِ لِمَ صَارَ دَاخِلُ الأُذُنِ مُلتَوِياً كَهَيئَةِ اللّولَبِ إِلّا لِيَطّرِدَ فِيهِ الصّوتُ حَتّي ينَتهَيَِ إِلَي السّمعِ وَ لِيَكسِرَ حُمَةَ[حُمّةَ]الرّيحِ فَلَا يَنكَأَ فِي السّمعِ لِمَ حَمَلَ الإِنسَانُ عَلَي فَخِذَيهِ وَ أَليَتَيهِ هَذَا اللّحمَ إِلّا لِيَقِيَهُ مِنَ الأَرضِ فَلَا يَتَأَلّمَ مِنَ الجُلُوسِ عَلَيهَا كَمَا يَألَمُ مَن نَحَلَ جِسمُهُ وَ قَلّ لَحمُهُ إِذَا لَم يَكُن بَينَهُ وَ بَينَ الأَرضِ حَائِلٌ يُوَقّيهِ صَلَابَتَهَا مَن جَعَلَ الإِنسَانَ ذَكَراً وَ أُنثَي إِلّا مَن خَلَقَهُ مُتَنَاسِلًا وَ مَن خَلَقَهُ مُتَنَاسِلًا إِلّا مَن خَلَقَهُ مُؤَمّلًا وَ مَن أَعطَاهُ آلَاتِ العَمَلِ إِلّا مَن خَلَقَهُ عَامِلًا وَ مَن خَلَقَهُ عَامِلًا إِلّا مَن جَعَلَهُ مُحتَاجاً وَ مَن جَعَلَهُ مُحتَاجاً إِلّا مَن ضَرَبَهُ بِالحَاجَةِ وَ مَن ضَرَبَهُ بِالحَاجَةِ إِلّا مَن تَوَكّلَ بِتَقوِيمِهِ مَن خَصّهُ بِالفَهمِ إِلّا مَن أَوجَبَ لَهُ الجَزَاءَ مَن وَهَبَ لَهُ الحِيلَةَ إِلّا مَن مَلّكَهُ الحَولَ وَ مَن مَلّكَهُ الحَولَ إِلّا مَن أَلزَمَهُ الحُجّةَ مَن يَكفِيهِ مَا لَا تَبلُغُهُ حِيلَتُهُ إِلّا مَن لَم يَبلُغ مَدَي شُكرِهِ فَكّر
صفحه : 327
وَ تَدَبّر مَا وَصَفتُهُ هَل تَجِدُ الإِهمَالَ عَلَي هَذَا النّظَامِ وَ التّرتِيبِ تَبَارَكَ اللّهُ عَمّا يَصِفُونَ أَصِفُ لَكَ الآنَ يَا مُفَضّلُ الفُؤَادَ اعلَم أَنّ فِيهِ ثُقَباً مُوَجّهَةً نَحوَ الثُقَبِ التّيِ فِي الرّئَةِ تُرَوّحُ عَنِ الفُؤَادِ حَتّي لَوِ اختَلَفَت تِلكَ الثّقَبُ فَتَزَايَلَ بَعضُهَا عَن بَعضٍ لَمَا وَصَلَ الرّوحُ إِلَي الفُؤَادِ وَ لَهَلَكَ الإِنسَانُ فَيَستَجِيزُ ذُو فِكرٍ وَ رَوِيّةٍ أَن يَزعُمَ أَنّ مِثلَ هَذَا يَكُونُ بِالإِهمَالِ وَ لَا يَجِدُ شَاهِداً مِن نَفسِهِ يَنزِعُهُ عَن هَذَا القَولِ لَو رَأَيتَ فَرداً مِن مِصرَاعَينِ فِيهِ كَلّوبٌ أَ كُنتَ تَتَوَهّمُ أَنّهُ جُعِلَ كَذَلِكَ بِلَا مَعنًي بَل كُنتَ تَعلَمُ ضَرُورَةً أَنّهُ مَصنُوعٌ يَلقَي فَرداً آخَرَ فَتُبرِزُهُ لِيَكُونَ فِي اجتِمَاعِهِمَا ضَربٌ مِنَ المَصلَحَةِ وَ هَكَذَا تَجِدُ الذّكَرَ مِنَ الحَيَوَانِ كَأَنّهُ فَردٌ مِن زَوجٍ مُهَيّأٌ مِن فَردٍ أُنثَي فَيَلتَقِيَانِ لِمَا فِيهِ مِن دَوَامِ النّسلِ وَ بَقَائِهِ فَتَبّاً وَ خَيبَةً وَ تَعساً لمِنُتحَلِيِ الفَلسَفَةِ كَيفَ عَمِيَت قُلُوبُهُم عَن هَذِهِ الخِلقَةِ العَجِيبَةِ حَتّي أَنكَرُوا التّدبِيرَ وَ العَمدَ فِيهَا لَو كَانَ فَرجُ الرّجُلِ مُستَرخِياً كَيفَ كَانَ يَصِلُ إِلَي قَعرِ الرّحِمِ حَتّي يُفرِغَ النّطفَةَ فِيهِ وَ لَو كَانَ مُنعَظاً أَبَداً كَيفَ كَانَ الرّجُلُ يَتَقَلّبُ فِي الفِرَاشِ وَ يمَشيِ بَينَ النّاسِ وَ شَيءٌ شَاخِصٌ أَمَامَهُ ثُمّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَعَ قُبحِ المَنظَرِ تَحرِيكُ الشّهوَةِ فِي كُلّ وَقتٍ مِنَ الرّجَالِ وَ النّسَاءِ جَمِيعاً فَقَدّرَ اللّهُ جَلّ اسمُهُ أَن يَكُونَ أَكثَرَ ذَلِكَ لَا يَبدُو لِلبَصَرِ فِي كُلّ وَقتٍ وَ لَا يَكُونُ عَلَي الرّجَالِ مِنهُ مَئُونَةٌ بَل جَعَلَ فِيهِ القُوّةَ عَلَي الِانتِصَابِ وَقتَ الحَاجَةِ إِلَي ذَلِكَ لِمَا قَدّرَ أَن يَكُونَ فِيهِ مِن دَوَامِ النّسلِ وَ بَقَائِهِ اعتَبِرِ الآنَ يَا مُفَضّلُ بِعِظَمِ النّعمَةِ عَلَي الإِنسَانِ فِي مَطعَمِهِ وَ مَشرَبِهِ وَ تَسهِيلِ خُرُوجِ الأَذَي أَ لَيسَ مِن حُسنِ التّقدِيرِ فِي بِنَاءِ الدّارِ أَن يَكُونَ الخَلَاءُ فِي أَستَرِ مَوضِعٍ فِيهَا فَهَكَذَا جَعَلَ اللّهُ سُبحَانَهُ المَنفَذَ المُهَيّأَ لِلخَلَاءِ مِنَ الإِنسَانِ فِي أَستَرِ مَوضِعٍ مِنهُ فَلَم يَجعَلهُ بَارِزاً مِن خَلقِهِ وَ لَا نَاشِراً مِن بَينِ يَدَيهِ بَل هُوَ مُغَيّبٌ فِي مَوضِعٍ غَامِضٍ مِنَ البَدَنِ مَستُورٌ مَحجُوبٌ يلَتقَيِ
صفحه : 328
عَلَيهِ الفَخِذَانِ وَ تَحجُبُهُ الأَليَتَانِ بِمَا عَلَيهِمَا مِنَ اللّحمِ فَيُوَارِيَانِهِ فَإِذَا احتَاجَ الإِنسَانُ إِلَي الخَلَاءِ وَ جَلَسَ تِلكَ الجِلسَةَ أَلفَي ذَلِكَ المَنفَذَ مِنهُ مُنصَبّاً مُهَيّأً لِانحِدَارِ الثّفلِ فَتَبَارَكَ اللّهُ مَن تَظَاهَرَت آلَاؤُهُ وَ لَا تُحصَي نَعمَاؤُهُ فَكّر يَا مُفَضّلُ فِي هَذِهِ الطَوَاحِنِ التّيِ جُعِلَت لِلإِنسَانِ فَبَعضُهَا حُدَادٌ لِقَطعِ الطّعَامِ وَ قَرضِهِ وَ بَعضُهَا عُرَاضٌ لِمَضغِهِ وَ رَضّهِ فَلَم يَنقُص وَاحِدٌ مِنَ الصّفَتَينِ إِذ كَانَ مُحتَاجاً إِلَيهِمَا جَمِيعاً تَأَمّل وَ اعتَبِر بِحُسنِ التّدبِيرِ فِي خَلقِ الشّعرِ وَ الأَظفَارِ فَإِنّهُمَا لَمّا كَانَا مِمّا يَطُولُ وَ يَكثُرُ حَتّي يُحتَاجُ إِلَي تَخفِيفِهِ أَوّلًا فَأَوّلًا جُعِلَا عدَيِميَِ الحِسّ لِئَلّا يُؤلِمَ الإِنسَانَ الأَخذُ مِنهُمَا وَ لَو كَانَ قَصّ الشّعرِ وَ تَقلِيمُ الأَظفَارِ مِمّا يُوجَدُ لَهُ مَسّ ذَلِكَ لَكَانَ الإِنسَانُ مِن ذَلِكَ بَينَ مَكرُوهَينِ إِمّا أَن يَدَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا حَتّي يَطُولَ فَيَتَثَقّلَ عَلَيهِ وَ إِمّا أَن يُخَفّفَهُ بِوَجَعٍ وَ أَلَمٍ يَتَأَلّمُ مِنهُ قَالَ المُفَضّلُ فَقُلتُ فَلِمَ لَم يَجعَل ذَلِكَ خِلقَةً لَا تَزِيدُ فَيَحتَاجُ الإِنسَانُ إِلَي النّقصَانِ مِنهُ فَقَالَ ع إِنّ لِلّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي فِي ذَلِكَ عَلَي العَبدِ نِعَماً لَا يَعرِفُهَا فَيَحمَدَ عَلَيهَا اعلَم أَنّ آلَامَ البَدَنِ وَ أَدوَاءَهُ تَخرُجُ بِخُرُوجِ الشّعرِ فِي مَسَامّهِ وَ بِخُرُوجِ الأَظفَارِ مِن أَنَامِلِهَا وَ لِذَلِكَ أُمِرَ الإِنسَانُ بِالنّورَةِ وَ حَلقِ الرّأسِ وَ قَصّ الأَظفَارِ فِي كُلّ أُسبُوعٍ لِيُسرِعَ الشّعرُ وَ الأَظفَارُ فِي النّبَاتِ فَتَخرُجَ الآلَامُ وَ الأَدوَاءُ بِخُرُوجِهِمَا وَ إِذَا طَالَا تَحَيّزَا وَ قَلّ خُرُوجُهُمَا فَاحتُبِسَتِ الآلَامُ وَ الأَدوَاءُ فِي البَدَنِ فَأَحدَثَت عِلَلًا وَ أَوجَاعاً وَ مَنَعَ مَعَ ذَلِكَ الشّعرَ مِنَ المَوَاضِعِ التّيِ يُضِرّ بِالإِنسَانِ وَ يُحدِثُ عَلَيهِ الفَسَادَ وَ الضّرَرَ لَو نَبَتَ الشّعرُ فِي العَينِ أَ لَم يَكُن سَيَعمَي البَصَرُ وَ لَو نَبَتَ فِي الفَمِ أَ لَم يَكُن سَيُنَغّصُ عَلَي الإِنسَانِ طَعَامَهُ وَ شَرَابَهُ وَ لَو نَبَتَ فِي بَاطِنِ الكَفّ أَ لَم يَكُن سَيَعُوقُهُ عَن صِحّةِ اللّمسِ وَ بَعضِ الأَعمَالِ وَ لَو نَبَتَ فِي فَرجِ المَرأَةِ وَ عَلَي ذَكَرِ الرّجُلِ أَ لَم يَكُن سَيُفسِدُ عَلَيهِمَا لَذّةَ الجِمَاعِ فَانظُر كَيفَ تَنَكّبَ الشّعرُ هَذِهِ المَوَاضِعَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ المَصلَحَةِ ثُمّ لَيسَ هَذَا فِي الإِنسَانِ فَقَط بَل تَجِدُهُ فِي البَهَائِمِ وَ السّبَاعِ وَ سَائِرِ المُتَنَاسِلَاتِ فَإِنّكَ تَرَي أَجسَامَهُنّ مُجَلّلَةً بِالشّعرِ وَ تَرَي هَذِهِ
صفحه : 329
المَوَاضِعَ خَالِيَةً مِنهُ لِهَذَا السّبَبِ بِعَينِهِ فَتَأَمّلِ الخِلقَةَ كَيفَ تَتَحَرّزُ وُجُوهَ الخَطَاءِ وَ المَضَرّةِ وَ تأَتيِ بِالصّوَابِ وَ المَنفَعَةِ إِنّ المَنّانِيّةَ وَ أَشبَاهَهُم حِينَ اجتَهَدُوا فِي عَيبِ الخِلقَةِ وَ العَمدِ عَابُوا الشّعرَ النّابِتَ عَلَي الرّكَبِ وَ الإِبطَينِ وَ لَم يَعلَمُوا أَنّ ذَلِكَ مِن رُطُوبَةٍ تَنصَبّ إِلَي هَذِهِ المَوَاضِعِ فَيَنبُتُ فِيهَا الشّعرُ كَمَا يَنبُتُ العُشبُ فِي مُستَنقَعِ المِيَاهِ أَ فَلَا تَرَي إِلَي هَذِهِ المَوَاضِعِ أَستَرُ وَ أَهيَأُ لِقَبُولِ تِلكَ الفَضلَةِ مِن غَيرِهَا ثُمّ إِنّ هَذِهِ تُعَدّ مِمّا يَحمِلُ الإِنسَانُ مِن مَئُونَةِ هَذَا البَدَنِ وَ تَكَالِيفِهِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ المَصلَحَةِ فَإِنّ اهتِمَامَهُ بِتَنظِيفِ بَدَنِهِ وَ أَخذِ مَا يَعلُوهُ مِنَ الشّعرِ مِمّا يَكسِرُ بِهِ شِرّتَهُ وَ يَكُفّ عَادِيَتَهُ وَ يَشغَلُهُ عَن بَعضِ مَا يُخرِجُهُ إِلَيهِ الفَرَاغُ مِنَ الأَشَرِ وَ البِطَالَةِ تَأَمّلِ الرّيقَ وَ مَا فِيهِ مِنَ المَنفَعَةِ فَإِنّهُ جُعِلَ يجَريِ جَرَيَاناً دَائِماً إِلَي الفَمِ لِيَبُلّ الحَلقَ وَ اللّهَوَاتِ فَلَا يَجِفّ فَإِنّ هَذِهِ المَوَاضِعَ لَو جُعِلَت كَذَلِكَ كَانَ فِيهِ هَلَاكُ الإِنسَانِ ثُمّ كَانَ لَا يَستَطِيعُ أَن يُسِيغَ طَعَاماً إِذَا لَم يَكُن فِي الفَمِ بِلّةٌ تُنفِذُهُ تَشهَدُ بِذَلِكَ المُشَاهَدَةُ وَ اعلَم أَنّ الرّطُوبَةَ مَطِيّةُ الغِذَاءِ وَ قَد تجَريِ مِن هَذِهِ البِلّةِ إِلَي مَوضِعٍ آخَرَ مِنَ المِرّةِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ تَامّ لِلإِنسَانِ وَ لَو يَبِسَتِ المِرّةُ لَهَلَكَ الإِنسَانُ وَ لَقَد قَالَ قَومٌ مِن جَهَلَةِ المُتَكَلّمِينَ وَ ضَعَفَةِ المُتَفَلسِفِينَ بِقِلّةِ التّميِيزِ وَ قُصُورِ العِلمِ لَو كَانَ بَطنُ الإِنسَانِ كَهَيئَةِ القَبَاءِ يَفتَحُهُ الطّبِيبُ إِذَا شَاءَ فَيُعَايِنُ مَا فِيهِ وَ يُدخِلُ يَدَهُ فَيُعَالِجُ مَا أَرَادَ عِلَاجَهُ أَ لَم يَكُن أَصلَحَ مِن أَن يَكُونَ مُصمَتاً مَحجُوباً عَنِ البَصَرِ وَ اليَدِ لَا يُعرَفُ مَا فِيهِ إِلّا بِدَلَالَاتٍ غَامِضَةٍ كَمِثلِ النّظَرِ إِلَي البَولِ وَ حِسّ[جَسّ]العِرقِ وَ مَا أَشبَهَ ذَلِكَ مِمّا يَكثُرُ فِيهِ الغَلَطُ وَ الشّبهَةُ حَتّي رُبّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَباً لِلمَوتِ فَلَو عَلِمَ هَؤُلَاءِ الجَهَلَةُ أَنّ هَذَا لَو كَانَ هَكَذَا كَانَ أَوّلَ مَا فِيهِ أَنّهُ كَانَ يَسقُطُ عَنِ الإِنسَانِ الوَجَلُ مِنَ الأَمرَاضِ وَ المَوتِ وَ كَانَ يَستَشعِرُ البَقَاءَ وَ يَغتَرّ بِالسّلَامَةِ فَيُخرِجُهُ ذَلِكَ إِلَي العُتُوّ وَ الأَشَرِ ثُمّ كَانَتِ الرّطُوبَاتُ التّيِ فِي البَطنِ تَتَرَشّحُ وَ تَتَحَلّبُ فَيُفسِدُ عَلَي الإِنسَانِ مَقعَدَهُ وَ مَرقَدَهُ وَ ثِيَابَ بِذلَتِهِ وَ زِينَتِهِ بَل كَانَ يُفسِدُ عَلَيهِ عَيشَهُ
صفحه : 330
ثُمّ إِنّ المَعِدَةَ وَ الكَبِدَ وَ الفُؤَادَ إِنّمَا تَفعَلُ أَفعَالَهَا بِالحَرَارَةِ الغَرِيزِيّةِ التّيِ جَعَلَهَا اللّهُ مُحتَبَسَةً فِي الجَوفِ فَلَو كَانَ فِي البَطنِ فَرجٌ يَنفَتِحُ حَتّي يَصِلَ البَصَرُ إِلَي رُؤيَتِهِ وَ اليَدُ إِلَي عِلَاجِهِ لَوَصَلَ بَردُ الهَوَاءِ إِلَي الجَوفِ فَمَازَجَ الحَرَارَةَ الغَرِيزِيّةَ وَ بَطَلَ عَمَلُ الأَحشَاءِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ هَلَاكُ الإِنسَانِ أَ فَلَا تَرَي أَنّ كُلّ مَا تَذهَبُ إِلَيهِ الأَوهَامُ سِوَي مَا جَاءَت بِهِ الخِلقَةُ خَطَأٌ وَ خَطَلٌ
أقول قدمر شرح الجميع في كتاب التوحيد من أراد ذلك فليرجع إليه
32-الدّرّ المَنثُورُ، عَن وَهبِ بنِ مُنَبّهٍ قَالَخَلَقَ اللّهُ ابنَ آدَمَ كَمَا شَاءَ وَ بِمَا شَاءَ فَكَانَ كَذَلِكَفَتَبارَكَ اللّهُ أَحسَنُ الخالِقِينَخَلَقَ مِنَ التّرَابِ وَ المَاءِ فَمِنهُ لَحمُهُ وَ دَمُهُ وَ شَعرُهُ وَ عِظَامُهُ وَ جَسَدُهُ فَهَذَا بَدءُ الخَلقِ ألّذِي خَلَقَ اللّهُ مِنهُ ابنَ آدَمَ ثُمّ جُعِلَت فِيهِ النّفسُ فَبِهَا يَقُومُ وَ يَقعُدُ وَ يَسمَعُ وَ يُبصِرُ وَ يَعلَمُ مَا تَعلَمُ الدّوَابّ وَ يتَقّيِ مَا تتَقّيِ ثُمّ جُعِلَت فِيهِ الرّوحُ فَبِهِ عَرَفَ الحَقّ مِنَ البَاطِلِ وَ الرّشدَ مِنَ الغيَّ وَ بِهِ حَذِرَ وَ تَقَدّمَ وَ استَتَرَ وَ تَعَلّمَ وَ دَبّرَ الأُمُورَ كُلّهَا فَمِنَ التّرَابِ يُبُوسَتُهُ وَ مِنَ المَاءِ رُطُوبَتُهُ فَهَذَا بَدءُ الخَلقِ ألّذِي خَلَقَ اللّهُ مِنهُ ابنَ آدَمَ كَمَا أَحَبّ أَن يَكُونَ ثُمّ جَعَلَ فِيهِ مِن هَذِهِ الفِطَرِ الأَربَعِ أَنوَاعاً مِنَ الخَلقِ فِي جَسَدِ ابنِ آدَمَ فهَيَِ قِوَامُ جَسَدِهِ وَ مِلَاكُهُ بِإِذنِ اللّهِ وَ هيَِ المِرّةُ السّودَاءُ وَ المِرّةُ الصّفرَاءُ وَ الدّمُ وَ البَلغَمُ فَيُبُوسَتُهُ وَ حَرَارَتُهُ مِن قِبَلِ النّفسِ وَ مَسكَنُهَا فِي الدّمِ وَ رُطُوبَتُهُ وَ بُرُودَتُهُ مِن قِبَلِ الرّوحِ وَ مَسكَنُهُ فِي البَلغَمِ فَإِذَا اعتَدَلَت هَذِهِ الفِطَرُ فِي الجَسَدِ فَكَانَ مِن كُلّ وَاحِدٍ رُبُعٌ كَانَ جِلداً[جَسَداً]كَامِلًا وَ جِسماً صَحِيحاً وَ إِن كَثُرَ وَاحِدٌ مِنهَا عَلَي صَاحِبِهِ عَلَاهَا وَ قَهَرَهَا وَ أُدخِلَ عَلَيهَا السّقمُ مِن نَاحِيَتِهِ وَ إِن قَلّ عَنهَا وَاحِدٌ مِنهَا غَلَبَت عَلَيهِ وَ قَهَرَتهُ وَ مَالَت بِهِ فَضَعُفَ عَن قُوّتِهَا وَ عَجَزَ عَن طَاقَتِهَا
صفحه : 331
وَ أُدخِلَ عَلَيهَا السّقمُ مِن نَاحِيَتِهِ فَالطّبِيبُ العَالِمُ بِالدّاءِ وَ الدّوَاءِ يَعلَمُ مِنَ الجَسَدِ حَيثُ أَتَي سُقمُهُ أَ مِن نُقصَانٍ أَو مِن زِيَادَةٍ
33- وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ إِنّ اللّهَ أَوحَي إِلَي دَاوُدَ أَن يَسأَلَ سُلَيمَانَ عَن أَربَعَ عَشرَةَ كَلِمَةً فَإِن أَجَابَ وَرّثَهُ العِلمَ وَ النّبُوّةَ قَالَ أخَبرِنيِ يَا بنُيَّ أَينَ مَوضِعُ العَقلِ مِنكَ قَالَ الدّمَاغُ قَالَ أَينَ مَوضِعُ الحَيَاءِ مِنكَ قَالَ العَينَانِ قَالَ أَينَ مَوضِعُ البَاطِلِ مِنكَ قَالَ الأُذُنَانِ قَالَ أَينَ بَابُ الخَطِيئَةِ مِنكَ قَالَ اللّسَانُ قَالَ أَينَ طَرِيقُ الرّيحِ مِنكَ قَالَ المَنخِرَانِ قَالَ أَينَ مَوضِعُ الأَدَبِ وَ البَيَانِ مِنكَ قَالَ الكُلوَتَانِ قَالَ أَينَ بَابُ الفَظَاظَةِ وَ الغِلظَةِ مِنكَ قَالَ الكَبِدُ قَالَ أَينَ بَيتُ الرّيحِ مِنكَ قَالَ الرّئَةُ قَالَ أَينَ بَابُ الفَرَحِ مِنكَ قَالَ الطّحَالُ قَالَ أَينَ بَابُ الكَسبِ مِنكَ قَالَ اليَدَانِ قَالَ أَينَ بَابُ النّصبِ مِنكَ قَالَ الرّجلَانِ قَالَ أَينَ بَابُ الشّهوَةِ مِنكَ قَالَ الفَرجُ قَالَ أَينَ بَابُ الذّرّيّةِ مِنكَ قَالَ الصّلبُ قَالَ أَينَ بَابُ العِلمِ وَ الفَهمِ وَ الحِكمَةِ قَالَ القَلبُ إِذَا صَلَحَ القَلبُ صَلَحَ ذَلِكَ كُلّهُ وَ إِذ فَسَدَ القَلبُ فَسَدَ ذَلِكَ كُلّهُ