صفحه : 3
صفحه : 5
الباب الحادي والثّلاثون سائر ماجري من الفتن من غارات أصحاب معاوية علي أعمال أمير المؤمنين عليه السّلام وتثاقل أصحابه عن نصرته وفرار بعضهم إلي معاوية.7-الباب الثاني والثّلاثون علّة عدم تغيير أمير المؤمنين عليه السّلام بعض البدع في زمانه .167-الباب الثالث والثّلاثون نوادر ماوقع في أيّام خلافته عليه السّلام وجوامع خطبه ونوادرها.183-الباب الرابع والثّلاثون الصحابة الذين كانوا علي الحق و لم يفارقوا عليّا عليه السّلام، وذكر بعض المخالفين والمنافقين .271-الباب الخامس والثّلاثون باب النوادر.327-الباب السادس والثّلاثون ذكر ماروي عنه عليه السّلام من الأشعار.395-
صفحه : 7
قَالَ عَبدُ الحَمِيدِ بنُ أَبِي الحَدِيدِ إِنّ قَوماً بِصَنعَاءَ كَانُوا مِن شِيعَةِ عُثمَانَ،يُعَظّمُونَ قَتلَهُ، لَم يَكُن لَهُم نِظَامٌ وَ لَا رَأسٌ،فَبَايَعُوا لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي مَا فِي أَنفُسِهِم، وَ عَامِلُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي صَنعَاءَ يَومَئِذٍ عُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ، وَ عَامِلُهُ عَلَي الجَنَدِ سَعِيدُ بنُ نِمرَانَ. فَلَمّا اختَلَفَ النّاسُ عَلَي عَلِيّ بِالعِرَاقِ، وَ قُتِلَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ بِمِصرَ، وَ كَثُرَت غَارَاتُ أَهلِ الشّامِ،تَكَلّمُوا وَ دَعَوا إِلَي الطّلَبِ بِدَمِ عُثمَانَ، وَ مَنَعُوا الصّدَقَاتِ، وَ أَظهَرُوا الخِلَافَ.فَكَتَبَ عُبَيدُ اللّهِ وَ سَعِيدٌ ذَلِكَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، فَلَمّا وَصَلَ كِتَابُهُمَا سَاءَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَغضَبَهُ وَ كَتَبَ إِلَيهِمَا مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ إِلَي عُبَيدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ وَ سَعِيدِ بنِ
صفحه : 8
نِمرَانَ سَلَامُ اللّهِ عَلَيكُمَا،فإَنِيّ أَحمَدُ إِلَيكُمَا اللّهَ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ. أَمّا بَعدُ فَإِنّهُ أتَاَنيِ كِتَابُكُمَا تَذكُرَانِ فِيهِ خُرُوجَ هَذِهِ الخَارِجَةِ، وَ تُعَظّمَانِ مِن شَأنِهَا صَغِيراً، وَ تُكثِرَانِ مِن عَدَدِهَا قَلِيلًا، وَ قَد عَلِمتُ أَنّ[نَخَبَ.خ ]أَفئِدَتِكُمَا، وَ صِغَرَ أَنفُسِكُمَا، وَ تَبَابَ رَأيِكُمَا، وَ سُوءَ تَدبِيرِكُمَا، هُوَ ألّذِي أَفسَدَ عَلَيكُمَا مَن لَم يَكُن عَلَيكُمَا فَاسِداً، وَ جَرّأَ عَلَيكُمَا مَن كَانَ عَن لِقَائِكُمَا جَبَاناً، فَإِذَا قَدِمَ رسَوُليِ عَلَيكُمَا،فَامضِيَا إِلَي القَومِ حَتّي تَقرَءَا عَلَيهِم كتِاَبيِ إِلَيهِم، وَ تَدعُوَاهُم إِلَي حَظّهِم وَ تَقوَي رَبّهِم، فَإِن أَجَابُوا حَمِدنَا اللّهَ وَ قَبِلنَاهُم، وَ إِن حَارَبُوا استَعَنّا بِاللّهِ عَلَيهِم وَ نَابَذنَاهُم عَلَي سَوَاءٍ،إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الخائِنِينَ.فَكَتَبَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَيهِم مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، إِلَي مَن شَاقّ وَ غَدَرَ مِن أَهلِ الجَنَدِ وَ صَنعَاءَ أَمّا بَعدُ فإَنِيّ أَحمَدُ إِلَيكُمُ اللّهَ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ، ألّذِي لَا يُعَقّبُ لَهُ حُكمٌ، وَ لَا يُرَدّ لَهُ قَضَاءٌ،وَ لا يُرَدّ بَأسُهُ عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ.[ أَمّا بَعدُ فَقَد.خ ]بلَغَنَيِ تَحَزّبُكُم وَ شِقَاقُكُم وَ إِعرَاضُكُم عَن دِينِكُم، بَعدَ الطّاعَةِ وَ إِعطَاءِ البَيعَةِ وَ الأُلفَةِ،فَسَأَلتُ أَهلَ الدّينِ الخَالِصِ، وَ الوَرَعِ الصّادِقِ، وَ اللّبّ الرّاجِحِ، عَن بَدءِ مَخرَجِكُم، وَ مَا نَوَيتُم بِهِ وَ مَا أَحمَشَكُم لَهُ،فَحُدّثتُ عَن ذَلِكَ بِمَا لَم أَرَ لَكُم فِي شَيءٍ مِنهُ عُذراً مُبِيناً، وَ لَا مَقَالًا جَمِيلًا، وَ لَا حُجّةً ظَاهِرَةً، فَإِذَا أَتَاكُم رسَوُليِ فَتَفَرّقُوا وَ انصَرِفُوا إِلَي رِحَالِكُم أَعفُ عَنكُم، وَ اتّقُوا اللّهَ وَ ارجِعُوا إِلَي الطّاعَةِ، وَ أَصفَحُ عَن جَاهِلِكُم، وَ أَحفَظُ عَن قَاصِيكُم، وَ أَقُومُ فِيكُم بِالقِسطِ، وَ أَعمَلُ فِيكُم بِحُكمِ الكِتَابِ. فَإِن لَم تَفعَلُوا،فَاستَعِدّوا لِقُدُومِ جَيشٍ جَمّ الفُرسَانِ،عَظِيمِ الأَركَانِ،يَقصِدُ لِمَن طَغَا وَ عَصَي فَتَطَحّنُوا كَطَحنِ الرّحَي فَمَن أَحسَنَفَلِنَفسِهِ،
صفحه : 9
وَ مَن أَساءَ فَعَلَيها وَ ما رَبّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبِيدِ. وَ إِلّا فَلَا يَحمَدُ حَامِدٌ إِلّا رَبّهُ، وَ لَا يَلُومُ لَائِمٌ إِلّا نَفسَهُ، وَ السّلَامُ عَلَيكُم وَ رَحمَةُ اللّهِ. وَ وَجّهَ الكِتَابَ مَعَ رَجُلٍ مِن هَمدَانَ فَقَدّمَ عَلَيهِمُ الكِتَابَ فَلَم يُجِيبُوهُ إِلَي خَيرٍ،فَرَجَعَ فَأَخبَرَهُ عَلَيهِ السّلَامُ. وَ كَتَبَت تِلكَ العِصَابَةُ إِلَي مُعَاوِيَةَ يُخبِرُونَهُ بِمَا جَرَي، وَ بِطَاعَتِهِم[ لَهُ]. فَلَمّا قَدِمَ كِتَابُهُم،دَعَا مُعَاوِيَةُ بُسرَ بنَ أَرطَاةَ العاَمرِيِّ وَ يُقَالُ ابنُ أَبِي أَرطَاةَ وَ كَانَ قاَسيَِ القَلبِ،فَظّاً،سَفّاكاً لِلدّمَاءِ، لَا رَأفَةَ عِندَهُ وَ لَا رَحمَةَ، وَ أَمَرَهُ أَن يَأخُذَ طَرِيقَ الحِجَازِ وَ المَدِينَةِ وَ مَكّةَ حَتّي ينَتهَيَِ إِلَي اليَمَنِ، وَ قَالَ لَهُ لَا تَنزِل عَلَي بَلَدٍ أَهلُهُ عَلَي طَاعَةِ عَلِيّ، إِلّا بَسَطتَ عَلَيهِم لِسَانَكَ، حَتّي يَرَوا أَنّهُم لَا نَجَاءَ لَهُم وَ أَنّكَ مُحِيطٌ بِهِم، ثُمّ اكفُف عَنهُم، وَ ادعُهُم إِلَي البَيعَةِ لِي،فَمَن أَبَي فَاقتُلهُ، وَ اقتُل شِيعَةَ عَلِيّ حَيثُ كَانُوا. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي،بَعَثَ بُسراً فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَ قَالَ سِر حَتّي تَمُرّ بِالمَدِينَةِ،فَاطرُدِ النّاسَ، وَ أَخِف مَن مَرَرتَ بِهِ، وَ انهَب أَموَالَ كُلّ مَن أَصَبتَ لَهُ مَالًا مِمّن لَم يَكُن فِي طَاعَتِنَا، فَإِذَا دَخَلتَ المَدِينَةَ فَأَرِهِم أَنّكَ تُرِيدُ أَنفُسَهُم، وَ أَخبِرهُم أَنّهُ لَا بَرَاءَةَ لَهُم عِندَكَ وَ لَا عُذرَ، حَتّي إِذَا ظَنّوا أَنّكَ مُوقِعٌ بِهِم،فَاكفُف عَنهُم، ثُمّ سِر حَتّي تَدخُلَ مَكّةَ، وَ لَا تَعَرّض فِيهَا لِأَحَدٍ، وَ أَرهِبِ النّاسَ عَنكَ فِيمَا بَينَ مَكّةَ وَ المَدِينَةِ، وَ اجعَلهَا شَردَاتٍ، حَتّي تأَتيَِ صَنعَاءَ وَ الجَنَدَ، فَإِنّ لَنَا بِهِمَا شِيعَةً، وَ قَد جاَءنَيِ كِتَابُهُم.
صفحه : 10
فَسَارَ بُسرٌ حَتّي أَتَي المَدِينَةَ، وَ صَعِدَ المِنبَرَ وَ هَدّدَهُم وَ أَوعَدَهُم، وَ بَعدَ الشّفَاعَةِ أَخَذَ مِنهُمُ البَيعَةَ لِمُعَاوِيَةَ، وَ جَعَلَ عَلَيهَا أَبَا هُرَيرَةَ، وَ أَحرَقَ دُوراً كَثِيرَةً. وَ خَرَجَ إِلَي مَكّةَ، فَلَمّا قَرُبَ مِنهَا هَرَبَ قُثَمُ بنُ العَبّاسِ عَامِلُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَيهَا، وَ دَخَلَهَا بُسرٌ فَشَتَمَ أَهلَ مَكّةَ وَ أَنّبَهُم، ثُمّ خَرَجَ عَنهَا وَ استَعمَلَ عَلَيهَا شَيبَةَ بنَ عُثمَانَ، وَ أَخَذَ فِيهَا سُلَيمَانَ وَ دَاوُدَ ابنيَ عُبَيدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ فَذَبَحَهُمَا، وَ قَتَلَ فِيمَا بَينَ مَكّةَ وَ المَدِينَةِ رِجَالًا وَ أَخَذَ أَموَالًا. ثُمّ خَرَجَ مِن مَكّةَ وَ كَانَ يَسِيرُ وَ يُفسِدُ فِي البِلَادِ، حَتّي أَتَي صَنعَاءَ، وَ هَرَبَ مِنهَا عُبَيدُ اللّهِ وَ سَعِيدٌ،فَدَخَلَهَا وَ قَتَلَ فِيهَا نَاساً كَثِيراً، وَ كَانَ هَكَذَا يُفسِدُ فِي البِلَادِ.فَنَدَبَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَصحَابَهُ لِبَعثِ سَرِيّةٍ فِي أَثَرِ بُسرٍ فَتَثَاقَلُوا، وَ أَجَابَهُ جَارِيَةُ بنُ قُدَامَةَ،فَبَعَثَهُ فِي أَلفَينِ،فَشَخَصَ إِلَي البَصرَةِ، ثُمّ أَخَذَ طَرِيقَ الحِجَازِ حَتّي قَدِمَ يَمَنَ، وَ سَأَلَ عَن بُسرٍ فَقِيلَ أَخَذَ عَلَي بِلَادِ بنَيِ تَمِيمٍ، فَقَالَ أَخَذَ فِي دِيَارِ قَومٍ يَمنَعُونَ أَنفُسَهُم. وَ بَلَغَ بُسراً مَسِيرُ جَارِيَةَ فَانحَدَرَ إِلَي اليَمَامَةِ، وَ أَغَذّ جَارِيَةُ السّيرَ، مَا يَلتَفِتُ إِلَي مَدِينَةٍ مَرّ بِهَا، وَ لَا أَهلِ حِصنٍ، وَ لَا يَعرُجُ عَلَي شَيءٍ إِلّا أَن يُرمِلَ بَعضُ أَصحَابِهِ مِنَ الزّادِ،فَيَأمُرَ أَصحَابَهُ بِمُوَاسَاتِهِ. أَو يَسقُطَ بَعِيرُ رَجُلٍ، أَو تَحفَي دَابّتُهُ،فَيَأمُرَ أَصحَابَهُ بِأَن يُعقِبُوهُ، حَتّي انتَهَي إِلَي أَرضِ اليَمَنِ،فَهَرَبَت شِيعَةُ عُثمَانَ، حَتّي لَحِقُوا بِالجِبَالِ، وَ اتّبَعَهُم شِيعَةُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ تَدَاعَت عَلَيهِم مِن كُلّ جَانِبٍ، وَ أَصَابُوا مِنهُم. وَ مَرّ[جَارِيَةُ]نَحوَ بُسرٍ، وَ بُسرٌ يَفِرّ مِن جِهَةٍ إِلَي جِهَةٍ، حَتّي أَخرَجَهُ مِن أَعمَالِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ كُلّهَا. فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ،أَقَامَ جَارِيَةُ بِحَرَسَ نَحواً مِن شَهرٍ، حَتّي استَرَاحَ وَ أَرَاحَ أَصحَابُهُ. وَ وَثَبَ النّاسُ بِبُسرٍ فِي طَرِيقِهِ لَمّا انصَرَفَ مِن بَينِ يدَيَ جَارِيَةَ،لِسُوءِ
صفحه : 11
سِيرَتِهِ وَ فَظَاظَتِهِ وَ ظُلمِهِ وَ غَشمِهِ. وَ أَصَابَ بَنُو تَمِيمٍ ثِقلًا مِن ثِقلِهِ فِي بِلَادِهِم. فَلَمّا رَجَعَ بُسرٌ إِلَي مُعَاوِيَةَ قَالَ أَحمَدُ اللّهَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،إنِيّ سِرتُ فِي هَذَا الجَيشِ أَقتُلُ عَدُوّكَ ذَاهِباً وَ جَائِياً، لَم يَنكُبَ رَجُلٌ مِنهُم نَكبَةً. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ اللّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَا أَنتَ. وَ كَانَ ألّذِي قَتَلَ بُسرٌ فِي وَجهِهِ ذَلِكَ،ثَلَاثِينَ أَلفاً، وَ حَرَقَ قَوماً بِالنّارِ. قَالَ وَ دَعَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي بُسرٍ فَقَالَ أللّهُمّ إِنّ بُسراً بَاعَ دِينَهُ بِالدّنيَا، وَ انتَهَكَ مَحَارِمَكَ، وَ كَانَت طَاعَةُ مَخلُوقٍ فَاجِرٍ،آثَرَ عِندَهُ مِن طَاعَتِكَ، أللّهُمّ فَلَا تُمِتهُ حَتّي تَسلُبَهُ عَقلَهُ، وَ لَا تُوجِب لَهُ رَحمَتَكَ، وَ لَا سَاعَةً مِنَ النّهَارِ. أللّهُمّ العَن بُسراً وَ عَمراً وَ مُعَاوِيَةَ، وَ ليَحُلّ عَلَيهِم غَضَبُكَ، وَ لتَنزِل بِهِم نَقِمَتُكَ، وَ ليُصِبهُم بَأسُكَ وَ رِجزُكَ ألّذِي لَا تَرُدّهُ عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ.فَلَم يَلبَث بُسرٌ بَعدَ ذَلِكَ إِلّا يَسِيراً، حَتّي وَسوَسَ وَ ذَهَبَ عَقلُهُ. وَ كَانَ يهَذيِ بِالسّيفِ وَ يَقُولُ أعَطوُنيِ سَيفاً أَقتُل بِهِ. لَا يَزَالُ يُرَدّدُ ذَلِكَ حَتّي اتّخَذَ لَهُ سَيفاً مِن خَشَبٍ، وَ كَانُوا يُدنُونَ مِنهُ المِرفَقَةَ، فَلَا يَزَالُ يَضرِبُهَا حَتّي يُغشَي عَلَيهِ،فَلَبِثَ كَذَلِكَ إِلَي أَن مَاتَ.
بيان [ قال ابن الأثير] في [مادّة«نخب من »]النهاية فيه «بئس العون علي الدّين قلب نخيب ، وبطن رغيب ».النخيب الجبان ألّذي لافؤاد له . وقيل الفاسد العقل . قوله عليه السلام « لايعقب له حكم »تضمين لقوله تعالي لا مُعَقّبَ لِحُكمِهِ. و قال البيضاوي أي لارادّ له . وحقيقته ألذي يعقب الشيء بالإبطال .
صفحه : 12
و منه قيل لصاحب الحقّ معقّب لأنّه يقفو غريمه للاقتضاء.انتهي . وأحمشت الرجل أغضبته . قوله عليه السلام « وأحفظ عن قاصيكم » أي أذبّ وأدفع عن حريم من بعد وغاب . قال في القاموس المحافظة الذّب عن المحارم . والحفيظة الحميّة والغضب . و قال قصي عنه بعد،فهو قصيّ وقاص .« والشّردات» لم يذكر في اللغة هذاالجمع والشرد التفريق . و في بعض النسخ «سروات »[ و هو]جمع سراة.[ و هو]الطريق ، أي وسطه .كناية عن جعلها خرابا خالية عن أهلها. و قال في القاموس الجند بالتحريك بلد باليمن . و قال أرملوا، أي نفد زادهم . و قال الحفا رقّة القدم . والخفّ والحافر.حفي يحفي حفا فهو حف وحاف . و قال أعقب زيد عمرا ركبا بالنوبة. و قال تداعي العدو أقبل .أقول وذكر الثقفي في كتاب الغارات مفصّل القصص التي أوردناها محملة.
وَ روُيَِ عَنِ الوَلِيدِ بنِ هِشَامٍ، قَالَخَرَجَ بُسرٌ مِن مَكّةَ، وَ استَعمَلَ عَلَيهَا شَيبَةَ بنَ عُثمَانَ، ثُمّ مَضَي يُرِيدُ اليَمَنَ، فَلَمّا جَاوَزَ مَكّةَ رَجَعَ قُثَمُ بنُ العَبّاسِ إِلَي مَكّةَ فَغَلَبَ عَلَيهَا. وَ كَانَ بُسرٌ إِذَا قَرُبَ مِن مَنزِلٍ،تَقَدّمَ رَجُلٌ مِن أَصحَابِهِ حَتّي يأَتيَِ أَهلَ المَاءِ فَيُسَلّمُ فَيَقُولُ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا المَقتُولِ بِالأَمسِ عُثمَانَ فَإِن قَالُوا قُتِلَ
صفحه : 13
مَظلُوماً. لَم يَعرِض لَهُم. وَ إِن قَالُوا كَانَ مُستَوجِباً لِلقَتلِ. قَالَ ضَعُوا السّلَاحَ فِيهِم.فَلَم يَزَل عَلَي ذَلِكَ حَتّي دَخَلَ صَنعَاءَ.فَهَرَبَ مِنهُ عُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ، وَ كَانَ وَالِياً لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَيهَا، وَ استَخلَفَ عُمَرَ بنَ أَرَاكَةَ فَأَخَذَهُ بُسرٌ،فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَ أَخَذَ ابنيَ عُبَيدِ اللّهِ فَذَبَحَهُمَا عَلَي دَرَجِ صَنعَاءَ، وَ ذَبَحَ فِي آثَارِهِمَا مِائَةَ شَيخٍ مِن أَبنَاءِ فَارِسَ. وَ ذَلِكَ أَنّ الغُلَامَينِ كَانَا فِي مَنزِلِ أُمّ النّعمَانِ بِنتِ بُزُرجَ،امرَأَةٍ مِنَ الأَبنَاءِ.
وَ بِإِسنَادِهِ عَنِ الكلَبيِّ وَ لُوطِ بنِ يَحيَي، أَنّ ابنَ قَيسٍ قَدِمَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرَهُ بِخُرُوجِ بُسرٍ،فَنَدَبَ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] النّاسَ فَتَثَاقَلُوا عَنهُ، فَقَالَ أَ تُرِيدُونَ أَن أَخرُجَ بنِفَسيِ فِي كَتِيبَةٍ تَتبَعُ كَتِيبَةً فِي الفيَاَفيِ وَ الجِبَالِ ذَهَبَ وَ اللّهِ مِنكُم أُولُو النّهَي وَ الفَضلِ،الّذِينَ كَانُوا يُدعَونَ فَيُجِيبُونَ، وَ يُؤمَرُونَ فَيُطِيعُونَ،لَقَد هَمَمتُ أَن أَخرُجَ عَنكُم، فَلَا أَطلُبَ بِنَصرِكُم مَا اختَلَفَ الجَدِيدَانِ.فَقَامَ جَارِيَةُ بنُ قُدَامَةَ فَقَالَ أَنَا أَكفِيكَهُم يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَقَالَ[ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ] أَنتَ لعَمَريِ لَمَيمُونُ النّقِيبَةِ،حَسَنُ النّيّةِ،صَالِحُ العَشِيرَةِ. وَ نَدَبَ مَعَهُ أَلفَينِ، وَ قَالَ بَعضُهُم أَلفاً وَ أَمَرَهُ أَن يأَتيَِ بِالبَصرَةِ وَ يَضُمّ إِلَيهِ مِثلَهُم.فَشَخَصَ جَارِيَةُ، وَ خَرَجَ مَعَهُ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ]يُشَيّعُهُ، فَلَمّا وَدّعَهُ قَالَ اتّقِ اللّهَ ألّذِي إِلَيهِ تَصِيرُ، وَ لَا تَحتَقِر مُسلِماً وَ لَا مُعَاهَداً، وَ لَا تَغصِبَنّ مَالًا وَ لَا وَلَداً وَ لَا دَابّةً، وَ إِن حَفِيتَ وَ تَرَجّلتَ، وَ صَلّ الصّلَاةَ لِوَقتِهَا.فَقَدِمَ جَارِيَةُ البَصرَةَ، وَ ضَمّ إِلَيهِ مِثلَ ألّذِي مَعَهُ، ثُمّ أَخَذَ طَرِيقَ الحِجَازِ حَتّي قَدِمَ اليَمَنَ. وَ لَم يَغصِب أَحَداً، وَ لَم يَقتُل أَحَداً إِلّا قَوماً ارتَدّوا بِاليَمَنِ،فَقَتَلَهُم وَ حَرَقَهُم، وَ سَأَلَ عَن طَرِيقِ بُسرٍ،فَقَالُوا أَخَذَ عَلَي بِلَادِ بنَيِ تَمِيمٍ، فَقَالَ أَخَذَ فِي دِيَارِ قَومٍ يَمنَعُونَ أَنفُسَهُم.فَانصَرَفَ جَارِيَةُ فَأَقَامَ بِحَرَسَ.
صفحه : 14
قَالَ اِبرَاهِيمُ وَ مِن حَدِيثِ الكُوفِيّينَ عَن نُمَيرِ بنِ وَعلَةَ عَن أَبِي الوَدّاكِ قَالَ قَدِمَ زُرَارَةُ بنُ قَيسٍ فَخَبَرَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ بِالقُدمَةِ التّيِ خَرَجَ فِيهَا بُسرٌ،فَصَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ، ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،أَيّهَا النّاسُ إِنّ أَوّلَ فُرقَتِكُم، وَ بَدءَ نَقصِكُم،ذَهَابُ أوُليِ النّهَي وَ أَهلِ الرأّيِ مِنكُم،الّذِينَ كَانُوا يُلقَونَ فَيَصدُقُونَ، وَ يَقُولُونَ فَيَعدِلُونَ، وَ يُدعَونَ فَيُجِيبُونَ، وَ أَنَا وَ اللّهِ قَد دَعَوتُكُم عَوداً وَ بَدءاً وَ سِرّاً وَ جِهَاراً وَ فِي اللّيلِ وَ النّهَارِ، وَ الغُدُوّ وَ الآصَالِ،فَمَا يَزِيدُكُم دعُاَئيِ إِلّا فِرَاراً وَ إِدبَاراً. أَ مَا تَنفَعُكُمُ العِظَةُ وَ الدّعَاءُ إِلَي الهُدَي وَ الحِكمَةِ وَ إنِيّ لَعَالِمٌ بِمَا يُصلِحُكُم وَ يُقِيمُ أَوَدَكُم، وَ لكَنِيّ وَ اللّهِ لَا أُصلِحُكُم بِفَسَادِ نفَسيِ، وَ لَكِن أمَهلِوُنيِ قَلِيلًا،فَكَأَنّكُم وَ اللّهِ باِمرِئٍ قَد جَاءَكُم،يَحرُمُكُم وَ يُعَذّبُكُم،فَيُعَذّبُهُ اللّهُ كَمَا يُعَذّبُكُم. إِنّ مِن ذُلّ المُسلِمِينَ وَ هَلَاكِ الدّينِ، أَنّ ابنَ أَبِي سُفيَانَ يَدعُو الأَرَاذِلَ وَ الأَشرَارَ فَيُجَابُ، وَ أَدعُوكُم وَ أَنتُمُ الأَفضَلُونَ الأَخيَارُ، وَ تَدَافَعُونَ، مَا هَذَا بِفِعلِ المُتّقِينَ. إِنّ بُسرَ بنَ أَبِي أَرطَاةَ وُجّهَ إِلَي الحِجَازِ، وَ مَا بُسرٌ لَعَنَهُ اللّهُ لِيَنتَدِبَ إِلَيهِ مِنكُم عِصَابَةٌ حَتّي تَرُدّوهُ عَن سُنَنِهِ،فَإِنّمَا خَرَجَ فِي سِتّمِائَةٍ أَو يَزِيدُونَ. قَالَ فَأَسكَتَ القَومُ مَلِيّاً لَا يَنطِقُونَ. فَقَالَ مَا لَكُم مُخرَسُونَ لَا تُكَلّمُونَ.
فَذَكَرَ عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ، عَن مُسَافِرِ بنِ عَفِيفٍ، قَالَقَامَ أَبُو بُردَةَ بنُ عَوفٍ الأزَديِّ، فَقَالَ إِن سِرتَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،سِرنَا مَعَكَ فَقَالَ أللّهُمّ مَا لَكُم
صفحه : 15
مَا سَدَدتُم لِمَقَالِ الرّشدِ[ أَ] فِي مِثلِ هَذَا ينَبغَيِ لِي أَن أَخرُجَ إِنّمَا يَخرُجُ فِي مِثلِ هَذَا، رَجُلٌ مِمّن تَرضَونَ مِن فُرسَانِكُم وَ شُجعَانِكُم، وَ لَا ينَبغَيِ لِي أَن أَدَعَ الجَنَدَ وَ المِصرَ وَ بَيتَ المَالِ وَ جِبَايَةَ الأَرضِ وَ القَضَاءَ بَينَ المُسلِمِينَ وَ النّظَرَ فِي حُقُوقِ النّاسِ، ثُمّ أَخرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتبَعُ أُخرَي فِي فَلَوَاتٍ وَ شُغُفِ الجِبَالِ، هَذَا وَ اللّهِ الرأّيُ السّوءُ. وَ اللّهِ لَو لَا رجَاَئيِ الشّهَادَةَ عِندَ لِقَائِهِم، لَو قَد حُمّ لِي لِقَاؤُهُم،لَقَرّبتُ ركِاَبيِ، ثُمّ لَشَخَصتُ عَنكُم، فَلَا أَطلُبُكُم مَا اختَلَفَ جَنُوبٌ وَ شِمَالٌ،فَوَ اللّهِ إِنّ فِرَاقَكُم لَرَاحَةٌ لِلنّفسِ وَ البَدَنِ.فَقَامَ إِلَيهِ جَارِيَةُ بنُ قُدَامَةَ السعّديِّ رَحِمَهُ اللّهُ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، لَا أَعدَمَنَا اللّهُ نَفسَكَ، وَ لَا أَرَانَا فِرَاقَكَ،إِنّا لِهَؤُلَاءِ القَومِ،فسَرَحّنيِ إِلَيهِم. قَالَ فَتَجَهّز فَإِنّكَ مَا عَلِمتُ مَيمُونُ النّقِيبَةِ. وَ قَامَ إِلَيهِ وَهبُ بنُ مَسعُودٍ الخثَعمَيِّ فَقَالَ أَنَا أَنتَدِبُ إِلَيهِم يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، قَالَ فَانتَدِب بَارَكَ اللّهُ فِيكَ.فَنَزَلَ[ عَلَيهِ السّلَامُ عَنِ المِنبَرِ] وَ دَعَا جَارِيَةَ فَأَمَرَهُ أَن يَسِيرَ إِلَي البَصرَةِ.فَخَرَجَ مِنهَا فِي أَلفَينِ، وَ نَدَبَ مَعَ الخثَعمَيِّ مِنَ الكُوفَةِ أَلفَينِ[ وَ] قَالَ لَهُمَا اخرُجَا فِي طَلَبِ بُسرٍ حَتّي تَلحَقَاهُ،[ وَ]أَينَمَا لَحِقتُمَاهُ فَنَاجِزَاهُ، فَإِذَا التَقَيتُمَا،فَجَارِيَةُ عَلَي النّاسِ.فَخَرَجَا فِي طَلَبِ بُسرٍ، وَ التَقَيَا بِأَرضِ الحِجَازِ،فَذَهَبَا فِي طَلَبِ بُسرٍ.
وَ عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ عُبَيدٍ قَالَ لَمّا بَلَغَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ دُخُولُ بُسرٍ الحِجَازَ، وَ قَتلُهُ ابنيَ عُبَيدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ، وَ قَتلُ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ المَدَانِ وَ مَالِكِ بنِ عَبدِ اللّهِ،بعَثَنَيِ بِكِتَابٍ فِي أَثَرِ جَارِيَةَ بنِ قُدَامَةَ،قَبلَ أَن يَبلُغَهُ أَنّ بُسراً ظَهَرَ عَلَي صَنعَاءَ وَ أَخرَجَ عُبَيدَ اللّهِ مِنهَا وَ ابنَ نِمرَانَ،فَخَرَجتُ بِالكِتَابِ حَتّي لَحِقتُ بِجَارِيَةَ فَفَضّهُ فَإِذَا فِيهِ
صفحه : 16
أَمّا بَعدُ،فإَنِيّ بَعَثتُكَ فِي وَجهِكَ ألّذِي وَجّهتُ لَهُ، وَ قَد أَوصَيتُكَ بِتَقوَي اللّهِ، وَ تَقوَي رَبّنَا جِمَاعُ كُلّ خَيرٍ، وَ رَأسُ كُلّ أَمرٍ، وَ تَرَكتُ أَن أسُمَيَّ لَكَ الأَشيَاءَ بِأَعيَانِهَا، وَ إنِيّ أُفَسّرُهَا حَتّي تَعرِفَهَا،سِر عَلَي بَرَكَةِ اللّهِ، حَتّي تَلقَي عَدُوّكَ، وَ لَا تَحتَقِر مِن خَلقِ اللّهِ أَحَداً، وَ لَا تُسَخّرَنّ بَعِيراً وَ لَا حِمَاراً، وَ إِن تَرَجّلتَ وَ حُبِستَ، وَ لَا تَستَأثِرَنّ عَلَي أَهلِ المِيَاهِ بِمِيَاهِهِم، وَ لَا تَشرَبَنّ مِن مِيَاهِهِم إِلّا بِطِيبِ أَنفُسِهِم، وَ لَا تسَبيِ مُسلِماً وَ لَا مُسلِمَةً، وَ لَا تُظلِمُ مُعَاهَداً وَ لَا مُعَاهَدَةً، وَ صَلّ الصّلَاةَ لِوَقتِهَا، وَ اذكُرِ اللّهَ بِاللّيلِ وَ النّهَارِ، وَ احمِلُوا رَاجِلَكُم، وَ تَأَسّوا عَلَي ذَاتِ أَيدِيكُم وَ أَغِذّ السّيرَ حَتّي تَلحَقَ بِعَدُوّكَ فَتُجلِيَهُم عَن بِلَادِ اليَمَنِ وَ تَرُدّهُم صَاغِرِينَ إِن شَاءَ اللّهُ، وَ السّلَامُ عَلَيكَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
وَ عَن فُضَيلِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ كَانَ وَائِلُ بنُ حُجرٍ عِندَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِالكُوفَةِ، وَ كَانَ يَرَي رأَيَ عُثمَانَ،فَاستَأذَنَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لِيَذهَبَ إِلَي بِلَادِهِ، ثُمّ يَرجِعَ إِلَيهِ عَن قَرِيبٍ،فَخَرَجَ إِلَي بِلَادِ قَومِهِ وَ كَانَ عَظِيمَ الشّأنِ فِيهِم، وَ كَانَ النّاسُ بِهَا أَحزَاباً،فَشِيعَةٌ تَرَي رأَيَ عُثمَانَ، وَ أُخرَي تَرَي رأَيَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.فَكَانَ وَائِلٌ هُنَاكَ، حَتّي دَخَلَ بُسرٌ صَنعَاءَ،فَكَتَبَ إِلَيهِ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ شِيعَةَ عُثمَانَ بِبِلَادِنَا شَطرُ أَهلِهَا،فَاقدِم عَلَينَا فَإِنّهُ لَيسَ بِحَضرَمَوتَ رَجُلٌ يَرُدّكَ عَنهَا فَأَقبَلَ إِلَيهَا بُسرٌ بِمَن مَعَهُ حَتّي دَخَلَهَا،فَزَعَمَ أَنّ وَائِلًا استَقبَلَ بُسراً،فَأَعطَاهُ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَ أَنّهُ كَلّمَهُ فِي حَضرَمَوتَ. فَقَالَ لَهُ مَا تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَن أَقتُلَ رُبعَ حَضرَمَوتَ. قَالَ إِن كُنتَ تُرِيدُ ذَلِكَ فَاقتُل عَبدَ اللّهِ بنَ ثُوَابَةَ لَرَجُلٌ فَهِيمٌ، كَانَ مِنَ المُقَاوَلَةِ العِظَامِ. وَ كَانَ لَهُ عَدُوّاً، فِي رَأيِهِ مُخَالِفاً.فَجَاءَهُ بُسرٌ حَتّي أَحَاطَ بِحِصنِهِ، وَ كَانَ بِنَاءً مُعجَباً لَم يُرَ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ
صفحه : 17
مِثلُهُ،فَدَعَاهُ إِلَيهِ فَنَزَلَ، وَ كَانَ لِلقَتلِ آمِناً، فَلَمّا نَزَلَ، قَالَ اضرِبُوا عُنُقَهُ. قَالَ لَهُ أَ تُرِيدُ قتَليِ قَالَ نَعَم. قَالَ فدَعَنيِ أَتَوَضّأُ وَ أصُلَيّ رَكعَتَينِ. قَالَ افعَل مَا أَحبَبتَ.فَاغتَسَلَ وَ تَوَضّأَ، وَ لَبِسَ ثِيَاباً بَيضَاءَ، وَ صَلّي رَكعَتَينِ، ثُمّ قَالَ أللّهُمّ إِنّكَ عَالِمٌ بأِمَريِ.فَقَدِمَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ أَخَذَ مَالَهُ. وَ بَلَغَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ،مُظَاهَرَةُ وَائِلِ بنِ حُجرٍ شِيعَةَ عُثمَانَ، عَلَي شِيعَتِهِ، وَ مُكَاتَبَتُهُ بُسراً،فَحَبَسَ وَلَدَيهِ عِندَهُ.
وَ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ عُبَيدٍ، أَنّ جَارِيَةَ أَغَذّ السّيرَ فِي طَلَبِ بُسرٍ، مَا يَلتَفِتُ إِلَي مَدِينَةٍ مَرّ بِهَا، وَ لَا أَهلِ حِصنٍ، حَتّي انتَهَي إِلَي بِلَادِ اليَمَنِ،فَهَرَبَت شِيعَةُ عُثمَانَ فَلَحِقُوا بِالجِبَالِ، وَ اتّبَعَهُ عِندَ ذَلِكَ شِيعَةُ عَلِيّ وَ تَدَاعَت عَلَيهِم مِن كُلّ جَانِبٍ وَ أَصَابُوا مِنهُم. وَ خَرَجَ جَارِيَةُ فِي أَثَرِ القَومِ، وَ تَرَكَ المَدَائِنَ أَن يَدخُلَهَا، وَ مَضَي نَحوَ بُسرٍ.فَمَضَي بُسرٌ مِن حَضرَمَوتَ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ الجَيشَ[ قَد]أَقبَلَ وَ أَخَذَ طَرِيقاً عَلَي الجَوفِ، وَ تَرَكَ الطّرِيقَ ألّذِي أَقبَلَ مِنهُ. وَ بَلَغَ ذَلِكَ جَارِيَةَ فَاتّبَعَهُ حَتّي أَخرَجَهُ مِنَ اليَمَنِ كُلّهَا، وَ وَاقَعَهُ فِي أَرضِ الحِجَازِ، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ،أَقَامَ بِحَرَسَ نَحواً مِن شَهرٍ، حَتّي استَرَاحَ وَ أَرَاحَ أَصحَابَهُ، وَ سَأَلَ عَن بُسرٍ فَقِيلَ إِنّهُ بِمَكّةَ فَسَارَ نَحوَهُ. وَ وَثَبَ النّاسُ بِبُسرٍ حِينَ انصَرَفَ لِسُوءِ سِيرَتِهِ، وَ اجتَنَبَهُ النّاسُ بِمِيَاهِ الطّرِيقِ، وَ فَرّ النّاسُ عَنهُ لِغَشمِهِ وَ ظُلمِهِ. وَ أَقبَلَ جَارِيَةُ حَتّي دَخَلَ مَكّةَ، وَ خَرَجَ بُسرٌ مِنهَا يمَضيِ قِبَلَ اليَمَامَةِ،فَقَامَ جَارِيَةُ عَلَي مِنبَرِ مَكّةَ، وَ قَالَ بَايَعتُم مُعَاوِيَةَ قَالُوا أَكرَهَنَا. قَالَ أَخَافُ أَن يَكُونُوا مِنَ الّذِينَ قَالَ اللّهُ فِيهِموَ إِذا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوا إِلي شَياطِينِهِم قالُوا إِنّا مَعَكُم إِنّما نَحنُ مُستَهزِؤُنَقُومُوا فَبَايِعُوا.قَالُوا لِمَن نُبَايِعُ رَحِمَكَ اللّهُ، وَ قَد هَلَكَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ لَا ندَريِ مَا صَنَعَ النّاسُ بَعدُ قَالَ وَ مَا عَسَي
صفحه : 18
أَن يَصنَعُوا، إِلّا أَن يُبَايِعُوا لِلحَسَنِ بنِ عَلِيّ،قُومُوا فَبَايِعُوا. ثُمّ اجتَمَعَت عَلَيهِ شِيعَةُ عَلِيّ فَبَايَعُوا. وَ خَرَجَ مِنهَا وَ دَخَلَ المَدِينَةَ، وَ قَدِ اصطَلَحُوا عَلَي أَبِي هُرَيرَةَ يصُلَيّ بِالنّاسِ، فَلَمّا بَلَغَهُم مجَيِءُ جَارِيَةَ،تَوَارَي أَبُو هُرَيرَةَ.فَجَاءَ جَارِيَةُ وَ صَعِدَ المِنبَرَ، وَ حَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ، وَ ذَكَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَصَلّي عَلَيهِ، ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَومَ وُلِدَ وَ يَومَ تَوَفّاهُ اللّهُ، وَ يَومَ يُبعَثُ حَيّاً، كَانَ عَبداً مِن عِبَادِ اللّهِ الصّالِحِينَ،عَاشَ بِقَدَرٍ، وَ مَاتَ بِأَجَلٍ. فَلَا يَهنَأُ الشّامِتُونَ،هَلَكَ سَيّدُ المُسلِمِينَ، وَ أَفضَلُ المُهَاجِرِينَ، وَ ابنُ عَمّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. أَمَا وَ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ، لَو أَعلَمُ الشّامِتَ مِنكُم،لَتَقَرّبتُ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ بِسَفكِ دَمِهِ، وَ تَعجِيلِهِ إِلَي النّارِ،قُومُوا فَبَايِعُوا الحَسَنَ بنَ عَلِيّ.فَقَامَ النّاسُ فَبَايَعُوا. وَ أَقَامَ يَومَهُ ذَلِكَ، ثُمّ غَدَا مِنهَا مُنصَرِفاً إِلَي الكُوفَةِ، وَ غَدَا أَبُو هُرَيرَةَ يصُلَيّ بِالنّاسِ، وَ رَجَعَ بُسرٌ فَأَخَذَ عَلَي طَرِيقِ السّمَاوَةِ حَتّي أَتَي الشّامَ. قَالَ وَ أَقبَلَ جَارِيَةُ، حَتّي دَخَلَ عَلَي الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَضَرَبَ عَلَي يَدِهِ فَبَايَعَهُ وَ عَزّاهُ. وَ قَالَ مَا يُجلِسُكَ سِر يَرحَمُكَ اللّهُ إِلَي عَدُوّكَ قَبلَ أَن يُسَارَ إِلَيكَ. فَقَالَ لَو كَانَ النّاسُ كُلّهُم مِثلَكَ،سِرتُ بِهِم.
وَ عَنِ القَاسِمِ بنِ الوَلِيدِ، أَنّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ العَبّاسِ، وَ سَعِيدَ بنَ نِمرَانَ،قَدِمَا عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ كَانَ عُبَيدُ اللّهِ عَامِلَهُ عَلَي صَنعَاءَ، وَ سَعِيدٌ عَامِلَهُ عَلَي الجَنَدِ،خَرَجَا هَارِبَينِ مِن بُسرٍ، وَ أَصَابَ[بُسرٌ]ابنيَ عُبَيدِ اللّهِ، لَم يُدرِكَا الحِنثَ،فَقَتَلَهُمَا. قَالَ وَ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ يَجلِسُ كُلّ يَومٍ فِي مَوضِعٍ مِنَ المَسجِدِ الأَعظَمِ،يُسَبّحُ بِهِ بَعدَ الغَدَاةِ إِلَي طُلُوعِ الشّمسِ، فَلَمّا طَلَعَت،نَهَضَ إِلَي المِنبَرِ،فَضَرَبَ
صفحه : 19
بِإِصبَعَيهِ عَلَي رَاحَتِهِ وَ هُوَ يَقُولُ مَا هيَِ إِلّا الكُوفَةُ أَقبِضُهَا وَ أَبسُطُهَا[ ثُمّ أَنشَدَ]
لَعَمرُ أَبِيكَ الخَيرِ يَا عَمرُو أنَنّيِ | عَلَي وَضَرٍ مِن ذَا الإِنَاءِ قَلِيلٍ |
وَ مِن حَدِيثِ بَعضِهِم أَنّهُ قَالَ إِن لَم تكَوُنيِ إِلّا أَنتِ تَهُبّ أَعَاصِيرُكِ،فَقَبّحَكِ اللّهُ. ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ أَلَا إِنّ بُسراً قَد أَطلَعَ اليَمَنَ وَ هَذَا عُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ، وَ سَعِيدُ بنُ نِمرَانَ،قَدِمَا عَلَيّ هَارِبَينِ، وَ لَا أَرَي هَؤُلَاءِ إِلّا ظَاهِرِينَ عَلَيكُم لِاجتِمَاعِهِم عَلَي بَاطِلِهِم، وَ تَفَرّقِكُم عَن حَقّكُم، وَ طَاعَتِهِم لِإِمَامِهِم، وَ مَعصِيَتِكُم لِإِمَامِكُم، وَ أَدَاءِهِمُ الأَمَانَةَ إِلَي صَاحِبِهِم، وَ خِيَانَتِكُم إيِاّيَ،وَلّيتُ فُلَاناً فَخَانَ وَ غَدَرَ، وَ احتَمَلَ فيَءَ المُسلِمِينَ إِلَي مَكّةَ، وَ وَلّيتُ فُلَاناً فَخَانَ وَ غَدَرَ، وَ فَعَلَ مِثلَهَا،فَصِرتُ لَا آتَمِنُكُم عَلَي عِلَاقَةِ سَوطٍ. وَ إِن نَدَبتُكُم إِلَي السّيرِ إِلَي عَدُوّكُم فِي الصّيفِ،قُلتُم أَمهِلنَا يَنسَلِخِ الحَرّ عَنّا، وَ إِن نَدَبتُكُم فِي الشّتَاءِ،قُلتُم أَمهِلنَا يَنسَلِخِ القَرّ عَنّا. أللّهُمّ إنِيّ قَد مَلِلتُهُم وَ ملَوّنيِ، وَ سَئِمتُهُم وَ سئَمِوُنيِ،فأَبَدلِنيِ بِهِم مَن هُوَ خَيرٌ لِي مِنهُم، وَ أَبدِلهُم بيِ مَن هُوَ شَرّ لَهُم منِيّ. أللّهُمّ أَمِث قُلُوبَهُم مَيثَ المِلحِ فِي المَاءِ.
وَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الحَارِثِ بنِ سُلَيمَانَ عَن أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَا أَرَي هَؤُلَاءِ القَومَ إِلّا ظَاهِرِينَ عَلَيكُم بِتَفَرّقِكُم عَنِ حَقّكُم، وَ اجتِمَاعِهِم عَلَي بَاطِلِهِم، فَإِذَا كَانَ عَلَيكُم إِمَامٌ يَعدِلُ فِي الرّعِيّةِ، وَ يَقسِمُ بِالسّوِيّةِ،فَاسمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا فَإِنّ النّاسَ لَا يُصلِحُهُم إِلّا إِمَامٌ بَرّ أَو فَاجِرٌ. فَإِن كَانَ بَرّاً فلَلِراّعيِ وَ الرّعِيّةِ، وَ إِن كَانَ فَاجِراً عَبَدَ المُؤمِنُ رَبّهُ فِيهَا، وَ عَمِلَ فِيهَا الفَاجِرُ إِلَي أَجَلِهِ.
صفحه : 20
[أَلَا] وَ إِنّكُم سَتُعرَضُونَ بعَديِ عَلَي سبَيّ وَ البَرَاءَةِ منِيّ،فَمَن سبَنّيِ فَهُوَ فِي حِلّ مِن سبَيّ، وَ لَا يَتَبَرّأ منِيّ، فَإِنّ ديِنيَِ الإِسلَامُ.
وَ عَن أَبِي عَبدِ الرّحمَنِ السلّمَيِّ، أَنّ النّاسَ تَلَاقَوا وَ تَلَاوَمُوا، وَ مَشَتِ الشّيعَةُ بَعضُهَا إِلَي بَعضٍ، وَ لقَيَِ أَشرَافُ النّاسِ بَعضُهُم بَعضاً،فَدَخَلُوا عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،اختَر مِنّا رَجُلًا، ثُمّ ابعَث مَعَهُ إِلَي هَذَا الرّجُلِ جُنداً، حَتّي يَكفِيَكَ أَمرَهُ، وَ مُرنَا بِأَمرِكَ فِيمَا سِوَي ذَلِكَ،فَإِنّكَ لَن تَرَي مِنّا شَيئاً تَكرَهُهُ مَا صَحِبتَنَا. قَالَ فإَنِيّ قَد بَعَثتُ رَجُلًا إِلَي هَذَا الرّجُلِ، لَا يَرجِعُ أَبَداً حَتّي يَقتُلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، أَو يَنفِيَهُ، وَ لَكِنِ استَقِيمُوا لِي فِيمَا آمُرُكُم بِهِ، وَ أَدعُوكُم إِلَيهِ مِن غَزوِ الشّامِ وَ أَهلِهِ.فَقَامَ إِلَيهِ سَعِيدُ بنُ قَيسٍ الهمَداَنيِّ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَ اللّهِ لَو أَمَرتَنَا بِالمَسِيرِ إِلَي قُسطَنطِينِيّةَ،رُومِيَةَ،مُشَاةً،حُفَاةً، عَلَي غَيرِ عَطَاءٍ وَ لَا قُوتٍ، مَا خَالَفتُكَ أَنَا وَ لَا رَجُلٌ مِن قوَميِ. قَالَ فَصَدَقتُم جَزَاكُمُ اللّهُ خَيراً. ثُمّ قَامَ زِيَادُ بنُ حَفصَةَ، وَ وَعلَةُ بنُ مَخدُوعٍ[ وَ]قَالَا نَحنُ شِيعَتُكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،التّيِ لَا تَعصِيكَ، وَ لَا تُخَالِفُكَ، فَقَالَ أَجَل أَنتُم كَذَلِكَ.فَتَجَهّزُوا إِلَي غَزوِ الشّامِ. فَقَالَ النّاسُ سَمعاً وَ طَاعَةً.فَدَعَا[ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ]مَعقِلَ بنَ قَيسٍ الريّاَحيِّ، وَ سَرّحَهُ فِي حَشرِ النّاسِ مِنَ السّوَادِ إِلَي الكُوفَةِ،[فَخَرَجَ مَعقِلٌ لِإِنفَاذِ أَمرِهِ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ امتَثَلَ مَا أَمَرَهُ
صفحه : 21
بِهِ، ثُمّ كَرّ رَاجِعاً إِلَي الكُوفَةِ، وَ لَم يَصِل إِلَيهَا] حَتّي أُصِيبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.
قَالَ وَ روُيَِ أَنّهُ اجتَمَعَ ذَاتَ يَومٍ بُسرٌ وَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ عِندَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ ابنُ عَبّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ أَنتَ أَمَرتَ هَذَا القَاطِعَ البَعِيدَ الرّحِمِ،القَلِيلَ الرّحمِ بِقَتلِ ابنيَّ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مَا أَمَرتُهُ وَ لَا هَوِيتُ.فَغَضِبَ بُسرٌ، وَ رَمَي بِسَيفِهِ وَ قَالَ قلَدّتنَيِ هَذَا السّيفَ، وَ قُلتَ اخبِط بِهِ النّاسَ، حَتّي إِذَا بَلَغتُ مِن ذَلِكَ، قُلتَ مَا هَوِيتُ، وَ لَا أَمَرتُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ خُذ سَيفَكَ،إِنّكَ لَعَاجِزٌ حِينَ تلُقيِ سَيفَكَ بَينَ يدَيَ رَجُلٍ مِن بنَيِ عَبدِ مَنَافٍ،[ وَ] قَد قَتَلتَ ابنَيهِ. فَقَالَ ابنُ عَبّاسٍ أرَاَنيِ كُنتُ قَاتِلَهُ بِهِمَا فَقَالَ ابنٌ لِعُبَيدِ اللّهِ مَا كُنّا نَقتُلُ بِهِمَا إِلّا يَزِيدَ وَ عَبدَ اللّهِ ابنيَ مُعَاوِيَةَ،فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَ قَالَ مَا ذَنبُ يَزِيدَ وَ عَبدِ اللّهِ
بيان قال الجوهري النقيبة النفس .يقال فلان ميمون النقيبة، إذا كان مبارك النفس .[ و] قال ابن السّكيت إذا كان ميمون الأمر،ينجح فيما حاول ويظفر. و قال ثعلب إذا كان ميمون المشورة.انتهي . وراغ الثعلب روغا ذهب يمنة ويسرة في سرعة وخديعة. وسخّره تسخيرا كلّفه عملا بلا أجرة وكذلك تسخره . والإغذاذ في السير الإسراع . وتداعت الحيطان للخراب ، أي تهادمت .
وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِكَتَبَ عَقِيلُ بنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَي أَخِيهِ عَلِيّ
صفحه : 22
عَلَيهِ السّلَامُ،حِينَ بَلَغَهُ خِذلَانُ أَهلِ الكُوفَةِ وَ تَقَاعُدُهُم بِهِ لِعَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، مِن عَقِيلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ سَلَامُ اللّهِ عَلَيكَ،فإَنِيّ أَحمَدُ إِلَيكَ اللّهَ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ اللّهَ جَارُكَ مِن كُلّ سُوءٍ، وَ عَاصِمُكَ مِن كُلّ مَكرُوهٍ، وَ عَلَي كُلّ حَالٍ.إنِيّ خَرَجتُ إِلَي مَكّةَ مُعتَمِراً،فَلَقِيتُ عَبدَ اللّهِ بنَ سَعدِ بنِ أَبِي سَرحٍ، فِي نَحوٍ مِن أَربَعِينَ شَابّاً مِن أَبنَاءِ الطّلَقَاءِ،فَعَرَفتُ المُنكَرَ فِي وُجُوهِهِم.فَقُلتُ إِلَي أَينَ يَا أَبنَاءَ الشّانِئِينَ، أَ بِمُعَاوِيَةَ تَلحَقُونَ عَدَاوَةً وَ اللّهِ مِنكُم قَدِيماً، غَيرَ مُستَنكَرٍ،تُرِيدُونَ بِهَا إِطفَاءَ نُورِ اللّهِ، وَ تَبدِيلَ أَمرِهِ.فأَسَمعَنَيِ القَومُ، وَ أَسمَعتُهُم. فَلَمّا قَدِمتُ مَكّةَ،سَمِعتُ أَهلَهَا يَتَحَدّثُونَ أَنّ الضّحّاكَ بنَ قَيسٍ،أَغَارَ عَلَي الحِيرَةِ،فَاحتَمَلَ مِن أَموَالِهَا مَا شَاءَ، ثُمّ انكَفَأَ رَاجِعاً سَالِماً.فَأُفّ لِحَيَاةٍ فِي دَهرٍ جَرّأَ عَلَيكَ الضّحّاكُ، وَ مَا الضّحّاكُ فَقعٌ بِقَرقَرٍ، وَ قَد تَوَهّمتُ حَيثُ بلَغَنَيِ ذَلِكَ، أَنّ شِيعَتَكَ وَ أَنصَارَكَ خَذَلُوكَ،فَاكتُب إلِيَّ يَا ابنَ أمُيّ بِرَأيِكَ، فَإِن كُنتَ المَوتَ تُرِيدُ،تَحَمّلتُ إِلَيكَ ببِنَيِ أَخِيكَ وَ وُلدِ أَبِيكَ،فَعِشنَا مَعَكَ مَا عِشتَ، وَ مِتنَا مَعَكَ إِذَا مِتّ،فَوَ اللّهِ مَا أُحِبّ أَن أَبقَي فِي الدّنيَا بَعدَكَ فُوَاقاً، وَ أُقسِمُ بِالأَعَزّ الأَجَلّ، أَنّ عَيشاً نَعِيشُهُ بَعدَكَ فِي الحَيَاةِ،لَغَيرُ هنَيِءٍ وَ لَا مرَيِءٍ وَ لَا نَجِيعٍ وَ السّلَامُ عَلَيكَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.فَكَتَبَ إِلَيهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ
صفحه : 23
بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، إِلَي عَقِيلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ،سَلَامٌ عَلَيكَ،فإَنِيّ أَحمَدُ إِلَيكَ اللّهَ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ أَمّا بَعدُ،كَلَأَنَا اللّهُ وَ إِيّاكَ كِلَاءَةَ مَن يَخشَاهُ بِالغَيبِ،إِنّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. قَد وَصَلَ إلِيَّ كِتَابُكَ مَعَ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ عُبَيدٍ الأزَديِّ،تَذكُرُ فِيهِ أَنّكَ لَقِيتَ عَبدَ اللّهِ بنَ[سَعدِ بنِ] أَبِي سَرحٍ،مُقبِلًا مِن«قُدَيدٍ» فِي نَحوٍ مِن أَربَعِينَ فَارِساً مِن أَبنَاءِ الطّلَقَاءِ،مُتَوَجّهِينَ إِلَي جِهَةِ الغَربِ، وَ أَنّ ابنَ أَبِي سَرحٍ،طَالَ مَا كَادَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ كِتَابَهُ، وَ صَدّ عَن سَبِيلِهِ وَ بَغَاهَا عِوَجاً،فَدَعِ ابنَ أَبِي سَرحٍ، وَ دَع عَنكَ قُرَيشاً وَ خَلّهِم وَ تَركَاضَهُم فِي الضّلَالِ وَ تَجوَالَهُم فِي الشّقَاقِ.أَلَا وَ إِنّ العَرَبَ قَدِ اجتَمَعَت عَلَي حَربِ أَخِيكَ اليَومَ،اجتِمَاعَهَا عَلَي حَربِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَبلَ اليَومِ،فَأَصبَحُوا قَد جَهِلُوا حَقّهُ، وَ جَحَدُوا فَضلَهُ وَ بَادَءُوهُ العَدَاوَةَ، وَ نَصَبُوا لَهُ الحَربَ، وَ جَهَدُوا عَلَيهِ كُلّ الجَهدِ، وَ جَرّوا إِلَيهِ جَيشَ الأَحزَابِ. أللّهُمّ فَاجزِ قُرَيشاً عنَيّ الجوَاَزيَِ فَقَد قَطَعَت رحَمِيِ، وَ تَظَاهَرَت عَلَيّ، وَ دفَعَتَنيِ عَن حقَيّ، وَ سلَبَتَنيِ سُلطَانَ ابنِ أمُيّ، وَ سَلّمَت ذَلِكَ إِلَي مَن لَيسَ مثِليِ فِي قرَاَبتَيِ مِنَ الرّسُولِ، وَ ساَبقِتَيِ فِي الإِسلَامِ، إِلّا أَن يدَعّيَِ مُدّعٍ مَا لَا أَعرِفُهُ، وَ لَا أَظُنّ اللّهَ يَعرِفُهُ، وَ الحَمدُ لِلّهِ عَلَي كُلّ حَالٍ. وَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن غَارَةِ الضّحّاكِ عَلَي أَهلِ الحِيرَةِ،فَهُوَ أَقَلّ وَ أَذَلّ مِن أَن يَلُمّ بِهَا، أَو يَدنُوَ مِنهَا، وَ لَكِنّهُ قَد كَانَ أَقبَلَ فِي جَرِيدَةِ خَيلٍ،فَأَخَذَ عَلَي السّمَاوَةِ، حَتّي مَرّ بِوَاقِصَةَ وَ شُرَافَ وَ القُطقُطَانَةِ،فَمَا وَالَي ذَلِكَ الصّقعَ،فَوَجّهتُ إِلَيهِ جُنداً كَثِيفاً مِنَ المُسلِمِينَ، فَلَمّا بَلَغَهُ ذَلِكَ فَرّ هَارِباً،فَاتّبَعُوهُ،فَلَحِقُوهُ بِبَعضِ الطّرِيقِ، وَ قَد أَمعَنَ، وَ كَانَ ذَلِكَ حِينَ طَفّلَتِ الشّمسُ لِلإِيَابِ،فَتَنَاوَشَ القِتَالُ قَلِيلًا كَلَا وَ لَا،فَلَم يَصبِر لِوَقعِ المَشرَفِيّةِ، وَ وَلّي هَارِباً، وَ قُتِلَ مِن أَصحَابِهِ بَضعَةَ
صفحه : 24
عَشَرَ رَجُلًا، بَعدَ مَا أُخِذَ مِنهُ بِالمُخَنّقِ،فَلَأياً بلِأَيٍ مَا نَجَا. وَ أَمّا مَا سأَلَتنَيِ أَن أَكتُبَ إِلَيكَ برِأَييِ فِيمَا أَنَا فِيهِ فَإِنّ رأَييِ جِهَادُ المُحِلّينَ حَتّي أَلقَي اللّهَ، لَا يزَيِدنُيِ كَثرَةُ النّاسِ معَيِ عِزّةً، وَ لَا تَفَرّقُهُم عنَيّ وَحشَةً لأِنَيّ مُحِقّ، وَ اللّهُ مَعَ المُحِقّ. وَ وَ اللّهِ مَا أَكرَهُ المَوتَ عَلَي الحَقّ، وَ مَا الخَيرُ كُلّهُ إِلّا بَعدَ المَوتِ،لِمَن كَانَ مُحِقّاً. وَ أَمّا مَا عَرَضتَ بِهِ مَسِيرَكَ إلِيَّ بِبَنِيكَ وَ بنَيِ أَبِيكَ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ،فَأَقِم رَاشِداً مَحمُوداً،فَوَ اللّهِ مَا أُحِبّ أَن تَهلِكُوا معَيِ إِن هَلَكتُ، وَ لَا تَحسَبَنّ ابنَ أُمّكَ وَ إِن أَسلَمَهُ النّاسُ مُتَخَشّعاً، وَ لَا مُتَضَرّعاً،إِنّهُ لَكُمَا قَالَ أَخُو بنَيِ سُلَيمٍ
فَإِن تسَألَيِنيِ كَيفَ أَنتَ فإَنِنّيِ | صَبُورٌ عَلَي رَيبِ الزّمَانِ صَلِيبٌ |
يَعِزّ عَلَيّ أَن تُرَي بيِ كَآبَةٌ | فَيَشمَتَ عَادٍ أَو يُسَاءَ حَبِيبٌ |
أَقُولُ رَوَي السّيّدُ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ فِي النّهجِ،بَعضَ هَذَا الكِتَابِ هَكَذَافَسَرّحتُ إِلَيهِ جَيشاً كَثِيفاً مِنَ المُسلِمِينَ، فَلَمّا بَلَغَهُ ذَلِكَ،شَمّرَ هَارِباً، وَ نَكَصَ نَادِماً.فَلَحِقُوهُ بِبَعضِ الطّرِيقِ، وَ قَد طَفّلَتِ الشّمسُ لِلإِيَابِ،فَاقتَتَلُوا شَيئاً كَلَا وَ لَا،فَمَا كَانَ إِلّا كَمَوقِفِ سَاعَةٍ، حَتّي نَجَا جَرِيضاً، بَعدَ مَا أُخِذَ مِنهُ بِالمُخَنّقِ، وَ لَم يَبقَ مِنهُ غَيرُ الرّمَقِ،فَلَأياً بلِأَيٍ مَا نَجَا.فَدَع عَنكَ قُرَيشاً وَ تَركَاضَهُم فِي الضّلَالِ، وَ تَجوَالَهُم فِي الشّقَاقِ، وَ جِمَاحَهُم فِي التّيهِ،فَإِنّهُم قَد أَجمَعُوا عَلَي حرَبيِ،كَإِجمَاعِهِم عَلَي حَربِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قبَليِ.فَجَزَت قُرَيشاً عنَيّ الجوَاَزيِ فَقَد قَطَعُوا رحَمِيِ، وَ سلَبَوُنيِ سُلطَانَ ابنِ أمُيّ. وَ أَمّا مَا سَأَلتَ عَنهُ مِن رأَييِ فِي القِتَالِ، فَإِنّ رأَييِ قِتَالُ المُحِلّينَ حَتّي
صفحه : 25
أَلقَي اللّهَ، لَا يزَيِدنُيِ كَثرَةُ النّاسِ حوَليِ عِزّةً، وَ لَا تَفَرّقُهُم عنَيّ وَحشَةً، وَ لَا تَحسَبَنّ ابنَ أَبِيكَ وَ لَو أَسلَمَهُ النّاسُ مُتَضَرّعاً مُتَخَشّعاً، وَ لَا مُقِرّاً لِلضّيمِ وَاهِناً، وَ لَا سَلِسَ الزّمَامِ لِلقَائِدِ وَ لَا وَطِئَ الظّهرِ لِلرّاكِبِ المُقتَعِدِ، وَ لَكِنّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بنَيِ سُلَيمٍ، ثُمّ ذَكَرَ البَيتَينِ.
بيان قوله «فقع بقرقر»لعلّه خبر« إنّ». و قوله « و ماالضحّاك»معترضة. و قال الجوهري الفقع ضرب من الكماة. وكذلك الفقع بالكسر. ويشبّه به الرّجل الذليل فيقال هوفقع قرقر لأنّ الدّوابّ تنجله بأرجلها. قال النابغة يهجو النعمان بن المنذر.
حدثّوني بني الشقيقة ما | يمنع فقعا بقرقر أن يزولا |
و قال القرقر القاع الأملس . والفواق بالفتح والضم ما بين الحلبتين من الوقت . والتركاض والتجوال بفتح التاء فيهما مبالغتان في الركض والجولان . والركض تحريك الرجل ، وركضت الفرس برجلي حثثته ليعدو، ثم كثر حتي قيل ركض الفرس إذاعدا. والواو فيهما يشبه أن يكون بمعني مع ، ويحتمل العاطفة. واستعار لفظ الجماح ،باعتبار كثرة خلافهم للحقّ، وحركاتهم في تيه الجهل ، والخروج عن طريق العدل ، من قولهم جمح الفرس إذااعتزّ راكبه وغلبه . ويحتمل أن يكون من جمح ،بمعني أسرع كماذكره الجوهري. و قوله عليه السلام «فجزت قريشا عني الجوازي»،الجوازي جمع جازية، أي جزت قريشا عني بما صنعت كلّ خصلة من نكبة، أوشدّة، أو
صفحه : 26
مصيبة، أي جعل اللّه هذه الدوّاهي كلّها،جزاء قريش بما صنعت . و قال ابن أبي الحديد«سلطان ابن أميّ»يعني به الخلافة، و ابن أمّه، هو رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،لأنّهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن مخزوم ،أمّ عبد اللّه و أبي طالب ، و لم يقل سلطان ابن أبي ،لأنّ غير أبي طالب من الأعمام ،تشركه في النسبة إلي عبدالمطلب . و قال الراوندي يعني نفسه لأنّه ابن أمّ نفسه ، و لايخفي ما فيه . وقيل لأنّ فاطمة بنت أسد كانت تربيّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله حين كفله أبوطالب ،فهي كالأمّ له . ويحتمل أن يكون المراد«سلطان أخي»مجازا ومبالغة في تأكّد الأخوّة التي جرت بينه و بين النّبي صلّي اللّه عليه وآله ، وإشارة إلي حديث المنزلة، و قوله تعالي حكاية عن هارون ياابنَ أُمّ إِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ و قدمرّ بعض مايؤيّد هذاالوجه . وواقصة موضع بطريق الكوفة، واسم مواضع أخري . وشراف كقطام موضع وماء لبني أسد أوجبل عال . وكغراب ماء. والقطاقط والقطقط والقطقطانة بضمّهما موضع الأصرة بالكوفة،كانت سجن النعمان بن المنذر.[ قوله عليه السلام ]«فما والي ذلك » أي قاربه . ويقال أمعن الفرس ، أي تباعد في عدوه . و قال الجوهري تطفيل الشّمس ميلها للغروب . والطفل بالتحريك بعدالعصر إذاطفلت الشمس للغروب . والإياب الرجوع ، أي الرجوع إلي ماكانت عليه في اللّيلة التي قبلها. و قال الجوهري آبت الشمس لغة في غابت . وتفسير الراوندي بالزوال بعيد. و قال الجوهري المناوشة في القتال ، و ذلك إذاتداني الفريقان . والتناوش التناول .
صفحه : 27
قوله عليه السلام «شيئا كلا و لا» قال ابن أبي الحديد أي شيئا قليلا كلا شيء. وموضع «كلا و لا».نصب لأنّه صفة«شيئا»، وهي كلمة يقال لمايستقصر جدا. والمعروف عند أهل اللغة«كلا وذا»، قال ابن هاني المغربي
وأسرع في العين من لحظة | وأقصر في السمع من لا وذا |
و في شعر الكميت
كلا وكذا[BA]تغميضة ثم هجتم | لدي حين أن كانوا إلي النوم أفقرا] |
و قدرويت في نهج البلاغة كذلك ، إلّا أن في أكثر النسخ «كلا و لا»، و من الناس من يرويها«كلا ولات »، وهي حرف أجري مجري « ليس »، و لايجيء إلّا مع حين ، إلّا أن يحذف في شعر. و من الرواة من يرويها«كلا ولأي ». ولأي .فعل معناه أبطأ. و قال ابن ميثم قوله عليه السلام «كلا و لا»،تشبيه بالقليل السّريع الفناء، و ذلك لأنّ« لا و لا»لفظان قصيران قليلان في المسموع ، واستشهد بقول ابن هاني.أقول ويحتمل أن يكون المعني شيئا كلا شيء، و ليس بلا شيء، أو يكون العطف للتأكيد. والموقف هنا مصدر. والمشرفية بالفتح سيوف نسبت إلي مشارف ، وهي قري من أرض العرب . و في النهاية الجرض بالتحريك أن تبلغ الروح الحلق . والإنسان جريض . و في الصّحاح الجرض بالتّحريك الرّيق يغصّ به ،يقال جرض بريقه ابتلع ريقه علي همّ وحزن بالجهد. والجريض الغصّة. ومات فلان جريضا أي مغموما. و قال خنقه وأخنقه وخنّقه، وموضعه من العنق ،مخنّق.يقال بلغ منه المخنّق، وأخذت بمخنّقه وخناقه أي حلقه .
صفحه : 28
و قال ابن ميثم «لأيا»مصدر، والعامل محذوف . و مامصدرية في موضع الفاعل ، والتقدير فلأي لأيا نجاؤه ، أي عسر وأبطأ. و قوله «بلأي» أي مقرونا بلأي، أي شدّة بعدشدّة. و قال الكيدري« ما»زائدة. وتقدير الكلام فنجا لأيا، أي صاحب لأي، أي في حال كونه صاحب جهد ومشقّة متلبّسة بمثلها، أي نجا في حال تضاعف الشّدائد. و قال الراوندي نصب «لأيا» علي الظرف . وتفيد ماالزائدة في الكلام إبهاما، أي بعدشدّة وإبطاء ونجا. قوله عليه السلام «قتال المحلّين» أي البغاة. قال الجوهري أحلّ، أي خرج إلي الحلّ، أو من ميثاق كان عليه ، و منه قول زهير
[BA]جعلنا القنان عن يمين وحزنه ] | وكم بالقنان من محلّ ومحرم |
و قال أسلمه ، أي خذله . قوله عليه السلام « و لامقرّا للضّيم» أي راضيا بالظلم ،صابرا عليه . والسلس السهل ،اللين المنقاد.« و لاوطئ الظهر» أي متهيّئا للركوب . ومقتعد البعير راكبه . والصّليب الشديد.
904-أَقُولُ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ مِن كِتَابِ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِّ، كَمَا رَأَيتُهُ فِي أَصلِ كِتَابِهِ،رَوَي بِإِسنَادِهِ عَن جُندَبٍ الأزَديِّ، عَن أَبِيهِ قَالَأَوّلُ غَارَةٍ كَانَت بِالعِرَاقِ،غَارَةُ الضّحّاكِ بنِ قَيسٍ، بَعدَ الحَكَمَينِ، وَ قَبلَ قِتَالِ النّهرَوَانِ وَ ذَلِكَ أَنّ مُعَاوِيَةَ لَمّا بَلَغَهُ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ بَعدَ وَاقِعَةِ
صفحه : 29
الحَكَمَينِ،تَحَمّلَ إِلَيهِ مُقبِلًا هَالَهُ ذَلِكَ،فَخَرَجَ مِن دِمَشقَ مُعَسكَراً، وَ بَعَثَ إِلَي كُوَرِ الشّامِ،فَصَاحَ بِهَا[ فِيهَا«خ ل »] أَنّ عَلِيّاً قَد سَارَ إِلَيكُم. وَ كَتَبَ إِلَيهِم نُسخَةً وَاحِدَةً،فَقُرِئَت عَلَي النّاسِ أَمّا بَعدُ،فَإِنّا كُنّا كَتَبنَا بَينَنَا وَ بَينَ عَلِيّ كِتَاباً، وَ شَرَطنَا فِيهِ شُرُوطاً، وَ حَكّمنَا رَجُلَينِ يَحكُمَانِ عَلَينَا وَ عَلَيهِ بِحُكمِ الكِتَابِ، لَا يَعدُوَانِهِ، وَ جَعَلنَا عَهدَ اللّهِ وَ مِيثَاقَهُ عَلَي مَن نَكَثَ العَهدَ، وَ لَم يُمضِ الحُكمَ، وَ إِنّ حكَمَيَِ ألّذِي كُنتُ حَكّمتُهُ أثَبتَنَيِ، وَ إِنّ حَكَمَهُ خَلَعَهُ، وَ قَد أَقبَلَ إِلَيكُم ظَالِماً،«فَمَن نَكَثَ فَإِنّما يَنكُثُ عَلي نَفسِهِ»تَجَهّزُوا لِلحَربِ،بِأَحسَنِ الجَهَازِ، وَ أَعِدّوا آلَةَ القِتَالِ، وَ أَقبِلُوا خِفَافاً وَ ثِقَالًا وَ كُسَالَي وَ نَشَاطاً،يَسّرَنَا اللّهُ وَ إِيّاكُم لِصَالِحِ الأَعمَالِ.فَاجتَمَعَ إِلَيهِ نَاسٌ مِن كُلّ كُورَةٍ، وَ أَرَادُوا المَسِيرَ إِلَي صِفّينَ،فَاستَشَارَهُم فَاختَلَفُوا فِي ذَلِكَ،فَمَكَثُوا يُجِيلُونَ الرأّيَ يَومَينِ أَو ثَلَاثَةً، حَتّي قَدِمَت عَلَيهِم عُيُونُهُم، أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ اختَلَفَ عَلَيهِ أَصحَابُهُ،فَفَارَقَتهُ مِنهُ فِرقَةٌ أَنكَرَت أَمرَ الحُكُومَةِ، وَ أَنّهُ قَد رَجَعَ عَنكُم إِلَيهِم،فَكَبّرَ النّاسُ سُرُوراً لِانصِرَافِهِ عَنهُم، وَ مَا ألُقيَِ مِنَ الخِلَافِ بَينَهُم.فَلَم يَزَل مُعَاوِيَةُ مُعَسكَراً فِي مَكَانِهِ، حَتّي جَاءَ الخَبَرُ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ، قَد قَتَلَ أُولَئِكَ الخَوَارِجَ، وَ أَنّهُ أَرَادَ بَعدَ قَتلِهِم أَن يُقبِلَ إِلَيهِ بِالنّاسِ، وَ أَنّهُم استَنظَرُوهُ وَ دَافَعُوهُ،فَسُرّ بِذَلِكَ هُوَ وَ مَن قِبَلَهُ مِنَ النّاسِ. وَ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ مَسعَدَةَ قَالَ جَاءَنَا كِتَابُ عُمَارَةَ بنِ عُقبَةَ بنِ أَبِي مُعَيطٍ مِنَ الكُوفَةِ، وَ نَحنُ مُعَسكَرُونَ مَعَ مُعَاوِيَةَ نَتَخَوّفُ أَن يَفرُغَ عَلِيّ مِن خَارِجَتِهِ، ثُمّ يُقبِلَ إِلَينَا، وَ كَانَ فِي كِتَابِهِ أَمّا بَعدُ فَإِنّ عَلِيّاً خَرَجَ عَلَيهِ عِلِيّةُ أَصحَابِهِ وَ نُسّاكُهُم،فَخَرَجَ إِلَيهِم فَقَتَلَهُم، وَ قَد فَسَدَ عَلَيهِ جُندُهُ وَ أَهلُ مِصرِهِ، وَ وَقَعَت بَينَهُمُ العَدَاوَةُ وَ تَفَرّقُوا أَشَدّ الفُرقَةِ،فَأَحبَبتُ إِعلَامَكَ. وَ السّلَامُ. قَالَ فَقَرَأَهُ[مُعَاوِيَةُ] عَلَي أَخِيهِ وَ عَلَي أَبِي الأَعوَرِ، ثُمّ نَظَرَ إِلَي أَخِيهِ الوَلِيدِ بنِ عُقبَةَ وَ قَالَ لَقَد رضَيَِ أَخُوكَ أَن يَكُونَ لَنَا عَيناً. قَالَ فَضَحِكَ الوَلِيدُ وَ قَالَ
صفحه : 30
إِنّ فِي ذَلِكَ أَيضاً لَنَفعاً.فَعِندَ ذَلِكَ دَعَا مُعَاوِيَةُ الضّحّاكَ بنَ قَيسٍ الفهِريِّ، وَ قَالَ لَهُ سِر حَتّي تَمُرّ بِنَاحِيَةِ الكُوفَةِ، وَ تَرتَفِعَ عَنهَا مَا استَطَعتَ،فَمَن وَجَدتَهُ مِنَ الأَعرَابِ فِي طَاعَةِ عَلِيّ،فَأَغِر عَلَيهِ، وَ إِن وَجَدتَ لَهُ مَسلَحَةً أَو خَيلًا فَأَغِر عَلَيهِمَا، وَ إِذَا أَصبَحتَ فِي بَلدَةٍ،فَأَمسِ فِي أُخرَي، وَ لَا تُقِيمَنّ لِخَيلٍ بَلَغَكَ عَنهَا أَنّهَا قَد سُرّحَت إِلَيكَ لِتَلقَاهَا فَتُقَاتِلَهَا.فَسَرّحَهُ فِيمَا بَينَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ إِلَي أَربَعَةِ آلَافٍ.فَأَقبَلَ الضّحّاكُ لِنَهبِ الأَموَالِ، وَ قَتلِ مَن لقَيَِ مِنَ الأَعرَابِ، حَتّي مَرّ بِالثّعلَبِيّةِ فَأَغَارَ عَلَي الحَاجّ،فَأَخَذَ أَمتِعَتَهُم، ثُمّ أَقبَلَ فلَقَيَِ عَمرَو بنَ عُمَيسِ بنِ مَسعُودٍ الذهّليِّ وَ هُوَ ابنُ أخَيِ عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعُودٍ فَقَتَلَهُ فِي طَرِيقِ الحَاجّ، عِندَ القُطقُطَانَةِ، وَ قَتَلَ مَعَهُ نَاساً مِن أَصحَابِهِ.فَصَعِدَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ المِنبَرَ وَ قَالَ يَا أَهلَ الكُوفَةِ اخرُجُوا إِلَي[العَبدِ]الصّالِحِ عَمرِو بنِ عُمَيسٍ وَ إِلَي جُيُوشٍ لَكُم قَد أُصِيبَ مِنهُم طَرَفٌ،اخرُجُوا فَقَاتِلُوا عَدُوّكُم، وَ امنَعُوا حَرِيمَكُم إِن كُنتُم فَاعِلِينَ.فَرَدّوا عَلَيهِ رَدّاً ضَعِيفاً وَ رَأَي مِنهُم عَجزاً وَ فَشَلًا فَقَالَ وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ لِي بِكُلّ مِائَةٍ مِنكُم رَجُلًا مِنهُم،وَيحَكُم اخرُجُوا معَيِ، ثُمّ فِرّوا عنَيّ مَا بَدَا لَكُم،فَوَ اللّهِ مَا أَكرَهُ لِقَاءَ ربَيّ عَلَي نيِتّيِ وَ بصَيِرتَيِ، وَ فِي ذَلِكَ رَوحٌ لِي عَظِيمٌ، وَ فَرَجٌ مِن مُنَاجَاتِكُم وَ مُعَانَاتِكُم وَ مُقَاسَاتِكُم وَ مُدَارَاتِكُم،مِثلَ مَا تُدَارَي البِكَارُ العَمِدَةُ، وَ الثّيَابُ المُتَهَتّرَةُ،كُلّمَا خِيطَت مِن جَانِبٍ،تَهَتّكَت عَلَي صَاحِبِهَا مِن جَانِبٍ آخَرَ. ثُمّ نَزَلَ،فَخَرَجَ يمَشيِ حَتّي بَلَغَ الغَرِيّينِ، ثُمّ دَعَا حُجرَ بنَ عدَيِّ الكنِديِّ فَعَقَدَ لَهُ رَايَةً عَلَي أَربَعَةِ آلَافٍ،فَخَرَجَ حُجرٌ حَتّي مَرّ بِالسّمَاوَةِ وَ هيَِ
صفحه : 31
أَرضٌ كَلِبٌ،فلَقَيَِ بِهَا إِمرَأَ القَيسِ بنَ عدَيِّ بنِ أَوسٍ الكلَبيِّ، وَ هُم أَصهَارُ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَكَانُوا أَدِلّاءَهُ فِي الطّرِيقِ، وَ عَلَي المِيَاهِ،فَلَم يَزَل مُغِذّاً فِي أَثَرِ الضّحّاكِ، حَتّي لَقِيَهُ بِنَاحِيَةِ تَدمُرَ فَوَاقَعَهُ فَاقتَتَلُوا سَاعَةً،فَقُتِلَ مِن أَصحَابِ الضّحّاكِ تِسعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَ قُتِلَ مِن أَصحَابِ حُجرٍ رَجُلَانِ، وَ حَجَزَ اللّيلُ بَينَهُم،فَمَضَي الضّحّاكُ، فَلَمّا أَصبَحُوا لَم يَجِدُوا لَهُ وَ لِأَصحَابِهِ أَثَراً،فَكَتَبَ عَقِيلٌ هَذَا الكِتَابَ إِلَيهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي أَثَرِ هَذِهِ الوَاقِعَةِ.
وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ أَيضاً ذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الغَارَاتِ، أَنّ النّعمَانَ بنَ بَشِيرٍ قَدِمَ هُوَ وَ أَبُو هُرَيرَةَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مِن عِندِ مُعَاوِيَةَ، بَعدَ أَبِي مُسلِمٍ الخوَلاَنيِّ،يَسأَلَانِهِ أَن يَدفَعَ قَتَلَةَ عُثمَانَ إِلَي مُعَاوِيَةَ،لِيُقِيدَهُم بِعُثمَانَ. وَ إِنّمَا أَرَادَ أَن يُشهِدَا لَهُ عَلَيهِ أَهلَ الشّامِ بِذَلِكَ، وَ أَن يُظهِرَا عُذرَهُ، فَلَمّا أَتَيَاهُ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ أَدّيَا الرّسَالَةَ، قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِلنّعمَانِ حدَثّنيِ عَنكَ أَ أَنتَ أَهدَي مِن قَومِكَ سَبِيلًا يعَنيِ الأَنصَارَ. قَالَ لَا. قَالَ فَكُلّ قَومِكَ قَدِ اتبّعَنَيِ، إِلّا شُذّاذٌ مِنهُم ثَلَاثَةٌ أَو أَربَعَةٌ،فَتَكُونُ أَنتَ مِنَ الشّذّاذِ فَقَالَ النّعمَانُ أَصلَحَكَ اللّهُ،إِنّمَا جِئتُ لِأَكُونَ مَعَكَ، وَ قَد طَمِعتُ أَن يجُريَِ اللّهُ تَعَالَي بَينَكُمَا صُلحاً، فَإِذَا كَانَ غَيرَ ذَلِكَ رَأيُكَ،فإَنِيّ مُلَازِمُكَ.فَأَقَامَ النّعمَانُ، وَ لَحِقَ أَبُو هُرَيرَةَ بِالشّامِ. وَ فَرّ النّعمَانُ بَعدَ أَشهُرٍ مِنهُ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي الشّامِ،فَأَخَذَهُ فِي الطّرِيقِ مَالِكُ بنُ كَعبٍ الأرَحبَيِّ، وَ كَانَ عَامِلَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِعَينِ التّمرِ،فَتَضَرّعَ وَ استَشفَعَ[ لَهُ قَرَظَةُ عِندَ مَالِكِ بنِ كَعبٍ] حَتّي خَلّي سَبِيلَهُ، وَ قَدِمَ عَلَي مُعَاوِيَةَ وَ خَبّرَ بِمَا لقَيَِ وَ لَم يَزَل مَعَهُ. فَلَمّا غَزَي الضّحّاكُ بنُ قَيسٍ أَرضَ العِرَاقِ،بَعَثَ مُعَاوِيَةُ النّعمَانَ مَعَ
صفحه : 32
ألَفيَ رَجُلٍ وَ أَوصَاهُ أَن يَتَجَنّبَ المُدُنَ وَ الجَمَاعَاتِ، وَ أَن لَا يُغِيرَ عَلَي مَسلَحَةٍ، وَ أَن يُعَجّلَ الرّجُوعَ،فَأَقبَلَ النّعمَانُ حَتّي دَنَا مِن عَينِ التّمرِ وَ بِهَا مَالِكٌ، وَ مَعَ مَالِكٍ أَلفُ رَجُلٍ، وَ قَد أَذِنَ لَهُم فَرَجَعُوا إِلَي الكُوفَةِ فَلَم يَبقَ مَعَهُ إِلّا مِائَةٌ أَو نَحوُهَا،فَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَصَعِدَ عَلَيهِ السّلَامُ المِنبَرَ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ يَا أَهلَ الكُوفَةِ المِنسَرُ مِن مَنَاسِرِ أَهلِ الشّامِ، إِذَا أَظَلّ عَلَيكُم انجَحَرتُم فِي بُيُوتِكُم وَ أَغلَقتُم أَبوَابَكُم،انجَازَ الضّبّةُ فِي جُحرِهَا، وَ الضّبُعُ فِي وِجَارِهَا،الذّلِيلُ وَ اللّهِ مَن نَصَرتُمُوهُ، وَ مَن رَمَي بِكُم رَمَي بِأَفوَقَ نَاصِلٍ،أُفّ لَكُم،لَقَد لَقِيتُ مِنكُم تَرَحاً وَيحَكُم يَوماً أُنَاجِيكُم، وَ يَوماً أُنَادِيكُم، فَلَا أَحرَارَ عِندَ النّدَاءِ، وَ لَا إِخوَانَ صَدَقَ عِندَ اللّقَاءِ، أَنَا وَ اللّهِ مُنِيتُ بِكُم،صُمّ لَا تَسمَعُونَ،بُكمٌ لَا تَعقِلُونَ،عمُيٌ لَا تُبصِرُونَ فَالحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ،وَيحَكُم اخرُجُوا هَدَاكُمُ اللّهُ إِلَي مَالِكِ بنِ كَعبٍ أَخِيكُم، فَإِنّ النّعمَانَ بنَ بَشِيرٍ قَد نَزَلَ بِهِ فِي جَمعٍ مِن أَهلِ الشّامِ لَيسَ بِالكَثِيرِ،فَانهَضُوا إِلَي إِخوَانِكُم لَعَلّ اللّهَ يَقطَعُ بِكُم مِنَ الكَافِرِينَ طَرَفاً. ثُمّ نَزَلَ.فَلَم يَخرُجُوا،فَأَرسَلَ إِلَي وُجُوهِهِم وَ كُبَرَائِهِم،فَأَمَرَهُم أَن يَنهَضُوا وَ يَحُثّوا النّاسَ عَلَي المَسِيرِ،فَلَم يَصنَعُوا شَيئاً. وَ اجتَمَعَ مِنهُم نَفَرٌ يَسِيرٌ نَحوَ ثَلَاثِمِائَةٍ أَو دُونِهَا فَقَامَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ أَلَا إنِيّ مُنِيتُ بِمَن لَا يُطِيعُ إِذَا أَمَرتُ، وَ لَا يُجِيبُ إِذَا دَعَوتُ، لَا أَبَا لَكُم، مَا تَنتَظِرُونَ بِنَصرِكُم رَبّكُم أَ مَا دِينٌ يَجمَعُكُم وَ لَا حَمِيّةٌ تُحمِشُكُم أَقُومُ فِيكُم مُستَصرِخاً، وَ أُنَادِيكُم مُتَغَوّثاً، فَلَا تَسمَعُونَ لِي قَولًا، وَ لَا تُطِيعُونَ لِي أَمراً، حَتّي تَكشِفَ الأُمُورُ عَن عَوَاقِبِ المَسَاءَةِ،فَمَا يُدرَكُ بِكُم ثَارٌ، وَ لَا يُبلَغُ بِكُم مَرَامٌ
صفحه : 33
دَعَوتُكُم إِلَي نَصرِ إِخوَانِكُم فَجَرجَرتُم جَرجَرَةَ الجَمَلِ الأَسَرّ، وَ تَثَاقَلتُم تَثَاقُلَ النّضوِ الأَدبَرِ، ثُمّ خَرَجَ إلِيَّ مِنكُم جُنَيدٌ مُتَذَائِبٌكَأَنّما يُساقُونَ إِلَي المَوتِ وَ هُم يَنظُرُونَ. ثُمّ نَزَلَ فَدَخَلَ مَنزِلَهُ.فَقَامَ عدَيِّ بنُ حَاتِمٍ فَقَالَ هَذَا وَ اللّهِ الخِذلَانُ، مَا عَلَي هَذَا بَايَعنَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.[ ثُمّ دَخَلَ عَلَيهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ] إِنّ معَيِ مِن طيَّ أَلفَ رَجُلٍ لَا يعَصوُنيِ، فَإِن شِئتَ أَن أَسِيرَ بِهِم سِرتُ. قَالَ مَا كُنتُ لِأَعرِضَ قَبِيلَةً وَاحِدَةً مِن قَبَائِلِ العَرَبِ لِلنّاسِ، وَ لَكِنِ اخرُج إِلَي النّخَيلَةِ وَ عَسكِر بِهِم.فَخَرَجَ[عدَيِّ]فَعَسكَرَ وَ فَرَضَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِكُلّ رَجُلٍ مِنهُم سَبعَمِائَةٍ.فَاجتَمَعَ إِلَيهِ أَلفُ فَارِسٍ،عَدَا طَيّاً أَصحَابُ عدَيِّ. وَ وَرَدَ عَلَيهِ عَلَيهِ السّلَامُ الخَبَرُ بِهَزِيمَةِ النّعمَانِ وَ نُصرَةِ مَالِكٍ.
وَ رَوَي عَبدُ اللّهِ بنُ جَوزَةَ الأزَديِّ قَالَكُنتُ مَعَ مَالِكِ بنِ كَعبٍ حِينَ نَزَلَ بِنَا النّعمَانُ، وَ هُوَ فِي أَلفَينِ وَ مَا نَحنُ إِلّا مِائَةٌ فَقَالَ لَنَا قَاتِلُوهُم فِي القَريَةِ وَ اجعَلُوا الجُدُرَ فِي ظُهُورِكُم، وَ لَا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَي التّهلُكَةِ، وَ اعلَمُوا أَنّ اللّهَ تَعَالَي يَنصُرُ العَشَرَةَ عَلَي المِائَةِ، وَ المِائَةَ عَلَي الأَلفِ، وَ القَلِيلَ عَلَي الكَثِيرِ. ثُمّ قَالَ إِنّ أَقرَبَ مَن هَاهُنَا إِلَينَا مِن شِيعَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ قَرَظَةُ بنُ كَعبٍ، وَ مِخنَفُ بنُ سُلَيمٍ،فَاركُض إِلَيهِمَا فَأَعلِمهُمَا حَالَنَا، وَ قُل لَهُمَا فَليَنصُرَانَا.فَمَرَرتُ بِقَرَظَةَ فَاستَصرَختُهُ، فَقَالَ إِنّمَا أَنَا صَاحِبُ خَرَاجٍ، وَ لَيسَ عنِديِ مَن أُغِيثُهُ بِهِ فَمَضَيتُ إِلَي مِخنَفٍ،فَسَرّحَ معَيِ عَبدَ الرّحمَنِ بنَ مِخنَفٍ فِي خَمسِينَ رَجُلًا، وَ قَاتَلَ مَالِكٌ وَ أَصحَابُهُ،النّعمَانَ وَ أَصحَابَهُ إِلَي العَصرِ،فَأَتَينَاهُ وَ قَد كَسَرَ هُوَ وَ أَصحَابُهُ جُفُونَ سُيُوفِهِم، وَ استَقبَلُوا المَوتَ،فَلَو أَبطَأنَا مِنهُم هَلَكُوا،فَمَا هُوَ إِلّا أَن رَآنَا أَهلُ الشّامِ وَ قَد أَقبَلنَا عَلَيهِم،أَخَذُوا يَنكُصُونَ عَنهُم وَ يَرتَفِعُونَ، وَ رَآنَا مَالِكٌ وَ أَصحَابُهُ،فَشَدّوا عَلَيهِم حَتّي دَفَعُوهُم عَنِ القَريَةِ،فَاستَعرَضنَاهُم فَصَرَعنَا
صفحه : 34
مِنهُم رِجَالًا ثَلَاثَةً،فَظَنّ القَومُ أَنّ لَنَا مَدَداً، وَ حَالَ اللّيلُ بَينَنَا وَ بَينَهُم،فَانصَرَفُوا إِلَي أَرضِهِم. وَ كَتَبَ مَالِكٌ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا بَعدُ،فَإِنّهُ نَزَلَ بِنَا النّعمَانُ بنُ بَشِيرٍ فِي جَمعٍ مِن أَهلِ الشّامِ كَالظّاهِرِ عَلَينَا، وَ كَانَ عِظَمُ أصَحاَبيِ مُتَفَرّقِينَ، وَ كُنّا للِذّيِ كَانَ مِنهُم آمِنِينَ،فَخَرَجنَا إِلَيهِم رِجَالًا مُصلِتِينَ،فَقَاتَلنَاهُم حَتّي المَسَاءِ، وَ استَصرَخنَا مِخنَفُ بنُ سُلَيمٍ،فَبَعَثَ إِلَينَا رِجَالًا مِن شِيعَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ وُلدِهِ،فَنِعمَ الفَتَي، وَ نِعمَ الأَنصَارُ كَانُوا،فَحَمَلنَا عَلَي عَدُوّنَا وَ شَدَدنَا عَلَيهِم،فَأَنزَلَ اللّهُ عَلَينَا نَصرَهُ، وَ هَزَمَ عَدُوّهُ، وَ أَعَزّ جُندَهُ،وَ الحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ، وَ السّلَامُ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
وَ عَن أَبِي الطّفَيلِ قَالَ، قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَهلَ الكُوفَةِ دَخَلتُ إِلَيكُم وَ لَيسَ لِي سَوطٌ إِلّا الدّرّةُ،فرَفَعَتمُوُنيِ إِلَي السّوطِ، ثُمّ رفَعَتمُوُنيِ إِلَي الحِجَارَةِ، أَو قَالَ الحَدِيدِ،أَلبَسَكُمُ اللّهُ شِيَعاً، وَ أَذَاقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ،فَمَن فَازَ بِكُم فَقَد فَازَ بِالقَدَحِ الأَخيَبِ.
وَ عَن أَبِي صَالِحٍ الحنَفَيِّ قَالَ رَأَيتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَخطُبُ، وَ قَد وَضَعَ المُصحَفَ عَلَي رَأسِهِ، حَتّي رَأَيتُ الوَرَقَ يَتَقَعقَعُ عَلَي رَأسِهِ قَالَ، فَقَالَ أللّهُمّ قَد منَعَوُنيِ مَا فِيهِ،فأَعَطنِيِ مَا فِيهِ، أللّهُمّ قَد أَبغَضتُهُم وَ أبَغضَوُنيِ، وَ مَلِلتُهُم وَ ملَوّنيِ وَ حمَلَوُنيِ عَلَي غَيرِ خلُقُيِ وَ طبَيِعتَيِ وَ أَخلَاقٍ لَم تَكُن تُعرَفُ لِي. أللّهُمّ فأَبَدلِنيِ بِهِم خَيراً مِنهُم، وَ أَبدِلهُم بيِ شَرّاً منِيّ. أللّهُمّ أَمِث قُلُوبَهُم مَيثَ المِلحِ فِي المَاءِ.
وَ عَن سَعدِ بنِ اِبرَاهِيمَ عَنِ ابنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ رَأَيتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ قَدِ ازدَحَمُوا عَلَيهِ حَتّي أَدمَوا رِجلَهُ، فَقَالَ أللّهُمّ قَد كَرِهتُهُم وَ كرَهِوُنيِ،فأَرَحِنيِ مِنهُم، وَ أَرِحهُم منِيّ.
وَ رَوَي مُحَمّدُ بنُ فُرَاتٍ الجرَميِّ، عَن زَيدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ
صفحه : 35
قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فِي هَذِهِ الخُطبَةِ أَيّهَا النّاسُ إنِيّ دَعَوتُكُم إِلَي الحَقّ فَتَوَلّيتُم عنَيّ وَ ضَرَبتُكُم بِالدّرّةِ فأَعَييَتمُوُنيِ. أَمَا إِنّهُ سَيَلِيكُم بعَديِ وُلَاةٌ لَا يَرضَونَ مِنكُم بِذَلِكَ حَتّي يُعَذّبُونَكُم بِالسّيَاطِ وَ الحَدِيدِ،فَأَمّا أَنَا فَلَا أُعَذّبُكُم بِهِمَا،إِنّهُ مَن عَذّبَ النّاسَ فِي الدّنيَا عَذّبَهُ اللّهُ فِي الآخِرَةِ، وَ آيَةُ ذَلِكَ أَن يَأتِيَكُم صَاحِبُ اليَمَنِ حَتّي يَحُلّ بَينَ أَظهُرِكُم،فَيَأخُذَ العُمّالَ وَ عُمّالَ العُمّالِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ بنُ عُمَرَ، وَ يَقُومُ عِندَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنّا أَهلَ البَيتَ فَانصُرُوهُ،فَإِنّهُ دَاعٍ إِلَي الحَقّ. قَالَ فَكَانَ النّاسُ يَتَحَدّثُونَ أَنّ ذَلِكَ الرّجُلَ هُوَ زَيدٌ[ عَلَيهِ السّلَامُ].
بيان أحمشته أي أغضبته . والمستصرخ المستنصر. والمتغوّث القائل وا غوثاه . والثار الدّم والطلب به ، وقاتل حميمك .ذكره الفيروزآبادي. والجرجرة صوت يردّده البعير في حنجرته ، وأكثر ما يكون ذلك عندالإعياء والتّعب. والسرر داء يأخذ البعير في سرّته،يقال منه جمل أسرّ. والنضو البعير المهزول . والأدبر ألذي به دبر وهي القروح في ظهره . والجنيد تصغير الجند. و قال السّيّد الرضيّ رضي اللّه عنه «متذائب » أي مضطرب ، من قولهم تذاءبت الريح أي اضطرب هبوبها، و منه سميّ الذئب لاضطراب مشيه .أقول أورد السّيّد في النهج قوله عليه السلام «ألا إني منيت إلي قوله وَ هُم يَنظُرُونَ».
صفحه : 36
وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ نَقلًا مِن كِتَابِ الغَارَاتِ،لِإِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِّ وَ وَجَدتُهُ فِي أَصلِ كِتَابِهِ أَيضاً رَوَي بِإِسنَادِهِ عَن عَمرِو بنِ مِحصَنٍ أَنّ مُعَاوِيَةَ لَمّا أَصَابَ مُحَمّدَ بنَ أَبِي بَكرٍ بِمِصرَ،بَعَثَ عَبدَ اللّهِ بنَ عَامِرٍ الحضَرمَيِّ إِلَي أَهلِ البَصرَةِ لِيَدعُوَهُم إِلَي نَفسِهِ، وَ إِلَي الطّلَبِ بِدَمِ عُثمَانَ، فَلَمّا أَتَاهُم وَ قَرَأَ عَلَيهِم كِتَابَ مُعَاوِيَةَ اختَلَفُوا،فَبَعضُهُم رَدّوا، وَ أَكثَرُهُم قَبِلُوا وَ أَطَاعُوا. وَ كَانَ الأَمِيرُ يَومَئِذٍ بِالبَصرَةِ،زِيَادَ بنَ عُبَيدٍ، قَدِ استَخلَفَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ، وَ ذَهَبَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يُعَزّيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ، فَلَمّا رَأَي زِيَادٌ إِقبَالَ النّاسِ عَلَي ابنِ الحضَرمَيِّ،استَجَارَ مِنَ الأَزدِ وَ نَزَلَ فِيهِم، وَ كَتَبَ إِلَي ابنِ عَبّاسٍ وَ أَخبَرَهُ بِمَا جَرَي فَرَفَعَ ابنُ عَبّاسٍ ذَلِكَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ شَاعَ فِي النّاسِ بِالكُوفَةِ مَا كَانَ مِن ذَلِكَ، وَ اختَلَفَ أَصحَابُهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِيمَن يَبعَثُهُ إِلَيهِم حَمِيّةً فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ تَنَاهَوا أَيّهَا النّاسُ، وَ ليَردَعكُمُ الإِسلَامُ وَ وَقَارُهُ عَنِ التبّاَغيِ وَ التهّاَويِ، وَ لتَجتَمِع كَلِمَتُكُم، وَ الزَمُوا دِينَ اللّهِ ألّذِي لَا يُقبَلُ مِن أَحَدٍ غَيرُهُ، وَ كَلِمَةَ الإِخلَاصِ التّيِ هيَِ قِوَامُ الدّينِ، وَ حُجّةُ اللّهِ عَلَي الكَافِرِينَ،وَ اذكُرُوا إِذ كُنتُم قَلِيلًامُشرِكِينَ مُتَبَاغِضِينَ مُتَفَرّقِينَ فَأَلّفَ بَينَكُم بِالإِسلَامِ،فَكَثُرتُم وَ اجتَمَعتُم وَ تَحَابَبتُم، فَلَا تَتَفَرّقُوا بَعدَ إِذِ اجتَمَعتُم، وَ لَا تَبَاغَضُوا بَعدَ إِذ تَحَابَبتُم، وَ إِذَا رَأَيتُمُ النّاسَ وَ بَينَهُمُ النّائِرَةُ وَ قَد تَدَاعَوا إِلَي العَشَائِرِ وَ القَبَائِلِ فَاقصِدُوا لِهَامِهِم وَ وُجُوهِهِم بِسُيُوفِكُم، حَتّي يَفزَعُوا إِلَي اللّهِ وَ كِتَابِهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ،فَأَمّا تِلكَ الحَمِيّةُ فَإِنّهَا مِن خُطُوَاتِ الشّيَاطِينِ فَانتَهُوا عَنهَا لَا أَبَا لَكُم تُفلِحُوا وَ تَنجَحُوا.
صفحه : 37
ثُمّ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ وَ رَوَي الواَقدِيِّ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ استَنفَرَ بنَيِ تَمِيمٍ أَيّاماً،لِيَنهَضَ مِنهُم إِلَي البَصرَةِ مَن يَكفِيهِ أَمرَ ابنِ الحضَرمَيِّ، وَ يَرُدّ عَادِيَةَ بنَيِ تَمِيمٍ الّذِينَ أَجَارُوهُ بِهَا،فَلَم يُجِبهُ أَحَدٌ فَخَطَبَهُم وَ قَالَ لَيسَ مِنَ العَجَبِ أَن ينَصرُنَيِ الأَزدُ وَ يخَذلُنَيِ مُضَرُ. وَ أَعجَبُ مِن ذَلِكَ تَقَاعُدُ تَمِيمِ الكُوفَةِ بيِ، وَ خِلَافُ تَمِيمِ البَصرَةِ عَلَيّ، وَ أَن أَستَنجِدَ بِطَائِفَةٍ مِنهُم مَا يَشخَصُ إلِيَّ أَحَدٌ مِنهَا فَيَدعُوَهُم إِلَي الرّشَادِ، فَإِن أَجَابَت وَ إِلّا فَالمُنَابَذَةُ وَ الحَربُ.فكَأَنَيّ أُخَاطِبُ صُمّاً بُكماً لَا يَفقَهُونَ حِوَاراً، وَ لَا يُجِيبُونَ نِدَاءً، كُلّ ذَلِكَ جُنُباً عَنِ البَأسِ وَ حُبّاً لِلحَيَاةِ.[ وَ]لَقَد كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ،نَقتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبنَاءَنَا وَ إِخوَانَنَا وَ أَعمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلّا إِيمَاناً وَ تَسلِيماً، وَ مُضِيّاً عَلَي اللّقَمِ، وَ صَبراً عَلَي مَضَضِ الأَلَمِ، وَ جِدّاً فِي جِهَادِ العَدُوّ. وَ لَقَد كَانَ الرّجُلُ مِنّا وَ الآخَرُ مِن عَدُوّنَا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الفَحلَينِ،يَتَخَالَسَانِ أَنفُسَهُمَا أَيّهُمَا يسَقيِ صَاحِبَهُ كَأسَ المَنُونِ،فَمَرّةً لَنَا مِن عَدُوّنَا وَ مَرّةً لِعَدُوّنَا مِنّا. فَلَمّا رَأَي اللّهُ صِدقَنَا،أَنزَلَ بِعَدُوّنَا الكَبتَ، وَ أَنزَلَ عَلَينَا النّصرَ، حَتّي استَقَرّ الإِسلَامُ مُلقِياً جِرَانَهُ، وَ مُتَبَوّئاً أَوطَانَهُ. وَ لعَمَريِ لَو كُنّا نأَتيِ مَا أَتَيتُم، مَا قَامَ لِلدّينِ عَمُودٌ، وَ لَا اخضَرّ لِلإِيمَانِ عُودٌ. وَ ايمُ اللّهِ لَتَحتَلِبُنّهَا دَماً، وَ لَتُتبِعُنّهَا نَدَماً. قَالَ فَقَامَ إِلَيهِ أَعيَنُ بنُ ضُبَيعَةَ المجُاَشعِيِّ، فَقَالَ أَنَا إِن شَاءَ اللّهُ أَكفِيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ هَذَا الخَطبَ،فَأَتَكَفّلُ لَكَ بِقَتلِ ابنِ الحضَرمَيِّ، أَو إِخرَاجِهِ عَنِ البَصرَةِ.فَأَمَرَهُ بِالتّهَيّؤِ لِلشّخُوصِ،فَشَخَصَ حَتّي قَدِمَ البَصرَةَ.
رَجَعنَا إِلَي رِوَايَةِ الثقّفَيِّ، قَالَ اِبرَاهِيمُ فَلَمّا قَدِمَهَا دَخَلَ عَلَي زِيَادٍ وَ هُوَ
صفحه : 38
بِالأَهوَازِ مُقِيمٌ،فَرَحّبَ بِهِ وَ أَجلَسَهُ إِلَي جَانِبِهِ،فَأَخبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ إِنّهُ لَيُكَلّمُهُ إِذ جَاءَهُ كِتَابٌ مِن عَلِيّ فِيهِبِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ مِن عَبدِ اللّهِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، عَلِيّ إِلَي زِيَادِ بنِ عُبَيدٍ سَلَامٌ عَلَيكَ، أَمّا بَعدُ،فإَنِيّ قَد بَعَثتُ أَعيَنَ بنَ ضُبَيعَةَ لِيُفَرّقَ قَومَهُ عَنِ ابنِ الحضَرمَيِّ،فَارقَب مَا يَكُونُ مِنهُ، فَإِن فَعَلَ وَ بَلَغَ مِن ذَلِكَ مَا يُظَنّ بِهِ، وَ كَانَ فِي ذَلِكَ تَفرِيقُ تِلكَ الأَوبَاشِ،فَهُوَ مَا نُحِبّ، وَ إِن تَرَامَتِ الأُمُورُ بِالقَومِ إِلَي الشّقَاقِ وَ العِصيَانِ،فَانهَد بِمَن أَطَاعَكَ إِلَي مَن عَصَاكَ فَجَاهِدهُم، فَإِن ظَفِرتَ فَهُوَ مَا ظَنَنتُ، وَ إِلّا فَطَاوِلهُم وَ مَاطِلهُم،فَكَأَنّ كَتَائِبَ المُسلِمِينَ قَد أَظَلّت عَلَيكَ،فَقَتَلَ اللّهُ الظّالِمِينَ المُفسِدِينَ، وَ نَصَرَ المُؤمِنِينَ المُحِقّينَ وَ السّلَامُ. فَلَمّا قَرَأَهُ زِيَادٌ،أَقرَأَهُ أَعيَنَ بنَ ضُبَيعَةَ فَقَالَ لَهُ إنِيّ لَأَرجُو أَن تكَفيَِ هَذَا الأَمرَ إِن شَاءَ اللّهُ. ثُمّ خَرَجَ مِن عِندِهِ فَأَتَي رَحلَهُ،فَجَمَعَ إِلَيهِ رِجَالًا مِن قَومِهِ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ يَا قَومُ عَلَي مَا ذَا تَقتُلُونَ أَنفُسَكُم، وَ تُهَرِيقُونَ دِمَاءَكُم عَلَي البَاطِلِ مَعَ السّفَهَاءِ وَ الأَشرَارِ وَ إنِيّ وَ اللّهِ مَا جِئتُكُم حَتّي عَبَأتُ إِلَيكُمُ الجُنُودَ، فَإِن تُنِيبُوا إِلَي الحَقّ نَقبَل مِنكُم، وَ نَكُفّ عَنكُم، وَ إِن أَبَيتُم فَهُوَ وَ اللّهِ استِيصَالُكُم وَ بَوَارُكُم.فَقَالُوا بَل نَسمَعُ وَ نُطِيعُ فَقَالَ انهَضُوا اليَومَ عَلَي بَرَكَةِ اللّهِ،فَنَهَضَ بِهِم عَلَي جَمَاعَةِ ابنِ الحضَرمَيِّ،فَخَرَجُوا إِلَيهِ فَصَافّوهُ، وَ وَاقَفَهُم عَامّةَ يَومِهِ يُنَاشِدُهُمُ اللّهَ وَ يَقُولُ يَا قَومُ لَا تَنكُثُوا بَيعَتَكُم، وَ لَا تُخَالِفُوا إِمَامَكُم، وَ لَا تَجعَلُوا عَلَي أَنفُسِكُم سَبِيلًا،فَقَد رَأَيتُم وَ جَرّبتُم كَيفَ صَنَعَ اللّهُ بِكُم عِندَ نَكثِكُم بَيعَتِكُم وَ خِلَافِكُم.فَكَفّوا عَنهُ، وَ هُم فِي ذَلِكَ يَشتُمُونَهُ.
صفحه : 39
فَانصَرَفَ عَنهُم وَ هُوَ مِنهُم مُنتَصِفٌ فَلَمّا آوَي إِلَي رَحلِهِ،تَبِعَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ يَظُنّ النّاسُ أَنّهُم خَوَارِجُ،فَضَرَبُوهُ بِأَسيَافِهِم وَ هُوَ عَلَي فِرَاشِهِ، لَا يَظُنّ أَنّ ألّذِي كَانَ يَكُونُ،فَخَرَجَ يَشتَدّ عُريَاناً فَلَحِقُوهُ فِي الطّرِيقِ فَقَتَلُوهُ.فَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا وَقَعَ. وَ كَتَبَ إنِيّ أَرَي أَن تَبعَثَ إِلَيهِم جَارِيَةَ بنَ قُدَامَةَ،فَإِنّهُ نَافِذُ البَصِيرَةِ، وَ مُطَاعُ العَشِيرَةِ،شَدِيدٌ عَلَي عَدُوّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، فَلَمّا قَرَأَ عَلَيهِ السّلَامُ الكِتَابَ،دَعَا جَارِيَةَ فَقَالَ يَا ابنَ قُدَامَةَ تَمنَعُ الأَزدَ عَن عاَملِيِ وَ بَيتِ ماَليِ وَ تشُاَقنّيِ مُضَرَ وَ تنُاَبذِنُيِ، وَ بِنَا ابتَدَأَهَا اللّهُ بِالكَرَامَةِ، وَ عَرّفَهَا الهُدَي، وَ تَدعُو إِلَي المَعشَرِ الّذِينَ حَادّوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَرَادُوا إِطفَاءَ نُورِ اللّهِ سُبحَانَهُ حَتّي عَلَت كَلِمَتُهُ عَلَيهِم وَ أَهلَكَ الكَافِرِينَ.
فَرَوَي اِبرَاهِيمُ بِإِسنَادِهِ عَن كَعبِ بنِ قُعَينٍ قَالَخَرَجتُ مَعَ جَارِيَةَ مِنَ الكُوفَةِ فِي خَمسِينَ رَجُلًا مِن بنَيِ تَمِيمٍ، وَ مَا كَانَ فِيهِم يمَاَنيِّ غيَريِ، وَ كُنتُ شَدِيدَ التّشَيّعِ،فَقُلتُ لِجَارِيَةَ إِن شِئتَ كُنتُ مَعَكَ، وَ إِن شِئتَ مِلتُ إِلَي قوُميِ. فَقَالَ بَل سِر معَيِ،فَوَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ الطّيرَ وَ البَهَائِمَ تنَصرُنُيِ عَلَيهِم فَضلًا عَنِ الإِنسِ. فَلَمّا دَخَلنَا البَصرَةَ،بَدَأَ بِزِيَادٍ فَرَحّبَ بِهِ وَ أَجلَسَهُ إِلَي جَانِبِهِ، وَ نَاجَاهُ سَاعَةً وَ سَاءَلَهُ ثُمّ خَرَجَ فَقَامَ فِي الأَزدِ فَقَالَ جَزَاكُمُ اللّهُ مِن حيَّ خَيراً، ثُمّ قَرَأَ عَلَيهِم وَ عَلَي غَيرِهِم كِتَابَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ فَإِذَا فِيهِ مِن عَبدِ اللّهِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، إِلَي مَن قرُِئَ عَلَيهِ كتِاَبيِ هَذَا مِن ساَكنِيِ البَصرَةِ مِنَ المُؤمِنِينَ وَ المُسلِمِينَ سَلَامٌ عَلَيكُم، أَمّا بَعدُ، فَإِنّ اللّهَ حَلِيمٌ ذُو أَنَاةٍ لَا يُعَجّلُ بِالعُقُوبَةِ قَبلَ البَيّنَةِ، وَ لَا يَأخُذُ المُذنِبَ عِندَ أَوّلِ وَهلَةٍ، وَ لَكِنّهُ يَقبَلُ التّوبَةَ، وَ يَستَدِيمُ الأَنَاةَ، وَ يَرضَي بِالإِنَابَةِ،لِيَكُونَ أَعظَمَ لِلحُجّةِ، وَ أَبلَغَ فِي المَعذِرَةِ. وَ قَد كَانَ مِن شِقَاقِ جُلّكُم أَيّهَا النّاسُ، مَا استَحقَقتُم أَن تُعَاقَبُوا عَلَيهِ،فَعَفَوتُ عَن مُجرِمِكُم، وَ رَفَعتُ السّيفَ عَن مُدبِرِكُم وَ قَبِلتُ مِن مُقبِلِكُم، وَ أَخَذتُ
صفحه : 40
بَيعَتَكُم، فَإِن تَفُوا ببِيَعتَيِ وَ تَقبَلُوا نصَيِحتَيِ وَ تَستَقِيمُوا عَلَي طاَعتَيِ،أَعمَل فِيكُم بِالكِتَابِ وَ قَصدِ الحَقّ، وَ أُقِيمُ فِيكُم سَبِيلَ الهُدَي فَوَ اللّهِ مَا أَعلَمُ أَنّ وَالِياً بَعدَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعلَمُ بِذَلِكَ منِيّ، وَ لَا أَعمَلُ.أَقُولُ قوَليِ هَذَا صَادِقاً غَيرَ ذَامّ لِمَن مَضَي، وَ لَا مُنتَقِصاً لِأَعمَالِهِم. وَ إِن خَطّت بِكُمُ الأَهوَاءُ المُردِيَةُ، وَ سَفَهُ الرأّيِ الجَائِرِ إِلَي منُاَبذَتَيِ تُرِيدُونَ خلِاَفيِ،فَهَا أَنَا ذَا قَرُبتُ جيِاَديِ، وَ رَحَلتُ ركِاَبيِ. وَ ايمُ اللّهِ لَئِن ألَجأَتمُوُنيِ إِلَي المَسِيرِ إِلَيكُم،لَأُوقِعَنّ بِكُم وَقعَةً لَا يَكُونُ يَومُ الجَمَلِ عِندَهَا إِلّا كَلَعقَةِ لَاعِقٍ، وَ إنِيّ لَظَانّ إِن شَاءَ اللّهُ أَن لَا تَجعَلُوا عَلَي أَنفُسِكُم سَبِيلًا. وَ قَد قَدّمتُ هَذَا الكِتَابَ حُجّةً عَلَيكُم، وَ لَيسَ أَكتُبُ إِلَيكُم مِن بَعدِهِ كِتَاباً إِن أَنتُمُ استَغشَشتُم نصَيِحتَيِ، وَ نَابَذتُم رسَوُليِ، حَتّي أَكُونَ أَنَا الشّاخِصَ نَحوَكُم إِن شَاءَ اللّهُ وَ السّلَامُ. فَلَمّا قرُِئَ الكِتَابُ عَلَي النّاسِ،قَامَ صَبرَةُ بنُ شَيمَانَ فَقَالَ سَمِعنَا وَ أَطَعنَا وَ نَحنُ لِمَن حَارَبَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ حَربٌ، وَ لِمَن سَالَمَ سِلمٌ. إِن كَفَيتَ يَا جَارِيَةُ قَومَكَ بِقَومِكَ فَذَاكَ، وَ إِن أَحبَبتَ أَن نَنصُرَكَ نَصَرنَاكَ. وَ قَامَ وُجُوهُ النّاسِ فَتَكَلّمُوا بِمِثلِ ذَلِكَ،فَلَم يَأذَن[جَارِيَةُ]لِأَحَدٍ أَن يَسِيرَ مَعَهُ وَ مَضَي نَحوَ بنَيِ تَمِيمٍ وَ كَلّمَهُم فَلَم يُجِيبُوهُ، وَ خَرَجَ مِنهُم أَوبَاشٌ فَنَاوَشُوهُ بَعدَ أَن شَتَمُوهُ،فَأَرسَلَ إِلَي زِيَادٍ وَ الأَزدِ يَستَصرِخُهُم[ وَ]يَأمُرُهُم أَن يَسِيرُوا إِلَيهِ فَسَارَت الأَزدُ بِزِيَادٍ. وَ خَرَجَ إِلَيهِمُ ابنُ الحضَرمَيِّ فَاقتَتَلُوا سَاعَةً، وَ اقتَتَلَ شَرِيكُ بنُ الأَعوَرِ الحاَرثِيِّ، وَ كَانَ مِن شِيعَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ صَدِيقاً لِجَارِيَةَ[ فَقَالَ لَهُ أَ لَا أُقَاتِلُ مَعَكَ عَدُوّكَ فَقَالَ بَلَي.فَقَاتَلَهُم.]فَمَا لَبِثَ بَنُو تَمِيمٍ أَن هَزَمُوهُم وَ اضطَرّوهُم إِلَي دَارِ سُنبُلٍ السعّديِّ،فَحَصَرُوا ابنَ الحضَرمَيِّ فِيهَا، وَ أَحَاطَ جَارِيَةُ وَ زِيَادٌ بِالدّارِ وَ قَالَ جَارِيَةُ عَلَيّ بِالنّارِ.فَقَالَتِ الأَزدُ لَسنَا مِنَ الحَرِيقِ فِي شَيءٍ، وَ هُم قَومُكَ
صفحه : 41
وَ أَنتَ أَعلَمُ.فَحَرَقَ جَارِيَةُ الدّارَ عَلَيهِم،فَهَلَكَ ابنُ الحضَرمَيِّ فِي سَبعِينَ رَجُلًا أَحَدُهُم عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عُثمَانَ القرُشَيِّ. وَ سَارَتِ الأَزدُ بِزِيَادٍ حَتّي أَوطَئُوا قَصرَ الإِمَارَةِ وَ مَعَهُ بَيتُ المَالِ، وَ قَالَت لَهُ هَل بقَيَِ عَلَينَا مِن جِوَارِكَ شَيءٌ. قَالَ لَا.فَانصَرَفُوا عَنهُ. وَ كَتَبَ زِيَادٌ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ جَارِيَةَ بنَ قُدَامَةَ العَبدَ الصّالِحَ قَدِمَ مِن عِندِكَ فَنَاهَضَ جَمعَ ابنِ الحضَرمَيِّ بِمَن نَصَرَهُ، وَ أَعَانَهُ مِنَ الأَزدِ فَفَضّهُ وَ اضطَرّهُ إِلَي دَارٍ مِن دُورِ البَصرَةِ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مِن أَصحَابِهِ فَلَم يَخرُج حَتّي حَكَمَ اللّهُ بَينَهُمَا،فَقَتَلَ ابنَ الحضَرمَيِّ وَ أَصحَابَهُ،مِنهُم مَن أُحرِقَ، وَ مِنهُم مَن ألُقيَِ عَلَيهِ جِدَارٌ، وَ مِنهُم مَن هُدِمَ عَلَيهِ البَيتُ مِن أَعلَاهُ، وَ مِنهُم مَن قُتِلَ بِالسّيفِ، وَ سَلِمَ مِنهُم نَفَرٌ ثَابُوا وَ تَابُوا فَصَفَحَ عَنهُم وَ بُعداً لِمَن عَصَي وَ غَوَي، وَ السّلَامُ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ. فَلَمّا وَصَلَ الكِتَابُ قَرَأَهُ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي النّاسِ فَسُرّ بِذَلِكَ وَ سُرّ أَصحَابُهُ وَ أَثنَي عَلَي جَارِيَةَ وَ عَلَي الأَزدِ وَ ذَمّ البَصرَةَ فَقَالَ إِنّهَا أَوّلُ القُرَي خَرَاباً،إِمّا غَرَقاً وَ إِمّا حَرَقاً، حَتّي يَبقَي مَسجِدُهَا كَجُؤجُؤَةِ سَفِينَةٍ.
نَهجٌ وَ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا هَرَبَ مَصقَلَةُ بنُ هُبَيرَةَ الشيّباَنيِّ إِلَي مُعَاوِيَةَ، وَ كَانَ قَدِ ابتَاعَ سبَيَ بنَيِ نَاجِيَةَ مِن عَامِلِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ أَعتَقَهُم فَلَمّا طَالَبَهُ بِالمَالِ خَاسَ بِهِ وَ هَرَبَ إِلَي الشّامِ قَبّحَ اللّهُ مَصقَلَةَ،فَعَلَ فِعلَ السّادَةِ وَ فَرّ فِرَارَ العَبِيدِ،فَمَا أَنطَقَ مَادِحَهُ حَتّي أَسكَتَهُ، وَ لَا صَدّقَ وَاصِفَهُ حَتّي
صفحه : 42
بَكّتَهُ، وَ لَو أَقَامَ لَأَخَذنَا مَيسُورَهُ وَ انتَظَرنَا لَهُ وُفُورَهُ.
بيان أقول قدمضي هذاالكلام ومضت قصته في أبواب أحوال الخوارج . و قال الشرّاح بنو ناجية ينسبون أنفسهم إلي قريش ، وقريش تدفعهم عنه وينسبونهم إلي ناجية، وهي أمّهم، و قدعدّوا من المبغضين لعليّ عليه السلام . واختلف الرواية في سبيهم ،
ففَيِ بَعضِهَا أَنّهُ لَمّا انقَضَي أَمرُ الجَمَلِ دَخَلَ أَهلُ البَصرَةِ فِي الطّاعَةِ غَيرَ بنَيِ نَاجِيَةَ،فَبَعَثَ إِلَيهِم عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ رَجُلًا مِنَ الصّحَابَةِ فِي خَيلٍ لِيُقَاتِلَهُم،فَأَتَاهُم وَ قَالَ لَهُم مَا لَكُم عَسكَرتُم وَ قَد دَخَلَ فِي الطّاعَةِ غَيرُكُم فَافتَرَقُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرقَةٌ قَالُوا كُنّا نَصَارَي فَأَسلَمنَا وَ نُبَايِعُ،فَأَمَرَهُم فَاعتَزَلُوا. وَ فِرقَةٌ قَالُوا كُنّا نَصَارَي فَلَم نُسلِم وَ خَرَجنَا مَعَ القَومِ الّذِينَ كَانُوا خَرَجُوا،قَهَرُونَا فَأَخرَجُونَا كُرهاً فَخَرَجنَا مَعَهُم فَهَزَمُوا،فَنَحنُ نَدخُلُ فِيمَا دَخَلَ النّاسُ فِيهِ، وَ نُعطِيكُمُ الجِزيَةَ كَمَا أَعطَينَاهُم. فَقَالَ اعتَزِلُوا،فَاعتَزَلُوا. وَ فِرقَةٌ قَالُوا كُنّا نَصَارَي فَأَسلَمنَا وَ لَم يُعجِبنَا الإِسلَامُ فَرَجَعنَا فَنُعطِيكُمُ الجِزيَةَ كَالنّصَارَي. فَقَالَ لَهُم تُوبُوا وَ ارجِعُوا إِلَي الإِسلَامِ.فَأَبَوا،فَقَاتَلَ مُقَاتِلَهُم وَ سَبَي ذَرَارِيّهُم،فَقَدّمَ بِهِم عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.
وَ فِي بَعضِهَا أَنّ الأَمِيرَ مِن قِبَلِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ مَعقِلَ بنَ قَيسٍ، وَ لَمّا انقَضَي أَمرُ الحَربِ لَم يَقتُل مِنَ المُرتَدّينَ مِن بنَيِ نَاجِيَةَ إِلّا رَجُلًا وَاحِداً وَ رَجَعَ البَاقُونَ إِلَي الإِسلَامِ، وَ استَرَقّ مِنَ النّصَارَي مِنهُمُ الّذِينَ سَاعَدُوا فِي الحَربِ وَ شَهَرُوا السّيفَ عَلَي جَيشِ الإِمَامِ، ثُمّ أَقبَلَ بِالأُسَارَي حَتّي مَرّ عَلَي مَصقَلَةَ بنِ هُبَيرَةَ الشيّباَنيِّ، وَ هُوَ عَامِلٌ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي أَردَشِيرخُرّه، وَ هُم خَمسُمِائَةِ
صفحه : 43
إِنسَانٍ،فَبَكَت إِلَيهِ النّسَاءُ وَ الصّبيَانُ، وَ تَصَايَحَ الرّجَالُ وَ سَأَلُوا أَن يَشتَرِيَهُم وَ يُعتِقَهُم،فَابتَاعَهُم بِخَمسِمِائَةِ أَلفِ دِرهَمٍ.فَأَرسَلَ إِلَيهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ أَبَا حُرّةَ الحنَفَيِّ لِيَأخُذَ مِنهُ المَالَ،فَأَدّي إِلَيهِ ماِئتَيَ أَلفِ دِرهَمٍ وَ عَجَزَ عَنِ الباَقيِ فَهَرَبَ إِلَي مُعَاوِيَةَ.فَقِيلَ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ اردُدِ الأُسَارَي فِي الرّقّ. فَقَالَ لَيسَ ذَلِكَ فِي القَضَاءِ بِحَقّ، قَد عَتَقُوا إِذ أَعتَقَهُمُ ألّذِي اشتَرَاهُم، وَ صَارَ ماَليِ دَيناً عَلَيهِ.
أقول فعلي الرواية الأولي كانوا من المرتدّين عن الإسلام و لايجوز سبي ذراريهم عندنا و عندالجمهور أيضا، إلّا أنّ أباحنيفة قال بجواز استرقاق المرأة المرتدّة إذالحقت بدار الحرب . وأيضا ما فيها من أنّه قدم بالأساري إلي عليّ عليه السلام ،يخالف المشهور من اشتراء مصقلة عن عرض الطريق و قد قال بعض الأصحاب بجواز سبي البغاة، إلّا أنّ الظاهر أنّه مع إظهار الكفر والارتداد لايبقي حكم البغي. والصحيح ما في الرواية الثانية من أنّ الأساري كانت من النصاري .[ قوله ]« وخاس به » أي غدر وخاف . وخاس بالوعد أي أخلف .« وقبّحه اللّه» أي نحّاه عن الخير. والسادة جمع السيّد ويطلق علي الرّب والمالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومتحمّل الأذي من قومه والرئيس والمقدم . قوله عليه السلام « حتي أسكته »قيل كلمة« حتي »تحتمل أن تكون بمعني اللّام، أي أنّه لم ينطق مادحه ليقصد إسكاته بهربه ، فإنّ إسكاته لوقصد لايتصوّر إلّا بعدإنطاقه ، و هو لم يتمم فعله ألذي يطلب به إنطاق مادحه ،فكيف يقصد إسكاته بهربه ويحتمل أن يكون المراد أنّه لسرعة إتباعه الفضيلة بالرذيلة،كأنّه جمع بين غايتين متنافيتين . والتبكيت التقريع والتعنيف والتوبيخ واستقبال الرجل بما يكره . والميسور ماتيسّر. وقيل هومصدر علي مفعول . وقيل الغني والسعة. والوفور بالضم مصدر وفر المال ،ككرم ووعد، أي تمّ وزاد. و في بعض النسخ
صفحه : 44
«موفورة» و هوالشيء التامّ، أي انتظرنا حصول الموفور في يده . والغرض دفع عذره في الهرب و هوتوهّم التشديد عليه .
نَهجٌ وَ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ أَيّمَا عَبدٍ مِن عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا العَادِلَةَ غَيرَ الجَائِرَةِ، وَ المَصلَحَةَ فِي الدّينِ وَ الدّنيَا غَيرَ المُفسِدَةِ،فَأَبَي بَعدَ سَمعِهِ لَهَا إِلّا النّكُوصَ عَن نُصرَتِكَ، وَ الإِبطَاءَ عَن إِعزَازِ دِينِكَ،فَإِنّا نَستَشهِدُكَ عَلَيهِ يَا أَكبَرَ الشّاهِدِينَ شَهَادَةً، وَ نَستَشهِدُ عَلَيهِ جَمِيعَ مَن أَسكَنتَهُ أَرضَكَ وَ سمَاوَاتِكَ، ثُمّ أَنتَ بَعدُ،المغُنيِ عَن نَصرِهِ وَ الآخِذُ لَهُ بِذَنبِهِ.
بيان قال ابن ميثم هذاالفصل من خطبة كان يستنهض عليه السلام بهاأصحابه إلي جهاد أهل الشام ،قاله بعدتقاعد أكثرهم عن معاوية. و« ما» في «أيّما»زائدة مؤكّدة. و في وصف المقالة بالعادلة توسّع. والنكوص الرجوع قهقهري .«فإنّا نستشهدك » أي نسألك أن تشهد عليه .« ثم أنت بعد» أي بعدتلك الشهادة عليه .
نَهجٌ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ يَحُثّ فِيهِ أَصحَابَهُ عَلَي الجِهَادِ وَ اللّهُ مُستَأدِيكُم شُكرَهُ، وَ مُوَرّثُكُم أَمرَهُ، وَ مُمهِلُكُم فِي مِضمَارٍ مَمدُودٍ لِتَتَنَازَعُوا سَبقَهُ.فَشُدّوا عُقَدَ المَآزِرِ، وَ اطوُوا فُضُولَ الخَوَاصِرِ لَا تَجتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَ وَلِيمَةٌ مَا أَنقَضَ النّومَ لِعَزَائِمِ اليَومِ، وَ أَمحَي الظّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الهِمَمِ.
توضيح الاستيداء طلب الأداء. والأمر هوالملك والغلبة، كما قال تعالي وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنّهُم فِي الأَرضِالآية.
صفحه : 45
والمضمار مدّة تضمير الفرس وموضعه . وفسّر بالميدان أيضا. والمراد مدّة التّكليف والحياة أودار الدّنيا. والسّبق بالفتح كما في النسخ المصدر. وبالتحريك مايتراهن عليه . والضّمير راجع إليه سبحانه كالسّوابق، أو إلي المضمار. والعقد جمع العقدة بالضمّ، وهي موضع العقد. قال ابن أبي الحديد أي شمّروا عن ساق الاجتهاد. ويقال لمن يوصي بالجدّ والتّشمير اشدد عقدة إزارك .لأنّه إذاشدّها كان أبعد من العثار وأسرع للمشي. و قوله « واطووا فضول الخواصر»نهي عن كثرة الأكل ،لأنّ الكثير الأكل لايطوي فضول خواصره ، والقليل الأكل يأكل في بعضها ويطوي بعضها.انتهي . وقيل من شرع في أمر بجدّ واجتهاد يطوي مافضل من أزراره ، ويلتف بقدميه في خاصرته ، ويجعله محكما فيها.فهذه أيضا كناية عن الجدّ والاجتهاد. و قال الكيدري وجدت في نسخة صحيحة«اطروا فضول الخواصر». والطر الشقّ والقطع ، أي اقطعوا من ثيابكم مافضل ويزاد علي بدنكم . و هوكناية عن المبالغة في التشمير عن ساق الجد.انتهي . والوليمة طعام العرس أو كلّ طعام صنع لدعوة، والمعني إنّ العزيمة الجازمة تنافي الاشتغال بالملاذ، و لاتنال المطالب الجليلة إلّا بركوب المشاقّ.« و ماأنقض النوم لعزائم اليوم »كثيرا مايعزم الإنسان في النهار علي المسير والارتحال في اللّيلة المستقبلة لتقريب المنزل ، فإذاجاء اللّيل نام واستراح وشقّ عليه القيام ، أي ففاته ماعزم عليه من السير، أوالمراد فوت ماعزم عليه من مهمات الأمور في يومه بنوم الليلة التي قبله .« والتذاكير»جمع التذكار بالفتح ، و هوالذكر والحفظ للشيء. والمعني ما
صفحه : 46
أكثر مايهمّ الإنسان ويعزم علي السير باللّيل، فإذاأدركته ظلمة الليل ،نام ومال إلي الرّاحة ونسي ماعزم عليه ،فانمحي واضمحلّ ماهمّه.
911- كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ الثقّفَيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ، عَن نَصرِ بنِ مُزَاحِمٍ، عَن عُمَرَ بنِ سَعدٍ، عَن نُمَيرِ بنِ وَعلَةَ، عَن أَبِي الوَدّاكِ أَنّ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا فَرَغَ مِن حَربِ الخَوَارِجِ،قَامَ فِي النّاسِ بِنَهرَوَانَ خَطِيباً فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ اللّهَ قَد أَحسَنَ بِكُم وَ أَحسَنَ نَصرَكُم،فَتَوَجّهُوا مِن فَورِكُم هَذَا إِلَي عَدُوّكُم مِن أَهلِ الشّامِ.فَقَامُوا إِلَيهِ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ نَفِدَت نِبَالُنَا، وَ كَلّت سُيُوفُنَا، وَ نَصَلَت أَسِنّةُ رِمَاحِنَا، وَ عَادَ أَكثَرُهَا قَصداً،ارجِع بِنَا إِلَي مِصرِنَا نَستَعِدّ بِأَحسَنِ عُدّتِنَا، وَ لَعَلّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ يَزِيدُ فِي عُدّتِنَا عُدّةَ مَن هَلَكَ مِنّا،فَإِنّهُ أَقوَي لَنَا عَلَي عَدُوّنَا. وَ كَانَ ألّذِي ولَيَِ كَلَامَ النّاسِ يَومَئِذٍ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ.
وَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ العَبّاسِ عَنِ ابنِ المُبَارَكِ البجَلَيِّ[ عَن بَكرِ بنِ عِيسَي] عَنِ الأَعمَشِ عَنِ المِنهَالِ بنِ عَمرٍو[ عَن قَيسِ بنِ السّكَنِ أَنّهُ] قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ وَ نَحنُ بِمَسكِنَ يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ«ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدّسَةَ التّيِ كَتَبَ اللّهُ لَكُم وَ لا تَرتَدّوا عَلي أَدبارِكُم فَتَنقَلِبُوا خاسِرِينَ»[21-المَائِدَةَ 5]فَبَكَوا[فَتَلَكّئُوا«خ ل »] وَ قَالُوا البَردُ شَدِيدٌ. وَ كَانَ غَزَاتُهُم فِي البَردِ. فَقَالَ إِنّ القَومَ يَجِدُونَ البَردَ كَمَا تَجِدُونَ. قَالَ فَلَم يَفعَلُوا وَ أَبَوا، فَلَمّا رَأَي ذَلِكَ مِنهُم قَالَ أُفّ لَكُم،إِنّهَا سُنّةٌ جَرَت عَلَيكُم.
صفحه : 47
وَ سَمِعَت أَصحَابُنَا عَن أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الأَعمَشِ عَنِ المِنهَالِ بنِ عَمرٍو عَن قَيسِ بنِ السّكَنِ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ «يا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدّسَةَ التّيِ كَتَبَ اللّهُ لَكُم وَ لا تَرتَدّوا عَلي أَدبارِكُم فَتَنقَلِبُوا خاسِرِينَ»فَاعتَلّوا عَلَيهِ فَقَالَ أُفّ لَكُم،إِنّهَا سُنّةٌ جَرَت.
وَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ العَبّاسِ عَنِ ابنِ المُبَارَكِ عَن بَكرِ بنِ عِيسَي عَن عُمَرَ بنِ عُمَيرٍ الهجَرَيِّ عَن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ انصَرَفَ مِن حَربِ النّهرَوَانِ، حَتّي إِذَا كَانَ فِي بَعضِ الطّرِيقِ نَادَي فِي النّاسِ فَاجتَمَعُوا،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ رَغّبَهُم فِي الجِهَادِ وَ دَعَاهُم إِلَي المَسِيرِ إِلَي الشّامِ مِن وَجهِهِ ذَلِكَ،فَأَبَوا وَ شَكَوُا البَردَ وَ الجِرَاحَاتِ، وَ كَانَ أَهلُ النّهرَوَانِ قَد أَكثَرُوا الجِرَاحَاتِ فِي النّاسِ. فَقَالَ إِنّ عَدُوّكُم يَألَمُونَ كَمَا تَألَمُونَ، وَ يَجِدُونَ البَردَ كَمَا تَجِدُونَ فَأَعيَوهُ وَ أَبَوا، فَلَمّا رَأَي كَرَاهِيَتَهُم،رَجَعَ إِلَي الكُوفَةِ وَ أَقَامَ بِهَا أَيّاماً وَ تَفَرّقَ عَنهُ نَاسٌ كَثِيرٌ مِن أَصحَابِهِ،فَمِنهُم مَن أَقَامَ يَرَي رأَيَ الخَوَارِجِ، وَ مِنهُم مَن أَقَامَ شَاكّاً فِي أَمرِهِم.
وَ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَن نَصرِ بنِ مُزَاحِمٍ عَن عُمَرَ بنِ سَعدٍ عَن نُمَيرِ بنِ وَعلَةَ عَن أَبِي الوَدّاكِ قَالَ لَمّا أَكرَهَ عَلِيّ النّاسَ عَلَي المَسِيرِ إِلَي الشّامِ أَقبَلَ بِهِم حَتّي نَزَلَ النّخَيلَةَ، وَ أَمَرَ النّاسَ أَن يَنزِلُوا مُعَسكَرَهُم، وَ يُوَطّنُوا عَلَي الجِهَادِ أَنفُسَهُم، وَ أَن يُقِلّوا زِيَارَةَ أَبنَائِهِم وَ نِسَائِهِم حَتّي يَسِيرُوا إِلَي عَدُوّهِم.
وَ بِهَذَا الإِسنَادِ عَن أَبِي الوَدّاكِ أَنّ النّاسَ[ أَ]قَامُوا بِالنّخَيلَةِ مَعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَيّاماً، ثُمّ أَخَذُوا يَتَسَلّلُونَ وَ يَدخُلُونَ المِصرَ.فَنَزَلَ وَ مَا مَعَهُ مِنَ النّاسِ إِلّا رِجَالٌ مِن وُجُوهِهِم قَلِيلٌ، وَ تُرِكَ المُعَسكَرُ خَالِياً، فَلَا مَن دَخَلَ الكُوفَةَ خَرَجَ إِلَيهِ، وَ لَا مَن أَقَامَ مَعَهُ صَبَرَ فَلَمّا رَأَي ذَلِكَ دَخَلَ الكُوفَةَ فِي استِنفَارِهِ النّاسَ.
صفحه : 48
وَ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَن نَصرِ بنِ مُزَاحِمٍ عَن عُمَرَ بنِ سَعدٍ عَن نُمَيرٍ العبَسيِّ قَالَ مَرّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي الشّغَارِ مِن هَمدَانَ فَاستَقبَلَهُ قَومٌ فَقَالُوا أَ قَتَلتَ المُسلِمِينَ بِغَيرِ جُرمٍ، وَ دَاهَنتَ فِي أَمرِ اللّهِ، وَ طَلَبتَ المُلكَ، وَ حَكّمتَ الرّجَالَ فِي دِينِ اللّهِ لَا حُكمَ إِلّا لِلّهِ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ حُكمُ اللّهِ فِي رِقَابِكُم، مَا يَحبِسُ أَشقَاهَا أَن يَخضِبَهَا مِن فَوقِهَا بِدَمٍ،إنِيّ مَيّتٌ أَو مَقتُولٌ،بَل قَتلًا، ثُمّ جَاءَ حَتّي دَخَلَ القَصرَ.
وَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ قَادِمٍ عَن شَرِيكٍ عَن شُعَيبِ بنِ غَرقَدَةَ عَنِ المُستَظِلّ بنِ حُصَينٍ قَالَ، قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَهلَ الكُوفَةِ، وَ اللّهِ لَتَجِدُنّ وَ لَتُقَاتِلُنّ عَلَي طَاعَتِهِ، أَو لَيَسُوسَنّكُم قَومٌ أَنتُم أَقرَبُ إِلَي الحَقّ مِنهُم فَلَيُعَذّبُنّكُم وَ لَيُعَذّبَنّهُمُ اللّهُ.
وَ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَن يَزِيدَ بنِ مَعدِلٍ عَنِ ابنِ وَعلَةَ عَن أَبِي الوَدّاكِ قَالَ لَمّا تَفَرّقَ النّاسُ عَن عَلِيّ بِالنّخَيلَةِ وَ دَخَلَ الكُوفَةَ،جَعَلَ يَستَفِزّهُم عَلَي جِهَادِ أَهلِ الشّامِ حَتّي بَطَلَتِ الحَربُ تِلكَ السّنَةَ.
وَ عَن زَيدِ بنِ وَهبٍ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لِلنّاسِ وَ هُوَ أَوّلُ كَلَامٍ لَهُ بَعدَ النّهرَوَانِ وَ أُمُورِ الخَوَارِجِ التّيِ كَانَت فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ استَعِدّوا إِلَي عَدُوّ فِي جِهَادِهِمُ القُربَةُ مِنَ اللّهِ، وَ طَلَبُ الوَسِيلَةِ إِلَيهِ،حَيَارَي عَنِ الحَقّ لَا يُبصِرُونَهُ، وَ مُوزَعِينَ بِالكِبرِ وَ الجَورِ، لَا يَعدِلُونَ بِهِ،جُفَاةٍ عَنِ الكِتَابِ،نُكُبٍ عَنِ الدّينِ،يَعمَهُونَ فِي الطّغيَانِ، وَ يَتَسَكّعُونَ فِي غَمرَةِ الضّلَالِ،فَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوّةٍ وَ مِن رِبَاطِ الخَيلِ، وَ تَوَكّلُوا عَلَي اللّهِوَ كَفي بِاللّهِ وَكِيلًا،وَ كَفي بِاللّهِ نَصِيراً. قَالَ فَلَم يَنفِرُوا وَ لَم يَنتَشِرُوا،فَتَرَكَهُم أَيّاماً حَتّي أَيِسَ مِن أَن يَفعَلُوا،
صفحه : 49
وَ دَعَا رُءُوسَهُم وَ وُجُوهَهُم فَسَأَلَهُم عَن رَأيِهِم وَ مَا ألّذِي يُثَبّطُهُم،فَمِنهُمُ المُعتَلّ وَ مِنهُمُ المُنكِرُ وَ أَقَلّهُمُ النّشِيطُ،فَقَامَ فِيهِم ثَانِيَةً فَقَالَ عِبَادَ اللّهِ مَا لَكُم إِن أَمَرتُكُم أَن تَنفِرُوااثّاقَلتُم إِلَي الأَرضِ أَ رَضِيتُم بِالحَياةِ الدّنيا مِنَ الآخِرَةِثَوَاباً وَ بِالذّلّ وَ الهَوَانِ مِنَ العِزّ خَلَفاً وَ كُلّمَا نَادَيتُكُم إِلَي الجِهَادِ دَارَت أَعيُنُكُم كَأَنّكُم مِنَ المَوتِ فِي سَكرَةٍ،يُرتَجُ عَلَيكُم[حوِاَريِ]فَتَبكُونَ،فَكَأَنّ قُلُوبَكُم مَألُوسَةٌ فَأَنتُم لَا تَعقِلُونَ، وَ كَأَنّ أَبصَارَكُم كُمهٌ فَأَنتُم لَا تُبصِرُونَ،لِلّهِ أَنتُم مَا أَنتُم إِلّا أُسُودُ الشّرَي فِي الدّعَةِ، وَ ثَعَالِبُ رَوّاغَةٌ حِينَ تُدعَونَ، مَا أَنتُم بِرُكنٍ يضال [يُصَالُ يُمَالُ] بِهِ وَ لَا زَوَافِرُ عِزّ يُعتَصَمُ إِلَيهَا.لَعَمرُ اللّهِ لَبِئسَ حِشَاشُ نَارِ الحَربِ أَنتُم.إِنّكُم تُكَادُونَ وَ لَا تَكِيدُونَ، وَ تُنتَقَصُ أَطرَافُكُم وَ لَا تَتَحَاشَونَ، وَ لَا يُنَامُ عَنكُم وَ أَنتُم فِي غَفلَةٍ سَاهُونَ. إِنّ أَخَا الحَربِ اليَقظَانُ،أَودَي مَن غَفَلَ، وَ يأَتيِ الذّلّ مَن وَادَعَ،غَلَبَ المُتَخَاذِلُونَ وَ المَغلُوبُ مَقهُورٌ وَ مَسلُوبٌ. أَمّا بَعدُ، فَإِنّ لِي عَلَيكُم حَقّاً وَ لَكُم عَلَيّ حَقّ،فَأَمّا حقَيّ عَلَيكُم فَالوَفَاءُ بِالبَيعَةِ، وَ النّصحُ لِي فِي المَشهَدِ وَ المَغِيبِ، وَ الإِجَابَةُ حِينَ أَدعُوكُم، وَ الطّاعَةُ حِينَ آمُرُكُم. وَ أَمّا حَقّكُم عَلَيّ فَالنّصِيحَةُ لَكُم مَا صَحِبتُكُم، وَ التّوفِيرُ عَلَيكُم وَ تَعلِيمُكُم كَيلَا تَجهَلُوا، وَ تَأدِيبُكُم كيَ تَعلَمُوا، فَإِن يُرِدِ اللّهُ بِكُم خَيراً تَنزَعُوا عَمّا أَكرَهُ، وَ تَرجِعُوا إِلَي مَا أُحِبّ تَنَالُوا مَا تُحِبّونَ وَ تُدرِكُوا مَا تَأمُلُونَ.
وَ عَنِ الفَضلِ بنِ دُكَينٍ عَن أَبِي عَاصِمٍ الثقّفَيِّ عَن أَبِي عَونٍ الثقّفَيِّ قَالَجَاءَتِ امرَأَةٌ مِن بنَيِ عُمَيسٍ[عَبسٍ«خ »] وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي المِنبَرِ فَقَالَت
صفحه : 50
يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ثَلَاثٌ بَلبَلنَ القُلُوبَ[عَلَيكَ] قَالَ وَ مَا هُنّ قَالَت رِضَاؤُكَ بِالقَضِيّةِ، وَ أَخذُكَ بِالدّنِيّةِ، وَ جَزَعُكَ عِندَ البَلِيّةِ. قَالَ وَيحَكِ إِنّمَا أَنتِ امرَأَةٌ،انطلَقِيِ فاَجلسِيِ عَلَي ذَيلِكِ.قَالَت لَا وَ اللّهِ مَا مِن جُلُوسٍ إِلّا فِي ظِلَالِ السّيُوفِ.
وَ بِإِسنَادِهِ عَن بَكرِ بنِ عِيسَي أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ يَخطُبُ النّاسَ وَ يَحُضّهُم عَلَي المَسِيرِ إِلَي مُعَاوِيَةَ وَ أَهلِ الشّامِ،فَجَعَلُوا يَتَفَرّقُونَ عَنهُ، وَ يَتَثَاقَلُونَ عَلَيهِ وَ يَعتَلّونَ بِالبَردِ مَرّةً وَ بِالحَرّ أُخرَي.
وَ بِإِسنَادِهِ عَن[قَيسِ بنِ] أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ يَا مَعشَرَ المُسلِمِينَ، يَا أَبنَاءَ المُهَاجِرِينَ انفِرُوا إِلَي أَئِمّةِ الكُفرِ وَ بَقِيّةِ الأَحزَابِ وَ أَولِيَاءِ الشّيطَانِ،انفِرُوا إِلَي مَن يُقَاتِلُ عَلَي دَمِ حَمّالِ الخَطَايَا فَوَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ،إِنّهُ لَيَحمِلُ خَطَايَاهُم إِلَي يَومِ القِيَامَةِ لَا يَنقُصُ مِن أَوزَارِهِم شَيئاً.
قَالَ اِبرَاهِيمُ وَ حَدّثَنَا بِهَذَا الكَلَامِ مِن قَولِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ غَيرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاءِ.
وَ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ أَبَانٍ الأزَديِّ عَن عَمرِو بنِ شِمرٍ عَن جَابِرٍ عَن رَفِيعٍ عَن فَرقَدٍ البجَلَيِّ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ أَ لَا تَرَونَ يَا مَعَاشِرَ أَهلِ الكُوفَةِ وَ اللّهِ لَقَد ضَرَبتُكُم بِالدّرّةِ التّيِ أَعِظُ بِهَا السّفَهَاءَ فَمَا أَرَاكُم تَنتَهُونَ، وَ لَقَد ضَرَبتُكُم بِالسّيَاطِ التّيِ أُقِيمُ بِهَا الحُدُودَ فَمَا أَرَاكُم تَرعَوُونَ،فَمَا بقَيَِ إِلّا سيَفيِ، وَ إنِيّ لَأَعلَمُ ألّذِي يُقَوّمُكُم بِإِذنِ اللّهِ، وَ لكَنِيّ لَا أُحِبّ أَن آتيَِ تِلكَ مِنكُم. وَ العَجَبُ مِنكُم وَ مِن أَهلِ الشّامِ، إِنّ أَمِيرَهُم يعَصيِ اللّهَ وَ هُم يُطِيعُونَهُ، وَ إِنّ أَمِيرَكُم يُطِيعُ اللّهَ وَ أَنتُم تَعصُونَهُ
صفحه : 51
إِن قُلتُ لَكُم انفِرُوا إِلَي عَدُوّكُم[ فِي أَيّامِ الحَرّ،قُلتُم هَذِهِ حَمَارّةُ القَيظِ. وَ إِذَا أَمَرتُكُم بِالسّيرِ إِلَيهِم فِي الشّتَاءِ]قُلتُمُ القَرّ يَمنَعُنَا. أَ فَتَرَونَ عَدُوّكُم لَا يَجِدُونَ القَرّ كَمَا تَجِدُونَهُ وَ لَكِنّكُم أَشبَهتُم قَوماً قَالَ لَهُم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَالَ كُبَرَاؤُهُم لَا تَنفِرُوا فِي الحَرّ. فَقَالَ اللّهُ لِنَبِيّهِقُل نارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّا لَو كانُوا يَفقَهُونَ. وَ اللّهِ لَو ضَرَبتُ خَيشُومَ المُؤمِنِ بسِيَفيِ هَذَا عَلَي أَن يبُغضِنَيِ مَا أبَغضَنَيِ، وَ لَو صَبَبتُ الدّنيَا بِحَذَافِيرِهَا عَلَي الكَافِرِ مَا أحَبَنّيِ وَ ذَلِكَ أَنّهُ قضُيَِ فَانقَضَي عَلَي لِسَانِ النّبِيّ الأمُيّّ« أَنّهُ لَا يُبغِضُكَ مُؤمِنٌ وَ لَا يُحِبّكَ كَافِرٌ» وَقَد خابَ مَن حَمَلَ ظُلماً وَافتَري. يَا مَعَاشِرَ أَهلِ الكُوفَةِ، وَ اللّهِ لَتَصبِرُنّ عَلَي قِتَالِ عَدُوّكُم، أَو لَيُسَلّطَنّ اللّهُ عَلَيكُم قَوماً أَنتُم أَولَي بِالحَقّ مِنهُم،فَلَيُعَذّبُنّكُم وَ لَيُعَذّبَنّهُمُ اللّهُ بِأَيدِيكُم أَو بِمَا شَاءَ مِن عِندِهِ. أَ فَمِن قَتلَةٍ بِالسّيفِ تَحِيدُونَ إِلَي مَوتَةٍ عَلَي الفِرَاشِ فَاشهَدُوا أنَيّ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ[ يَقُولُ]«مَوتَةٌ عَلَي الفِرَاشِ أَشَدّ مِن ضَربَةِ أَلفِ سَيفٍ أخَبرَنَيِ بِهِ جَبرَائِيلُ»فَهَذَا جَبرَائِيلُ يُخبِرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِمَا تَسمَعُونَ.
وَ عَن مُحرِزِ بنِ هِشَامٍ عَن جَرِيرِ بنِ عَبدِ الحَمِيدِ عَن مُغِيرَةَ الضبّيّّ قَالَ كَانَ أَشرَافُ أَهلِ الكُوفَةِ غَاشّينَ لعِلَيِّ، وَ كَانَ هَوَاهُم مَعَ مُعَاوِيَةَ وَ ذَلِكَ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ لَا يعُطيِ أَحَداً مِنَ الفيَءِ أَكثَرَ مِن حَقّهِ، وَ كَانَ مُعَاوِيَةُ جَعَلَ الشّرَفَ فِي العَطَاءِ ألَفيَ دِرهَمٍ.
وَ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ جُندَبٍ عَن أَبِيهِ أَنّ أَهلَ دُومَةِ الجَندَلِ مِن كَلبٍ لَم
صفحه : 52
يَكُونُوا فِي طَاعَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ لَا مُعَاوِيَةَ، وَ قَالُوا نَكُونُ عَلَي حَالِنَا حَتّي يَجتَمِعَ النّاسُ عَلَي إِمَامٍ. قَالَ فَذَكَرَهُم مُعَاوِيَةُ مَرّةً فَبَعَثَ إِلَيهِم مُسلِمَ بنَ عُقبَةَ فَسَأَلَهُمُ الصّدَقَةَ وَ حَاصَرَهُم،فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ فَبَعَثَ إِلَي مَالِكِ بنِ كَعبٍ فَقَالَ استَعمِل عَلَي«عَينِ التّمرِ»رَجُلًا وَ أَقبِل إلِيَّ.فَوَلّاهَا عَبدَ الرّحمَنِ بنَ عَبدِ اللّهِ الأرَحبَيِّ وَ أَقبَلَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَسَرّحَهُ فِي أَلفِ فَارِسٍ،فَمَا شَعَرَ مُسلِمُ بنُ عُقبَةَ إِلّا وَ مَالِكُ بنُ كَعبٍ إِلَي جَنبِهِ نَازِلًا،فَتَوَاقَفَا قَلِيلًا ثُمّ اقتَتَلُوا يَومَهُم ذَلِكَ إِلَي اللّيلِ، حَتّي إِذَا كَانَ مِنَ الغَدِ صَلّي مُسلِمٌ بِأَصحَابِهِ ثُمّ انصَرَفَ، وَ قَامَ مَالِكُ بنُ كَعبٍ إِلَي دُومَةِ الجَندَلِ يَدعُوهُم إِلَي الصّلحِ عَشراً فَلَم يَفعَلُوا،فَرَجَعَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ
وَ بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي الكَنُودِ عَن سُفيَانَ بنِ عَوفٍ الغاَمدِيِّ قَالَدعَاَنيِ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ إنِيّ بَاعِثُكَ فِي جَيشٍ كَثِيفٍ فَالزَم لِي جَانِبَ الفُرَاتِ حَتّي تَمُرّ بِهِيتَ فَتَقطَعُهَا، فَإِن وَجَدتَ بِهَا جُنداً فَأَغِر عَلَيهِم، وَ إِلّا فَامضِ حَتّي تُغِيرَ عَلَي الأَنبَارِ، فَإِن لَم تَجِد بِهَا جُنداً فَامضِ حَتّي تُغِيرَ عَلَي المَدَائِنِ، ثُمّ أَقبِل إلِيَّ وَ اتّقِ أَن تَقرُبَ الكُوفَةَ، وَ اعلَم أَنّكَ إِن أَغَرتَ عَلَي أَهلِ الأَنبَارِ وَ أَهلِ المَدَائِنِ،فَكَأَنّكَ أَغَرتَ عَلَي الكُوفَةِ، إِنّ هَذِهِ الغَارَاتِ يَا سُفيَانُ عَلَي أَهلِ العِرَاقِ تُرهِبُ قُلُوبَهُم، وَ تجُرَّئُ كُلّ مَن كَانَ لَهُ فِينَا هَوًي مِنهُم، وَ يَرَي فِرَاقَهُم، وَ تَدعُو إِلَينَا كُلّ مَن كَانَ يَخَافُ الدّوَائِرَ، وَ خَرّب كُلّ مَا مَرَرتَ بِهِ، وَ اقتُل كُلّ مَن لَقِيتَ مِمّن لَيسَ هُوَ عَلَي رَأيِكَ، وَ حرب [احرُبِ]الأَموَالَ فَإِنّهُ شَبِيهٌ بِالقَتلِ وَ هُوَ أَوجَعُ لِلقُلُوبِ.
صفحه : 53
قَالَ فَخَرَجتُ مِن عِندِهِ وَ عَسكَرتُ، وَ قَامَ مُعَاوِيَةُ وَ نَدَبَ النّاسَ إِلَي ذَلِكَ،فَمَا مَرّت بيِ ثَلَاثَةٌ حَتّي خَرَجَت فِي سِتّةِ آلَافٍ، ثُمّ لَزِمتُ شَاطِئَ الفُرَاتِ فَأَسرَعتُ السّيرَ حَتّي مَرَرتُ بِهِيتَ،فَبَلَغَهُم أنَيّ قَد غَشِيتُهُم فَقَطَعُوا الفُرَاتَ،فَمَرَرتُ بِهَا وَ مَا بِهَا عَرِيبٌ.كَأَنّهَا لَم تُحلَل قَطّ فَوَطِئتُهَا حَتّي مَرَرتُ بِصَندَودَاءَ،فَتَنَافَرُوا فَلَم أَلقَ بِهَا أَحَداً،فَمَضَيتُ حَتّي أَفتَتِحَ الأَنبَارَ وَ قَد أُنذِرُوا بيِ،فَخَرَجَ إلِيَّ صَاحِبُ المَسلَحَةِ فَوَقَفَ لِي،فَلَم أَقدَم عَلَيهِ حَتّي أَخَذتُ غِلمَاناً مِن أَهلِ القَريَةِ فَقُلتُ لَهُم خبَرّوُنيِ كَم بِالأَنبَارِ مِن أَصحَابِ عَلِيّ قَالُوا عِدّةُ رِجَالِ المَسلَحَةِ خَمسُمِائَةٍ، وَ لَكِنّهُم قَد تَبَدّدُوا وَ رَجَعُوا إِلَي الكُوفَةِ وَ لَا ندَريِ ألّذِي يَكُونُ فِيهَا قَد يَكُونُ ماِئتَيَ رَجُلٍ. قَالَ فَنَزَلتُ فَكَتَبتُ أصَحاَبيِ كَتَائِبَ، ثُمّ أَخَذتُ أَبعَثُهُم إِلَيهِ كَتِيبَةً بَعدَ كَتِيبَةٍ،فَيُقَاتِلُونَهُم وَ اللّهِ وَ يَصبِرُونَ لَهُم وَ يُطَارِدُونَهُم فِي الأَزِقّةِ فَلَمّا رَأَيتُ ذَلِكَ أَنزَلتُ إِلَيهِم نَحواً مِن مِائَتَينِ ثُمّ أَتبَعتُهُمُ الخَيلَ، فَلَمّا مَشَت إِلَيهِمُ الرّجَالُ وَ حَمَلَت عَلَيهِمُ الخَيلُ فَلَم يَكُن إِلّا قَلِيلًا حَتّي تَفَرّقُوا وَ قُتِلَ صَاحِبُهُم فِي رِجَالٍ مِن أَصحَابِهِ،فَأَتَينَاهُ فِي نَيّفٍ وَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا فَحَمَلنَا مَا كَانَ فِي الأَنبَارِ مِن أَموَالِ أَهلِهَا ثُمّ انصَرَفتُ،فَوَ اللّهِ مَا غَزَوتُ غَزوَةً أَسلَمَ وَ لَا أَقَرّ لِلعُيُونِ وَ لَا أَسَرّ لِلنّفُوسِ مِنهَا، وَ بلَغَنَيِ وَ اللّهِ أَنّهَا أَفزَعَتِ النّاسَ. فَلَمّا أَتَيتُ مُعَاوِيَةَ فَحَدّثتُهُ الحَدِيثَ عَلَي وَجهِهِ قَالَ كُنتَ وَ اللّهِ عِندَ ظنَيّ بِكَ. قَالَ فَوَ اللّهِ مَا لَبِثنَا إِلّا يَسِيراً حَتّي رَأَيتُ رِجَالَ أَهلِ العِرَاقِ يَأتُونَ عَلَي الإِبِلِ هُرّاباً مِن قِبَلِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.
وَ عَن جُندَبِ بنِ عَفِيفٍ قَالَ وَ اللّهِ إنِيّ لفَيِ جُندِ الأَنبَارِ مَعَ أَشرَسَ بنِ حَسّانَ البكَريِّ،إِذ صَبّحَنَا سُفيَانُ فِي كَتَائِبَ تَلمَعُ الأَبصَارُ مِنهَا،فَهَالُونَا وَ اللّهِ، وَ عَلِمنَا إِذ رَأَينَاهُم أَنّهُ لَيسَ لَنَا بِهِم طَاقَةٌ وَ لَا يَدٌ،فَخَرَجَ إِلَيهِم صَاحِبُنَا وَ قَد تَفَرّقنَا،فَلَم يَلقَهُم نِصفُنَا وَ لَم يَكُن لَنَا بِهِم طَاقَةٌ. وَ ايمُ اللّهِ لَقَد قَاتَلنَاهُم ثُمّ إِنّهُم
صفحه : 54
وَ اللّهِ هَزَمُونَا،فَنَزَلَ صَاحِبُنَا وَ هُوَ يَتلُوفَمِنهُم مَن قَضي نَحبَهُ وَ مِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَ ما بَدّلُوا تَبدِيلًا ثُمّ قَالَ لَنَا مَن كَانَ لَا يُرِيدُ لِقَاءَ اللّهِ وَ لَا يُطَيّبُ نَفساً بِالمَوتِ فَليَخرُج عَنِ القَريَةِ مَا دُمنَا نُقَاتِلُهُم فَإِنّ قِتَالَنَا إِيّاهُم شَاغِلٌ لَهُم عَن طَلَبِ هَارِبٍ، وَ مَن أَرَادَ مَا عِندَ اللّهِ فَما عِندَ اللّهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ. ثُمّ نَزَلَ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا قَالَ فَهَمَمتُ وَ اللّهِ بِالنّزُولِ مَعَهُ ثُمّ إِنّ نفَسيِ أَبَت وَ استَقدَمَ هُوَ وَ أصَحاَبيِ فَقَاتَلُوا حَتّي قُتِلُوا رَحِمَهُمُ اللّهُ، فَلَمّا قُتِلُوا أَقبَلنَا مُنهَزِمِينَ.
وَ بِإِسنَادِهِ عَن مُحَمّدِ بنِ مِخنَفٍ أَنّ سُفيَانَ بنَ عَوفٍ لَمّا أَغَارَ عَلَي الأَنبَارِ قَدِمَ عِلجٌ مِن أَهلِهَا عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ فَصَعِدَ المِنبَرَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إِنّ أَخَاكُمُ البكَريِّ قَد أُصِيبَ بِالأَنبَارِ، وَ هُوَ مُغتَرّ لَا يَظُنّ مَا كَانَ فَاختَارَ مَا عِندَ اللّهِ عَلَي الدّنيَا،فَانتَدِبُوا إِلَيهِم حَتّي تُلَاقُوهُم، فَإِن أَصَبتُم مِنهُم طَرَفاً أَنكَلتُمُوهُم عَنِ العِرَاقِ أَبَداً مَا بَقُوا. ثُمّ سَكَتَ عَنهُم رَجَاءَ أَن يُجِيبُوهُ أَو يَتَكَلّمُوا أَو يَتَكَلّمَ مُتَكَلّمٌ مِنهُم بِخَيرٍ، فَلَمّا رَأَي صَمتَهُم عَلَي مَا فِي أَنفُسِهِم،خَرَجَ يمَشيِ رَاجِلًا حَتّي أَتَي النّخَيلَةَ،[ وَ النّاسُ يَمشُونَ خَلفَهُ حَتّي أَحَاطَ بِهِ قَومٌ مِنَ الأَشرَافِ]فَقَالُوا ارجِع يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ نَحنُ نَكفِيكَ. فَقَالَ مَا تكَفوُننَيِ وَ لَا تَكفُونَ أَنفُسَكُم.فَلَم يَزَالُوا بِهِ حَتّي صَرَفُوهُ إِلَي مَنزِلِهِ فَرَجَعَ وَ هُوَ وَاجِمٌ كَئِيبٌ. وَ دَعَا سَعِيدَ بنَ مُسلِمٍ الهمَداَنيِّ فَبَعَثَهُ مِنَ النّخَيلَةِ فِي ثَمَانِيَةِ آلَافٍ وَ قَالَ اتّبِع هَذَا الجَيشَ حَتّي تُخرِجَهُم مِن أَرضِ العِرَاقِ.فَخَرَجَ عَلَي شَاطِئِ الفُرَاتِ فِي طَلَبِهِ حَتّي إِذَا بَلَغَ عَانَاتٍ،سَرّحَ سَعِيدٌ أَمَامَهُ هَانِئَ بنَ الخَطّابِ الهمَداَنيِّ فَاتّبَعَ آثَارَهُم حَتّي بَلَغَ أدَاَنيَِ أَرضِ قِنّسرِينَ وَ قَد فَاتُوهُ ثُمّ انصَرَفَ. قَالَ فَلَبِثَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ تُرَي فِيهِ الكَآبَةُ وَ الحَزَنُ حَتّي قَدِمَ سَعِيدٌ،فَكَتَبَ كِتَاباً وَ كَانَ فِي تِلكَ الأَيّامِ عَلِيلًا،فَلَم يُطِقِ القِيَامَ فِي النّاسِ بِكُلّ مَا أَرَادَ
صفحه : 55
مِنَ القَولِ،فَجَلَسَ بِبَابِ السّدّةِ التّيِ تَصِلُ إِلَي المَسجِدِ وَ مَعَهُ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ وَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ،فَدَعَا سَعِيداً مَولَاهُ فَدَفَعَ الكِتَابَ إِلَيهِ،فَأَمَرَهُ أَن يَقرَأَهُ عَلَي النّاسِ،فَقَامَ سَعِيدٌ حَيثُ يَسمَعُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قِرَاءَتَهُ، وَ مَا يَرُدّ عَلَيهِ النّاسُ، ثُمّ قَرَأَ الكِتَابَبِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، إِلَي مَن قرُِئَ عَلَيهِ كتِاَبيِ مِنَ المُسلِمِينَ سَلَامٌ عَلَيكُم. أَمّا بَعدُ،فَالحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَوَ سَلامٌ عَلَي المُرسَلِينَ، وَ لَا شَرِيكَ لِلّهِ الأَحَدِ القَيّومِ، وَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَي مُحَمّدٍ وَ السّلَامُ عَلَيهِ فِي العَالَمِينَ. أَمّا بَعدُ،فإَنِيّ قَد عَاتَبتُكُم فِي رُشدِكُم حَتّي سَئِمتُ، وَ راَجعَتمُوُنيِ بِالهُزءِ مِن قَولِكُم حَتّي بَرِمتُ هُزءاً مِنَ القَولِ لَا يُعَادُ بِهِ، وَ خَطَلًا لَا يَعِزّ أَهلُهُ، وَ لَو وَجَدتُ بُدّاً مِن خِطَابِكُم وَ العِتَابِ إِلَيكُم مَا فَعَلتُ. وَ هَذَا كتِاَبيِ يُقرَأُ عَلَيكُم فَرُدّوا خَيراً وَ افعَلُوهُ، وَ مَا أَظُنّ أَن تَفعَلُواوَ اللّهُ المُستَعانُ.أَيّهَا النّاسُ إِنّ الجِهَادَ بَابٌ مِن أَبوَابِ الجَنّةِ ... إِلَي آخِرِ مَا مَرّ وَ سيَأَتيِ بِرِوَايَاتٍ مُختَلِفَةٍ. ثُمّ قَالَ فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ مِنَ الأَزدِ يُقَالُ لَهُ حَبِيبُ بنُ عَفِيفٍ آخِذاً بِيَدِ ابنِ أَخٍ[ لَهُ]يُقَالُ لَهُ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ عَفِيفٍ،فَأَقبَلَ يمَشيِ حَتّي استَقبَلَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِبَابِ السّدّةِ، ثُمّ جَثَا عَلَي رُكبَتَيهِ وَ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،هَا أَنَا ذَا لَا أَملِكُ إِلّا نفَسيِ وَ أخَيِ فَمُرنَا بِأَمرِكَ،فَوَ اللّهِ لَنُنفِذَنّ لَهُ وَ لَو حَالَ دُونَ ذَلِكَ شَوكُ الهَرَاسِ وَ جَمرُ الغَضَا حَتّي نُنفِذَ أَمرَكَ أَو نَمُوتَ دُونَهُ فَدَعَا لَهُمَا بِخَيرٍ وَ قَالَ لَهُمَا أَينَ تَبلُغَانِ بَارَكَ اللّهُ عَلَيكُمَا مِمّا نُرِيدُ. ثُمّ أَمَرَ الحَارِثَ الأَعوَرَ فَنَادَي فِي النّاسِ أَينَ مَن يشَريِ نَفسَهُ لِرَبّهِ، وَ يَبِيعُ دُنيَاهُ بِآخِرَتِهِ،أَصبِحُوا غَداً بِالرّحبَةِ إِن شَاءَ اللّهُ، وَ لَا يَحضُرُنَا إِلّا صَادِقُ النّيّةِ فِي
صفحه : 56
المَسِيرِ مَعَنَا وَ الجِهَادِ لِعَدُوّنَا.فَأَصبَحَ بِالرّحبَةِ نَحوٌ مِن ثَلَاثِمِائَةٍ، فَلَمّا عَرَضَهُم قَالَ لَو كَانُوا أَلفاً كَانَ لِي فِيهِم رأَيٌ. قَالَ وَ أَتَاهُ قَومٌ يَعتَذِرُونَ وَ تَخَلّفَ آخَرُونَ، فَقَالَ وَ جَاءَ المُعَذّرُونَ وَ تَخَلّفَ المُكَذّبُونَ. قَالَ وَ مَكَثَ عَلَيهِ السّلَامُ أَيّاماً بَادِياً حُزنُهُ،شَدِيدَ الكَآبَةِ، ثُمّ إِنّهُ نَادَي فِي النّاسِ فَاجتَمَعُوا،فَقَامَ خَطِيباً فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،أَيّهَا النّاسُ فَوَ اللّهِ لَأَهلُ مِصرِكُم فِي الأَمصَارِ،أَكثَرُ مِنَ الأَنصَارِ فِي العَرَبِ. وَ سَاقَ الحَدِيثَ إِلَي آخِرِ مَا سيَأَتيِ بِرِوَايَةِ ابنِ الشّيخِ فِي مَجَالِسِهِ عَن رَبِيعَةَ بنِ نَاجِدٍ[ فِي أَوَاخِرِ هَذَا البَابِ].
وَ عَن أَبِي مُسلِمٍ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ لَو لَا بَقِيّةُ المُسلِمِينَ لَهَلَكتُم.
وَ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ رَجَاءٍ الزبّيَديِّ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ خَطَبَهُم بَعدَ هَذَا الكَلَامِ فَقَالَ بَعدَ أَن حَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ أَيّهَا النّاسُ المُجتَمِعَةُ أَبدَانُهُم المُتَفَرّقَةُ أَهوَاؤُهُم، مَا عَزّ مَن دَعَاكُم وَ لَا استَرَاحَ مَن قَاسَاكُم.كَلَامُكُم يُوهِنُ الصّمّ الصّلَابَ، وَ فِعلُكُم يُطمِعُ فِيكُم عَدُوّكُم. إِن قُلتُ لَكُم سِيرُوا إِلَيهِم فِي الحَرّ.قُلتُم أَمهِلنَا يَنسَلِخ عَنّا الحَرّ. وَ إِن قُلتُ لَكُم سِيرُوا إِلَيهِم فِي الشّتَاءِ.قُلتُم حَتّي يَنسَلِخَ عَنّا البَردُ.فِعلَ ذيِ الدّينِ المَطُولِ، مَن فَازَ بِكُم فَازَ بِالسّهمِ الأَخيَبِ أَصبَحتُ لَا أُصَدّقُ قَولَكُم، وَ لَا أَطمَعُ فِي نَصرِكُم،فَرّقَ اللّهُ بيَنيِ وَ بَينَكُم أَيّ دَارٍ بَعدَ دَارِكُم تَمنَعُونَ وَ مَعَ أَيّ إِمَامٍ بعَديِ تُقَاتِلُونَ أَمَا إِنّكُم سَتَلقَونَ بعَديِ أَثَرَةً تَتّخِذُهَا عَلَيكُمُ الضّلّالُ سُنّةً،فَقرٌ
صفحه : 57
يَدخُلُ فِي بُيُوتِكُم، وَ سَيفٌ قَاطِعٌ، وَ تَتَمَنّونَ عِندَ ذَلِكَ أَنّكُم رأَيَتمُوُنيِ وَ قَاتَلتُم معَيِ وَ قُتِلتُم دوُنيِ وَ كَأَن قَد.
وَ عَن بَكرِ بنِ عِيسَي أَنّهُم لَمّا أَغَارُوا بِالسّوَادِ،قَامَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَخَطَبَ إِلَيهِم فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ مَا هَذَا فَوَ اللّهِ إِن كَانَ لِيَدفَعَ عَنِ القَريَةِ بِالسّبعَةِ نَفَرٍ مِنَ المُؤمِنِينَ تَكُونُ فِيهَا.
وَ عَن ثَعلَبَةَ بنِ يَزِيدَ الحمِاّنيِّ أَنّهُ قَالَ بَينَمَا أَنَا فِي السّوقِ إِذ سَمِعتُ مُنَادِياً ينُاَديِ الصّلَاةَ جَامِعَةً،فَجِئتُ أُهَروِلُ وَ النّاسُ يُهرَعُونَ،فَدَخَلتُ الرّحبَةَ فَإِذَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي مِنبَرٍ مِن طِينٍ مُجَصّصٍ وَ هُوَ غَضبَانُ، قَد بَلَغَهُ أَنّ نَاساً قَد أَغَارُوا بِالسّوَادِ،فَسَمِعتُهُ يَقُولُ أَمَا وَ رَبّ السّمَاءِ وَ الأَرضِ ثُمّ رَبّ السّمَاءِ وَ الأَرضِ،إِنّهُ لَعَهدُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّ الأُمّةَ سَتَغدِرُ بيِ.
وَ عَنِ المُسَيّبِ بنِ نَجَبَةَ الفزَاَريِّ أَنّهُ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ إنِيّ قَد خَشِيتُ أَن يُدَالَ هَؤُلَاءِ القَومُ عَلَيكُم بِطَاعَتِهِم إِمَامَهُم وَ مَعصِيَتِكُم إِمَامَكُم، وَ بِأَدَائِهِمُ الأَمَانَةَ وَ خِيَانَتِكُم، وَ بِصَلَاحِهِم فِي أَرضِهِم وَ فَسَادِكُم فِي أَرضِكُم، وَ بِاجتِمَاعِهِم عَلَي بَاطِلِهِم وَ تَفَرّقِكُم عَن حَقّكُم حَتّي تَطُولَ دَولَتُهُم وَ حَتّي لَا يَدَعُوا لِلّهِ مُحَرّماً إِلّا استَحَلّوهُ، حَتّي لَا يَبقَي بَيتَ وَبَرٍ وَ لَا بَيتَ مَدَرٍ إِلّا دَخَلَهُ جَورُهُم وَ ظُلمُهُم حَتّي يَقُومَ البَاكِيَانِ،بَاكٍ يبَكيِ لِدِينِهِ وَ بَاكٍ يبَكيِ لِدُنيَاهُ، وَ حَتّي لَا يَكُونَ مِنكُم إِلّا نافعا[نَافِعٌ]لَهُم أَو غَيرُ ضَارّ بِهِم وَ حَتّي يَكُونَ نُصرَةُ أَحَدِكُم مِنهُم كَنُصرَةِ العَبدِ مِن سَيّدِهِ إِذَا شَهِدَ أَطَاعَهُ وَ إِذَا غَابَ سَبّهُ، فَإِن أَتَاكُمُ اللّهُ بِالعَافِيَةِ فَاقبَلُوا وَ إِنِ ابتَلَاكُم فَاصبِرُوا فَإِنّ العاقِبَةَ لِلمُتّقِينَ.
صفحه : 58
وَ عَن يَحيَي بنِ صَالِحٍ عَن أَصحَابِهِ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ نَدَبَ النّاسَ عِندَ مَا أَغَارُوا عَلَي نوَاَحيِ السّوَادِ،فَانتَدَبَ لِذَلِكَ شُرطَةُ الخَمِيسِ،فَبَعَثَ إِلَيهِم قَيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبَادَةَ الأنَصاَريِّ ثُمّ وَجّهَهُم فَسَارُوا حَتّي وَرَدُوا تُخُومَ الشّامِ، وَ كَتَبَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي مُعَاوِيَةَ إِنّكَ زَعَمتَ أَنّ ألّذِي دَعَاكَ إِلَي مَا فَعَلتَ الطّلَبَ بِدَمِ عُثمَانَ،فَمَا أَبعَدَ قَولَكَ مِن فِعلِكَ.وَيحَكَ، وَ مَا ذَنبُ أَهلِ الذّمّةِ فِي قَتلِ ابنِ عَفّانَ وَ بأِيَّ شَيءٍ تَستَحِلّ أَخذَ فيَءِ المُسلِمِينَ فَانزِع وَ لَا تَفعَل وَ احذَر عَاقِبَةَ البغَيِ وَ الجَورِ. وَ إِنّمَا مثَلَيِ وَ مَثَلُكَ كَمَا قَالَ بَلعَاءُ لِدُرَيدِ بنِ الصّمّةِ
مَهلًا دُرَيدُ عَنِ التّسَرّعِ إنِنّيِ | ماَضيِ الجِنَانِ بِمَن تَسَرّعَ مُولَعٌ |
مَهلًا دُرَيدُ عَنِ السّفَاهَةِ إنِنّيِ | مَاضٍ عَلَي رَغمِ العُدَاةِ سَمَيدَعٌ |
مَهلًا دُرَيدُ لَا تَكُن لاَقيَتنَيِ | يَوماً دُرَيدُ فَكُلّ هَذَا يُصنَعُ |
وَ إِذَا أَهَانَكَ مَعشَرٌ أَكرَمَهُم | فَتَكُونُ حَيثُ تَرَي الهَوَانَ وَ تَسمَعُ |
فَأَجَابَهُ مُعَاوِيَةُ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ اللّهَ أدَخلَنَيِ فِي أَمرِ عَزلِكَ عَنهُ نَائِياً عَنِ الحَقّ،فَنِلتُ مِنهُ أَفضَلَ أمَلَيِ،فَأَنَا الخَلِيفَةُ المَجمُوعُ عَلَيهِ وَ لَم تُصِب مثَلَيِ وَ مَثَلَكَ،إِنّمَا مثَلَيِ وَ مَثَلُكَ كَمَا قَالَ بَلقَاءُ حِينَ صُولِحَ عَلَي دَمِ أَخِيهِ ثُمّ نَكَثَ فَعَنّفَهُ قَومُهُ فَأَنشَأَ يَقُولُ
أَلَا آذَنَتنَا مِن تَدَلّلِهَا مَلَسٌ | وَ قَالَت أَمَا بيَنيِ وَ بَينَكَ مِن بَلَسٍ |
وَ قَالَت أَلَا تَسعَي فَتُدرِكَ مَا مَضَي | وَ مَا أَهلُكَ الحانون [BA]العَانُونَ] وَ القَدحُ الضّرسُ |
أَ تأَمرُنُيِ سَعدٌ وَ لَيثٌ وَ جُندُعٌ | وَ لَستُ بِرَاضٍ بِالدّنِيئَةِ وَ الوَكسِ |
صفحه : 59
يَقُولُونَ خُذ وَكساً وَ صَالِح عَشِيرَةً | فَمَا تأَمرُنُيِ بِالهُمُومِ إِذَا أمُسيِ |
قَالَ جُندَبُ بنُ عَبدِ اللّهِ الواَئلِيِّ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ أَمَا إِنّكُم سَتَلقَونَ بعَديِ ثَلَاثاً ذُلّا شَامِلًا، وَ سَيفاً قَاتِلًا، وَ أَثَرَةً يَتّخِذُهَا الظّالِمُونَ عَلَيكُم سُنّةً،فسَتَذَكرُوُنيِ عِندَ تِلكَ الحَالَاتِ فَتَمَنّونَ لَو رأَيَتمُوُنيِ وَ نصَرَتمُوُنيِ وَ أَهرَقتُم دِمَاءَكُم دُونَ دمَيِ فَلَا يُبَعّدُ اللّهُ إِلّا مَن ظَلَمَ. وَ كَانَ جُندَبٌ بَعدَ ذَلِكَ إِذَا رَأَي شَيئاً مِمّا يَكرَهُهُ قَالَ لَا يُبَعّدُ اللّهُ إِلّا مَن ظَلَمَ.
و عن عمرو بن قعين قال دعا معاوية يزيد بن شجرة الرهّاوي فقال إنيّ مسرّ إليك سرّا فلاتطلعنّ علي سريّ أحدا حتي تخرج من أهل الشام كلّها،إنيّ باعثك إلي أهل اللّه و إلي حرم اللّه وأهلي وعشيرتي وبيضتي التي انفلقت عنيّ، و فيها جلّ من قتل عثمان وسفك دمه ،فسر علي بركة اللّه حتي تنزل مكة فإنّك الآن تلاقي الناس هناك بالموسم ،فادع الناس إلي طاعتنا واتّباعنا فإن أجابوك فاكفف عنهم واقبل منهم ، و إن أدبروا عنك فنابذهم وناجزهم و لاتقاتلهم حتّي تبلغهم أني قدأمرتك أن تبلغ عنيّ،فإنّهم الأصل والعشيرة وإنيّ لاستبقائهم محبّ ولاستيصالهم كاره ثمّ صلّ بالناس وتولّ أمر الموسم . فقال له يزيد إنّك وجهّتني إلي قوم اللّه ومجمع الصالحين ، فإن رضيت أن أسير إليهم وأعمل فيهم برأيي وبما أرجو أن يجمعك اللّه وإيّاهم به سرت إليهم ، و إن كان لايرضيك عنيّ إلّا الغشم وتجريد السّيف وإخافة البريء وردّ العذرة فلست بصاحب ماهناك ،فاطلب لهذا الأمر غيري.
صفحه : 60
فقال له سر راشدا فقد رضيت برأيك وبسيرتك ، و كان رجلا ناسكا يتألّه و كان عثمانيا و كان ممن شهد مع معاوية صفّين.فخرج [ ابن شجرة] من دمشق مسرعا و قال أللّهمّ إن كنت قضيت أن يكون بين هذاالجيش ألذي وجّهت، و بين أهل حرمك ألذي وجّهت إليه قتال فاكفنيه ،فإنيّ لست أعظّم قتال من شرك في قتل عثمان خليفتك المظلوم و لاقتال من خذله ولكني أعظّم القتال في حرمك ألذي حرمت .فخرج يسير وقدّم أمامه الحارث بن نمير،فأقبلوا حتّي مرّوا بوادي القري ثم أخذوا علي الجحفة ثمّ مضوا حتّي قدموا مكّة في عشر ذي الحجّة.
وَ عَن عَبّاسِ بنِ[سَهلِ بنِ]سَعدٍ الأنَصاَريِّ قَالَ لَمّا سَمِعَ قُثَمُ بنُ العَبّاسِ بِدُنُوّهِم مِنهُ قَبلَ أَن يَفصِلُوا مِنَ الجُحفَةِ وَ كَانَ عَامِلًا لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي مَكّةَ،فَقَامَ فِي أَهلِ مَكّةَ وَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسعٍ وَ ثَلَاثِينَ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ دَعَاهُم إِلَي الجِهَادِ وَ قَالَ بَيّنُوا لِي مَا فِي أَنفُسِكُم وَ لَا تغَرُوّنيِ.فَسَكَتَ القَومُ مَلِيّاً فَقَالَ قَد بَيّنتُم لِي مَا فِي أَنفُسِكُم.فَذَهَبَ لِيَنزِلَ فَقَامَ شَيبَةُ بنُ عُثمَانَ فَقَالَ رَحِمَكَ اللّهُ أَيّهَا الأَمِيرُ لَا يَقبُحُ فِينَا أَمرُكَ وَ نَحنُ عَلَي طَاعَتِنَا وَ بَيعَتِنَا وَ أَنتَ أَمِيرُنَا وَ ابنُ عَمّ خَلِيفَتِنَا فَإِن تَدعُنَا نُجِبكَ فِيمَا أَطَقنَا وَ نَقدِرُ عَلَيهِ.فَقَرّبَ[قُثَمُ]دَوَابّهُ وَ حَمَلَ مَتَاعَهُ وَ أَرَادَ التنّحَيَّ مِن مَكّةَ،فَأَتَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الخدُريِّ وَ قَالَ مَا أَرَدتَ قَالَ قَد حَدَثَ هَذَا الأَمرُ ألّذِي بَلَغَكَ وَ لَيسَ معَيِ جُندٌ أَمتَنِعُ بِهِ،فَرَأَيتُ أَن أَعتَزِلَ عَن مَكّةَ فَإِن يأَتنِيِ جُندٌ أُقَاتِل بِهِم، وَ إِلّا كُنتُ قَد تَنَحّيتُ بدِمَيِ. قَالَ لَهُ إنِيّ لَم أَخرُج مِنَ المَدِينَةِ حَتّي قَدِمَ عَلَينَا حَاجّ أَهلِ العِرَاقِ وَ تُجّارُهُم يُخبِرُونَ أَنّ النّاسَ بِالكُوفَةِ قَد نَدَبُوا إِلَيكَ مَعَ مَعقِلِ بنِ قَيسٍ الريّاَحيِّ. قَالَ هَيهَاتَ هَيهَاتَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِلَي ذَلِكَ مَا يَعِيشُ أَولَادُنَا. فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَكَ اللّهُ فَمَا عُذرُكَ عِندَ ابنِ عَمّكَ، وَ مَا عُذرُكَ عِندَ العَرَبِ انهَزَمتَ قَبلَ أَن تُطعَنَ وَ تُضرَبَ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنّكَ لَا تَهزِمُ عَدُوّكَ وَ لَا تَمنَعُ حَرِيمَكَ
صفحه : 61
بِالمَوَاعِيدِ وَ الأمَاَنيِّ اقرَأ كِتَابَ صاَحبِيِ فَقَرَأَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَإِذَا فِيهِبِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ إِلَي قُثَمَ بنِ العَبّاسِ سَلَامٌ عَلَيكَ. أَمّا بَعدُ، فَإِنّ عيَنيِ بِالمَغرِبِ كَتَبَ إلِيَّ يخُبرِنُيِ أَنّهُ قَد وُجّهَ إِلَي المَوسِمِ نَاسٌ مِنَ العَرَبِ، مِنَ العمُيِ القُلُوبِ،الصّمّ الأَسمَاعِ،الكُمهِ الأَبصَارِ،الّذِينَ يَلبِسُونَ الحَقّ بِالبَاطِلِ، وَ يُطِيعُونَ المَخلُوقِينَ فِي مَعصِيَةِ الخَالِقِ، وَ يَجلِبُونَ الدّنيَا بِالدّينِ، وَ يَتَمَنّونَ عَلَي اللّهِ جِوَارَ الأَبرَارِ، وَ إِنّهُ لَا يَفُوزُ بِالخَيرِ إِلّا عَامِلُهُ، وَ لَا يُجزَي بِالسّيّئِ إِلّا فَاعِلُهُ. وَ قَد وَجّهتُ إِلَيكُم جَمعاً مِنَ المُسلِمِينَ ذوَيِ بَسَالَةٍ وَ نَجدَةٍ مَعَ الحَسِيبِ الصّلِيبِ الوَرِعِ التقّيِّ مَعقِلِ بنِ قَيسٍ الريّاَحيِّ، وَ قَد أَمَرتُهُ بِاتّبَاعِهِم وَ قَصّ آثَارِهِم حَتّي يَنفِيَهُم مِن أَرضِ الحِجَازِ.فَقُم عَلَي مَا فِي يَدَيكَ مِمّا إِلَيكَ مَقَامَ الصّلِيبِ الحَازِمِ المَانِعِ سُلطَانَهُ النّاصِحِ لِلأُمّةِ، وَ لَا يبَلغُنُيِ عَنكَ وَهنٌ وَ لَا خَوَرٌ وَ مَا تَعتَذِرُ مِنهُ، وَ وَطّن نَفسَكَ عَلَي الصّبرِ فِي البَأسَاءِ وَ الضّرّاءِ، وَ لَا تَكُونَنّ فَشَلًا وَ لَا طَائِشاً وَ لَا رِعدِيداً وَ السّلَامُ. فَلَمّا قَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الكِتَابَ قَالَ قُثَمُ مَا ينَفعَنُيِ مِن هَذَا الكِتَابِ وَ قَد سَمِعتُ بِأَن قَد سَبَقَت خَيلُهُم خَيلَهُ وَ هَل يأَتيِ جَيشُهُ حَتّي ينَقضَيَِ أَمرُ المَوسِمِ كُلّهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ إِنّكَ إِن أَجهَدتَ نَفسَكَ فِي مُنَاصَحَةِ إِمَامِكَ خَرَجتَ مِنَ اللّائِمَةِ، وَ قَضَيتَ ألّذِي عَلَيكَ مِنَ الحَقّ، فَإِنّ القَومَ قَد قَدِمُوا وَ أَنتَ فِي الحَرَمِ، وَ الحَرَمُ حَرَمُ اللّهِ.فَأَقَامَ قُثَمُ وَ جَاءَ يَزِيدُ بنُ شَجَرَةَ حَتّي دَخَلَ مَكّةَ، ثُمّ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَي فِي النّاسِ أَلَا إِنّ النّاسَ كُلّهُم آمِنُونَ، إِلّا مَن عَرَضَ لَنَا فِي عَمَلِنَا وَ سُلطَانِنَا وَ ذَلِكَ قَبلَ التّروِيَةِ بِيَومٍ.
صفحه : 62
فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ مَشَت قُرَيشٌ وَ الأَنصَارُ وَ مَن شَهِدَ المَوسِمَ مِنَ الصّحَابَةِ وَ صُلَحَاءِ النّاسِ فِيمَا بَينَهُمَا وَ سَأَلَتهُمَا أَن يَصطَلِحَا،فَكِلَاهُمَا سَرّهُ ذَلِكَ الصّلحُ،فَأَمّا قُثَمُ فَإِنّهُ لَم يَثِق بِأَهلِ مَكّةَ وَ لَا رَأَي أَنّهُم يُنَاصِحُونَهُ، وَ أَمّا يَزِيدُ فَكَانَ رَجُلًا مُتَنَسّكاً وَ كَانَ يَكرَهُ أَن يَكُونَ مِنهُ فِي الحَرَمِ شَرّ.
وَ عَن عَمرِو بنِ مِحصَنٍ قَالَ قَامَ يَزِيدُ بنُ شَجَرَةَ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ يَا أَهلَ الحَرَمِ وَ مَن حَضَرَهُ فإَنِيّ وُجّهتُ إِلَيكُم لأِصُلَيَّ بِكُم وَ أَجمَعَ وَ آمُرَ بِالمَعرُوفِ وَ أَنهَي عَنِ المُنكَرِ فَقَد رَأَيتُ واَليَِ هَذِهِ البَلدَةِ كَرِهَ الصّلَاةَ مَعَنَا وَ نَحنُ لِلصّلَاةِ مَعَهُ كَارِهُونَ فَإِن شَاءَ اعتَزَلنَا الصّلَاةَ بِالنّاسِ وَ اعتَزَلَهَا وَ تَرَكنَا أَهلَ مَكّةَ يَختَارُونَ لِأَنفُسِهِم مَن أَحَبّوا حَتّي يصُلَيَّ بِهِم فَإِن أَبَي فَأَنَا آبَي وَ آبَي وَ ألّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ لَو شِئتُ لَصَلّيتُ بِالنّاسِ وَ أَخَذتُهُ حَتّي أَرُدّهُ إِلَي الشّامِ وَ مَا مَعَهُ مَن يَمنَعُهُ وَ لَكِن وَ اللّهِ مَا أُحِبّ أَن أَستَحِلّ حُرمَةَ هَذَا البَلَدِ الحَرَامِ. قَالَ ثُمّ إِنّ يَزِيدَ بنَ شَجَرَةَ أَتَي أَبَا سَعِيدٍ الخدُريِّ فَقَالَ رَحِمَكَ اللّهُ القَ هَذَا الرّجُلَ فَقُل لَهُ لَا أَبَ لِغَيرِكَ اعتَزِلِ الصّلَاةَ بِالنّاسِ وَ أَعتَزِلُهَا وَ دَع أَهلَ مَكّةَ يَختَارُوا لِأَنفُسِهِم فَوَ اللّهِ لَو أَشَاءُ لَبِعتُكَ وَ إِيّاهُم وَ لَكِن وَ اللّهِ مَا يحَملِنُيِ عَلَي مَا تَسمَعُ إِلّا رِضوَانُ اللّهِ وَ احتِرَامُ الحَرَمِ فَإِنّ ذَلِكَ أَقرَبُ لِلتّقوَي وَ خَيرٌ فِي العَاقِبَةِ. قَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ مَا رَأَيتُ مِن أَهلِ المَغرِبِ أَصوَبَ مَقَالًا وَ لَا أَحسَنَ رَأياً مِنكَ.فَانطَلَقَ أَبُو سَعِيدٍ إِلَي قُثَمَ فَقَالَ أَ لَا تَرَي مَا أَحسَنَ مَا صَنَعَ اللّهُ لَكَ وَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَاعتَزَلَا الصّلَاةَ وَ اختَارَ النّاسُ شَيبَةَ بنَ عُثمَانَ فَصَلّي بِهِم. فَلَمّا قَضَي النّاسُ حَجّهُم رَجَعَ يَزِيدُ إِلَي الشّامِ، وَ أَقبَلَت خَيلُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرُوا بِعَودِ أَهلِ الشّامِ،فَتَبِعُوهُم وَ عَلَيهِم مَعقِلُ بنُ قَيسٍ فَأَدرَكُوهُم وَ قَد رَحَلُوا عَن واَديِ القُرَي،فَظَفِرُوا بِنَفَرٍ مِنهُم وَ أَخَذُوهُم أُسَارَي وَ أَخَذُوا مَا مَعَهُم وَ رَجَعُوا إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ،فَفَادَي بِهِم أُسَارَي كَانَت لَهُ عِندَ مُعَاوِيَةَ.
صفحه : 63
وَ قَالَ اِبرَاهِيمُ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لِأَهلِ الكُوفَةِ مَا أَرَي هَؤُلَاءِ القَومَ يعَنيِ أَهلَ الشّامِ إِلّا ظَاهِرِينَ عَلَيكُم.قَالُوا تَعلَمُ بِمَا ذَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ أَرَي أُمُورَهُم قَد غَلَت، وَ أَرَي نِيرَانَكُم قَد خَبَت، وَ أَرَاهُم جَادّينَ وَ أَرَاكُم وَانِينَ، وَ أَرَاهُم مُجتَمِعِينَ وَ أَرَاكُم مُتَفَرّقِينَ، وَ أَرَاهُم لِصَاحِبِهِم طَائِعِينَ وَ أَرَاكُم لِي عَاصِينَ. وَ ايمُ اللّهِ لَئِن ظَهَرُوا عَلَيكُم لَتَجِدُنّهُم أَربَابَ سَوءٍ مِن بعَديِ،كأَنَيّ أَنظُرُ إِلَيهِم قَد شَارَكُوكُم فِي بِلَادِكُم وَ حَمَلُوا إِلَي بِلَادِهِم فَيئَكُم. وَ كأَنَيّ أَنظُرُ إِلَيكُم يَكِشّ بَعضُكُم عَلَي بَعضٍ كَشِيشَ الضّبَابِ، لَا تَمنَعُونَ حَقّاً وَ لَا تَمنَعُونَ لِلّهِ حُرمَةً، وَ كأَنَيّ أَنظُرُ إِلَيهِم يَقتُلُونَ قُرّاءَكُم. وَ كأَنَيّ بِهِم يَحرُمُونَكُم وَ يَحجُبُونَكُم وَ يُدنُونَ أَهلَ الشّامِ دُونَكُم، فَإِذَا رَأَيتُمُ الحِرمَانَ وَ الأَثَرَةَ وَ وَقعَ السّيفِ،تَنَدّمتُم وَ تَحَزّنتُم عَلَي تَفرِيطِكُم فِي جِهَادِكُم، وَ تَذَكّرتُم مَا فِيهِ مِنَ الحِفظِ حِينَ لَا يَنفَعُكُمُ التّذكَارُ.
وَ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنَ أَبِي بَكرٍ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ مَا لقَيَِ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ مَا لَقِيتُ. ثُمّ بَكَي.
توضيح في النهاية فيه «كأن في جوفي شوكة الهراس » هوشجر أوبقل ذو شوك . و في القاموس الهراس كسحاب شجر شائك ثمره كالنبق .انتهي .[ قوله عليه السلام ]« وكأن قد» هذا من قبيل الاكتفاء أي وكأن قدوقع هذاالأمر عن قريب . والسّميدع بالفتح السّيد الموطوء الأكتاف .ذكره الجوهري. و قال ضرست السهم إذاأعجمته . والوكس النقص قوله « إلي ذلك
صفحه : 64
مايعيش أولادنا» هذااستبطاء للجيش أي يأتي المدد بعد أن قتلنا وأولادنا.
نَهجٌ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ الجِهَادَ بَابٌ مِن أَبوَابِ الجَنّةِ،فَتَحَهُ اللّهُ تَعَالَي لِخَاصّةِ أَولِيَائِهِ، وَ هُوَ لِبَاسُ التّقوَي، وَ دِرعُ اللّهِ الحَصِينَةُ، وَ جُنّتُهُ الوَثِيقَةُ.فَمَن تَرَكَهُ أَلبَسَهُ اللّهُ لِبَاسَ الذّلّ، وَ شَمِلَهُ البَلَاءُ، وَ دُيّثَ بِالصّغَارِ وَ القَمَاءِ، وَ ضُرِبَ عَلَي قَلبِهِ بِالإِسدَادِ، وَ أُدِيلَ الحَقّ مِنهُ بِتَضيِيعِ الجِهَادِ، وَ سِيمَ الخَسفَ، وَ مُنِعَ النّصَفَ.أَلَا وَ إنِيّ قَد دَعَوتُكُم إِلَي قِتَالِ هَؤُلَاءِ القَومِ لَيلًا وَ نَهَاراً، وَ سِرّاً وَ إِعلَاناً، وَ قُلتُ لَكُم اغزُوهُم قَبلَ أَن يَغزُوكُم،فَوَ اللّهِ مَا غزُيَِ قَومٌ قَطّ فِي عُقرِ دَارِهِم إِلّا ذَلّوا.فَتَوَاكَلتُم وَ تَخَاذَلتُم حَتّي شُنّت عَلَيكُمُ الغَارَاتُ، وَ مُلِكَت عَلَيكُمُ الأَوطَانُ. هَذَا أَخُو غَامِدٍ قَد وَرَدَت خَيلُهُ الأَنبَارَ، وَ قَد قَتَلَ حَسّانَ بنَ حَسّانَ البكَريِّ وَ أَزَالَ خَيلَكُم عَن مَسَالِحِهَا. وَ لَقَد بلَغَنَيِ أَنّ الرّجُلَ مِنهُم كَانَ يَدخُلُ عَلَي المَرأَةِ المُسلِمَةِ وَ الأُخرَي المُعَاهَدَةِ فَيَنتَزِعُ حِجلَهَا وَ قُلُبَهَا وَ قَلَائِدَهَا وَ رِعَاثَهَا، مَا تَمتَنِعُ مِنهُ إِلّا بِالِاستِرجَاعِ وَ الِاستِرحَامِ، ثُمّ انصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلًا مِنهُم كَلمٌ، وَ لَا أُرِيقَ لَهُم دَمٌ.فَلَو أَنّ امرَأً مُسلِماً مَاتَ مِن بَعدِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَل كَانَ بِهِ عنِديِ جَدِيراً.فَيَا عَجَباً عَجَباً، وَ اللّهِ يُمِيتُ القَلبَ، وَ يَجلِبُ الهَمّ، مِنِ اجتِمَاعِ هَؤُلَاءِ القَومِ عَلَي بَاطِلِهِم، وَ تَفَرّقِكُم عَن حَقّكُم فَقُبحاً لَكُم وَ تَرَحاً حِينَ صِرتُم غَرَضاً يُرمَي،يُغَارُ عَلَيكُم وَ لَا تُغِيرُونَ، وَ تُغزَونَ وَ لَا تَغزُونَ، وَ يُعصَي اللّهُ فِيكُم وَ تَرضَونَ. فَإِذَا أَمَرتُكُم بِالسّيرِ إِلَيهِم فِي أَيّامِ الحَرّ،قُلتُم هَذِهِ حَمَارّةُ القَيظِ أَمهِلنَا يُسَبّخ عَنّا الحَرّ. وَ إِذَا أَمَرتُكُم بِالسّيرِ إِلَيهِم فِي الشّتَاءِ قُلتُم هَذِهِ صَبَارّةُ القُرّ أَمهِلنَا يَنسَلِخ عَنّا البَردُ. كُلّ هَذَا فِرَارٌ مِنَ الحَرّ وَ القُرّ، فَإِذَا كُنتُم مِنَ الحَرّ وَ البَردِ تَفِرّونَ،فَأَنتُم وَ اللّهِ مِنَ
صفحه : 65
السّيفِ أَفَرّ. يَا أَشبَاهَ الرّجَالِ وَ لَا رِجَالَ،حُلُومُ الأَطفَالِ، وَ عُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ،لَوَدِدتُ أنَيّ لَم أَرَكُم وَ لَم أَعرِفكُم مَعرِفَةً. وَ اللّهِ جَرّت نَدَماً وَ أَعقَبَت ذَمّاً.قَاتَلَكُمُ اللّهُ،لَقَد مَلَأتُم قلَبيِ قَيحاً، وَ شَحَنتُم صدَريِ غَيظاً، وَ جرَعّتمُوُنيِ نُغَبَ التّهمَامِ أَنفَاساً، وَ أَفسَدتُم عَلَيّ رأَييِ بِالعِصيَانِ وَ الخِذلَانِ، حَتّي قَالَت قُرَيشٌ إِنّ ابنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ لَكِن لَا عِلمَ لَهُ بِالحَربِ.لِلّهِ أَبُوهُم، وَ هَل أَحَدٌ مِنهُم أَشَدّ لَهَا مِرَاساً، وَ أَقدَمُ فِيهَا مَقَاماً منِيّ وَ لَقَد نَهَضتُ فِيهَا وَ مَا بَلَغتُ العِشرِينَ،فَهَا أَنَا ذَا قَد ذَرّفتُ عَلَي السّتّينَ، وَ لَكِنّهُ لَا رأَيَ لِمَن لَا يُطَاعُ.
كا أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ سَعِيدٍ عَن جَعفَرِ بنِ عَبدِ اللّهِ العلَوَيِّ وَ أَحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ الكوُفيِّ عَن عَلِيّ بنِ العَبّاسِ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ إِسحَاقَ،جَمِيعاً عَن فَرَجِ بنِ قُرّةَ عَن مَسعَدَةَ بنِ صَدَقَةَ عَنِ ابنِ أَبِي لَيلَي عَن أَبِي عَبدِ الرّحمَنِ السلّمَيِّ عَنهُ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَهُ.
بيان قال ابن ميثم وغيره هذه الخطبة مشهورة،ذكرها أبوالعبّاس المبرد وغيره ، والسّبب المشهور لها،
أَنّهُ وَرَدَ عَلَيهِ عِلجٌ مِنَ الأَنبَارِ فَأَخبَرَهُ أَنّ سُفيَانَ بنَ عَوفٍ الغاَمدِيِّ قَد وَرَدَ فِي خَيلِ مُعَاوِيَةَ إِلَي الأَنبَارِ، وَ قَتَلَ عَامِلَهُ حَسّانَ بنَ حَسّانَ البكَريِّ،فَصَعِدَ عَلَيهِ السّلَامُ المِنبَرَ وَ خَطَبَ النّاسَ وَ قَالَ إِنّ أَخَاكُمُ البكَريِّ قَد أُصِيبَ بِالأَنبَارِ فَانتَدِبُوا إِلَيهِم حَتّي تُلَاقُوهُم،
صفحه : 66
فَإِن أَصَبتُم مِنهُم طَرَفاً أَنكَلتُمُوهُم عَنِ العِرَاقِ أَبَداً مَا بَقُوا. ثُمّ سَكَتَ رَجَاءَ أَن يُجِيبُوهُ بشِيَءٍ، فَلَمّا رَأَي صَمتَهُم نَزَلَ وَ خَرَجَ يمَشيِ رَاجِلًا حَتّي أَتَي النّخَيلَةَ وَ النّاسُ يَمشُونَ خَلفَهُ، حَتّي أَحَاطَ بِهِ قَومٌ مِن أَشرَافِهِم وَ قَالُوا تَرجِعُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ نَحنُ نَكفِيكَ. فَقَالَ مَا تكَفوُنيِ وَ لَا تَكفُونَ أَنفُسَكُم.فَلَم يَزَالُوا بِهِ حَتّي رَدّوهُ إِلَي مَنزِلِهِ.فَبَعَثَ سَعِيدُ بنُ قَيسٍ الهمَداَنيِّ فِي ثَمَانِيَةِ آلَافٍ فِي طَلَبِ سُفيَانَ،فَخَرَجَ حَتّي انتَهَي إِلَي أدَاَنيِ أَرضِ قِنّسرِينَ وَ رَجَعَ. وَ كَانَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي ذَلِكَ الوَقتِ عَلِيلًا لَا يَقوَي عَلَي القِيَامِ فِي النّاسِ بِمَا يُرِيدُهُ مِنَ القَولِ،فَجَلَسَ بِبَابِ السّدّةِ التّيِ تَصِلُ إِلَي المَسجِدِ وَ مَعَهُ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ عَلَيهِمَا السّلَامُ وَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرٍ، وَ دَعَا سَعِيداً مَولَاهُ فَدَفَعَ إِلَيهِ كِتَاباً كَتَبَ فِيهِ هَذِهِ الخُطبَةَ، وَ أَمَرَهُ أَن يَقرَأَهُ عَلَي النّاسِ بِحَيثُ يَسمَعُ وَ يَسمَعُونَهُ.
وَ فِي رِوَايَةِ المُبَرّدِ أَنّهُ لَمّا انتَهَي إِلَيهِ وُرُودُ خَيلِ مُعَاوِيَةَ الأَنبَارَ وَ قَتلُ حَسّانَ،خَرَجَ مُغضَباً يَجُرّ رِدَاءَهُ حَتّي أَتَي النّخَيلَةَ وَ مَعَهُ النّاسُ وَ رقَيَِ رَبَاوَةً مِنَ الأَرضِ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ صَلّي عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ثُمّ ذَكَرَ الخُطبَةَ.
ولنرجع إلي الشرح والبيان قوله عليه السلام « باب من أبواب الجنّة»روي عن النّبي صلّي اللّه عليه وآله أنّه قال للجنّة باب يقال له باب المجاهدين ،يمضون إليه فإذا هومفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم . و في الكافي«لخاصّة أوليائه ، وسوّغهم كرامة منه لهم ، ونعمة ذخرها، والجهاد لباس التقوي »فقوله عليه السلام «نعمة»عطف علي « باب » أو علي «كرامة». قوله عليه السلام « و هولباس التقوي » أي به يتّقي في الدّنيا من غلبة
صفحه : 67
الأعادي، و في الآخرة من النار، أو هويدفع المضارّ عن التقوي ويحرسها، أو عن أهلها بحذف المضاف ، وكونه تأويلا لقوله تعالي وَ لِباسُ التّقوييحتاج إلي تكلّف ما.« ودرع اللّه» أي درع جعلها اللّه لحفظ عباده . والمراد درع الحديد وهي مؤنثة و قدتذكّر. و«الحصينة»الواقية. والجنّة بالضم . كلّ ماوقاك واستترت به . والوثيقة المحكمة.«فمن تركه » في الكافي«رغبة عنه » أي كراهة له بغير علّة.[ قوله عليه السلام ]«لباس الذلّ»الإضافة للبيان . قوله عليه السلام « وشمله البلاء»ربما يقرأ بالتاء وهي كساء يغطي به ، والفعل أظهر كما هوالمضبوط. قوله عليه السلام « وديّث بالصّغار» أي ذلّل كمامرّ والصّغار الذلّ والضّيم. والقماء ممدودا الذّلّ والصّغار. ورواه الراوندي مقصورا و هو غيرمعروف . و في الكافي«القماءة». قوله عليه السلام « وضرب علي قلبه بالإسداد» قال الفيروزآبادي وضربت عليه بالسّداد سدّت عليه الطرق ، وعميت عليه مذاهبه . و في بعض النسخ «بالإسهاب »،يقال أسهب الرجل علي البناء للمفعول إذاذهب عقله من أذي يلحقه .« وأديل الحقّ منه » أي يغلب الحقّ عليه فيصيبه الوبال لترك الحق كقوله [ عليه السلام ] في الصحيفة[السجّادية]«أدل لنا و لاتدل منا». والإدالة الغلبة. والباء في قوله بتضييع الجهاد للسّببية.
وَ قَالَ فِي[مَادّةِ خسف مِنَ]النّهَايَةِ فِي حَدِيثِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ « مَن تَرَكَ الجِهَادَ أَلبَسَهُ اللّهُ الذّلّ وَ سِيمَ الخَسفَ»
الخسف النقصان والهوان وأصله أن تحبس الدّابّة علي غيرعلف ، ثم استعير موضع الهوان . وسيم كلّف وألزم .
صفحه : 68
« ومنع النصف » أي لايتمكن من الانتصاف والانتقام . وعقر الشيء أصله ووسطه . وتواكل القوم اتّكل بعضهم بعضا وترك الأمر إليه . وتخاذلوا، أي خذل بعضهم بعضا.[ قوله عليه السلام ]« وشنّت» أي فرقّت. قال ابن أبي الحديد ما كان من ذلك متفرّقا نحو إرسال الماء علي الوجه دفعة بعددفعة فهو بالشين المعجمة، و ما كان إرسالا غيرمتفرّق فبالسّين المهملة. وكلمة« علي » في «ملكت عليكم »تفيد الاستعلاء بالقهر والغلبة، أي أخذوا الأوطان منكم بالقهر.« وأخو غامد» هوسفيان بن عوف الغامدي.« والأنبار»بلد قديم من بلاد العراق . وحسّان من أصحابه عليه السلام كان واليا عليه . والمسالح جمع المسلحة وهي الحدود التي يرتب فيهاذوو الأسلحة لدفع العدوّ كالثغر. والحجل بكسر الحاء وفتحها الخلخال . والقلب بالضم السوار المصمت . والرعاث جمع رعثة بفتح الراء وسكون العين وفتحها وهي القرط. والرعاث أيضا ضرب من الحلي والخرز. والاسترجاع قول إنّا للّه وإنّا إليه راجعون وقيل ترديد الصوت في البكاء. والاسترحام مناشدة الرحم ، أي قول أنشدك اللّه والرحم . وقيل طلب الرحم و هوبعيد.
صفحه : 69
قوله عليه السلام «وافرين » أي تامّين،يقال وفر الشيء أي تمّ. ووفّرت الشيء أي أتممته . و في رواية المبرّد«موفورين »بمعناه . والكلم الجراحة. قوله عليه السلام «فيا عجبا»أصله ياعجبي، أي احضر هذاأوانك .« وعجبا»منصوب بالمصدريّة، أي أيّها الناس ،تعجّبوا منهم عجبا. والقسم معترض بين الصفة والموصوف . و«الترح »محركة ضدّ الفرح .« وحمارة القيظ»بتشديد الرّاء شدّة حرّه وربّما خفّفت للضّرورة في الشعر.« وصبارة الشتاء»بتشديد الرّاء شدّة برده . و في القاموس تسبّخ الحرّ فتر وسكن كسبخ تسبيخا. والحلوم جمع الحلم بالكسر و هوالإناءة والعقل . و«ربات الحجال »النساء، أي صواحبها أواللاتي ربين فيها. و في بعض النسخ بنصب «الحلوم والعقول »ففي الكلام تقدير، أي ياذوي حلوم الأطفال ، وذوي عقول النساء. و في بعضها بضمها أي حلومكم حلوم الأطفال ، وعقولكم عقول النساء. قوله عليه السلام «معرفة»يمكن أن يكون فعله محذوفا، أي عرفتكم معرفة.«أعقب ذمّا» أي ذمي أياكم أوأياها. و في بعض النسخ «سدما» و هوبالتحريك الهم أو مع ندم أوغيظ. و«مقاتلة اللّه»كناية عن اللعن والإبعاد. و«القيح »الصديد بلا دم . قوله عليه السلام « وشحنتم » أي ملأتم . و«النغب »جمع نغبة وهي الجرعة. و«التهمام »بفتح التاء الهمّ.«أنفاسا» أي جرعة جرعة. قوله عليه السلام «للّه أبوهم »كلمة مدح ، ولعلّها استعملت هنا للتعجب . و«المراس »بالكسر العلاج . والضمائر الثلاثة للحرب وهي مؤنّثة و قد
صفحه : 70
تذكر. قوله عليه السلام «ذرفت »بتشديد الراء أي زدت .
[933- نَهجٌ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أَيّهَا النّاسُ المُجتَمِعَةُ أَبدَانُهُم،المُختَلِفَةُ أَهوَاؤُهُم كَلَامُكُم يوُهيِ الصّمّ الصّلَابَ، وَ فِعلُكُم يُطمِعُ فِيكُمُ الأَعدَاءَ.تَقُولُونَ فِي المَجَالِسِ كَيتَ وَ كَيتَ، فَإِذَا جَاءَ القِتَالُ قُلتُم حيِديِ حَيَادِ. مَا عَزّت دَعوَةُ مَن دَعَاكُم، وَ لَا استَرَاحَ قَلبُ مَن قَاسَاكُم.أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ دِفَاعَ ذيِ الدّينِ المَطُولِ. لَا يَمنَعُ الضّيمَ الذّلِيلُ، وَ لَا يُدرَكُ الحَقّ إِلّا بِالجِدّ. أَيّ دَارٍ بَعدَ دَارِكُم تَمنَعُونَ وَ مَعَ أَيّ إِمَامٍ بعَديِ تُقَاتِلُونَ المَغرُورُ وَ اللّهِ مَن غَرَرتُمُوهُ وَ مَن فَازَ بِكُم[فَقَد]فَازَ[ وَ اللّهِ]بِالسّهمِ الأَخيَبِ، وَ مَن رَمَي بِكُم فَقَد رَمَي بِأَفوَقَ نَاصِلٍ.أَصبَحتُ وَ اللّهِ لَا أُصَدّقُ قَولَكُم، وَ لَا أَطمَعُ فِي نَصرِكُم، وَ لَا أُوعِدُ العَدُوّ بِكُم. مَا بَالُكُم مَا دَوَاؤُكُم مَا طِبّكُم القَومُ رِجَالٌ أَمثَالُكُم. أَ قَولًا بِغَيرِ عِلمٍ وَ غَفلةً مِن غَيرِ وَرَعٍ وَ طَمَعاً فِي غَيرِ حَقّ
شَا[ وَ] مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي استِبطَاءِ مَن قَعَدَ عَن نُصرَتِهِ أَيّهَا النّاسُ المُجتَمِعَةُ أَبدَانُهُم[ وَ سَاقَ الخُطبَةَ الشّرِيفَةَ] إِلَي قَولِهِ وَ فِعلُكُم
صفحه : 71
يُطمِعُ فِيكُم عَدُوّكُمُ المُرتَابَ».[ ثُمّ سَاقَهَا] إِلَي قَولِهِ«سأَلَتمُوُنيَِ التّأخِيرَ دِفَاعَ ذيِ الدّينِ».[ ثُمّ سَاقَ الكَلَامَ] إِلَي قَولِهِ«[ لَا]أَطمَعُ فِي نُصرَتِكُم فَرّقَ اللّهُ بيَنيِ وَ بَينَكُم، وَ أبَدلَنَيِ بِكُم مَن هُوَ خَيرٌ لِي مِنكُم. وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ لِي بِكُلّ عَشَرَةٍ مِنكُم رَجُلًا مِن بنَيِ فِرَاسِ بنِ غَنمٍ،صَرفَ الدّينَارِ بِالدّرهَمِ.
بيان قال الشرّاح لمّا سمع معاوية اختلاف النّاس علي عليّ عليه السلام ، وتفرّقهم عنه ، وقتله من قتل من الخوارج ،بعث الضّحاك بن قيس في أربعة آلاف وأوعز إليه بالنّهب والغارة،فأقبل [الضّحاك]يقتل وينهب حتّي مرّ بالثّعلبية وأغار علي الحاجّ،فأخذ أمتعتهم ، وقتل عمرو بن عميس بن مسعود صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وسلّم، وقتل معه ناسا من أصحابه ، فلمّا بلغ ذلك عليّا عليه السلام ،استصرخ أصحابه واستشارهم إلي لقاء العدوّ،فتلكّئوا ورأي منهم فشلا،فخطبهم بهذه الخطبة. والوهي الضّعف. وهي الحجر والسّقاء كوقي أي انشقّ. وأوهاه شقّه. والصمّ والصلاب من أوصاف الحجارة. والصّخرة الصّمّاء التي ليس فيهاصدع و لاخرق . و«كيت وكيت »كناية عن القول . قوله عليه السلام «حيدي حياد» قال ابن أبي الحديد هي كلمة يقولها الهارب الفارّ، وهي نظير قولهم فيحي فياح أي اتسّعي. و قال ابن ميثم حياد اسم للغارة، والمعني اعدلي عنّا أيّتها الحرب . ويحتمل أن يكون حياد من أسماء الأفعال كنزال فيكون قدأمر بالتنّحيّ مرّتين بلفظين مختلفين .
صفحه : 72
أقول قسم السّيّد الرضّي رحمه اللّه صيغة«فعال »المبنيّ إلي أربعة أقسام ، وعدّ منها ماكانت صفة للمؤنّث غيرلازمة للنداء، وعدّ من هذاالقسم «حياد وفياح » و قال [معني ]حيدي حياد أي ارجعي ياراجعة. وجعل حذف حرف النّداء عن «حياد» وأمثالها دليلا علي أنّها أعلام للأجناس ، وحينئذ لا يكون «حياد»اسما للغارة و لابمعني الأمر، وهي وأمثالها مبنيّة علي الكسر. والعزّة الغلبة والشدّة و في الإسناد إلي الدّعوة توسّع.[ قوله عليه السلام ]« و لااستراح » أي ماوجد الراحة. و«قاساه »كابده . والباء في قوله عليه السلام «بأضاليل »متعلّقة ب«أعاليل » أي يتعلّلون بالأضاليل التّي لاجدوي لها. و قال ابن ميثم رحمه اللّه«أعاليل وأضاليل »جمع أعلال وأضلال ، وهما جمع علّة اسم مايتعلّل به من مرض وغيره . وضلّة اسم الضّلال و هوخبر مبتدإ محذوف ، أي إذادعوتكم إلي القتال تعلّلتم، وهي أعاليل باطلة ضلّة عن سبيل اللّه. قوله عليه السلام «دفاع » قال ابن ميثم يحتمل أن يكون تشبيها لدفاعهم بدفاع ذي الدين المطول ،فيكون منصوبا بحذف الجار. ويحتمل أن يكون استعارة لدفاعهم ليكون مرفوعا. و«المطول »كثير المطال ، و هوتطويل الوعد وتسويفه . و«الضيم »الظلم . قوله عليه السلام « أيّ دار بعدداركم » أي دار الإسلام أوالعراق ، أي إذاأخرجكم العدوّ عن دياركم ومساكنكم فعن أيّ دار أو في أيّ دار تمنعونهم و في بعض النسخ «تمتّعون» علي التفعّل بحذف إحدي التاءين ، أي بأيّ دار تنتفعون .
صفحه : 73
[ قوله عليه السلام ]«المغرور» أي الكامل الغرور. أو ليس المغرور إلّا من غرّرتموه. والتّعبير عن الابتلاء بهم بالفوز علي التهكّم. و قال ابن ميثم و«الأخيب »أشدّ خيبة وهي الحرمان . و«السهم الأخيب »التّي لاغنم لها في الميسر،كالثلاثة المسماة بالأوغاد، أوالتي فيهاغرم ،كالتّي لم تخرج حتّي استوفيت أجزاء الجزور فحصل لصاحبها غرم وخيبة. و يكون إطلاق الفوز علي حصولها مجازا من باب إطلاق أحد الضّدّين علي الآخر. و«الأفوق »السهم المكسور الفوق و هوموضع الوتر منه . و«الناصل » ألذي لانصل فيه . والإيعاد والوعيد في الشّر غالبا كالوعد والعدة في الخير. وعدم الإيعاد إمّا لعدم الطمع في نصرهم ، أولعدم خوف العدوّ منهم . والبال الحال والشأن . قوله عليه السلام « ماطبّكم» أي ماعلاجكم . وقيل أي ماعادتكم . قوله عليه السّلام« أقولا بغير علم »نصب المصادر بالأفعال المقدّرة وقولهم بغير علم [ هو]قولهم «إنّا نفعل بالخصوم كذا وكذا» مع أنّه لم يكن في قلوبهم إرادة الحرب ، أودعواهم الإيمان والطاعة مع عدم الإطاعة،فكأنّهم لايذعنون بما يقولون . و في بعض النسخ «[ أقولا]بغير عمل » و هوأظهر. و«غفلة» أي عمّا يصلحكم .« من غيرورع »يحجزكم عن محارم اللّه وينبّهكم عن الغفلة. و في بعض النسخ « وعفّة من غيرورع ، وطمعا في غيرحقّ»[ و]لعلّه عليه السّلام كان علم أنّ سبب تسويف بعضهم ،[ هو]طمعهم في أن يعطيهم زيادة علي مايستحقّونه كمافعل معاوية والخلفاء قبله .
صفحه : 74
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي استِنفَارِ النّاسِ إِلَي أَهلِ الشّامِ أُفّ لَكُم لَقَد سَئِمتُ عِتَابَكُم. أَ رَضِيتُم بِالحَيَاةِ الدّنيَا مِنَ الآخِرَةِ عِوَضاً وَ بِالذّلّ مِنَ العِزّ خَلَفاً إِذَا دَعَوتُكُم إِلَي جِهَادِ عَدُوّكُم دَارَت أَعيُنُكُم كَأَنّكُم مِنَ المَوتِ فِي غَمرَةٍ، وَ مِنَ الذّهُولِ فِي سَكرَةٍ.يُرتَجُ عَلَيكُم حوِاَريِ فَتَعمَهُونَ فَكَأَنّ قُلُوبَكُم مَألُوسَةٌ،فَأَنتُم لَا تَعقِلُونَ. مَا أَنتُم لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ الليّاَليِ، وَ مَا أَنتُم بِرُكنٍ يُمَالُ بِكُم وَ لَا زَوَافِرُ عِزّ يُفتَقَرُ إِلَيكُم. مَا أَنتُم إِلّا كَإِبِلٍ ضَلّ رُعَاتُهَا،فَكُلّمَا جُمِعَت مِن جَانِبٍ انتَشَرَت مِن آخَرَ.لَبِئسَ لَعَمرُ اللّهِ سُعرُ نَارِ الحَربِ أَنتُم تُكَادُونَ وَ لَا تَكِيدُونَ، وَ تُنتَقَصُ أَطرَافُكُم فَلَا تَمتَعِضُونَ. لَا يُنَامُ عَنكُم وَ أَنتُم فِي غَفلَةٍ سَاهُونَ[لَاهُونَ«خ »]غُلِبَ وَ اللّهِ المُتَخَاذِلُونَ. وَ ايمُ اللّهِ،إنِيّ لَأَظُنّ بِكُم أَن لَو حَمِسَ الوَغَي، وَ استَحَرّ المَوتُ، قَدِ انفَرَجتُم عَنِ ابنِ أَبِي طَالِبٍ انفِرَاجَ الرّأسِ مِنَ الجَسَدِ. وَ اللّهِ إِنّ امرَأً يُمَكّنُ عَدُوّهُ مِن نَفسِهِ،يَعرُقُ لَحمَهُ، وَ يَهشِمُ عَظمَهُ، وَ يفَريِ جِلدَهُ،لَعَظِيمٌ عَجزُهُ،ضَعِيفٌ مَا ضُمّت عَلَيهِ جَوَانِحُ صَدرِهِ، أَنتَ فَكُن ذَاكَ إِن شِئتَ،فَأَمّا أَنَا فَوَ اللّهِ دُونَ أَن أعُطيَِ ذَلِكَ ضَربٌ بِالمَشرَفِيّةِ يَطِيرُ مِنهُ فَرَاشُ الهَامِ، وَ تَطِيحُ السّوَاعِدُ وَ الأَقدَامُ،وَ يَفعَلُ اللّهُ بَعدَ ذَلِكَما يَشاءُ.أَيّهَا النّاسُ إِنّ لِي عَلَيكُم حَقّاً، وَ لَكُم عَلَيّ حَقّ.فَأَمّا حَقّكُم[ عَلَيّ]فَالنّصِيحَةُ لَكُم، وَ تَوفِيرُ فَيئِكُم عَلَيكُم، وَ تَعلِيمُكُم كَيلَا تَجهَلُوا، وَ تَأدِيبُكُم كَيمَا تَعلَمُوا[تعلموا«خ »]. وَ أَمّا حقَيّ عَلَيكُم،فَالوَفَاءُ بِالبَيعَةِ، وَ النّصِيحَةُ فِي المَشهَدِ وَ المَغِيبِ، وَ الإِجَابَةُ حِينَ أَدعُوكُم، وَ الطّاعَةُ حِينَ آمُرُكُم.
صفحه : 75
روُيَِ أَنّهُ عَلَيهِ السّلَامُ خَطَبَ بِهَذِهِ الخُطبَةِ بَعدَ فَرَاغِهِ مِن أَمرِ الخَوَارِجِ،بِالنّهرَوَانِ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ قَالَ أَمّا بَعدُ فَإِنّ اللّهَ تَعَالَي قَد أَحسَنَ نَصرَكُم،فَتَوَجّهُوا مِن فَورِكُم هَذَا إِلَي عَدُوّكُم مِنَ أَهلِ الشّامِ.فَقَالُوا لَهُ قَد نَفِدَت نِبَالُنَا، وَ كَلّت سُيُوفُنَا،ارجِع بِنَا إِلَي مِصرِنَا لِنُصلِحَ عُدّتَنَا، وَ لَعَلّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ يَزِيدُ فِي عَدَدِنَا مِثلَ مَن هَلَكَ مِنّا لِنَستَعِينَ بِهِ.فَأَجَابَهُميا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدّسَةَ التّيِ كَتَبَ اللّهُ لَكُم وَ لا تَرتَدّوا عَلي أَدبارِكُم فَتَنقَلِبُوا خاسِرِينَ.فَتَلَكّئُوا عَلَيهِ وَ قَالُوا إِنّ البَردَ شَدِيدٌ. فَقَالَ[لَهُم]إِنّهُم يَجِدُونَ البَردَ كَمَا تَجِدُونَ، ثُمّ تَلَا قَولَهُ تَعَالَيقالُوا يا مُوسي إِنّ فِيها قَوماً جَبّارِينَ وَإِنّا لَن نَدخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذهَب أَنتَ وَ رَبّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ.فَقَامَ نَاسٌ مِنهُم وَ اعتَذَرُوا بِكَثرَةِ الجِرَاحِ فِي النّاسِ، وَ طَلَبُوا[ مِنهُ] أَن يَرجِعَ بِهِم إِلَي الكُوفَةِ أَيّاماً ثُمّ يَخرُجُ[بِهِم].فَرَجَعَ بِهِم غَيرَ رَاضٍ[بِمَا اقتَرَحُوا] وَ أَنزَلَهُمُ النّخَيلَةَ، وَ أَمَرَهُم أَن يَلزَمُوا مُعَسكَرَهُم، وَ يُقِلّوا زِيَارَةَ أَهلِهِم،فَلَم يَقبَلُوا وَ دَخَلُوا الكُوفَةَ حَتّي لَم يَبقَ مَعَهُ إِلّا قَلِيلٌ، فَلَمّا رَأَي ذَلِكَ دَخَلَ الكُوفَةَ فَخَطَبَ النّاسَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسِ استَعِدّوا لِقِتَالِ عَدُوّ فِي جِهَادِهِمُ القُربَةُ إِلَي اللّهِ، وَ دَركُ الوَسِيلَةِ عِندَهُ،قَومٍ حَيَارَي عَنِ الحَقّ لَا يُبصِرُونَهُ،مُوزَعِينَ بِالجَورِ وَ الظّلمِ لَا يَعدِلُونَ بِهِ، وَ جُفَاةٍ عَنِ الكِتَابِ،نُكُبٍ عَنِ الدّينِ،يَعمَهُونَ فِي الطّغيَانِ، وَ يَتَسَكّعُونَ فِي غَمرَةِ الضّلَالَةِ،فَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوّةٍ وَ مِن رِباطِ الخَيلِ،
صفحه : 76
وَ تَوَكّلُوا عَلَي اللّهِوَ كَفي بِاللّهِ وَكِيلًا.فَتَرَكَهُم أَيّاماً ثُمّ خَطَبَهُم بِهَذِهِ الخُطبَةِ.
و«أفّ»بالضمّ والتّشديد والتّنوين كلمة تضجّر وتكرّه، ولغاتها أربعون ،منها كسر الفاء كما في بعض النّسخ. و[ قوله عليه السلام ]«عوضا» و«خلفا»نصبهما علي التّميز. ودوران أعينهم إمّا للخوف من العدوّ، أوللحيرة والتّردّد بين مخالفته عليه السلام والإقدام علي الحرب ، و في كليهما خطر عندهم . والغمرة الشّدّة. وغمرات الموت سكراته التّي يغمر فيهاالعقل . والسكر بالفتح ضدّ الصّحو، والاسم بالضّمّ. وسكرة الموت شدّته وغشيته . و في الكلام إشارة إلي قوله تعالي [BA] فَإِذا جاءَ الخَوفُ رَأَيتَهُم]يَنظُرُونَ إِلَيكَ تَدُورُ أَعيُنُهُم كاَلذّيِ يُغشي عَلَيهِ مِنَ المَوتِ.«يرتج عليكم حواري» أي يغلق عليكم محاورتي ومخاطبتي. والألس الجنون واختلاط العقل ،يقال ألس فهو مألوس .[ و]«سجيس الليّالي»كلمة يقال للأبد،تقول لاأفعله سجيس الليالي، أي أبدا.[ و]«يمال بكم » أي يستند إليكم ويمال بكم إلي العدوّ، أوالباء بمعني إلي . وزوافر الرجل أنصاره وعشيرته . وزفرت الحمل حملته . و[لفظة]«زوافر» في أكثر النسخ بالجرّ عطفا علي المجرور. و في بعضها بالنّصب عطفا علي الظّرف.
صفحه : 77
والإبل اسم للجمع .[ و]«ضلّ رعاتها» أي ضاع وفقد من يعلم حالها والحيلة في جمعها، أو لم يهتد من يرعاها إلي طريق جمعها.«لبئس لعمر اللّه»اللّام جواب القسم ، والتكرير للتأكيد، والعمر بالفتح العمر هوقسم ببقاء اللّه. والسعر اسم جمع لساعر، وإسعار النّار وسعرها إيقادها. والامتعاض الغضب . و«ايم »مخفّف أيمن . و هوجمع يمين ، أي ايم اللّه قسمي. و«حمس »كفرح اشتدّ. و«الوغي »الأصوات والجلبة، و منه قيل للحرب وغي . و«استحرّ الموت » أي اشتدّ وكثر.[ قوله عليه السلام ]« قدانفرجتم » أي تفرّقتم. وانفراج الرأس مثل لشدّة التّفرّق.قيل أوّل من تكلم به أكثم بن ضيفي في وصيّة له [لبنيه قال ] يابنيّ لاتنفرجوا عندالشدائد انفراج الرأس فإنّكم بعد ذلك لاتجتمعون علي عزّ. و في معناه أقوال الأوّل قال ابن دريد معناه أنّ الرأس إذاانفرج عندالبدن لايعود إليه .الثاني قال المفضل الرأس اسم رجل تنسب إليه قرية من قري الشّام يقال لها بيت الرأس ، و فيهاتباع الخمر، و هذا الرجل قدانفرج عن قومه ومكانه فلم يعد فضرب به المثل .الثالث قال بعضهم معناه أنّ الرأس إذاانفرج بعض عظامه عن بعض ، كان بعيدا عن الالتئام والعود إلي الصحّة.الرابع قيل معناه انفرجتم عنيّ رأسا. وردّ بأنّ«رأسا» لايعرّف.
صفحه : 78
الخامس قيل المعني انفراج رأس من أدني رأسه إلي غيره ثمّ حرف رأسه عنه .السادس قيل الرأس الرجل العزيز لأنّ الأعزّاء لايبالون بمفارقة أحد.السابع معناه انفراج المرأة عن رأس ولدها حالة الوضع ،فإنّه في غاية الشّدّة[ و]نحوه قوله عليه السّلام في موضع آخر«انفراج المرأة عن قبلها». وبعده واضح . وعرق اللّحم كنصر أكله و لم يبق منه علي العظم شيئا. وهشم العظم كضرب كسره . وفريت الشيء قطعته . و«الجوانح »الأضلاع التّي تحت التّرائب، وهي ممّا يلي الصدر كالضلوع ممّا يلي الظّهر.« و ماضمّت عليه » هوالقلب . والمذكورات كنايات عن النهب والأسر والاستئصال وأنواع الضّرر. قوله عليه السلام «فكن ذاك إن شئت » قال ابن أبي الحديد خاطب من يمكّن عدوّه من نفسه خطابا عاما،لكن الرّواية وردت بأنّه عليه السّلام خاطب بذلك الأشعث بن قيس ،فإنّه قال لعليّ عليه السلام حين [ كان ]يلوم الناس علي تقاعدهم [ عنه ]«هلّا فعلت فعل ابن عفّان». فقال « إنّ فعل ابن عفّان مخزاة علي من لادين له و لاوثيقة معه ، إنّ امرأ مكن عدوّه من نفسه ،يهشم عظمه ، ويفري جلده لضعيف رأيه ،مأفون عقله ،فكن ذاك إن أحببت .فأمّا أنافدون أن أعطي ذاك ضرب بالمشرفيّة» إلي آخر الفصل .انتهي .أقول سيأتي تمام القول برواية المفيد.[ قوله عليه السلام ]«فأمّا أنافو اللّه»الظاهر أنّ خبر« أنا»الجملة التي خبرها«دون »، والمبتدأ[ هو قوله ]«ضرب ». و[ قوله ]« ذلك »إشارة إلي تمكين العدوّ، أوفعل مافعله عثمان .
صفحه : 79
والمشرفيّة بفتح الميم والراء سيوف منسوبة إلي مشارف اليمن . وفراش الهام العظام الرقيقة تلي القحف . وطاح يطيح أي سقط. وأوزعه بالشيّء أغراه . وسكع كمنع وفرح مشي مشيا متعسفا لايدري أين يأخذ من بلاد اللّه وتحيّر كتسكّع.[ قوله عليه السلام ]«كيلا تجهلوا» أي [كي لا]تبقوا علي الجهالة.
937- نَهجٌ وَ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي ذَمّ أَصحَابِهِ كَم أُدَارِيكُم كَمَا تُدَارَي البِكَارُ العَمِدَةُ، وَ الثّيَابُ المُتَدَاعِيَةُ،كُلّمَا حِيصَت مِن جَانِبٍ،تَهَتّكَت مِن أُخرَي. أَ كُلّمَا أَظَلّ عَلَيكُم مَنسِرٌ مِن مَنَاسِرِ أَهلِ الشّامِ،أَغلَقَ كُلّ رَجُلٍ مِنكُم بَابَهُ، وَ انجَحَرَ انجِحَارَ الضّبّةِ فِي جُحرِهَا، وَ الضّبُعِ فِي وِجَارِهَا،الذّلِيلُ وَ اللّهِ مَن نَصَرتُمُوهُ، وَ مَن رَمَي بِكُم فَقَد رَمَي بِأَفوَقَ نَاصِلٍ.إِنّكُم وَ اللّهِ لَكَثِيرٌ فِي البَاحَاتِ،قَلِيلٌ تَحتَ الرّايَاتِ. وَ إنِيّ لَعَالِمٌ بِمَا يُصلِحُكُم وَ يُقِيمُ أَوَدَكُم، وَ لكَنِيّ لَا أَرَي إِصلَاحَكُم بِإِفسَادِ نفَسيِ،أَضرَعَ اللّهُ خُدُودَكُم، وَ أَتعَسَ جُدُودَكُم، لَا تَعرِفُونَ الحَقّ كَمَعرِفَتِكُمُ البَاطِلَ، وَ لَا تُبطِلُونَ البَاطِلَ كَإِبطَالِكُمُ الحَقّ. وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي سُحرَةِ اليَومِ ألّذِي ضُرِبَ فِيهِ ملَكَتَنيِ عيَنيِ وَ أَنَا جَالِسٌ،فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا ذَا لَقِيتُ مِن أُمّتِكَ مِنَ الأَوَدِ وَ اللّدَدِ. فَقَالَ«ادعُ عَلَيهِم».فَقُلتُ أبَدلَنَيِ اللّهُ بِهِم خَيراً لِي مِنهُم، وَ أَبدَلَهُم بيِ شَرّاً لَهُم منِيّ.
قال السيّد[الرضيّ]رضي اللّه عنه يعني عليه السلام ب«الأود»الاعوجاج ، وب«اللدد»الخصام . و هذا من أفصح الكلام .إيضاح البكار بالكسر،جمع بكر بالفتح ، و هوالفتي من الإبل .
صفحه : 80
والعمدة بكسر الميم من العمد[ و هو]الورم والدبر. وقيل العمدة التّي كسرها ثقل حملها. وقيل التّي قدانشدخت أسنمتها من داخل وظاهرها صحيح . والثّياب المتداعية الخلقة التي تنخرق ،فكأنّه يدعو الباقي إلي الانخراق . وحاص الثّوب يحوصه حوصا خاطه . وتهتّكت أي تخرّقت. و«أظلّ عليكم » أي أقبل إليكم ودنا منكم . و في بعض النّسخ«[أطلّ عليكم ]»بالمهملة أي أشرف . والمنسر كمجلس وكمنبر القطعة من الجيش تمر قدّام الجيش الكثير. والجحر بالضمّ كلّ شيءيحتفره السبّاع والهوامّ لأنفسها. وجحر الضّبّ كمنع أي دخله . وجحره غيره أدخله فانجحر وتجحّر وكذلك أجحره . والضّبع مؤنّثة ووجارها بالكسر جحرها. والأفوق المكسور الفوق والنّاصل النزوع النصل . والباحة الساحة. والراية العلم . والأود بالتحريك العوج . والمراد يصلحهم إقامة مراسم السّياسة[فيهم ] من القتل والتعذيب والحيل والتدابير المخالفة لأمر اللّه تعالي . والضراعة الذّلّ والاستكانة. والتّعس الهلاك والانحطاط. والجدّ البخت والحظّ. والغرض ،الدعاء عليهم بالخزي والخيبة. قوله عليه السلام « لاتعرفون الحقّ»المراد بالحقّ إمّا أوامر اللّه تعالي ، أوأمور الآخرة. وبالباطل زخارف الدّنيا. أوالحقّ متابعته عليه السّلام ونصره . والباطل عصيانه وترك نصرته . أوالحق الدّلائل الدّالّة علي فرض طاعته ، والباطل الشّبه الفاسدة،كشبهتهم في خطر قتال أهل القبلة. و[المراد ب]المعرفة إمّا العلم أوالعمل بما يقتضيه من نصرة الحقّ وإنكار المنكر. والسحرة بالضمّ السحر الأعلي . وملك العين كناية عن غلبة النّوم. و«سنح لي » أي رأيته في المنام ، أومرّ بي معترضا.
صفحه : 81
وبناء التّفضيل في [ قوله عليه السلام ]«شرا» علي اعتقاد القوم ،فإنّهم لمّا لم يطيعوه حقّ الطاعة،فكأنّهم زعموا فيه شرا.
نَهجٌ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ« وَ لَئِن أَمهَلَ اللّهُ الظّالِمَ،فَلَن يَفُوتَ أَخذُهُ، وَ هُوَ لَهُ بِالمِرصَادِ عَلَي مَجَازِ طَرِيقِهِ، وَ بِمَوضِعِ الشّجَا مِن مَسَاغِ رِيقِهِ. أَمَا وَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ،لَيَظهَرَنّ هَؤُلَاءِ القَومُ عَلَيكُم، لَيسَ لِأَنّهُم أَولَي بِالحَقّ مِنكُم، وَ لَكِن لِإِسرَاعِهِم إِلَي بَاطِلِ صَاحِبِهِم، وَ إِبطَائِكُم عَن حقَيّ. وَ لَقَد أَصبَحَتِ الأُمَمُ تَخَافُ ظُلمَ رُعَاتِهَا، وَ أَصبَحتُ أَخَافُ ظُلمَ رعَيِتّيِ.استَنفَرتُكُم لِلجِهَادِ فَلَم تَنفِرُوا، وَ أَسمَعتُكُم فَلَم تَسمَعُوا، وَ دَعَوتُكُم سِرّاً وَ جَهراً فَلَم تَستَجِيبُوا، وَ نَصَحتُ لَكُم فَلَم تَقبَلُوا، أَ شُهُودٌ كَغُيّابٍ وَ عَبِيدٌ كَأَربَابٍ أَتلُو عَلَيكُمُ الحِكَمَ فَتَنفِرُونَ مِنهَا، وَ أَعِظُكُم بِالمَوعِظَةِ البَالِغَةِ فَتَتَفَرّقُونَ عَنهَا، وَ أَحُثّكُم عَلَي جِهَادِ أَهلِ البغَيِ فَمَا آتيِ عَلَي آخِرِ قوَليِ حَتّي أَرَاكُم مُتَفَرّقِينَ أيَاَديَِ سَبَا،تَرجِعُونَ إِلَي مَجَالِسِكُم وَ تَتَخَادَعُونَ عَن مَوَاعِظِكُم،أُقَوّمُكُم غُدوَةً وَ تَرجِعُونَ إلِيَّ عَشِيّةً كَظَهرِ الحَنِيّةِ[الحَيّةِ«خ »]عَجَزَ المُقَوّمُ وَ أَعضَلَ المُقَوّمُ.أَيّهَا الشّاهِدَةُ أَبدَانُهُم،الغَائِبَةُ عَنهُم عُقُولُهُم،المُختَلِفَةُ أَهوَاؤُهُم،المُبتَلَي بِهِم أُمَرَاؤُهُم صَاحِبُكُم يُطِيعُ اللّهَ وَ أَنتُم تَعصُونَهُ، وَ صَاحِبُ أَهلِ الشّامِ يعَصيِ اللّهَ وَ هُم يُطِيعُونَهُ لَوَدِدتُ وَ اللّهِ أَنّ مُعَاوِيَةَ صاَرفَنَيِ بِكُم صَرفَ الدّينَارِ بِالدّرهَمِ،فَأَخَذَ منِيّ عَشَرَةً مِنكُم وَ أعَطاَنيِ رَجُلًا مِنهُم. يَا أَهلَ الكُوفَةِ،مُنِيتُ مِنكُم بِثَلَاثٍ وَ اثنَتَينِ صُمّ ذَوُو أَسمَاعٍ، وَ بُكمٌ ذَوُو كَلَامٍ، وَ عمُيٌ ذَوُو أَبصَارٍ، لَا أَحرَارُ صِدقٍ عِندَ اللّقَاءِ وَ لَا إِخوَانُ ثِقَةٍ عِندَ البَلَاءِ.تَرِبَت أَيدِيكُم يَا أَشبَاهَ الإِبِلِ غَابَ عَنهَا رُعَاتُهَا كُلّمَا جُمِعَت مِن جَانِبٍ
صفحه : 82
تَفَرّقَت مِن جَانِبٍ[آخَرَ]، وَ اللّهِ لكَأَنَيّ بِكُم فِيمَا إِخَالُ لَو حَمِسَ الوَغَي، وَ حمَيَِ الضّرَابُ قَدِ انفَرَجتُم عَنِ ابنِ أَبِي طَالِبٍ انفِرَاجَ المَرأَةِ عَن قُبُلِهَا. وَ إنِيّ لَعَلَي بَيّنَةٍ مِن ربَيّ، وَ مِنهَاجٍ مِن نبَيِيّ، وَ إنِيّ لَعَلَي الطّرِيقِ الوَاضِحِ أَلقُطُهُ لَقطاً.انظُرُوا أَهلَ بَيتِ نَبِيّكُم فَالزَمُوا سَمتَهُم، وَ اتّبِعُوا أَثَرَهُم،فَلَن يُخرِجُوكُم مِن هُدًي وَ لَن يُعِيدُوكُم فِي رَدًي، فَإِن لَبَدُوا فَالبُدُوا، وَ إِن نَهَضُوا فَانهَضُوا، وَ لَا تَسبِقُوهُم فَتَضِلّوا، وَ لَا تَتَأَخّرُوا عَنهُم فَتَهلِكُوا.لَقَد رَأَيتُ أَصحَابَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَمَا أَرَي أَحَداً مِنكُم يُشبِهُهُم،لَقَد كَانُوا يُصبِحُونَ شُعثاً غُبراً،[ وَ] قَد بَاتُوا سُجّداً وَ قِيَاماً،يُرَاوِحُونَ بَينَ جِبَاهِهِم وَ خُدُودِهِم، وَ يَقِفُونَ عَلَي مِثلِ الجَمرِ مِن ذِكرِ مَعَادِهِم،كَأَنّ بَينَ أَعيُنِهِم رُكَبَ المِعزَي مِن طُولِ سُجُودِهِم، إِذَا ذُكِرَ اللّهُ سُبحَانَهُ هَمَلَت أَعيُنُهُم حَتّي تَبُلّ جُيُوبَهُم، وَ مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشّجَرُ يَومَ الرّيحِ العَاصِفِ،خَوفاً مِنَ العِقَابِ، وَ رَجَاءَ الثّوَابِ.
تبيان [ قوله عليه السّلام]«فلن يفوت »المفعول محذوف أي فلن يفوته . والأخذ التّناول والعقوبة. والمرصاد الطريق يرصد بها. والشّجا ماينشب في الحلق من عظم وغيره ، وموضع الشجا هوالحلق . ومساغ ريقه موضع إساغته . وساغ الشراب سهل مدخله في الحلق . وسغت الشراب يتعدّي و لايتعدّي. و هذا[الكلام منه عليه السلام ]إمّا تهديد لأهل الشام أولأصحابه ، كماسيأتي من نسبة الظلم إليهم . وظهر عليه غلبه وراعي القوم من ولي عليهم . والاستنفار.الاستنجاد والاستنصار أوطلب النفور والإسراع إلي القتال . قوله عليه السّلام« وعبيد كأرباب » أي أخلاقكم أخلاق العبيد من
صفحه : 83
الخلاف والنفاق ودناءة الأنفس ، وفيكم مع ذلك كبر السّادات وتيههم وعدم إطاعتهم ، أوحكمكم حكم العبيد في وجوب الإطاعة وتأبون عنها كالسّادة. و هذاأنسب بالفقرة السابقة. و«أيادي سبا»مثل يضرب للمتفرّقين، وأصله قوله تعالي عن أهل سبإوَ مَزّقناهُم كُلّ مُمَزّقٍ وسبأ مهموز يصرف و لايصرف ، ويمدّ و لايمدّ، و هوبلدة«بلقيس » ولقب ابن يشجب بن يعرب يقال ذهبوا أيدي سبا وأيادي سبا الياء ساكنة وكذلك الألف هكذا نقل المثل أي متفرّقين، وهما اسمان جعلا واحدا،مثل معديكرب ضرب المثل بهم لأنّهم لمّا غرق مكانهم وذهبت جنّاتهم تبدّدوا في البلاد، ولهم قصّة غريبة مذكورة في كتب الأمثال . قوله عليه السّلام« وتتخادعون »المخادعة هي الاستغفال عن المصلحة، أي إذارجعتم عن مجلس الوعظ أخذ كلّ منكم يستغفل صاحبه ويشغله بالأحاديث ، و إن لم يكن عن قصد خداع بل يقع منهم صورة المخادعة.كذا ذكره ابن ميثم . و قال ابن أبي الحديد تتخادعون عن مواعظكم أي تمسكون عن الاتّعاظ من قولهم كان فلان يعطي ثمّ خدع أي أمسك وأقلع . ويجوز أن يريد تتلوّنون وتختلفون في قبول الوعظ من قولهم خلق فلان خلق خادع أي متلوّن. وسوق خادعة أي متلوّنة مختلفة. و لايجوز أن يراد المعني المشهور منها،لأنّه إنّما يقال فلان يتخادع فلانا إذا كان يريد أن ينخدع له و ليس بمنخدع في الحقيقة، و هذا لايناسب المقام . والحنيّة علي فعلية القوس ، أي ترجعون [إليّ]معوجّا كاعوجاج ظهر القوس وأعضل وأشكل ، وكأنّ غيبة عقولهم كناية عن تركهم العمل بما تقتضيه ، أو عن ذهابها. قوله عليه السلام «منيت » أي ابتليت . وإنّما لم يجمع الخمس لكون
صفحه : 84
الثلاث من جنس ، والاثنتين من [جنس ]آخر أولأنّ الثلاث إيجابيّة دون الاثنتين . والحرّ خلاف العبد والخيار من كلّ شيء. واللقاء ملاقات الأحباب أوالعدوّ. و قوله [ عليه السلام ]«تربت أيديكم »كلمة يدعي علي الإنسان بها أي لاأصبتم خيرا. وأصل «ترب »أصابه التراب ،فكأنّه يدعي عليه بأن يفتقر. و قال [ ابن الأثير] في [مادة«ترب » من كتاب ]النهاية هذه الكلمة جارية علي ألسنة العرب لايريدون بهاالدعاء علي المخاطب ، و لاوقوع الأمر بها، كمايقولون قاتله اللّه. وقيل معني للّه درّك. قال وكثيرا ترد للعرب ألفاظ ظاهرها الذمّ وإنّما يريدون بهاالمدح ،كقولهم لاأب لك ، و لاأمّ لك . وهوت أمّه. و لاأرض لك . ونحو ذلك . و قال المطرزّي في قولهم «كأنيّ بك تنحط»الأصل كأنيّ أبصرك تنحط ثمّ حذف الفعل وزيدت الباء. ويحتمل أن يكون الباء متعلّقا بملتصق ونحوه ،نحو« به داء» أوبمعني في . وخال الشيء يخاله أي ظنّه. وتقول خلت إخال بالكسر وبالفتح ،لغة بني أسد كما في النسخ ، و« ما»مصدريّة، أي في ظنيّ. وحمس كفرح أي اشتدّ. وحمي كرضي اشتدّ حرّه. وانفرجتم تفرّقتم. قال ابن ميثم شبّه انفراجهم عنه بانفراج المرأة عن قبلها ليرجعوا إلي الأنفة، وتسليم المرأة قبلها وانفراجها عنه إمّا وقت الولادة، أووقت الطّعان. قوله [ عليه السّلام]«ألقطه »كأنّه إشارة إلي أنّ الضّلال غالب علي الهدي ،فيحتاج السالك إلي التقاط طريق الهدي من بين طرق الضّلالة. و في
صفحه : 85
بعض النسخ «ألفظه لفظا» أي أبيّنه بيانا. والسمت الجهة والطريق وهيئة أهل الخير.« فإن لبدوا» أي قعدوا عن طلب الخلافة والجهاد ولزموا البيوت فتابعوهم ، و إن قاموا بهافانصروهم ،يقال لبد الشيء بالأرض كنصر أي التصق بها.[ و قوله عليه السّلام]« و لاتسبقوهم » أي ما لم يأمروكم به .« و لاتتأخّروا عنهم » أي لاتخالفوهم فيما يأمرونكم به .[ قوله عليه السلام ]«يراوحون » أي يسجدون بالجبهة مرّة وبالخدود أخري ، ووقوفهم علي مثل الجمر[ و هو]جمع جمرة وهي النار المتّقدة كناية عن قلقهم واضطرابهم من خوف المعاد. و«المعزي »بالكسر خلاف الضأن كالمعز. والمراد ب« بين أعينهم »جباههم مجازا.[ و]«هملت » أي سالت . و«مادوا» أي تحرّكوا واضطربوا.
نَهجٌ وَ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي ذَمّ[العُصَاةِ مِن]أَصحَابِهِ أَحمَدُ اللّهَ عَلَي مَا قَضَي مِن أَمرٍ، وَ قَدّرَ مِن فِعلٍ، وَ عَلَي ابتلِاَئيِ بِكُم أَيّتُهَا الفِرقَةُ التّيِ إِذَا أَمَرتُ لَم تُطِع، وَ إِذَا دَعَوتُ لَم تُجِب، إِن أُمهِلتُم[أُهمِلتُم]خُضتُم، وَ إِن حُورِبتُم خُرتُم، وَ إِنِ اجتَمَعَ النّاسُ عَلَي إِمَامٍ طَعَنتُم، وَ إِن أُجِبتُم[أُجِئتُم«خ ل »] إِلَي مُشَاقّةٍ نَكَصتُم، لَا أَبَا لِغَيرِكُم مَا تَنتَظِرُونَ بِنَصرِكُم، وَ الجِهَادِ عَلَي حَقّكُم المَوتَ أَوِ الذّلّ لَكُم فَوَ اللّهِ لَئِن جَاءَ يوَميِ وَ ليَأَتيِنَيّ لَيُفَرّقَنّ بيَنيِ وَ بَينَكُم، وَ أَنَا لِصُحبَتِكُم قَالٍ، وَ بِكُم غَيرُ كَثِيرٍ.
صفحه : 86
لِلّهِ أَنتُم أَ مَا دِينٌ يَجمَعُكُم، وَ لَا مَحمِيَةٌ تَشحَذُكُم أَ وَ لَيسَ عَجَباً أَنّ مُعَاوِيَةَ يَدعُو الجُفَاةَ الطّغَامَ فَيَتّبِعُونَهُ عَلَي غَيرِ مَعُونَةٍ وَ لَا عَطَاءٍ، وَ أَنَا أَدعُوكُم وَ أَنتُم تَرِيكَةُ الإِسلَامِ وَ بَقِيّةُ النّاسِ إِلَي المَعُونَةِ أَو طَائِفَةٍ مِنَ العَطَاءِ،فَتَفَرّقُونَ عنَيّ وَ تَختَلِفُونَ عَلَيّ إِنّهُ لَا يَخرُجُ إِلَيكُم مِن أمَريِ رِضًي فَتُرضُونَهُ، وَ لَا سُخطٌ فَتَجتَمِعُونَ عَلَيهِ، وَ إِنّ أَحَبّ مَا أَنَا لَاقٍ إلِيَّ المَوتُ. قَد دَارَستُكُمُ الكِتَابَ، وَ فَاتَحتُكُمُ الحِجَاجَ، وَ عَرّفتُكُم مَا أَنكَرتُم، وَ سَوّغتُكُم مَا مَجَجتُم، لَو كَانَ الأَعمَي يَلحَظُ، أَوِ النّائِمُ يَستَيقِظُ وَ أَقرِب بِقَومٍ مِنَ الجَهلِ بِاللّهِ قَائِدُهُم مُعَاوِيَةُ، وَ مُؤَدّبُهُمُ ابنُ النّابِغَةِ
توضيح [ قوله عليه السّلام]« علي ماقضي من أمر»قيل الأمر أعمّ من أن يكون فعلا، و لمّا كان القدر هوتفصيل القضاء وإيجاد الأشياء علي وفقه ، قال « وقدّر من فعل ». والابتلاء الامتحان . وأمهله أي رفق به وأخّره. و في بعض النسخ «[ إن ]أهملتم » أي تركتم ،«خضتم » أي في الضلالة والأهواء الباطلة.[ و]«خرتم »بالخاء من الخور بمعني الضّعف. أو من خوار الثّور بمعني الصياح . ويروي [«جرتم »]بالجيم ، أي عدلتم عن الحقّ أو عن الحرب فرارا. قوله عليه السّلام«أجئتم » قال ابن أبي الحديد بالهمزة الساكنة بعدالجيم المكسورة، أي ألجئتم قال تعالي «فأجاءها المخاض ». و في بعض النسخ «أجبتم » علي بناء المعلوم بالباء. والمشاقّة المقاطعة والمصارمة. والنكوص الرجوع إلي ماوراء. قوله عليه السلام « لا أبالغيركم » قال ابن ميثم أصله لاأب والألف مزيدة،إمّا لاستثقال توالي أربع حركات ، أولأنّهم قصدوا الإضافة وأتوا باللّام للتأكيد. و في الدعاء بالذلّ لغيرهم نوع تلطّف لهم .
صفحه : 87
قوله عليه السّلام«الموت أوالذّلّ» في أكثر النّسخ برفعهما، و في بعضها بالنصب . قال ابن أبي الحديد[ و هذا]دعاء عليهم بأن يصيبهم أحد الأمرين ،كأنّه شرع داعيا عليهم بالفناء الكليّ و هوالموت ، ثمّ استدرك فقال أوالذلّ لأنّه نظير الموت ، ولقد أجيب دعاؤه بالدعوة الثّانية، فإنّ شيعته ذلّوا بعده في الأيّام الأموية.أقول هذا علي الرفع ظاهر، و أمّا علي النّصب فيحتمل الدعاء أيضا بتقدير أرجو أوأطلب ، ويحتمل الاستفهام ، أي أتنتظرون الموت وقيل في قوله عليه السلام « وليأتينيّ»حشوة لطيفة بين الكلام لأنّ لفظة« إن »أكثر ماتستعمل لما لايعلم حصوله ،فأتي بعدها بما يردّ ماتقتضيه من الشكّ في إتيان الموت ، وأشعر بأنّ الموضع موضع « إذا». والقالي المبغض . قوله عليه السّلام« غيركثير» أي لستم سبب كثرة أعواني. و[ قوله عليه السلام ]«للّه أنتم » من قبيل للّه أبوك ، ولعلّه هنا للتعجّب علي سبيل الذمّ، ويحتمل المدح تلطّفا. وارتفاع قوله «دين »بفعل مقدّر يفسّرها الفعل المذكور بعده . وشحذت النصل حددته . والطغام أراذل الناس الواحد والجمع سواء. ومعونة الجند شيءيسير من المال يعطيهم الوالي لترميم أسلحتهم وإصلاح دوابّهم سوي العطاء المفروض في كلّ شهر كماقيل . ومنشأ تعجبه عليه السلام أمور أحدها أنّ الداعي لهم معاوية، ولهؤلاء أمير المؤمنين ، وكيف يساوي
صفحه : 88
عاقل بينهما وثانيها أنّ المدعوّ هناك ،الجفاة الطغام مع خلوّهم غالبا عن الحميّة والمروءة، وهاهنا أصحابه الذين هم تريكة الإسلام . وثالثها أنّ أصحاب معاوية يتّبعونه علي غيرمعونة و لاعطاء، وأصحابه عليه السلام لايجيبونه إلي المعونة والعطاء، فإنّ معاوية إنّما كان يعطي رؤساء القبائل الأموال الجليلة، و لايعطي الجند علي وجه العطاء والمعونة شيئا، وهم كانوا يطيعون الرؤساء للحميّة أوالعطايا من هؤلاء لهم . والتريكة بيضة النعامة تتركها في مجثمها، أي أنتم خلف الإسلام وبقيّته،كالبيضة التي تتركها النّعامة. و قوله [ عليه السّلام]« إلي المعونة»متعلّق ب[ قوله ]«أدعوكم ».. قوله عليه السلام « لايخرج إليكم » أي إنكم لاتقبلون مما أقول لكم شيئا،سواء كان مما يرضيكم أومما يسخطكم .« و إلي »متعلّق بقوله «أحبّ». ودرس الكتاب كنصر وضرب أي قرأ فقوله «دارستكم الكتاب » أي قرأته عليكم للتعليم ، وقرأتم عليّ للتعلّم. قوله عليه السّلام« وفاتحتكم » أي حاكمتكم بالمحاجّة والمجادلة. وساغ الشّراب في الحلق أي دخل بسهولة. ومججته من فمي أي رميت به أي بينت لكم الأمور الدينيّة ماكنتم تنكرونه بآرائكم ، وأعطيتكم من العطايا ماكنتم محرومين منها. وكلمة« لو» في قوله عليه السلام « لو كان »للتمنيّ أوالجزاء محذوف . و قوله عليه السلام « وأقرب بقوم »بصيغة التعجّب، أي ماأقربهم إلي الجهل . و قوله عليه السلام «قائدهم معاوية»صفة لقوم ،فصل بين الصفة والموصوف بالجار والمجرور، و هومجوّز. وورد مثله في الكلام المجيد.
صفحه : 89
نَهجٌ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ عِبَادَ اللّهِ،إِنّكُم وَ مَا تَأمُلُونَ مِن هَذِهِ الدّنيَا أَثوِيَاءُ مُؤَجّلُونَ، وَ مَدِينُونَ مُقتَضَونَ،أَجَلٌ مَنقُوصٌ، وَ عَمَلٌ مَحفُوظٌ،فَرُبّ دَائِبٍ مُضَيّعٌ وَ رُبّ كَادِحٍ خَاسِرٌ. وَ قَد أَصبَحتُم فِي زَمَنٍ لَا يَزدَادُ الخَيرُ فِيهِ إِلّا إِدبَاراً، وَ الشّرّ فِيهِ إِلّا إِقبَالًا، وَ الشّيطَانُ فِي هَلَاكِ النّاسِ إِلّا طَمَعاً،فَهَذَا أَوَانٌ قَوِيَت عُدّتُهُ، وَ عَمّت مَكِيدَتُهُ، وَ أَمكَنَت فَرِيسَتُهُ.اضرِب بِطَرفِكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ النّاسِ،فَهَل تُبصِرُ إِلّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقراً، أَو غَنِيّاً بَدّلَ نِعمَةَ اللّهِ كُفراً، أَو بَخِيلًا اتّخَذَ البُخلَ بِحَقّ اللّهِ وَفراً، أَو مُتَمَرّداً كَأَنّ بِأُذُنِهِ عَن سَمعِ المَوَاعِظِ وَقراً أَينَ خِيَارُكُم وَ صُلَحَاؤُكُم وَ أَينَ أَحرَارُكُم وَ سُمَحَاؤُكُم وَ أَينَ المُتَوَرّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِم، وَ المُتَنَزّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِم أَ لَيسَ قَد ظَعَنُوا جَمِيعاً عَن هَذِهِ الدّنيَا الدّنِيّةِ وَ العَاجِلَةِ المُنَغّصَةِ وَ هَل خُلّفتُم إِلّا فِي حُثَالَةٍ لَا تلَتقَيِ بِذَمّهِمُ الشّفَتَانِ استِصغَاراً لِقَدرِهِم، وَ ذَهَاباً عَن ذِكرِهِم فَإِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيهِ راجِعُونَ.ظَهَرَ الفَسَادُ فَلَا مُنكِرٌ مُغَيّرٌ، وَ لَا زَاجِرٌ مُزدَجِرٌ. أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَن تُجَاوِرُوا اللّهَ فِي دَارِ قُدسِهِ، وَ تَكُونُوا أَعَزّ أَولِيَائِهِ عِندَهُ هَيهَاتَ لَا يُخدَعُ اللّهُ عَن جَنّتِهِ، وَ لَا تُنَالُ مَرضَاتُهُ إِلّا بِطَاعَتِهِ.لَعَنَ اللّهُ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ التّارِكِينَ لَهُ، وَ النّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ العَامِلِينَ بِهِ.
بيان الأثوياء جمع ثوي و هوالضّيف.[ و]«مؤجّلون» أي مؤخّرون إلي وقت معلوم . و«المدين »المديون . و«المقتضون ».جمع مقتضي علي بناء المفعول .
صفحه : 90
[ قوله عليه السلام ]«أجل منقوص » أي أجلكم أجل منقوص يوما بعد يوم ، ولحظة فلحظة، وعملكم عمل محفوظ عند اللّه. والدائب المجتهد ذو الجدّ والتعب . و«الكادح »الساعي. و«أمكنت » أي أمكنته ،يقال أمكنني الأمر أي سهل وتيسّر. وكابده مكابدة أي قاساه وتحمّل المشاقّ فيه . وذكره في هذاالمقام ،إمّا لأنّ الغرض بيان ماسبق من إدبار الخير وإقبال الشرّ وعموم الضلال ومقاساة الفقراء بيان للأولين ،فالخير والشرّ يعمّان الدنيويّين والأخرويّين. وإمّا لأنّ شيوع الفقر لمنع الحقوق الواجبة، أوالمراد بمكابدة الفقر ترك الصبر عليه و هوأيضا من المنكرات .[ قوله عليه السلام ]«بدّل نعمة اللّه» أي الغني . أوولايته عليه السلام . والتخصيص لشدّة إنكارهم لقوتهم أوالأعمّ. والوفر المال الكثير. و قوله [ عليه السلام ]«بحقّ اللّه»متعلّق ب[ قوله ]«البخل » أي يعدّ بخله بحقّ اللّه توفير المال والزيادة فيه . والوقر ثقل الأذن .«أين أحراركم » أي الّذين أعتقوا من رقّ الشهوات . والتورّع.مبالغة في الورع . والتّنزّه التباعد عن القبيح . وظعن كمنع أي سار وارتحل . وأنغص اللّه عليه العيش ونغّصه كدّره والحثالة الردّيء من كل شيء.[ قوله عليه السّلام]« لاتلتقي بذمّهم» أي إنّهم أحقر من أن يشتغل الإنسان بذمّهم لأنّه لابدّ من الذمّ من إطباق إحدي الشّفتين علي الأخري و«ذهابا» أي ترفّعا يقال فلان ذهب بنفسه عن كذا، أي رفعها عنه .« و لازاجر مزدجر» أي من يزجر غيره عن القبائح وتمتنع نفسه أيضا عنها.[ قوله ]« في دار قدسه » أي الجنّة لأنّ أهلها يقدّسونه تعالي وهم منزّهون
صفحه : 91
عن العيوب . ومجاورة اللّه سكون تلك الدّار المنسوبة إليه سبحانه تشريفا. وقربه مجاورة رحمته .«هيهات » أي بعد ماتريدون .« لايخدع اللّه عن جنّته» أي لايمكن أخذها منه تعالي بالخديعة. والمرضاة الرّضا. وآخر الكلام يدلّ علي اشتراط الأمر بالمعروف والنهّي عن المنكر بالعمل بهما، وسيأتي الكلام فيه في محلّه إن شاء اللّه. ولعلّ غرضه عليه السّلام التّعريض بالسابقين الغاصبين .
941-نَهجٌ [ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أَرسَلَهُ دَاعِياً إِلَي الحَقّ، وَ شَاهِداً عَلَي الخَلقِ فَبَلّغَ رِسَالَاتِ رَبّهِ غَيرَ وَانٍ وَ لَا مُقَصّرٍ، وَ جَاهَدَ فِي اللّهِ أَعدَاءَهُ غَيرَ وَاهِنٍ وَ لَا مُعَذّرٍ،[فَهُوَ]إِمَامُ مَنِ اتّقَي، وَ بَصَرُ مَنِ اهتَدَي.[ وَ]مِنهَا وَ لَو تَعلَمُونَ مَا أَعلَمُ مِمّا طوُيَِ عَنكُم غَيبُهُ، إِذاً لَخَرَجتُم إِلَي الصّعُدَاتِ تَبكُونَ عَلَي أَعمَالِكُم، وَ تَلتَدِمُونَ عَلَي أَنفُسِكُم، وَ لَتَرَكتُم أَموَالَكُم لَا حَارِسَ لَهَا وَ لَا خَالِفَ عَلَيهَا وَ لَهَمّت كُلّ امرِئٍ مِنكُم نَفسُهُ لَا يَلتَفِتُ إِلَي غَيرِهَا. وَ لَكِنّكُم نَسِيتُم مَا ذُكّرتُم، وَ أَمِنتُم مَا حُذّرتُم،فَتَاهَ عَنكُم رَأيُكُم وَ تَشَتّتَ عَلَيكُم أَمرُكُم.لَوَدِدتُ أَنّ اللّهَ فَرّقَ بيَنيِ وَ بَينَكُم، وَ ألَحقَنَيِ بِمَن هُوَ أَحَقّ بيِ مِنكُم،قَومٌ وَ اللّهِ مَيَامِينُ الرأّيِ،مَرَاجِيحُ الحِلمِ،مَقَاوِيلُ بِالحَقّ،مَتَارِيكُ للِبغَيِ مَضَوا قُدُماً عَلَي الطّرِيقَةِ، وَ أَوجَفُوا عَلَي المَحَجّةِ،فَظَفِرُوا بِالعُقبَي الدّائِمَةِ وَ الكَرَامَةِ البَارِدَةِ. أَمَا وَ اللّهِ لَيُسَلّطَنّ عَلَيكُم غُلَامُ ثَقِيفٍ،الذّيّالُ المَيّالُ،يَأكُلُ خَضِرَتَكُم، وَ يُذِيبُ شَحمَتَكُم،إِيهٍ أَبَا وَذَحَةَ
صفحه : 92
قال السّيّد رحمه اللّه الوذحة الخنفساء، و هذاالقول يومئ به إلي الحجاج و له مع الوذحة حديث ليس هذاموضع ذكره .توضيح الواني الفاتر الكال . والواهن الضّعيف. والمعذّر ألذي يعتذر من تقصيره من غيرعذر كما قال تعالي «وَ جاءَ المُعَذّرُونَ مِنَ الأَعرابِ»[90-التّوبة 9].[ قوله عليه السلام ]«مما طوي عنكم » أي كتم وأخفي. و قال [ ابن الأثير] في [مادّة«صعد» من كتاب ]النهاية[ و] فيه «إيّاكم والقعود بالصعدات »هي الطرق ، وهي جمع صعد وصعد جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات . وقيل جمع صعدة كظلمة، وهي فناء باب الدّار وممّر النّاس بين يديه . و منه الحديث « ولخرجتم إلي الصّعدات تجأرون إلي اللّه». و قال ابن أبي الحديد الصعيد التراب . ويقال وجه الأرض . والجمع صعد وصعدات . و[ قال الفيروزآبادي] في القاموس الصعيد التراب أووجه الأرض ، والجمع صعد وصعدات ، والطريق ، و منه «إيّاكم والقعود بالصّعدات». والقبر.انتهي .فالمعني خرجتم عن البيوت وتركتم الاستراحة والجلوس علي الفرش ،للقلق والانزعاج ، وجلستم في الطّريق أو علي التراب أولازمتم القبور. والالتدام ضرب النّساء وجوههنّ في النّياحة. قوله عليه السلام « و لاخالف » أي و لامستخلف عليها. قوله عليه السلام « ولهمّت» قال ابن أبي الحديد أي أذابته وأنحلته من [قولهم ]هممت الشحم أي أذبته .
صفحه : 93
ويروي « ولأهمّت» و هوأصحّ من [قولهم ]أهمنّي الأمر أي أحزنني. و فيه نظر لأنّ«همّ»أيضا يكون بمعني «أهمّ». قال [الفيروزآبادي] في القاموس همّه الأمر همّا حزنه ،كأهمّه فاهتمّ انتهي . و[كلمة]« كلّ»منصوب علي المفعولية والفاعل [لفظة]«نفسه ». ويقال تاه فلان يتيه ، إذاتحيّر وضلّ. وتاه يتوه أي هلك واضطرب عقله . وتشتّت أي تفرّق. والمراد بمن هوأحقّ به عليه السّلام[ هو] رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، وحمزة و جعفر، و من لم يفارق الحق من الصحابة. والمراجيح الحكماء. و قال الجوهري راجحته فرجحته أي كنت أرزن منه ، و منه قوم مراجيح الحلم .انتهي . والمقاويل جمع مقوال أي حسن القول أوكثيره . والمتاريك جمع متراك أي كثير الترك . قوله عليه السلام «مضوا قدما»بالضمّ وبضمّتين أي متقدّمين لاينثنون . و«أوجفوا» أي أسرعوا. و«الكرامة الباردة»[هي]التّي ليس فيهاحرّ تعب ، و لامشقّة حرب . و«الذّيال» هو ألذي يجرّ ذيله علي الأرض تبخترا،يقال ذال فلان وتذيّل أي تبختر. و«الميّال»الظّالم. قوله عليه السلام «يأكل خضرتكم » أي يستأصل أموالكم . و«الخضرة»بفتح الخاء وكسر الضاد الزرع والبقلة الخضراء والغصن . وإذابة الشحمة مثله كماقيل والمراد تعذيب الأبدان . قوله عليه السّلام«إيه أباوذحة»إيه كلمة استزادة أي زد وهات . و قال ابن أبي الحديد في قول السيّد«الوذحة الخنفساء»
صفحه : 94
أقول لم أسمع هذا من شيخ من أهل اللّغة، و لاوجدته في كتاب من كتب اللّغة، والمشهور أنّ الوذح [ هو] مايتعلّق بأذناب الشّاة من أبعارها فيجفّ. ثمّ إنّ المفسّرين بعدالرضي رضي اللّه عنه قالوا في قصّة هذاالخنفساء وجوها منها أنّ الحجّاج رأي خنفساء تدبّ إلي مصلّاه فطردها،فعادت ، ثمّ طردها فعادت ،فأخذها بيده فقرصته قرصا،ورمت يده منه ورما كانت فيه حتفه .قتله اللّه تعالي بأهون خلقه ، كماقتل نمرود بن كنعان بالبقّة. ومنها أنّ الحجاج كان إذارأي خنفساء،يأمر بإبعادها و يقول هذه وذحة من وذح الشيطان ،تشبيها بالبعرة المعلّقة بذنب الشاة. ومنها أنّه قدرأي خنفساوات مجتمعات ، فقال وا عجبا لمن يقول إنّ اللّه خلق هذه .قيل فمن خلقها أيّها الأمير قال الشّيطان، إنّ ربكم لأعظم شأنا من أن يخلق هذه الوذح .قالوا فجمعها علي «فعل »كبدنة وبدن ،فنقل قوله هذا إلي الفقهاء في عصره فأكفروه . ومنها أنّ الحجّاج كان مثفارا أي ذا أبنة، و كان يمسك الخنفساء حيّة ليشفي بحركتها في الموضع حكاكه . وقالوا و لا يكون صاحب هذاالدّاء إلّا شانئا مبغضا لأهل البيت عليهم السلام .قالوا ولسنا نقول كلّ مبغض فيه هذاالدّاء،بل [نقول ] كلّ من فيه هذاالدّاء فهو مبغض .قالوا و قدروي أبوعمر الزاهد و لم يكن من رجال الشيعة في أماليه وأحاديثه عن السيّاري، عن أبي خزيمة الكاتب قال مافتّشنا أحدا فيه هذاالداء، إلّا وجدناه ناصبيا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَ أخَبرَنَيِ العطَاّفيِّ عَن رِجَالِهِ،قَالُواسُئِلَ جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ
صفحه : 95
الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ عَن هَذَا الصّنفِ مِنَ النّاسِ، فَقَالَ لَهُم رَحِمٌ مَنكُوسَةٌ،يُؤتَي وَ لَا يأَتيِ. وَ مَا كَانَت هَذِهِ الخَصلَةُ فِي ولَيِّ اللّهِ تَعَالَي أَبَداً قَطّ، وَ لَا تَكُونُ أَبَداً وَ إِنّمَا كَانَت فِي الفُسّاقِ وَ الكُفّارِ وَ النّاصِبِ لِلطّاهِرِينَ.
و كان أبوجهل بن هشام المخزومي من القوم ، و كان أشدّ الناس عداوة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله .قالوا ولذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر يامصفّر استه .[ ثم قال ابن أبي الحديد] ويغلب علي ظنيّ أنّه[ عليه السلام أراد]معني آخر، و ذلك أنّ عادة العرب أن تكنيّ الإنسان إذاأرادت تعظيمه بما هومظنّة التّعظيم، و إذاأرادت تحقيره [كنّته]بما يستحقر ويستهان به ،كقولهم في كنية يزيد بن معاوية لعنه اللّه أبوزنّة،يعنون القرد. وكقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدّث أبوالفأر. وكقولهم للطفيلي أبولقمة. وكقولهم لعبد الملك أبوالذبّان لبخره . وكقول ابن بسّام لبعض الرؤساء
فأنت لعمري أبو جعفر | ولكنّنا نحذف الفاء منه |
و قال أيضا
لئيم درن الثوب | نظيف القصب والقدر |
أبوالنتن أبوالدفر | أبوالبعر أبوالجعر |
فلنجاسته بالذّنوب والمعاصي،كنّاه أمير المؤمنين عليه السلام أباوذحة. ويمكن أن يكنّيه بذلك لدمامته في نفسه ، وحقارة منظره ، وتشويه خلقته ،فإنّه كان دميما قصيرا سخيفا،أخفش العينين معوّج الساقين قصير الساعدين ،مجدور الوجه أصلع الرأس ،فكنّاه بأحقر الأشياء و هوالبعرة. و قدروي قوم [ هذه اللّفظة بصيغة أخري ،قالوا]«إيه أباودجة»قالوا[هي]واحدة الأوداج كنّاه بذلك لأنّه كان قتّالا يقطع الأوداج بالسيف . ورواه قوم « أباوحرة»[بالراء المهملة] وهي دويبة تشبه الحرباء قصير الظهر،شبّهه بها.
صفحه : 96
[ ثمّ قال ابن أبي الحديد] و هذا و ماقبله ضعيف . وأقول الذبّان بكسر الذال وتشديد الباء جمع الذباب ، و من عادته أن يجلس علي المنتن . والقعب بالفتح القدح الضخم . والدفر بالمهملة ثم الفاء النتن والذلّ. وبالقاف مصدر دقر كفرح ، إذاامتلأ من الطعام . والجعفر[الجعر]بالفتح مايبس من العذرة في المعجز أي الدّبر.
نَهجٌ[ وَ] مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد جَمَعَ النّاسَ وَ حَضّهُم عَلَي الجِهَادِ،فَسَكَتُوا مَلِيّاً، فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا بَالُكُم أَ مُخرَسُونَ أَنتُم فَقَالَ قَومٌ مِنهُم يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِن سِرتَ سِرنَا مَعَكَ فَقَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] مَا بَالُكُم لَا سُدّدتُم لِرُشدٍ وَ لَا هُدِيتُم لِقَصدٍ أَ فِي مِثلِ هَذَا ينَبغَيِ لِي أَن أَخرُجَ وَ إِنّمَا يَخرُجُ فِي مِثلِ هَذَا رَجُلٌ مِمّن أَرضَاهُ مِن شُجعَانِكُم وَ ذوَيِ بَأسِكُم، وَ لَا ينَبغَيِ لِي أَن أَدَعَ الجُندَ وَ المِصرَ وَ بَيتَ المَالِ وَ جِبَايَةَ الخَرَاجِ وَ القَضَاءَ بَينَ المُسلِمِينَ وَ النّظَرَ فِي حُقُوقِ المُسلِمِينَ[المُطَالِبِينَ«خ ل »] ثُمّ أَخرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتبَعُ أُخرَي،أَتَقَلقَلُ تَقَلقُلَ القِدحِ فِي الجَفِيرِ الفَارِغِ، وَ إِنّمَا أَنَا قُطبُ الرّحَي تَدُورُ عَلَيّ، وَ أَنَا بمِكَاَنيِ، فَإِذَا فَارَقتُهُ استَحَارَ مَدَارُهَا، وَ اضطَرَبَ ثِفَالُهَا، هَذَا لَعَمرُ اللّهِ الرأّيُ السّوءُ. وَ اللّهِ لَو لَا رجَاَئيِ الشّهَادَةَ عِندَ لقِاَئيِ العَدُوّ لَو قَد حُمّ لِي لِقَاؤُهُ لَقَرّبتُ ركِاَبيِ، ثُمّ شَخَصتُ عَنكُم فَلَا أَطلُبُكُم مَا اختَلَفَ جَنُوبٌ وَ شَمَالٌ.[طَعّانِينَ عَيّابِينَ حَيّادِينَ رَوّاغِينَ].إِنّهُ لَا غَنَاءَ فِي كَثرَةِ عَدَدِكُم مَعَ قِلّةِ اجتِمَاعِ قُلُوبِكُم.
صفحه : 97
لَقَد حَمَلتُكُم عَلَي الطّرِيقِ الوَاضِحِ التّيِ لَا يَهلِكُ عَلَيهَا إِلّا هَالِكٌ، مَنِ استَقَامَ فَإِلَي الجَنّةِ وَ مَن زَلّ فَإِلَي النّارِ.
[بيان ] قال ابن أبي الحديد[ و هذاكلام ]قاله [ أمير المؤمنين ] عليه السّلام، في بعض غارات أهل الشام علي أطراف العراق ، عندانقضاء أمر صفّين والنّهروان. قوله «مليّا» أي ساعة طويلة.[ و] قوله عليه السّلام« لاسددتم »بالتخفيف والتشديد دعاء عليهم بعدم السداد والاستقامة لما فيه رشدهم وصلاحهم . والقصد من الأمور المعتدل ألذي لايميل إلي أحد طرفي الإفراط والتفريط. والشّجعاء جمع شجيع . و في بعض النسخ «شجعانكم » و هوبالضمّ والكسر جمع شجاع . والبأس الشجاعة. والكتيبة القطعة العظيمة من الجيش . والتقلقل التحرّك. والقدح بالكسر السهم . والجفير الكنانة. وقيل وعاء السهام أوسع من الكنانة. والغرض [ من هذا]التشبيه ، في اضطراب الحال والانفصال عن الجنود والأعوان ،بالقدح ألذي لا يكون حوله قداح تمنعه من التقلقل و لايستقرّ في مكانه .« واستحار مدارها» أي اضطرب . والمدار هنا مصدر.كذا ذكره ابن أبي الحديد، و لم نجده بهذا المعني في اللّغة.[ و] قال الجوهري المستحير سحاب ثقيل متردّد ليس له ريح تسوقه .فالأنسب أن يكون [كلامه عليه السلام ]كناية عن الوقوف عن الحركة. والثفال الجلد ألذي يوضع عليه الرحي ليسقط عليه الدقيق ويسمّي
صفحه : 98
الحجر الأسفل من حجري الرحي أيضا ثفالا، ولعلّه أنسب . قوله عليه السلام « لو قدحمّ لي » علي [بناء]المجهول أي قضي وقدّر. والركاب الإبل التي يسار عليها. وشخوص المسافر خروجه . والاختلاف التردّد. ويحتمل [أيضا]المخالفة. والغناء بالفتح والمدّ النفع .[ قوله عليه السلام ]« لايهلك عليها» أي كائنا عليها أوسببها. والطريق يذكّر ويؤنّث.[ و قوله ]« من استقام » أي اعتزل ولزم الطريق الواضح .« و من زلّ» أي زلق وعدل عن الطريق .
نَهجٌ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُأَيّهَا النّاسُ إِنّا قَد أَصبَحنَا فِي دَهرٍ عَنُودٍ، وَ زَمَنٍ شَدِيدٍ،يُعَدّ فِيهِ المُحسِنُ مُسِيئاً، وَ يَزدَادُ الظّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لَا نَنتَفِعُ بِمَا عَلِمنَا، وَ لَا نَسأَلُ عَمّا جَهِلنَا، وَ لَا نَتَخَوّفُ قَارِعَةً حَتّي تَحُلّ بِنَا،فَالنّاسُ عَلَي أَربَعَةِ أَصنَافٍ مِنهُم مَن لَا يَمنَعُهُ الفَسَادَ فِي الأَرضِ، إِلّا مَهَانَةُ نَفسِهِ وَ كَلَالَةُ حَدّهِ وَ نَضِيضُ وَفرِهِ. وَ مِنهُمُ المُصلِتُ بِسَيفِهِ وَ المُعلِنُ بِشَرّهِ[بِسِرّهِ«خ »] وَ المُجلِبُ بِخَيلِهِ وَ رَجِلِهِ، قَد أَشرَطَ نَفسَهُ وَ أَوبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنتَهِزُهُ، أَو مِقنَبٍ يَقُودُهُ، أَو مِنبَرٍ يَفرَعُهُ، وَ لَبِئسَ المَتجَرُ أَن تَرَي الدّنيَا لِنَفسِكَ ثَمَناً، وَ مِمّا لَكَ عِندَ اللّهِ عِوَضاً. وَ مِنهُم مَن يَطلُبُ الدّنيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَ لَا يَطلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدّنيَا. قَد طَأمَنَ مِن شَخصِهِ، وَ قَارَبَ مِن خَطوِهِ، وَ شَمّرَ مِن ثَوبِهِ، وَ زَخرَفَ مِن نَفسِهِ لِلأَمَانَةِ، وَ اتّخَذَ سِترَ اللّهِ ذَرِيعَةً إِلَي المَعصِيَةِ. وَ مِنهُم مَن أَقعَدَهُ عَن طَلَبِ المُلكِ ضُئُولَةُ نَفسِهِ، وَ انقِطَاعُ سَبَبِهِ،فَقَصَرَتهُ
صفحه : 99
الحَالُ عَلَي[ عَن«خ »]حَالِهِ،فَتَحَلّي بِاسمِ القَنَاعَةِ وَ تَزَيّنَ بِلِبَاسِ أَهلِ الزّهَادَةِ، وَ لَيسَ مِن ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَ لَا مَغدًي. وَ بقَيَِ رِجَالٌ غَضّ أَبصَارَهُم ذِكرُ المَرجِعِ، وَ أَرَاقَ دُمُوعَهُم خَوفُ المَحشَرِ،فَهُم بَينَ شَرِيدٍ نَادّ، وَ خَائِفٍ مَقمُوعٍ، وَ سَاكِتٍ مَكعُومٍ، وَ دَاعٍ مُخلِصٍ، وَ ثَكلَانَ مُوجَعٍ، قَد أَخمَلَتهُمُ التّقِيّةُ، وَ شَمِلَتهُمُ الذّلّةُ.فَهُم فِي بَحرٍ أُجَاجٍ،أَفوَاهُهُم ضَامِزَةٌ وَ قُلُوبُهُم قَرِحَةٌ، قَد وَعَظُوا حَتّي مَلّوا، وَ قُهِرُوا حَتّي ذَلّوا، وَ قُتِلُوا حَتّي قَلّوا.فَلتَكُنِ الدّنيَا أَصغَرَ فِي أَعيُنِكُم مِن حُثَالَةِ القَرَظِ وَ قُرَاضَةِ الجَلَمِ، وَ اتّعِظُوا بِمَن كَانَ قَبلَكُم قَبلَ أَن يَتّعِظَ بِكُم مَن بَعدَكُم، وَ ارفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنّهَا قَد رَفَضَت مَن كَانَ أَشغَفَ بِهِ مِنكُم.
[بيان ] عند عن الطريق كنصر عدل ومال . والعنود فعول بمعني فاعل . وقيل مفاعل . والزمن اسم لقليل الوقت وكثيره . وقيل الشديد بمعني البخيل . و في بعض النسخ « وزمن كنود» و هوالكفور. وقيل اللّوام. ووصف الزمان بتلك الأوصاف توصيف لأهله . وعدّ المحسن مسيئا،إمّا لعدم الإذعان بالحقّ، أولحملهم الأفعال الجميلة علي المحامل القبيحة،كزعم العابد مرائيا. والعتوّ الاستكبار ومجاوزة الحدّ. قوله عليه السّلام« لاننتفع »التعبير بلفظ المتكلّم مع الغير، من قبيل «إيّاك أعني واسمعي ياجارة» وعدم الانتفاع بالعلم لترك العمل ، وعدم السؤال لعدم العلم بفضله مع عدم الرغبة في العمل به . والقارعة الخطب العظيم والداهية. ومهانة النفس حقارتها.[مشتقّة] من «مهن » أو«هان ». و كلّ حدّ السيف وغيره ، إذاوقف عن القطع .
صفحه : 100
[ قوله عليه السلام ]« ونضيض وفره » أيّ قلّة ماله . و هذاالقسم هم المريدون للدنيا غيرالقادرين عليها. والمجلب اسم فاعل من أجلب عليهم أي تجمّع وتألّب. وكذلك إذاصاح به واستحثّه. وأجلبه أي أعانه . و الرجل جمع راجل .« قدأشرط نفسه » أي هيّأها وأعدّها للفساد في الأرض . والحطام المال وأصله ماتكسّر من اليبس . والانتهاز الاختلاس والاستلاب بقدر الإمكان . والمقنب بكسر الميم وفتح النون الجمع من الخيل ما بين الثلاثين إلي الأربعين .[ و]«يفرعه » أي يعلوه . وعمل الدّنيا مايفعله المكلّف فيها أو مايصير بانضمام القربة والتوصّل به إلي الطاعة طاعة.« و قدطأمن » أي خفض . ويقال طأمن منه أي سكنه .« وقارب من خطوه » أي لم يسرّع ومشي رويدا.« وشمّر»[ من ثوبه ]» أي قصّر ثوبه أورفعه إظهار لمتابعة السنّة.« وزخرف » أي زيّن[نفسه ]للأمانة، أي لأن يجعلوه أمينا علي أموالهم وأعراضهم ويحتمل تعلّقه بالأخير وبالجميع .[ قوله عليه السّلام]« واتخذ ستر اللّه» أي التقوي والعمل بشرائع الدّين، فإنّ اللّه حرّم تتبّع عورات من ظاهره الصلاح وذكر عيوبه . قال الكيدري في كتاب المضاف والمنسوب ستر اللّه الإسلام ، والشيب ، والكعبة، وضمائر صدور الناس .يعني جعل ظاهر الإسلام و مايجنّه صدره ،بحيث لايطّلع عليه مخلوق وسيلة وطريقا إلي معصية اللّه.انتهي . وأقول يحتمل أن يكون المراد أنّه اتّخذ ستر اللّه علي عيوبه ،حيث لم يفضحه و لم يطلع الناس علي بواطنه ،ذريعة إلي أن يخدع الناس . والضئولة الحقارة. والسبب الحبل ، و مايتوصّل به إلي غيره . والمراح
صفحه : 101
المكان ألذي تأوي إليه الماشية في اللّيل. والمغدي ماتأوي إليه بالغداة ولعلّ المعني ليس يومه كيومهم في الصوم وغيره ، و لاليله كليلهم في العبادات . والمرجع بكسر الجيم مصدر أواسم مكان ، والمراد به من إليه مصير العباد أوالقيامة أوالرجوع إليهما.[ والمراد من قوله عليه السلام «غضّ أبصارهم ذكر المرجع هو]غضّ البصر عن المعاصي، أوالأعمّ لخشوعهم ، أوللحياء، أو[غضّهم]أبصار قلوبهم عمّا سوي اللّه. والشريد الطريد. والنّادّ المنفرد والمراد به المتوحّش من الناس الذاهب في الأرض ،إمّا لعدم صبره علي رؤية المنكرات ، أولكثرة أذي الظالمين في الأوطان لإنكاره المنكر وأشباه ذلك . وقمعه ضربه بالمقمعة وقهره وذلّله. والمكعوم ألّذي لايمكنه الكلام ،كأن شدّ فوه من التقيّة بالكعام ألذي يجعل في فم البعير عندالهياج . والثكل الحزن علي فقد الأقارب . ولعلّ المعني أنّ بعضهم ترك الأوطان أومجامع الناس لماذكر، وبعضهم لم يترك ذلك ، وينكر منكرا ثمّ يخاف مما يجري عليه بعد ذلك ، ومنهم من هوبينهم و لاينهاهم تقيّة ومعرض عنهم ومشتغل بالدعاء، ومنهم من هوبينهم بالضرورة ويري أعمالهم و لايؤثّر نهيه فيهم ،فهو كالثكلان الموجع . وخمل ذكره وصوته خفي.[ قوله عليه السلام ]«فهم في بحر أجاج »كناية عن عدم استمتاعهم بالدنيا،كالسابح في ماء مالح ،فإنّه لايمكنه التروي منه وشربه و إن بلغ غاية العطش .[ قوله عليه السلام ]«أفواههم ضامزة»بالزاي المعجمة، أي ساكنة. أو
صفحه : 102
بالراء المهملة كناية عن صومهم وعدم أكلهم من المحرّمات والشبهات . قال الكيدري أي ساترة خفيّة من الضمير. ويروي بالزاّي أي مشدودة بالسكوت .« وقلوبهم قرحة»لكثرة المنكرات مع عدم تمكّنهم من إنكارها، أولخوفهم من اللّه أو من الناس . و«القرض »ورق السلم يدبغ به . وحثالته مايسقط منه . و«الحلم »المقصّ يجزّ به أوبار الإبل . وقراضته مايسقط من قرضه وقطعه .[ قوله عليه السلام ]« وارفضوها ذميمة» أي اتركوا ماحاله الحقارة. والذمامة. والشغف الحب الشديد.
نَهجٌ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ الوَفَاءَ تَوأَمُ الصّدقِ، وَ لَا أَعلَمُ جُنّةً أَوقَي مِنهُ، وَ لَا يَغدِرُ مَن عَلِمَ كَيفَ المَرجِعُ. وَ لَقَد أَصبَحنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتّخَذَ أَكثَرُ أَهلِهِ الغَدرَ كَيساً، وَ نَسَبَهُم أَهلُ الجَهلِ فِيهِ إِلَي حُسنِ الحِيلَةِ. مَا لَهُم قَاتَلَهُمُ اللّهُ قَد يَرَي الحُوّلُ القُلّبُ وَجهَ الحِيلَةِ، وَ دُونَهُ مَانِعٌ مِن أَمرِ اللّهِ وَ نَهيِهِ فَيَدَعُهَا رأَيَ عَينٍ بَعدَ القُدرَةِ عَلَيهَا، وَ يَنتَهِزُ فُرصَتَهَا مَن لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدّينِ.
بيان الوفاء لزوم العهد والبقاء عليه كماينبغي و يكون في الأفعال والأقوال . والصّدق يعمّ العهد وغيره فبينهما عموم من وجه .
صفحه : 103
و قديقال الوفاء في الإنشاء[خاصّة] والصّدق في الأخبار، و لايجتمعان . ويردّه صادق الوعد و إن كان مجازا، والمراد تلازمهما غالبا مع تشاركهما في الفضل ، وترتّب الآثار الحسنة. و«المرجع »مصدر، أي الرجوع إلي اللّه. أواسم مكان . والكيس الفطنة والذكاء. والضمير في « فيه »راجع إلي الزمان أوالغدر. و«الحوّل القلّب» هو ألذي كثر تحوّله وتقلّبه في الأمور وجرّبها وعرف وجوهها. والوجه الجهة. والضّمير في [ قوله ]«دونه »يعود إليه أي قبل الوصول إليه . أو إلي «الحوّل» أي أمامه . و في بعض النّسخ«دونها»فيعود إلي الحيلة.«رأي عين » أي رؤية معاينة فهو منصوب علي المصدر من [ قوله ]«يدع »بتقدير موصوف أي يتركها تركا معاينا غيرناش عن غفلة، أو[منصوب ] علي الحاليّة أي حال كونها مرئيّة له . وجوّز بعضهم في قوله تعالي «يَرَونَهُم مِثلَيهِم رأَيَ العَينِ»[13-آل عمران 3] أن يكون ظرف مكان . والحريجة التحرّج، و هوالتحرّز من الحرج والإثم . وقيل الحريجة التقوي .
نَهجٌ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي ذَمّ أَهلِ العِرَاقِ أَمّا بَعدُ يَا أَهلَ العِرَاقِ،فَإِنّمَا أَنتُم كَالمَرأَةِ الحَامِلِ،حَمَلَت فَلَمّا أَتَمّت أَملَصَت وَ مَاتَ قَيّمُهَا، وَ طَالَ تَأَيّمُهَا وَ وَرِثَهَا أَبعَدُهَا. أَمَا وَ اللّهِ مَا أَتَيتُكُمُ اختِيَاراً، وَ لَكِن جِئتُ إِلَيكُم سَوقاً. وَ لَقَد بلَغَنَيِ أَنّكُم تَقُولُونَ« عَلِيّ يَكذِبُ»،قَاتَلَكُمُ اللّهُ فَعَلَي مَن أَكذِبُ أَ عَلَي اللّهِ فَأَنَا أَوّلُ مَن
صفحه : 104
آمَنَ بِهِ أَم عَلَي نَبِيّهِ فَأَنَا أَوّلُ مَن صَدّقَهُ كَلّا وَ اللّهِ، وَ لَكِنّهَا لَهجَةٌ غِبتُم عَنهَا وَ لَم تَكُونُوا مِن أَهلِهَا،وَيلُ أُمّهِ كَيلًا بِغَيرِ ثَمَنٍ لَو كَانَ لَهُ وِعَاءٌوَ لَتَعلَمُنّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ.
توضيح «أملصت »ألقت ولدها ميّتا. والمملاص معتادته . وقيّم المرأة زوجها لأنّه يقوم بأمرها. وتأيّم المرأة خلوّها من الزوج . و[ قوله عليه السلام ]«[ وورثها]أبعدها» أي من لم يكن له قرابة الولد ونحوه . والتشبيه بالمرأة الموصوفة لأنّهم تحمّلوا مشاقّ الحرب ، فلمّا قرب الظّفر رضوا بالتحكيم وحرموا الظفر، وصار بعضهم خوارج وبعضهم شكّاكا. والمراد بالسّوق الاضطراري،كأنّ القضاء ساقه عليه السلام إليهم ،فإنّه خرج لقتال أهل الجمل ، واحتاج إلي الاستنصار بأهل الكوفة، واتّصلت تلك الفتن بفتنة أهل الشام ،فاضطرّ إلي المقام بينهم . و في بعض النّسخ« و لاجئتكم شوقا». و«قاتلكم اللّه» أي قتلكم اللّه أولعنكم اللّه. و«كلّا»للرّدع والإنكار. أوبمعني حقّا. واللّهجة اللّسان، ويتجوّز بها عن الكلام . والمراد إمّا لهجته عليه السلام أي [ إنّ] ماأخبركم به أمور غابت عقولكم الضعيفة عن إدراكها ولستم أهلا لفهمها. أولهجة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وسلّم أي سمعت كلامه صلّي اللّه عليه وآله ، و لم تسمعوه و لوسمعتموه لم تكونوا من أهله . والويل حلول الشرّ[ أ] وكلمة عذاب ، أوواد في جهنّم. وإضافته إلي
صفحه : 105
الأمّ،دعاء عليها بأن تصاب بأولادها، من قبيل «ثكلته أمّه». والضمير[ في «أمّه»]راجع إلي المكذّب. وقيل [الضمير راجع ] إلي مادلّ عليه الكلام من العلم ألذي خصّه به الرسول صلّي اللّه عليه وآله . ويقال هذه الكلمة قدتطلق للتّعجّب والاستعظام ،يقال ويل أمّه فارسا، ومرادهم التعظيم والمدح . و«كيلا»انتصب لأنّه مصدر في موضع الحال أوتمييز أي أناأكيل لكم العلم والحكمة كيلا، و لاأطلب لذلك ثمنا لووجدت حاملا للعلم . وقيل الكلمة تستعمل للتّرحم والتعجب ، والضمير راجع إلي الجاهل المكذّب،فالمفاد التّرحّم عليهم لجهلهم ، أوالتّعجّب من قوّة جهلهم ، أو من كثرة كيله للحكم عليهم مع إعراضهم عنها. و قال [ ابن الأثير في مادّة«ويل » من كتاب ]النهاية قديرد الويل بمعني التعجّب. و منه الحديث «ويل أمّه مسعر حرب »تعجّبا من شجاعته وجرأته وإقدامه ، و منه حديث علي عليه السّلام« ويلمّه كيلا بغير ثمن لو أنّ له وعاء» أي يكيل العلوم الجّمة بلا عوض ، إلّا أنّه لايصادف واعيا. وقيل «وي»كلمة مفردة.[« ولأمّه»أيضا كلمة مفردة] وهي كلمة تفجّع وتعجّب، وحذفت الهمزة من «أمّه»تخفيفا، وألقيت حركتها علي اللام ، وينصب مابعدها علي التمييز.انتهي . والحين بالكسر الدهر أووقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أوقصر، والمعني لتعلمنّ ثمرة تكذبكم وإعراضكم عمّا أبيّن لكم ، وأنيّ صادق فيما أقول .
نَهجٌ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ اللّهَ سُبحَانَهُ لَم يَقصِم جبَاّريِ دَهرٍ قَطّ، إِلّا بَعدَ تَمهِيلٍ
صفحه : 106
وَ رَخَاءٍ. وَ لَم يَجبُر عَظمَ أَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ، إِلّا بَعدَ أَزلٍ وَ بَلَاءٍ. وَ فِي دُونِ مَا استَقبَلتُم مِن خَطبٍ[عَتبٍ«خ »] وَ استَدبَرتُم مِن خَطبٍ[خِصبٍ«خ »]مُعتَبَرٌ، وَ مَا كُلّ ذيِ قَلبٍ بِلَبِيبٍ، وَ لَا كُلّ ذيِ سَمعٍ بِسَمِيعٍ، وَ لَا كُلّ ذيِ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ.فَيَا عَجَباً وَ مَا لِيَ لَا أَعجَبُ مِن خَطَإِ هَذِهِ الفِرَقِ عَلَي اختِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا، لَا يَقتَصّونَ أَثَرَ نبَيِّ وَ لَا يَقتَدُونَ بِعَمَلِ وصَيِّ، وَ لَا يُؤمِنُونَ بِغَيبٍ، وَ لَا يَعِفّونَ عَن عَيبٍ يَعمَلُونَ فِي الشّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي الشّهَوَاتِ،المَعرُوفُ فِيهِم مَا عَرَفُوا، وَ المُنكَرُ عِندَهُم مَا أَنكَرُوا،مَفزَعُهُم فِي المُعضِلَاتِ إِلَي أَنفُسِهِم، وَ تَعوِيلُهُم فِي المُبهَمَاتِ عَلَي آرَائِهِم،كَأَنّ كُلّ امرِئٍ مِنهُم إِمَامُ نَفسِهِ، قَد أَخَذَ مِنهَا فِيمَا يَرَي بِعُرًي وَثِيقَاتٍ وَ أَسبَابٍ مُحكَمَاتٍ.
بيان القصم الكسر. والتمهيل التأخير وكذلك الإرجاء والرّخاء سعة العيش . والجبر إصلاح الكسر[ و هوهنا]كناية عن دفع الجبّارين والظالمين .[ قوله ]« و في دون » أي [ في ]أقلّ من ذلك . والأزل بالفتح الضيق والشدّة.[ قوله ]« مااستقبلتم من خطب » أي شأن وأمر وداهية. وروي« من عتب » أي مشقّة.قيل يعني مالاقوه في مستقبل زمانهم من الشيب وولاة السوء وتنكّر الوقت .« و مااستدبرتم من خطب »يعني ماتقدّم من الحروب والوقائع التّي قضوها. ويروي من «خصب » و هورخاء العيش .فيمكن أن يراد بالأمور المستقبلة والمستدبرة جميعا المواضي باعتبارين . قوله عليه السلام « لايعفون » في النسخ بالتشديد من العفّة،فالمراد
صفحه : 107
بالعيب عيوب أنفسهم ، و في بعضها بالتخفيف فالمراد عيوب غيرهم .[ قوله عليه السلام «يعملون ] في الشبهات »[لفظة]« في »بمعني الباء، أو فيه توسّع. قوله عليه السلام «[المعروف فيهم ] ماعرفوا» أي بعقولهم وأهوائهم .[ و قوله عليه السلام ]« قدأخذ منها»الضمير راجع إلي النفس أو إلي المبهمات والمعضلات .
نَهجٌ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي خِطَابِ أَصحَابِهِ وَ قَد بَلَغتُم مِن كَرَامَةِ اللّهِ مَنزِلَةً،تُكرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُم، وَ تُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُم، وَ يُفَضّلُكُم مَن لَا فَضلَ لَكُم عَلَيهِ وَ لَا يَدَ لَكُم عِندَهُ، وَ يَهَابُكُم مَن لَا يَخَافُ لَكُم سَطوَةً وَ لَا لَكُم عَلَيهِ إِمرَةٌ، وَ قَد تَرَونَ عُهُودَ اللّهِ مَنقُوضَةً فَلَا تَغضَبُونَ، وَ أَنتُم لِنَقضِ ذِمَمِ آبَائِكُم تَأنَفُونَ. وَ كَانَت أُمُورُ اللّهِ عَلَيكُم تَرِدُ وَ عَنكُم تَصدُرُ وَ إِلَيكُم تَرجِعُ،فَمَكّنتُمُ الظّلَمَةَ مِن مَنزِلَتِكُم، وَ أَلقَيتُم إِلَيهِم أَزِمّتَكُم، وَ أَسلَمتُم أُمُورَ اللّهِ فِي أَيدِيهِم،يَعمَلُونَ بِالشّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي الشّهَوَاتِ. وَ ايمُ اللّهِ لَو فَرّقُوكُم تَحتَ كُلّ كَوكَبٍ،لَجَمَعَكُمُ اللّهُ لِشَرّ يَومٍ لَهُم.
بيان الوصل ضدّ القطع والهجران .[ والمراد من قوله ]«جيرانكم » أي أهل الذمّة والمعاهدين ، ويحتمل المجاورين في المسكن . قوله عليه السلام « من لافضل لكم عليه »كتعظيم الروم والحبشة مسلمي العرب .
صفحه : 108
قوله عليه السلام « من لايخاف لكم سطوة»كالملوك في أقاصي البلاد، لماشاع وذاع من أنّهم قوم صالحون ، إذادعوا اللّه استجاب لهم ، وينصرهم بملائكته كماقيل . قوله عليه السلام « وأنتم »الواو للحال . والذمّة العهد والأمان والضمان والحرمة والحقّ. وأنف كفرح استنكف . والغرض توبيخهم علي تركهم إنكار المنكرات . والمراد بنقض العهود ماظهر من الناكثين والقاسطين والمارقين وغيرهم من نقض البيعة وقتل المسلمين والإغارة عليهم ، و لاريب أنّ السكوت عن إنكار تلك المنكرات مع الاستنكاف عن نقض ذمم الآباء،يدلّ علي أنّ عهود اللّه أضعف عندهم من عهود آبائهم ، و هو في حدّ الكفر.[ قوله عليه السّلام]« وكانت أمور اللّه عليكم ترد» أي وأنتم المخاطبون بالأوامر والنواهي، أوكنتم قبل ذلك في أيّام الرسول صلّي اللّه عليه وآله ،موارد أمور اللّه ومصادرها،مطيعين له منكرين للمنكرات . وكأنّ المراد بالورود،السؤال . وبالصدور،الجواب ، وبالرجوع ،التحاكم . ويمكن تعميم الورود والصدور،فالمراد بالرجوع .رجوع النفع والضرّ في الدارين . وقيل أي كانت أمور اللّه عليكم ترد أي بتعليمي لكم ، وعنكم تصدر إلي من تعلّمونه إيّاها، ثمّ إليكم ترجع بأن يتعلّمها بنوكم وإخوتكم منهم .[ قوله عليه السلام ]«لشرّ يوم » أي يوم ظهور المسودة، أوخروج المهدي عليه السلام . والجمع في الرجعة، أوالمراد جمع صنفهم .
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ
صفحه : 109
وَ لَقَد عَلِمَ المُستَحفَظُونَ مِن أَصحَابِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،أنَيّ لَم أَرُدّ عَلَي اللّهِ سُبحَانَهُ وَ لَا عَلَي رَسُولِهِ سَاعَةً قَطّ، وَ لَقَد وَاسَيتُهُ[آسَيتُهُ«خ »] فِي المَوَاطِنِ التّيِ تَنكُصُ فِيهَا الأَبطَالُ، وَ تَتَأَخّرُ الأَقدَامُ،نَجدَةً أكَرمَنَيِ اللّهُ بِهَا. وَ لَقَد قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ إِنّ رَأسَهُ لَعَلَي صدَريِ، وَ قَد سَالَت نَفسُهُ فِي كفَيّ،فَأَمرَرتُهَا عَلَي وجَهيِ. وَ لَقَد وُلّيتُ غُسلَهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ المَلَائِكَةُ أعَواَنيِ،فَضَجّتِ الدّارُ وَ الأَفنِيَةُ،مَلَأٌ يَهبِطُ وَ مَلَأٌ يَعرُجُ، وَ مَا فَارَقَت سمَعيِ هَينَمَةٌ مِنهُم،يُصَلّونَ عَلَيهِ حَتّي وَارَينَاهُ فِي ضَرِيحِهِ.فَمَن ذَا أَحَقّ بِهِ منِيّ حَيّاً وَ مَيّتاً،فَانفُذُوا عَلَي بَصَائِرِكُم، وَ لتَصدُق نِيّاتُكُم فِي جِهَادِ عَدُوّكُم،فَوَ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ،إنِيّ لَعَلَي جَادّةِ الحَقّ، وَ إِنّهُم لَعَلَي مَزَلّةِ البَاطِلِ.أَقُولُ مَا تَسمَعُونَ وَ أَستَغفِرُ اللّهَ[العَظِيمَ«خ »] لِي وَ لَكُم.
بيان استحفظته الشيّء أودعته عنده وسألته أن يحفظه . و«المستحفظون » علي بناء المفعول المطّلعون علي أسرار الرسول صلّي اللّه عليه وآله وسيرته ،الصّادقون في الشهادة ألذي لم يغيّروا و لم يبدّلوا للأغراض الدنيويّة. و قال ابن أبي الحديد الظاهر أنّه عليه السلام يومئ في قوله « لم أردّ علي اللّه ...» إلي أمور وقعت عن غيره . ثمّ ذكر أمورا كثيرة من مخالفات عمر ومعارضاته لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله . و[أيضا] قال [ ابن أبي الحديد] في [شرح ] قوله عليه السلام « ولقد آسيته بنفسي»يقال واسيته ،بالهمزة أفصح . و هذامما اختصّ عليه السلام بفضيلته غيرمدافع ،ثبت معه يوم أحد. وفرّ الناس ، وثبت معه يوم حنين وفرّ الناس ، وثبت يوم خيبر حتّي فتحها وفرّ من كان بعث بهاقبله .انتهي .
صفحه : 110
و قال الجوهري نكص ينكص [ من باب ضرب ] وينكص [ من باب نصر]رجع . و«نجدة»منصوب علي المصدر لفعل محذوف وهي الشجاعة.[ قوله عليه السلام ]« و إنّ رأسه لعلي صدري»قيل لعلّه أسنده إلي صدره عنداشتداد علّته، أو كان رأسه صلّي اللّه عليه وآله علي ركبته ،فيكون رأسه في صدره عندإكبابه عليه . و قديقال المراد بسيلان النفس ،هبوب النّفس عندانقطاع الأنفاس . وقيل أراد بنفسه دمه .يقال إنّ رسول اللّه قاء عندوفاته دما يسيرا، و أنّ عليا مسح بذلك وجهه . و لاينافي ذلك نجاسة الدم لجواز أن يخصّص دم الرسول صلّي اللّه عليه وآله . والضجيج الصياح عندالمكروه والجزع . والهيمنة الكلام الخفيّ لايفهم . والصلاة تحتمل الحقيقة والدعاء. وانتصاب قوله «حيا وميتا»بالحالية عن الضمير المجرور في [ قوله ]« به »، لا عن الضمير في «منيّ» كما لايخفي . قوله عليه السلام «فانفذوا» أي أسرعوا إلي الجهاد علي بصيرة منكم . والمزلّة الموضع ألذي يزلّ فيه الإنسان كالمزلقة.
949-نَهجٌ[ وَ] مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُأَيّهَا[أَيّتُهَا«خ »]النّفُوسُ المُختَلِفَةُ، وَ القُلُوبُ المُتَشَتّتَةُ الشّاهِدَةُ أَبدَانُهُم، وَ الغَائِبَةُ عَنهُم عُقُولُهُم،أَظأَرُكُم عَلَي الحَقّ وَ أَنتُم تَنفِرُونَ عَنهُ نُفُورَ المِعزَي مِن وَعوَعَةِ الأَسَدِ،هَيهَاتَ أَن أَطلَعَ بِكُم سَرَارَ العَدلِ، أَو أُقِيمَ اعوِجَاجَ الحَقّ.
صفحه : 111
أللّهُمّ إِنّكَ تَعلَمُ أَنّهُ لَم يَكُنِ ألّذِي كَانَ مِنّا مُنَافَسَةً فِي سُلطَانٍ، وَ لَا التِمَاسَ شَيءٍ مِن فُضُولِ الحُطَامِ وَ لَكِن لِنَرِدَ المَعَالِمَ مِن دِينِكَ، وَ نُظهِرَ الإِصلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأمَنَ المَظلُومُونَ مِن عِبَادِكَ وَ تُقَامَ المُعَطّلَةُ مِن حُدُودِكَ. أللّهُمّ إنِيّ أَوّلُ مَن أَنَابَ، وَ سَمِعَ وَ أَجَابَ، لَم يسَبقِنيِ بِالصّلَاةِ إِلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ قَد عَلِمتُم أَنّهُ لَا ينَبغَيِ أَن يَكُونَ عَلَي الفُرُوجِ وَ الدّمَاءِ وَ المَغَانِمِ وَ الأَحكَامِ وَ إِمَامَةِ المُسلِمِينَ البَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَموَالِهِم نَهمَتُهُ، وَ لَا الجَاهِلُ فَيُضِلّهُم بِجَهلِهِ، وَ لَا الجاَفيِ فَيَقطَعَهُم بِجَفَائِهِ، وَ لَا الحَائِفُ لِلدّوَلِ فَيَتّخِذَ قَوماً دُونَ قَومٍ، وَ لَا المرُتشَيِ فِي الحُكمِ فَيَذهَبَ بِالحُقُوقِ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ، وَ لَا المُعَطّلُ لِلسّنّةِ فَيُهلِكَ الأُمّةَ.
بيان «الغائبة عنهم عقولهم »غيبة العقول عن أربابها،أبلغ في الدلالة من غيبتها عمّن اعتبر الشهود بالنّسبة إليه .«أظأركم » أي أعطفكم .يقال ظأرت الناقة إذاعطفت علي ولد غيرها. و قال الجوهري المعز من الغنم خلاف الضأن ، و هواسم جنس ، وكذلك المعزي . والوعوعة الصوت . قوله عليه السلام «هيهات » قال ابن أبي الحديد يفسّره الناس بمعني هيهات أن أطلعكم مضيئين ومنوّرين سرار العدل والسرّار آخر ليلة من الشهر، وتكون مظلمة، ويمكن أن يفسّر بوجه آخر، و هو أن يكون السرار بمعني السّرور و هوخطوط مضيئة في الجبهة و هونصّ أهل اللّغة علي أنّه يجوز فيه السّرار.قالوا ويجمع السرار علي أسرّة. ويقولون برقت أسرة وجهه ،
صفحه : 112
فالمعني هيهات أن تلمع بكم لوامع العدل ويبرق وجهه ويمكن أن ينصب «سرار» علي الظرفية، و يكون التقدير هيهات أن أطلع بكم الحقّ زمان استسراره واستخفائه ،فيكون قدحذف المفعول وحذفه كثير. و قال الكيدري سرار الشهر وسرره آخر ليلة منه . والسرار المسارّة من السّر. وجمع سرر الكتف والجبهة و«سرار العدل » أي في سرار[العدل ]فحذف حرف الجرّ ووصل الفعل . وقيل أي هيهات أن أظهر بمعونتكم ماخفي واستسرّ من أقمار العدل وأنواره انتهي .[أقول ] ولعلّ المراد ب« ألذي كان »[ هو]الرغبة في الخلافة أوالحروب أوالجميع . و« لم يكن »ناقصة، و« كان »تامّة. والمنافسة المغالبة في الشيء. و«الحطام » ماتكسّر من اليبس ، و هوكناية عن متاع الدنيا. والمراد بفضوله زخارفها وزينتها و ما لايحتاج إليه منها. ومعالم الدين الآثار التي يهتدي بها. والإنابة الرجوع . قوله عليه السلام «نهمته » أي حرصه وجشعه علي أموال رعيّته. و من رواه «نهمة»بالتحريك فهي إفراط الشهوة في الطعام . والجفاء خلاف البرّ والصلة، و رجل جافي الخلقة والخلق أي منقبض غليظ.[ قوله عليه السلام ]«فيقطعهم » أي عن الوصول إليه أو عن حاجاتهم أوبعضهم عن بعض لتفرّقهم. والأوّل أظهر و إن لم يكن يذكره أحد. قوله عليه السّلام« و لاالحائف »بالحاء المهملة من الحيف و هوالظلم والجور. والدول بضمّ الدال المهملة جمع الدّولة بالضم وهي اسم المال
صفحه : 113
المتداول ، قال اللّه تعالي كيَ لا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأَغنِياءِ مِنكُم أي إذا لم يقسم الإمام بالسّوية، ويخصّ بالمال بعضهم دون بعض ،فيتّخذ قوما دون قوم فيفرّق المسلمين . وروي«الخائف »بالمعجمة. والدول بكسر الدال جمع دولة بالفتح وهي الغلبة أي من يخاف دول الأيّام وتقلّب الدهور،فيتّخذ قوما يتوقّع نفعهم في دنياه ، ويقوّيهم ويضعف آخرين . قوله عليه السلام «دون المقاطع » أي يقف عندمقطع الحكم فلايقطعه ،بأن يحكم بالحقّ بل يحكم بالباطل ، أويسوّف الحكم حتّي يضطر المحقّ ويرضي بالصلح ،فيذهب بعض حقّه. ويحتمل أن يكون «دون »بمعني « غير» أي يقف في غيرمقطعه . و قال ابن أبي الحديد فإن قلت أفتراه عني بهذا قوما بأعيانهم قلت الإمامية تزعم أنّه رمز بالجفاء والعصبيّة لقوم دون قوم إلي عمر. ورمز بالجهل إلي من كان قبله ، ورمز بتعطيل السنّة إلي عثمان ومعاوية.انتهي . والأظهر أنّ المراد بالبخيل [ هو]عثمان ، لما هوالمعلوم من أكله أموال المسلمين و لمامرّ منه عليه السلام في [الخطبة]الشقشقية. و[المراد]ب«الجاهل »جميعهم . وب«الجافي»عمر كمامرّ[أيضا] في [الخطبة]الشقشقية. وب«الحائف للدول »عمر وعثمان كما هوالمعلوم من سيرتهما. وب«المعطّل للسنّة»أيضا جميعهم .
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُلِيَتَأَسّ صَغِيرُكُم بِكَبِيرِكُم، وَ لِيَرؤُفَ كَبِيرُكُم بِصَغِيرِكُم، وَ لَا تَكُونُوا كَجُفَاةِ الجَاهِلِيّةِ، لَا فِي الدّينِ يَتَفَقّهُونَ، وَ لَا عَنِ اللّهِ يَعقِلُونَ،كَقَيضِ بَيضٍ فِي أَدَاحٍ
صفحه : 114
يَكُونُ كَسرُهُ وِزراً، وَ يُخرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً.[ وَ]مِنهَا افتَرَقُوا بَعدَ أُلفَتِهِم، وَ تَشَتّتُوا عَن أَصلِهِم،فَمِنهُم آخِذٌ بِغُصنٍ أَينَمَا مَالَ مَالَ مَعَهُ، عَلَي أَنّ اللّهَ تَعَالَي سَيَجمَعُهُم لِشَرّ يَومٍ لبِنَيِ أُمَيّةَ، كَمَا تَجتَمِعُ قَزَعُ الخَرِيفِ،يُؤَلّفُ اللّهُ بَينَهُم ثُمّ يَجعَلُهُم رُكَاماً كَرُكَامِ السّحَابِ، ثُمّ يَفتَحُ اللّهُ لَهُم أَبوَاباً يَسِيلُونَ مِن مُستَثَارِهِم كَسَيلِ الجَنّتَينِ،حَيثُ لَم تَسلَم عَلَيهِ قَارَةٌ، وَ لَم تَثبُت لَهُ أَكَمَةٌ، وَ لَم يَرُدّ سَنَنَهُ رَصّ طَودٍ، وَ لَا حِدَابُ أَرضٍ.يُذَعذِعُهُمُ اللّهُ فِي بُطُونِ أَودِيَتِهِ، ثُمّ يَسلُكُهُميَنابِيعَ فِي الأَرضِ،يَأخُذُ بِهِم مِن قَومٍ حُقُوقَ قَومٍ، وَ يُمَكّنُ لِقَومٍ فِي دِيَارِهِم قَومٌ. وَ ايمُ اللّهِ لَيَذُوبَنّ مَا فِي أَيدِيهِم بَعدَ العُلُوّ وَ التّمكِينِ، كَمَا تَذُوبُ الأَليَةُ عَلَي النّارِ.أَيّهَا النّاسُ لَو لَم تَتَخَاذَلُوا عَن نَصرِ الحَقّ، وَ لَم تَهِنُوا عَن تَوهِينِ البَاطِلِ، لَم يَطمَع فِيكُم مَن لَيسَ مِثلَكُم، وَ لَم يَقوَ مَن قوَيَِ عَلَيكُم،لَكِنّكُم تِهتُم مَتَاهَ بنَيِ إِسرَائِيلَ. وَ لعَمَريِ لَيُضَعّفَنّ لَكُمُ التّيهُ مِن بعَديِ أَضعَافاً بِمَا خَلّفتُمُ الحَقّ وَرَاءَ ظُهُورِكُم، وَ قَطَعتُمُ الأَدنَي وَ وَصَلتُمُ الأَبعَدَ. وَ اعلَمُوا أَنّكُم إِنِ اتّبَعتُمُ الداّعيَِ لَكُم،سَلَكَ بِكُم مِنهَاجَ الرّسُولِ، وَ كُفِيتُم مَئُونَةَ الِاعتِسَافِ، وَ نَبَذتُمُ الثّقلَ الفَادِحَ عَنِ الأَعنَاقِ.
إيضاح [لزوم ]تأسيّ الصغير بالكبير،لأنّه أكثر تجربة وأحزم . و قال الكيدري أي ليتأسّ من صغر منزلته في العلم والعمل بمن له متانة فيهما، وليرحم كلّ من له جاه ومنزلة في الدنيا بالمال والقوّة كلّ من دونه . و«القيض »بالفتح قشرة البيض العليا اليابسة. وقيل التي خرج ما فيها من فرخ أوماء. و في بعض النسخ «كبيض هيض » أي كسر. والأداحي
صفحه : 115
جمع الأدحي بالضمّ، و قديكسر و هوالموضع ألذي تبيض فيه النعامة وتفرخ ، و هوأفعول من دحوت لأنّها تدحوه برجلها أي تبسطه ، ثمّ تبيض فيه و ليس للنعام عشّ. و قال ابن أبي الحديد وجه الشبه ، أنّه إن كسرها كاسر أثم لأنّه يظنّ بيض القطاة، و إن لم يكسر،يخرج حضانها شرّا،إذ يخرج أفعي قاتلا. واستعار لفظ الأداحي للأعشاش مجازا لأنّ الأداحي لا يكون إلّا للنعام . و قال ابن ميثم نهاهم أن يشبهوا جفاة الجاهليّة في عدم تفقّههم في الدين ،فيشبهون إذابيض الأفاعي في أعشاشها. ووجه الشّبه أنّه إن كسره كاسر أثم لتأذيّ الحيوان به ،فكذلك هؤلاء إذاأشبهوا جفاة الجاهلية، لايحلّ أذاهم لحرمة الإسلام ، و إن أهملوا وتركوا علي الجهل ،خرجوا شياطين . والحضان بالكسر مصدر،حضن الطائر بيضه إذاضمّه إلي نفسه تحت جناحه ، و هومرفوع بالفاعليّة. قوله عليه السلام «افترقوا ...»يذكر حال أصحابه وشيعته . و قال ابن أبي الحديد الأخذ بالغصن من تمسّك بعده عليه السلام بذرّية الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، وتقدير الكلام ومنهم من لا يكون كذلك . ثمّ ذكر عليه السّلام أنّ الفريقين يجتمعان لشرّ يوم . و«القزع »جمع قزعة وهي سحب صغار تجتمع فتصير ركاما، والركام ماكثف من السحاب . و«مستثارهم »موضع ثورانهم وهيجانهم . والجنّتان هما اللّتان ذكرهما اللّه في القرآن في قصّة أهل سبإ. والقارّة الجبل الصغير. والأكمة الموضع يكون أشدّ ارتفاعا ممّا حوله ، و هوغليظ لايبلغ أن يكون حجرا. و«سننه »طريقه . وطود مرصوص أي جبل شديد التصاق الأجزاء بعضها ببعض . والحداب جمع حدبة وهي الروابي والنجاد. والذعذعة
صفحه : 116
التفريق ولعلّها كناية عن اختفائهم بين الناس ، ثمّ إظهارهم بالإعانة والتأييد. والمراد بالقوم ثانيا آل الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و هوإشارة إلي ظهور بني عباس وانقراض بني أميّة. و قوله عليه السلام « وايم اللّه ليذوبنّ ما في أيديهم »يحتمل أن يكون إشارة إلي ذهاب ملك بني أميّة أوبني العباس . وتاه في الأرض ذهب متحيرا، والمتاه مصدر. والمراد بالأدني نفسه عليه السلام ، وبالأبعد من تقدم عليه . و[المراد ب]الداعي هو عليه السلام أوالقائم عليه السلام . والاعتساف سلوك غيرالطريق . وفدحه الدين أثقله . والمراد بالثقل الفادح الإثم والعذاب في الآخرة أوالأعمّ.
951-نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا بَعدُ أَيّهَا النّاسُ فَأَنَا فَقَأتُ عَينَ الفِتنَةِ، وَ لَم يَكُن ليِجَترَِئَ عَلَيهَا أَحَدٌ غيَريِ، بَعدَ أَن مَاجَ غَيهَبُهَا وَ اشتَدّ كَلَبُهَا.فاَسألَوُنيِ قَبلَ أَن تفَقدِوُنيِ،فَوَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ لَا تسَألَوُننَيِ عَن شَيءٍ فِيمَا بَينَكُم وَ بَينَ السّاعَةِ، وَ لَا عَن فِئَةٍ تهَديِ مِائَةً وَ تُضِلّ مِائَةً، إِلّا أَنبَأتُكُم بِنَاعِقِهَا وَ قَائِدِهَا وَ سَائِقِهَا، وَ مُنَاخِ رِكَابِهَا وَ مَحَطّ رِحَالِهَا، وَ مَن يُقتَلُ مِن أَهلِهَا قَتلًا وَ مَن يَمُوتُ مِنهُم مَوتاً وَ لَو قَد فقَدَتمُوُنيِ وَ نَزَلَت[بِكُم«خ »]كَرَائِهُ الأُمُورِ وَ حَوَازِبُ الخُطُوبِ،لَأَطرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السّائِلِينَ، وَ فَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ المَسئُولِينَ، وَ ذَلِكَ إِذَا قَلّصَت حَربُكُم، وَ شَمّرَت عَن سَاقٍ، وَ ضَاقَتِ[ وَ كَانَتِ«خ »]الدّنيَا عَلَيكُم ضِيقاً تَستَطِيلُونَ مَعَهُ أَيّامَ البَلَاءِ عَلَيكُم، حَتّي يَفتَحَ اللّهُ لِبَقِيّةِ الأَبرَارِ مِنكُم.
صفحه : 117
أَلَا إِنّ الفِتَنَ إِذَا أَقبَلَت شَبّهَت، وَ إِذَا أَدبَرَت نَبّهَت،يُنكَرنَ مُقبِلَاتٍ وَ يُعرَفنَ مُدبِرَاتٍ،يَحُمنَ حَومَ الرّيَاحِ يُصِبنَ بَلَداً وَ يُخطِئنَ بَلَداً.أَلَا[ وَ] إِنّ أَخوَفَ الفِتَنِ عنِديِ عَلَيكُم،فِتنَةُ بنَيِ أُمَيّةَ،فَإِنّهَا فِتنَةٌ عَميَاءُ مُظلِمَةٌ،عَمّت خُطّتُهَا، وَ خَصّت بَلِيّتُهَا، وَ أَصَابَ البَلَاءُ مَن أَبصَرَ فِيهَا، وَ أَخطَأَ البَلَاءُ مَن عمَيَِ عَنهَا. وَ ايمُ اللّهِ لَتَجِدُنّ بنَيِ أُمَيّةَ لَكُم أَربَابَ سُوءٍ بعَديِ،كَالنّابِ الضّرُوسِ،تَعذِمُ بِفِيهَا، وَ تَخبِطُ بِيَدِهَا، وَ تَزبِنُ بِرِجلِهَا، وَ تَمنَعُ دَرّهَا. لَا يَزَالُونَ بِكُم حَتّي لَا يَترُكُوا مِنكُم إِلّا نَافِعاً لَهُم، أَو غَيرَ ضَائِرٍ بِهِم. وَ لَا يَزَالُ بَلَاؤُهُم حَتّي لَا يَكُونَ انتِصَارُ أَحَدِكُم مِنهُم إِلّا مِثلَ انتِصَارِ العَبدِ مِن رَبّهِ، وَ الصّاحِبِ مِن مُستَصحِبِهِ،تَرِدُ عَلَيكُم فِتنَتُهُم شَوهَاءَ مَخشِيّةً، وَ قِطَعاً جَاهِلِيّةً، لَيسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًي وَ لَا عَلَمٌ يُرَي،نَحنُ أَهلَ البَيتِ مِنهَا بِمَنجَاةٍ، وَ لَسنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ. ثُمّ يُفَرّجُهَا اللّهُ عَنكُم كَتَفرِيجِ الأَدِيمِ،بِمَن يَسُومُهُم خَسفاً، وَ يَسُوقُهُم عُنفاً، وَ يَسقِيهِم بِكَأسٍ مُصَبّرَةٍ لَا يُعطِيهِم إِلّا السّيفَ، وَ لَا يُحلِسُهُم إِلّا الخَوفَ،فَعِندَ ذَلِكَ تَوَدّ قُرَيشٌ بِالدّنيَا وَ مَا فِيهَا لَو يرَوَنيِ[يرَوَننَيِ«خ »]مَقَاماً وَاحِداً، وَ لَو قَدرَ جَزرِ جَزُورٍ،لِأَقبَلَ مِنهُم مَا أَطلُبُ اليَومَ بَعضَهُ فَلَا يعُطوُننَيِ.
إيضاح قال ابن أبي الحديد هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة، وهي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها عليّ عليه السلام بعدانقضاء أمر النّهروان، و فيهاألفاظ لم يوردها الرضّي رحمه اللّه. ثمّ ذكر بعض الألفاظ المتروكة منها
صفحه : 118
قَولُهُ عَلَيهِ السّلَامُ « وَ لَم يَكُن ليِجَترَِئَ عَلَيهَا غيَريِ، وَ لَو لَم أَكُ فِيكُم مَا قُوتِلَ أَهلُ الجَمَلِ وَ النّهرَوَانِ. وَ ايمُ اللّهِ لَو لَا أَن تَتّكِلُوا فَتَدَعُوا العَمَلَ،لَحَدّثتُكُم بِمَا قَضَي اللّهُ عَزّ وَ جَلّ عَلَي لِسَانِ نَبِيّكُم صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،لِمَن قَاتَلَهُم مُبصِراً لِضَلَالَتِهِم،عَارِفاً لِلهُدَي ألّذِي نَحنُ عَلَيهِ.سلَوُنيِ قَبلَ أَن تفَقدِوُنيِ،فإَنِيّ مَيّتٌ عَن قَرِيبٍ أَو مَقتُولٌ،بَل قَتلًا. مَا يَنتَظِرُ أَشقَاهَا أَن يَخضِبَ هَذِهِ بِدَمِ هَذِهِ وَ ضَرَبَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]بِيَدِهِ عَلَي لِحيَتِهِ.
وَ مِنهَا فِي ذِكرِ بنَيِ أُمَيّةَ يَظهَرُ أَهلُ بَاطِلِهَا عَلَي أَهلِ حَقّهَا حَتّي يَملَأَ الأَرضَ عُدوَاناً وَ ظُلماً وَ بِدَعاً، إِلَي أَن يَضَعَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ جَبَرُوتَهَا، وَ يَكسِرَ عَمَدَهَا، وَ يَنزِعَ أَوتَادَهَا.أَلَا وَ إِنّكُم مُدرِكُوهَا،فَانصُرُوا قَوماً كَانُوا أَصحَابَ رَايَاتِ بَدرٍ وَ حُنَينٍ تُؤجَرُوا، وَ لَا تَمَالَئُوا عَلَيهِم عَدُوّهُم،فَيَصِيرَ عَلَيهِمُ البَلِيّةَ وَ يُحِلّ بِكُمُ النّقِمَةَ.
وَ مِنهَا إِلّا مِثلَ انتِصَارِ العَبدِ مِن مَولَاهُ، إِذَا رَآهُ أَطَاعَهُ، وَ إِذَا تَوَارَي عَنهُ شَتَمَهُ. وَ ايمُ اللّهِ لَو فَرّقُوكُم تَحتَ كُلّ حَجَرٍ لَجَمَعَكُمُ اللّهُ لِشَرّ يَومٍ لَهُم.
وَ مِنهَا فَانظُرُوا أَهلَ بَيتِ نَبِيّكُم فَإِن لَبَدُوا فَالبُدُوا، وَ إِنِ استَنصَرُوكُم فَانصُرُوهُم،فَلَيُفَرّجَنّ اللّهُ[الفِتنَةَ]بِرَجُلٍ مِنّا أَهلَ البَيتِ.بأِبَيِ ابنُ خِيَرَةِ الإِمَاءِ، لَا يُعطِيهِم إِلّا السّيفَ هَرجاً هَرجاً،مَوضُوعاً عَلَي عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشهُرٍ، حَتّي تَقُولَ قُرَيشٌ لَو كَانَ هَذَا مِن وُلدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا.يُغرِيهِ اللّهُ ببِنَيِ أُمَيّةَ، حَتّي يَجعَلَهُم حُطَاماً وَ رُفَاتاً«مَلعُونِينَ أَينَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتّلُوا تَقتِيلًا سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَ لَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبدِيلًا».
صفحه : 119
ثمّ قال [ ابن أبي الحديد] فإن قيل فمن هذا الرجل الموعود به قيل أمّا الإماميّة فيزعمون أنّه إمامهم الثاني عشر، و أنّه ابن أمة اسمها نرجس . و أمّا أصحابنا،فيزعمون أنّه فاطمي يولد في مستقبل الزمان ،لأمّ ولد و ليس بموجود الآن . فإن قيل فمن يكون من بني أميّة في ذلك الوقت موجودا حتّي ينتقم منهم قيل أمّا الإماميّة فتقول بالرجعة، ويزعمون أنّه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية وغيرهم ، إذاظهر إمامهم المنتظر، و أنّه يقطع أيدي أقوام وأرجلهم ، ويسمل عيون بعضهم ويصلب قوما آخرين ، وينتقم من أعداء آل محمّد عليهم السلام المتقدّمين[منهم ] والمتأخّرين. و أمّا أصحابنا فيزعمون أنّه سيخلق اللّه تعالي في آخر الزمان رجلا من ولد فاطمة عليها السّلام يستولي علي السفياني وأشياعه من بني أميّة. ثمّ قال فإن قيل لماذا خصّ أهل الجمل و أهل النهروان بالذّكر، و لم يذكر[ أهل ]صفّين قيل لأنّ الشبهة كانت في أهل الجمل و أهل النهروان ظاهرة الالتباس ، أمّا أهل الجمل [ف]لحسن ظنّهم بطلحة والزبير، وكون عائشة زوجة الرسول صلّي اللّه عليه وآله معهم . و أمّا أهل النهروان ،فكانوا أهل قرآن وعبادة واجتهاد، وعزوف عن الدنيا، وهم كانوا قرّاء العراق وزهّادها. و أمّا معاوية،فكان فاسقا مشهورا بقلّة الدين والانحراف عن الإسلام ، وكذلك ناصره ومظاهره علي أمره ،عمرو بن العاص و من اتّبعهما من طغام أهل الشام وأجلافهم وجهّال الأعراب ،فلم يكن أمرهم خافيا في جواز قتالهم
صفحه : 120
ومحاربتهم .انتهي . قوله عليه السّلام«فأنا فقأت »يقال فقأت العين أي شققتها أوقلعتها بشحمها، أوأدخلت الإصبع فيها. وفقأ عين الفتنة كسر ثورانها. وحذف المضاف أي عين أهلها بعيد. وعدم اجتراء غيره عليه السلام علي إطفاء تلك الفتنة لأنّ الناس كانوا يهابون قتال أهل القبلة، ويقولون كيف نقاتل من يؤذّن كأذاننا ويصليّ بصلاتنا والغيهيب الظلمة وتموّجها وعمومها وشمولها،تشبيها لها بالبحر. والكلب بالتحريك داء يعرض الإنسان من عضّ الكلب ، والعطش . والمراد شرّها وأذاها. والفئة الطائفة والجماعة[ و] لاواحد لها من لفظها. وناعقها الداعي لها، أوإليها. والمناخ بضمّ الميم موضع الإناخة. والركاب الإبل التي يسار عليها. والواحدة راحلة والرحل بالفتح كلّ شيءيعدّ للرحيل . وحططت الرحل أنزلته عن الإبل . والمحطّ اسم مكان . وقيل هو والمناخ مصدران . والكريهة النازلة وكرائه الأمور المصائب التي تكرهها النفوس . والحوازب جمع حازب . و هوالأمر الشديد، وحزبه أمر اشتدّ عليه ودهمه . والخطب بالفتح الشأن والحال والأمر ألذي تقع فيه المخاطبة. والإطراق السكوت ، وإطراق السائل لصعوبة الأمر وشدّته[ عليه ] حتّي أنّه يبهته عن السؤال ويتحيّر كيف يسأل . والفشل الجبن والضعف . قوله عليه السّلام« و ذلك » أي النّزول والإطراق والفشل . و«قلّصت»بالتشديد أي اجتمعت وانضمّت .. والحرب إذاكانت في موضع واحد يكون أشدّ وأصعب و يكون التشديد للمبالغة. وهي بالتخفيف بمعني ارتفعت فالمراد شدّتها وكثرتها.
صفحه : 121
ويقال [هي]بالتشديد بمعني استمرّت في المضيّ. ويقال قلص قميصه فقلّص تقليصا أي شمّر.لازم [ و]متعدّ. و في بعض النسخ «قلصت حربكم عن ساق »بدون كلمة«شمّرت». ويروي « إذاقلصت عن حربكم »بالتخفيف أي إذاانكشفت كرائه الأمور وحوازب الخطوب عن حربكم . و«شمّرت عن ساق » أي كشفت عن شدّة ومشقّة كماقيل في قوله تعالي يَومَ يُكشَفُ عَن ساقٍ. وقيل كشف الساق مثل في اشتداد الأمر وصعوبة الخطب . وأصله تشمير المخدّرات عن سوقهنّ في الهرب . وقيل يُكشَفُ عَن ساقٍ أي عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا. ويحتمل أن يكون الغرض تشبيه الحرب بالمجدّ في أمر، فإنّ الإنسان إذاجدّ في السعي شمّر عن ساقه ورفع ثوبه لئلّا يمنعه . واستطالة الأيّام عدّها طويلة. و يوم البؤس والشدّة يطول علي الإنسان . ولعلّ المراد ببقيّة الأبرار،أولادهم و إن لم يكونوا أبرارا في أنفسهم ، إن كان [الكلام ]إشارة إلي دولة بني العباس . والأظهر أنّه[ عليه السلام ]أراد القائم عليه السلام . قوله عليه السلام «شبهت » علي المعلوم أي جعلت نفسها أوالأمور الباطلة شبيهة بالحقّ. أو علي [بناء]المجهول أي أشكل أمرها والتبس علي الناس . قوله عليه السلام «نبهت » أي أيقظت القوم من النوم ، وأظهرت بطلانها عليهم .«ينكرن » أي لايعرف حالهنّ. وحام الطائر حول الماء إذاطاف ودار
صفحه : 122
لينزل عليه . و[ قوله عليه السلام ]«حوم الرياح » أي كحومها. والخطّة بالضّم شبه القصّة والأمر والخطب . وعموم خطّة تلك البليّة لكونها رئاسة عامّة وسلطنة شاملة. وخصوص البليّة لكون حظّ أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم منها أوفر. وإصابة البلاء من أبصر فيها،لحزن المبصر من مشاهدة أفعالهم الشنيعة، وقصدهم إيّاه بأنواع الأذي بخلاف الجاهل المنقاد لهم . ويطلق الرب علي المالك والسيّد والمدبّر والمربيّ والمنعم . والباب الناقة المسنّة. والضروس السيّئة الخلق تعضّ حالبها. وعذم الفرس كضرب إذاأكل بجفاء أوعضّ. وخبط البعير إذاضرب بيده الأرض شديدا. والزبن الدفع . وزبنت الناقة إذاضربت بثفنات رجلها عندالحلب . والدّرّ اللّبن. ويقال لكلّ خير علي التوسّع. قوله عليه السلام « لايزالون بكم » أي لايزالون يؤذونكم بأنواع الأذي حتّي لايبقي منكم إلّا من ينفعهم في مقاصدهم ، أو لايضرّهم بإنكار المنكرات عليهم . والضائر المضرّ. والانتصار الانتقام . والصاحب التابع . والمستصحب المتبوع . والغرض إمّا نفي إمكان الانتصار، أوإثبات انتصار الأذلّاء والمقهورين ،كالغيبة والذمّ مع الأمن من الوصول إلي المغتاب . والشوهاء القبيحة. والمخشية المخوّفة. والجاهلية الحالة التي كانت العرب عليها قبل الإسلام . والمنجاة موضع النجاة. والغرض خلاصهم من لحوق الآثام والمتابعة في الدعوة إلي الباطل ، لاالخلاص من الأذيّة. والأديم الجلد. ووجه الشبه انكشاف الجلد عمّا تحته من اللّحم.
صفحه : 123
ويحتمل أن يكون المراد بالأديم ،الجلد ألذي يلفّ الإنسان فيه للتّعذيب لأنّه يضغطه شديدا إذاجفّ و في تفريجه راحة. ويسومهم أي يكلّفهم ويلزمهم . والخسف النقصان والذلّ والهوان . والمصبّرة الممزوجة بالصبر المرّ. وقيل أي المملوءة إلي أصبارها، أي جوانبها. والحلس بالكسر كساء رقيق يكسي علي ظهر البعير تحت البرذعة. وأحلس البعير ألبسه الحلس . ويحتمل أن يكون من الحلس ألذي يبسط تحت حرّ الثياب ،إشعارا بأنّهم في بيوتهم أيضا خائفون . و هوإشارة إلي ظهور دولة بني العبّاس. والجزور الناقة التي تجزر. قوله عليه السلام « ماأطلب اليوم بعضه » أي الطاعة والانقياد، أي يتمنّون أن يروني فيطيعوني إطاعة كاملة، و قدرضيت منهم اليوم بأن يطيعوني إطاعة ناقصة فلم يقبلوا. و قدروي في [كتب ]السّير أنّ مروان بن محمّد و هوآخر ملوك بني أميّة، قال يوم الزاب لمّا شاهد عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس بإزائه في صفّ خراسان لوددت أنّ عليّ بن أبي طالب تحت هذه الراية بدلا من هذاالفتي . ويحتمل أن يكون التمنيّ عندقيام القائم عليه السلام .
نَهجٌ[ وَ] مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ. فَلَا أَموَالَ بَذَلتُمُوهَا للِذّيِ رَزَقَهَا، وَ لَا أَنفُسَ خَاطَرتُم بِهَا للِذّيِ خَلَقَهَا،تَكرُمُونَ بِاللّهِ عَلَي عِبَادِهِ وَ لَا تُكرِمُونَ اللّهَ فِي عِبَادِهِ،فَاعتَبِرُوا بِنُزُولِكُم مَنَازِلَ
صفحه : 124
مَن كَانَ قَبلَكُم، وَ انقِطَاعِكُم عَن أَوصَلِ إِخوَانِكُم.
بيان انتصاب [ قوله ]«أموال »بفعل مقدّر دلّ عليه «بذلتموها» وكذلك «أنفس ». وخاطر فلان بنفسه وبماله أي ألقاهما في الهلكة.«تكرمون باللّه» أي يعزّكم الناس بأنّكم أهل طاعة اللّه.« و لاتكرمون اللّه» أي لاتطيعونه في الإحسان إلي عباده ، أو[ في ]إجراء أحكامه بينهم .
نَهجٌ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُروُيَِ عَن نَوفٍ البكَاَليِّ قَالَ خَطَبَنَا[بِ] هَذِهِ الخُطبَةِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] وَ هُوَ قَائِمٌ عَلَي حِجَارَةٍ نَصَبَهَا لَهُ جَعدَةُ بنُ هُبَيرَةَ المخَزوُميِّ، وَ عَلَيهِ مِدرَعَةٌ مِن صُوفٍ، وَ حَمَائِلُ سَيفِهِ لِيفٌ[ مِن لِيفٍ«خ »] وَ فِي رِجلَيهِ نَعلَانِ مِن لِيفٍ، وَ كَأَنّ جَبِينَهُ ثَفِنَةُ بَعِيرٍ فَقَالَ الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي إِلَيهِ مَصَائِرُ الخَلقِ وَ عَوَاقِبُ الأَمرِ،نَحمَدُهُ عَلَي عَظِيمِ إِحسَانِهِ، وَ نَيّرِ بُرهَانِهِ، وَ نوَاَميِ فَضلِهِ وَ امتِنَانِهِ،حَمداً يَكُونُ لِحَقّهِ قَضَاءً، وَ لِشُكرِهِ أَدَاءً، وَ إِلَي ثَوَابِهِ مُقَرّباً، وَ لِحُسنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً. وَ نَستَعِينُ بِهِ استِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضلِهِ مُؤَمّلٍ لِنَفعِهِ،وَاثِقٍ بِدَفعِهِ،مُعتَرِفٍ لَهُ بِالطّولِ،مُذعِنٍ لَهُ بِالعَمَلِ وَ القَولِ. وَ نُؤمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَن رَجَاهُ مُوقِناً، وَ أَنَابَ إِلَيهِ مُؤمِناً، وَ خَنَعَ لَهُ مُذعِناً وَ أَخلَصَ لَهُ مُوَحّداً، وَ عَظّمَهُ مُمَجّداً، وَ لَاذَ بِهِ رَاغِباً مُجتَهِداً. لَم يُولَد سُبحَانَهُ فَيَكُونَ فِي العِزّ مُشَارَكاً، وَ لَم يَلِد فَيَكُونَ مَورُوثاً هَالِكاً، وَ لَم يَتَقَدّمهُ وَقتٌ وَ لَا زَمَانٌ، وَ لَا يَتَعَاوَرُهُ زِيَادَةٌ وَ لَا نُقصَانٌ،بَل ظَهَرَ لِلعُقُولِ بِمَا
صفحه : 125
أَرَانَا مِن عَلَامَاتِ التّدبِيرِ المُتقَنِ وَ القَضَاءِ المُبرَمِ.فَمِن شَوَاهِدِ خَلقِهِ خَلقُ السّمَاوَاتِ مُوَطّدَاتٍ بِلَا عَمَدٍ،قَائِمَاتٍ بِلَا سَنَدٍ،دَعَاهُنّ فَأَجَبنَ طَائِعَاتٍ مُذعِنَاتٍ غَيرَ مُتَلَكّئَاتٍ وَ لَا مُبطِئَاتٍ، وَ لَو لَا إِقرَارُهُنّ بِالرّبُوبِيّةِ وَ إِذعَانُهُنّ بِالطّوَاعِيَةِ، لَمَا جَعَلَهُنّ مَوضِعاً لِعَرشِهِ وَ لَا مَسكَناً لِمَلَائِكَتِهِ وَ لَا مَصعَداً لِلكَلِمِ الطّيّبِ وَ العَمَلِ الصّالِحِ مِن خَلقِهِ.جَعَلَ نُجُومَهَا أَعلَاماً يَستَدِلّ بِهِ الحَيرَانُ فِي مُختَلِفِ فِجَاجِ الأَقطَارِ. لَم يَمنَع ضَوءَ نُورِهَا ادلِهمَامُ سُجُفِ اللّيلِ المُظلِمِ، وَ لَا استَطَاعَت جَلَابِيبُ سَوَادِ الحَنَادِسِ أَن تَرُدّ مَا شَاعَ فِي السّمَاوَاتِ مِن تَلَألُؤِ نُورِ القَمَرِ.فَسُبحَانَ مَن لَا يَخفَي عَلَيهِ سَوَادُ غَسَقٍ دَاجٍ، وَ لَا لَيلٍ سَاجٍ فِي بِقَاعِ الأَرَضِينَ المُتَطَأطِئَاتِ، وَ لَا فِي يَفَاعِ السّفعِ المُتَجَاوِرَاتِ، وَ مَا يَتَجَلجَلُ بِهِ الرّعدُ فِي أُفُقِ السّمَاءِ، وَ مَا تَلَاشَت عَنهُ بُرُوقُ الغَمَامِ، وَ مَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَن مَسقَطِهَا عَوَاصِفُ الأَنوَاءِ، وَ انهِطَالُ السّمَاءِ. وَ يَعلَمُ مَسقَطَ القَطرَةِ وَ مَقَرّهَا، وَ مَسحَبَ الذّرّةِ وَ مَجَرّهَا، وَ مَا يكَفيِ البَعُوضَةَ مِن قُوتِهَا، وَ مَا تَحمِلُ الأُنثَي فِي بَطنِهَا. وَ الحَمدُ لِلّهِ الكَائِنِ قَبلَ أَن يَكُونَ كرُسيِّ أَو عَرشٌ أَو سَمَاءٌ أَو أَرضٌ أَو جَانّ أَو إِنسٌ. لَا يُدرَكُ بِوَهمٍ، وَ لَا يُقَدّرُ بِفَهمٍ، وَ لَا يَشغَلُهُ سَائِلٌ، وَ لَا يَنقُصُهُ نَائِلٌ، وَ لَا يَنظُرُ بِعَينٍ، وَ لَا يُحَدّ بِأَينٍ، وَ لَا يُوصَفُ بِالأَزوَاجِ، وَ لَا يَخلُقُ بِعِلَاجٍ، وَ لَا يُدرَكُ بِالحَوَاسّ، وَ لَا يُقَاسُ بِالنّاسِ، ألّذِي كَلّمَ مُوسَي تَكلِيماً وَ أَرَاهُ مِن آيَاتِهِ عَظِيماً،بِلَا جَوَارِحَ وَ لَا أَدَوَاتٍ، وَ لَا نُطقٍ وَ لَا لَهَوَاتٍ.بَل إِن كُنتَ صَادِقاً أَيّهَا المُتَكَلّفُ لِوَصفِ رَبّكَ فَصِف جَبرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ جُنُودَ المَلَائِكَةِ المُقَرّبِينَ، فِي حُجُرَاتِ القُدُسِ مُرجَحِنّينَ،مُتَوَلّهَةً عُقُولُهُم أَن يَحُدّوا أَحسَنَ الخَالِقِينَ.
صفحه : 126
وَ إِنّمَا يُدرَكُ بِالصّفَاتِ ذَوُو الهَيئَاتِ وَ الأَدَوَاتِ، وَ مَن ينَقضَيِ إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدّهِ بِالفَنَاءِ. فَلَا إِلَهَ إِلّا هُوَ،أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلّ ظَلَامٍ، وَ أَظلَمَ بِظُلمَتِهِ كُلّ نُورٍ.أُوصِيكُم عِبَادَ اللّهِ بِتَقوَي اللّهِ ألّذِي أَلبَسَكُمُ الرّيَاشَ، وَ أَسبَغَ عَلَيكُمُ المَعَاشَ، وَ لَو أَنّ أَحَداً يَجِدُ إِلَي البَقَاءِ سُلّماً، أَو لِدَفعِ المَوتِ سَبِيلًا،لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيمَانَ بنَ دَاوُدَ ألّذِي سُخّرَ لَهُ مُلكُ الجِنّ وَ الإِنسِ مَعَ النّبُوّةِ، وَ عَظِيمِ الزّلفَةِ، فَلَمّا استَوفَي طُعمَتَهُ، وَ استَكمَلَ مُدّتَهُ،رَمَتهُ قسِيِّ الفَنَاءِ بِنِبَالِ المَوتِ، وَ أَصبَحَتِ الدّيَارُ مِنهُ خَالِيَةً، وَ المَسَاكِنُ مُعَطّلَةً وَ وَرِثَهَا قَومٌ آخَرُونَ. وَ إِنّ لَكُم فِي القُرُونِ السّالِفَةِ لَعِبرَةً،أَينَ العَمَالِقَةُ وَ أَبنَاءُ العَمَالِقَةِ أَينَ الفَرَاعِنَةُ وَ أَبنَاءُ الفَرَاعِنَةِ أَينَ أَصحَابُ مَدَائِنِ الرّسّ الّذِينَ قَتَلُوا النّبِيّينَ وَ أَطفَئُوا سُنَنَ المُرسَلِينَ وَ أَحيَوا سُنَنَ الجَبّارِينَ أَينَ الّذِينَ سَارُوا بِالجُيُوشِ وَ هَزَمُوا الأُلُوفَ وَ عَسكَرُوا العَسَاكِرَ وَ مَدّنُوا المَدَائِنَ
[ و]منها قدلبس للحكمة جنّتها، وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها، والمعرفة بها، والتّفرّغ لها، وهي عندنفسه ضالّته التّي يطلبها، وحاجته التّي يسأل عنها،فهو مغترب إذااغترب الإسلام ، وضرب بعسيب ذنبه وألصق الأرض بجرانه بقيّة من بقايا حجّته،خليفة من خلائف أنبيائه .
ثُمّ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُأَيّهَا النّاسُ إنِيّ قَد بَثَثتُ لَكُمُ المَوَاعِظَ التّيِ وَعَظَ بِهَا الأَنبِيَاءُ أُمَمَهُم، وَ أَدّيتُ إِلَيكُم مَا أَدّتِ الأَوصِيَاءُ إِلَي مَن بَعدَهُم، وَ أَدّبتُكُم بسِوَطيِ فَلَم تَستَقِيمُوا، وَ حَدَوتُكُم بِالزّوَاجِرِ فَلَم تَستَوثِقُوا،لِلّهِ أَنتُم أَ تَتَوَقّعُونَ إِمَاماً غيَريِ يَطَأُ بِكُمُ الطّرِيقَ وَ يُرشِدُكُمُ السّبِيلَ أَلَا إِنّهُ قَد أَدبَرَ مِنَ الدّنيَا مَا كَانَ مُقبِلًا، وَ أَقبَلَ مِنهَا مَا كَانَ مُدبِراً، وَ أَزمَعَ التّرحَالَ عِبَادُ اللّهِ الأَخيَارُ، وَ بَاعُوا قَلِيلًا مِنَ الدّنيَا لَا يَبقَي بِكَثِيرٍ مِنَ الآخِرَةِ لَا يَفنَي.
صفحه : 127
مَا ضَرّ إِخوَانَنَا الّذِينَ سُفِكَت دِمَاؤُهُم وَ هُم بِصِفّينَ أَن لَا يَكُونُوا اليَومَ أَحيَاءً يُسِيغُونَ الغُصَصَ، وَ يَشرَبُونَ الرّنقَ، قَد وَ اللّهِ لَقُوا اللّهَ فَوَفّاهُم أُجُورَهُم، وَ أَحَلّهُم دَارَ الأَمنِ بَعدَ خَوفِهِم.أَينَ إخِواَنيَِ الّذِينَ رَكِبُوا الطّرِيقَ وَ مَضَوا عَلَي الحَقّ أَينَ عَمّارٌ وَ أَينَ ابنُ التّيّهَانِ وَ أَينَ ذُو الشّهَادَتَينِ وَ أَينَ نُظَرَاؤُهُم مِن إِخوَانِهِمُ الّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَي المَنِيّةِ، وَ أُبرِدَ بِرُءُوسِهِم إِلَي الفَجَرَةِ قَالَ[نَوفٌ] ثُمّ ضَرَبَ يَدَهُ إِلَي لِحيَتِهِ وَ أَطَالَ البُكَاءَ، ثُمّ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ أَوّه عَلَي إخِواَنيَِ الّذِينَ تَلَوُا القُرآنَ فَأَحكَمُوهُ وَ تَدَبّرُوا الفَرضَ فَأَقَامُوهُ وَ أَحيَوُا السّنّةَ وَ أَمَاتُوا البِدعَةَ،دُعُوا لِلجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَ وَثِقُوا بِالقَائِدِ فَاتّبَعُوا. ثُمّ نَادَي بِأَعلَي صَوتِهِ.الجِهَادَ الجِهَادَ عِبَادَ اللّهِ أَلَا وَ إنِيّ مُعَسكِرٌ فِي يوَميِ هَذَا،فَمَن أَرَادَ الرّوَاحَ إِلَي اللّهِ فَليَخرُج[فَليَبرَح«خ »]. قَالَ نَوفٌ وَ عَقَدَ لِلحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَ لِقَيسِ بنِ سَعدٍ رَحِمَهُ اللّهُ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَ لأِبَيِ أَيّوبَ الأنَصاَريِّ[ فِي]عَشَرَةِ آلَافٍ، وَ لِغَيرِهِم عَلَي أَعدَادٍ أُخَرَ، وَ هُوَ يُرِيدُ الرّجعَةَ إِلَي صِفّينَ،فَمَا دَارَتِ الجُمُعَةُ حَتّي ضَرَبَهُ المَلعُونُ ابنُ مُلجَمٍ،لَعَنَهُ اللّهُ،فَتَرَاجَعَتِ العَسَاكِرُ.فَكُنّا كَأَغنَامٍ فَقَدَت رَاعِيَهَا،تَختَطِفُهَا الذّئَابُ مِن كُلّ مَكَانٍ.
تبيان قدمرّ شرح صدر الخطبة في كتاب التوحيد، و قال [ ابن الأثير] في [ كتاب ]النهاية الرياش والريش ماظهر من اللّباس. وقيل الرياش جمع الريش ، ويقع الرياش علي الخصب والمعاش والمال المستفاد. و«أسبغ » أي أكمل وأوسع . والمعاش والمعيشة مكسب الإنسان ألّذي
صفحه : 128
يعيش به . والسلّم كسكّر مايرتقي عليه . واستعمل هنا في الوسيلة. وكون النّبوّة والزّلفة أي القرب والمنزلة من الوسائل إلي البقاء،لاستجابة الدعاء معهما،فهما مظنّتان للتوصّل إلي البقاء في الباطن ، كما أنّ السلطنة الكاملة مظنّة لأن تكون وسيلة إليه في الظّاهر. والطعمة الرزق المقدّر. والقسيّ جمع القوس . والنبل السهّام العربيّة، لاواحد من لفظها. و قال ابن أبي الحديد نبال الموت أسبابه . والإضافة البيانية للمبالغة بعيدة. والعمالقة أولاد عمليق أوعملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح . والفراعنة ملوك مصر. و قدمضي ذكر أصحاب الرّسّ. وعسكروا[العساكر] أي جمعوها. ومدّنوا المدائن أي بنوها. قوله عليه السّلام« قدلبس للحكمة جنّتها»إشارة إلي القائم عليه السلام كماذكره ابن أبي الحديد نقلا عن الإماميّة. و«التفرّغ لها» أي عن العلائق والشواغل . قوله عليه السلام «ضالّته»إشارة إلي قوله صلّي اللّه عليه وآله وسلّم«الحكمة ضالّة المؤمن ». قوله عليه السلام «فهو مغترب » أي هذاالشخص يخفي نفسه ويخملها إذاظهر الفسق والجور واغترب الإسلام باغتراب العدل والصلاح ، و هوإشارة إلي غيبة القائم عليه السلام . و قال [ ابن الأثير] في [مادّة«ذنب » من كتاب ]النهاية في حديث عليّ عليه السلام أنّه ذكر فتنة فقال « إذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه »
صفحه : 129
أي فارق أهل الفتنة وضرب في الأرض ذاهبا في أهل دينه وأتباعه الذين يتّبعونه علي رأيه وهم الأذناب . و قال الزمخشري الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة والثبات ،يعني يثبت هو و من يتبعه علي الدين . و قال الفيروزآبادي العسيب عظم الذنب أومنبت الشعر منه ، والبعير إذاأعيا وتأذّي ضرب بعسيب ذنبه . وإلصاق الأرض بجرانه كناية عن ضعف الإسلام وقلّة نفعه ، فإنّ البعير أقلّ ما يكون نفعه حال بروكه . وجران البعير صدره أومقدّم عنقه . وبثّ الخبر نشره . والحداء سوق الإبل والغناء لها.[ قوله عليه السلام ]« واستوثقوا»استجمعوا وانضموا. و«الزواجر»النواهي والإيعادات .«يطأ بكم الطريق » أي يذهب بكم في سبيل الحقّ. قوله عليه السلام « ما كان مقبلا» أي الهدي والرشاد ألذي كان في أيّام الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، أو في أيّام خلافته عليه السلام ،فيكون إشارة إلي قرب ارتحاله عليه السلام من دار الفناء. و[المراد من قوله ]« ما كان مدبرا»الضلال والفساد. و«أزمع الأمر» أي عزم عليه . والترحال بالفتح مبالغة في الرحلة. وكلمة« ما» في [ قوله عليه السلام ]« ماضرّ»نافية، ويحتمل الاستفهام [أيضا] علي الإنكار. والفاعل [ هو قوله ]« أن لايكونوا». وإساغة الغصص هنا كناية عن كثرة الآلام ومشاهدة المنكرات ،بحيث صار تجرّع الغصص عادة لهم ، أو عن الرضا بقضاء اللّه. والغصّة مايعترض في الحلق . والرنق بالفتح والتحريك الكدر من الماء.
صفحه : 130
وعمار هو ابن ياسر المعروف و قدمرّ فضله . و ابن التّيّهان بالياء المنقوطة باثنتين تحتها،المشدّدة المكسورة، وقبلها تاء منقوطة باثنتين فوقها،ذكره ابن أبي الحديد وجوّز فتح الياء أيضا. والمضبوط في أكثر النسخ بالياء الساكنة وفتح التاء وكسرها معا. و في القاموس وتيهان وتيّهان مشدّدة الياء ويكسر، و هو أبوالهيثم واسمه مالك . و قال ابن أبي الحديد الصحيح أنّه أدرك صفّين وشهدها مع عليّ عليه السلام ... وقيل توفيّ في زمن الرسول صلّي اللّه عليه وآله وسلّم. وذو الشهادتين هوخزيمة بن ثابت وقصته مشهورة،يكنّي أباعمارة،شهد بدرا و مابعدها من المشاهد، وشهد صفين مع علي عليه السلام ، فلما قتل عمّار قاتل حتّي قتل . قوله عليه السلام «تعاقدوا» أي جعلوا الموت بينهم عقدا. أوتابعوا علي الموت وروي«تعاهدوا».« وأبرد برءوسهم »[مأخوذ] من البريد أي أرسل للبشارة بها. و«الفجرة»أمراء عسكر الشام . و«أوه »ساكنة الواو مكسورة الهاء كلمة شكوي وتوجّع، وربما قلبوا الواو ألفا،فقالوا آه من كذا، وآه علي كذا. وربما شدّد الواو وكسروها وسكنوا الهاء،فقالوا أوّه من كذا. وربما حذفوا الهاء مع التشديد وكسروا الواو،فقالوا أو من كذا بلا مدّ. و قديقولون آوّه بالمدّ والتشديد وفتح الواو وسكون الهاء،لتطويل الصوت بالشكاية. وربما أدخلوا فيه التاء تارة يمدّونه، وتارة لايمدّونه،فيقولون أوتاه وآوتاه ، والاسم منه الآهة بالمدّ.ذكره الجوهري و ابن أبي الحديد. وإحكامه [ أي القرآن ]تلاوته كماينبغي مع رعاية المحسنّات، والتدبّر في معانيه والعمل بمقتضاه . وأراد عليه السلام بالقائد نفسه . والرواح إلي اللّه الذهاب إلي الفوز
صفحه : 131
برضوانه ، أو إلي لقائه بالشهادة. وقيس هو من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، كان شجاعا جوادا من كبار شيعة علي عليه السّلام،شهد حروبه كلّها. وأبوه سعد بن عبادة، كان رئيس الخزرج ، و لم يبايع أبابكر، ومات علي عدم البيعة. والمشهور أنّهم قتلوه لذلك ، وأحالوا قتله علي الجنّ، وافتروا شعرا من قبل الجنّ كمامرّ. و أبوأيوب هوخالد بن سعد بن كعب الخزرجيّ من بني النّجار،شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد، و عليه نزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله حين قدم المدينة، وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام مشاهده كلّها، و كان علي مقدّمته يوم النهروان . والاختطاف أخذك الشيء بسرعة. والمراد هنا إمّا الأخذ بالنهب والقتل والإذلال ، أوالإغواء والإضلال .
ماجَمَاعَةٌ عَن مُحَمّدِ بنِ عِمرَانَ المرَزبُاَنيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُوسَي عَن مُحَمّدِ بنِ سَهلٍ عَن هِشَامٍ عَن أَبِي مِخنَفٍ عَنِ ابنِ حَصِيرَةَ عَن أَبِي صَادِقٍ عَن جُندَبِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأزَديِّ قَالَقَامَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي النّاسِ،لِيَستَنفِرَهُم إِلَي أَهلِ الشّامِ، وَ ذَلِكَ بَعدَ انقِضَاءِ المُدّةِ التّيِ كَانَت بَينَهُ وَ بَينَهُم، وَ قَد شَنّ مُعَاوِيَةُ عَلَي بِلَادِ المُسلِمِينَ الغَارَاتِ،فَاستَنفَرَهُم فِي الرّغبَةِ فِي الجِهَادِ وَ الرّهبَةِ فَلَم يَنفِرُوا،فَأَضجَرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ المُجتَمِعَةُ أَبدَانُهُم المُختَلِفَةُ أَهوَاؤُهُم مَا عَزّت دَعوَةُ مَن دَعَاكُم، وَ لَا استَرَاحَ قَلبُ مَن قَاسَاكُم.كَلَامُكُم يُوهِنُ الصّمّ الصّلَابَ، وَ تَثَاقُلُكُم عَن طاَعتَيِ يَطمَعُ فِيكُم عَدُوّكُمُ[المُرتَابُ]. إِذَا أَمَرتُكُم قُلتُم«كَيتَ وَ كَيتَ
صفحه : 132
وَ عَسَي»أَعَالِيلُ بِأَبَاطِيلَ وَ تسَألَوُنيَّ التّأخِيرَ،دِفَاعَ ذيِ الدّينِ المَطُولِ.هَيهَاتَ هَيهَاتَ لَا يَدفَعُ الضّيمَ الذّلِيلُ، وَ لَا يُدرَكُ الحَقّ إِلّا بِالجِدّ وَ الصّبرِ. أَيّ دَارٍ بَعدَ دَارِكُم تَمنَعُونَ وَ مَعَ أَيّ إِمَامٍ بعَديِ تُقَاتِلُونَ المَغرُورُ وَ اللّهِ مَن غَرَرتُمُوهُ، وَ مَن فَازَ بِكُم فَازَ بِالسّهمِ الأَخيَبِ.أَصبَحتُ لَا أَطمَعُ فِي نُصرَتِكُم، وَ لَا أُصَدّقُ قَولَكُم،فَرّقَ اللّهُ بيَنيِ وَ بَينَكُم، وَ أعَقبَنَيِ بِكُم مَن هُوَ خَيرٌ لِي مِنكُم. أَمَا إِنّكُم سَتَلقَونَ بعَديِ ذُلّا شَامِلًا، وَ سَيفاً قَاطِعاً، وَ أَثَرَةً يَتّخِذُهَا الظّالِمُونَ فِيكُم سُنّةً،يُفَرّقُ جَمَاعَتُكُم، وَ تبَكيِ عُيُونُكُم، وَ تَمَنّونَ عَمّا قَلِيلٍ أَنّكُم رأَيَتمُوُنيِ فنَصَرَتمُوُنيِ، وَ سَتُعرَفُونَ مَا أَقُولُ لَكُم عَمّا قَلِيلٍ، وَ لَا يُبَعّدُ اللّهُ إِلّا مَن ظَلَمَ. قَالَ فَكَانَ جُندَبٌ لَا يَذكُرُ هَذَا الحَدِيثَ إِلّا بَكَي، وَ قَالَ صَدَقَ وَ اللّهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ، قَد شَمَلَنَا الذّلّ وَ رَأَينَاهُ الأَثَرَةَ، وَ لَا يُبَعّدُ اللّهُ إِلّا مَن ظَلَمَ.
شاج روُيَِ أَنّهُ لَمّا عَزَمَ عَلَي المَسِيرِ إِلَي الشّامِ لِقِتَالِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ بَعدَ حَمدِ اللّهِ وَ الثّنَاءِ عَلَيهِ، وَ الصّلَاةِ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اتّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ وَ أَطِيعُوهُ وَ أَطِيعُوا إِمَامَكُم، فَإِنّ الرّعِيّةَ الصّالِحَةَ تَنجُو بِالإِمَامِ العَادِلِ،أَلَا وَ إِنّ الرّعِيّةَ الفَاجِرَةَ تَهلِكُ بِالإِمَامِ الفَاجِرِ. وَ قَد أَصبَحَ مُعَاوِيَةُ غَاصِباً لِمَا فِي يَدَيهِ مِن حقَيّ،نَاكِثاً لبِيَعتَيِ،طَاعِناً فِي دِينِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ. وَ قَد عَلِمتُم أَيّهَا المُسلِمُونَ مَا فَعَلَ النّاسُ بِالأَمسِ،فجَئِتمُوُنيِ رَاغِبِينَ إلِيَّ
صفحه : 133
فِي أَمرِكُم، حَتّي استخَرجَتمُوُنيِ مِن منَزلِيِ لتِبُاَيعِوُنيِ،فَالتَوَيتُ عَلَيكُم لِأَبلُوَ مَا عِندَكُم،فرَاَودَتمُوُنيَِ القَولَ مِرَاراً، وَ رَادَدتُكُم، وَ تَدَاكَكتُم عَلَيّ تَدَاكّ الإِبِلِ الهِيمِ عَلَي حِيَاضِهَا،حِرصاً عَلَي بيَعتَيِ، حَتّي خِفتُ أَن يَقتُلَ بَعضُكُم بَعضاً، فَلَمّا رَأَيتُ ذَلِكَ مِنكُم،رَأَيتُ فِي أَمرِكُم وَ أمَريِ، وَ قُلتُ إِن أَنَا لَم أُجِبهُم إِلَي القِيَامِ بِأَمرِهِم، لَم يُصِيبُوا أَحَداً مِنهُم يَقُومُ فِيهِم مقَاَميِ، وَ يَعدِلُ فِيهِم عدَليِ. وَ قُلتُ وَ اللّهِ لَأَلِينُهُم وَ هُم يَعلَمُونَ حقَيّ وَ فضَليِ،أَحَبّ إلِيَّ مِن أَن يلَوُنيِ وَ لَا يَعرِفُونَ حقَيّ وَ فضَليِ.فَبَسَطتُ يدَيِ فبَاَيعَتمُوُنيّ يَا مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ، وَ فِيكُمُ المُهَاجِرُونَ وَ الأَنصَارُ وَ التّابِعُونَ بِإِحسَانٍ، وَ أَخَذتُ عَلَيكُم عَهدَ بيَعتَيِ وَ وَاجِبَ صفَقتَيِ[ وَ]عَهدَ اللّهِ وَ مِيثَاقَهُ. وَ أَشَدّ مَا أُخِذَ عَلَي النّبِيّينَ مِن عَهدٍ وَ مِيثَاقٍ لِتُقِرّنّ لِي، وَ لِتَسمَعُنّ لأِمَريِ، وَ لتِطُيِعوُنيِ وَ تنُاَصحِوُنيِ، وَ تُقَاتِلُونَ معَيِ كُلّ بَاغٍ عَلَيّ، أَو مَارِقٍ إِن مَرَقَ.فَبَايَعتُم لِي بِذَلِكَ جَمِيعاً، وَ أَخَذتُ عَلَيكُم عَهدَ اللّهِ وَ مِيثَاقَهُ وَ ذِمّةَ اللّهِ وَ ذِمّةَ رَسُولِهِ،فأَجَبَتمُوُنيِ إِلَي ذَلِكَ، وَ أَشهَدتُ اللّهَ عَلَيكُم، وَ أَشهَدتُ بَعضَكُم عَلَي بَعضٍ.فَقُمتُ فِيكُم بِكِتَابِ اللّهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.فَالعَجَبُ مِن مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفيَانَ ينُاَزعِنُيِ الخِلَافَةَ، وَ يجَحدَنُيِ الإِمَامَةَ، وَ يَزعُمُ أَنّهُ أَحَقّ بِهَا منِيّ،جُرأَةً مِنهُ عَلَي اللّهِ وَ رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ،بِغَيرِ حَقّ لَهُ فِيهَا، وَ لَا حُجّةٍ. وَ لَم يُبَايِعهُ المُهَاجِرُونَ، وَ لَا سَلِمَ لَهُ الأَنصَارُ وَ المُسلِمُونَ. يَا مَعَاشِرَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ وَ جَمَاعَةَ مَن سَمِعَ كلَاَميِ أَ مَا أَوجَبتُم لِي عَلَي أَنفُسِكُمُ الطّاعَةَ أَ مَا باَيعَتمُوُنيّ عَلَي الرّغبَةِ أَ مَا أَخَذتُ عَلَيكُمُ العَهدَ بِالقَبُولِ لقِوَليِ أَ مَا بيَعتَيِ لَكُم يَومَئِذٍ أَوكَدَ مِن بَيعَةِ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ فَمَا بَالُ مَن خاَلفَنَيِ لَم يَنقُض عَلَيهِمَا حَتّي مَضَيَا، وَ نَقَضَ عَلَيّ وَ لَم يُوَفّ لِي أَ مَا يَجِبُ عَلَيكُم نصُحيِ وَ يَلزَمُكُم أمَريِ أَ مَا تَعلَمُونَ أَنّ بيَعتَيِ تَلزَمُ الشّاهِدَ مِنكُم وَ الغَائِبَ فَمَا بَالُ مُعَاوِيَةَ وَ أَصحَابِهِ طَاعِنُونَ فِي بيَعتَيِ وَ لِمَ لَم يَفُوا لِي وَ أَنَا فِي قرَاَبتَيِ وَ ساَبقِتَيِ وَ صهِريِ،أَولَي بِالأَمرِ مِمّن تقَدَمّنَيِ أَ مَا سَمِعتُم قَولَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ
صفحه : 134
وَ آلِهِ يَومَ الغَدِيرِ فِي ولَاَيتَيِ وَ موُاَلاَتيِ.فَاتّقُوا اللّهَ أَيّهَا المُسلِمُونَ وَ تَحَاثّوا عَلَي جِهَادِ مُعَاوِيَةَ القَاسِطِ النّاكِثِ وَ أَصحَابِهِ القَاسِطِينَ،[ وَ]اسمَعُوا مَا أَتلُو عَلَيكُم مِن كِتَابِ اللّهِ المُنزَلِ عَلَي نَبِيّهِ المُرسَلِ لِتَتّعِظُوا،فَإِنّهُ وَ اللّهِ عِظَةٌ لَكُم.فَانتَفِعُوا بِمَوَاعِظِ اللّهِ وَ ازدَجِرُوا عَن معَاَصيِ اللّهِ،فَقَد وَعَظَكُمُ اللّهُ بِغَيرِكُم فَقَالَ لِنَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِأَ لَم تَرَ إِلَي المَلَإِ مِن بنَيِ إِسرائِيلَ مِن بَعدِ مُوسي إِذ قالُوا لنِبَيِّ لَهُمُ ابعَث لَنا مَلِكاً نُقاتِل فِي سَبِيلِ اللّهِ قالَ هَل عَسَيتُم إِن كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ أَلّا تُقاتِلُوا قالُوا وَ ما لَنا أَلّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قَد أُخرِجنا مِن دِيارِنا وَ أَبنائِنا فَلَمّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتالُ تَوَلّوا إِلّا قَلِيلًا مِنهُم وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ وَ قالَ لَهُم نَبِيّهُم إِنّ اللّهَ قَد بَعَثَ لَكُم طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّي يَكُونُ لَهُ المُلكُ عَلَينا وَ نَحنُ أَحَقّ بِالمُلكِ مِنهُ وَ لَم يُؤتَ سَعَةً مِنَ المالِ قالَ إِنّ اللّهَ اصطَفاهُ عَلَيكُم وَ زادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَ الجِسمِ وَ اللّهُ يؤُتيِ مُلكَهُ مَن يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.أَيّهَا النّاسُ إِنّ لَكُم فِي هَذِهِ الآيَاتِ عِبرَةً لِتَعلَمُوا أَنّ اللّهَ جَعَلَ الخِلَافَةَ وَ الإِمرَةَ مِن بَعدِ الأَنبِيَاءِ فِي أَعقَابِهِم، وَ أَنّهُ فَضّلَ طَالُوتَ وَ قَدّمَهُ عَلَي الجَمَاعَةِ بِاصطِفَائِهِ إِيّاهُ،وَ زادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ وَ الجِسمِ،فَهَل تَجِدُونَ اللّهَ اصطَفَي بنَيِ أُمَيّةَ عَلَي بنَيِ هَاشِمٍ، وَ زَادَ مُعَاوِيَةَ عَلَيّ بَسطَةً فِي العِلمِ وَ الجِسمِ فَاتّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ وَ جَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ قَبلَ أَن يَنَالَكُم سَخَطُهُ بِعِصيَانِكُم لَهُ، قَالَ اللّهُ سُبحَانَهُلُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن بنَيِ إِسرائِيلَ عَلي لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَي ابنِ مَريَمَ ذلِكَ بِما عَصَوا وَ كانُوا يَعتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ ما كانُوا يَفعَلُونَ.[ وَ قَالَ اللّهُ تَعَالَي]إِنّمَا المُؤمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمّ لَم يَرتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَموالِهِم وَ أَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ.
صفحه : 135
وَ قَالَ سُبحَانَهُيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا هَل أَدُلّكُم عَلي تِجارَةٍ تُنجِيكُم مِن عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَموالِكُم وَ أَنفُسِكُم ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَ يُدخِلكُم جَنّاتٍ تجَريِ مِن تَحتِهَا الأَنهارُ وَ مَساكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدنٍ ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ.اتّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ وَ تَحَاثّوا عَلَي الجِهَادِ مَعَ إِمَامِكُم.فَلَو كَانَ لِي بِكُم عِصَابَةٌ بِعَدَدِ أَهلِ بَدرٍ، إِذَا أَمَرتُهُم أطَاَعوُنيِ، وَ إِذَا استَنهَضتُهُم نَهَضُوا معَيِ،لَاستَغنَيتُ بِهِم عَن كَثِيرٍ مِنكُم، وَ أَسرَعتُ النّهُوضَ إِلَي حَربِ مُعَاوِيَةَ وَ أَصحَابِهِ،فَإِنّهُ الجِهَادُ المَفرُوضُ.
بيان إنّما أوردته في هذاالباب لأنّه بالنهوض الثاني أنسب منه بالأوّل، و إن احتمله .
شاج [ وَ] مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُيجَريِ مَجرَي الِاحتِجَاجِ،مُشتَمِلًا عَلَي التّوبِيخِ لِأَصحَابِهِ عَلَي تَثَاقُلِهِم لِقِتَالِ مُعَاوِيَةَ، وَ التّفنِيدِ،مُتَضَمّناً لِلّومٍ وَ الوَعِيدِ أَيّهَا النّاسُ إنِيّ استَنفَرتُكُم لِجِهَادِ هَؤُلَاءِ القَومِ فَلَم تَنفِرُوا، وَ أَسمَعتُكُم فَلَم تُجِيبُوا، وَ نَصَحتُ لَكُم فَلَم تَقبَلُوا،شُهُوداً كَالغُيّبِ.أَتلُو عَلَيكُمُ الحِكمَةَ فَتُعرِضُونَ عَنهَا، وَ أَعِظُكُم بِالمَوعِظَةِ البَالِغَةِ فَتَنفِرُونَ عَنهَا،كَأَنّكُمحُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ فَرّت مِن قَسوَرَةٍ وَ أَحُثّكُم عَلَي جِهَادِ أَهلِ الجَورِ فَمَا آتيِ عَلَي آخِرِ قوَليِ، حَتّي أَرَاكُم مُتَفَرّقِينَ أيَاَديَِ سَبَا تَرجِعُونَ إِلَي مَجَالِسِكُم
صفحه : 136
تَتَرَبّعُونَ حَلَقاً،تَضرِبُونَ الأَمثَالَ، وَ تُنشِدُونَ الأَشعَارَ، وَ تَجَسّسُونَ الأَخبَارَ، حَتّي إِذَا تَفَرّقتُم،تَسأَلُونَ عَنِ الأَشعَارِ.جَهلَةً مِن غَيرِ عِلمٍ، وَ غَفلَةً مِن غَيرِ وَرَعٍ، وَ تَتَبّعاً مِن غَيرِ خَوفٍ. وَ نَسِيتُمُ الحَربَ وَ الِاستِعدَادَ لَهَا،فَأَصبَحَت قُلُوبُكُم فَارِغَةً مِن ذِكرِهَا،شَغَلتُمُوهَا بِالأَعَالِيلِ وَ الأَضَالِيلِ.فَالعَجَبُ كُلّ العَجَبِ وَ كَيفَ لَا أَعجَبُ مِنِ اجتِمَاعِ قَومٍ عَلَي بَاطِلِهِم وَ تَخَاذُلِكُم عَن حَقّكُم. يَا أَهلَ الكُوفَةِ أَنتُم كَأُمّ مُجَالِدٍ،حَمَلَت فَأَملَصَت،فَمَاتَ قَيّمُهَا، وَ طَالَ أَيّمُهَا وَ وَرِثَهَا أَبعَدُهَا. وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ، إِنّ مِن وَرَائِكُمُ الأَعوَرَ الأَدبَرَ جَهَنّمَ الدّنيَا، لَا يبُقيِ وَ لَا يَذَرُ. وَ مَن بَعدَهُ النّهّاسُ الفَرّاسُ،الجَمُوعُ المَنُوعُ، ثُمّ لَيَتَوَارَثَنّكُم مِن بنَيِ أُمَيّةَ عِدّةٌ، مَا الآخَرُ[مِنهُم]بِأَرأَفَ بِكُم مِنَ الأَوّلِ، مَا خَلَا رَجُلًا وَاحِداً[مِنهُم]بَلَاءٌ قَضَاهُ اللّهُ عَلَي هَذِهِ الأُمّةِ، لَا مَحَالَةَ كَائِنٌ.يَقتُلُونَ خِيَارَكُم، وَ يَستَعبِدُونَ أَرذَالَكُم، وَ يَستَخرِجُونَ كُنُوزَكُم وَ ذَخَائِرَكُم مِن جَوفِ حِجَالِكُم،نَقِمَةً بِمَا ضَيّعتُم مِن أُمُورِكُم وَ صَلَاحِ أَنفُسِكُم وَ دِينِكُم. يَا أَهلَ الكُوفَةِ أُخبِرُكُم بِمَا يَكُونُ قَبلَ أَن يَكُونَ،لِتَكُونُوا مِنهُ عَلَي حَذَرٍ، وَ لِتُنذِرُوا بِهِ مَنِ اتّعَظَ وَ اعتَبَرَ.كأَنَيّ بِكُم تَقُولُونَ إِنّ عَلِيّاً يَكذِبُ كَمَا قَالَت قُرَيشٌ لِنَبِيّهَا وَ سَيّدِهَا نبَيِّ الرّحمَةِ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ حَبِيبِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ.فَيَا وَيلَكُم،فَعَلَي مَن أَكذِبُ أَ عَلَي اللّهِ فَأَنَا أَوّلُ مَن عَبَدَ اللّهَ وَ وَحّدَهُ،أَم عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَأَنَا أَوّلُ مَن آمَنَ بِهِ وَ صَدّقَهُ وَ نَصَرَهُ.كَلّا وَ لَكِنّهَا لَهجَةُ خُدعَةٍ كُنتُم عَنهَا أَغبِيَاءَ.
صفحه : 137
وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ،لَتَعلَمُنّ نَبَأَهَابَعدَ حِينٍ، وَ ذَلِكَ إِذَا صَيّرَكُم إِلَيهَا جَهلُكُم، وَ لَا يَنفَعُكُم عِندَهَا عِلمُكُم.فَقُبحاً لَكُم يَا أَشبَاهَ الرّجَالِ وَ لَا رِجَالَ،حُلُومُ الأَطفَالِ وَ عُقُولُ رَبّاتِ الحِجَالِ. أَمَا وَ اللّهِ أَيّهَا الشّاهِدَةُ أَبدَانُهُم،الغَائِبَةُ عَنهُم عُقُولُهُم،المُختَلِفَةُ أَهوَاؤُهُم مَا أَعَزّ اللّهُ نَصرَ مَن دَعَاكُم، وَ لَا استَرَاحَ قَلبُ مَن قَاسَاكُم، وَ لَا قَرّت عَينُ مَن آوَاكُم.كَلَامُكُم يوُهيِ الصّمّ الصّلَابَ، وَ فِعلُكُم يُطمِعُ فِيكُم عَدُوّكُمُ المُرتَابَ. يَا وَيحَكُم، أَيّ دَارٍ بَعدَ دَارِكُم تَمنَعُونَ وَ مَعَ أَيّ إِمَامٍ بعَديِ تُقَاتِلُونَ وَ المَغرُورُ وَ اللّهِ مَن غَرَرتُمُوهُ، وَ مَن فَازَ بِكُم فَازَ بِالسّهمِ الأَخيَبِ.أَصبَحتُ لَا أَطمَعُ فِي نَصرِكُم، وَ لَا أُصَدّقُ قَولَكُم.فَرّقَ اللّهُ بيَنيِ وَ بَينَكُم، وَ أعَقبَنَيِ بِكُم مَن هُوَ خَيرٌ لِي مِنكُم، وَ أَعقَبَكُم بيِ مَن هُوَ شَرّ لَكُم منِيّ.إِمَامُكُم يُطِيعُ اللّهَ وَ أَنتُم تَعصُونَهُ، وَ إِمَامُ أَهلِ الشّامِ يعَصيِ اللّهَ وَ هُم يُطِيعُونَهُ. وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ مُعَاوِيَةَ صاَرفَنَيِ بِكُم صَرفَ الدّينَارِ بِالدّرهَمِ،فَأَخَذَ منِيّ عَشَرَةً مِنكُم وَ أعَطاَنيِ وَاحِداً مِنهُم وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أنَيّ لَم أَعرِفكُم، وَ لَم تعَرفِوُنيِ،فَإِنّهَا مَعرِفَةٌ جَرَت نَدَماً لَقَد وَرّيتُم صدَريِ غَيظاً، وَ أَفسَدتُم عَلَيّ أمَريِ بِالخِذلَانِ وَ العِصيَانِ، حَتّي لَقَد قَالَت قُرَيشٌ إِنّ عَلِيّاً رَجُلٌ شُجَاعٌ[ وَ]لَكِن لَا عِلمَ لَهُ بِالحُرُوبِ.لِلّهِ دَرّهُم هَل كَانَ فِيهِم أَحَدٌ أَطوَلُ لَهَا مِرَاساً منِيّ وَ أَشَدّ لَهَا مُقَاسَاةً لَقَد نَهَضتُ فِيهَا وَ مَا بَلَغتُ العِشرِينَ، ثُمّ هَا أَنَا قَد ذَرّفتُ عَلَي السّتّينَ، وَ لَكِن لَا أَمرَ لِمَن لَا يُطَاعُ. أَمَا وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ ربَيّ قَد أخَرجَنَيِ مِن بَينِ أَظهُرِكُم إِلَي رِضوَانِهِ، وَ أَنّ المَنِيّةَ لتَرَصدُنُيِ،فَمَا يَمنَعُ أَشقَاهَا أَن يَخضِبَهَا وَ نَزّلَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]يَدَهُ عَلَي رَأسِهِ وَ لِحيَتِهِ عَهداً عَهِدَهُ إلِيَّ النّبِيّ الأمُيّّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.وَ قَد خابَ مَنِ
صفحه : 138
افتَري
، وَ نَجَا مَنِاتّقي وَ صَدّقَ بِالحُسني. يَا أَهلَ الكُوفَةِ قَد دَعَوتُكُم إِلَي جِهَادِ هَؤُلَاءِ القَومِ لَيلًا وَ نَهَاراً، وَ سِرّاً وَ إِعلَاناً، وَ قُلتُ لَكُمُ اغزُوهُم قَبلَ أَن يَغزُوكُم فَإِنّهُ مَا غزُيَِ قَومٌ فِي عُقرِ دَارِهِم إِلّا ذَلّوا.فَتَوَاكَلتُم وَ تَخَاذَلتُم، وَ ثَقُلَ عَلَيكُم قوَليِ، وَ استَصعَبَ عَلَيكُم أمَريِ،وَ اتّخَذتُمُوهُ وَراءَكُم ظِهرِيّا حَتّي شُنّت عَلَيكُمُ الغَارَاتُ، وَ ظَهَرَت فِيكُمُ الفَوَاحِشُ وَ المُنكَرَاتُ،تُمسِيكُم وَ تُصبِحُكُم كَمَا فَعَلَ بِأَهلِ المَثُلَاتِ مِن قَبلِكُم،حَيثُ أَخبَرَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ عَنِ الجَبَابِرَةِ العُتَاةِ الطّغَاةِ، وَ المُستَضعَفِينَ الغُوَاةِ فِي قَولِهِ تَعَالَييُذَبّحُونَ أَبناءَكُم وَ يَستَحيُونَ نِساءَكُم وَ فِي ذلِكُم بَلاءٌ مِن رَبّكُم عَظِيمٌ. أَمّا وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ لَقَد حَلّ بِكُمُ ألّذِي تُوعَدُونَ.عَاتَبتُكُم يَا أَهلَ الكُوفَةِ بِمَوَاعِظِ القُرآنِ فَلَم أَنتَفِع بِكُم، وَ أَدّبتُكُم بِالدّرّةِ فَلَم تَستَقِيمُوا لِي، وَ عَاقَبتُكُم بِالسّوطِ ألّذِي يُقَامُ بِهِ الحُدُودُ فَلَم تَرعَوُوا. وَ لَقَد عَلِمتُ أَنّ ألّذِي يُصلِحُكُم هُوَ السّيفُ. وَ مَا كُنتُ مُتَحَرّياً صَلَاحَكُم بِفَسَادِ نفَسيِ، وَ لَكِن سَيُسَلّطُ عَلَيكُم سُلطَانٌ صَعبٌ، لَا يُوَقّرُ كَبِيرَكُم، وَ لَا يَرحَمُ صَغِيرَكُم، وَ لَا يُكرِمُ عَالِمَكُم، وَ لَا يَقسِمُ الفيَءَ بِالسّوِيّةِ بَينَكُم، وَ لَيَضرِبَنّكُم وَ لَيُذِلَنّكُم، وَ لَيَجُرَنّكُم فِي المغَاَزيِ، وَ يَقطَعَنّ سُبُلَكُم، وَ لَيَحجُبَنّكُم عَلَي بَابِهِ حَتّي يَأكُلَ قَوِيّكُم ضَعِيفَكُم، ثُمّ لَا يُبَعّدُ اللّهُ إِلّا مَن ظَلَمَ. وَ لَقَلّ مَا أَدبَرَ شَيءٌ فَأَقبَلَ،إنِيّ لَأَظُنّكُم عَلَي فَترَةٍ، وَ مَا عَلَيّ إِلّا النّصحُ لَكُم. يَا أَهلَ الكُوفَةِ مُنِيتُ مِنكُم بِثَلَاثٍ وَ اثنَتَينِ صُمّ ذَوُو أَسمَاعٍ، وَ بُكمٌ ذَوُو أَلسُنٍ، وَ عمُيٌ ذَوُو أَبصَارٍ. لَا إِخوَانُ صِدقٍ عِندَ اللّقَاءِ، وَ لَا إِخوَانُ ثِقَةٍ عِندَ البَلَاءِ.
صفحه : 139
أللّهُمّ إنِيّ قَد مَلِلتُهُم وَ ملَوّنيِ، وَ سَئِمتُهُم وَ سئَمِوُنيِ. أللّهُمّ لَا تُرضِ عَنهُم أَمِيراً، وَ لَا تُرضِهِم عَن أَمِيرٍ، وَ أَمِث قُلُوبَهُم كَإِيمَاثِ المِلحِ فِي المَاءِ. أَمَا وَ اللّهِ لَو[كُنتُ]أَجِدُ بُدّاً مِن كَلَامِكُم وَ مُرَاسَلَتِكُم مَا فَعَلتُ. وَ لَقَد عَاتَبتُكُم فِي رُشدِكُم حَتّي سَئِمتُ الحَيَاةَ،[ وَ أَنتُم فِي] كُلّ ذَلِكَ تَرجِعُونَ بِالهُزءِ مِنَ القَولِ،فِرَاراً مِنَ الحَقّ، وَ إِلحَاداً إِلَي البَاطِلِ ألّذِي لَا يُعِزّ اللّهُ بِأَهلِهِ الدّينَ، وَ إنِيّ لَأَعلَمُ بِكُم أَنّكُم لَا تزَيِدوُننَيِ غَيرَ تَخسِيرٍ.كُلّمَا أَمَرتُكُم بِجِهَادِ عَدُوّكُم اثّاقَلتُم إِلَي الأَرضِ، وَ سأَلَتمُوُنيَِ التّأخِيرَ دِفَاعَ ذيِ الدّينِ المَطُولِ. إِن قُلتُ لَكُم فِي القَيظِ سِيرُوا.قُلتُم الحَرّ شَدِيدٌ. وَ إِن قُلتُ لَكُم سِيرُوا فِي البَردِ.قُلتُم القَرّ شَدِيدٌ. كُلّ ذَلِكَ فِرَاراً عَنِ الحَربِ إِذَا كُنتُم عَنِ الحَرّ وَ البَردِ تَعجِزُونَ،فَأَنتُم عَن حَرَارَةِ السّيفِ أَعجَزُ وَ أَعجَزُ.فَإِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيهِ راجِعُونَ. يَا أَهلَ الكُوفَةِ قَد أتَاَنيَِ الصّرِيحُ يخُبرِنُيِ أَنّ ابنَ غَامِدٍ قَد نَزَلَ الأَنبَارَ عَلَي أَهلِهَا لَيلًا فِي أَربَعَةِ آلَافٍ،فَأَغَارَ عَلَيهِم كَمَا يُغَارُ عَلَي الرّومِ وَ الخَزَرِ،فَقَتَلَ بِهَا عاَملِيِ ابنَ حَسّانَ، وَ قَتَلَ مَعَهُ رِجَالًا صَالِحِينَ ذوَيِ فَضلٍ وَ عِبَادَةٍ وَ نَجدَةٍ،بَوّأَ اللّهُ لَهُم جَنّاتِ النّعِيمِ، وَ إِنّهُ أَبَاحَهَا. وَ قَد بلَغَنَيِ أَنّ العُصبَةَ مِن أَهلِ الشّامِ،كَانُوا يَدخُلُونَ عَلَي المَرأَةِ المُسلِمَةِ وَ الأُخرَي المُعَاهَدَةِ،فَيَهتِكُونَ سِترَهَا، وَ يَأخُذُونَ القِنَاعَ مِن رَأسِهَا، وَ الخُرصَ مِن أُذُنِهَا، وَ الأَوضَاحَ مِن يَدَيهَا وَ رِجلَيهَا وَ عَضُدَيهَا، وَ الخَلخَالَ وَ المِئزَرَ عَن سُوقِهَا،فَمَا تَمتَنِعُ إِلّا بِالِاستِرجَاعِ وَ النّدَاءِ« يَا لَلمُسلِمِينَ» فَلَا يُغِيثُهَا مُغِيثٌ وَ لَا يَنصُرُهَا نَاصِرٌ،فَلَو أَنّ مُؤمِناً مَاتَ مِن دُونِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ عنِديِ مَلُوماً بَل كَانَ عنِديِ بَارّاً مُحسِناً.
صفحه : 140
وَا عَجَباً كُلّ العَجَبِ مِن تَظَافُرِ هَؤُلَاءِ القَومِ عَلَي بَاطِلِهِم، وَ فَشَلِكُم عَن حَقّكُم قَد صِرتُم غَرَضاً يُرمَي وَ لَا تَرمُونَ، وَ تُغزَونَ وَ لَا تَغزُونَ، وَ يَعصُونَ اللّهَ وَ تَرضَونَ،فَتَرِبَت أَيدِيكُم يَا أَشبَاهَ الإِبِلِ غَابَ عَنهَا رُعَاتُهَا،كُلّمَا اجتَمَعَت مِن جَانِبٍ تَفَرّقَت مِن جَانِبٍ.
بيان التّفنيد اللّوم وتضعيف الرأي. والقسورة الأسد. و قال الجوهري أملصت المرأة بولدها أي أسقطته . ونهس اللحم أخذه بمقدّم الأسنان . ونهس الحيّة لسعها. وفرس الأسد فريسته دقّ عنقها. والمراد بالنّهاس الفراس ،إمّا هشام بن عبدالملك لاشتهاره بالبخل ، أوسليمان بن عبدالملك ،فإنّه ألّذي قيضت له الخلافة بعدوفاة الحجّاج بقليل . والأوّل أنسب . والمراد بالرّجل الواحد[ هو]عمر بن عبدالعزيز. قوله عليه السّلام« ولكنّها لهجة خدعة» أي إذا قلت لكم سأظفر علي الخصم إن شاء اللّه،فليس هذا من الكذب ،بل هو كمامرّ وكذا أشباهه من مصالح الحرب وغيره . ويحتمل إرجاع ضمير«لكنّها» إلي ماذكره من نسبته عليه السلام إلي الكذب ،خصوصا علي نسخة«أغنياء»بالنّون، أي ماذكرتم لهجة خدعتم فيها من الشيطان ، و لم تكن لكم حاجة إلي ذكرها. و في الصحاح وهي السّقاء يهي وهيا إذاانخرق وانشقّ. و فيه وري القيح جوفه يريه وريا أكله والاسم الوري بالتحريك . وورّي الجرح سائره تورية أصابه الوري . والمراس الممارسة والمعالجة. ورصده رقبه . والترصّد الترقّب.
صفحه : 141
قوله عليه السلام «تمسيكم وتصبحكم »لعلّ الضمير المستتر فيهما راجع إلي الفواحش والمنكرات أي يأتيكم إمّا صباحا أومساء عقوبات تلك المنكرات كمافعل بمن قبلكم . أوالكاف اسميّ أي يأتيكم مثل مافعل بهم . أوقبله تقدير أي يأتيكم عقوبته كمافعل بهم . أوالضميران راجعان إلي شنّ الغارات وظهور الفواحش والمنكرات ، و يكون المراد ظهورها من المخالفين فيهم فهذه عقوبة أعمالهم . قوله عليه السلام « وليجرّنكم» أي يبعثكم جبرا. و في بعض النسخ « وليجهّزنّكم». و في بعضها« وليجمّرنكم» وتجمير الجيش أن تحبسهم في أرض العدوّ و لاتقفلهم من الثغر. وتجمّروا أي تحبسوا. و[ قوله عليه السلام ]« وليحجبنّكم»ضمّن معني القيام فعديّ ب« علي ». قوله عليه السّلام« إن قلت لكم في القيظ»[كذا في كتاب الإحتجاج و] في [ كتاب ]الإرشاد« إذا قلت لكم انفروا في الشتاء.قلتم هذاأوان قرّ وصر. و إن قلت لكم انفروا في الصيف .قلتم « هذه حمارّة القيظ أنظرنا ينصرم الحرّ عنّا كلّ ذلك فرارا عن الجنّة.[ و] إذاكنتم عن الحرّ والبرد ...» إلي آخر الكلام . قوله عليه السلام « قدأتاني الصريح »[كذا] في أكثر النسخ بالحاء المهملة، و هو الرجل الخالص النسب . و كلّ خالص صريح . والأظهر أنّه بالخاء المعجمة كما في [ كتاب ]الإرشاد أي المستغيث أي من يطلب الإغاثة والمدد لدفع ظلمهم . والعصبة من الرجال بالضمّ ما بين العشرة إلي الأربعين . و في
صفحه : 142
القاموس الخرص بالضمّ ويكسر حلقة الذهب والفضّة أوحلقة القرط أوالحلقة الصغيرة من الحلي. و في النهاية[الخرص بالضمّ والكسر]الحلقة الصغيرة من الحلي و هو من حلي الأذن . و[أيضا] قال [ ابن الأثير] فيه « أنّ يهوديا قتل جارية علي أوضاح لها»هي نوع من الحلي يعمل من الفضّة سمّيت بهالبياضها،واحدها وضح . و قدأوردنا شرح بعض الفقرات في الروايات الأخر.
مع الطاّلقَاَنيِّ عَنِ الجوَهرَيِّ عَنِ الجلَوُديِّ وَ هِشَامِ بنِ عَلِيّ مَعاً عَنِ ابنِ عَائِشَةَ،بِإِسنَادٍ ذَكَرَهُ أَنّ عَلِيّاً[ عَلَيهِ السّلَامُ]انتَهَي إِلَيهِ أَنّ خَيلًا لِمُعَاوِيَةَ وَرَدَتِ الأَنبَارَ،فَقَتَلُوا عَامِلًا لَهُ يُقَالُ لَهُ حَسّانُ بنُ حَسّانَ.فَخَرَجَ مُغضَباً يَجُرّ ثَوبَهُ حَتّي أَتَي النّخَيلَةَ، وَ اتّبَعَهُ النّاسُ فرَقَيَِ رِبَاوَةً مِنَ الأَرضِ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ صَلّي عَلَي نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ فَإِنّ الجِهَادَ بَابٌ مِن أَبوَابِ الجَنّةِ،فَتَحَهُ اللّهُ لِخَاصّةِ أَولِيَائِهِ، وَ هُوَلِباسُ التّقوي، وَ دِرعُ اللّهِ الحَصِينَةُ، وَ جُنّتُهُ الوَثِيقَةُ،فَمَن تَرَكَهُ رَغبَةً عَنهُ أَلبَسَهُ اللّهُ ثَوبَ الذّلّ، وَ سِيمَاءَ الخَسفِ، وَ دُيّثَ بِالصّغَارِ. وَ قَد دَعَوتُكُم إِلَي حَربِ هَؤُلَاءِ القَومِ لَيلًا وَ نَهَاراً وَ سِرّاً وَ إِعلَاناً، وَ قُلتُ لَكُمُ اغزُوهُم مِن قَبلِ أَن يَغزُوكُم،فَوَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ مَا غزُيَِ قَومٌ قَطّ فِي عُقرِ دِيَارِهِم، إِلّا ذَلّوا،فَتَوَاكَلتُم وَ تَخَاذَلتُم وَ ثَقُلَ عَلَيكُم قوَليِ،وَ اتّخَذتُمُوهُ وَراءَكُم ظِهرِيّا حَتّي شُنّت عَلَيكُمُ الغَارَاتُ. هَذَا أَخُو غَامِدٍ قَد وَرَدَت خَيلُهُ الأَنبَارَ، وَ قَتَلُوا حَسّانَ بنَ حَسّانَ وَ رِجَالًا مِنهُم كَثِيراً وَ نِسَاءً، وَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ لَقَد بلَغَنَيِ أَنّهُ كَانَ[ الرّجُلُ مِن أَهلِ
صفحه : 143
الشّامِ]يَدخُلُ عَلَي المَرأَةِ المُسلِمَةِ وَ المُعَاهَدَةِ فَيَنتَزِعُ أَحجَالَهُمَا وَ رُعُثَهُمَا، ثُمّ انصَرَفُوا مَوفُورِينَ لَم يُكلَم أَحَدٌ مِنهُم كَلماً.فَلَو أَنّ امرَأً مُسلِماً مَاتَ مِن دُونِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ عنِديِ فِيهِ مَلُوماً،بَل كَانَ عنِديِ بِهِ جَدِيراً. يَا عَجَباً كُلّ العَجَبِ مِن تَظَافُرِ هَؤُلَاءِ القَومِ عَلَي بَاطِلِهِم وَ فَشَلِكُم عَن حَقّكُم إِذَا قُلتُ لَكُمُ اغزُوهُم فِي الشّتَاءِ،قُلتُم هَذَا أَوَانُ قُرّ وَ صِرّ. وَ إِن قُلتُ لَكُمُ اغزُوهُم فِي الصّيفِ،قُلتُم هَذِهِ حَمَارّةُ القَيظِ،أَنظِرنَا يَنصَرِمِ الحَرّ عَنّا. فَإِذَا أَنتُم مِنَ الحَرّ وَ البَردِ تَفِرّونَ،فَأَنتُم وَ اللّهِ مِنَ السّيفِ أَفَرّ. يَا أَشبَاهَ الرّجَالِ وَ لَا رِجَالَ وَ يَا طَغَامَ الأَحلَامِ وَ يَا عُقُولَ رَبّاتِ الحِجَالِ. وَ اللّهِ لَقَد أَفسَدتُم عَلَيّ رأَييِ بِالعِصيَانِ، وَ لَقَد مَلَأتُم جوَفيِ غَيظاً حَتّي قَالَت قُرَيشٌ إِنّ ابنَ أَبِي طَالِبٍ شُجَاعٌ وَ لَكِن لَا رأَيَ لَهُ فِي الحَربِ.لِلّهِ دَرّهُم وَ مَن ذَا يَكُونُ أَعلَمَ بِهَا وَ أَشَدّ لَهَا مِرَاساً منِيّ فَوَ اللّهِ لَقَد نَهَضتُ فِيهَا وَ مَا بَلَغتُ العِشرِينَ، وَ لَقَد نَيّفتُ اليَومَ عَلَي السّتّينَ، وَ لَكِن لَا رأَيَ لِمَن لَا يُطَاعُ.يَقُولُهَا ثَلَاثاً.فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ وَ مَعَهُ أَخُوهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَنَا وَ أخَيِ هَذَا كَمَا قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ حِكَايَةً عَن مُوسَيرَبّ إنِيّ لا أَملِكُ إِلّا نفَسيِ وَ أخَيِفَمُرنَا بِأَمرِكَ،فَوَ اللّهِ لَنَنتَهِيَنّ إِلَيهِ وَ لَو حَالَ بَينَنَا وَ بَينَهُ جَمرُ الغَضَا وَ شَوكُ القَتَادِ.فَدَعَا لَهُ بِخَيرٍ ثُمّ قَالَ وَ أَينَ تَقَعَانِ مِمّا أُرِيدُ ثُمّ نَزَلَ[ عَلَيهِ السّلَامُ].
قال الصدوق رضي اللّه عنه تفسير قال المبرد سيماء الخسف تأويله علامة[الخسف ] قال اللّه عزّ و جلّسِيماهُم فِي وُجُوهِهِم مِن أَثَرِ السّجُودِ
صفحه : 144
و قال اللّه عزّ و جلّيُعرَفُ المُجرِمُونَ بِسِيماهُم و قال اللّه عزّ و جلّيُمدِدكُم رَبّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ أي معلّمين. و قوله «ديّث بالصّغار»تأويل ذلك يقال للبعير إذ ذلّلته الرياضة بعير مديث أي مذلّل. و قوله « في عقر ديارهم » أي في أصل ديارهم . والعقر الأصل . و من ثمّ يقال لفلان عقار أي أصل مال . و قوله «تواكلتم » هومشتقّ من وكلت الأمر إليك ووكلته إليّ إذا لم يتولّه أحد دون صاحبه ، ولكن أحال به كلّ واحد علي الآخر. و من ذلك قول الحطيئة أمور إذاواكلتها لاتواكلوا. و قوله « واتّخذتموه وراءكم ظهريّا» أي لم تلتفتوا إليه .يقال في المثل لاتجعل حاجتي منك بظهري أي لاتطرحها غيرناظر إليها. و قوله « حتّي شنّت عليكم الغارات »يعني صبّت.يقال شننت الماء علي رأسه أي صببته . و من كلام العرب فلمّا لقي فلان فلانا شنّه بالسيف أي صبّه عليه صبا. و قوله « هذاأخو غامد»فهو رجل مشهور من أصحاب معاوية من بني غامد بن نصر من الأزد. قوله «فينتزع أحجالهما»يعني الخلاخيل ،واحدها حجل ، و من ذلك قيل للدابة محجلة. ويقال للقيد حجل لأنّه يقع في ذلك الموضع . و[ أمّا] قوله « ورعثهما»فهي الشنوف واحدها رعثة، وجمعها رعاث وجمع الجمع رعث . و قوله « ثمّ انصرفوا موفورين » من الوفر أي لم ينل أحد منهم بأن يرزأ
صفحه : 145
في بدن و لامال .يقال فلان موفور، وفلان ذو وفر أي ذو مال ، و يكون موفورا في بدنه . و قوله « لم يكلم أحد منهم كلما» أي لم يخدش أحد منهم خدشا، و كل جرح صغير أوكبير فهو كلم . و قوله «مات من دون هذاأسفا» يقول تحسرا، و قد يكون الأسف الغضب ، قال اللّه عزّ و جلّ« فَلَمّا آسَفُونا انتَقَمنا مِنهُم» والأسيف يكون الأجير، و يكون الأسير. و قوله « من تظافر هؤلاء القوم علي باطلهم » أي من تعاونهم وتظاهرهم . و قوله « وفشلكم من حقكم »يقال فشل فلان عن كذا إذاهابه فنكل عنه وامتنع من المضي فيه . و قوله «قلتم هذاأوان قرّ وصرّ».فالصرّ شدّة البرد، قال اللّه عزّ و جلّ«كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرّ». و قوله « هذه حمارّة القيظ».فالقيظ الصيف ، وحمارته اشتداد حرّه.بيان قوله « وجمع الجمع رعث ».[ قال ابن أثير] في [مادّة«رعث » من كتاب ]النهاية الرّعاث القرطة وهي من حلي الأذن ،واحدتها رعثة رعثه وجنسها الرعث .أقول قدمرّ شرح باقي الفقرات ، في رواية أخري .
مَا قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ
صفحه : 146
المَوتُ طَالِبٌ وَ مَطلُوبٌ، لَا يُعجِزُهُ المُقِيمُ، وَ لَا يَفُوتُهُ الهَارِبُ،فَقَدّمُوا وَ لَا تَنكُلُوا،فَإِنّهُ لَيسَ عَنِ المَوتِ مَحِيصٌ،إِنّكُم إِن لَم تُقتَلُوا تَمُوتُوا. وَ ألّذِي نَفسُ عَلِيّ بِيَدِهِ،لَأَلفُ ضَربَةٍ بِالسّيفِ عَلَي الرّأسِ،أَهوَنُ مِن مَوتٍ عَلَي فِرَاشٍ.
ماالمُفِيدُ عَنِ التّمّارِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَن أَبِي نُعَيمٍ، عَن صَالِحِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن هِشَامٍ عَن أَبِي مِخنَفٍ عَنِ الأَعمَشِ، عَن أَبِي إِسحَاقَ السبّيِعيِّ عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ رَحِمَهُ اللّهُ، قَالَ إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]خَطَبَ ذَاتَ يَومٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ، وَ صَلّي عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ اسمَعُوا مقَاَلتَيِ وَ عُوا كلَاَميِ، إِنّ الخُيَلَاءَ مِنَ التّجَبّرِ، وَ النّخوَةَ مِنَ التّكَبّرِ، وَ إِنّ الشّيطَانَ عَدُوّ حَاضِرٌ يَعِدُكُمُ البَاطِلَ.أَلَا إِنّ المُسلِمَ أَخُو المُسلِمِ، فَلَا تَنَابَزُوا وَ لَا تَخَاذَلُوا، فَإِنّ شَرَائِعَ الدّينِ وَاحِدَةٌ، وَ سُبُلَهُ قَاصِدَةٌ، مَن أَخَذَ بِهَا لَحِقَ، وَ مَن تَرَكَهَا مَرَقَ وَ مَن فَارَقَهَا مُحِقَ. لَيسَ المُسلِمُ بِالخَائِنِ إِذَا ائتُمِنَ، وَ لَا بِالمُخلِفِ إِذَا وَعَدَ، وَ لَا بِالكَذُوبِ إِذَا نَطَقَ.نَحنُ أَهلُ بَيتِ الرّحمَةِ، وَ قَولُنَا الحَقّ، وَ فِعلُنَا القِسطُ، وَ مِنّا خَاتَمُ النّبِيّينَ، وَ فِينَا قَادَةُ الإِسلَامِ وَ أُمَنَاءُ الكِتَابِ،نَدعُوكُم إِلَي اللّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ إِلَي جِهَادِ عَدُوّهِ وَ الشّدّةِ فِي أَمرِهِ وَ ابتِغَاءِ رِضوَانِهِ، وَ إِلَي إِقَامِ الصّلَاةِ وَ إِيتَاءِ الزّكَاةِ وَ حِجّ البَيتِ وَ صِيَامِ شَهرِ رَمَضَانَ وَ تَوفِيرِ الفيَءِ لِأَهلِهِ.أَلَا وَ إِنّ[ مِن]أَعجَبِ العَجَبِ أَنّ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفيَانَ الأمُوَيِّ وَ عَمرَو
صفحه : 147
بنَ عَاصٍ السهّميِّ،يُحَرّضَانِ النّاسَ عَلَي طَلَبِ الدّينِ بِزَعمِهِمَا وَ إنِيّ وَ اللّهِ لَم أُخَالِف رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَطّ، وَ لَم أَعصِهِ فِي أَمرٍ قَطّ،أَقِيهِ بنِفَسيِ فِي المَوَاطِنِ التّيِ تَنكُصُ فِيهَا الأَبطَالُ، وَ تُرعِدُ فِيهَا الفَرَائِصُ،بِقُوّةٍ أكَرمَنَيَِ اللّهُ بِهَا فَلَهُ الحَمدُ. وَ لَقَد قُبِضَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ إِنّ رَأسَهُ فِي حجَريِ، وَ لَقَد وُلّيتُ غُسلَهُ،أَغسِلُهُ بيِدَيِ، وَ تُقَلّبُهُ المَلَائِكَةُ المُقَرّبُونَ. وَ ايمُ اللّهِ، مَا اختَلَفَت أُمّةٌ بَعدَ نَبِيّهَا إِلّا ظَهَرَ أَهلُ بَاطِلِهَا عَلَي حَقّهَا، إِلّا مَا شَاءَ اللّهُ. قَالَ فَقَامَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ فَقَالَ أَمّا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ فَقَد أُعلِمُكُم أَنّ الأُمّةَ لَم تَستَقِم عَلَيهِ.فَتَفَرّقَ النّاسُ وَ قَد نَفَذَت بَصَائِرُهُم.
ماالمُفِيدُ عَنِ الكَاتِبِ عَنِ الزعّفرَاَنيِّ عَنِ الثقّفَيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَن زَيدِ بنِ المُعَدّلِ عَن يَحيَي بنِ صَالِحٍ الطيّاَلسِيِّ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ زِيَادٍ عَن رَبِيعَةَ بنِ نَاجِدٍ قَالَ لَمّا وَجّهَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفيَانَ ابنَ عَوفٍ الغاَمدِيِّ إِلَي الأَنبَارِ إِلَي الغَارَةِ،بَعَثَهُ فِي سِتّةِ آلَافِ فَارِسٍ،فَأَغَارَ عَلَي«هِيتَ» وَ«الأَنبَارِ» وَ قَتَلَ المُسلِمِينَ وَ سَبَي الحَرِيمَ وَ عَرَضَ النّاسَ عَلَي البَرَاءَةِ مِن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ،استَنفَرَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ النّاسَ وَ قَد كَانُوا تَقَاعَدُوا عَنهُ وَ اجتَمَعُوا عَلَي خِذلَانِهِ، وَ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فِي النّاسِ فَاجتَمَعُوا فَقَامَ خَطِيباً،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ صَلّي عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ أَيّهَا النّاسُ فَوَ اللّهِ لَأَهلُ مِصرِكُم فِي الأَمصَارِ،أَكثَرُ فِي العَرَبِ مِنَ الأَنصَارِ. وَ مَا كَانَ يَومَ عَاهَدُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَن يَمنَعُوهُ وَ مَن مَعَهُ مِنَ المُهَاجِرِينَ، حَتّي يُبَلّغَ رِسَالَاتِ اللّهِ إِلّا قَبِيلَتَانِ،صَغِيرٌ مَولِدُهُمَا، مَا هُمَا
صفحه : 148
بِأَقدَمِ العَرَبِ مِيلَاداً، وَ لَا بِأَكثَرِهِم عَدَداً، فَلَمّا آوَوا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ نَصَرُوا اللّهَ وَ دِينَهُ،رَمَتهُمُ العَرَبُ عَن قَوسٍ وَاحِدَةٍ، وَ تَحَالَفَت عَلَيهِمُ اليَهُودُ، وَ غَزَتهُمُ القَبَائِلُ قَبِيلَةً بَعدَ قَبِيلَةٍ.فَتَجَرّدُوا لِلدّينِ، وَ قَطَعُوا مَا بَينَهُم وَ بَينَ العَرَبِ مِنَ الحَبَائِلِ، وَ مَا بَينَهُم وَ بَينَ اليَهُودِ مِنَ العُهُودِ، وَ نَصَبُوا لِأَهلِ نَجدٍ وَ تِهَامَةَ وَ أَهلِ مَكّةَ وَ اليَمَامَةِ وَ أَهلِ الحَزنِ وَ أَهلِ السّهلِ،قَنَاةَ الدّينِ، وَ تَصَبّرُوا تَحتَ أَحلَاسِ الجِلَادِ، حَتّي دَانَت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ العَرَبُ، وَ رَأَي فِيهِم قُرّةَ العَينِ قَبلَ أَن يَقبِضَهُ اللّهُ إِلَيهِ.فَأَنتُم فِي النّاسِ أَكثَرُ مِن أُولَئِكَ فِي أَهلِ ذَلِكَ الزّمَانِ مِنَ العَرَبِ.فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ آدَمُ طُوَالٌ فَقَالَ مَا أَنتَ كَمُحَمّدٍ، وَ لَا نَحنُ كَأُولَئِكَ الّذِينَ ذَكَرتَ، فَلَا تُكَلّفنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ اخسَأ[أَحسِن«خ »]مُستَمِعاً تُحسِن إِجَابَةً،ثَكِلَتكُمُ الثّوَاكِلُ مَا تزَيِدوُنيّ إِلّا غَمّاً،هَل أَخبَرتُكُم أنَيّ مِثلُ مُحَمّدٍ أَو أَنّكُم مِثلُ أَنصَارِهِ وَ إِنّمَا ضَرَبتُ[لَكُم]مَثَلًا، وَ أَنَا[كُنتُ]أَرجُو أَن تَأَسّوا بِهِم. ثُمّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ وَ قَالَ مَا أَحوَجَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ مَن مَعَهُ إِلَي أَصحَابِ النّهرَوَانِ. ثُمّ تَكَلّمَ النّاسُ مِن كُلّ نَاحِيَةٍ وَ لَغَطُوا.فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ بِأَعلَي صَوتِهِ استَبَانَ فَقدُ الأَشتَرِ عَلَي أَهلِ العِرَاقِ، أَن لَو كَانَ حَيّاً لَقَلّ اللّغَطُ، وَ لَعَلِمَ كُلّ امرِئٍ مَا يَقُولُ. فَقَالَ لَهُم أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ هَبَلَتكُمُ الهَوَابِلُ،لَأَنَا أَوجَبُ عَلَيكُم حَقّاً مِنَ الأَشتَرِ، وَ هَل لِلأَشتَرِ عَلَيكُم مِنَ الحَقّ إِلّا حَقّ المُسلِمِ عَلَي المُسلِمِ وَ غَضِبَ فَنَزَلَ.فَقَامَ حُجرُ بنُ عدَيِّ وَ سَعِيدُ بنُ قَيسٍ فَقَالَا لَا يَسُوءُكَ اللّهُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،مُرنَا بِأَمرِكَ نَتّبِعهُ،فَوَ اللّهِ العَظِيمِ مَا يَعظُمُ جَزَعُنَا عَلَي أَموَالِنَا أَن تَفَرّقَ، وَ لَا عَلَي عَشَائِرِنَا أَن تُقتَلَ فِي طَاعَتِكَ.
صفحه : 149
فَقَالَ لَهُم تَجَهّزُوا لِلمَسِيرِ إِلَي عَدُوّنَا. ثُمّ دَخَلَ عَلَيهِ السّلَامُ مَنزِلَهُ، وَ دَخَلَ عَلَيهِ وُجُوهُ أَصحَابِهِ فَقَالَ لَهُم أَشِيرُوا عَلَيّ بِرَجُلٍ صَلِيبٍ نَاصِحٍ يَحشُرُ النّاسَ مِنَ السّوَادِ. فَقَالَ سَعِيدُ بنُ قَيسٍ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ بِالنّاصِحِ الأَرِيبِ[ وَ]الشّجَاعِ الصّلِيبِ مَعقِلِ بنِ قَيسٍ التمّيِميِّ. قَالَ نَعَم. ثُمّ دَعَاهُ فَوَجّهَهُ وَ سَارَ[مَعقِلٌ] وَ لَم يَعُد حَتّي أُصِيبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.
بيان المراد بالقبيلتين الأوس والخزرج . و قال الجوهري تجرّد للأمر جدّ فيه . قوله عليه السلام « وتصبّروا تحت أحلاس الجلاد» أي صبروا صبرا شديدا علي ملازمة القتال .[ قال ابن الأثير] في [مادة«حلس » من كتاب ]النهاية«كونوا أحلاس بيوتكم » أي الزموها. و فيه «نحن أحلاس الخيل »يريدون لزومهم ظهورها. واستحلسنا الخوف أي لم نفارقه . و في بعض النسخ «تحت حماس الجلاد»[ قال الفيروزآبادي] في القاموس حمس كفرح اشتدّ وصلب في الدين . والقتال والحمس الأمكنة الصلبة، والأحمس الشجاع كالحميس . والحمس الصوت . والآدم من الناس الأسمر. والطوال بالضمّ الطويل . قوله عليه السلام «اخسأ» أي ابعد،يقال خسأت الكلب خسأ طردته . وخسأ الكلب بنفسه .يتعدي و لايتعدّي. و«مستمعا» علي بناء الفاعل . و في بعض النسخ «أحسن »بالحاء المهملة والنون . و«مستمعا»بفتح الميم مصدر. واللغط بالتحريك الصوت والجلبة وهبلته أمّه ثكلته .
شا[ وَ] مِن كَلَامِهِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِحِينَ نَقَضَ مُعَاوِيَةُ العَهدَ،
صفحه : 150
وَ بَعَثَ بِالضّحّاكِ بنِ قَيسٍ لِلغَارَةِ عَلَي أَهلِ العِرَاقِ،فلَقَيَِ عَمرَو بنَ عُمَيسِ بنِ مَسعُودٍ فَقَتَلَهُ وَ قَتَلَ نَاساً مَعَهُ مِن أَصحَابِهِ، وَ ذَلِكَ بَعدَ أَن حَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ يَا أَهلَ الكُوفَةِ اخرُجُوا إِلَي العَبدِ الصّالِحِ وَ إِلَي جَيشٍ لَكُم قَد أُصِيبَ مِنهُ طَرَفٌ.اخرُجُوا فَقَاتِلُوا عَدُوّكُم، وَ امنَعُوا حَرِيمَكُم إِن كُنتُم فَاعِلِينَ. قَالَ فَرَدّوا عَلَيهِ رَدّاً ضَعِيفاً، وَ رَأَي مِنهُم عَجزاً وَ فَشَلًا فَقَالَ وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ لِي بِكُلّ ثَمَانِيَةٍ مِنكُم رَجُلًا مِنهُم وَيحَكُم اخرُجُوا معَيِ ثُمّ فِرّوا عنَيّ إِن بَدَا لَكُم،فَوَ اللّهِ مَا أَكرَهُ لِقَاءَ ربَيّ عَلَي نيِتّيِ وَ بصَيِرتَيِ، وَ فِي ذَلِكَ رَوحٌ لِي عَظِيمٌ، وَ فَرَجٌ مِن مُنَاجَاتِكُم وَ مُقَاسَاتِكُم وَ مُدَارَاتِكُم مِثلَ مَا تُدَارَي البِكَارُ العَمِدَةُ، وَ الثّيَابُ المُتَهَتّرَةُ،كُلّمَا خِيطَت مِن جَانِبٍ،تَهَتّكَت مِن جَانِبٍ عَلَي صَاحِبِهَا.
بيان قال الجوهري الطرف بالتحريك الناحية من النواحي، والطائفة من الشيء. و[ قوله عليه السلام ]«المتهتّرة» في بعض النسخ بالتاء المثنّاة قال [الفيروزآبادي] في القاموس الهتر مزق العرض . وبالكسر السقط من الكلام . وهتره الكبر يهتره [جعله خرفا وأفقده عقله ]. و في بعضها[«المهبرة»]بالباء الموحّدة من قولهم «هبره »قطعه قطعا كبارا و هوأنسب . ويحتمل الياء من قولهم هار البناء هدمه ،فهار وتهور وتهيّر وانهار، و هوأنسب بما في بعض الروايات مكانه من المتداعية.
شا[ وَ] مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي استِنفَارِ القَومِ وَ استِبطَائِهِم
صفحه : 151
عَنِ الجِهَادِ، وَ قَد بَلَغَهُ مَسِيرُ بُسرِ بنِ أَرطَاةَ إِلَي اليَمَنِ أَمّا بَعدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّ أَوّلَ رَفَثِكُم وَ بَدءَ نَقضِكُم،ذَهَابُ أوُليِ النّهَي وَ أَهلِ الرأّيِ مِنكُمُ،الّذِينَ كَانُوا يَلقَونَ فَيَصدُقُونَ، وَ يَقُولُونَ فَيَعدِلُونَ، وَ يُدعَونَ فَيُجِيبُونَ. وَ إنِيّ وَ اللّهِ قَد دَعَوتُكُم عَوداً وَ بَدءاً، وَ سِرّاً وَ جَهراً، وَ فِي اللّيلِ وَ النّهَارِ، وَ الغُدُوّ وَ الآصَالِ،[فَ] مَا يَزِيدُكُم دعُاَئيِ إِلّا فِرَاراً وَ إِدبَاراً. أَ مَا يَعِظُكُمُ[تَنفَعُكُمُ«خ »]العِظَةُ وَ الدّعَاءُ إِلَي الهُدَي وَ الحِكمَةِ وَ إنِيّ لَعَالِمٌ بِمَا يُصلِحُكُم وَ يُقِيمُ لِي أَوَدَكُم، وَ لكَنِيّ وَ اللّهِ لَا أُصلِحُكُم بِفَسَادِ نفَسيِ. وَ لَكِن أمَهلِوُنيِ قَلِيلًا فَكَأَنّكُم وَ اللّهِ باِمرِئٍ قَد جَاءَكُم،يَحرُمُكُم وَ يُعَذّبُكُم فَيُعَذّبُهُ اللّهُ كَمَا يُعَذّبُكُم. إِنّ مِن ذُلّ المُسلِمِينَ وَ هَلَاكِ الدّينِ، أَنّ ابنَ[ظ] أَبِي سُفيَانَ يَدعُو الأَرذَالَ فَيُجَابُ، وَ أَدعُوكُم وَ أَنتُمُ الأَفضَلُونَ الأَخيَارُ فَتُرَاوِغُونَ وَ تُدَافِعُونَ. مَا هَذَا فِعلَ المُتّقِينَ
بيان «أوّل رفثكم » في أكثر النسخ بالفاء والثاء المثلّثة و هوالفحش من القول . و لايناسب كثيرا. ويحتمل التّاء[المثنّاة الفوقانية] من قولهم «رفته يرفته [ من باب ضرب ونصر]كسره ودقّه. و[رفت الشيء]انكسر واندقّ. و[رفت الحبل ]انقطع .لازم ومتعدّ. و في بعض النسخ بالقاف والتاء و هوأظهر أي ضعفكم وقلّتكم. ومراوغة الثعلب وروغانه مشهوران .
963-شا[ وَ] مِن كَلَامِهِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ فِي هَذَا المَعنَي، بَعدَ حَمدِ اللّهِ وَ الثّنَاءِ عَلَيهِ مَا أَظُنّ هَؤُلَاءِ القَومَ يعَنيِ أَهلَ الشّامِ إِلّا ظَاهِرِينَ عَلَيكُم.
صفحه : 152
فَقَالُوا لَهُ بِمَا ذَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَقَالَ أَرَي أُمُورَهُم قَد عَلَت، وَ نِيرَانَكُم قَد خَبَت، وَ أَرَاهُم جِدّينَ، وَ أَرَاكُم وَانِينَ، وَ أَرَاهُم مُجتَمِعِينَ، وَ أَرَاكُم مُتَفَرّقِينَ، وَ أَرَاهُم لِصَاحِبِهِم مُطِيعِينَ، وَ أَرَاكُم لِي عَاصِينَ.أَم وَ اللّهِ لَئِن ظَهَرُوا عَلَيكُم لَتَجِدُنّهُم أَربَابَ سَوءٍ مِن بعَديِ لَكُم.لكَأَنَيّ أَنظُرُ إِلَيهِم وَ قَد شَارَكُوكُم فِي بِلَادِكُم، وَ حَمَلُوا إِلَي بِلَادِهِم فَيئَكُم. وَ كأَنَيّ أَنظُرُ إِلَيكُم تَكِشّونَ كَشِيشَ الضّبَابِ، وَ لَا تَأخُذُونَ حَقّاً وَ لَا تَمنَعُونَ لِلّهِ مِن حُرمَةٍ. وَ كأَنَيّ أَنظُرُ إِلَيهِم يَقتُلُونَ صَالِحِيكُم، وَ يُخِيفُونَ قُرّاءَكُم، وَ يَحرُمُونَكُم وَ يَحجُبُونَكُم وَ يُدنُونَ النّاسَ دُونَكُم.فَلَو قَد رَأَيتُمُ الحِرمَانَ وَ الأَثَرَةَ وَ وَقعَ السّيُوفِ وَ نُزُولَ الخَوفِ،لَقَد نَدَمتُم وَ حَسِرتُم عَلَي تَفرِيطِكُم فِي جِهَادِكُم، وَ تَذَاكَرتُم مَا أَنتُم فِيهِ اليَومَ مِنَ الخَفضِ وَ العَافِيَةِ،حِينَ لَا يَنفَعُكُمُ التّذكَارُ.
بيان قال الجوهري كشيش الأفعي صوتها من جلدها لا من فمها، و قدكشّت تكشّ. و قال الحسرة أشدّ التلهف علي الشيء الفائت ،تقول منه حسر علي الشيء بالكسر يحسر حسرا وحسرة فهو حسير.
شا[ وَ] مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا نَقَضَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفيَانَ شَرطَ المُوَادَعَةِ، وَ أَقبَلَ يُشِنّ الغَارَاتِ عَلَي أَهلِ العِرَاقِ، فَقَالَ بَعدَ أَن حَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ مَا لِمُعَاوِيَةَ قَاتَلَهُ اللّهُ لَقَد أرَاَدنَيِ عَلَي أَمرٍ عَظِيمٍ،أَرَادَ أَن أَفعَلَ كَمَا يَفعَلُ فَأَكُونَ قَد هَتَكتُ ذمِتّيِ وَ نَقَضتُ عهَديِ،فَيَتّخِذُهَا عَلَيّ حُجّةً،فَيَكُونُ عَلَيّ شَيناً إِلَي يَومِ القِيَامَةِ كُلّمَا ذُكِرتُ. فَإِن قِيلَ لَهُ أَنتَ بَدَأتَ، قَالَ مَا عَمِلتُ وَ لَا أَمَرتُ.فَمِن قَائِلٍ يَقُولُ صَدَقَ. وَ مِن قَائِلٍ يَقُولُ كَذَبَ.
صفحه : 153
أَم وَ اللّهِ إِنّ اللّهَ لَذُو أَنَاةٍ وَ حِلمٍ عَظِيمٍ،لَقَد حَلُمَ عَن كَثِيرٍ مِن فَرَاعِنَةِ الأَوّلِينَ، وَ عَاقَبَ فَرَاعِنَةً، فَإِن يُمهِلُ اللّهُ فَلَم يَفُتهُ، وَ هُوَ لَهُ بِالمِرصَادِ عَلَي مَجَازِ طَرِيقِهِ،فَليَصنَع مَا بَدَا لَهُ فَإِنّا غَيرُ غَادِرِينَ بِذِمّتِنَا، وَ لَا نَاقِضِينَ لِعَهدِنَا، وَ لَا مُرَوّعِينَ لِمُسلِمٍ وَ لَا مُعَاهَدٍ حَتّي ينَقضَيَِ شَرطُ المُوَادَعَةِ بَينَنَا إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي.
شا وَ مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي مَقَامٍ آخَرَ. الحَمدُ لِلّهِ وَ سَلَامٌ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. أَمّا بَعدُ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ رضَيِنَيِ لِنَفسِهِ أَخاً، وَ اختصَنّيِ لَهُ وَزِيراً.أَيّهَا النّاسُ أَنَا أَنفُ الهُدَي وَ عَينَاهُ، فَلَا تَستَوحِشُوا مِن طَرِيقِ الهُدَي لِقِلّةِ مَن يَغشَاهُ مَن زَعَمَ أَنّ قاَتلِيِ مُؤمِنٌ فَقَد قتَلَنَيِ.أَلَا وَ إِنّ لِكُلّ دَمٍ ثَائِراً يَوماً، وَ إِنّ الثّائِرَ فِي دِمَائِنَا وَ الحَاكِمَ فِي حَقّ نَفسِهِ وَ حَقّ ذيِ القُربَي وَ اليَتَامَي وَ المَسَاكِينِ وَ ابنِ السّبِيلَ،[ هُوَ] ألّذِي لَا يُعجِزُهُ مَا طَلَبَ، وَ لَا يَفُوتُهُ مَا هَرَبَ،وَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. وَ أُقسِمُ بِاللّهِ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ،لَتَنتَحِرُنّ عَلَيهَا يَا بنَيِ أُمَيّةَ، وَ لَتَعرِفُنّهَا فِي أيَديِ غَيرِكُم وَ دَارِ عَدُوّكُم عَمّا قَلِيلٍ، وَ سَتَعلَمُنّنَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ.
بيان قال الجوهري انتحر الرجل أي نحر نفسه . و في المثل سرق السارق فانتحر. وانتحر القوم علي الشيء إذاتشاحوا عليه وتناحروا في القتال [تقاتلوا مستميتين ].
صفحه : 154
شا وَ مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي مَعنَي مَا تَقَدّمَ يَا أَهلَ الكُوفَةِ خُذُوا أُهبَتَكُم لِجِهَادِ عَدُوّكُم مُعَاوِيَةَ وَ أَشيَاعِهِ.فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَمهِلنَا يَذهَب عَنّا القُرّ. فَقَالَ أَمَا وَ اللّهِ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ،لَيَظهَرَنّ هَؤُلَاءِ القَومُ عَلَيكُم لَيسَ بِأَنّهُم أَولَي بِالحَقّ مِنكُم، وَ لَكِن لِطَاعَتِهِم مُعَاوِيَةَ وَ مَعصِيَتِكُم لِي. وَ اللّهِ لَقَد أَصبَحَتِ الأُمَمُ كُلّهَا تَخَافُ ظُلمَ رُعَاتِهَا، وَ أَصبَحتُ أَنَا أَخَافُ ظُلمَ رعَيِتّيِ لَقَدِ استَعمَلتُ مِنكُم رِجَالًا فَخَانُوا وَ غَدَرُوا، وَ لَقَد جَمَعَ بَعضُهُم مَا ائتَمَنتُهُ عَلَيهِ مِن فيَءِ المُسلِمِينَ،فَحَمَلَهُ إِلَي مُعَاوِيَةَ. وَ آخَرُ حَمَلَهُ إِلَي مَنزِلِهِ تَهَاوُناً بِالقُرآنِ، وَ جُرأَةً عَلَي الرّحمَنِ، حَتّي إنِيّ لَوِ ائتَمَنتُ أَحَدَكُم عَلَي عِلَاقَةِ سَوطٍ لَخَانَ، وَ لَقَد أعَييَتمُوُنيِ. ثُمّ رَفَعَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]يَدَهُ إِلَي السّمَاءِ وَ قَالَ أَللّهُمّ إنِيّ سَئِمتُ الحَيَاةَ بَينَ ظهَراَنيَ هَؤُلَاءِ القَومِ، وَ تَبَرّمتُ الأَمَلَ،فَأَتِح لِي صاَحبِيِ حَتّي أَستَرِيحَ مِنهُم وَ يَستَرِيحُوا منِيّ، وَ لَن يُفلِحُوا بعَديِ.
بيان تاح له الشيء وأتيح له الشيء أي قدّر له .ذكره الجوهري. والمراد بالصاحب ملك الموت .عبّر كذلك لأظهار الاشتياق إلي الموت . ويحتمل [ أنّه]أراد النبي صلّي اللّه عليه وآله وسلّم، أو[أراد] ابن ملجم لعنه اللّه،فالمراد بصاحبي من قدّر لقتلي.
صفحه : 155
شا رَوَي مَسعَدَةُ بنُ صَدَقَةَ قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ جَعفَرَ بنَ مُحَمّدٍ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُخَطَبَ النّاسَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]بِالكُوفَةِ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ أَنَا سَيّدُ الشّيبِ، وَ فِي سُنّةٍ مِن أَيّوبَ، وَ سَيَجمَعُ اللّهُ لِي أهَليِ كَمَا جَمَعَ لِيَعقُوبَ شَملَهُ، وَ ذَلِكَ إِذَا استَدَارَ الفَلَكُ، وَ قُلتُم مَاتَ أَو هَلَكَ.أَلَا فَاستَشعِرُوا قَبلَهَا بِالصّبرِ وَ بُوءُوا إِلَي اللّهِ بِالذّنبِ،فَقَد نَبَذتُم قُدُسَكُم، وَ أَطفَأتُم مَصَابِيحَكُم، وَ قَلّدتُم هِدَايَتَكُم مَن لَا يَملِكُ لِنَفسِهِ وَ لَا لَكُم سَمعاً وَ لَا بَصَراً،ضَعُفَ وَ اللّهِ الطّالِبُ وَ المَطلُوبُ. هَذَا وَ لَو لَم تَتَوَاكَلُوا أَمرَكُم، وَ لَم تَتَخَاذَلُوا عَن نُصرَةِ الحَقّ بَينَكُم، وَ لَم تَهِنُوا عَن تَوهِينِ البَاطِلِ، لَم يَتَشَجّع عَلَيكُم مَن لَيسَ مِثلَكُم، وَ لَم يَقوَ مَن قوَيَِ عَلَيكُم، وَ لا[ عَلَي]هَضمِ الطّاعَةِ وَ إِزوَائِهَا عَن أَهلِهَا فِيكُم.تِهتُم كَمَا تَاهَت بَنُو إِسرَائِيلَ عَلَي عَهدِ مُوسَي. وَ بِحَقّ أَقُولُ لَيُضَعّفَنّ عَلَيكُمُ التّيهُ مِن بعَديِ بِاضطِهَادِكُم ولُديِ،ضِعفَ مَا تَاهَت بَنُو إِسرَائِيلَ عَلَي عَهدِ مُوسَي. وَ بِحَقّ قَدِ استَكمَلتُم نَهَلًا، وَ امتَلَأتُم عَلَلًا مِن سُلطَانِ الشّجَرَةِ المَلعُونَةِ فِي القُرآنِ.لَقَدِ اجتَمَعتُم عَلَي نَاعِقِ ضَلَالٍ، وَ لَأَجَبتُمُ البَاطِلَ رَكضاً، ثُمّ لَغَادَرتُم داَعيَِ الحَقّ، وَ قَطَعتُمُ الأَدنَي مِن أَهلِ بَدرٍ، وَ وَصَلتُمُ الأَبعَدَ مِن أَبنَاءِ حَربٍ.أَلَا وَ لَو ذَابَ مَا فِي أَيدِيهِم.
صفحه : 156
لَقَد دَنَا التّمحِيصُ لِلجَزَاءِ، وَ كُشِفَ الغِطَاءُ، وَ انقَضَتِ المُدّةُ، وَ أَزِفَ الوَعدُ، وَ بَدَا لَكُمُ النّجمُ مِن قِبَلِ المَشرِقِ، وَ أَشرَقَ لَكُم قَمَرُكُم كَمَلَاءِ شَهرِهِ، وَ كَلَيلَةٍ تَمّ، فَإِذَا استَبَانَ ذَلِكَ،فَرَاجِعُوا التّوبَةَ، وَ خَالِفُوا الحَوبَةَ، وَ اعلَمُوا أَنّكُم إِن أَطَعتُم طَالِعَ المَشرِقِ سَلَكَ بِكُم مِنهَاجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَتَدَاوَيتُم مِنَ الصّمَمِ، وَ استَشفَيتُم مِنَ البَكَمِ، وَ كُفِيتُم مَئُونَةَ التّعَسّفِ وَ الطّلَبِ، وَ نَبَذتُمُ الثّقلَ الفَادِحَ عَنِ الأَعنَاقِ. فَلَا يُبعِدُ اللّهُ إِلّا مَن أَبَي الرّحمَةَ، وَ فَارَقَ العِصمَةَ،وَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ.
جا الكَاتِبُ عَنِ الزعّفرَاَنيِّ عَنِ الثقّفَيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ، عَن زَيدِ ابنِ المُعَدّلِ عَن يَحيَي بنِ صَالِحٍ عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ عَن أَبِي صَادِقٍ عَن جُندَبِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأزَديِّ قَالَسَمِعتُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ[ عَلَيهِ السّلَامُ] يَقُولُ لِأَصحَابِهِ، وَ قَدِ استَنفَرَهُم أَيّاماً إِلَي الجِهَادِ فَلَم يَنفِرُوا أَيّهَا النّاسُ إنِيّ قَدِ استَنفَرتُكُم فَلَم تَنفِرُوا، وَ نَصَحتُ لَكُم فَلَم تَقبَلُوا،فَأَنتُم شُهُودٌ كَأَغيَابٍ وَ صُمّ ذَوُو أَسمَاعٍ،أَتلُو عَلَيكُمُ الحِكمَةَ، وَ أَعِظُكُم بِالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَ أَحُثّكُم عَلَي جِهَادِ عَدُوّكُمُ البَاغِينَ،فَمَا آتيِ عَلَي آخِرِ منَطقِيِ حَتّي أَرَاكُم مُتَفَرّقِينَ أيَاَديِ سَبَا، فَإِذَا أَنَا كَفَفتُ عَنكُم عُدتُم إِلَي مَجَالِسِكُم حَلَقاً عِزِينَ تَضرِبُونَ الأَمثَالَ وَ تَتَنَاشَدُونَ الأَشعَارَ وَ تَسأَلُونَ عَنِ الأَخبَارِ، قَد نَسِيتُمُ الِاستِعدَادَ لِلحَربِ وَ شَغَلتُم قُلُوبَكُم بِالأَبَاطِيلِ.تَرِبَت أَيدِيكُمُ اغزُوا القَومَ مِن قَبلِ أَن يَغزُوكُم فَوَ اللّهِ مَا غزُيَِ قَومٌ قَطّ فِي عُقرِ دِيَارِهِم إِلّا ذَلّوا. وَ ايمُ اللّهِ مَا أَرَاكُم تَفعَلُونَ حَتّي يَفعَلُوا، وَ لَوَدِدتُ أنَيّ لَقِيتَهُم عَلَي نيِتّيِ
صفحه : 157
وَ بصَيِرتَيِ فَاستَرَحتُ مِن مُقَاسَاتِكُم،فَمَا أَنتُم إِلّا كَإِبِلٍ جُمّةٍ أَضَلّ رَاعِيَهَا،فَكُلّمَا ضُمّت مِن جَانِبٍ انتَشَرَت مِن جَانِبٍ آخَرَ. وَ اللّهِ لكَأَنَيّ بِكُم لَو حَمِسَ الوَغَا وَ أَحَمّ البَأسُ، قَدِ انفَرَجتُم عَن عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ انفِرَاجَ الرّأسِ، وَ انفِرَاجَ المَرأَةِ عَن قُبُلِهَا.فَقَامَ إِلَيهِ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ الكنِديِّ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَهَلّا فَعَلتَ كَمَا فَعَلَ ابنُ عَفّانَ فَقَالَ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ يَا عُرفَ النّارِ وَيلَكَ إِنّ فِعلَ ابنِ عَفّانَ لَمَخزَاةٌ عَلَي مَن لَا دِينَ لَهُ وَ لَا حُجّةَ مَعَهُ،فَكَيفَ وَ أَنَا عَلَي بَيّنَةٍ مِن ربَيّ[ وَ]الحَقّ فِي يدَيِ وَ اللّهِ إِنّ امرَأً يُمَكّنُ عَدُوّهُ مِن نَفسِهِ،يُخذَعُ لَحمُهُ وَ يُهشَمُ عَظمُهُ وَ يُفرَي جِلدُهُ وَ يُسفَكُ دَمُهُ،لَضَعِيفٌ مَا ضُمّت عَلَيهِ جَوَانِحُ صَدرِهِ أَنتَ فَكُن كَذَلِكَ إِن أَحبَبتَ،فَأَمّا أَنَا فَدُونَ أَن أعُطيَِ ذَلِكَ ضَربٌ باِلمشَرفَيِّ،يَطِيرُ مِنهُ فَرَاشُ الهَامِ، وَ تَطِيحُ مِنهُ الأَكُفّ وَ المَعَاصِمُ، وَ يَفعَلُ اللّهُ بَعدَ مَا شَاءَ.فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ الأنَصاَريِّ خَالِدُ بنُ زَيدٍ،صَاحِبُ مَنزِلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَد أَسمَعَ مَن كَانَت لَهُ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ وَ قَلبٌ حَفِيظٌ، إِنّ اللّهَ قَد أَكرَمَكُم بِكَرَامَةٍ لَم تَقبَلُوهَا حَقّ قَبُولِهَا،إِنّهُ نَزّلَ بَينَ أَظهُرِكُم ابنَ عَمّ نَبِيّكُم وَ سَيّدَ المُسلِمِينَ مِن بَعدِهِ،يُفَقّهُكُم فِي الدّينِ، وَ يَدعُوكُم إِلَي جِهَادِ المُحِلّينَ،فَكَأَنّكُم صُمّ لَا تَسمَعُونَ، أَو عَلَي قُلُوبِكُم غُلُفٌ،مَطبُوعٌ عَلَيهَا،فَأَنتُم لَا تَعقِلُونَ. أَ فَلَا تَستَحيُونَ عِبَادَ اللّهِ أَ لَيسَ إِنّمَا عَهِدَكُم بِالجَورِ وَ العُدوَانِ أَمسِ قَد شَمِلَ البَلَاءُ وَ شَاعَ فِي البِلَادِ،فَذُو حَقّ مَحرُومٌ وَ مَلطُومٌ وَجهُهُ وَ مُوَطّأٌ بَطنُهُ، وَ مُلقًي بِالعَرَاءِ تسَفيِ عَلَيهِ الأَعَاصِيرُ، لَا يَكُنّهُ مِنَ الحَرّ وَ القُرّ وَ صِهرِ الشّمسِ وَ الضّحّ، إِلّا الأَثوَابُ الهَامِدَةُ وَ بُيُوتُ الشّعرِ البَالِيَةِ، حَتّي جَاءَكُمُ اللّهُ بِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ،فَصَدَعَ بِالحَقّ، وَ نَشَرَ العَدلَ، وَ عَمِلَ بِمَا فِي الكِتَابِ.
صفحه : 158
يَا قَومِ فَاشكُرُوا نِعمَةَ اللّهِ عَلَيكُم وَ لَا تَوَلّوا مُدبِرِينَ،وَ لا تَكُونُوا كَالّذِينَ قالُوا سَمِعنا وَ هُم لا يَسمَعُونَ،اشحَذُوا السّيُوفَ، وَ استَعِدّوا لِجِهَادِ عَدُوّكُم، فَإِذَا دُعِيتُم فَأَجِيبُوا، وَ إِذَا أُمِرتُم فَاسمَعُوا وَ أَطِيعُوا، وَ مَا قُلتُم فَليَكُن مَا أَضمَرتُم عَلَيهِ تَكُونُوا بِذَلِكَ مِنَ الصّادِقِينَ.
كِتَابُ الغَارَاتِ بِإِسنَادِهِ إِلَي جُندَبٍ مِثلَهُ.
بيان الحلق بفتح الحاء وكسرها وفتح اللام جمع حلقة. و قال الجوهري العزة الفرقة من الناس ، والهاء عوض من الياء، والجمع عزي علي [وزن ]فعل . وعزون وعزون أيضا بالضمّ و منه قوله تعالي عَنِ اليَمِينِ وَ عَنِ الشّمالِ عِزِينَ[37-المعارج 70] قال الأصمعي يقال في الدار عزون أي أصناف من الناس .[ قوله عليه السلام ]«أضلّ راعيها» في بعض النسخ «ضلّ».[ قال الجوهري] في الصحاح قال ابن السّكّيت أضللت بعيري إذاذهب منك . وضللت المسجد والدار إذا لم تعرف موضعها. و في الحديث «لعلي أضلّ اللّه»يريد أضلّ عنه أي أخفي عليه . و قال حمّ الشيء وأحمّ قدّر وأحمّه أمر أي أهمّه. وأحمّ خروجنا أي دنا. و في سائر الروايات « وحمي البأس ». قوله عليه السلام « ياعرف النار»لعلّه عليه السلام شبّهه بعرف الديك ،لكونه رأسا فيما يوجب دخول النار، أوالمعني أنّك من القوم الذين يتبادرون دخول النار من غيررويّة،كقوله تعالي «وَ المُرسَلاتِ عُرفاً». و قال [الفيروزآبادي] في القاموس خذع اللحم و ما لاصلابة فيه كمنع خرزه وقطعه في مواضع . و قال صهرته الشمس كمنع صحرته .
صفحه : 159
والشيء أذابه . والصهر بالفتح الحار. واصطهر واصهار تلألأ ظهره من حرّ الشمس . و قال الضّحّ بالكسر الشمس وضوؤها، والبراز من الأرض و ماأصابته الشمس . و قال الهمود الموت وتقطع الثوب من طول الطي. والهامد البالي المسود المتغيّر.
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد تَوَاتَرَت عَلَيهِ الأَخبَارُ بِاستِيلَاءِ أَصحَابِ مُعَاوِيَةَ عَلَي البِلَادِ، وَ قَدِمَ عَلَيهِ عَامِلَاهُ عَلَي اليَمَنِ وَ هُمَا عُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ وَ سَعِيدُ بنُ نِمرَانَ، لَمّا غَلَبَ عَلَيهِمَا بُسرُ بنُ أَرطَاةَ،فَقَامَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي المِنبَرِ ضَجِراً بِتَثَاقُلِ أَصحَابِهِ عَنِ الجِهَادِ وَ مُخَالَفَتِهِم[ لَهُ] فِي الرأّيِ فَقَالَ مَا هيَِ إِلّا الكُوفَةُ أَقبِضُهَا وَ أَبسُطُهَا، إِن لَم تكَوُنيِ إِلّا أَنتِ تَهُبّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبّحَكِ اللّهُ. وَ تَمَثّلَ[ عَلَيهِ السّلَامُ بِقَولِ الشّاعِرِ]
لَعَمرُ أَبِيكَ الخَيرِ يَا عَمرُو إنِنّيِ | عَلَي وَضَرٍ مِن ذَا الإِنَاءِ قَلِيلٌ |
[ ثُمّ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ]أُنبِئتُ بُسراً قَدِ اطّلَعَ اليَمَنَ، وَ إنِيّ وَ اللّهِ لَأَظُنّ أَنّ هَؤُلَاءِ القَومَ سَيُدَالُونَ مِنكُم بِاجتِمَاعِهِم عَلَي بَاطِلِهِم وَ تَفَرّقِكُم عَن حَقّكُم، وَ بِمَعصِيَتِكُم إِمَامَكُم فِي الحَقّ وَ طَاعَتِهِم إِمَامَهُم فِي البَاطِلِ، وَ بِأَدَائِهِمُ الأَمَانَةَ إِلَي صَاحِبِهِم وَ خِيَانَتِكُم، وَ بِصَلَاحِهِم فِي بِلَادِهِم وَ فَسَادِكُم،فَلَوِ ائتَمَنتُ أَحَدَكُم عَلَي قَعبٍ لَخَشِيتُ أَن يَذهَبَ بِعِلَاقَتِهِ أَللّهُمّ إنِيّ قَد مَلِلتُهُم وَ ملَوّنيِ، وَ سَئِمتُهُم وَ سئَمِوُنيِ،فأَبَدلِنيِ بِهِم خَيراً مِنهُم، وَ أَبدِلهُم بيِ شَرّاً منِيّ. أللّهُمّ مِث قُلُوبَهُم كَإِيمَاثِ المِلحِ فِي المَاءِ.
صفحه : 160
أَمَا وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ لِي بِكُم أَلفَ فَارِسٍ مِن بنَيِ فِرَاسِ بنِ غَنمٍ،[ ثُمّ تَمَثّلَ عَلَيهِ السّلَامُ]
هُنَالِكَ لَو دَعَوتَ أَتَاكَ مِنهُم | فَوَارِسُ مِثلُ أَرمِيَةِ الحَمِيمِ |
ثُمّ نَزَلَ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ المِنبَرِ.
قال السيّد[الرضّي]رضي اللّه عنه الأرمية جمع «رميّ» و هوالسحاب . والحميم هاهنا وقت الصيف ، وإنّما خصّ الشّاعر سحاب الصيف بالذكر لأنّه أشدّ جفولا وأسرع خفوقا،لأنّه لاماء فيه وإنّما يكون السحاب ثقيل السير،لامتلائه بالماء. و ذلك لا يكون في الأكثر إلّا في زمان الشتّاء.[ وإنّما]أراد[الشاعر]وصفهم بالسرعة إذادعوا، والإغاثة إذااستغيثوا، والدليل عليه ، قوله
«هنالك لودعوت أتاك منهم » |
.بيان قوله عليه السلام « ماهي إلّا الكوفة أقبضها وأبسطها» أي مامملكتي إلّا الكوفة أتصرّف فيها كمايتصرّف الإنسان في ثوبه يقبضه ويبسطه . والكلام في معرض التحقير، أي ماأصنع بتصرفّي فيها مع حقارتها. ويحتمل أن يكون المراد عدم التمكن التامّ من التصرّف فيهالنفاق أهلها،كمن لايقدر علي لبس ثوب بل علي قبضه وبسطه . أوالمراد بالبسط بثّ أهلها للقتال عندطاعتهم . وبالقبض الاقتصار علي ضبطهم عندالمخالفة. و[الخطاب ] في قوله [ عليه السلام ]« إن لم تكوني[ إلّا أنت »]التفات . قوله عليه السلام «تهبّ أعاصيرك »الجملة في موضع الحال ، وخبر« كان »محذوف ، ولفظ الأعاصير علي حقيقته ، فإنّ الكوفة معروفة بهبوب الإعصار فيها.
صفحه : 161
ويحتمل أن يكون مستعارا لآراء أهلها المختلفة، والتقدير إن لم تكوني إلّا أنت عدّة لي وجنّة ألقي بهاالعدوّ، وحظّا من الملك والخلافة مع مافيك من المذامّ،فقبحا لك وبعدا. ويمكن أن يقدر المستثني منه حالا، أي إن لم تكوني علي حال إلّا أن تهبّ فيك الأعاصير دون أن يكون فيك من يستعان به علي العدوّ. والإعصار ريح تهبّ وتمتدّ من الأرض كالعمود نحو السّماء. وقيل [ هو] كلّ ريح فيهاالعصار، و هوالغبار الشّديد. والوضر بفتح الضاد الدرن الباقي في الإناء بعدالأكل ، ويستعار لكلّ بقيّة من شيءيقلّ الانتفاع بها. واستعار بلفظ الإناء للدّنيا وبلفظ الوضر للقليل لما فيهالحقارتها. وروي« من ذي الآلاء»فإنّما أراد أنيّ علي بقيّة من هذاالأمر كالقدر الحاصل لناظر الآلاء، مع عدم انتفاعه بشيء آخر فإنّ الآلاء كسحاب .[« وسبا» غيرمهموز]شجر حسن المنظر مرّ الطعم . قوله عليه السّلام« قداطّلع اليمن » أي غلبها وغزاها وأغار عليها. من الاطّلاع و هوالإشراف من مكان عال . قوله عليه السلام «سيدالون منكم » أي يغلبونكم و يكون لهم الدولة عليكم . ولعلّ التفرّق عن الحقّ ومعصية الإمام واحد،أتي بهما تأكيدا. وقيل المراد بالحقّ ألذي تفرّقوا عنه [ هو]تصرّفهم في الفيء والغنائم وغيرها بإذن الإمام . وأداء الأمانة الوفاء بالعهد والبيعة أومطلقا. والصلاح في البلاد ترك التعرّض للناس وتهييج الفتن . والقعب القدح الضخم . قوله عليه السّلام« أن يذهب بعلاقته »الضمير المستتر راجع إلي الأحد[ في قوله «فلو ائتمنت أحدكم »] والباء للتعدية، أو إلي «القعب » والباء
صفحه : 162
بمعني مع . و قوله عليه السّلام«خيرا منهم وشرّا منيّ»صيغة أفعل فيه بمنزلتها في قوله تعالي «أَ ذلِكَ خَيرٌ أَم جَنّةُ الخُلدِ»[51-الفرقان 25] علي سبيل التّنزل أوالتهكم ، أوأريد بالصيغة أصل الصفة بدون تفضيل . ولعلّ المراد بقوله «خيرا منهم »قوم صالحون ينصرونه ويوفّقون لطاعته ، أو ما بعدالموت من مرافقة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله وغيره من الأنبياء عليهم السلام . وتمنّيه عليه السلام لفوارس [ من ]فراس بن غنم ربما يؤيّد[الوجه ]الأوّل. ويروي أنّ اليوم ألذي دعا فيه عليه السلام ولد الحجّاج. وروي أنّه ولد بعد ذلك بمدّة يسيرة، وفعل الحجاج بأهل الكوفة مشهور. ويقال ماث زيد الملح في الماء أي أذابه . قوله عليه السّلام«لوددت [ أنّ لي بكم » إلي قوله «هنالك لودعوت أتاك منهم »]البيت لأبي جندب الهذلي، وبنو فراس حيّ مشهور بالشجاعة. والجفول الإسراع . والخفوق العجلة.
نَهجٌ وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا بَلَغَهُ إِغَارَةُ أَصحَابِ مُعَاوِيَةَ عَلَي الأَنبَارِ،فَخَرَجَ بِنَفسِهِ مَاشِياً حَتّي أَتَي النّخَيلَةَ فَأَدرَكَهُ النّاسُ، وَ قَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ نَحنُ نَكفِيكَهُم. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ اللّهِ لَا تكَفوُنيّ أَنفُسَكُم فَكَيفَ تكَفوُنيّ غَيرَكُم إِن كَانَتِ الرّعَايَا قبَليِ لَتَشكُو حَيفَ رُعَاتِهَا، وَ إنِيّ اليَومَ لَأَشكُو حَيفَ رعَيِتّيِ،كأَنَيّ المَقُودُ وَ هُمُ القَادَةُ، أَوِ المَوزُوعُ وَ هُمُ الوَزَعَةُ وَ لَمّا قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ هَذَا القَولَ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ قَد ذَكَرنَا مُختَارَهُ فِي جُملَةِ الخُطَبِ تَقَدّمَ إِلَيهِ رَجُلَانِ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا«إنِيّ لا أَملِكُ إِلّا
صفحه : 163
نفَسيِ وَ أخَيِ،فَمُرنَا بِأَمرِكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ نُنفِذ لَهُ». فَقَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] وَ أَينَ تَقَعَانِ مِمّا أُرِيدُ
بيان وزعه يزعه كفّه ومنعه .
973- كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِّ بِإِسنَادِهِ عَن عُمَارَةَ بنِ عُمَيرٍ أَنّهُ قَالَ كَانَ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ صَدِيقٌ يُكَنّي بأِبَيِ مَريَمَ مِن أَهلِ المَدِينَةِ، فَلَمّا سَمِعَ بِتَشَتّتِ النّاسِ عَلَيهِ أَتَاهُ، فَلَمّا رَآهُ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] قَالَ أَبُو مَريَمَ قَالَ نَعَم. قَالَ مَا جَاءَ بِكَ قَالَ إنِيّ لَم آتِكَ لِحَاجَةٍ، وَ لكَنِيّ[كُنتُ]أَرَاكَ لَو وَلّوكَ أَمرَ هَذِهِ الأُمّةِ أَجزَأتَهُ. قَالَ يَا أَبَا مَريَمَ إنِيّ صَاحِبُكَ ألّذِي عَهِدتُ، وَ لكَنِيّ مُنِيتُ بِأَخبَثِ قَومٍ عَلَي وَجهِ الأَرضِ أَدعُوهُم إِلَي الأَمرِ[الصّائِبِ] فَلَا يتَبّعِوُنيّ، فَإِذَا تَابَعتُهُم عَلَي مَا يُرِيدُونَ تَفَرّقُوا عنَيّ.
وَ عَن فُضَيلِ بنِ جَعدٍ عَن مَولَي الأَشتَرِ قَالَشَكَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي الأَشتَرِ فِرَارَ النّاسِ إِلَي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ الأَشتَرُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّا قَاتَلنَا أَهلَ البَصرَةِ بِأَهلِ البَصرَةِ، وَ أَهلَ الكُوفَةِ، وَ الرأّيُ وَاحِدٌ، وَ قَدِ اختَلَفُوا بَعدُ وَ تُعَادُوا، وَ ضَعُفَتِ النّيّةُ، وَ قَلّ العَدلُ، وَ أَنتَ تَأخُذُهُم بِالعَدلِ، وَ تَعمَلُ فِيهِم بِالحَقّ،
صفحه : 164
وَ تَنصُفُ الوَضِيعَ مِنَ الشّرِيفِ، وَ لَيسَ لِلشّرِيفِ عِندَكَ فَضلُ مَنزِلَةٍ عَلَي الوَضِيعِ،فَضَجّ طَائِفَةٌ مِمّن مَعَكَ عَلَي الحَقّ إِذَا عُمّوا بِهِ، وَ اغتَمّوا مِنَ العَدلِ إِذ صَارُوا فِيهِ، وَ صَارَت صَنَائِعُ مُعَاوِيَةَ عِندَ أَهلِ الغِنَي وَ الشّرَفِ،فَتَاقَت أَنفُسُ النّاسِ إِلَي الدّنيَا، وَ قَلّ مِنَ النّاسِ مَن لَيسَ لِلدّنيَا بِصَاحِبٍ، وَ أَكثَرُهُم مَن يجَتوَيِ الحَقّ وَ يسَتمَرِئُ البَاطِلَ وَ يُؤثِرُ الدّنيَا. فَإِن تَبذُلِ المَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ تَمِل إِلَيكَ أَعنَاقُ النّاسِ، وَ تَصفُو نَصِيحَتُهُم، وَ تَستَنزِلُ وُدّهُم،صَنَعَ اللّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ كَبَتَ عَدُوّكَ، وَ فَضّ جَمعَهُم، وَ وَهَنَ كَيدَهُم وَ شَتّتَ أُمُورَهُم،إِنّهُ بِما يَعمَلُونَ خَبِيرٌ.فَأَجَابَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ قَالَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن عَمَلِنَا وَ سِيرَتِنَا بِالعَدلِ فَإِنّ اللّهَ يَقُولُمَن عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفسِهِ وَ مَن أَساءَ فَعَلَيها وَ ما رَبّكَ بِظَلّامٍ لِلعَبِيدِ وَ أَنَا مِن[ أَن]أَكُونَ مُقَصّراً فِيمَا ذَكَرتَ أَخوَفُ. وَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن أَنّ الحَقّ ثَقُلَ عَلَيهِم فَفَارَقُونَا لِذَلِكَ،فَقَد عَلِمَ اللّهُ أَنّهُم لَم يُفَارِقُونَا مِن جَورٍ، وَ لَم يَلجَئُوا إِلَي عَدلٍ، وَ لَم يَلتَمِسُوا إِلّا دُنيَا زَائِلَةً عَنهُم،كَأَنّ قَد فَارَقُوهَا، وَ لَيُسأَلُنّ يَومَ القِيَامَةِ أَ لِلدّنيَا أَرَادُوا أَم لِلّهِ عَمِلُوا وَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن بَذلِ الأَموَالِ وَ اصطِنَاعِ الرّجَالِ،فَإِنّا لَا يَسَعُنَا أَن نؤُتيَِ امرَأً مِنَ الفيَءِ أَكثَرَ مِن حَقّهِ، وَ قَد قَالَ اللّهُ وَ قَولُهُ الحَقّكَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ وَ[ قَد]بَعَثَ[ اللّهُ]مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَحدَهُ فَكَثّرَهُ بَعدَ القِلّةِ، وَ أَعَزّ فِئَتَهُ بَعدَ الذّلّةِ، وَ إِن يُرِدِ اللّهُ[ أَن]يُوَلّيَنَا هَذَا الأَمرَ،يُذَلّلُ لَنَا صَعبَهُ
صفحه : 165
وَ يُسَهّلُ لَنَا حَزنَهُ وَ أَنَا قَابِلٌ مِن رَأيِكَ مَا كَانَ لِلّهِ[ فِيهِ]رِضًا، وَ أَنتَ مِن أَعَزّ أصَحاَبيِ وَ أَوثَقِهِم فِي نفَسيِ وَ أَنصَحِهِم عنِديِ.
كَنزُ الكرَاَجكُيِّ روُيَِ أَنّ هَذِهِ الأَبيَاتَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ
أَخَذتُكُم دِرعاً حَصِيناً لِتَدفَعُوا | سِهَامَ العِدَي عنَيّ فَكُنتُم نِصَالَهَا |
فَإِن أَنتُم لَم تَحفَظُوا لمِوَدَتّيِ | ذِمَاماً فَكُونُوا لَا عَلَيهَا وَ لَا لَهَا |
قِفُوا مَوقِفَ المَعذُورِ عنَيّ بِجَانِبٍ | وَ خَلّوا نبِاَليِ لِلعِدَي وَ نِبَالَهَا |
صفحه : 167
ج عَن مَسعَدَةَ بنِ صَدَقَةَ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَخَطَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] فَقَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ كَيفَ أَنتُم إِذَا أُلبِستُمُ الفِتنَةَ،يَنشَأُ فِيهَا الوَلِيدُ، وَ يَهرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ، وَ تجَريِ النّاسُ عَلَيهَا حَتّي يَتّخِذُوهَا سُنّةً، فَإِذَا غُيّرَ مِنهَا شَيءٌ قِيلَ أَتَي النّاسُ بِمُنكَرٍ غُيّرَتِ السّنّةُ. ثُمّ تَشتَدّ البَلِيّةُ، وَ تَنشَأُ فِيهَا الذّرّيّةُ، وَ تَدُقّهُمُ الفِتَنُ كَمَا تَدُقّ النّارُ الحَطَبَ، وَ كَمَا تَدُقّ الرّحَي بِثِفَالِهَا.يَتَفَقّهُ النّاسُ لِغَيرِ الدّينِ، وَ يَتَعَلّمُونَ لِغَيرِ العَمَلِ، وَ يَطلُبُونَ الدّنيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ. ثُمّ أَقبَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ مَعَهُ نَاسٌ مِن أَهلِ بَيتِهِ وَ خَاصّ مِن شِيعَتِهِ،فَصَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ صَلّي عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،
صفحه : 168
ثُمّ قَالَ لَقَد عَمِلَتِ[عَمِلَ«خ »]الوُلَاةُ قبَليِ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ،خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُتَعَمّدِينَ لِذَلِكَ، وَ لَو حَمَلتُ النّاسَ عَلَي تَركِهَا وَ حَوّلتُهَا إِلَي مَوَاضِعِهَا التّيِ كَانَت عَلَيهَا عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،لَتَفَرّقَ عنَيّ جنُديِ حَتّي أَبقَي وحَديِ إِلّا قَلِيلًا مِن شيِعتَيَِ الّذِينَ عَرَفُوا فضَليِ وَ إمِاَمتَيِ مِن كِتَابِ اللّهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. أَ رَأَيتُم لَو أَمَرتُ بِمَقَامِ اِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السّلَامُ فَرَدَدتُهُ إِلَي المَكَانِ ألّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِيهِ، وَ رَدَدتُ فَدَكَ إِلَي وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ، وَ رَدَدتُ صَاعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مُدّهُ إِلَي مَا كَانَ، وَ أَمضَيتُ قَطَائِعَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَقطَعَهَا لِنَاسٍ مُسَمّينَ، وَ رَدَدتُ دَارَ جَعفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَي وَرَثَتِهِ وَ هَدَمتُهَا[ وَ أَخرَجتُهَا] مِنَ المَسجِدِ، وَ رَدَدتُ الخُمُسَ إِلَي أَهلِهِ، وَ رَدَدتُ قَضَاءَ كُلّ مَن قَضَي بِجَورٍ، وَ سبَيَ ذرَاَريِّ بنَيِ تَغلِبَ، وَ رَدَدتُ مَا قُسِمَ مِن أَرضِ خَيبَرَ، وَ مَحَوتُ دِيوَانَ العَطَاءِ، وَ أَعطَيتُ كَمَا كَانَ يعُطيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَم أَجعَلهَا دُولَةً بَينَ الأَغنِيَاءِ وَ اللّهِ لَقَد أَمَرتُ النّاسَ أَن لَا يَجمَعُوا[ لَا يَجتَمِعُوا«خ »] فِي شَهرِ رَمَضَانَ إِلّا فِي فَرِيضَةٍ،فَنَادَي بَعضُ أَهلِ عسَكرَيِ مِمّن يُقَاتِلُ دوُنيِ، وَ سَيفُهُ معَيِ أتَقّيِ بِهِ فِي الإِسلَامِ وَ أَهلِهِ غُيّرَت سُنّةُ عُمَرَ وَ نهُيَِ أَن يُصَلّي فِي شَهرِ رَمَضَانَ فِي جَمَاعَةٍ، حَتّي خِفتُ أَن يَثُورَ بيِ نَاحِيَةُ عسَكرَيِ مَا لَقِيَت هَذِهِ الأُمّةُ مِن أَئِمّةِ الضّلَالَةِ وَ الدّعَاةِ إِلَي النّارِ. وَ أَعظَمُ مِن ذَلِكَ،سَهمُ ذوَيِ القُربَي الّذِينَ قَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي[ فِي حَقّهِم]وَ اعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ القُربي
صفحه : 169
وَ اليَتامي وَ المَساكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ وَ ما أَنزَلنا عَلي عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ
نَحنُ وَ اللّهِ عَنَي بذِوَيِ القُربَي الّذِينَ قَرَنَهُمُ اللّهُ بِنَفسِهِ وَ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَم يَجعَل لَنَا فِي الصّدَقَةِ نَصِيباً،أَكرَمَ اللّهُ سُبحَانَهُ وَ تَعَالَي نَبِيّهُ، وَ أَكرَمَنَا أَن يُطعِمَنَا أَوسَاخَ أيَديِ النّاسِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ إنِيّ سَمِعتُ مِن سَلمَانَ وَ أَبِي ذَرّ الغفِاَريِّ وَ المِقدَادِ،أَشيَاءَ مِن تَفسِيرِ القُرآنِ وَ الرّوَايَةِ عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ سَمِعتُ مِنكَ تَصدِيقَ مَا سَمِعتُ مِنهُم، وَ رَأَيتُ فِي أيَديِ النّاسِ أَشيَاءَ كَثِيرَةً مِن تَفسِيرِ القُرآنِ وَ الأَحَادِيثِ عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،[ وَ]أَنتُم تُخَالِفُونَهُم وَ تَزعُمُونَ أَنّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، أَ فَتَرَي النّاسَ يَكذِبُونَ مُتَعَمّدِينَ عَلَي نبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ يُفَسّرُونَ القُرآنَ بِآرَائِهِم قَالَ فَأَقبَلَ[ إِلَيهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ] عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ لَهُ قَد سَأَلتَ فَافهَمِ الجَوَابَ إِنّ فِي أيَديِ النّاسِ حَقّاً وَ بَاطِلًا، وَ صِدقاً وَ كَذِباً، وَ نَاسِخاً وَ مَنسُوخاً، وَ عَامّاً وَ خَاصّاً، وَ مُحكَماً وَ مُتَشَابِهاً، وَ حِفظاً وَ وَهَماً، وَ قَد كُذِبَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ حيَّ، حَتّي قَامَ خَطِيباً فَقَالَ«أَيّهَا النّاسُ قَد كَثُرَت عَلَيّ الكَذّابَةُ،فَمَن كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّداً فَليَتَبَوّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ». وَ إِنّمَا أَتَاكَ بِالحَدِيثِ أَربَعَةُ رِجَالٍ لَيسَ لَهُم خَامِسٌ رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظهِرٌ لِلإِيمَانِ مُتَصَنّعٌ بِالإِسلَامِ، لَا يَتَأَثّمُ وَ لَا يَتَحَرّجُ فِي أَن يَكذِبَ عَلَي اللّهِ وَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُتَعَمّداً،فَلَو عَلِمَ النّاسُ أَنّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَم يَقبَلُوا مِنهُ وَ لَم يُصَدّقُوا قَولَهُ، وَ لَكِنّهُم قَالُوا«صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ رَآهُ وَ سَمِعَ مِنهُ وَ لَقِفَ عَنهُ» وَ يَأخُذُونَ[فَيَأخُذُونَ«خ »]بِقَولِهِ وَ قَد أَخبَرَكَ اللّهُ عَنِ المُنَافِقِينَ بِمَا أَخبَرَكَ وَ وَصَفَهُم بِمَا وَصَفَهُم بِهِ لَكَ. ثُمّ بَقُوا بَعدَهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَتَقَرّبُوا إِلَي أَئِمّةِ الضّلَالَةِ، وَ الدّعَاةِ إِلَي النّارِ بِالزّورِ وَ البُهتَانِ،فَوَلّوهُمُ الأَعمَالَ وَ جَعَلُوهُم حُكّاماً عَلَي رِقَابِ النّاسِ، وَ أَكَلُوا
صفحه : 170
بِهِمُ الدّنيَا وَ إِنّمَا النّاسُ مَعَ المُلُوكِ وَ الدّنيَا إِلّا مَن عَصَمَهُ اللّهُ.فَهَذَا أَحَدُ الأَربَعَةِ. وَ[ثاَنيِ الأَربَعَةِ] رَجُلٌ سَمِعَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ شَيئاً لَم يَحفَظهُ عَلَي وَجهِهِ،فَوَهِمَ فِيهِ وَ لَم يَتَعَمّد كَذِباً، وَ هُوَ فِي يَدَيهِ يَروِيهِ وَ يَعمَلُ بِهِ وَ يَقُولُ« أَنَا سَمِعتُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ».فَلَو عَلِمَ المُسلِمُونَ أَنّهُ وَهِمَ فِيهِ لَم يَقبَلُوا مِنهُ، وَ لَو عَلِمَ هُوَ أَنّهُ كَذَلِكَ لَرَفَضَهُ. وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ شَيئاً يَأمُرُ بِهِ ثُمّ نَهَي[ رَسُولُ اللّهِ] عَنهُ وَ هُوَ لَا يَعلَمُ، أَو سَمِعَهُ نَهَي عَن شَيءٍ ثُمّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لَا يَعلَمُ،فَحَفِظَ المَنسُوخَ وَ لَم يَحفَظِ النّاسِخَ.فَلَو عَلِمَ أَنّهُ مَنسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَ لَو عَلِمَ المُسلِمُونَ إِذ سَمِعُوهُ مِنهُ أَنّهُ مَنسُوخٌ لَرَفَضُوهُ. وَ آخَرُ رَابِعٌ لَم يَكذِب عَلَي اللّهِ وَ لَا عَلَي رَسُولِهِ،مُبغِضٌ لِلكَذِبِ خَوفاً لِلّهِ وَ تَعظِيماً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَم يَهُمّ بِهِ،بَل حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَي وَجهِهِ،فَجَاءَ بِهِ عَلَي مَا سَمِعَهُ، وَ لَم يَزِد فِيهِ وَ لَم يَنقُص مِنهُ، وَ حَفِظَ النّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ وَ حَفِظَ المَنسُوخَ فَجَنَبَ عَنهُ، وَ عَرَفَ الخَاصّ وَ العَامّ فَوَضَعَ كُلّ شَيءٍ مَوضِعَهُ، وَ عَرَفَ المُتَشَابِهَ وَ المُحكَمَ. وَ قَد يَكُونُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الكَلَامُ لَهُ وَجهَانِ،فَكَلَامٌ خَاصّ وَ كَلَامٌ عَامّ،فَيَسمَعُهُ مَن لَا يَعرِفُ مَا عَنَي اللّهُ بِهِ، وَ لَا مَا عَنَي بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَيَحمِلُهُ السّامِعُ وَ يُوَجّهُهُ عَلَي غَيرِ مَعرِفَةٍ بِمَعنَاهُ وَ لَا مَا قُصِدَ بِهِ وَ مَا خَرَجَ مِن أَجلِهِ. وَ لَيسَ كُلّ أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَسأَلُهُ وَ يَستَفهِمُهُ، حَتّي إِن كَانُوا لَيُحِبّونَ أَن يجَيِءَ الأعَراَبيِّ أَوِ الطاّريِ فَيَسأَلَهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي يَسمَعُوا كَلَامَهُ وَ كَانَ لَا يَمُرّ بيِ مِن ذَلِكَ شَيءٌ إِلّا سَأَلتُ عَنهُ وَ حَفِظتُهُ.فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيهِ النّاسُ فِي اختِلَافِهِم وَ عِلَلِهِم فِي رِوَايَاتِهِم.
صفحه : 171
بيان قدمرّ شرح آخر الخبر وسيأتي شرح أوّله. قوله عليه السلام «أتقي به الإسلام » في بعض النسخ «ينعي الإسلام »[ و]النعي خبر الموت أي كان ينادي مظهرا أنّه مات الإسلام وأهله بتغيير سنّة عمر.
شي عَن حَرِيزٍ عَن بَعضِ أَصحَابِنَا عَن أَحَدِهِمَا قَالَ لَمّا كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] فِي الكُوفَةِ أَتَاهُ النّاسُ فَقَالُوا اجعَل لَنَا إِمَاماً يَؤُمّنَا فِي[شَهرِ]رَمَضَانَ. فَقَالَ لَا. وَ نَهَاهُم أَن يَجتَمِعُوا فِيهِ، فَلَمّا أَمسَوا جَعَلُوا يَقُولُونَ ابكُوا فِي رَمَضَانَ وَا رَمَضَانَاه.فَأَتَاهُ الحَارِثُ الأَعوَرُ فِي أُنَاسٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ضَجّ النّاسُ وَ كَرِهُوا قَولَكَ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ دَعُوهُم وَ مَا يُرِيدُونَ ليِصُلَيَّ بِهِم مَن شَاءُوا. ثُمّ قَالَ«فَمَنيَتّبِع غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلّهِ ما تَوَلّي وَ نُصلِهِ جَهَنّمَ وَ ساءَت مَصِيراً»
جا الكَاتِبُ عَنِ الزعّفرَاَنيِّ عَنِ الثقّفَيِّ عَن يُوسُفَ بنِ كُلَيبٍ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ عَنِ الصّبّاحِ بنِ يَحيَي المزُنَيِّ عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ قَالَ حدَثّنَيِ جَمَاعَةٌ مِن أَصحَابِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ قَالَ يَوماًادعُوا[ لِي]
صفحه : 172
غَنِيّاً وَ بَاهِلَةَ وَ حَيّاً آخَرَ قَد سَمّاهُم فَليَأخُذُوا عَطَايَاهُم،فَوَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ مَا لَهُم فِي الإِسلَامِ نَصِيبٌ، وَ إنِيّ شَاهِدٌ وَ منَزلِيِ عِندَ الحَوضِ وَ عِندَ المَقَامِ المَحمُودِ،أَنّهُم أَعدَاءٌ لِي فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ[ وَ]لَآخُذَنّ غَنِيّاً أَخذَةً يَضرِطُ بَاهِلَةُ. وَ لَئِن ثَبَتَت قدَمَاَيَ لَأَرُدّنّ قَبَائِلَ إِلَي قَبَائِلَ، وَ قَبَائِلَ إِلَي قَبَائِلَ، وَ لَأُبَهرِجَنّ سِتّينَ قَبِيلَةً مَا لَهَا فِي الإِسلَامِ نَصِيبٌ.
بيان البهرج الباطل . وبهرجه أي جعل دمه هدرا.
كا[ثِقَةُ الإِسلَامِ الكلُيَنيِّ] فِي[ كِتَابِ]الرّوضَةِ[ عَن] عَلِيّ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ عَن حَمّادِ بنِ عِيسَي عَن اِبرَاهِيمَ بنِ عُمَرَ اليمَاَنيِّ عَن أَبَانِ بنِ أَبِي عَيّاشٍ عَن سُلَيمِ بنِ قَيسٍ الهلِاَليِّ قَالَخَطَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ صَلّي عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ثُمّ قَالَ أَلَا إِنّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُم خَلّتَانِ اتّبَاعُ الهَوَي، وَ طُولُ الأَمَلِ. أَمّا اتّبَاعُ الهَوَي فَيَصُدّ عَنِ الحَقّ. وَ أَمّا طُولُ الأَمَلِ فيَنُسيِ الآخِرَةَ.أَلَا وَ إِنّ الدّنيَا قَد تَرَحّلَت مُدبِرَةً، وَ إِنّ الآخِرَةَ قَد تَرَحّلَت مُقبِلَةً، وَ لِكُلّ وَاحِدَةٍ[مِنهُمَا]بَنُونَ،فَكُونُوا مِن أَبنَاءِ الآخِرَةِ، وَ لَا تَكُونُوا مِن أَبنَاءِ الدّنيَا، فَإِنّ اليَومَ عَمَلٌ وَ لَا حِسَابَ، وَ إِنّ غَداً حِسَابٌ وَ لَا عَمَلَ. وَ إِنّمَا بَدءُ وُقُوعِ الفِتَنِ مِن أَهوَاءٍ تُتّبَعُ، وَ أَحكَامٍ تُبتَدَعُ،يُخَالَفُ فِيهَا حُكمُ
صفحه : 173
اللّهِ،يَتَوَلّي فِيهَا رِجَالٌ رِجَالًا.أَلَا إِنّ الحَقّ لَو خَلَصَ لَم يَكُنِ اختِلَافٌ، وَ لَو أَنّ البَاطِلَ خَلَصَ لَم يَخفَ عَلَي ذيِ حِجًي،لَكِنّهُ يُؤخَذُ مِن هَذَا ضِغثٌ وَ مِن هَذَا ضِغثٌ،فَيُمزَجَانِ فَيَجتَمِعَانِ فَيُجَلّيَانِ مَعاً،فَهُنَاكَ يسَتوَليِ الشّيطَانُ عَلَي أَولِيَائِهِ، وَ نَجَا الّذِينَ سَبَقَت لَهُم مِنَ اللّهِ الحُسنَي،إنِيّ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ كَيفَ أَنتُم إِذَا أَلبَسَتكُم فِتنَةٌ يَربُو فِيهَا الصّغِيرُ، وَ يَهرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ،يجَريِ النّاسُ عَلَيهَا وَ يَتّخِذُونَهَا سُنّةً، فَإِذَا غُيّرَ مِنهَا شَيءٌ قِيلَ قَد غُيّرَتِ السّنّةُ وَ أَتَي النّاسُ مُنكَراً. ثُمّ تَشتَدّ البَلِيّةُ وَ تُسبَي الذّرّيّةُ وَ تَدُقّهُمُ الفِتنَةُ كَمَا تَدُقّ النّارُ الحَطَبَ، وَ كَمَا تَدُقّ الرّحَي بِثِفَالِهَا، وَ يَتَفَقّهُونَ لِغَيرِ اللّهِ، وَ يَتَعَلّمُونَ لِغَيرِ العَمَلِ، وَ يَطلُبُونَ الدّنيَا بِأَعمَالِ الآخِرَةِ. ثُمّ أَقبَلَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]بِوَجهِهِ وَ حَولَهُ نَاسٌ مِن أَهلِ بَيتِهِ وَ خَاصّتِهِ وَ شِيعَتِهِ، فَقَالَ قَد عَمِلَتِ الوُلَاةُ قبَليِ أَعمَالًا خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،مُتَعَمّدِينَ لِخِلَافِهِ،نَاقِضِينَ لِعَهدِهِ،مُغَيّرِينَ لِسُنّتِهِ، وَ لَو حَمَلتُ النّاسَ عَلَي تَركِهَا وَ حَوّلتُهَا إِلَي مَوَاضِعِهَا وَ إِلَي مَا كَانَت فِي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَتَفَرّقَ عنَيّ جنُديِ، حَتّي أَبقَي وحَديِ أَو[ مَعَ]قَلِيلٍ مِن شيِعتَيَِ الّذِينَ عَرَفُوا فضَليِ وَ فَرضَ إمِاَمتَيِ مِن كِتَابِ اللّهِ عَزّ ذِكرُهُ وَ سُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.
صفحه : 174
أَ رَأَيتُم لَو أَمَرتُ بِمَقَامِ اِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السّلَامُ فَرَدَدتُهُ إِلَي المَوضِعِ ألّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ رَدَدتُ فَدَكَ إِلَي وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ، وَ رَدَدتُ صَاعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَمَا كَانَ، وَ أَمضَيتُ قَطَائِعَ أَقطَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِأَقوَامٍ لَم تُمضَ لَهُم وَ لَم تُنفَذ، وَ رَدَدتُ دَارَ جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي وَرَثَتِهِ وَ هَدَمتُهَا مِنَ المَسجِدِ، وَ رَدَدتُ قَضَايَا مِنَ الجَورِ قضُيَِ بِهَا، وَ نَزَعتُ نِسَاءً تَحتَ رِجَالٍ بِغَيرِ حَقّ فَرَدَدتُهُنّ إِلَي أَزوَاجِهِنّ، وَ استَقبَلتُ بِهِنّ الحُكمَ فِي الفُرُوجِ وَ الأَحكَامِ، وَ سَبَيتُ ذرَاَريِّ بنَيِ تَغلِبَ، وَ رَدَدتُ مَا قُسِمَ مِن أَرضِ خَيبَرَ، وَ مَحَوتُ دَوَاوِينَ العَطَايَا، وَ أَعطَيتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يعُطيِ بِالسّوِيّةِ، وَ لَم أَجعَلهَا دُولَةً بَينَ الأَغنِيَاءِ، وَ أَلقَيتُ المَسَاحَةَ وَ سَوّيتُ بَينَ المَنَاكِحِ، وَ أَنفَذتُ خُمُسَ الرّسُولِ كَمَا أَنزَلَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ وَ فَرَضَهُ، وَ رَدَدتُ مَسجِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي مَا كَانَ عَلَيهِ، وَ سَدَدتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الأَبوَابِ وَ فَتَحتُ مَا سُدّ مِنهُ، وَ حَرّمتُ المَسحَ عَلَي الخُفّينِ، وَ حَدَدتُ عَلَي النّبِيذِ، وَ أَمَرتُ بِإِحلَالِ المُتعَتَينِ، وَ أَمَرتُ بِالتّكبِيرِ عَلَي الجَنَائِزِ خَمسَ تَكبِيرَاتٍ، وَ أَلزَمتُ النّاسَ الجَهرَ بِبِسمِ اللّهِ الرّحمَنِ الرّحِيمِ، وَ أَخرَجتُ مَن أُدخِلَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي مَسجِدِهِ مِمّن كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَخرَجَهُ، وَ أَدخَلتُ مَن أُخرِجَ بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِمّن كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَدخَلَهُ، وَ حَمَلتُ النّاسَ عَلَي حُكمِ القُرآنِ وَ عَلَي الطّلَاقِ عَلَي السّنّةِ، وَ أَخَذتُ الصّدَقَاتِ عَلَي أَصنَافِهَا وَ حُدُودِهَا، وَ رَدَدتُ الوُضُوءَ وَ الغُسلَ وَ الصّلَاةَ إِلَي مَوَاقِيتِهَا وَ شَرَائِعِهَا وَ مَوَاضِعِهَا، وَ رَدَدتُ أَهلَ نَجرَانَ إِلَي مَوَاضِعِهِم، وَ رَدَدتُ سَبَايَا فَارِسَ وَ سَائِرِ الأُمَمِ إِلَي كِتَابِ اللّهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، إِذاً لَتَفَرّقُوا عنَيّ. وَ اللّهِ لَقَد أَمَرتُ النّاسَ أَن لَا يَجتَمِعُوا فِي شَهرِ رَمَضَانَ إِلّا فِي فَرِيضَةٍ، وَ أَعلَمتُهُم أَنّ اجتِمَاعَهُم فِي النّوَافِلِ بِدعَةٌ،فَنَادَي بَعضُ أَهلِ عسَكرَيِ مِمّن يُقَاتِلُ معَيِ« يَا أَهلَ الإِسلَامِ غُيّرَت سُنّةُ عُمَرَ،يَنهَانَا عَنِ الصّلَاةِ فِي شَهرِ
صفحه : 175
رَمَضَانَ تَطَوّعاً». وَ لَقَد خِفتُ أَن يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عسَكرَيِ مَا لَقِيتُ مِن هَذِهِ الأُمّةِ مِنَ الفُرقَةِ وَ طَاعَةِ أَئِمّةِ الضّلَالَةِ وَ الدّعَاةِ إِلَي النّارِ وَ[ لَو]أَعطَيتُ مِن ذَلِكَ سَهمَ ذيِ القُربَي ألّذِي قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّإِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ وَ ما أَنزَلنا عَلي عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَي الجَمعانِفَنَحنُ وَ اللّهِ عَنَي بذِيِ القُربَي ألّذِي قَرَنَنَا اللّهُ بِنَفسِهِ وَ بِرَسُولِهِ، فَقَالَفَلِلّهِ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ القُربي وَ اليَتامي وَ المَساكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِفِينَا[خ مِنّا]خَاصّةًكيَ لا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأَغنِياءِ مِنكُم. وَ ما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَ اتّقُوا اللّهَ فِي ظُلمِ آلِ مُحَمّدٍإِنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِلِمَن ظَلَمَهُم،رَحمَةً مِنهُ لَنَا، وَ غِنًي أَغنَانَا اللّهُ بِهِ وَ وَصّي بِهِ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَم يَجعَل لَنَا فِي سَهمِ الصّدَقَةِ نَصِيباً،أَكرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَكرَمَنَا أَهلَ البَيتِ أَن يُطعِمَنَا مِن أَوسَاخِ النّاسِ،فَكَذّبُوا اللّهَ وَ كَذّبُوا رَسُولَهُ وَ جَحَدُوا كِتَابَ اللّهِ النّاطِقَ بِحَقّنَا، وَ مَنَعُونَا فَرضاً فَرَضَهُ اللّهُ لَنَا. مَا لقَيَِ أَهلُ بَيتِ نبَيِّ مِن أُمّتِهِ مَا لَقِيتُهُ بَعدَ نَبِيّنَاوَ اللّهُ المُستَعانُ عَلَي مَن ظَلَمَنَا، وَ لَا حَولَ وَ لَا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ العَظِيمِ
تبيين أقول وجدت في أصل كتاب سليم مثله . قوله عليه السلام « إنّ أخوف »[لفظ«أخوف »]مشتقّ من المبني للمفعول علي خلاف القياس كأشهر.[ قوله عليه السلام ]« قدترحّلت» قال الفيروزآبادي ارتحل القوم عن
صفحه : 176
المكان انتقلوا كترحّلوا.شبّه عليه السلام انقضاء العمر في الدنيا شيئا فشيئا، ونقص لذّاتها بترحّلها وإدبارها وقرب الموت يوما فيوما بترحّل الآخرة وإقبالها.[ قوله عليه السلام اليوم ]عمل » قال ابن ميثم [لفظ«عمل »]قائم مقام الخبر، من قبيل استعمال المضاف إليه مقام المضاف أي اليوم يوم عمل ، أووقت عمل .[ قوله عليه السلام ]«إنّما بدء وقوع الفتن » إلي آخره قدأورد الكليني رحمه اللّه، في كتاب العقل [ من الكافي] هذاالجزء من الخبر بسند صحيح عن [الإمام ]الباقر عليه السلام و فيه «أيّها النّاس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع ،يخالف فيها كتاب اللّه».[ قوله عليه السلام ]« من هذاضغث »الضغث مل ء الكفّ من الشجر والحشيش والشماريخ .[ قوله عليه السلام ]«فيجلّيان» و في كتاب العقل [ من الكافي]«فيجيئان معا،فهنالك استحوذ الشيطان علي أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسني » و هوأظهر. و علي ما في هذاالخبر،لعلّ المراد نجا الذين قال اللّه فيهم سَبَقَت لَهُم مِنّا الحُسني، أي سبقت لهم في علم اللّه وقضائه ومشيئته ،الخصلة الحسني وهي السعادة أوالتوفيق للطاعة، أوالبشري بالجنّة، أوالعاقبة الحسني .[ قوله عليه السلام ]«لبستم »كذا في بعض النسخ و هوالظاهر و في بعضها«ألبستم » علي بناء المجهول من الأفعال و هوأظهر. و في أكثره «ألبستكم »فيحتمل المعلوم والمجهول بتكلّف،إمّا لفظا وإمّا معني .[ قوله عليه السلام ]«يربو فيهاالصغير» قال الفيروزآبادي ربا[المال ]ربوّا كعلوا زاد ونما. والغرض بيان كثرة امتدادها.[ قوله عليه السلام ]« و قدأتي الناس منكرا»لعلّه داخل تحت القول
صفحه : 177
ويحتمل العدم .[ قوله عليه السلام ]« و كماتدقّ الرحي بثقالها» في أكثر النسخ بالقاف ولعلّه تصحيف . والظاهر الفاء، قال الجزري و في حديث عليّ عليه السلام «تدقّهم الفتن دقّ الرحي بثفالها»الثفال بالكسر جلدة تبسط تحت رحي اليد،ليقع عليها الدقيق ويسمّي الحجر الأسفل ثفالا بها، والمعني أنّها تدقّهم دقّ الرّحي بالحبّ إذاكانت مثقلة، و لاتثقل إلّا عندالطحن . و قال الفيروزآبادي وقول زهير«فنعرككم عرك الرحي بثفالها» أي علي ثفالها، أي حال كونها طاحنة لأنّهم لايثفلونها إلّا إذاطحنت انتهي . و علي ما في أكثر النسخ ،لعلّ المراد مع ثقالها أي إذاكانت معها مايثقلها من الحبوب ،فيكون أيضا كناية عن كونها طاحنة.[ قوله عليه السلام ]« أوقليل » أي أويبقي معي قليل .[ قوله عليه السلام ]« لوأمرت بمقام ابراهيم ».إشارة إلي مافعله عمر من تغيير المقام عن الموضع ألذي وضعه فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، إلي موضع كان فيه في الجاهلية.[ و قد]رواه الخاصّة والعامّة كمامرّ في بدعه .[ قوله عليه السلام ]« ونزعت نساء»إلخ كالمطلّقات ثلاثا في مجلس واحد وغيرها مما خالفوا فيه حكم اللّه.« وسبيت ذراري بن تغلب »لأنّ عمر رفع عنهم الجزية كمامرّ في بدعه ،فهم ليسوا بأهل ذمّة فيحلّ سبي ذراريهم .[ قوله عليه السّلام]« ومحوت دواوين العطايا» أي التي بنيت علي التفضيل بين المسلمين في زمن الثلاثة.[ قوله عليه السلام ]« و لم أجعلها دولة» قال الجزري في حديث أشراط الساعة« إذا كان المغنم دولا»[هي]جمع دولة بالضمّ، و هو مايتداول من المال فيكون لقوم دون قوم .
صفحه : 178
[ قوله عليه السلام ]« وألقيت المساحة»إشارة إلي ماعدّه الخاصّة والعامّة من بدع عمر، أنّه قال ينبغي أن يجعل مكان هذاالعشر ونصف العشر دراهم ،نأخذها من أرباب الأملاك ،فبعث إلي البلدان من مسح علي أهلها فألزمهم الخراج ،فأخذه من العراق و مايليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس علي كلّ جريب درهما واحدا، وقفيزا من أصناف الحبوب ، وأخذ من مصر ونواحيها دينارا وإردبا عن مساحة جريب ، كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندرية.
وَ قَد رَوَي البغَوَيِّ فِي[ كِتَابِ]شَرحِ السّنّةِ وَ غَيرُهُ مِن عُلَمَائِهِم عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ قَالَ مُنِعَتِ العِرَاقُ دِرهَمَهَا وَ قَفِيزَهَا، وَ مُنِعَتِ الشّامُ مُدّهَا وَ دِينَارَهَا، وَ مُنِعَت مِصرُ إِردَبّهَا وَ دِينَارَهَا.
والإردب لأهل مصر أربعة وستّون منا وفسرّه أكثرهم بأنّه قدمحا ذلك شريعة الإسلام . و كان أوّل بلد مسحه عمر بلد الكوفة، و قدمرّ الكلام فيه في باب بدع عمر.[ قوله عليه السلام ]« وسوّيت بين المناكح »بأن يزوّج الشريف والوضيع كمافعله رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، وزوّج بنت عمّه مقدادا. وعمر نهي عن تزويج الموالي والعجم كما في بعض الروايات .[ قوله عليه السلام ]« وأمرت بإحلال المتعتين » أي متعة النساء ومتعة الحجّ اللّتين حرّمهما عمر. و«خمس تكبيرات » أي لاأربعا كماابتدعه العامّة ونسبوه إلي عمر كمامرّ.[ قوله عليه السلام ]« وألزمت الناس »إلخ .يدلّ ظاهرا علي وجوب الجهر بالبسملة مطلقا، و إن أمكن حمله علي تأكّد الاستحباب .[ قوله عليه السلام ]« وأخرجت »إلخ الكلام يحتمل أن يكون المراد إخراج جسدي المعلومين الذين دفنا في بيته [صلّي اللّه عليه وآله وسلم ]بغير إذنه ، مع أن النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لم يأذن لهما لخوخة في مسجده ،
صفحه : 179
وإدخال جسد فاطمة عليها السلام ودفنها عند النّبي صلّي اللّه عليه وآله ، أورفع الجدار من بين قبريهما. ويحتمل أن يكون المراد،إدخال من كان ملازما لمسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في حياته ،كعمّار وأضرابه ، وإخراج من أخرجه الرسول صلّي اللّه عليه وآله من المطرودين . ويمكن [ أن يكون ]تأكيدا لمامر من فتح الأبواب وسدّها.[ قوله عليه السلام ]« ورددت أهل نجران إلي مواضعهم » لم أظفر إلي الآن بكيفية إخراجهم وسببه وبمن أخرجهم .[ قوله عليه السلام ]« ورددت سبايا فارس »لعلّ المراد الاسترداد ممن اصطفاهم أوأخذ زائدا من حظّه.[ و قوله عليه السلام ]« مالقيت »كلام مستأنف للتعجّب. و[ قوله ]«أعطيت »رجوع إلي الكلام السابق ولعلّ التأخير من الرواة. و في رواية الإحتجاج « وأعظم من ذلك » كمامرّ و هوأظهر.[ قوله ]إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ هذه من تتمّة آية الخمس ،حيث قال تعالي وَ اعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ القُربي وَ اليَتامي وَ المَساكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ وَ ما أَنزَلنا عَلي عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَي الجَمعانِ وَ اللّهُ عَلي كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ. قال البيضاوي[جملة](إِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ)متعلّق بمحذوف دلّ عليه [ قوله ]«وَ اعلَمُوا» أي إن كنتم آمنتم باللّه فاعلموا أنّه جعل الخمس لهؤلاء،فسلّموا إليهم واقتنعوا بالأخماس الأربعة الباقية، فإنّ العلم المتعلّق بالعمل إذاأمر به لم يرد منه العلم المجرّد لأنّه مقصود بالعرض ، والمقصود بالذات هوالعمل .وَ ما أَنزَلنا عَلي عَبدِنا محمد من الآيات والملائكة والنصريَومَ الفُرقانِ يوم بدر فإنّه فرّق فيه بين الحق والباطل يَومَ التَقَي الجَمعانِ
صفحه : 180
المسلمون والكفار.أقول لعلّ نزول حكم الخمس كان في غزاة بدر و[ قوله ]«وَ ما أَنزَلنا»إشارة إليه كمايظهر من بعض الأخبار. وفسّر عليه السلام «ذي القربي »بالأئمة كمادلّت عليه الأخبار المستفيضة، و عليه انعقد إجماع الشيعة.[ قوله ]«كيَ لا يَكُونَ دُولَةً» هذه تتمّة لآية أخري ورد[ت ] في فيئهم عليهم السلام حيث قال [ تعالي ]ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِن أَهلِ القُري فَلِلّهِ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ القُربي وَ اليَتامي وَ المَساكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ كيَ لا يَكُونَ أي الفيء ألذي هوحقّ الإمام عليه السلام .دُولَةً بَينَ الأَغنِياءِ مِنكُم(الدّولة بالضمّ مايتداوله الأغنياء وتدور بينهم كما كان في الجاهلية.[ قوله عليه السلام ]«رحمة لنا» أي فقرّر الخمس والفيء لنا رحمة منه لنا، وليغنينا بهما أوساخ أيدي الناس .
نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَو قَدِ استَوَت قدَمَاَيَ مِن هَذِهِ المَدَاحِضِ لَغَيّرتُ أَشيَاءَ.
بيان المداحض المزالق . واستواء القدمين كناية عن تمكّنه عليه السلام من إجراء الأحكام الشرعية علي وجوهها لأنّه عليه السلام لم يتمكن من تغيير بعض ما كان في أيّام الخلفاء كماعرفت .
كا مُحَمّدُ بنُ يَحيَي عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ القمُيّّ عَن عَلِيّ بنِ الحَكَمِ عَن سَيفِ بنِ عَمِيرَةَ رَفَعَهُ قَالَمَرّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ بِرَجُلٍ يصُلَيّ الضّحَي فِي مَسجِدِ الكُوفَةِ،فَغَمَزَ جَنبَهُ بِالدّرّةِ وَ قَالَ نَحَرتَ صَلَاةَ الأَوّابِينَ نَحَرَكَ اللّهُ قَالَ
صفحه : 181
فَأَترُكُهَا قَالَ فَقَالَأَ رَأَيتَ ألّذِي يَنهي عَبداً إِذا صَلّي. فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ كَفَي بِإِنكَارِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ نَهياً.
بيان « أرأيت ألذي » أي أقول اتركها،فتقول أنت وأمثالك مثل هذا أو قال ذلك تقية.
يب عَلِيّ بنُ الحَسَنِ بنِ فَضّالٍ عَن أَحمَدَ بنِ الحَسَنِ عَن عَمرِو بنِ سَعِيدٍ المدَاَئنِيِّ عَن مُصَدّقِ بنِ صَدَقَةَ عَن عَمّارٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ سَأَلتُهُ عَنِ الصّلَاةِ فِي[شَهرِ]رَمَضَانَ فِي المَسَاجِدِ. قَالَ لَمّا قَدِمَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ الكُوفَةَ أَمَرَ الحَسَنَ بنَ عَلِيّ أَن ينُاَديَِ فِي النّاسِ لَا صَلَاةَ فِي شَهرِ رَمَضَانَ فِي المَسَاجِدِ جَمَاعَةً،فَنَادَي فِي النّاسِ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ مَقَالَةَ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،صَاحُوا وَا عُمَرَاه وَا عُمَرَاه. فَلَمّا رَجَعَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَهُ مَا هَذَا الصّوتُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ النّاسُ يَصِيحُونَ وَا عُمَرَاه وَا عُمَرَاه فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ قُل لَهُم صَلّوا.
كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِّ
صفحه : 182
عَن مُخَوّلِ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن إِسرَائِيلَ عَن عَاصِمِ بنِ سُلَيمَانَ عَن مُحَمّدِ بنِ سِيرِينَ عَن شُرَيحٍ قَالَ بَعَثَ إلِيَّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَن أقَضيَِ بِمَا كُنتُ أقَضيِ[سَابِقاً] حَتّي يَجتَمِعَ أَمرُ النّاسِ.
صفحه : 183
كا عَلِيّ بنُ الحَسَنِ المُؤَدّبُ عَنِ البرَقيِّ، وَ أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ التيّميِّ،جَمِيعاً عَن إِسمَاعِيلَ بنِ مِهرَانَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الحَارِثِ عَن جَابِرٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَخَطَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ النّاسَ بِصِفّينَ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ صَلّي عَلَي مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،فَقَد جَعَلَ اللّهُ تَعَالَي لِي عَلَيكُم حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمرِكُم وَ منَزلِتَيَِ التّيِ أنَزلَنَيِ اللّهُ عَزّ ذِكرُهُ بِهَا مِنكُم، وَ لَكُم عَلَيّ مِنَ الحَقّ مِثلُ ألّذِي لِي عَلَيكُم، وَ الحَقّ أَجمَلُ الأَشيَاءِ فِي التّوَاصُفِ، وَ أَوسَعُهَا فِي التّنَاصُفِ، لَا يجَريِ لِأَحَدٍ إِلّا جَرَي عَلَيهِ، وَ لَا يجَريِ عَلَيهِ إِلّا جَرَي لَهُ، وَ لَو كَانَ لِأَحَدٍ أَن يجَريَِ ذَلِكَ لَهُ وَ لَا يجَريَِ
صفحه : 184
عَلَيهِ لَكَانَ ذَلِكَ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ خَالِصاً دُونَ خَلقِهِ،لِقُدرَتِهِ عَلَي عِبَادِهِ، وَ لِعَدلِهِ فِي كُلّ مَا جَرَت عَلَيهِ ضُرُوبُ[صُرُوفُ«خ »]قَضَائِهِ، وَ لَكِن جَعَلَ حَقّهُ عَلَي العِبَادِ أَن يُطِيعُوهُ، وَ جَعَلَ كَفّارَتَهُم عَلَيهِ بِحُسنِ الثّوَابِ تَفَضّلًا مِنهُ[ وَ تَطَوّلًا بِكَرَمِهِ] وَ تَوَسّعاً بِمَا هُوَ مِنَ المَزِيدِ لَهُ أَهلًا. ثُمّ جَعَلَ مِن حُقُوقِهِ حُقُوقاً فَرَضَهَا لِبَعضِ النّاسِ عَلَي بَعضٍ،فَجَعَلَهَا تَتَكَافَي فِي وُجُوهِهَا، وَ يُوجِبُ بَعضُهَا بَعضاً، وَ لَا يُستَوجَبُ بَعضُهَا إِلّا بِبَعضٍ.فَأَعظَمُ مِمّا افتَرَضَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي مِن تِلكَ الحُقُوقِ،حَقّ الواَليِ عَلَي الرّعِيّةِ وَ حَقّ الرّعِيّةِ عَلَي الواَليِ،فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ لِكُلّ عَلَي كُلّ،فَجَعَلَهَا نِظَامَ أُلفَتِهِم، وَ عِزّاً لِدِينِهِم، وَ قِوَاماً لِسَيرِ الحَقّ فِيهِم،فَلَيسَت تَصلُحُ الرّعِيّةُ إِلّا بِصَلَاحِ الوُلَاةِ، وَ لَا تَصلُحُ الوُلَاةُ إِلّا بِاستِقَامَةِ الرّعِيّةِ. فَإِذَا أَدّتِ الرّعِيّةُ إِلَي الواَليِ حَقّهُ وَ أَدّي إِلَيهَا الواَليِ كَذَلِكَ، عَزّ الحَقّ بَينَهُم،فَقَامَت مَنَاهِجُ الدّينِ، وَ اعتَدَلَت مَعَالِمُ العَدلِ، وَ جَرَت عَلَي أَذلَالِهَا السّنَنُ، وَ صَلَحَ بِذَلِكَ الزّمَانُ وَ طَابَ بِهَا العَيشُ، وَ طُمِعَ فِي بَقَاءِ الدّولَةِ، وَ يَئِسَت مَطَامِعُ الأَعدَاءِ. وَ إِذَا غَلَبَتِ الرّعِيّةُ عَلَي وَالِيهِم، وَ عَلَا الواَليِ الرّعِيّةَ اختَلَفَت هُنَالِكَ الكَلِمَةُ، وَ ظَهَرَت مَطَالِعُ الجَورِ، وَ كَثُرَ الإِدغَالُ فِي الدّينِ، وَ تُرِكَت مَعَالِمُ السّنَنِ،فَعُمِلَ بِالهَوَي، وَ عُطّلَتِ الآثَارُ وَ أُكثِرَ عِلَلُ النّفُوسِ، وَ لَا يُستَوحَشُ لِجَسِيمِ حَدّ عُطّلَ، وَ لَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ أُثّلَ،فَهُنَالِكَ تَذِلّ الأَبرَارُ وَ تَعِزّ الأَشرَارُ وَ تَخرَبُ البِلَادُ وَ تَعظُمُ تَبِعَاتُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ عِندَ العِبَادِ.فَهَلُمّ أَيّهَا النّاسُ إِلَي التّعَاوُنِ عَلَي طَاعَةِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ، وَ القِيَامِ بِعَدلِهِ وَ الوَفَاءِ بِعَهدِهِ، وَ الإِنصَافِ لَهُ فِي جَمِيعِ حَقّهِ،فَإِنّهُ لَيسَ العِبَادُ إِلَي شَيءٍ أَحوَجَ مِنهُم إِلَي التّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ وَ حُسنِ التّعَاوُنِ عَلَيهِ، وَ لَيسَ أَحَدٌ وَ إِنِ اشتَدّت عَلَي رِضَا اللّهِ حِرصُهُ وَ طَالَ فِي العَمَلِ اجتِهَادُهُ،بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا أَعطَي اللّهُ مِنَ الحَقّ أَهلَهُ، وَ لَكِن مِن وَاجِبِ حُقُوقِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ عَلَي العِبَادِ النّصِيحَةُ لَهُ بِمَبلَغِ
صفحه : 185
جُهدِهِم، وَ التّعَاوُنُ عَلَي إِقَامَةِ الحَقّ بَينَهُم. وَ لَيسَ امرُؤٌ وَ إِن عَظُمَت فِي الحَقّ مَنزِلَتُهُ وَ جَسُمَت فِي الحَقّ فَضِيلَتُهُ بِمُستَغنٍ عَن أَن يُعَاوِنَ عَلَي مَا حَمّلَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ مِن حَقّهِ، وَ لَا امرُؤٌ مَعَ ذَلِكَ خَسَأَت بِهِ الأُمُورُ وَ اقتَحَمَتهُ العُيُونُ بِدُونِ مَا أَن يُعِينَ عَلَي ذَلِكَ وَ يُعَانَ عَلَيهِ، وَ أَهلُ الفَضِيلَةِ فِي الحَالِ وَ أَهلُ النّعَمِ العِظَامِ أَكثَرُ مِن ذَلِكَ حَاجَةً، وَ كُلّ فِي الحَاجَةِ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ شَرَعٌ سَوَاءٌ.فَأَجَابَهُ رَجُلٌ مِن عَسكَرِهِ لَا يُدرَي مَن هُوَ، وَ يُقَالُ إِنّهُ لَم يُرَ فِي عَسكَرِهِ قَبلَ ذَلِكَ اليَومِ وَ لَا بَعدَهُ،فَقَامَ وَ أَحسَنَ الثّنَاءَ عَلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ بِمَا أَبلَاهُم وَ أَعطَاهُم مِن وَاجِبِ حَقّهِ عَلَيهِم، وَ الإِقرَارِ[ لَهُ]بِمَا ذَكَرَ مِن تَصَرّفِ الحَالَاتِ بِهِ وَ بِهِم. ثُمّ قَالَ أَنتَ أَمِيرُنَا وَ نَحنُ رَعِيّتُكَ،بِكَ أَخرَجَنَا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ مِنَ الذّلّ، وَ بِإِعزَازِكَ أَطلَقَ عِبَادَهُ مِنَ الغُلّ،فَاختَر عَلَينَا فَأَمضِ اختِيَارَكَ، وَ ائتَمِر فَأَمضِ ائتِمَارَكَ،فَإِنّكَ القَائِدُ المُصَدّقُ، وَ الحَاكِمُ المُوَفّقُ، وَ المَلِكُ المُخَوّلُ، لَا نَستَحِلّ فِي شَيءٍ مَعصِيَتَكَ، وَ لَا نَقِيسُ عِلماً بِعِلمِكَ،يَعظُمُ عِندَنَا فِي ذَلِكَ خَطَرُكَ، وَ يَجِلّ عَنهُ فِي أَنفُسِنَا فَضلُكَ.فَأَجَابَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ] إِنّ مِن حَقّ مَن عَظُمَ جَلَالُ اللّهِ فِي نَفسِهِ، وَ جَلّ مَوضِعُهُ مِن قَلبِهِ، أَن يَصغُرَ عِندَهُ لِعِظَمِ ذَلِكَ كُلّ مَا سِوَاهُ، وَ إِنّ أَحَقّ مَن كَانَ كَذَلِكَ لَمَن عَظُمَت نِعَمُ اللّهِ عَلَيهِ وَ لَطُفَ إِحسَانُهُ إِلَيهِ،فَإِنّهُ لَم تَعظُم نِعَمُ اللّهِ عَلَي أَحَدٍ إِلّا زَادَ حَقّ اللّهِ عَلَيهِ عِظَماً. وَ إِنّ مِن أَسخَفِ حَالَاتِ الوُلَاةِ عِندَ صَالِحِ النّاسِ أَن يُظَنّ بِهِم حُبّ الفَخرِ، وَ يُوضَعَ أَمرُهُم عَلَي الكِبرِ. وَ قَد كَرِهتُ أَن يَكُونَ جَالَ فِي ظَنّكُم أنَيّ أُحِبّ
صفحه : 186
الإِطرَاءَ وَ استِمَاعَ الثّنَاءِ، وَ لَستُ بِحَمدِ اللّهِ كَذَلِكَ، وَ لَو كُنتُ أُحِبّ أَن يُقَالَ ذَلِكَ[ لِي]لَتَرَكتُهُ انحِطَاطاً لِلّهِ سُبحَانَهُ عَن تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقّ بِهِ مِنَ العَظَمَةِ وَ الكِبرِيَاءِ، وَ رُبّمَا استحُليَِ الثّنَاءُ بَعدَ البَلَاءِ، فَلَا تُثنُوا عَلَيّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لإِخِراَجيِ نفَسيِ إِلَي اللّهِ وَ إِلَيكُم مِنَ البَقِيّةِ فِي حُقُوقٍ لَم أَفرُغ مِن أَدَائِهَا، وَ فَرَائِضَ لَا بُدّ مِن إِمضَائِهَا، فَلَا تكُلَمّوُنيِ بِمَا تُكَلّمُ بِهِ الجَبَابِرَةُ، وَ لَا تَتَحَفّظُوا منِيّ بِمَا يُتَحَفّظُ بِهِ عِندَ أَهلِ البَادِرَةِ، وَ لَا تخُاَلطِوُنيِ بِالمُصَانَعَةِ، وَ لَا تَظُنّوا بيِ استِثقَالًا فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَ لَا التِمَاسَ إِعظَامٍ لنِفَسيِ،فَإِنّهُ مَنِ استَثقَلَ الحَقّ أَن يُقَالَ لَهُ أَوِ العَدلَ أَن يُعرَضَ عَلَيهِ، كَانَ العَمَلُ بِهِمَا أَثقَلَ عَلَيهِ. فَلَا تَكُفّوا عَن مَقَالَةٍ بِحَقّ أَو مَشُورَةٍ بِعَدلٍ،فإَنِيّ لَستُ فِي نفَسيِ بِفَوقِ أَن أُخطِئَ، وَ لَا آمَنُ ذَلِكَ مِن فعِليِ، إِلّا أَن يكَفيَِ اللّهُ مِن نفَسيِ مَا هُوَ أَملَكُ بِهِ منِيّ،فَإِنّمَا أَنَا وَ أَنتُم عَبِيدٌ مَملُوكُونَ لِرَبّ لَا رَبّ غَيرُهُ،يَملِكُ مِنّا مَا لَا نَملِكُ مِن أَنفُسِنَا، وَ أَخرَجَنَا مِمّا كُنّا فِيهِ إِلَي مَا صَلَحنَا عَلَيهِ،فَأَبدَلَنَا بَعدَ الضّلَالَةِ بِالهُدَي وَ أَعطَانَا البَصِيرَةَ بَعدَ العَمَي.فَأَجَابَهُ الرّجُلُ ألّذِي أَجَابَهُ مِن قَبلُ، فَقَالَ أَنتَ أَهلُ مَا قُلتَ، وَ اللّهِ فَوقَ مَا قُلتَهُ،فَبَلَاؤُهُ عِندَنَا مَا لَا يُكفَرُ، وَ قَد حَمّلَكَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي رِعَايَتَنَا، وَ وَلّاكَ سِيَاسَةَ أُمُورِنَا،فَأَصبَحتَ عَلَمَنَا ألّذِي نهَتدَيِ بِهِ، وَ إِمَامَنَا ألّذِي نقَتدَيِ بِهِ، وَ أَمرُكَ كُلّهُ رُشدٌ، وَ قَولُكَ كُلّهُ أَدَبٌ. قَد قَرّت بِكَ فِي الحَيَاةِ أَعيُنُنَا، وَ امتَلَأَت مِن سُرُورٍ بِكَ قُلُوبُنَا، وَ تَحَيّرَت مِن صِفَةِ مَا فِيكَ مِن بَارِعِ الفَضلِ عُقُولُنَا، وَ لَسنَا نَقُولُ لَكَ أَيّهَا الإِمَامُ الصّالِحُ تَزكِيَةً لَكَ، وَ لَا تَجَاوُزَ القَصدِ فِي الثّنَاءِ عَلَيكَ، وَ لَن يُكَنّ فِي أَنفُسِنَا طَعنٌ عَلَي يَقِينِكَ، أَو غِشّ فِي دِينِكَ فَنَتَخَوّفَ أَن تَكُونَ أَحدَثتَ بِنِعمَةِ اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي تَجَبّراً، أَو دَخَلَكَ كِبرٌ، وَ لَكِنّا نَقُولُ لَكَ مَا قُلنَا تَقَرّباً إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ بِتَوقِيرِكَ، وَ تَوَسّعاً بِتَفضِيلِكَ، وَ شُكراً بِإِعظَامِ أَمرِكَ،فَانظُر لِنَفسِكَ وَ لَنَا وَ آثِر أَمرَ اللّهِ عَلَي نَفسِكَ وَ عَلَينَا،فَنَحنُ طُوّعٌ فِيمَا أَمَرتَنَا،نَنقَادُ مِنَ الأُمُورِ مَعَ ذَلِكَ فِيمَا يَنفَعُنَا.فَأَجَابَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ وَ أَنَا أَستَشهِدُكُم عِندَ اللّهِ عَلَي
صفحه : 187
نفَسيِ لِعِلمِكُم فِيمَا وُلّيتُ بِهِ مِن أُمُورِكُم، وَ عَمّا قَلِيلٍ يجَمعَنُيِ وَ إِيّاكُمُ المَوقِفُ بَينَ يَدَيهِ، وَ السّؤَالُ عَمّا كُنّا فِيهِ، ثُمّ يَشهَدُ بَعضُنَا عَلَي بَعضٍ، فَلَا تَشهَدُوا اليَومَ بِخِلَافِ مَا أَنتُم شَاهِدُونَ غَداً، فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ لَا يَخفَي عَلَيهِ خَافِيَةٌ، وَ لَا يَجُوزُ عِندَهُ إِلّا مُنَاصَحَةُ الصّدُورِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ.فَأَجَابَهُ الرّجُلُ وَ يُقَالُ لَم يُرَ الرّجُلُ بَعدَ كَلَامِهِ هَذَا لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَجَابَهُ، وَ قَد عَالَ ألّذِي فِي صَدرِهِ فَقَالَ وَ البُكَاءُ يَقطَعُ مَنطِقَهُ، وَ غُصَصُ الشّجَا تَكسِرُ صَوتَهُ إِعظَاماً لِخَطَرِ مَرزِئَتِهِ وَ وَحشَتِهِ مِن كَونِ فَجِيعَتِهِ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ، ثُمّ شَكَا إِلَيهِ هَولَ مَا أَشفَي عَلَيهِ مِنَ الخَطَرِ العَظِيمِ وَ الذّلّ الطّوِيلِ فِي فَسَادِ زَمَانِهِ وَ انقِلَابِ حَدّهِ وَ انقِطَاعِ مَا كَانَ مِن دَولَتِهِ، ثُمّ نَصَبَ المَسأَلَةَ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ بِالِامتِنَانِ عَلَيهِ وَ المُدَافَعَةِ عَنهُ بِالتّفَجّعِ وَ حُسنِ الثّنَاءِ فَقَالَ يَا ربَاّنيِّ العِبَادِ وَ يَا سَكَنَ البِلَادِ أَينَ يَقَعُ قَولُنَا مِن فَضلِكَ وَ أَينَ يَبلُغُ وَصفُنَا مِن فِعلِكَ وَ أَنّي نَبلُغُ حَقِيقَةَ حُسنِ ثَنَائِكَ أَو نحُصيِ جَمِيلَ بَلَائِكَ وَ كَيفَ وَ بِكَ جَرَت نِعَمُ اللّهِ عَلَينَا، وَ عَلَي يَدِكَ اتّصَلَت أَسبَابُ الخَيرِ إِلَينَا أَ لَم تَكُن لِذُلّ الذّلِيلِ مَلَاذاً وَ لِلعُصَاةِ الكُفّارِ إِخوَاناً فَبِمَن إِلّا بِأَهلِ بَيتِكَ وَ بِكَ أَخرَجَنَا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ مِن فَظَاعَةِ تِلكَ الخَطَرَاتِ، أَو بِمَن فَرّجَ عَنّا غَمَرَاتِ الكُرُبَاتِ أَو بِمَن إِلّا بِكُم أَظهَرَ اللّهُ مَعَالِمَ دِينِنَا وَ استَصلَحَ مَا كَانَ فَسَدَ مِن دُنيَانَا، حَتّي استَبَانَ بَعدَ الجَورِ ذِكرُنَا، وَ قَرّت مِن رَخَاءِ العَيشِ أَعيُنُنَا لِمَا وَلِيتَنَا بِالإِحسَانِ جَهدَكَ، وَ وَفَيتَ لَنَا بِجَمِيعِ عَهدِكَ،فَكُنتَ شَاهِدَ مَن غَابَ مِنّا وَ خَلَفَ أَهلِ البَيتِ لَنَا، وَ كُنتَ عِزّ ضَعَائِفِنَا وَ ثِمَالَ فُقَرَائِنَا وَ عِمَادَ عُظَمَائِنَا،يَجمَعُنَا مِنَ الأُمُورِ عَدلُكَ، وَ يَتّسِعُ لَنَا فِي الحَقّ تَأَنّيكَ،فَكُنتَ لَنَا أُنساً إِذَا رَأَينَاكَ، وَ سَكَناً إِذَا ذَكَرنَاكَ.فأَيَّ الخَيرَاتِ لَم تَفعَل وَ أَيّ الصّالِحَاتِ لَم تَعمَل وَ لَو أَنّ الأَمرَ ألّذِي نَخَافُ عَلَيكَ مِنهُ يَبلُغُ تَحرِيكَهُ جُهدُنَا وَ تَقوَي
صفحه : 188
لِمُدَافَعَتِهِ طَاقَتُنَا، أَو يَجُوزُ الفِدَاءُ عَنكَ عَنهُ بِأَنفُسِنَا وَ بِمَن نَفدِيهِ النّفُوسَ مِن أَبنَائِنَا،لَقَدّمنَا أَنفُسَنَا وَ أَبنَاءَنَا قِبَلَكَ، وَ لَأَخطَرنَاهَا وَ قَلّ خَطَرُهَا دُونَكَ، وَ لَقُمنَا بِجُهدِنَا فِي مُحَاوَلَةِ مَن حَاوَلَكَ، وَ فِي مُدَافَعَةِ مَن نَاوَاكَ وَ لَكِنّهُ سُلطَانٌ لَا يُحَاوَلُ، وَ عِزّ لَا يُزَاوَلُ، وَ رَبّ لَا يُغَالَبُ، فَإِن يَمنُن عَلَينَا بِعَافِيَتِكَ، وَ يَتَرَحّم عَلَينَا بِبَقَائِكَ، وَ يَتَحَنّن عَلَينَا بِتَفرِيجِ هَذَا مِن حَالِكَ إِلَي سَلَامَةٍ مِنكَ لَنَا وَ بَقَاءٍ مِنكَ بَينَ أَظهُرِنَا،نُحَدّثِ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ بِذَلِكَ شُكراً نُعَظّمُهُ، وَ ذِكراً نُدِيمُهُ، وَ نَقسِم أَنصَافَ أَموَالِنَا صَدَقَاتٍ، وَ أَنصَافَ رَقِيقِنَا عُتَقَاءَ، وَ نُحدِث لَهُ تَوَاضُعاً فِي أَنفُسِنَا، وَ نَخشَع فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا. وَ إِن يَمضِ بِكَ إِلَي الجِنَانِ، وَ يجُريِ عَلَيكَ حَتمَ سَبِيلِهِ،فَغَيرُ مُتّهَمٍ فِيكَ قَضَاؤُهُ، وَ لَا مَدفُوعٍ عَنكَ بَلَاؤُهُ، وَ لَا مُختَلِفَةٍ مَعَ ذَلِكَ قُلُوبُنَا بِأَنّ اختِيَارَهُ لَكَ مَا عِندَهُ عَلَي مَا كُنتَ فِيهِ، وَ لَكِنّا نبَكيِ مِن غَيرِ إِثمٍ لِعِزّ هَذَا السّلطَانِ أَن يَعُودَ ذَلِيلًا، وَ لِلدّينِ وَ الدّنيَا أَكِيلًا، فَلَا نَرَي لَكَ خَلَفاً نَشكُو إِلَيهِ، وَ لَا نَظِيراً نَأمُلُهُ وَ لَا نُقِيمُهُ.
تبيين أقول أورد السيّد[الرضي] في [المختار(216) من باب الخطب من ]النهج بعض هذاالسؤال والجواب ، وأسقط أكثرها، وسنشير إلي بعض الاختلافات . قوله عليه السلام «بولاية أمركم » أي لي عليكم حقّ الطاعة لأنّ اللّه جعلني واليا عليكم متولّيا لأمركم ، ولأنّه أنزلني منكم منزلة عظيمة هي منزلة الإمامة والسلطنة ووجوب الطاعة. قوله عليه السلام « والحقّ أجمل الأشياء في التواصف » أي وصفه جميل وذكره حسن .يقال تواصفوا الشيء أي وصفه بعضهم لبعض . و في بعض النسخ «التراصف »بالراء المهملة. والتراصف تنضيد الحجارة بعضها ببعض أي [الحقّ]أحسن الأشياء في إحكام الأمور وإتقانها.« وأوسعها في التّناصف» أي إذاأنصف الناس بعضهم لبعض ،فالحقّ
صفحه : 189
يسعه ويحتمله ، و لايقع للناس في العمل بالحقّ ضيق . و في نهج البلاغة«فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف » أي إذاأخذ الناس في وصف الحقّ وبيانه ، كان لهم في ذلك مجال واسع ،لسهولته علي ألسنتهم . و إذاحضر التناصف بينهم فطلب منهم ،ضاق عليهم المجال ،لشدّة العمل بالحقّ وصعوبة الإنصاف . قوله عليه السلام «صروف قضائه » أي أنواعه المتغيّرة المتوالية. و في بعض النسخ «ضروب قضائه »[ و هو]بمعناه والحاصل أنّه لو كان لأحد أن يجعل الحقّ علي غيره و لم يجعل له علي نفسه ،لكان هوسبحانه أولي بذلك و علي الأولوية بوجهين الأوّل القدرة. فإنّ غيره تعالي لوفعل ذلك لم يطعه أحد، و اللّه تعالي قادر علي جبرهم وقهرهم . والثاني أنّه لو لم يجزهم علي أعمالهم وكلّفهم بهالكان عادلا لأنّ له من النعم علي العباد ما لوعبدوه أبد الدهر لم يوفوا حقّ نعمة واحدة منها.فالمراد من أوّل الكلام أنّه سبحانه جعل لكلّ أحد علي غيره حقّا حتّي علي نفسه . أمّا الحقّ المفروض علي الناس فبمقتضي الاستحقاق ، و أمّا ماأجري علي نفسه ،فللوفاء بالوعد مع لزوم الوعد عليه .فظهر جريان الحقّ علي كلّ أحد و إن اختلف الجهة والاعتبار. قوله عليه السلام « وجعل كفّارتهم عليه حسن ثواب »لعلّ المراد بالكفّارة الجزاء العظيم لستره عملهم ،حيث لم يكن له في جنبه قدر،فكأنّه قدمحاه وستره .
صفحه : 190
[ و] في أكثر النسخ «بحسن الثّواب»فيحتمل أيضا أن يكون المراد بها مايقع منهم لتدارك سيّئاتهم،كالتوبة وسائر الكفّارات أي أوجب قبول كفّارتهم وتوبتهم علي نفسه مع حسن الثواب بأن يثيبهم علي ذلك أيضا. و لايبعد أن يكون [لفظ«كفّارتهم»]تصحيف كفاءتهم بالهمز[ة]. و في النهج « وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلا منه وتوسّعا بما هو من المزيد أهله ». قوله عليه السلام « ثمّ جعل من حقوقه » هذاكالمقدّمة لمايريد أن يبيّنه من كون حقّه عليهم واجبا من قبل اللّه تعالي ، و هوحقّ من حقوقه ليكون أدعي لهم علي أدائه . و بيّن أنّ حقوق الخلق بعضهم علي بعض هي من حقّ اللّه تعالي ، من حيث إنّ حقّه علي عباده هوالطاعة، وأداء تلك الحقوق طاعات اللّه،كحقّ الوالد علي ولده وبالعكس ، وحقّ الزوج علي الزوجة وبالعكس ، وحقّ الوالي علي الرعية وبالعكس قوله عليه السلام «فجعلها تتكافأ في وجوهها» أي جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله ،فحقّ الوالي و هوالطاعة من الرعية مقابل بمثله ، و هوالعدل فيهم وحسن السيرة. قوله عليه السلام « و لايستوجب بعضها إلّا ببعض » كما أنّ الوالي إذا لم يعدل لم يستحقّ الطاعة. قوله عليه السلام «فريضة فرضها اللّه»بالنّصب علي الحاليّة أوبإضمار فعل ، أوبالرفع ليكون خبر مبتدإ محذوف . و قوله عليه السلام «نظاما لألفتهم »فإنّها سبب اجتماعهم و بهايقهرون أعداءهم ويعزّون أولياءهم . قوله عليه السلام « وقواما» أي بهايقوم جريان الحقّ فيهم وبينهم . قوله عليه السلام « عزّ الحقّ» أي غلب .
صفحه : 191
قوله عليه السلام « واعتدلت معالم العدل » أي مظانّه، أوالعلامات التي نصبت في طريق العدل لسلوكه ، أوالأحكام التي يعلم بهاالعدل . قوله عليه السلام « علي أذلالها» قال الفيروزآبادي ذلّ الطريق بالكسر محجته . وأمور اللّه جارية علي أذلالها أي طريق [ علي ]مجاريها[ هو]جمع ذلّ بالكسر. قوله عليه السلام « وكثر الإدغال »[ هو]بكسر الهمزة. والإدغال [ هو] أن يدخل في الشيء ما ليس منه ، و هوالإبداع والتلبيس . أوبفتحها[ و هو]جمع الدغل بالتحريك [ و هو]الفساد. قوله عليه السلام «علل النّفوس» أي أمراضها بملكات السوء كالغلّ والحسد والعداوة ونحوها. وقيل وجوه ارتكاباتها للمنكرات ،فتأتي من كلّ منكر بوجه وعلّة ورأي فاسد. قوله [ عليه السلام ]«أثّل»يقال مال مؤثّل ومجد مؤثّل أي مجموع ذو أصل ، وأثلة الشيء أصله .ذكره الجزري. و في النهج «[ و لالعظيم باطل ]فعل ». قوله عليه السلام «تبعات اللّه» قال [الخليل ] في [ كتاب ]العين التّبعة اسم للشيء ألذي لك فيه بغية شبه ظلامة ونحوها. قوله عليه السلام «فهلمّ أيّها الناس » قال الجوهري هلم يا رجل بفتح الميم بمعني تعال ، قال الخليل أصله « لمّ» من قولهم لمّ اللّه شعثه أي جمعه كأنّه أراد لمّ نفسك إلينا أي اقرب . و«ها»للتنبيه . وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال ، وجعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز.
صفحه : 192
قوله عليه السلام «حقيقة ماأعطي اللّه من الحقّ أهله » أي جزاء ماأعطي اللّه أهل الحقّ من الدين المبين ، وسائر ماهداهم اللّه تعالي إليه بأن يكون المراد بالحقيقة الجزاء مجازا، أو يكون في الكلام تقدير مضاف أي حقيقة جزاء ماأعطي من الحقّ، أو يكون المراد بالبلوغ إليها كونه بإزائها ومكافاة لها. وقيل المراد بحقيقة ماأعطي اللّه شكر نعمة هدايته تعالي إلي دين الحقّ. و في النهج «حقيقة ما اللّه أهله من الطاعة له ». و في بعض النسخ القديمة من الكتاب «حقيقة ماالحقّ من اللّه أهله ». قوله [ عليه السلام ]«النصيحة له » أي للّه أوللإمام ، أونصيحة بعضهم لبعض للّه تعالي بأن لا يكون الظرف صلة. و في النهج «النصيحة بمبلغ [جهدهم ]»بدون الصلة و هويؤيّد الأخير. قال الجزري[ في مادّة نصح » من كتاب النهاية]النصيحة في اللغة الخلوص ،يقال نصحته ونصحت له . ومعني نصيحة اللّه صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النيّة في عبادته . و[معني ]النصيحة لكتاب اللّه هوالتصديق به والعمل بما فيه . ونصيحة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،التصديق بنبوّته ورسالته والانقياد لماأمر به ونهي عنه . و[معني ]نصيحة الأئمّة أن يطيعهم في الحقّ، ونصيحة عامّة المسلمين إرشادهم إلي مصالحهم . قوله عليه السلام « و لالامرئ مع ذلك »كأنّه راجع إلي ماحمل اللّه علي الوالي، أو إلي الوالي ألذي أشير إليه سابقا أي لايجوز، أو لابد لامرئ،
صفحه : 193
أو لااستغناء لامرئ مع الوالي، أو مع كون واليه مكلّفا بالجهاد وغيره من أمور الدين ، و إن كان لذلك المرء ضعيفا محقّرا بدون أن يعين علي إقامة الدين ويعينه الناس أوالوالي عليه . و في النهج « و لاامرئ و إن صغرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين علي ذلك أويعان عليه ». و هوالظاهر. قوله عليه السلام «خسأت به الأمور»يقال خسأت الكلب خسأ طردته . وخسأ الكلب بنفسه يتعدّي و لايتعدي .ذكره الجوهري.فيجوز أن يكون هنا استعمل غيرمتعدّ بنفسه قدعديّ بالباء أي طردته الأمور. أو يكون الباء للسببيّة أي بعدت بسببه الأمور. و في بعض النسخ «حبست به الأمور» و علي التقادير المراد أنّه يكون بحيث لايتمشّي أمر من أموره ، و لاينفع سعيه في تحصيل شيء من الأمور. و«اقتحمته العيون » أي احتقرته . وكلمة« ما» في قوله « ما أن يعين »زائدة. قوله عليه السلام « و أهل الفضيلة في الحال »المراد بهم الأئمّة والولاة والأمراء والعلماء، وكذا أهل النعم العظام فإنّهم لكونهم مكلّفين بعظائم الأمور كالجهاد في سبيل اللّه وإقامة الحدود والشرائع والأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلي إعانة الخلق أحوج . ويحتمل أن يكون المراد بأهل الفضيلة العلماء،فإنّهم محتاجون فيما حمل عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلي أعوان ، و لاأقلّ إلي من يؤمر وينهي . و[المراد]بأهل النعم أصحاب الأموال ،لأنّ ماحمل عليهم من الحقوق أكثر،كأداء الأخماس والصدقات ، وهم محتاجون إلي الفقير القابل لها، و إلي الشهود و إلي غيرهم والأوّل أظهر. قوله عليه السلام « و كلّ في الحاجة إلي اللّه شرع سواء»بيان لقوله
صفحه : 194
«شرع »، وتأكيد، وإنّما ذكر ذلك لئلّا يتوهّم أنّهم يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربّهم جلّ و عزّ،بل هوالموفق والمعين لهم في جميع أمورهم ، و لايستغنون بشيء عن اللّه عزّ و جلّ، وإنّما كلّفهم بذلك ليختبر طاعتهم ويثيبهم علي ذلك ، واقتضت حكمته البالغة أن يجري الأشياء بأسبابها، و هوالمسبّب لها والقادر علي إمضائها بلا سبب . قوله عليه السلام «فأجابه رجل »الظاهر أنه كان الخضر عليه السلام و قدجاء في مواطن كثيرة وكلمه عليه السلام لإتمام الحجّة علي الحاضرين ، و قدأتي بعدوفاته عليه السلام وقام علي باب داره وبكي وأبكي وخاطبه عليه السلام بأمثال تلك الكلمات وخرج وغاب عن الناس . قوله عليه السلام « والإقرار»الظاهر أنّه معطوف علي الثّناء أي أقرّ إقرارا حسنا بأشياء ذكرها ذلك لرجل ، و لم يذكره عليه السلام اختصارا أوتقيّة من تغيّر حالاته من استيلاء أئمة الجور عليه ومظلوميته وتغير أحوال رعيته من تقصيرهم في حقّه، وعدم قيامهم بما يحقّ من طاعته والقيام بخدمته . ويمكن أن يكون الواو بمعني مع ، ويحتمل عطفه علي [ قوله ]«واجب حقّه». قوله « من الغلّ» أي أغلال الشرك والمعاصي. و في بعض النسخ القديمة«أطلق عنّا رهائن الغلّ» أي مايوجب أغلال القيامة. قوله [ عليه السّلام]« وائتمر» أي اقبل ماأمرك اللّه به فأمضه علينا. قوله « والملك المخوّل» أي المملّك ألذي أعطاك اللّه الإمرة علينا وجعلنا خدمك وتبعك . قوله عليه السلام « لانستحلّ في شيء من معصيتك »لعلّه عديّ ب« في »لتضمين معني الدخول . أوالمعني لانستحلّ في شيءشيئا من معصيتك . و في بعض النسخ القديمة« لايستحلّ في شيء من معصيتك ». و هو
صفحه : 195
أظهر. قوله « في ذلك » أي في العلم بأن تكون كلمة« في »تعليلية، ويحتمل أن يكون إشارة إلي مادلّ عليه الكلام من إطاعته عليه السلام . والخطر القدر والمنزلة. قوله « ويجلّ عنه »يحتمل إرجاع الضمير إلي القياس أي فضلك أجلّ في أنفسنا من أن يقاس بفضل أحد. ويمكن إرجاعه إلي العلم فتكون كلمة« عن »تعليلية كما في قوله تعالي « وَ ما نَحنُ بتِاركِيِ آلِهَتِنا عَن قَولِكَ» أي يجلّ ويعظم بسبب ذلك في أنفسنا فضلك . قوله عليه السلام « من عظم جلال اللّه»إمّا علي التعليل بنصب «جلال اللّه»، أوبالتخفيف برفعه يعني من حقّ من عظّم جلال اللّه في نفسه و جلّ موضعه في قلبه ، أن يصغر عنده كلّ ماسوي اللّه تعالي ، لماظهر له من جلال اللّه، و أنّ أحقّ من كان كذلك أئمّة الحقّ عليهم السّلام،لعظم نعم اللّه وكمال معرفتهم بجلال ربّهم،فحقّ اللّه تعالي عليهم أعظم منه علي غيرهم ،فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلايحبّوا الفخر والإطراء في المدح ، أويجب أن يضمحلّ في جنب جلال اللّه عندهم غيره تعالي ، فلا يكون غيره منظورا لهم في أعمالهم ليطلبوا رضي الناس بمدحهم . قوله عليه السلام « و إنّ من أسخف »السخف رقّة العيش ورقة العقل . والسخافة رقّة كلّ شيء. أي أضعف حالات الولاة عندالرعيّة أن يكونوا متهمين عندهم بهذه الخصلة المذمومة. قوله عليه السلام «إنيّ أحبّ الإطراء» أي مجاوزة الحدّ في المدح والمبالغة فيه . قوله عليه السلام «انحطاطا للّه سبحانه » أي تواضعا له تعالي . و في بعض النسخ القديمة« و لوكنت أحبّ أن يقال [ لي ] ذلك ،لتناهيت
صفحه : 196
له أغنانا اللّه وإيّاكم عن تناول ما هوأحقّ به من التعاظم وحسن الثناء». والتناهي قبول النهي. والضمير في « له »راجع إلي اللّه تعالي . و في النهج كما في النسخ المشهورة قوله عليه السلام «فربما استحلي الناس »يقال استحلاه أي وجده حلوا. قال ابن ميثم رحمه اللّه هذايجري مجري تمهيد العذر لمن أثني عليه فكأنّه يقول و أنت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في اللّه، وأحثّ الناس علي ذلك ، و من عادة الناس أن يستحلوا الثناء عند أن يبلوا بلاء حسنا في جهاد أوغيره من سائر الطاعات . ثمّ أجاب [ عليه السلام ] عن هذاالعذر في نفسه بقوله « فلاتثنوا عليّ بجميل ثناء» أي لاتثنوا عليّ لأجل ماترونه منيّ من طاعة اللّه، فإنّ ذلك إنّما هوإخراج لنفسي إلي اللّه من حقوقه الباقية عليّ لم أفرغ بعد من أدائها وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لابدّ من المضيّ فيها. وكذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها اللّه[ عليّ لكم ] من النصيحة في الدين والإرشاد إلي الطريق الأفضل ، والتعليم لكيفية سلوكه .[ ثم قال ] و في خطّ الرضي رحمه اللّه« من التقية»بالتاء والمعني فإنّ ألذي أفعله من طاعة اللّه،إنّما هوإخراج لنفسي إلي اللّه وإليكم من تقيّة الخلق فيما يجلب عليّ من الحقوق .إذ كان عليه السلام إنما يعبد اللّه للّه غيرملتفت في شيء من عبادته ، وأداء واجب حقّه إلي أحد سواه خوفا منه أورغبة إليه . أوالمراد بهاالتّقيّة التّي كان يعملها في زمن الخلفاء الثلاثة وتركها في أيّام خلافته ، وكأنّه قال لم أفعل شيئا إلّا و هوأداء حقّ واجب عليّ، و إذا كان كذلك ،
صفحه : 197
فكيف أستحقّ أن يثني عليّ لأجل إتيان الواجب بثناء جميل وأقابل بهذا التعظيم [ و] هذا من باب التواضع منه [ عليه السلام ] وتعليم كيفيته ، وكسر للنفس عن محبة الباطل والميل إليه .انتهي . و قال ابن أبي الحديد معني قوله «لإخراجي نفسي إلي اللّه وإليكم » أي لاعترافي بين يدي اللّه وبمحضر منكم أنّ عليّ حقوقا في إيالتكم ورئاستي لم أقم بها بعد وأرجو من اللّه القيام بها.انتهي [كلام ابن أبي الحديد].فكأنّه جعل قوله [ عليه السلام ]«لإخراجي»تعليلا لترك الثناء لامثني عليه و لايخفي بعده . ثمّ اعلم أنّه يحتمل أن يكون المراد ب«البقيّة»الإبقاء والترحم كما قال تعالي أُولُوا بَقِيّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسادِ فِي الأَرضِ. أي إخراجي نفسي من أن أبقي وأترحّم مداهنة في حقوق لم أفرغ من أدائها. قال الفيروزآبادي وأبقيت مابيننا لم أبالغ في كلّ فساده . والاسم منه البقيّة و«أُولُوا بَقِيّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسادِ» أي إبقاء أوفهم . قوله عليه السلام « و لاتتحفّظوا عنيّ بما يتحفّظ به عند أهل البادرة»البادرة الحدّة والكلام ألذي يسبق من الإنسان في الغضب أي لاتثنوا عليّ كمايثني علي أهل الحدّة من الملوك خوفا من سطوتهم ، أو لاتحتشموا منيّ كمايحتشم من السلاطين والأمراء،كترك المسارّة والحديث إجلالا وخوفا منهم ، وترك مشاورتهم أوإعلامهم ببعض الأمور والقيام بين أيديهم . قوله عليه السلام «بالمصانعة» أي الرشوة والمداراة. قوله عليه السلام « كان العمل بهما أثقل عليه » وشأن الولاة العمل بالعدل والحقّ، أوأنتم تعلمون أنّه لايثقل عليّ العمل بهما.
صفحه : 198
قوله عليه السلام «بفوق أن أخطئ » هذا من [ باب ]الانقطاع إلي اللّه والتواضع الباعث لهم علي الانبساط معه بقول الحقّ، وعدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبودية، والإقرار بأنّ عصمته من نعمه تعالي عليه ، و ليس اعترافا بعدم العصمة كماتوهّم،بل ليست العصمة إلّا ذلك .فإنّما هي أن يعصم اللّه العبد عن ارتكاب المعاصي، و قدأشار عليه السلام إليه بقوله « إلّا أن يكفي اللّه». و هذامثل قول يوسف عليه السلام وَ ما أبُرَّئُ نفَسيِ إِنّ النّفسَ لَأَمّارَةٌ بِالسّوءِ إِلّا ما رَحِمَ ربَيّإلخ . قوله عليه السلام « ما هوأملك به » أي العصمة من الخطإ فإنّه تعالي أقدر علي ذلك للعبد من العبد لنفسه . قوله عليه السلام «ممّا كنّا فيه » أي من الجهالة وعدم العلم والمعرفة والكمالات التي يسرها اللّه تعالي لنا ببعثة الرسول صلّي اللّه عليه وآله وسلم . قال ابن أبي الحديد ليس هذاإشارة إلي خاصّ نفسه عليه السلام ،لأنّه لم يكن كافرا فأسلم ، ولكنّه كلام يقوله ويشير به إلي القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيهانفسه توسعا. ويجوز أن يكون معناها لو لاألطاف اللّه تعالي ببعثة محمدصلّي اللّه عليه وآله لكنت أنا وغيري علي مذهب الأسلاف .انتهي . قوله عليه السلام «فبلاؤه عندنا ما لايكفر» أي نعمه عندنا وافرة بحيث لانستطيع كفرها وسترها، أو لايجوز كفرانها وترك شكرها. قوله عليه السلام «سياسة أمورنا»[يقال ]سست الرعية سياسة
صفحه : 199
أمرتها ونهيتها. و«العلم »بالتحريك ماينصب في الطريق ليهتدي به السائرون . قوله « من بارع الفضل » قال الفيروزآبادي برع [فلان ] ويثلّث براعة فاق أصحابه في العلم وغيره ، أوتمّ في كلّ جمال وفضيلة،فهو بارع وهي بارعة. قوله « و لم يكن » علي المجهول من [قولهم ]كننت الشيء سترته . أوبفتح الياء وكسر الكاف من [قولهم ] وكن الطائر بيضه يكنه [ علي زنة وعد] إذاحضنه . و في بعض النسخ « لم يكن ». و في النسخة القديمة«لن يكون ». قوله « وتوسّعا» أي في الفضل والثواب . قوله « مع ذلك » أي مع طاعتنا لك أي نفس الطاعة أمر مرغوب فيه و مع ذلك موجب لحصول ماينفعنا و ما هوخير لنا في دنيانا وآخرتنا. قوله « إلّا مناصحة الصدور» أي خلوصها عن غشّ النفاق بأن يطوي فيه مايظهر خلافه ، أونصح الإخوان نصحا يكون في الصدر لابمحض اللّسان. قوله « و قدعال ألذي في صدره »يقال عالني الشيء أي غلبني. وعال أمرهم اشتدّ. قوله عليه السلام « وغصص الشجا»الغصّة بالضمّ مااعترض
صفحه : 200
في الحلق . وكذا الشجا والشجو الهمّ والحزن . قوله عليه السلام «لخطر مرزئته »الخطر بالتحريك القدر والمنزلة والإشراف علي الهلاك . والمرزئة المصيبة، وكذا الفجيعة وكونها أي وقوعها وحصولها والضميران راجعان إلي أمير المؤمنين عليه السلام . والقائل كان عالما بقرب أوان شهادته عليه السلام فلذا كان يندب ويتفجّع. وإرجاعهما إلي القائل بعيد. قوله عليه السلام «أشفي » أي أشرف عليه . والضمير في قوله « إليه »راجع إلي اللّه تعالي . قوله عليه السلام « وانقلاب جدّه»الجدّ البخت . والتفجّع التوجّع في المصيبة أي سأل اللّه دفع هذاالبلاء ألذي قدظنّ وقوعه عنه عليه السلام مع التفجّع والتضرّع. قوله « يارباّني العباد» قال الجزري الرباّني منسوب إلي الربّ بزيادة الألف والنون [للمبالغة]. وقيل هو من الربّ بمعني التربية لأنّهم كانوا يربّون المتعلّمين بصغارها وكبارها. والرباّني العالم الراسخ في العلم والدين . أو ألذي يطلب بعلمه وجه اللّه[ تعالي ]. وقيل العالم العامل المعلّم. قوله « و ياسكن البلاد»السكن بالتحريك كلّ مايسكن إليه . قوله « وبك جرت نعم اللّه علينا» أي بجهادك ومساعيك الجميلة لترويج الدين وتشييد الإسلام في زمن الرسول صلّي اللّه عليه وآله وبعده .
صفحه : 201
قوله عليه السلام « وللعصاة الكفّار إخوانا» أي كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الإخوان شفقة منك عليهم . أوالمراد الشفقة علي الكفّار والعصاة والاهتمام في هدايتهم . ويحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره و كان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع . وقيل المراد بالإخوان الخوان ألذي يؤكل عليه ،فإنّه لغة فيه كماذكره الجزري. و لايخفي بعده . و في النسخة القديمة« أ لم نكن »بصيغة المتكلم ، وحينئذ فالمراد بالفقرة الأولي أنّه كان ينزل بنا ذلّ كلّ ذليل أي كنّا نذلّ بكلّ ذلّة وهوان . و هوأظهر وألصق بقول «فبمن ». قوله عليه السلام « من فظاعة تلك الخطرات » أي شناعتها وشدّتها. قوله [ عليه السلام ]« بعدالحور» قال الجوهري[ و في الأثر]«نعوذ باللّه من الحور بعدالكور» أي من النقصان بعدالزيادة. و في بعض النسخ [«بالجور»]بالجيم . قوله عليه السلام « وثمال فقرائنا» قال الجزري الثمال بالكسر الملجأ والغياث . وقيل هوالمطعم في الشدّة. قوله [ عليه السلام ]«يجمعنا من الأمور عدلك » أي هوسبب اجتماعنا وعدم تفرّقنا في جميع الأمور، أو من بين سائر الأمور، أو هوسبب لانتظام أمورنا، أوعدلك يحيط بجميعنا في جميع الأمور. قوله عليه السلام « ويتّسع لنا في الحقّ تأنيك » أي صار مداراتك وتأنّيك وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقّه سببا لوسعة الحقّ علينا، وعدم تضيّق الأمر بنا.
صفحه : 202
قوله عليه السلام «ليبلغ تحريكه » أي تغييره وصرفه . و في النسخة القديمة«تحويله ». قوله « و لاخطرناها» أي جعلناها في معرض المخاطرة والهلاك . أوصيّرناها خطرا ورهنا وعوضا لك . قال الجزري[ و] فيه « فإنّ الجنّة لاخطر لها» أي لاعوض لها و لامثل . والخطر بالتحريك في الأصل الرهن و مايخاطر عليه . ومثل الشيء وعدله ، و لايقال إلّا في الشيء ألذي له قدر ومزيّة، و منه الحديث « أ لا رجل يخاطر بنفسه وماله » أي يلقيهما في الهلكة بالجهاد. و منه حديث النعمان [ بن مقرن يوم نهاوند]« إنّ هؤلاء يعني المجوس قدأخطروا لكم رثّة ومتاعا وأخطرتم لهم الإسلام »المعني أنّهم قدشرطوا لكم ذلك وجعلوه رهنا من جانبهم ، وجعلتم رهنكم دينكم . قوله عليه السلام «حاولك » أي قصدك . قوله « من ناواك » أي عاداك . قوله « ولكنّه» أي الربّ تعالي . قوله « و عزّ» أي ذو عزّ وغلبة. و«زاوله » أي حاوله وطالبه . و هذه إشارة إلي أنّ تلك الأمور بقضاء اللّه وتقديره ، والمبالغة في دفعها في حكم مغالبة اللّه في تقديراته . و قدسبق تحقيق القضاء والقدر في كتاب العدل . قوله «نعظّمه»الضمير في قوله «نعظمه » و«نديمه »راجعان إلي الشكر والذكر.[ و] قوله «بلاءه »يحتمل النعمة أيضا. قوله « ماعنده » هوخبر« إنّ»، ويحتمل أن يكون الخبر محذوفا أي خير لك ، والمعني أنّه لاتختلف قلوبنا بل تتّفق علي أنّ اللّه اختار لك بإمضائك النعيم والراحة الدائمة، علي ماكنت فيه من المشقّة والجهد والعناء. قوله « من غيرإثم » أي لانأثم علي البكاء عليك فإنّه من أفضل
صفحه : 203
الطاعات ، أو لانقول مايوجب الإثم . قوله «لعزّ»متعلّق ب[ قوله ]«البكاء» و« أن يعود»بدل اشتمال له أي نبكي لتبدّل عزّ هذاالسلطان ذلا. قوله «أكيل »الأكيل يكون بمعني المأكول ، وبمعني الأكل . والمراد هنا الثاني أي نبكي لتبدّل هذاالسلطان الحقّ بسلطنة الجور فيكون أكلا للدين والدنيا. و في بعض النسخ «لعن اللّه هذاالشيطان » فلا يكون مرجع الإشارة سلطنته عليه السلام ،بل جنسها الشامل للباطل أيضا أي لعن اللّه السلطنة التي لاتكون صاحبها. ويحتمل أن يكون اللعن مستعملا في أصل معناه لغة، و هوالإبعاد أي أبعد اللّه هذاالسلطان عن أن يعود ذليلا. و لايخفي بعده . قوله « و لانري لك خلفا» أي من بين السلاطين لخروج السلطنة عن أهل البيت [عليهم السلام ].
كا عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ عَن أَبِيهِ وَ مُحَمّدُ بنُ عَلِيّ،جَمِيعاً عَن إِسمَاعِيلَ بنِ مِهرَانَ وَ أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ التيّميِّ، وَ عَلِيّ بنُ الحُسَينِ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ،جَمِيعاً عَن إِسمَاعِيلَ بنِ مِهرَانَ عَنِ المُنذِرِ بنِ جَيفَرٍ عَنِ الحَكَمِ بنِ ظُهَيرٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ حَرِيزٍ العبَديِّ. عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ قَالَأَتَي أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ وَ وَلَدُ أَبِي بَكرٍ وَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقّاصٍ يَطلُبُونَ مِنهُ التّفضِيلَ لَهُم،فَصَعِدَ المِنبَرَ وَ مَالَ النّاسُ إِلَيهِ فَقَالَ
صفحه : 204
الحَمدُ لِلّهِ ولَيِّ الحَمدِ وَ مُنتَهَي الكَرَمِ، لَا تُدرِكُهُ الصّفَاتُ وَ لَا يُحَدّ بِاللّغَاتِ وَ لَا يُعرَفُ بِالغَايَاتِ. وَ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهُ نبَيِّ الهُدَي وَ مَوضِعُ التّقوَي وَ رَسُولُ الرّبّ الأَعلَي،جَاءَ بِالحَقّ مِن عِندِ الحَقّ لِيُنذِرَ بِالقُرآنِ المُبِينِ وَ البُرهَانِ المُستَنِيرِ فَصَدَعَ بِالكِتَابِ المُبِينِ وَ مَضَي عَلَي مَا مَضَت عَلَيهِ الرّسُلُ الأَوّلُونَ. أَمّا بَعدُ أَيّهَا النّاسُ فَلَا تَقُولَنّ رِجَالٌ قَد كَانَتِ الدّنيَا غَمَرَتهُم فَاتّخَذُوا العَقَارَ وَ فَجّرُوا الأَنهَارَ وَ رَكِبُوا أَفرَهَ الدّوَابّ وَ لَبِسُوا أَليَنَ الثّيَابِ فَصَارَ ذَلِكَ عَلَيهِم عَاراً وَ شَنَاراً إِن لَم يَغفِر لَهُمُ الغَفّارُ إِذَا مَنَعتُهُم مَا كَانُوا فِيهِ يَخُوضُونَ، وَ صَيّرتُهُم إِلَي مَا يَستَوجِبُونَ فَيَفقِدُونَ ذَلِكَ فَيَسأَلُونَ«ظَلَمَنَا ابنُ أَبِي طَالِبٍ وَ حَرَمَنَا وَ مَنَعَنَا حُقُوقَنَا».فَاللّهُ عَلَيهِمُ المُستَعَانُ. مَنِ استَقبَلَ قِبلَتَنَا وَ أَكَلَ ذَبِيحَتَنَا وَ آمَنَ بِنَبِيّنَا وَ شَهِدَ شَهَادَتَنَا وَ دَخَلَ فِي دِينِنَا،أَجرَينَا عَلَيهِ حُكمَ القُرآنِ بِحُدُودِ الإِسلَامِ، لَيسَ لِأَحَدٍ عَلَي أَحَدٍ فَضلٌ إِلّا بِالتّقوَي.أَلَا وَ إِنّ لِلمُتّقِينَ عِندَ اللّهِ أَفضَلَ الثّوَابِ وَ أَحسَنَ الجَزَاءِ وَ المَآبِ، لَم يَجعَلِ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي الدّنيَا لِلمُتّقِينَ ثَوَاباً،وَ ما عِندَ اللّهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ.انظُرُوا أَهلَ دِينِ اللّهِ فِيمَا أَصَبتُم فِي كِتَابِ اللّهِ، وَ تَرَكتُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ وَ جَاهَدتُم بِهِ فِي ذَاتِ اللّهِ، أَ بِحَسَبٍ أَم بِنَسَبٍ أَم بِعَمَلٍ أَم بِطَاعَةٍ أَم زَهَادَةٍ وَ فِيمَا أَصبَحتُم فِيهِ رَاغِبِينَ.فَسَارِعُوا إِلَي مَنَازِلِكُم رَحِمَكُمُ اللّهُ،التّيِ أُمِرتُم بِعِمَارَتِهَا العَامِرَةِ التّيِ لَا تَخرَبُ وَ البَاقِيَةِ التّيِ لَا تَنفَدُ،التّيِ دَعَاكُمُ[ اللّهُ]إِلَيهَا وَ حَضّكُم عَلَيهَا وَ رَغّبَكُم فِيهَا، وَ جَعَلَ الثّوَابَ عِندَهُ عَنهَا.فَاستَتِمّوا نِعَمَ اللّهِ عَزّ ذِكرُهُ بِالتّسلِيمِ لِقَضَائِهِ، وَ الشّكرِ عَلَي نَعمَائِهِ،فَمَن
صفحه : 205
لَم يَرضَ بِهَذَا فَلَيسَ مِنّا وَ لَا إِلَينَا، وَ إِنّ الحَاكِمَ يَحكُمُ بِكِتَابِ اللّهِ وَ لَا خَشيَةَ عَلَيهِ مِن ذَلِكَ،أُولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ. وَ فِي نُسخَةٍ[ مِن كِتَابِ الكاَفيِ]« وَ لَا وَحشَةَ وَ أُولَئِكَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَ لا هُم يَحزَنُونَ». وَ قَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] وَ قَد عَاتَبتُكُم بدِرِتّيَِ التّيِ أُعَاتِبُ بِهَا أهَليِ فَلَم تُبَالُوا، وَ ضَرَبتُكُم بسِوَطيَِ ألّذِي أُقِيمُ بِهِ حُدُودَ ربَيّ فَلَم تَرعَوُوا، أَ تُرِيدُونَ أَن أَضرِبَكُم بسِيَفيِ أَمَا إنِيّ أَعلَمُ ألّذِي تُرِيدُونَ وَ يُقِيمُ أَوَدَكُم، وَ لَكِن لَا أشَريِ صَلَاحَكُم بِفَسَادِ نفَسيِ،بَل يُسَلّطُ اللّهُ عَلَيكُم قَوماً فَيَنتَقِمُ لِي مِنكُم، فَلَا دُنيَا استَمتَعتُم بِهَا وَ لَا آخِرَةَ صِرتُم إِلَيهَا،فَبُعداً وَ سُحقاًلِأَصحابِ السّعِيرِ.
إيضاح قوله «ولد أبي بكر» هو عبدالرحمن . قوله عليه السلام «ولي الحمد» أي الأولي به ، أوالمتوليّ لحمد نفسه كماينبغي له بإيجاد مايدلّ علي كماله واتّصافه بجميع المحامد، وبتلقين مايستحقّه من الحمد أنبياؤه وحججه عليهم السلام وإلهام محبّيه وتوفيقهم للحمد.[ قوله عليه السلام ]« ومنتهي الكرم » أي ينتهي إليه كلّ جود وكرم لأنّه موجد النّعم والموفّق لبذلها، أو هوالمتّصف بأعلي مراتب الكرم والمولي بجلائل النّعم. ويحتمل أن يكون الكرم بمعني الكرامة والجلالة علي الوجهين السابقين .[ قوله عليه السلام ]« لاتدركه الصفات » أي توصيفات الواصفين أوصفات المخلوقين .[ قوله عليه السلام ]« فلايعرف بالغايات » أي بالنهايات والحدود
صفحه : 206
الجسمانيّة، أوبالحدود العقليّة،إذ حقيقة كلّ شيء وكنهه حدّه ونهايته . أو ليس له نهاية لا في وجوده و لا في علمه و لا في قدرته ، وكذا سائر صفاته . أو لايعرف بما هوغاية أفكار المتفكّرين.[ قوله عليه السلام ]«فصدع بالكتاب المبين » قال الفيروزآبادي[ في شرح ] قوله تعالي فَاصدَع بِما تُؤمَرُ أي شقّ جماعتهم بالتوحيد، أواجهر بالقرآن ، أوأظهر أواحكم بالحقّ وافصل بالأمر، أواقصد بما تؤمر، أوافرق به بين الحقّ والباطل .[ قوله عليه السلام ]« فلاتقولنّ رجال »الظاهر أنّ قوله «رجال »فاعل [لقوله ]« لاتقولنّ» و ماذكر بعده إلي قوله « ويقولون »صفات تلك الرجال . و قوله «ظلمنا ابن أبي طالب »مقول القول . و قوله «يقولون »تأكيد للقول المذكور في أوّل الكلام [ و]إنّما أتي به لكثرة الفاصلة بين العامل والمعمول . ويحتمل أن يكون مقول القول محذوفا يدلّ عليه قوله «ظلمنا ابن أبي طالب ». وقيل مفعوله محذوف تقدير الكلام فلاتقولنّ ماقلتم من طلب التفضيل وغيره رجال كانت الدنيا غمرتهم في زمن الخلفاء الثلاثة إذامنعتهم ماكانوا يأخذون وأعطيتهم مايستوجبون ،فيصرفون ماأعطيتهم ويسألون الزيادة عليه ويقولون ظلمنا ابن أبي طالب .انتهي .أقول لايخفي أنّ ماذكرناه أظهر. و في بعض النسخ «رجالا»بالنّصب، ولعلّ فيه حينئذ حذفا أي لاتقولنّ أنتم نعتقد أونتولي رجالا صفتهم كذا وكذا، ولعلّه كان « لاتتولّون»فصحّف.
صفحه : 207
[ قوله عليه السلام ]«أفره الدوابّ»يقال دابّة فارهة أي نشيطة قويّة نفيسة. و«الشنار»العيب والعار.[ قوله عليه السلام ]«ألا و إنّ للمتّقين» أي ليس الكرم عند اللّه إلّا بالتقوي ، وجزاء التقوي ليس إلّا في العقبي ، و لم يجعل اللّه جزاء عملهم التفضيل في عطايا الدنيا.[ قوله عليه السلام ]«فانظروا أهل دين اللّه» أي يا أهل دين اللّه كذا في النسخ المصحّحة، و في بعضها« إلي أهل » والمراد بقوله «فيما أصبتم في كتاب اللّه»[ من ]نعوت الأنبياء والأولياء الذين ذكرهم اللّه في القرآن ، أومواعيده الصادقة علي الأعمال الصالحة. وبقوله «تركتم عند رسول اللّه»صفاته الحسنة وصفات أصحابه و ما كان يرتضيه صلّي اللّه عليه وآله من ذلك ، أوضمان الرسول لهم المثوبات علي الصالحات ،كأنّه وديعة لهم عنده صلّي عليه وآله .[ قوله عليه السلام ]« وجاهدتم به » أي بسببه و هو مارأيتم من فضله وكماله ، أو ماسمعتم من المثوبات عليه .[ قوله عليه السلام ]« أبحسب أم بنسب » أي لم تكن تلك الأمور بالحسب والنسب بل بالعمل والطاعة والزهادة.[ قوله عليه السلام ]« وفيما أصبحتم » أي انظروا فيما أصبحتم راغبين فيه هل يشبه مارأيتم وعهدتم مما تقدم ذكره ، أوانظروا أيّهما أصلح لأن يرغب فيه .[ قوله عليه السلام ]« وجعل الثواب عنده عنها»كلمة« عن »لعلّها بمعني « من »للتبعيض . أو قوله «التي»بدل اشتمال للمنازل ، والمراد بهاالأعمال التي توصل إليها، و لايبعد أن يكون في الأصل « والتي» أو«بالتي»فصحّف.[ قوله عليه السلام ]« و لاخشية عليه من ذلك » أي لايخشي علي
صفحه : 208
الحاكم العدل أي الإمام أن يترك حكم اللّه و لايجوز أن يظنّ ذلك به ، أو لايخشي الحاكم بسبب العمل بحكم اللّه من أحد، أو أن يكون معاقبا بذلك عند اللّه. و علي نسخة« و لاوحشة»المعني أنّه إذاعمل الحاكم بحكم اللّه لايستوحش من مفارقة رعيّته عنه بسبب ذلك .[ قوله عليه السلام ]«بدرتّي»الدّرّة بالكسر التّي يضرب بها. ويظهر من الخبر أنّ السوط أكبر وأشدّ منها. والارعواء الانزجار عن القبيح . وقيل الندم علي الشيء والانصراف عنه وتركه . والأود بالتحريك العوج .[ قوله عليه السلام ]«بفساد نفسي» أي لاأطلب صلاحكم بالظلم وبما لم يأمرني به ربيّ فأكون قدأصلحتكم بإفساد نفسي. و«سحقا» أي بعدا.
كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُثمَانَ عَن عَلِيّ بنِ[ أَبِي]سَيفٍ[المدَاَئنِيِّ] عَن أَبِي حُبَابٍ عَن رَبِيعَةَ وَ عُمَارَةَ قَالَا إِنّ طَائِفَةً مِن أَصحَابِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَشَوا إِلَيهِ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَعطِ هَذِهِ الأَموَالَ وَ فَضّل هَؤُلَاءِ الأَشرَافَ مِنَ العَرَبِ وَ قُرَيشٍ عَلَي الموَاَليِ وَ العَجَمِ وَ مَن تَخَافُ خِلَافَهُ مِنَ النّاسِ وَ فِرَارَهُ قَالَ وَ إِنّمَا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ للِذّيِ كَانَ مُعَاوِيَةُ يَصنَعُ بِمَن أَتَاهُ فَقَالَ لَهُم عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَ تأَمرُوُنيّ أَن أَطلُبَ النّصرَ بِالجَورِ وَ اللّهِ لَا أَفعَلُ مَا طَلَعَت شَمسٌ وَ مَا لَاحَ فِي السّمَاءِ نَجمٌ، وَ اللّهِ لَو كَانَ مَالُهُم لِي لَوَاسَيتُ بَينَهُم،فَكَيفَ وَ مَا هيَِ إِلّا أَموَالُهُم
صفحه : 209
قَالَ ثُمّ أَزَمَ طَوِيلًا سَاكِناً ثُمّ قَالَ مَن كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِيّاهُ وَ الفَسَادَ فَإِنّ إِعطَاءَ المَالِ فِي غَيرِ حَقّهِ تَبذِيرٌ وَ إِسرَافٌ، وَ هُوَ ذِكرٌ لِصَاحِبِهِ فِي النّاسِ وَ يَضَعُهُ عِندَ اللّهِ، وَ لَم يَضَع رَجُلٌ مَالَهُ فِي غَيرِ حَقّهِ وَ عِندَ غَيرِ أَهلِهِ إِلّا حَرَمَهُ اللّهُ شُكرَهُم وَ كَانَ لِغَيرِهِ وُدّهُم، فَإِن بقَيَِ مَعَهُ مَن يَوَدّهُ وَ يُظهِرُ لَهُ البِشرَ فَإِنّمَا هُوَ مَلَقٌ وَ كَذِبٌ، وَ إِنّمَا ينَويِ أَن يَنَالَ مِن صَاحِبِهِ مِثلَ ألّذِي كَانَ يأَتيِ إِلَيهِ مِن قَبلُ، فَإِن زَلّت بِصَاحِبِهِ النّعلُ فَاحتَاجَ إِلَي مَعُونَتِهِ وَ مُكَافَأَتِهِ فَشَرّ خَلِيلٍ وَ أَلأَمُ خَدِينٍ. وَ مَن صَنَعَ المَعرُوفَ فِيمَا آتَاهُ اللّهُ،فَليَصِل بِهِ القَرَابَةَ، وَ ليُحسِن فِيهِ الضّيَافَةَ، وَ ليَفُكّ بِهِ العاَنيَِ، وَ ليُعِن بِهِ الغَارِمَ وَ ابنَ السّبِيلِ وَ الفُقَرَاءَ وَ المُهَاجِرِينَ، وَ ليُصَبّر نَفسَهُ عَلَي النّوَائِبِ وَ الخُطُوبِ فَإِنّ الفَوزَ بِهَذِهِ الخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدّنيَا وَ دَركُ فَضَائِلِ الآخِرَةِ.
نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي خُطبَةٍ[ لَهُ]فَأَينَ يُتَاهُ بِكُم بَل كَيفَ تَعمَهُونَ وَ بَينَكُم عِترَةُ نَبِيّكُم وَ هُم أَزِمّةُ الحَقّ وَ أَلسِنَةُ الصّدقِ،فَأَنزِلُوهُم بِأَحسَنِ مَنَازِلِ القُرآنِ وَ رِدُوهُم وُرُودَ الهِيمِ العِطَاشِ.أَيّهَا النّاسُ خُذُوهَا مِن خَاتَمِ النّبِيّينَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّهُ يَمُوتُ مَن يَمُوتُ مِنّا وَ لَيسَ بِمَيّتٍ وَ يَبلَي مَن بلَيَِ مِنّا وَ لَيسَ بِبَالٍ، فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعرِفُونَ، فَإِنّ أَكثَرَ الحَقّ فِيمَا تُنكِرُونَ، وَ اعذِرُوا مَن لَا حُجّةَ لَكُم عَلَيهِ وَ أَنَا هُوَ، أَ لَم أَعمَل فِيكُم بِالثّقَلِ الأَكبَرِ وَ أَترُك فِيكُمُ الثّقَلَ الأَصغَرَ وَ رَكَزتُ فِيكُم رَايَةَ الإِيمَانِ، وَ وَقَفتُكُم عَلَي حُدُودِ الحَلَالِ وَ الحَرَامِ، وَ أَلبَستُكُمُ العَافِيَةَ مِن عدَليِ، وَ فَرَشتُكُمُ المَعرُوفَ مِن قوَليِ وَ فعِليِ، وَ أَرَيتُكُم كَرَائِمَ الأَخلَاقِ مِن نفَسيِ فَلَا تَستَعمِلُوا
صفحه : 210
الرأّيَ فِيمَا لَا يُدرِكُ قَعرَهُ البَصَرُ، وَ لَا يَتَغَلغَلُ إِلَيهِ الفِكرُ.
بيان تاه فلان تحيّر. والعمه التردد علي وجه التحيّر. والواو في قوله « وبينكم »للحال . والأزمّة جمع زمام و هوالمقود أي هم القادة للحقّ يدور معهم حيثما داروا.[ قوله عليه السلام ]« وألسنة الصدق » أي هم كاللسان للصدق لايتكلّم إلّا بهم ، أوهم المتكلّمون به و لايظهر إلّا منهم .[ قوله عليه السلام ]«فأنزلوهم » أي أنزلوا العترة في صدوركم وقلوبكم بالتعظيم والانقياد لأوامرهم ونواهيهم والتمسّك بهم بأحسن المنازل التي تنزلون القرآن ، أوبأحسن المنازل التي يدلّ عليها القرآن .[ قوله عليه السلام ]« وردوهم » من الورود و هوالحضور عندالماء للشرب . و«الهيم »الإبل العطاش . قوله عليه السلام « واعذروا» قال ابن ميثم طلب عليه السلام منهم العذر فيما يصيبهم ويلحقهم من عذاب اللّه بسبب تقصيرهم في إطاعته عليه السلام . قوله عليه السلام «فيما لايدرك » أي فيما ذكر لهم من خصائص العترة الطاهرة وفضلها أي أمرنا صعب لاتهتدي إليه العقول [الساذجة]. والتغلغل الدخول .
نَهجٌ[ وَ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ] وَ لَقَد أَحسَنتُ جِوَارَكُم، وَ أَحَطتُ بجِهُديِ مِن وَرَائِكُم، وَ أَعتَقتُكُم مِن رِبَقِ الذّلّ وَ حَلَقِ الضّيمِ،شُكراً منِيّ لِلبِرّ القَلِيلِ، وَ إِطرَاقاً عَمّا أَدرَكَهُ البَصَرُ وَ شَهِدَهُ
صفحه : 211
البَدَنُ مِنَ المُنكَرِ الكَثِيرِ.
بيان الإحاطة من الوراء[ هو]دفع من يريدهم بشرّ لأنّ العدوّ الغالب يكون من وراء المحارب . والحلق بالتحريك وكعنب جمع حلقة. والضيم الظلم . وأطرق أي سكت وأرخي عينيه إلي الأرض ، وإطراقه عليه السلام عن المنكر الكثير وسكوته عنه لعدم تأثير النهي، أولانجراره إلي ما هوأعظم منه .
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ اتّخَذُوا الشّيطَانَ لِأَمرِهِم مِلَاكاً، وَ اتّخَذَهُم لَهُ أَشرَاكاً،فَبَاضَ وَ فَرّخَ فِي صُدُورِهِم، وَ دَبّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِم،فَنَظَرَ بِأَعيُنِهِم وَ نَطَقَ بِأَلسِنَتِهِم،فَرَكِبَ بِهِمُ الزّلَلَ، وَ زَيّنَ لَهُمُ الخَطَلَ،فِعلَ مَن قَد شَرِكَهُ الشّيطَانُ فِي سُلطَانِهِ، وَ نَطَقَ بِالبَاطِلِ عَلَي لِسَانِهِ.
بيان ملاك الأمر بالكسر مايقوم به . والأشراك إما جمع شريك أي عدّهم[الشيطان ] من شركائه في إضلال النّاس. أوجمع شرك بالتحريك أي جعلهم حبائل لاصطياد الخلق .«فباض وفرخ »كناية عن طول مكثه للوسوسة في صدورهم . والدب المشي الضعيف ، والدرج أقوي منه وهما كنايتان عن تربيتهم الباطل وملازمة الشيطان لهم حتي صار كالوالدين . والزلل في الأعمال والخطل في الأقوال . والباء في [ قوله ]«ركب بهم »للتعدية. والضمير في «سلطانه »راجع إلي « من » أي من شاركه الشيطان فيما جعله اللّه لهم من السلطان علي الأعمال والأقوال . أو إلي «الشيطان » أي كأنّهم الأصل في سلطانه وقدرته علي الإضلال .
صفحه : 212
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ[ عَلَيهِ السّلَامُ] فِي المَلَاحِمِ أَلَا بأِبَيِ وَ أمُيّ مِن عِدّةٍ أَسمَاؤُهُم فِي السّمَاءِ مَعرُوفَةٌ وَ فِي الأَرضِ مَجهُولَةٌ.أَلَا فَتَوَقّعُوا مَا يَكُونُ مِن إِدبَارِ أُمُورِكُم وَ انقِطَاعِ وُصَلِكُم، وَ استِعمَالِ صِغَارِكُم ذَاكَ،حَيثُ تَكُونُ ضَربَةُ السّيفِ عَلَي المُؤمِنِ أَهوَنَ مِنَ الدّرهَمِ مِن حِلّهِ.ذَاكَ حَيثُ يَكُونُ المُعطَي أَعظَمَ أَجراً مِنَ المعُطيِ.ذَاكَ حَيثُ تَسكَرُونَ مِن غَيرِ شَرَابٍ بَل مِنَ النّعمَةِ وَ النّعِيمِ وَ تَحلِفُونَ مِن غَيرِ اضطِرَارٍ وَ تَكذِبُونَ مِن غَيرِ إِحرَاجٍ.ذَاكَ إِذَا عَضّكُمُ البَلَاءُ كَمَا يَعَضّ القَتَبُ غَارِبَ البَعِيرِ. مَا أَطوَلَ هَذَا العَنَاءَ وَ أَبعَدَ هَذَا الرّجَاءَ أَيّهَا النّاسُ أَلقُوا هَذِهِ الأَزِمّةَ التّيِ تَحمِلُ ظُهُورُهَا الأَثقَالَ مِن أَيدِيكُم، وَ لَا تَصَدّعُوا عَلَي سُلطَانِكُم فَتَذُمّوا غِبّ فِعَالِكُم، وَ لَا تَقتَحِمُوا مَا استَقبَلتُم مِن فَورِ نَارِ الفِتنَةِ، وَ أَمِيطُوا عَن سَنَنِهَا وَ خَلّوا قَصدَ السّبِيلِ لَهَا،فَقَد لعَمَريِ يَهلِكُ فِي لَهَبِهَا المُؤمِنُ وَ يَسلَمُ فِيهَا غَيرُ المُسلِمِ.إِنّمَا مثَلَيِ بَينَكُم كَمَثَلِ السّرَاجِ فِي الظّلمَةِ،يسَتضَيِءُ بِهِ مَن وَلَجَهَا،فَاسمَعُوا أَيّهَا النّاسُ وَ عُوا وَ أَحضِرُوا آذَانَ قُلُوبِكُم تَفهَمُوا
إيضاح قال ابن أبي الحديد قالت الإماميّة هذه العدّة هم الأئمة الأحد عشر من ولده عليهم السلام . و قال غيرهم إنّه عني الأبدال الذين هم أولياء اللّه.انتهي .
صفحه : 213
[أقول ] وظاهر أنّ ذكر انتظار فرج الشّيعة كمااعترف به بعد هذا لاارتباط له بحكاية الأبدال . و أمّا كون أسمائهم في الأرض مجهولة،فلعلّ المراد به أنّ أكثر الناس لايعرفون قدرهم ومنزلتهم ، فلاينافي معرفة الخواص لهم و إن كانوا أيضا لايعرفونهم حقّ معرفتهم . أوأراد به جهالة أسمائهم في وقت إيراد[ هذا]الكلام ، والتخصيص في الاحتمال الأخير أقلّ منه في الأوّل. قوله عليه السلام « وانقطاع وصلكم »جمع وصلة أي تفرّق أموركم المنتظمة. والمراد باستعمال الصغار تقديمهم علي المشايخ وأرباب التجارب في الأعمال والولايات . قوله عليه السلام «حيث يكون المعطي » علي بناء المجهول «أعظم أجرا من المعطي» علي بناء الفاعل لأنّ أكثر الأموال في ذلك الزّمان يكون من الحرام ، وأيضا لايعطونها علي الوجه المأمور به [بل ]للأغراض الفاسدة. و أمّا المعطي فلمّا كان فقيرا يأخذ المال لسدّ خلّته، لايلزمه البحث عن المال وحلّه وحرمته فكان أعظم أجرا من المعطي. وقيل لأنّ صاحب المال لمّا كان يصرفه في أغلب الأحوال في الفساد، فإذاأخذه الفقير فقد فوّت عليه صرفه في القبائح ،فقد كفّه بأخذ المال من ارتكاب القبيح . و لايخلو من بعد. والنعمة بالفتح غضارة العيش . و في بعض النسخ بالكسر أي الخفض والدعة والمال . قوله عليه السلام « من غيرإخراج » أي من غيراضطرار إلي الكذب . وروي بالواو.
صفحه : 214
قوله عليه السلام « إذاعضّكم البلاء»يقال عضّ اللقمة كسمع ومنع أي أمسكها بأسنانه وعضّ بصاحبه أي لزمه . وعضّ الزمان والحرب شدّتهما. والقتب بالتحريك معروف . والغارب ما بين العنق والسنام . و قال ابن أبي الحديد هذاالكلام غيرمتّصل بما قبله كما هوعادة الرضي، و قد[ كان عليه السلام ]ذكر بين ذلك ماينال من شيعته من البؤس والقنوط ومشقّة انتظار الفرج . و قوله عليه السلام « ماأطول هذاالعناء وأبعد هذاالرجاء»حكاية كلام شيعته عليه السلام انتهي .فيكون المراد بالرجاء رجاء ظهور القائم عليه السلام . و قال ابن ميثم ويحتمل أن يكون الكلام متّصلا و يكون قوله عليه السلام « ماأطول هذاالعناء»كلاما مستأنفا في معني التوبيخ لهم علي إعراضهم عنه وإقبالهم علي الدنيا وإتعابهم أنفسهم في طلبها، وتنفير لهم عنها بذكر طول العناء في طلبها و بعدالرجاء لمايرجي منها. قوله عليه السلام «ألقوا» أي ألقوا من أيديكم أزمّة الآراء الفاسدة والأعمال الكاسدة التّي هي كالنوق والمراكب في حمل التبعات والآثام .« و لاتصدّعوا» أي لاتتفرّقوا. والسلطان الأمير والإمام . وغبّ كلّ شيءعاقبته . وفور نار الفتنة وهجها وغليانها.« وأميطوا» أي تنحّوا. والسّنن الطّريقة. قوله عليه السلام « وخلّوا» أي دعوها تسلك طريقها و لاتتعرّضوا لها تكونوا حبطا لنارها.
نَهجٌ[ وَ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ]الحَمدُ لِلّهِ النّاشِرِ فِي الخَلقِ
صفحه : 215
فَضلَهُ، وَ البَاسِطِ فِيهِم بِالجُودِ يَدَهُ،نَحمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَ نَستَعِينُهُ عَلَي رِعَايَةِ حُقُوقِهِ، وَ نَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ غَيرُهُ، وَ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرسَلَهُ بِأَمرِهِ صَادِعاً وَ بِذِكرِهِ نَاطِقاً،فَأَدّي أَمِيناً وَ مَضَي رَشِيداً وَ خَلّفَ فِينَا رَايَةَ الحَقّ، مَن تَقَدّمَهَا مَرَقَ وَ مَن تَخَلّفَ عَنهَا زَهَقَ، وَ مَن لَزِمَهَا لَحِقَ.دَلِيلُهَا مَكِيثُ الكَلَامِ بطَيِءُ القِيَامِ سَرِيعٌ إِذَا قَامَ، فَإِذَا أَنتُم أَلَنتُم لَهُ رِقَابَكُم وَ أَشَرتُم إِلَيهِ بِأَصَابِعِكُم جَاءَهُ المَوتُ فَذَهَبَ بِهِ،فَلَبِثتُم بَعدَهُ مَا شَاءَ اللّهُ حَتّي يُطلِعَ اللّهُ لَكُم مَن يَجمَعُكُم وَ يَضُمّ نَشرَكُم. فَلَا تَطمَعُوا فِي غَيرِ مُقبِلٍ، وَ لَا تَيأَسُوا مِن مُدبِرٍ، فَإِنّ المُدبِرَ عَسَي أَن تَزِلّ إِحدَي قَائِمَتَيهِ وَ تَثبُتَ الأُخرَي فَتَرجِعَا حَتّي تَثبُتَا جَمِيعاً.أَلَا وَ إِنّ مَثَلَ آلِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَمَثَلِ نُجُومِ السّمَاءِ إِذَا خَوَي نَجمٌ طَلَعَ نَجمٌ،فَكَأَنّكُم قَد تَكَامَلَت مِنَ اللّهِ فِيكُمُ الصّنَائِعُ، وَ أَرَاكُم مَا كُنتُم تَأمُلُونَ.
توضيح النّشر التفريق والبسط، وبسط اليد كناية عن العطاء. وقيل اليد هنا النعمة في جميع أموره أي ماصدر منه من النعم والبلايا. ورعاية حقوق اللّه شكره وطاعته .[ قوله عليه السّلام]«بأمره صادعا» أي مظهرا مجاهرا. والرشد إصابة الصواب . وقيل الاستقامة علي طريق الحقّ مع تصلّب فيه . وراية الحقّ الثّقلان المخلّفان. ومرق السهم من الرمية إذاخرج عن المرمي به ، والمراد هنا خروج من تقدّمها و لم يعتد بها من الدين . وزهق الشيء كمنع بطل وهلك . واللّحوق إصابة الحقّ. وأراد بالدليل نفسه عليه السلام . والضمير راجع إلي الراية.[ و]مكيث الكلام أي بطيئه أي لايتكلّم من غيررويّة. وبطيء القيام كناية عن ترك
صفحه : 216
العجلة والطّيش. وإلانة الرقاب كناية عن الإطاعة. والإشارة بالأصابع [كناية] عن التعظيم والإجلال . قال ابن أبي الحديد نقل أنّ أهل العراق لم يكونوا أشدّ اجتماعا عليه من الشهر ألذي قتل عليه السلام فيه ،اجتمع له مائة ألف سيف ، وأخرج مقدّمته يريد الشام ،فضربه اللعين وانفضّت تلك الجموع كالغنم فقدت رعاتها. وأشار[ عليه السلام ]بمن يجمعهم إلي المهدي عليه السلام . والنشر المنشور التفرّق. قوله عليه السلام « فلاتطمعوا» أي من لم يقبل علي طلب هذاالأمر ممن هوأهله ، فلاتطمعوا فيه فإنّ ذلك لاختلال بعض شرائط الطلب ، كما كان شأن أكثر أئمّتنا عليهم السلام . وقيل أراد بغير المقبل من انحرف عن الدين بارتكاب منكر،فإنّه لايجوز الطمع في أن يكون أميرا لكم . و في بعض النسخ « فلاتطعنوا في عين » أي من أقبل علي هذاالأمر من أهل البيت فلاتدفعوه عما يريد. و قوله [ عليه السلام ]« و لاتيأسوا» أي من أدبر عن طلب الخلافة ممن هو أهل لها فلاتيأسوا من عوده وإقباله علي الطلب ، فإنّ إدباره يكون لفقد بعض الشروط كقلّة الناصر. وزوال إحدي القائمتين كناية عن اختلال بعض الشروط، وثبات الأخري [كناية] عن وجود بعضها. و قوله «فيرجعان حتّي يثبتا»[كناية] عن استكمال الشرائط، و لاينافي النهي عن الإياس النهّي عن الطّمع لأنّ عدم اليأس هوالتجويز، والطمع فوق التجويز. أولأنّ النهي عن الطمع في حال عدم الشروط والإعراض عن
صفحه : 217
الطلب لذلك والنهي عن الإياس لجواز حصول الشرائط. وقيل [ في تفسير قوله عليه السلام ]« و لاتيأسوا من مدبر» أي إذاذهب من بينكم إمام وخلّفه إمام آخر فاضطرب أمره ، فلاتشكوا فيهم ، فإنّ المضطرب الأمر سينتظم أموره . وحينئذ يكون قوله عليه السلام «ألا إنّ مثل آل محمدصلّي اللّه عليه وآله »كالبيان لهذا.[ قوله عليه السلام ]« إذاخوي نجم » أي مال للمغيب . والصّنائع جمع صنيعة وهي الإحسان أي لاتيأسوا عسي أن يأتي اللّه بالفرج عن قريب والمتحقّق الوقوع قريب و إن كان بعيدا. ويمكن أن يكون [أراد]إراءة المخاطبين مايأملون في الرجعة.
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُأَيّهَا الغَافِلُونَ غَيرُ المَغفُولِ عَنهُم، وَ التّارِكُونَ المَأخُوذُ مِنهُم مَا لِي أَرَاكُم عَنِ اللّهِ ذَاهِبِينَ وَ إِلَي غَيرِهِ رَاغِبِينَ كَأَنّكُم نَعَمٌ أَرَاحَ بِهَا سَائِمٌ إِلَي مَرعًي وبَيِءٍ وَ مَشرَبٍ دوَيِّ،[ وَ]إِنّمَا هُوَ كَالمَعلُوفَةِ لِلمُدَي، لَا تَعرِفُ مَا ذَا يُرَادُ بِهَا، إِذَا أُحسِنَ إِلَيهَا تَحسَبُ يَومَهَا دَهرَهَا وَ شِبَعَهَا أَمرَهَا. وَ اللّهِ لَو شِئتُ أَن أُخبِرَ كُلّ رَجُلٍ مِنكُم بِمَخرَجِهِ وَ مَولَجِهِ وَ جَمِيعِ شَأنِهِ لَفَعَلتُ وَ لَكِن أَخَافُ أَن تَكفُرُوا فِيّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،أَلَا وَ إنِيّ مُفضِيهِ إِلَي الخَاصّةِ مِمّن يُؤمَنُ ذَلِكَ مِنهُ. وَ ألّذِي بَعَثَهُ بِالحَقّ وَ اصطَفَاهُ عَلَي الخَلقِ، مَا أَنطِقُ إِلّا صَادِقاً، وَ لَقَد عَهِدَ إلِيَّ بِذَلِكَ كُلّهِ وَ بِمَهلِكِ مَن يَهلِكُ وَ مَنجَي مَن يَنجُو وَ مَآلِ هَذَا الأَمرِ، وَ مَا أبُقيَِ شَيئاً يَمُرّ عَلَي رأَسيِ إِلّا أَفرَغَهُ فِي أذُنُيَّ وَ أَفضَي بِهِ إلِيَّ.أَيّهَا النّاسُ وَ اللّهِ لَا أَحُثّكُم عَلَي طَاعَةٍ إِلّا وَ أَسبِقُكُم إِلَيهَا، وَ لَا أَنهَاكُم
صفحه : 218
عَن مَعصِيَةٍ إِلّا وَ أَتَنَاهَي قَبلَكُم عَنهَا.
بيان [ قوله عليه السلام ]«أيّها الغافلون »الظاهر أنّ الخطاب لعامّة المكلّفين أي الذين غفلوا عمّا يراد بهم ومنهم ،[ وهم ] غيرالمغفول عنهم ، فإنّ أعمالهم محفوظة مكتوبة.[ قوله ]« والتاركون » أي لماأمروا به المأخوذ منهم بانتقاص أعمارهم وقواهم واستلاب أحبابهم وأموالهم . والذهاب عن اللّه التوجه إلي غيره والإعراض عن جنابه . والنّعم بالتحريك جمع لاواحد له من لفظه وأكثر مايقع علي الإبل .[ قوله عليه السلام ]«أراح بهاسائم »شبّههم بالنعم التي تتبع نعما أخري .سائمة أي راعية. وإنّما قال ذلك لأنّها إذااتبعت أمثالها كان أبلغ في ضرب المثل بجهلها من الإبل التي يسيمها راعيها. و مايظهر من كلام ابن ميثم من أنّ السائم بمعني الراعي،ففيه ما لايخفي . والمرعي الوبيء ذو الوباء والمرض ، وأصله الهمز. والدوّي ذو الدّاء، والأصل في الدويّ،دوي بالتخفيف ولكنّه شدّد للازدواج . قال الجوهري رجل دو بكسر الواو أي فاسد الجوف من داء. والمدي بالضمّ جمع مدية وهي السكين . قوله عليه السلام «تحسب يومها» أي تظنّ أن ذلك العلف كما هوحاصل لها في هذااليوم حاصل لها أبدا، أونظرها مقصور علي يومها تحسب أنّه دهرها.« وشبعها أمرها» أي تظن انحصار شأنها وأمرها في الشبع . قوله عليه السلام « و اللّه لوشئت أن أخبر» قال ابن أبي الحديد[ و] هذاكقول المسيح عليه السلام وَ أُنَبّئُكُم بِما تَأكُلُونَ وَ ما تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم
صفحه : 219
[49-آل عمران 3][ ولكن ] قال عليه السلام إلّا أنيّ أخاف عليكم الغلوّ في أمري، و أن تفضلّوني علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،بل أخاف عليكم أن تدّعوا فيّ الإلهيّة كماادّعت النصاري ذلك في المسيح عليه السلام لمّا أخبرهم بالأمور الغائبة.[ ثم قال ابن أبي الحديد] و مع كتمانه عليه السلام فقد كفر[ فيه ]كثير منهم ، وادّعوا فيه النبوّة، و أنّه شريك الرسول في الرسالة وإنّه هوالرسول ، ولكنّ الملك غلط، و أنّه هو ألذي بعث محمدا صلّي اللّه عليه وآله ، وادّعوا فيه الحلول والاتحاد. ويحتمل أن يكون كفرهم فيه بإسناد التقصير إليه عليه السلام في إظهار شأنه وجلالته . والمهلك بفتح اللام وكسرها يحتمل المصدر واسم الزمان والمكان . والمراد بالهلاك إمّا الموت والقتل أوالضلال والشقاء. وكذلك النجاة. والمراد بالأمر الخلافة أوالدين وملك الإسلام . ومآله انتهاؤه بظهور القائم عليه السلام و ما يكون في آخر الزمان . وأفرغه كفرّغه صبّه.
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ اللّهَ سُبحَانَهُ بَعَثَ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَيسَ أَحَدٌ مِنَ العَرَبِ يَقرَأُ كِتَاباً وَ لَا يدَعّيِ نُبُوّةً وَ لَا وَحياً،فَقَاتَلَ بِمَن أَطَاعَهُ مَن عَصَاهُ،يَسُوقُهُم إِلَي مَنجَاتِهِم، وَ يُبَادِرُ بِهِمُ السّاعَةَ أَن تَنزِلَ بِهِم.يَحسِرُ الحَسِيرُ وَ يَقِفُ الكَسِيرُ فَيُقِيمُ عَلَيهِ حَتّي يُلحِقَهُ غَايَتَهُ، إِلّا هَالِكاً لَا خَيرَ فِيهِ، حَتّي أَرَاهُم مَنجَاتَهُم، وَ بَوّأَهُم مَحَلّتَهُم،فَاستَدَارَت رَحَاهُم، وَ استَقَامَت قَنَاتُهُم. وَ ايمُ اللّهِ لَقَد كُنتُ مِن سَاقَتِهَا حَتّي تَوَلّت بِحَذَافِيرِهَا، وَ استَوسَقَت فِي
صفحه : 220
قِيَادِهَا، مَا ضَعُفتُ وَ لَا جَبُنتُ، وَ لَا خُنتُ وَ لَا وَهَنتُ. وَ ايمُ اللّهِ لَأَبقُرَنّ البَاطِلَ حَتّي أُخرِجَ الحَقّ مِن خَاصِرَتِهِ.
بيان المنجاة مصدر أواسم مكان .« ويبادر بهم السّاعة» أي يسارع إلي هدايتهم وإرشادهم حذرا من أن ينزل بهم السّاعة فتدركه علي الضّلالة. والحسير المعيي. وإقامته [صلّي اللّه عليه وآله ] علي الحسير والكسير ومراقبته من تزلزل عقائده ،ليدفع شبهه حتّي يبلغه الغاية التّي خلق لأجلها، إلّا من لم يكن قابلا للهداية. ومنهم من حمله علي ظاهره من شفقته صلّي اللّه عليه وآله علي الضعفاء في الأسفار والغزوات .[ قوله عليه السلام ]« حتّي أراهم منجاتهم » أي نجاتهم أومحلّ نجاتهم . ومحلّتهم منزلهم وغاية سفرهم الصوري أوالمعنوي. واستدار الرّحي واستقامة القناة،كنايتان عن انتظام الأمر كمامرّ. والسّاقة جمع سائق ، والضّمير لغير مذكور[لفظا] والمراد الجاهليّة،شبّهها عليه السّلام بكتيبة مصادفة لكتيبة الإسلام فهزمها. و في القاموس الحذفور كعصفور الجانب كالحذفار والشريف والجمع الكثير. وأخذه بحذافيره بأسره . أوبجوانبه أوبأعاليه . والحذافير المتهيّئون للحرب . واشدد حذافيرك تهيّأ. واستوسقت أي اجتمعت وانتظمت يعني الملّة الإسلامية أوالدعوة أو مايجري هذاالمجري أي لمّا ولّت الجاهلية استوسقت هذه في قيادها كالإبل المقودة إلي أعطانها. ويحتمل عوده إلي الجاهلية أي تولّت بحذافيرها واجتمعت تحت ظلّ المقادة. والبقر الشقّ. والخاصرة ما بين أسفل الأضلاع وعظم الورك ،شبّه عليه
صفحه : 221
السّلام الباطل بحيوان ابتلع الحقّ.
نَهجٌ[ وَ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ] تَاللّهِ لَقَد عُلّمتُ تَبلِيغَ الرّسَالَاتِ وَ إِتمَامَ العِدَاتِ وَ تَمَامَ الكَلِمَاتِ، وَ عِندَنَا أَهلَ البَيتِ أَبوَابُ الحُكمِ وَ ضِيَاءُ الأَمرِ.أَلَا وَ إِنّ شَرَائِعَ الدّينِ وَاحِدَةٌ، وَ سُبُلَهُ قَاصِدَةٌ، مَن أَخَذَ بِهَا لَحِقَ وَ غَنِمَ، وَ مَن وَقَفَ عَنهَا ضَلّ وَ نَدِمَ.اعمَلُوا لِيَومٍ تُذخَرُ لَهُ الذّخَائِرُ، وَ تُبلَي فِيهِ السّرَائِرُ، وَ مَن لَا يَنفَعُهُ حَاضِرُ لُبّهِ فَعَازِبُهُ عَنهُ أَعجَزُ وَ غَائِبُهُ أَعوَزُ. وَ اتّقُوا نَاراً حَرّهَا شَدِيدٌ، وَ قَعرُهَا بَعِيدٌ وَ حِليَتُهَا حَدِيدٌ وَ شَرَابُهَا صَدِيدٌ.أَلَا وَ إِنّ اللّسَانَ الصّالِحَ يَجعَلُهُ اللّهُ لِلمَرءِ فِي النّاسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ المَالِ يُورِثُهُ مَن لَا يَحمَدُهُ.
بيان قال ابن أبي الحديد[ قوله ]«لقد علمت تبليغ الرّسالات»إشارة إلي قوله تعالي يُبَلّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ و لايخشون إلّا اللّه و إلي قول النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله في قصّة براءة« لايؤديّ عنيّ أنا أو رجل منيّ»، و أنّه علم مواعيد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله التّي وعد بها وإنجازها،فمنها ما هووعد لواحد من النّاس نحو أن يقول سأعطيك كذا. ومنها ما هووعد بأمر سيحدث ،كأخبار الملاحم والأمور المتجدّدة. و فيه إشارة إلي قول تعالي [BA] مِنَ المُؤمِنِينَ]رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيهِ و إلي قول النّبيّ صلّي اللّه عليه في حقّه عليه السلام «قاضي ديني ومنجز عداتي» و أنّه علم تمام الكلمات و هوتأويل القرآن وبيانه ألذي يتم به .
صفحه : 222
و فيه إشارة إلي قوله تعالي وَ تَمّت كَلِمَةُ رَبّكَ صِدقاً وَ عَدلًا. و إلي قول النبيّ صلّي اللّه عليه وآله [ له ]« أللّهم اهد قلبه وثبّت لسانه ». ولعلّ المراد ب«أبواب الحكم »بالضمّ أو«الحكم »بكسر الحاء وفتح الكاف علي اختلاف النسخ الأحكام الشرعية. وب«ضياء الأمر»العقائد العقلية أوبالعكس . و قال ابن ميثم لعلّ المراد ب«شرائع الدين وسبله » أهل البيت عليهم السلام فإنّ أقوالهم في الدين واحدة خالية عن الاختلاف .أقول ويحتمل أن يكون المراد معناه الظاهر، و يكون الغرض نفي الاختلاف في الأحكام بالآراء والمقاييس ، ويظهر منه بطلان إمامة غير أهل البيت كما لايخفي. قوله عليه السلام « و من لاينفعه » فيه وجوه الأول أنّ من لم يعتبر في حياته بلبّه فأولي بأن لاينتفع بعدالموت .الثاني أنّ المراد من لم يعمل بما فهم وحكم به عقله وقت إمكان العمل ،فأحري أن لاينتفع به بعدانقضاء وقته ،بل لايورثه إلّا ندامة وحسرة.الثالث أنّ المراد من لم يكن له من نفسه واعظ وزاجر و لم يعمل بما فهم وعقل ،فأحري بأن لايرتدع من القبيح بعقل غيره وموعظته له . و«اللسان الصالح »الذّكر الجميل . و« من لايحمده »وارثه ألذي لايعدّ ذلك الإيراث فضلا ونعمة.
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَتِهِ[ عَلَيهِ السّلَامُ]المَعرُوفَةِ بِالقَاصِعَةِ
صفحه : 223
أَلَا وَ إِنّكُم قَد نَفَضتُم أَيدِيَكُم مِن حَبلِ الطّاعَةِ، وَ ثَلَمتُم حِصنَ اللّهِ المَضرُوبَ عَلَيكُم بِأَحكَامِ الجَاهِلِيّةِ، وَ إِنّ اللّهَ سُبحَانَهُ قَدِ امتَنّ عَلَي جَمَاعَةِ هَذِهِ الأُمّةِ فِيمَا عَقَدَ بَينَهُم مِن حَبلِ هَذِهِ الأُلفَةِ التّيِ يَنتَقِلُونَ فِي ظِلّهَا وَ يَأوُونَ إِلَي كَنَفِهَا،بِنِعمَةٍ لَا يَعرِفُ أَحَدٌ مِنَ المَخلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنّهَا أَرجَحُ مِن كُلّ ثَمَنٍ وَ أَجَلّ مِن كُلّ خَطَرٍ. وَ اعلَمُوا أَنّكُم قَد صِرتُم بَعدَ الهِجرَةِ أَعرَاباً، وَ بَعدَ المُوَالَاةِ أَحزَاباً، مَا تَتَعَلّقُونَ مِنَ الإِسلَامِ إِلّا بِاسمِهِ، وَ لَا تَعرِفُونَ مِنَ الإِيمَانِ إِلّا رَسمَهُ،تَقُولُونَ«النّارَ وَ لَا العَارَ»،كَأَنّكُم تُرِيدُونَ أَن تُكفِئُوا الإِسلَامَ عَلَي وَجهِهِ انتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ، وَ نَقضاً لِمِيثَاقِهِ ألّذِي وَضَعَهُ اللّهُ لَكُم،حَرَماً فِي أَرضِهِ وَ أَمناً بَينَ خَلقِهِ. وَ إِنّكُم إِن لَجَأتُم إِلَي غَيرِهِ حَارَبَكُم أَهلُ الكُفرِ، ثُمّ لَا جَبرَئِيلُ وَ لَا مِيكَائِيلُ وَ لَا مُهَاجِرُونَ وَ لَا أَنصَارٌ يَنصُرُونَكُم إِلّا المُقَارَعَةَ بِالسّيُوفِ حَتّي يَحكُمَ اللّهُ بَينَكُم. وَ إِنّ عِندَكُمُ الأَمثَالَ مِن بَأسِ اللّهِ وَ قَوَارِعِهِ وَ أَيّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ، فَلَا تَستَبطِئُوا وَعِيدَهُ جَهلًا بِأَخذِهِ، وَ تَهَاوُناً بِبَطشِهِ، وَ يَأساً مِن بَأسِهِ. فَإِنّ اللّهَ سُبحَانَهُ لَم يَلعَنِ القَرنَ الماَضيَِ بَينَ أَيدِيكُم إِلّا لِتَركِهِمُ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَ النهّيَ عَنِ المُنكَرِ،فَلَعَنَ السّفَهَاءَ لِرُكُوبِ المعَاَصيِ، وَ الحُلَمَاءَ لِتَركِ التنّاَهيِ.أَلَا وَ قَد قَطَعتُم قَيدَ الإِسلَامِ، وَ عَطّلتُم حُدُودَهُ وَ أَمَتّم أَحكَامَهُ.أَلَا وَ قَد أمَرَنَيَِ اللّهُ بِقِتَالِ أَهلِ البغَيِ وَ النّكثِ وَ الفَسَادِ فِي الأَرضِ،فَأَمّا النّاكِثُونَ فَقَد قَاتَلتُ، وَ أَمّا القَاسِطُونَ فَقَد جَاهَدتُ، وَ أَمّا المَارِقُونَ فَقَد دَوّختُ، وَ أَمّا شَيطَانُ الرّدهَةِ فَقَد كُفِيتُهُ بِصَعقَةٍ سُمِعَت لَهَا وَجبَةُ قَلبِهِ وَ رَجّةُ صَدرِهِ، وَ بَقِيَت
صفحه : 224
بَقِيّةٌ مِن أَهلِ البغَيِ، وَ لَئِن أَذِنَ اللّهُ فِي الكَرّةِ عَلَيهِم لَأُدِيلَنّ مِنهُم إِلّا مَا يَتَشَذّرُ فِي أَطرَافِ البِلَادِ تَشَذّراً. أَنَا وَضَعتُ[ فِي الصّغَرِ]بِكَلَاكِلِ العَرَبِ وَ كَسَرتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ. وَ قَد عَلِمتُم موَضعِيِ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالقَرَابَةِ القَرِيبَةِ وَ المَنزِلَةِ الخَصِيصَةِ،وضَعَنَيِ فِي حِجرِهِ وَ أَنَا وَلِيدٌ،يضَمُنّيِ إِلَي صَدرِهِ وَ يكَنفُنُيِ فِي فِرَاشِهِ وَ يمُسِنّيِ جَسَدَهُ وَ يشُمِنّيِ عَرفَهُ، وَ كَانَ يَمضَغُ الشيّءَ ثُمّ يُلقِمُنِيهِ، وَ مَا وَجَدَ لِي كَذبَةً فِي قَولٍ وَ لَا خَطلَةً[خَطِيئَةً«خ »] فِي فِعلٍ.
أقول قدمضي تمامها مع شرحها في آخر المجلد الخامس .
نَهجٌ[ وَ] مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أَلَا وَ إِنّ اللّسَانَ بَضعَةٌ مِنَ الإِنسَانِ، فَلَا يُسعِدُهُ القَولُ إِذَا امتَنَعَ، وَ لَا يُمهِلُهُ النّطقُ إِذَا اتّسَعَ، وَ إِنّا لَأُمَرَاءُ الكَلَامِ، وَ فِينَا تَنَشّبَت عُرُوقُهُ، وَ عَلَينَا تَهَدّلَت غُصُونُهُ. وَ اعلَمُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ أَنّكُم فِي زَمَانٍ،القَائِلُ فِيهِ بِالحَقّ قَلِيلٌ، وَ اللّسَانُ عَنِ الصّدقِ كَلِيلٌ، وَ اللّازِمُ لِلحَقّ ذَلِيلٌ،أَهلُهُ مُعتَكِفُونَ عَلَي العِصيَانِ،مُصطَلِحُونَ عَلَي الإِدهَانِ،فَتَاهُم عَارِمٌ، وَ شَائِبُهُم آثِمٌ، وَ عَالِمُهُم مُنَافِقٌ، وَ قَارِئُهُم مُمَاذِقٌ، لَا يُعَظّمُ صَغِيرُهُم كَبِيرَهُم، وَ لَا يَعُولُ غَنِيّهُم فَقِيرَهُم.
بيان قال ابن أبي الحديد[ هذاالكلام ]قاله عليه السلام في واقعة اقتضت ذلك ، وهي أنّه أمر ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي أن يخطب الناس يوما،فصعد المنبر فحصر و لم يستطع الكلام ،فقام أمير المؤمنين عليه السلام فتسنّم
صفحه : 225
ذروة المنبر،فخطب خطبة طويلة هذه الكلمات منها. والبضعة القطعة من اللحم . والضمير في [ قوله عليه السلام ]«يسعده » و«يمهله »للّسان، و في [ قوله ]«امتنع » و«اتّسع»للإنسان . والمعني أنّ اللسان لمّا كان آلة للإنسان يتصرّف بتصريفه إيّاه، فإذاامتنع الإنسان عن الكلام لشاغل أوصارف ، لم يسعد اللّسان القول و لم يواته ، و إذادعاه الداّعي إلي الكلام وحضره واتسع الإنسان له ، لم يمهله النّطق بل يسارع إليه . ويحتمل أن يعود الضّمير في «امتنع » إلي القول ، و في «اتّسع» إلي النّطق أي فلايسعد القول اللسان إذاامتنع القول من الإنسان و لم يحضره لوهم أونحوه ،أوجب حصره وعيّه و لم يمهله النّطق إذااتّسع عليه وحضره . ويحتمل أن يكون الضّمير في «يسعده » و«يمهله »راجعا إلي الإنسان ، و في [ قوله ]«امتنع » و«اتّسع» إلي اللّسان أي إذاامتنع اللّسان لعدم جرأة فلايسعد القول الإنسان ، و إذااتّسع لم يمهل النطق الإنسان . والأوّل أظهر. ونشب الشيء في الشيّء بالكسر أي علق وأنشبته أنا فيه أي أعلقته فانتشب .ذكره الجوهري. والمراد بعروقه أصوله وموادّه،كالعلم بالمعاني والملكات الفاضلة. وغصونه فروعه وأغصانه وآثاره . وتهدّلت أغصان الشجرة أي تدلّت.[ قوله عليه السلام ]«معتكفون علي العصيان » أي ملازمون [لها] من قولهم عكف علي الشيء أي حبس نفسه عليه ، و منه الاعتكاف . والاصطلاح
صفحه : 226
افتعال من الصلح . والادهان القول باللّسان بمقتضي مصلحة حالهم دون الاتفاق في القلوب ، أوبمعني الغش . والعرامة شراسة الخلق والبطر والفساد وقلّة الأدب .[ قوله عليه السلام ]« وشائبهم آثم »[ أي ]لجهله وغفلته شاب في الإثم . قوله عليه السلام «مماذق » أي غيرمخلص كماذكره الجوهري. و«عاله » أي كفله وقام بأمره وأنفق عليه .
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَستَعِينُهُ عَلَي مَدَاحِرِ الشّيطَانِ وَ مَزَاجِرِهِ وَ الِاعتِصَامِ مِن حَبَائِلِهِ وَ مَخَاتِلِهِ. وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ نَجِيبُهُ وَ صَفوَتُهُ، لَا يُوَازَي فَضلُهُ، وَ لَا يُجبَرُ فَقدُهُ،أَضَاءَت بِهِ البِلَادُ بَعدَ الضّلَالَةِ المُظلِمَةِ وَ الجَهَالَةِ الغَالِبَةِ وَ الجَفوَةِ الجَافِيَةِ، وَ النّاسُ يَستَحِلّونَ الحَرِيمَ وَ يَستَذِلّونَ الحَكِيمَ،يَحيَونَ عَلَي فَترَةٍ وَ يَمُوتُونَ عَلَي كَفرَةٍ. ثُمّ إِنّكُم مَعشَرَ العَرَبِ أَغرَاضُ بَلَايَا قَدِ اقتَرَبَت،فَاتّقُوا سَكَرَاتِ النّعمَةِ، وَ احذَرُوا بَوَائِقَ النّقمَةِ، وَ تَثَبّتُوا فِي قَتَامِ العِشوَةِ، وَ اعوِجَاجِ الفِتنَةِ عِندَ طُلُوعِ جَنِينِهَا، وَ ظُهُورِ كَمِينِهَا، وَ انتِصَابِ قُطبِهَا، وَ مَدَارِ رَحَاهَا،تَبدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيّةٍ، وَ تَئُولُ إِلَي فَظَاعَةٍ جَلِيّةٍ،شِبَابُهَا كَشِبَابِ الغُلَامِ، وَ آثَارُهَا كَآثَارِ السّلَامِ،تَتَوَارَثُهَا الظّلَمَةُ بِالعُهُودِ،أَوّلُهُم قَائِدٌ لِآخِرِهِم، وَ آخِرُهُم مُقتَدٍ بِأَوّلِهِم،يَتَنَافَسُونَ فِي دُنيَا دَنِيّةٍ، وَ يَتَكَالَبُونَ عَلَي جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ، وَ عَن قَلِيلٍ يَتَبَرّأُ التّابِعُ مِنَ المَتبُوعِ، وَ القَائِدُ مِنَ المَقُودِ،فَيَتَزَايَلُونَ بِالبَغضَاءِ وَ يَتَلَاعَنُونَ عِندَ اللّقَاءِ. ثُمّ يأَتيِ بَعدَ ذَلِكَ طَالِعُ الفِتنَةِ الرّجُوفِ وَ القَاصِمَةِ الزّخُوفِ،فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعدَ استِقَامَةٍ، وَ تَضِلّ رِجَالٌ بَعدَ سَلَامَةٍ، وَ تَختَلِفُ الأَهوَاءُ عِندَ هُجُومِهَا، وَ تَلتَبِسُ
صفحه : 227
الآرَاءُ عِندَ نُجُومِهَا. مَن أَشرَفَ لَهَا قَصَمَتهُ، وَ مَن سَعَي فِيهَا حَطَمَتهُ،يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الحُمُرِ فِي العَانَةِ، قَدِ اضطَرَبَ مَعقُودُ الحَبلِ، وَ عمَيَِ وَجهُ الأَمرِ،تَغِيضُ فِيهَا الحِكمَةُ، وَ تَنطِقُ فِيهَا الظّلَمَةُ، وَ تَدُقّ أَهلَ البَدوِ بِمِسحَلِهَا، وَ تَرُضّهُم بِكَلكَلِهَا.يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الوُحدَانُ، وَ يَهلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرّكبَانُ،تَرِدُ بِمُرّ القَضَاءِ، وَ تَحلُبُ عَبِيطَ الدّمَاءِ، وَ تَثلِمُ مَنَارَ الدّينِ، وَ تَنقُضُ عَقدَ اليَقِينِ.تَهرُبُ مِنهَا الأَكيَاسُ، وَ تَدَبّرَهَا الأَرجَاسُ،مِرعَادٌ مِبرَاقٌ،كَاشِفَةٌ عَن سَاقٍ،تُقطَعُ فِيهَا الأَرحَامُ، وَ يُفَارَقُ عَلَيهَا الإِسلَامُ،بَرِيئُهَا سَقِيمٌ، وَ ظَاعِنُهَا مُقِيمٌ.[ وَ]مِنهَا بَينَ قَتِيلٍ مَطلُولٍ، وَ خَائِفٍ مُستَجِيرٍ،يَختِلُونَ بِعَقدِ الأَيمَانِ، وَ بِغُرُورِ الإِيمَانِ، فَلَا تَكُونُوا أَنصَابَ الفِتَنِ وَ أَعلَامَ البِدَعِ، وَ الزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيهِ حَبلُ الجَمَاعَةِ، وَ بُنِيَت عَلَيهِ أَركَانُ الطّاعَةِ، وَ اقدَمُوا عَلَي اللّهِ مَظلُومِينَ وَ لَا تَقدَمُوا عَلَيهِ ظَالِمِينَ، وَ اتّقُوا مَدَارِجَ الشّيطَانِ وَ مَهَابِطَ العُدوَانِ، وَ لَا تُدخِلُوا بُطُونَكُم لُعَقَ الحَرَامِ،فَإِنّكُم بِعَينِ مَن حَرّمَ عَلَيكُمُ المَعصِيَةَ وَ سَهّلَ لَكُم سَبِيلَ الطّاعَةِ.
توضيح «مداحر الشيطان »الأمور التي يدحر ويطرد بها[الشيطان ]. و«مزاجره »الأمور التي يزجر بها. و«حبائله »مكايده التي يضلّ بهاالبشر. و«مخاتله »الأمور التي يختل بهابالكسر أي يخدع بها.[ قوله عليه السّلام]« لايوازي » أي لايساوي . والأصل فيه الهمزة كماقيل .« والجهالة الغالبة»بالباء الموحّدة و في بعض النّسخ بالمثنّاة من الغلاء و هوالارتفاع أو من الغلوّ و هومجاوزة الحدّ. والجفوة غلظ الطبع . والوصف للمبالغة.[ و قوله ]« و الناس »الواو للحال . والحريم حرمات اللّه التي يجب احترامها ومحرماته . و قال [ ابن الأثير] في النهاية الفترة ما بين الرسولين .
صفحه : 228
وأصابني علي فترة أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات . والكفرة المرّة من الكفرات . والمعشر الجماعة. والغرض الهدف . وسكرات النعمة ماتحدثه النعم عندأربابها من الغفلة المشابهة للسكر. والبوائق الدواهي. والتّثبّت التوقّف وترك اقتحام الأمر. والقتام بالفتح الغبار. والعشو ركوب الأمر علي غيربيان ووضوح . ويروي « وتبيّنوا» كماقرئ في الآية. وكنّي عليه السلام عن ظهور المستور المخفي منها بقوله « عندطلوع جنينها وظهور كمينها». والجنين الولد مادام في البطن . والكمين الجماعة المختفية في الحرب . والمدار مصدر والمكان بعيد. و«انتصاب قطبها ومدار رحاها»كنايتان عن انتظام أمرها. والمدرجة المذهب والمسلك أي إنّها تكون ابتداء يسيرة ثم تصير كثيرة. والشبّاب بالكسر نشاط الفرس ورفع يديه جميعا. و في بعض النسخ [ذكره ]بالفتح . والسّلم الحجارة أي أربابها يمرحون في أوّل الأمر كمايمرح الغلام ، ثمّ يؤول إلي أن يعقب فيهم أو في الإسلام آثار كآثار الحجارة في الأبدان ،فيحتمل أن يكون [ هذا]كالتفسير لسابقه ، أو يكون المراد أنّها في الدنيا كنشاط الغلام و ماأعقبها في الآخرة كآثار السلام .[ قوله عليه السلام ]«تتوارثها الظلمة بالعهود»الظرف متعلّق بالفعل أي توارثهم بما عهدوا بينهم من ظلم أهل البيت عليهم السلام وغصب حقّهم. أو[ هومتعلّق]ب[ قوله ]«الظلمة» أي الذين ظلموا عهد اللّه وتركوه .« ويتكالبون » أي يتواثبون . و«المريحة»المنتنة من [قولهم ]أراحت [الجيفة] إذاظهر ريحها، أو من أراح البعير إذامات . قوله عليه السلام « و عن قليل » أي بعدقليل من الزمان يتبرأ التابع [ من المتبوع ]. قال ابن أبي الحديد ذلك التبرّؤ في القيامة كماورد في الكتاب العزيز،
صفحه : 229
أمّا تبرّؤ التابع من المتبوع [فقد] قال تعالي قالُوا ضَلّوا عَنّا بَل لَم نَكُن نَدعُوا مِن قَبلُ شَيئاً. و أمّا تبرّؤ القائد من المقود أي المتبوع من التابع فقال تعالي إِذ تَبَرّأَ الّذِينَ اتّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اتّبَعُوا. وإمّا الأعمّ كمادلّ عليه قوله عليه السلام «فيتزايلون ...» فقال تعالي و يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا. و قوله عليه السلام «يتزايلون » أي يفترقون . وطالع الفتنة مقدماتها. وسمّاها رجوفا لشدّة الاضطراب فيها. و لمّا ذكر عليه السلام رغبتهم في الدنيا وتكالبهم ،أراد أن يذكر مايؤكّد التعجّب من فعلهم ،فأتي بجملة معترضة بين الكلامين فقال « و عن قليل يتبرّأ التّابع ... إلخ ». ثمّ عاد إلي نظام الكلام فقال « ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف ». و قال ابن ميثم أشار عليه السلام إلي منافستهم في الدنيا في إثارة تلك الفتن ، ثم أخبر عن انقضائها عن قليل وكنّي عن ذلك بتبرّؤ التابع من المتبوع .قيل [ و كان ] ذلك التبرؤ عندظهور الدولة العباسية، فإنّ العادة جارية بتبرّؤ الناس عن الولاة المعزولين ،خصوصا ممن تولّي عزل أولئك أوقتلهم فيتباينون بالبغضاء ويتلاعنون عنداللقاء.[ ثم ] قال [ ابن ميثم ] و قوله عليه السلام « ثمّ يأتي[ بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف »]إشارة إلي فتنة التّتار،إذ الدائرة فيهم كانت علي العرب .[ ثم ] قال و قال بعض الشارحين ذلك إشارة إلي الملحمة الكائنة في
صفحه : 230
آخر الزمان ،كفتنة الدجّال، ووصفها بالرجوف كناية عن اضطراب الناس ، أوأمر الإسلام فيها. و[كنّي]بقصمها عن هلاك الخلق فيهاتشبيها لها بالرجل الشجاع الكثير الزحف إلي أقرانه أي يمشي إليهم قدما. ونجم الشيء ينجم بالضمّ نجوما ظهر وطلع . قوله [ عليه السلام ]« من أشرف لها» أي صادمها وقابلها.« و من سعي فيها» أي في تسكينها وإطفائها. والحطم الكسر. والتكادم التّعاض بأدني الفم . والعانة القطيع من حمر الوحش ، ولعلّ المراد مغالبة مثيري تلك الفتنة بعضهم لبعض ، أومغالبتهم لغيرهم . ومعقود الحبل قواعد التي كلّفوا بها. و في إسناد العمي إلي وجه الأمر تجوّز. والغيض القلّة والنقص . والمسحل كمنبر السوهان أوالمنحت أي يفعل بهم مايفعل بالحديد أوالخشب . والرضّ الدق . والكلكل الصدر. والوحدان جمع واحد أي من كان يسير وحده فإنّه يهلك فيهابالكلية، و إذاكانوا جماعة فهم يضلّون في طريقها فيهلكون . ولفظ الغبار مستعار للقليل اليسير من حركة أهلها أي إذاأراد القليل من الناس دفعها هلكوا في غبارها من دون أن يدخلوا في غمارها، و أمّا الركبان وهم الكثير من الناس فإنّهم يهلكون في طريقها و عندالخوض فيها. ويجوز أن يكون الوحدان جمع أوحد أي يضلّ في غبار هذه الفتنة وشبهها فضلاء عصرها،لغموض الشبهة واستيلاء الباطل و يكون الركبان كناية عن أهل القوّة،فهلاك أهل العلم بالضلال ، وهلاك أهل القوّة بالقتل . ومرّ القضاء الهلاك والاستئصال والبلايا الصّعبة. وعبيط الدّماء الطري الخالص منها. وتثلم أي تكسر.[ و]منار الدين أي أعلامه .[ قوله عليه السّلام]«مرعاد مبراق » أي ذات رعد وبرق تشبيها
صفحه : 231
بالسحاب . أوذات وعيد وتهدّد من [قولهم ]رعد الرجل وبرق إذاأوعد وتهدّد. ويحتمل أن يكون [أراد من ]الرعد صوت السلاح و[ من ]البرق ضوءه . و قال [ ابن الأثير] في النهاية السّاق في اللغة الأمر الشّديد وكشف الساق مثل في شدّة الأمر، وأصله من كشف الإنسان عن ساقه وتشميره إذاوقع في أمر شديد. قوله عليه السلام «بريئها» أي من يعدّ نفسه بريئا سالما من المعاصي أوالآفات ، أو من كان سالما بالنسبة إلي سائر الناس فهو أيضا مبتلي بها، أوالمعني أنّ من لم يكن مائلا إلي المعاصي أوأحبّ الخلاص من شرورها لايمكنه ذلك . قوله عليه السّلام« وظاعنها مقيم » أي لايمكنه الخروج عنها. أو من اعتقد أنّه متخلّف عنها فهو داخل فيهالكثرة الشبه وعموم الضلالة. قوله عليه السّلام«مطلول » أي مهدر لايطلب به .[ و]«يختلون » أي يخدعون .[ و قوله ]«بعقد الأيمان »[إمّا]بصيغة المصدر أوكصرد بصيغة الجمع . و[ قوله عليه السّلام]«يختلون » في بعض النسخ علي بناء المجهول ،فيكون إخبارا عن حال المخدوعين ألذي يختلهم غيرهم بالأيمان المعقودة بينهم ، أوبالعهود ألذي يشدّونها بمسح أيمانهم . و في بعض النسخ علي بناء المعلوم فيكون إخبارا من أهل ذلك الزّمان جميعا، أوالخادعين الخائنين منهم . و«بغرور الإيمان » أي بالإيمان ألذي يظهره الخادعون لهؤلاء الموصوفين فيغرونهم بالمواعيد الكاذبة، أو ألذي يظهره هؤلاء الموصوفون فيغرّون الناس به علي النّسختين. قوله عليه السّلام«أنصاب الفتن »[الأنصاب ]جمع نصب و هوبالفتح أوالتحريك العلم أوبمعني الغاية والحدّ و منه أيضا أنصاب الحرم .
صفحه : 232
و في بعض النسخ [أنصار الفتن ]بالراء. قوله عليه السلام «[ والزموا] ماعقد عليه حبل الجماعة» أي القوانين التّي ينتظم بهااجتماع الناس علي الحقّ، وهي التي بنيت عليها أركان الطاعة.[ قوله عليه السلام ]« واقدموا علي اللّه مظلومين » أي كونوا راضين بالمظلومية أو لاتظلموا الناس و إن استلزم ترك الظلم مظلوميتكم . و«مدارج الشيطان »مذاهبه ومسالكه .« ومهابط العدوان »المواضع التي يهبط هو وصاحبه فيها. واللعق جمع لعقة بالضمّ، وهي اسم لماتأخذه الملعقة. واللعقة بالفتح المرّة منه .فنبّه عليه السلام باللّعق علي قلّتها بالنسبة إلي متاع الآخرة، أوالمراد لاتدخلوا بطونكم القليل منه فكيف بالكثير. قوله عليه السّلام«[فإنّكم]بعين من حرّم» أي بعلمه كقوله تعالي تجَريِ بِأَعيُنِنا.
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُفَبَعَثَ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالحَقّ لِيُخرِجَ عِبَادَهُ مِن عِبَادَةِ الأَوثَانِ إِلَي عِبَادَتِهِ، وَ مِن طَاعَةِ الشّيطَانِ إِلَي طَاعَتِهِ،بِقُرآنٍ قَد بَيّنَهُ وَ أَحكَمَهُ،لِيَعلَمَ العِبَادُ رَبّهُم إِذ جَهِلُوهُ، وَ لِيُقِرّوا بِهِ إِذ جَحَدُوهُ، وَ لِيُثبِتُوهُ بَعدَ إِذ أَنكَرُوهُ.فَتَجَلّي سُبحَانَهُ لَهُم فِي كِتَابِهِ مِن غَيرِ أَن يَكُونُوا رَأَوهُ،بِمَا أَرَاهُم مِن قُدرَتِهِ، وَ خَوّفَهُم مِن سَطَوَاتِهِ، وَ كَيفَ مَحَقَ مَن مَحَقَ بِالمَثُلَاتِ وَ احتَصَدَ مَنِ احتَصَدَ[ وَ اختَضَدَ مَنِ اختَضَدَ«خ »]بِالنّقِمَاتِ. وَ إِنّهُ سيَأَتيِ عَلَيكُم مِن بعَديِ زَمَانٌ، لَيسَ فِيهِ شَيءٌ أَخفَي مِنَ الحَقّ وَ لَا
صفحه : 233
أَظهَرَ مِنَ البَاطِلِ وَ لَا أَكثَرَ مِنَ الكَذِبِ عَلَي اللّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ لَيسَ عِندَ أَهلِ ذَلِكَ الزّمَانِ سِلعَةٌ أَبوَرَ مِنَ الكِتَابِ إِذَا تلُيَِ حَقّ تِلَاوَتِهِ، وَ لَا أَنفَقَ مِنهُ إِذَا حُرّفَ عَن مَوَاضِعِهِ، وَ لَا فِي البِلَادِ شَيءٌ أَنكَرَ مِنَ المَعرُوفِ وَ لَا أَعرَفَ مِنَ المُنكَرِ،فَقَد نَبَذَ الكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَ تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ،فَالكِتَابُ يَومَئِذٍ وَ أَهلُهُ مَنفِيّانِ طَرِيدَانِ، وَ صَاحِبَانِ مُصطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ، لَا يُؤوِيهِمَا مُؤوٍ،فَالكِتَابُ وَ أَهلُهُ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ فِي النّاسِ وَ لَيسَا فِيهِم، وَ مَعَهُم وَ لَيسَا مَعَهُم،لِأَنّ الضّلَالَةَ لَا تُوَافِقُ الهُدَي وَ إِنِ اجتَمَعَا. وَ اجتَمَعَ القَومُ عَلَي الفُرقَةِ وَ افتَرَقُوا عَنِ الجَمَاعَةِ،كَأَنّهُم أَئِمّةُ الكِتَابِ وَ لَيسَ الكِتَابُ إِمَامَهُم،فَلَم يَبقَ عِندَهُم مِنهُ إِلّا اسمُهُ وَ لَا يَعرِفُونَ إِلّا خَطّهُ وَ زَبرَهُ. وَ مِن قَبلُ مَا مَثّلُوا بِالصّالِحِينَ كُلّ مُثلَةٍ، وَ سَمّوا صِدقَهُم عَلَي اللّهِ فِريَةً وَ جَعَلُوا فِي الحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السّيّئَةِ. وَ إِنّمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم بِطُولِ آمَالِهِم وَ تَغَيّبِ آجَالِهِم، حَتّي نَزَلَ بِهِمُ المَوعُودُ ألّذِي تُرَدّ عَنهُ المَعذِرَةُ، وَ تُرفَعُ عَنهُ التّوبَةُ، وَ تَحُلّ مَعَهُ القَارِعَةُ وَ النّقِمَةُ.أَيّهَا النّاسُ إِنّهُ مَنِ استَنصَحَ اللّهَ وُفّقَ، وَ مَنِ اتّخَذَ قَولَهُ دَلِيلًا هدُيَِللِتّيِ هيَِ أَقوَمُ، فَإِنّ جَارَ اللّهِ آمِنٌ وَ عَدُوّهُ خَائِفٌ. وَ إِنّهُ لَا ينَبغَيِ لِمَن عَرَفَ عَظَمَةَ اللّهِ أَن يَتَعَظّمَ، فَإِنّ رِفعَةَ الّذِينَ يَعلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَن يَتَوَاضَعُوا لَهُ، وَ سَلَامَةَ الّذِينَ يَعلَمُونَ مَا قُدرَتُهُ أَن يَستَسلِمُوا لَهُ، فَلَا تَنفِرُوا مِنَ الحَقّ نِفَارَ الصّحِيحِ مِنَ الأَجرَبِ وَ الباَريِ مِن ذيِ السّقَمِ. وَ اعلَمُوا أَنّكُم لَن تَعرِفُوا الرّشدَ حَتّي تَعرِفُوا ألّذِي تَرَكَهُ، وَ لَن تَأخُذُوا بِمِيثَاقِ الكِتَابِ حَتّي تَعرِفُوا ألّذِي نَقَضَهُ، وَ لَن تَمَسّكُوا بِهِ حَتّي تَعرِفُوا ألّذِي نَبَذَهُ.فَالتَمِسُوا ذَلِكَ مِن عِندِ أَهلِهِ فَإِنّهُم عَيشُ العِلمِ وَ مَوتُ الجَهلِ،هُمُ الّذِينَ
صفحه : 234
يُخبِرُكُم حُكمُهُم عَن عِلمِهِم، وَ صَمتُهُم عَن مَنطِقِهِم، وَ ظَاهِرُهُم عَن بَاطِنِهِم، لَا يُخَالِفُونَ الدّينَ وَ لَا يَختَلِفُونَ فِيهِ،[فَهُوَ]بَينَهُم شَاهِدٌ صَادِقٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ.
بيان «أحكمه »أتقنه . وقيل في قوله تعالي «كِتابٌ أُحكِمَت آياتُهُ»[1-هود 11] أي أحفظت من فساد المعني وركاكته . ويمكن أن يكون المراد بالإقرار باللسان ، وبالإثبات التصديق بالقلب .[ قوله عليه السلام ]«فتجلّي لهم » أي ظهر وانكشف ، وربّما يفسّر الكتاب هنا بعالم الإيجاد. والمحق النقض ، والمحو والإبطال . والمثلاث العقوبات . قوله عليه السلام « واحتصد[ من احتصد]» في بعض النسخ بالمهملتين في الموضعين من الحصاد و هوقطع الزرع والنبات فهو كناية عن استئصالهم . و في بعضها بالمعجمتين من [قولهم ]اختضد البعير أي خطمه ليذلّ. والأول أظهر. والبوار الهلاك وكساد السوق . وتلاوة الكتاب إمّا بمعني قراءته ، أومتابعته فإنّ من اتّبع غيره يقال تلاه . والتحريف بالثاني أنسب . ويقال تناساه إذاأري من نفسه أنّه نسيه . ونفي الشيء أي نحّاه أوجحده . والطرد الإبعاد. و أهل الكتاب [هم ]أئمّة الدين وأتباعهم العالمون بالكتاب العاملون به . قوله عليه السّلام«لأنّ الضّلالة» أي ضلالتهم مضادّة لهدي الكتاب فلم يجتمعا حقيقة و إن اجتمعا ظاهرا. والزبر بالفتح الكتابة وبالكسر الكتاب .
صفحه : 235
قوله عليه السّلام« و من قبل » أي من قبل ذلك الزمان و إن كان بعده عليه السلام .« مامثلوا»بالتخفيف والتشديد أي نكّلوا. والظرف أعني قوله « علي اللّه»متعلّق بالفرية، ويحتمل تعلّقه بالصدق . والمراد بتغيّب آجالهم نسيانهم إيّاها وترك استعدادهم لها و لمابعدها. والموعود الموت فإنّه لاتقبل فيه معذرة و عندنزوله [ لاتقبل ]توبة.« والقارعة»المصيبة التي تقرع أي تلقي بشدّة وقوّة. قوله عليه السلام « من استنصح اللّه» قال [ ابن الأثير] في النهاية أي اتّخذه ناصحا.انتهي . والاعتقاد بكونه تعالي ناصحا و أنّه لايريد للعبد إلّا ما هوخير له ،يوجب التوفيق بالرغبة في العمل بكلّ ماأمر[ به ] والانتهاء عمّا نهي عنه . قوله عليه السلام «للِتّيِ هيَِ أَقوَمُ» أي للحالة والطريقة التي اتّباعها وسلوكها أقوم .[ قوله عليه السلام ]« فإنّ جار اللّه[آمن ]» أي من أجاره اللّه أو من كان قريبا منه . و في بعض النسخ «عظمته » و«قدرته »بالنصب ،فكلمة« ما»فيهما زائدة. قوله عليه السلام « حتّي تعرفوا ألذي تركه »الغرض منه ومما بعده التنفير من أئمّة الضلال والتنبيه علي وجوب البراءة منهم .[ قوله عليه السلام ]«فإنّهم عيش العلم » أي أسباب لحياته . قوله عليه السلام « وصمتهم عن منطقهم » فإنّ لصمتهم وقتا وهيئة وحالة تكون قرائن دالّة علي حسن منطقهم لونطقوا.
صفحه : 236
قوله عليه السلام « و لايختلفون » أي لايخالف بعضهم بعضا فيكون البعض مخالفا للحق .[ قوله عليه السلام ]«فهو بينهم »الضمير راجع إلي الدين .[ ومعني قوله ]«شاهد صادق » أي يأخذون بما حكم به ودلّ عليه .[ قوله عليه السلام ]« وصامت »لأنّه لاينطق في الظاهر[بنفسه وإنّما هو]ناطق بلسان أهله والعالم به .
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ حَتّي بَعَثَ اللّهُ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ شَهِيداً وَ بَشِيراً وَ نَذِيراً،خَيرَ البَرِيّةِ طِفلًا وَ أَنجَبَهَا كَهلًا،أَطهَرَ المُطَهّرِينَ شِيمَةً وَ أَجوَدَ المُستَمطَرِينَ دِيمَةً.فَمَا احلَولَت لَكُمُ الدّنيَا فِي لَذّتِهَا، وَ لَا تَمَكّنتُم مِن رَضَاعِ أَخلَافِهَا، إِلّا مِن بَعدِ[ مَا]صَادَفتُمُوهَا جَائِلًا خِطَامُهَا،قَلِقاً وَضِينُهَا، قَد صَارَ حَرَامُهَا عِندَ أَقوَامٍ بِمَنزِلَةِ السّدرِ المَخضُودِ، وَ حَلَالُهَا بَعِيداً غَيرَ مَوجُودٍ، وَ صَادَفتُمُوهَا وَ اللّهِ ظِلّا مَمدُوداً إِلَي أَجلٍ مَعدُودٍ،فَالأَرضُ لَكُم شَاغِرَةٌ، وَ أَيدِيكُم فِيهَا مَبسُوطَةٌ، وَ أيَديِ القَادَةِ عَنكُم مَكفُوفَةٌ، وَ سُيُوفُكُم عَلَيهَا مُسَلّطَةٌ، وَ سُيُوفُهُم عَنكُم مَقبُوضَةٌ.أَلَا[ وَ إِنّ]لِكُلّ دَمٍ ثَائِراً، وَ لِكُلّ حَقّ طَالِباً، وَ إِنّ الثّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالحَاكِمِ فِي حَقّ نَفسِهِ، وَ هُوَ اللّهُ ألّذِي لَا يُعجِزُهُ مَن طَلَبَ وَ لَا يَفُوتُهُ مَن هَرَبَ.فَأُقسِمُ بِاللّهِ يَا بنَيِ أُمَيّةَ،عَمّا قَلِيلٍ لَتَعرِفُنّهَا فِي أيَديِ غَيرِكُم وَ فِي دَارِ عَدُوّكُم.أَلَا إِنّ أَبصَرَ الأَبصَارِ مَا نَفَذَ فِي الخَيرِ طَرفُهُ،أَلَا إِنّ أَسمَعَ الأَسمَاعِ مَا وَعَي التّذكِيرَ وَ قَبِلَهُ.
صفحه : 237
أَيّهَا النّاسُ استَصبِحُوا مِن شُعلَةِ مِصبَاحٍ وَاعِظٍ مُتّعِظٍ، وَ امتَاحُوا مِن صَفوِ عَينٍ قَد رُوّقَت مِنَ الكَدَرِ.عِبَادَ اللّهِ لَا تَركَنُوا إِلَي جَهَالَتِكُم وَ لَا تَنقَادُوا لِأَهوَائِكُم، فَإِنّ النّازِلَ بِهَذَا المَنزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ،يَنقُلُ الرّدَي عَلَي ظَهرِهِ مِن مَوضِعٍ لرِأَيٍ يُحدِثُهُ بَعدَ رأَيٍ،يُرِيدُ أَن يُلصِقَ مَا لَا يَلتَصِقُ وَ يُقَرّبَ مَا لَا يَتَقَارَبُ.فَاللّهَ اللّهَ أَن تَشكُوا إِلَي مَن لَا يشُكيِ شَجوَكُم، وَ لَا مَن يَنقُضُ بِرَأيِهِ مَا قَد أَبرَمَ لَكُم.إِنّهُ لَيسَ عَلَي الإِمَامِ إِلّا مَا حُمّلَ مِن أَمرِ رَبّهِ،الإِبلَاغُ فِي المَوعِظَةِ، وَ الِاجتِهَادُ فِي النّصِيحَةِ، وَ الإِحيَاءُ لِلسّنّةِ، وَ إِقَامَةُ الحُدُودِ عَلَي مُستَحِقّيهَا، وَ إِصدَارُ السّهمَانِ عَلَي أَهلِهَا.فَبَادِرُوا العِلمَ مِن قَبلِ تَصوِيحِ نَبتِهِ، وَ مِن قَبلِ أَن تُشغَلُوا بِأَنفُسِكُم عَن مُستَثَارِ العِلمِ مِن عِندِ أَهلِهِ، وَ انهَوا عَنِ المُنكَرِ وَ تَنَاهَوا عَنهُ فَإِنّمَا أُمِرتُم باِلنهّيِ بَعدَ التّنَاهِي.
بيان [ قوله عليه السلام ]«شهيدا» أي علي أوصيائه وأمّته و علي الأنبياء وأممهم . والكهل من جاوز الثلاثين . وقيل من بلغ الأربعين . وقيل من جاوز أربعا وثلاثين إلي إحدي وخمسين . والشيمة بالكسر الطبيعة والجبلّة. والجود بالفتح المطر الغزير. والديمة بالكسر المطر الدائم في سكون . واحلولي الشيء صار حلوا ضدّ المرّ. والرضاع بالفتح مصدر رضع الصبي أمّه بالكسر أي امتصّ ثديها. والأخلاف جمع خلف بالكسر و هوحلمة ضرع الناقة، أوالضرع لكلّ ذات خفّ وظلف . والجملتان كنايتان عن انتفاعهم وتمتّعهم بالدنيا. وصادفته أي وجدته . والجائل الدائر المتحرّك و ألذي يذهب ويجيء. وخطام البعير بالكسر الحبل ألذي يقاد به . والقلق المتحرّك
صفحه : 238
ألذي لايستقرّ في مكانه . والوضين بطان منسوج بعضه علي بعض يشدّ به الرحل علي البعير،كالحزام للسرج . والغرض عدم تمكّنهم من الانتفاع بالدنيا وصعوبتها عليهم وعدم انقيادها لهم ، كمايستصعب الناقة علي راكبها إذاكانت جائلة الخطام ليس زمامها في يد راكبها،قلقة الوضين لايثبت رحلها تحت راكبها. ويحتمل أن يكون كناية عن استقلال الدنيا واستبدادها في غرور الناس ، وإقبالها علي أهلها من غير أن يزجرها ويمنعها أحد. والسدر المخضود ألذي انثنت أغصانه من كثرة الحمل . أو ألذي قطع شوكه ونزع . و هوكناية عن أكلهم الحرام برغبة كاملة وميل شديد. والظّل الممدود الدائم ألذي لاتنسخه الشمس . وشغرت الأرض كمنعت أي لم يبق بهاأحد يحميها ويضبطها. وبلدة شاغرة برجلها إذا لم تمنع من غارة أحد.[ و قال ابن الأثير] في [مادّة«شغر» من ]النهاية قيل الشغر البعد. وقيل الاتساع و منه حديث علي عليه السلام [«قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها». وحديثه الآخر]«فالأرض لكم شاغرة» أي واسعة. والقادة ولاة الأمر المستحقّون للإمارة والرياسة. وتسلط السيوف إشارة إلي واقعة الحسين عليه السلام و ما كان من بني أميّة وغيرهم من القتل وسفك الدماء. والثار طلب الدم . والمراد بكونه هنا كالحاكم في حقّ نفسه استيفاؤه الحقّ بنفسه من غيرافتقار إلي بيّنة وحكم حاكم .
صفحه : 239
والضمير في [ قوله ]«تعرفنّها»راجع إلي الإمارة، أو إلي الدنيا كالضمائر المتقدّمة، و هوإخبار بانتقال الدولة عن بني أمية إلي بني العبّاس. والطرف بالفتح نظر العين ،يطلق علي الواحد وغيره . ونفوذه في الخير رؤية المحاسن واتّباعها. ووعي الحديث كرمي أي حفظه وتدبّره. والامتياح نزول البئر وملأ الدلو منها. والترويق التصفية. والمراد ب«الواعظ» و«العين »[خ «ل »]نفسه صلوات اللّه عليه . وركن كعلم ونصر ومنع مال . والهوي إرادة النفس . والشفا شفير الشيء وجانبه . والجرف بالضمّ وبضمّتين ماتجرّفته السيول وأكلته من الأرض . والهار الساقط الضعيف . والردي جمع رداة بالفتح فيهما وهي الصخرة أي هو في تعب دائما. وفسّر هنا بالهلاك أيضا. وإلصاق ما لايلتصق وتقريب ما لايتقارب إثبات الباطل بحجج باطلة. وأشكاه أزال شكايته . والشجو الهمّ والحزن . وأبرم الأمر أي أحكمه . و[أحكم ]الحبل أي جعله طاقين ثمّ فتله . والغرض النهي عن اتّباع إمام لايقدر علي كشف المعضلات وحلّ المشكلات في المعاش والمعاد لقلّة البصيرة. و في بعض النسخ « و من ينقض »بدون « لا»فالمعني لاتتّبعوا من ينقض برأيه الفاسد ماأحكمه الشرع . والسّهمان بالضمّ جمع سهم و هوالحظّ والنصيب وإيصالها إليهم . وصوّح النبات أي يبس وتشقّق أوجفّ أعلاه ، و هوكناية عن ذهاب رونق العلم أواختفاؤه أومغلوبيّته. والمستثار مصدر بمعني الاستثارة وهي الإنهاض والتهييج . والترتيب بين الأمر بالتناهي لا بين النهي والتناهي. و لايبعد حمله علي ظاهر.
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ هيَِ مِن خُطَبِ المَلَاحِمِ
صفحه : 240
الحَمدُ لِلّهِ المتُجَلَيّ لِخَلقِهِ بِخَلقِهِ،الظّاهِرِ لِقُلُوبِهِم بِحُجّتِهِ،خَلَقَ الخَلقَ مِن غَيرِ رَوِيّةٍ،إِذ كَانَتِ الرّوِيّاتُ لَا تَلِيقُ بذِوَيِ الضّمَائِرِ، وَ لَيسَ بذِيِ ضَمِيرٍ فِي نَفسِهِ.خَرَقَ عِلمُهُ بَاطِنَ غَيبِ السّتُرَاتِ وَ أَحَاطَ بِغُمُوضِ عَقَائِدِ السّرِيرَاتِ.[ وَ]مِنهَا فِي ذِكرِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اختَارَهُ مِن شَجَرَةِ الأَنبِيَاءِ وَ مِشكَاةِ الضّيَاءِ وَ ذُؤَابَةِ العَليَاءِ وَ سُرّةِ البَطحَاءِ وَ مَصَابِيحِ الظّلمَةِ وَ يَنَابِيعِ الحِكمَةِ.[ وَ]مِنهَا طَبِيبٌ دَوّارٌ بِطِبّهِ، قَد أَحكَمَ مَرَاهِمَهُ، وَ أَحمَي مَوَاسِمَهُ،يَضَعُ مِن ذَلِكَ حَيثُ الحَاجَةُ إِلَيهِ مِن قُلُوبٍ عمُيٍ، وَ آذَانٍ صُمّ، وَ أَلسِنَةٍ بُكمٍ،مُتّبّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الغَفلَةِ وَ مَوَاطِنَ الحَيرَةِ. لَم يَستَضِيئُوا بِأَضوَاءِ الحِكمَةِ وَ لَم يَقدَحُوا بِزِنَادِ العُلُومِ الثّاقِبَةِ،فَهُم فِي ذَلِكَ كَالأَنعَامِ السّائِمَةِ وَ الصّخُورِ القَاسِيَةِ. قَدِ انجَابَتِ السّرَائِرُ لِأَهلِ البَصَائِرِ، وَ وَضَحَت مَحَجّةُ الحَقّ لِخَابِطِهَا، وَ أَسفَرَتِ السّاعَةُ عَن وَجهِهَا، وَ ظَهَرَتِ العَلَامَةُ لِمُتَوَسّمِهَا. مَا لِي أَرَاكُم أَشبَاحاً بِلَا أَروَاحٍ وَ أَروَاحاً بِلَا أَشبَاحٍ وَ نُسّاكاً بِلَا صَلَاحٍ وَ تُجّاراً بِلَا أَربَاحٍ وَ أَيقَاظاً نُوّماً وَ شُهُوداً غُيّباً وَ نَاظِرَةً عَميَاءَ وَ سَامِعَةً صَمّاءَ وَ نَاطِقَةً بَكمَاءَ.رَايَةُ ضَلَالَةٍ قَد قَامَت عَلَي قُطبِهَا، وَ تَفَرّقَت بِشُعَبِهَا،تَكِيلُكُم بِصَاعِهَا وَ تَخبِطُكُم بِبَاعِهَا،قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ المِلّةِ عَلَي الضّلّةِ، فَلَا يَبقَي يَومَئِذٍ[مِنكُم] إِلّا ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ القِدرِ، أَو نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ العِكمِ،تَعرُكُكُم عَركَ الأَدِيمِ، وَ تَدُوسُكُم دَوسَ الحَصِيدِ، وَ تَستَخلِصُ المُؤمِنَ مِن بَينِكُمُ استِخلَاصَ الطّيرِ الحَبّةَ البَطِينَةَ مِن بَينِ هَزِيلِ الحَبّ أَينَ تَذهَبُ بِكُمُ المَذَاهِبُ وَ تَتِيهُ بِكُمُ الغَيَاهِبُ وَ تَخدَعُكُمُ الكَوَاذِبُ وَ مِن
صفحه : 241
أَينَ تُؤتَونَ وَ أَنّي تُؤفَكُونَ فَلِكُلّ أَجَلٍ كِتابٌ، وَ لِكُلّ غَيبَةٍ إِيَابٌ،فَاستَمِعُوا مِن رَبّانِيّكُم، وَ أَحضِرُوهُ قُلُوبَكُم، وَ استَيقِظُوا إِن هَتَفَ بِكُم، وَ ليَصدُق رَائِدٌ أَهلَهُ، وَ ليَجمَع شَملَهُ، وَ ليُحضِر ذِهنَهُ فَلَقَد فَلَقَ لَكُمُ الأَمرَ فَلقَ الخَرَزَةِ وَ قَرَفَهُ قَرفَ الصّمغَةِ.فَعِندَ ذَلِكَ أَخَذَ البَاطِلُ مَآخِذَهُ وَ رَكِبَ الجَهلُ مَرَاكِبَهُ، وَ عَظُمَتِ الطّاغِيَةُ وَ قَلّتِ الدّاعِيَةُ، وَ صَالَ الدّهرُ صِيَالَ السّبُعِ العَقُورِ، وَ هَدَرَ فَنِيقُ البَاطِلِ بَعدَ كُظُومٍ، وَ تَوَاخَي النّاسُ عَلَي الفُجُورِ، وَ تَهَاجَرُوا عَلَي الدّينِ، وَ تَحَابّوا عَلَي الكَذِبِ، وَ تَبَاغَضُوا عَلَي الصّدقِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ الوَلَدُ غَيظاً، وَ المَطَرُ قَيضاً، وَ تَفِيضُ اللّئَامُ فَيضاً، وَ تَغِيضُ الكِرَامُ غَيضاً. وَ كَانَ أَهلُ ذَلِكَ الزّمَانِ ذِئَاباً، وَ سَلَاطِينُهُ سِبَاعاً، وَ أَوسَاطُهُ أُكّالًا، وَ فُقَرَاؤُهُ أَموَاتاً، وَ غَارَ الصّدقُ وَ فَاضَ الكَذِبُ، وَ استُعمِلَتِ المَوَدّةُ بِاللّسَانِ، وَ تَشَاجَرَ النّاسُ بِالقُلُوبِ، وَ صَارَ الفُسُوقُ نَسَباً، وَ العَفَافُ عَجَباً، وَ لُبِسَ الإِسلَامُ لُبسَ الفَروِ مَقلُوباً
تبيين الملحمة هي الحرب أوالوقعة العظيمة فيها. وموضع القتال مأخوذ من اشتباك الناس فيهاكاشتباك لحمة الثوب بالسدي . وقيل [هي مأخوذة] من اللحم . والتجليّ الانكشاف . والخلق الثاني يحتمل المصدر والمخلوق . والرويّة التفكّر. والمراد بالضمير إمّا القلب أو مايضمر من الصور. قوله عليه السّلام« في نفسه » أي كائن في نفسه أو في حدّ ذاته إذاتأمّل فيه متأمّل بنظر صحيح والغامض من الأرض المطمئنّ. و من الكلام وغيره خلاف الواضح . والمشكاة كوّة غيرنافذة يجعل فيهاالمصباح ، أوعمود القنديل ألذي فيه الفتيلة، أوالقنديل . والذؤابة بالضمّ مهموزا الناصية أو
صفحه : 242
منبتها من الرأس . والعلياء بالفتح والمدّ كلّ مكان مشرف ، والسماء، ورأس الجبل . وسرّة البطحاء وسطها تشبيها بسرّة الإنسان . والبطحاء والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصي .قيل استعار[ عليه السلام ]الشجرة لصنف الأنبياء عليهم السلام وفروعها أشخاصهم وثمرتها العلوم والكمالات . ومشكاة الضياء لآل ابراهيم عليه السلام ، وذؤابة العلياء لقريش ، وسرّة البطحاء لمكة، والمصابيح والينابيع هم الأنبياء عليهم السلام . والمراد بالطبيب نفسه عليه السلام . والدوران بالطبّ إتيان المرضي وتتّبعهم،فهو تعريض للأصحاب بقعودهم عمّا يجب عليهم . أوالمراد بيان كمال الطبيب ، فإنّ الدوّار أكثر تجربة من غيره كماقيل . والمرهم طلاء ليّن يطلي به الجرح مشتقّ من الرهمة بالكسر وهي المطر الضعيف وإحكامها إتقانها ومنعها عن الفساد. والوسم أثر الكي والميسم بالكسر المكواة. وأحماها أي أسخنها ولعلّ إحكام المراهم إشارة إلي البشارة بالثواب ، أوالأمر بالمعروف . وإحماء المواسم [إشارة] إلي الإنذار من العقاب ، أوالنهي عن المنكر وإقامة الحدود. وقدح بالزند كمنع رام الإيراء به واستخرج النار منه . والزند بالفتح العود ألذي يقدح به النار. وثقبت النار اتقدت . وثقب الكواكب أضاء. والقاسية الشديدة والغليظة. وانجابت السحابة انكشفت . والمراد بالسرائر، ماأضمره المعاندون للحقّ في قلوبهم من إطفاء نور اللّه وهدم أركان الشريعة. وقيل إشارة إلي انكشاف ما يكون بعده لنفسه القدسية ولأهل البصائر من استيلاء بني أمية وعموم ظلمهم . أوانكشاف أسرار الشريعة لأهلها. والخابط السائر علي غيرهدي ولعلّ المراد أنّ ضلالهم ليس لخفاء
صفحه : 243
الحقّ،بل للإصرار علي الشقاوة والنفاق . وسفر الصبح وأسفر أضاء وأشرق . وأسفرت المرأة كشفت عن وجهها. والمراد بإسفار الساعة وظهور العلامة قرب القيامة بعدم بقاء نبيّ ينتظر بعثته ، وظهور الفتن والوقائع التي هي من أشراطها. والشبح بالتحريك سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد. والمراد بكونهم أشباحا بلا أرواح تشبيههم بالجمادات والأموات في عدم الانتفاع بالعقل ، وعدم تأثير المواعظ فيهم كما قال تعالي كَأَنّهُم خُشُبٌ مُسَنّدَةٌ. و أمّا كونهم أرواحا بلا أشباح فقيل المراد بيان نقصهم لأنّ الروح بلا جسد ناقصة عاطلة عن الأعمال . وقيل إشارة إلي خفّتهم وطيشهم في الأفعال . وقيل المراد أنّ منهم من هوكالجماد والأموات ، ومنهم من له عقل وفهم ولكن لاقوّة له علي الحرب ،فالجميع عاطلون عمّا يراد بهم . وقيل المراد أنّهم إذاخافوا ذهلت عقولهم وطارت ألبابهم ،فكانوا كأجسام بلا أرواح ، و إذاأمنوا تركوا الاهتمام بأمورهم كأنّهم أرواح لاتعلّق لهم بالأجسام . والنسّاك العبّاد أي ليست عبادتهم مقرونة بالإخلاص و علي الوجه المأمور به و مع الشرائط المعتبرة، فإنّ منها معرفة الإمام وطاعته . وكونهم تجارا بلا أرباح لعدم ترتّب الثواب علي أعمالهم . و قوله عليه السلام «راية ضلالة»منقطع عمّا قبله التقطه السيّد[الرضّي]رضي اللّه عنه من كلامه [ عليه السلام ] علي عادته ، وكأنّه إشارة إلي
صفحه : 244
مايحدث في آخر الزمان من الفتن كظهور السفياني وغيره . والقطب حديدة تدور عليها الرحي ، وملاك الأمر ومداره وسيّد القوم . وقيامها علي قطبها كناية عن انتظام أمرها وتفرّق شعبها عن انتشار فتنتها في الآفاق وتولّد فتن أخر عنها. وقيل ليس التّفرق للراية نفسها،بل لنصارها وأصحابها. وحذف المضاف ، ومعني تفرقّهم أنّهم يدعون إلي تلك الدعوة المخصوصة في بلاد متفرّقة.[ قوله عليه السلام ]« وتكيلكم بصاعها» أي تأخذهم للإهلاك زمرة زمرة،كالكيّال يأخذ مايكيله جملة جملة. أويقهركم أربابها علي الدخول في أمرهم ، ويتلاعبون بكم يرفعونكم ويضعونكم كمايفعل كيّال البرّ بها إذاكاله بصاعه . أوتكيل لكم بصاعها علي حذف اللام كما في قوله تعالي وَ إِذا كالُوهُم أي تحملكم علي دينها ودعوتها، وتعاملكم بما يعامل به من استجاب لها أوتفرز لكم من فتنها شيئا ويصل إلي كلّ منكم نصيب منها. والخبط بالفتح ضرب الشجر بالعصي ليتناثر ورقها، وخبط البعير الأرض بيده خبطا أي ضربها. والكلام علي الوجهين يفيد الذلّة والانقهار. والقيام علي الضّلّة الإصرار علي الضلال . وثفالة القدر بالضمّ ماثفل فيه من الطبيخ ، وهي كناية عن الأراذل و من لاذكر له بين النّاس لعدم الاعتداد بقتلهم . والنفاضة بالضمّ ماسقط من النفض . والعكم بالكسر العدل ، ونمط تجعل فيه المرأة ذخيرتها.[ و] قال [ ابن الأثير] في [مادّة«عكم » من ]النهاية العكوم الأحمال
صفحه : 245
التي تكون فيهاالأمتعة وغيرها،واحدها عكم بالكسر، و منه حديث عليّ عليه السلام «نفاضة كنفاضة العكم ».انتهي . والمراد بها مايبقي في العدل بعدالتخلية من غبار أوبقيّة زاد لايعبأ بهافتنفض . وعركه كنصره دلكه وحكّه. والأديم الجلد أوالمدبوغ منه . وداس الرجل الحنطة دقّها ليخرج الحبّ من السنبل . والحصيد الزرع المقطوع . واستخلصه لنفسه أي استخصّه. والغرض تخصيص المؤمن بالقتل والأذي . والبطينة السمينة. والهزيل ضدّ السمين . قوله عليه السلام «أين تذهب بكم »الباء في الموضعين للتعدية. والمذاهب الطرق والعقائد وإسناد الإذهاب إليها علي التجوّز للمبالغة. وتاه يتيه تيها بالفتح والكسر أي تحيّر وضلّ. والغيهب الظلمة والشديد السواد من الليل . والكواذب الأماني الباطلة والأوهام الفاسدة. قوله [ عليه السّلام]« و من أين تؤتون » علي بناء المجهول أي من أيّ جهة وطريق يأتيكم من يضلّكم من الشياطين أوتلك الأمراض « وأنّي تؤفكون » أي أنّي تصرفون عن قصد السبيل وأين تذهبون قوله عليه السّلام«فلِكُلّ أَجَلٍ كِتابٌ» أي لكلّ أمد ووقت حكم مكتوب علي العباد. والإياب بالكسر الرجوع .قيل هذاالكلام منقطع عمّا قبله . وقيل تهديد بالإشارة إلي قرب الموت ، وأنّهم بمعرض أن يأخذهم علي غفلتهم . والربّاّني منسوب إلي الربّ، وفسر بالمتألّه العارف باللّه، أو ألذي يطلب بعلمه وجه اللّه، أوالعالم المعلّم، والمراد نفسه عليه السلام . وإحضار القلب الإقبال التامّ إلي كلامه ومواعظه . قوله عليه السلام « إن هتف بكم »بكسر الهمزة و في بعض النسخ
صفحه : 246
بالفتح أي لهتافه بكم و هوالصيّاح. والرائد ألذي يتقدّم القوم يبصر لهم الكلاء ومساقط الغيث ، و في المثل « لايكذب الرّائد أهله ». ولعلّ المراد بالرائد نفسه عليه السلام أي وظيفتي وشأني الصدق فيما أخبركم به ممّا تردون عليه من الأمور المستقبلة في الدنيا والآخرة، كما أنّ وظيفتكم الاستماع وإحضار القلب . والشّمل ماتشتّت من الأمر والمراد به الأفكار والعزائم أي يجب علي التوجّه إلي نصحكم وتذكيركم بقلب فارغ عن الوساوس والشواغل ، وإقبال تامّ علي هدايتكم . ويحتمل أن يراد بالشّمل من تفرّق من القوم في فيافي الضلالة. والفاعل في [ قوله ]«فلق » هوالرائد. وقيل المراد بالرائد الفكر لكونه مبعوثا من قبل النفس في طلب مرعاها وماء حياتها من العلوم وسائر الكمالات ،فكنّي به عنه وأهله هوالنفس ،فكأنّه عليه السلام قال فلتصدق أفكاركم ومتخيّلاتكم نفوسكم ، وصدقها إيّاها تصرّفها علي حسب إشارة العقل بلا مشاركة الهوي . أوالمراد بالرائد أشخاص من حضر عنده ، فإنّ كلا منهم له أهل وقبيلة يرجع إليهم ،فأمرهم أن يصدقهم بتبليغ ماسمع علي الوجه ألذي ينبغي والنصيحة والدعوة إليه . و قوله [ عليه السّلام]« وليجمع شمله » أي ماتفرّق وتشعّب من خواطره في أمور الدنيا ومهماتها.« وليحضر ذهنه » أي يوجّهه إلي ماأقول .انتهي . والفلق الشقّ. والخرزة بالتحريك الجوهر.« وقرفه قرف الصمغة» أي قشره كماتقشر الصمغة من عود الشجرة وتقلع لأنّها إذاقلعت لم يبق لها
صفحه : 247
أثر، و هذامثل ، والمعني أوضح لكم أمر الفتن أوطريق الحقّ إيضاحا تامّا،فأظهر لكم باطن الأمر كمايري باطن الخرزة بعدشقّها، و لاأدّخر عنكم شيئا بل ألقي الأمر بكلّيته إليكم . قوله عليه السّلام«فعند ذلك »قيل هومتّصل بقوله « من بين هزيل الحبّ»،فيكون التشويش من السيّد رضي اللّه عنه . ويمكن أن يكون إشارة إلي كلام آخر سقط من البين .[ قوله عليه السلام ]« وأخذ الشيء مآخذه » أي تمكّن واستحكم . والطاغية مصدر بمعني الطغيان أوصفة محذوف أي الفئة الطاغية. وكذا الداعية تحتمل الوجهين . و في بعض النسخ «الرّاعية»بالراء المهملة. والفنيق الفحل من الإبل « وهدر»ردّد صوته في حنجرته في غيرشقشقة. والكظوم الإمساك والسكوت . وكون الولد غيظا لكثرة العقوق أولاشتغال كلّ امرئ بنفسه ،فيتمنّي أن لا يكون له ولد. والمطر قيضا بالضاد المعجمة أي كثيرا.قيل إنّه من علامات تلك الشرور أو من أشرط الساعة. وقيل إنّه أيضا من الشرور إذاجاوز الحدّ. و في بعض النسخ بالظاء المعجمة و هوصميم الصيف و هوالمطابق لما في النهاية، قال و منه حديث أشراط الساعة« أن يكون الولد غيضا والمطر قيضا»لأنّ المطر إنّما يراد للنبات وبرد الهواء، والقيظ ضدّ ذلك انتهي . وحينئذ يحتمل أن يكون المراد تبدّل المطر بشدّة الحرّ وقلّة المطر، أوكثرته في الصيف دون الربيع والشتاء. أوالمراد أنّه يصير سببا لاشتداد الحرّ لكثرته في الصيف ،إذ تثور به الأبخرة ويفسد الهواء، أويصير علي خلاف العادة سببا لشدّة الحرّ.
صفحه : 248
« وتفيض اللئام » أي تكثر. و«تغيض الكرام » أي تقلّ.[ قوله عليه السلام ]« و أهل ذلك الزمان » أي أكابرهم .«أكّالا»بالضمّ والتشديد جمع آكل . و قال بعض الشارحين روي«أكالا»بفتح الهمزة وتخفيف الكاف يقال ماذقت أكالا أي طعاما، و قال لم ينقل هذا إلّا في النفي،فالأجود الرواية الأخري وهي«آكالا»بمدّ الهمزة علي أفعال جمع أكل و هو ماأكل ، و قدروي«أكالا»بضمّ الهمزة علي فعال . وقالوا إنّه جمع آكل للمأكول كعرق وعراق ، إلّا أنّه شاذّ أي صار أوساط الناس طعمة للولاة وأصحاب السلاطين كالفريسة للأسد. وغار الماء ذهب في الأرض . وفاض أي كثر حتّي سال . و في بعض النسخ « وفار الكذب ». قوله عليه السلام « وصار الفسوق نسبا» أي يحصل أنسابهم من الزنا. وقيل أي يصير الفاسق صديقا للفاسق حتّي يكون ذلك كالنسب بينهم . و أمّا لبسهم الإسلام لبس الفرو فالظاهر أنّ المراد به تبديل شرائع الإسلام وقلب أحكامه ، أوإظهار النيّات الحسنة والأفعال الحسنة وإبطان خلافها. وقيل وجه القلب ، أنّه لمّا كان الغرض الأصلي من الإسلام أن يكون باطنا ينتفع به القلب ويظهر به منفعة،فقلّب المنافقون غرضه واستعملوه بظاهر ألسنتهم دون قلوبهم ،فأشبه قلبهم له لبس الفرو،إذ كان أصله أن يكون حمله ظاهرا لمنفعة الحيوان ألذي هولباسه ،فاستعمله الناس مقلوبا.
نَهجٌ[ وَ]خُطبَةٌ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ
صفحه : 249
أَمِينُ وَحيِهِ وَ خَاتَمُ رُسُلِهِ وَ بَشِيرُ رَحمَتِهِ وَ نَذِيرُ نِقمَتِهِ.أَيّهَا النّاسُ إِنّ أَحَقّ النّاسِ بِهَذَا الأَمرِ أَقوَاهُم عَلَيهِ، وَ أَعمَلُهُم بِأَمرِ اللّهِ فِيهِ. فَإِن شَغَبَ شَاغِبٌ استُعتِبَ، فَإِن أَبَي قُوتِلَ. وَ لعَمَريِ لَئِن كَانَتِ الإِمَامَةُ لَا تَنعَقِدُ حَتّي تَحضُرَهَا عَامّةُ النّاسِ مَا إِلَي ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَ لَكِن أَهلُهَا يَحكُمُونَ عَلَي مَن غَابَ عَنهَا ثُمّ لَيسَ لِلشّاهِدِ أَن يَرجِعَ وَ لَا لِلغَائِبِ أَن يَختَارَ.أَلَا وَ إنِيّ أُقَاتِلُ رَجُلَينِ رَجُلًا ادّعَي مَا لَيسَ لَهُ، وَ آخَرَ مَنَعَ ألّذِي عَلَيهِ.أُوصِيكُم بِتَقوَي اللّهِ،فَإِنّهُ خَيرُ مَا تَوَاصَي العِبَادُ بِهِ وَ خَيرُ عَوَاقِبِ الأُمُورِ عِندَ اللّهِ، وَ قَد فُتِحَ بَابُ الحَربِ بَينَكُم وَ بَينَ أَهلِ القِبلَةِ، وَ لَا يَحمِلُ هَذَا العَلَمَ إِلّا أَهلُ البَصَرِ وَ الصّبرِ وَ العِلمِ بِمَوَاقِعِ الحَقّ،فَامضُوا لِمَا تُؤمَرُونَ بِهِ وَ قِفُوا لِمَا تُنهَونَ عَنهُ، وَ لَا تَعجَلُوا فِي أَمرٍ حَتّي تَبَيّنُوا فَإِنّ لَنَا مَعَ كُلّ أَمرٍ تُنكِرُونَهُ غِيَراً.أَلَا وَ إِنّ هَذِهِ الدّنيَا التّيِ أَصبَحتُم تَتَمَنّونَهَا وَ تَرغَبُونَ فِيهَا وَ أَصبَحَت تُغضِبُكُم وَ تُرضِيكُم،لَيسَت بِدَارِكُم وَ لَا مَنزِلِكُمُ ألّذِي خُلِقتُم لَهُ وَ لَا ألّذِي دُعِيتُم إِلَيهِ.أَلَا وَ إِنّهَا لَيسَت بِبَاقِيَةٍ لَكُم وَ لَا تَبقَونَ عَلَيهَا، وَ هيَِ وَ إِن غَرّتكُم مِنهَا فَقَد حَذّرَتكُم شَرّهَا،فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحذِيرِهَا، وَ أَطمَاعَهَا لِتَخوِيفِهَا، وَ سَابِقُوا فِيهَا إِلَي الدّارِ التّيِ دُعِيتُم إِلَيهَا، وَ انصَرِفُوا بِقُلُوبِكُم عَنهَا، وَ لَا يَخِنّنّ أَحَدُكُم خَنِينَ الأَمَةِ عَلَي مَا زوُيَِ عَنهُ مِنهَا، وَ استَتِمّوا نِعمَةَ اللّهِ عَلَيكُم بِالصّبرِ عَلَي طَاعَةِ اللّهِ، وَ المُحَافَظَةِ عَلَي مَا استَحفَظَكُم مِن كِتَابِهِ.أَلَا وَ إِنّهُ لَا يَضُرّكُم تَضيِيعُ شَيءٍ مِن دُنيَاكُم بَعدَ حِفظِكُم قَائِمَةَ دِينِكُم.
صفحه : 250
أَلَا وَ إِنّهُ لَا يَنفَعُكُم بَعدَ تَضيِيعِ دِينِكُم شَيءٌ حَافَظتُم عَلَيهِ مِن أَمرِ دُنيَاكُم،أَخَذَ اللّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُم إِلَي الحَقّ وَ أَلهَمَنَا وَ إِيّاكُمُ الصّبرَ.
إيضاح قوله عليه السّلام«بهذا الأمر» أي الخلافة.«أقواهم عليه » أي أحسنهم سياسة وأشجعهم ، و[ هذا]يدلّ علي عدم جواز إمامة المفضول لاسيّما مع قوله عليه السلام «فان شغب ... إلي آخره ». والشغب بالتسكين تهييج الشر. والمراد بالاستعتاب طلب الرجوع بالمراسلة والكلام ونحوهما. قوله عليه السلام «لئن كانت الإمامة» قال ابن أبي الحديد هذاتصريح بصحّة مذهب أصحابنا في أنّ الاختيار طريق إلي الإمامة، ويبطل قول الإمامية من دعوي النّصّ، و أنّه لاطريق إلي الإمامة سوي النصّ.انتهي .[أقول ] و فيه نظر، أمّا أوّلا فلأنّه[ عليه السلام ]إنّما احتجّ عليهم بالإجماع ،إلزاما لهم لاتّفاقهم علي العمل به في خلافة أبي بكر وأخويه ، وعدم تمسكه عليه السّلام بالنّصّ لعلمه عليه السلام بعدم التفاتهم إليه .كيف و قدأعرضوا عنه في أول الأمر مع قرب العهد بالرسول صلّي اللّه عليه وآله وسماعهم عنه . و أمّا ثانيا فلأنّه عليه السلام لم يتعرض للنصّ نفيا وإثباتا،فكيف يكون مبطلا لماادّعاه الإمامية من النصّ والعجب أنّه جعل هذاتصريحا بكون الاختيار طريقا إلي الإمامة ونفي الدّلالة في قوله عليه السلام « إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر ...» علي نفي إمامة المفضول مع قوله عليه السلام « فإن أبي قوتل ». مع أنّه لم يصرّح بأنّ الإمامة تنعقد بالاختيار،بل قال إنّها لاتتوقّف علي حضور عامّة الناس ، و لاريب في ذلك نعم يدلّ بالمفهوم عليه و هذاتقيّة منه عليه السلام . و لايخفي علي من تتبّع سيره عليه السلام أنّه لم يمكنه إنكار خلافتهم والقدح فيهاصريحا في المجامع ،فلذا عبّر بكلام موهم لذلك . قوله عليه السلام « وأهلها يحكمون » و إن كان موهما له أيضا،لكن
صفحه : 251
يمكن أن يكون المراد بالأهل الأحقّاء بالإمامة. و لايخفي علي المتأمّل أنّ مامهد عليه السلام أوّلا بقوله « إنّ أحقّ الناس أقواهم »يشعر بأنّ عدم صحّة رجوع الشاهد واختيار الغائب ،إنّما هو في صورة الاتّفاق علي الأحقّ دون غيره ،فتأمّل. قوله عليه السّلام«رجلا ادّعي»كمن ادعي الخلافة.« وآخر منع »كمن لايطيع الإمام أويمنع حقوق اللّه.« وخير عواقب الأمور»عاقبة كلّ شيءآخره . والتقوي خير ماختم به العمل في الدنيا أوعاقبتها خير العواقب . و قوله عليه السّلام« هذاالعلم »بكسر العين أوبالتحريك كما في بعض النسخ ،فعلي الأوّل المعني أنّه لايعلم وجوب قتال أهل القبلة وموقعه وشرائطه . و علي الثاّني إشارة إلي حرب أهل القبلة والقيام به . ويحتمل علي بعد أن يراد به الإمامة المشار إليها بقوله «أحقّ النّاس بهذا الأمر»فيكون إشارة إلي بطلان خلافة غير أهل البصر والصبر والعلم بمواقع الحقّ. قال ابن أبي الحديد و ذلك لأنّ المسلمين عظم عندهم حرب أهل القبلة وأكبروه ، و من أقدم منهم عليه أقدم مع خوف وحذر. قال الشاّفعي لو لا علي عليه السلام لماعلم شيء من أحكام أهل البغي. قوله عليه السّلام« فإنّ لنا» قال ابن ميثم أي إنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه تغييرا أي قوّة علي التغيير، إن لم يكن في ذلك الأمر مصلحة في نفس الأمر، فلاتتسرّعوا إلي إنكار أمر نفعله حتّي تسألوا عن فائدته ،فإنّه يمكن أن يكون إنكاركم لعدم علمكم بوجهه .[ و] قال ابن أبي الحديد أي لست كعثمان أصبر علي ارتكاب ماأنهي
صفحه : 252
عنه ،بل أغيّر كلّما ينكره المسلمون ويقتضي الحال والشرع تغييره .انتهي . ويمكن أن يكون المعني أنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه تغييرا أي مايغيّر إنكاركم ويمنعكم عنه من البراهين الساطعة أوالأعمّ منها، و من السيوف القاطعة إن لم تنفعكم البراهين . و في ذكر إغضاب الدنيا توبيخ لأهلها بالرغبة في شيء لايراعي حقّهم كما قال عليه السلام «رغبتك في زاهد فيك ذلّ نفس ». وغرور الدنيا بتزيين الزخارف لأهلها وإغفالهم عن الفناء وتحذيرها بما أراهم من الفناء وفراق الأحبّة ونحو ذلك . والدار التي دعوا إليها هي الجنّة. قوله عليه السلام « و لايخنّن أحدكم »الخنين بالخاء المعجمة ضرب من البكاء دون الانتحاب . وأصله خروج الصوت من الأنف كالحنين من الفم . ويروي بالمهملة أيضا، وإضافته إلي الأمة لأنّ الإماء كثيرا مايبكين ويسمع الحنين منهنّ، والحرّة تأنف من البكاء والحنين . وزواه عنه صرفه وقبضه . و في بعض النسخ « مازوي عنه » أي عن أحدكم ولعلّه أظهر. والصبر علي الطاعة حبس النفس عليها كقوله تعالي وَ اصبِر نَفسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدعُونَ رَبّهُم، أوعدم الجزع من شدّتها أو من البلايا إطاعة للّه، و علي أيّ حال هو من الشكر الموجب للمزيد فيه بطلب تمام النعمة. و« من » في قوله « من كتابه »بيان ل« ما». والقائمة واحدة قوائم الدواب . وقائمة السيف مقبضه . ولعلّ المراد بقائمة الدّين.أصوله و مايقرب منها، ويحتمل أن تكون الإضافة بيانيّة، فإنّ الدين بمنزلة القائمة لأمور الدنيا والآخرة.
نَهجٌ[ وَ] مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ
صفحه : 253
أَرسَلَهُ عَلَي حِينِفَترَةٍ مِنَ الرّسُلِ، وَ طُولِ هَجعَةٍ مِنَ الأُمَمِ، وَ اعتِزَامٍ مِنَ الفِتَنِ، وَ انتِشَارٍ مِنَ الأُمُورِ وَ تَلَظّ مِنَ الحُرُوبِ،[ وَ]الدّنيَا كَاسِفَةُ النّورِ،ظَاهِرَةُ الغُرُورِ، عَلَي حِينِ اصفِرَارٍ مِن وَرَقِهَا، وَ إِيَاسٍ مِن ثَمَرِهَا، وَ اغوِرَارٍ مِن مَائِهَا، قَد دَرَسَت أَعلَامُ الهُدَي، وَ ظَهَرَت أَعلَامُ الرّدَي،فهَيَِ مُتَجَهّمَةٌ لِأَهلِهَا،عَابِسَةٌ فِي وَجهِ طَالِبِهَا،ثَمَرُهَا الفِتنَةُ، وَ طَعَامُهَا الجِيفَةُ، وَ شِعَارُهَا الخَوفُ، وَ دِثَارُهَا السّيفُ.فَاعتَبِرُوا عِبَادَ اللّهِ وَ اذكُرُوا تِيكَ التّيِ آبَاؤُكُم وَ إِخوَانُكُم بِهَا مُرتَهَنُونَ وَ عَلَيهَا مُحَاسَبُونَ، وَ لعَمَريِ مَا تَقَادَمَت بِكُم وَ لَا بِهِمُ العُهُودُ، وَ لَا خَلَت فِيمَا بَينَكُم وَ بَينَهُمُ الأَحقَابُ وَ القُرُونُ، وَ مَا أَنتُمُ اليَومَ مِن يَومَ كُنتُم فِي أَصلَابِهِم بِبَعِيدٍ. وَ اللّهِ مَا أَسمَعَكُمُ الرّسُولُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ شَيئاً إِلّا وَ هَا أَنَا ذَا اليَومَ مُسمِعُكُمُوهُ، وَ مَا أَسمَاعُكُمُ اليَومَ بِدُونِ أَسمَاعِكُم بِالأَمسِ، وَ لَا شُقّت لَهُمُ الأَبصَارُ وَ جَعَلتُ لَهُمُ الأَفئِدَةُ فِي ذَلِكَ الأَوَانِ إِلّا وَ قَد أُعطِيتُم مِثلَهَا فِي هَذَا الزّمَانِ. وَ وَ اللّهِ مَا بُصّرتُم بَعدَهُم شَيئاً جَهِلُوهُ، وَ لَا أُصفِيتُم بِهِ وَ حُرِمُوهُ، وَ لَقَد نَزَلَت بِكُمُ البَلِيّةُ جَائِلًا خِطَامُهَا،رِخواً بِطَانُهَا، فَلَا يَغُرّنّكُم مَا أَصبَحَ فِيهِ أَهلُ الغُرُورِ،فَإِنّمَا هُوَ ظِلّ مَمدُودٌ إِلَي أَجَلٍ مَعدُودٍ.
بيان «فترة[ من الرسل »الفترة] بين الرسل انقطاع الوحي والرسالة. والهجعة النومة من الليل أو من أوّله. والمراد نوم غفلة الأمم . والاعتزام العزم ،كأن الفتنة مصمّمة للفساد والهرج . والاعتزام أيضا لزوم القصد في المشي،فالمعني أنّها مقتصدة في مشيها لاطمئنانها وأمنها. ويروي [« واعترام من الفتن »]بالراء المهملة أي كثرة[ من الفتن .]. ويروي «[ و]اعتراض » من اعترض الفرس في الطريق إذامشي عرضا. والتلّظيّ التلهّب. و في إضافة الكسف إلي النور توسّع. وغار الماء ذهب وكذا اغوراره ذهابه في الأرض . والتجهّم العبوس .
صفحه : 254
وطعامها الجيفة أي الحرام لأنّهم كانوا يأخذونه بالنهب والغارات . أوالميتة لأنّهم لم يكونوا يذبحون الحيوانات ، و لمّا كان الخوف باطنا شبّهه بالشعار والسيف ظاهرا شبّهه بالدثار. و«تيك »إشارة إلي الدنيا أوأعمالهم القبيحة و«الأحقاب »جمع حقب بضمّتين و هوالدهر.« و و اللّه مابصرّتم» لمّا بيّن عليه السلام أوّلا أنّه لم تكن الهداية للسابقين أكمل من جهة الفاعل و لاالقابل فقطع عذر الحاضرين من هذه ، و كان مظنّة أن يدعّي مدّع منهم العلم بأمر يقتضي العدول عن المتابعة لم يعلم به آباؤهم ،دفع عليه السلام ذلك التوهّم بهذا الكلام . والصفيّ مايصفه الرئيس من المغنم لنفسه قبل القسمة. ولعلّ المراد بالبليّة فتنة معاوية. و قوله عليه السلام «جائلا خطامها»كناية عن خطرها وصعوبة حالها[بالنسبة إلي ] من ركن إليها وركبها، أو عن كونها مالكة لأمرها، فإنّ البعير إذا لم يكن له من يقوده يجول خطامه والخطام الزمام . والبطان الحزام التي تجعل تحت بطن البعير،رخاوتها مستلزمة لصعوبة ركوبها. وتشبيه الدنيا وزخارفها بالظلّ لعدم تأصّله في الوجود ولكونه زائلا بسرعة. والأجل مدّة العمر، ووصفها بالمعدود باعتبار أجزائه وكونه منتهي غاية المدّ علي تقدير مضاف أي ممدود إلي انقضاء أجل معدود. ويحتمل أن يكون المراد بالأجل غاية العمر، ووصفه بالمعدود علي المجاز.
يف مُحَمّدُ بنُ مُحَمّدٍ النيّساَبوُريِّ،بِإِسنَادٍ مُتّصِلٍ إِلَي جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ عَلِيّاً كَانَ فِي
صفحه : 255
حَلقَةٍ مِن رِجَالِ قُرَيشٍ يُنشِدُونَ الأَشعَارَ وَ يَتَفَاخَرُونَ حَتّي بَلَغُوا إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالُوا قُل يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَقَد قَالَ أَصحَابُكَ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ
اللّهُ وَفّقَنَا لِنَصرِ مُحَمّدٍ | وَ بِنَا أَقَامَ دَعَائِمَ الإِسلَامِ |
وَ بِنَا أَعَزّ نَبِيّهُ وَ كِتَابَهُ | وَ أَعَزّنَا بِالنّصرِ وَ الإِقدَامِ |
فِي كُلّ مَعرَكَةٍ تَطِيرُ سُيُوفُنَا | فِيهَا الجَمَاجِمَ عَن فَرَاشِ الهَامِ |
يَنتَابُنَا جِبرِيلُ فِي أَبيَاتِنَا | بِفَرَائِضِ الإِسلَامِ وَ الأَحكَامِ |
فَنَكُونُ أَوّلَ مُستَحِلّ حِلّهُ | وَ مُحَرّمٍ لِلّهِ كُلّ حَرَامٍ |
نَحنُ الخِيَارُ مِنَ البَرّيّةِ كُلّهَا | وَ إِمَامُهَا وَ إِمَامُ كُلّ إِمَامٍ |
الخَائِضُونَ غُمَارَ كُلّ كَرِيهَةٍ | وَ الضّامِنُونَ حَوَادِثَ الأَيّامِ |
إِنّا لَنَمنَعُ مَن أَرَدنَا مَنعَهُ | وَ نَجُودُ بِالمَعرُوفِ وَ الإِنعَامِ |
فَقَالُوا يَا أَبَا الحَسَنِ مَا تَرَكتَ لَنَا شَيئاً نَقُولُهُ.
بيان الأبيات موجودة في الديوان وزاد بعدالسابع
والمبرمون قوي الأمور بعزّة | والناقضون مرائر الإبرام |
و[زاد] بعدالأخير
وتردّ عادية الخميس سيوفنا | ونقيم رأس الأصيد القمقام |
والدعامة بالكسر عماد البيت . وفراش الرأس عظام دقاق تلي القحف . و في الديوان «فراخ الهام ». و قال [الجوهري] في [ كتاب ]الصحاح ، وقول الفرزدق
و يوم جعلنا البيض فيه لعامر | مصمّمة تفأي فراخ الجماجم |
يعني به الدماغ .[ وبدل ] قوله عليه السّلام«ينتابنا»[ورد] في الديوان
صفحه : 256
«يزورنا».[ وبدل ] قوله عليه السّلام« وإمامها»[ورد] في الديوان
« ونظامها وزمام كلّ زمام » |
[ وبدل قوله «الخائضون غمار ..»ورد في الديوان ]
«الخائضو غمرات كل كريهة» |
. والقوي جمع القوة وهي الطاقة من الحبل . والمرير من الحبال مالطف وطال واشتدّ فتله ، والجمع المرائر. والعادية الظلم والشرّ. و في بعض النسخ [الغادية]بالمعجمة وهي سحابة تنشأ سحابا. والأصيد الملك . والقمقام السيّد.
ختص أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ عَن غَيرِ وَاحِدٍ[ مِن أَصحَابِنَا]مِنهُم بَكّارُ بنُ كَردَمٍ وَ عِيسَي بنُ سُلَيمَانَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالُوا سَمِعنَاهُ يَقُولُ جَاءَتِ امرَأَةٌ مُتَنَقّبَةٌ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي المِنبَرِ، وَ قَد قَتَلَ أَخَاهَا وَ أَبَاهَا فَقَالَت هَذَا قَاتِلُ الأَحِبّةِ.فَنَظَرَ إِلَيهَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ يَا سَلفَعُ يَا جَرِيّةُ يَا بَذِيّةُ يَا مُتَكَبّرَةُ، يَا التّيِ لَا تَحِيضُ كَمَا تَحِيضُ النّسَاءُ، يَا التّيِ عَلَي هَنِهَا شَيءٌ بَيّنٌ مُدَلّي.فَمَضَتِ[المَرأَةُ] وَ تَبِعَهَا عَمرُو بنُ حُرَيثٍ وَ كَانَ عُثمَانِيّاً فَقَالَ يَا أَيّتُهَا المَرأَةُ إِنّا لَا نَزَالُ يُسمِعُنَا[ عَلِيّ]العَجَائِبَ، مَا ندَريِ حَقّهَا مِن بَاطِلِهَا، وَ هَذِهِ داَريِ فاَدخلُيِ فَإِنّ لِي أُمّهَاتِ أَولَادٍ حَتّي يَنظُرنَ حَقّاً مَا قَالَ أَم بَاطِلًا وَ أَهَبُ لَكِ شَيئاً.فَدَخَلَتِ[المَرأَةُ بَيتَ عَمرٍو]فَأَمَرَ أُمّهَاتِ أَولَادِهِ فَنَظَرنَ إِلَيهَا، فَإِذَا شَيءٌ عَلَي رَكَبِهَا مُدَلّي فَقَالَت يَا وَيلَهَا اطّلَعَ مِنهَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَي شَيءٍ لَم تَطّلِع[ عَلَيهِ] إِلّا أمُيّ أَو قاَبلِتَيِ. قَالَ وَ وَهَبَ لَهَا عَمرُو بنُ حُرَيثٍ شَيئاً.
بيان إنّما قالت المرأة« ياويلتي اطّلع منيّ»فغيّره[الصادق ] عليه السلام ذلك لئلا ينسب إلي نفسه الويل و مايستهجن ، و قدمرّ مثله مرارا وسيأتي الخبر في
صفحه : 257
إخباره عليه السلام بالغائبات .
ختص اليقَطيِنيِّ وَ اِبرَاهِيمُ بنُ إِسحَاقَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ حَمّادٍ عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ عَنِ ابنِ نُبَاتَةَ قَالَ كُنّا وُقُوفاً عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِالكُوفَةِ وَ هُوَ يعُطيِ العَطَاءَ فِي المَسجِدِ،إِذ جَاءَتِ امرَأَةٌ فَقَالَت يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَعطَيتَ العَطَاءَ جَمِيعَ الأَحيَاءِ مَا خَلَا هَذَا الحيَّ مِن مُرَادٍ لَم تُعطِهِم شَيئاً فَقَالَ[لَهَا]اسكتُيِ يَا جَرِيئَةُ يَا بَذِيئَةٌ يَا سَلفَعُ يَا سَلَقلَقُ يَا مَن لَا تَحِيضُ كَمَا تَحِيضُ النّسَاءُ قَالَ فَوَلّت فَخَرَجَت مِنَ المَسجِدِ فَتَبِعَهَا عَمرُو بنُ حُرَيثٍ فَقَالَ لَهَا أَيّتُهَا المَرأَةُ قَد قَالَ عَلِيّ فِيكِ مَا قَالَ أَ فَصَدَقَ عَلَيكِ فَقَالَت وَ اللّهِ مَا كَذَبَ وَ إِنّ كُلّ مَا رمَاَنيِ بِهِ لفَيِّ وَ مَا اطّلَعَ عَلَيّ أَحَدٌ إِلّا اللّهُ ألّذِي خلَقَنَيِ وَ أمُيَّ التّيِ ولَدَتَنيِ.فَرَجَعَ عَمرُو بنُ حُرَيثٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ تَبِعتُ المَرأَةَ فَسَأَلتُهَا عَمّا رَمَيتَهَا بِهِ فِي بَدَنِهَا،فَأَقَرّت بِذَلِكَ كُلّهِ،فَمِن أَينَ عَلِمتَ ذَلِكَ فَقَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ علَمّنَيِ أَلفَ بَابٍ مِنَ الحَلَالِ وَ الحَرَامِ،يُفتَحُ[ مِن] كُلّ بَابٍ أَلفُ بَابٍ، حَتّي عَلِمتُ المَنَايَا وَ الوَصَايَا وَ فَصلَ الخِطَابِ وَ حَتّي عَلِمتُ المُذَكّرَاتِ مِنَ النّسَاءِ، وَ المُؤَنّثِينَ مِنَ الرّجَالِ.
ختص عَبّادُ بنُ سُلَيمَانَ عَن مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ عَن أَبِيهِ عَن هَارُونَ بنِ الجَهمِ عَنِ ابنِ طَرِيفٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَبَينَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَوماً جَالِساً فِي المَسجِدِ وَ أَصحَابُهُ حَولَهُ،فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِن شِيعَتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّ اللّهَ يَعلَمُ أنَيّ أَدِينُهُ بِوَلَايَتِكَ وَ أُحِبّكَ فِي السّرّ كَمَا أُحِبّكَ فِي العَلَانِيَةِ، وَ أَتَوَلّاكَ فِي السّرّ كَمَا أَتَوَلّاكَ فِي العَلَانِيَةِ.
صفحه : 258
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]صَدَقتَ، أَمَا لِلفَقرِ فَاتّخِذ جِلبَاباً، فَإِنّ الفَقرَ أَسرَعُ إِلَي شِيعَتِنَا مِنَ السّيلِ إِلَي قَرَارِ الواَديِ قَالَ فَوَلّي الرّجُلُ وَ هُوَ يبَكيِ فَرَحاً لِقَولِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ لَهُ]«صَدَقتَ» قَالَ وَ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ وَ صَاحِبٌ لَهُ قَرِيباً مِن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا اللّهَ إِن رَأَيتُ كَاليَومِ قَطّ،إِنّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ إنِيّ أُحِبّكَ فَقَالَ لَهُ صَدَقتَ. فَقَالَ لَهُ الآخَرُ مَا أَنكَرتَ مِن ذَلِكَ أَ يَجِدُ بُدّاً مِن أَن إِذَا قِيلَ[ لَهُ]«إنِيّ أُحِبّكَ» أَن يَقُولَ صَدَقتَ أَ تَعلَمُ أنَيّ أُحِبّهُ فَقَالَ لَا. قَالَ فَأَنَا أَقُومُ فَأَقُولُ لَهُ مِثلَ مَا قَالَ لَهُ الرّجُلُ فَيَرُدّ عَلَيّ مِثلَ مَا رَدّ عَلَيهِ. قَالَ نَعَم.فَقَامَ الرّجُلُ فَقَالَ لَهُ مِثلَ مَقَالَةِ الرّجُلِ الأَوّلِ،فَنَظَرَ[ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ] إِلَيهِ مَلِيّاً ثُمّ قَالَ كَذَبتَ لَا وَ اللّهِ مَا تحُبِنّيِ وَ لَا أحَببَتنَيِ[يَوماً]. قَالَ فَبَكَي الخاَرجِيِّ ثُمّ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ تسَتقَبلِنُيِ بِهَذَا وَ قَد عَلِمَ اللّهُ خِلَافَهُ ابسُط يَدَكَ أُبَايِعكَ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَي مَا ذَا قَالَ عَلَي مَا عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ. قَالَ فَمَدّ يَدَهُ فَقَالَ لَهُ اصفِق لَعَنَ اللّهُ الِاثنَينِ وَ اللّهِ لكَأَنَيّ بِكَ قَد قُتِلتَ عَلَي ضَلَالٍ وَ وَطِئَ وَجهَكَ دَوَابّ العِرَاقِ وَ لَا يَعرِفُكَ قَومُكَ. قَالَ فَلَم يَلبَث أَن خَرَجَ عَلَيهِ أَهلُ النّهرَوَانِ وَ خَرَجَ الرّجُلُ مَعَهُم فَقُتِلَ.
كِتَابُ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ، عَن أَبَانٍ عَنهُ أَنّهُ قَالَصَعِدَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ قَالَ
صفحه : 259
أَيّهَا النّاسُ أَنَا ألّذِي فَقَأتُ عَينَ الفِتنَةِ، وَ لَم يَكُن ليِجَترَِئَ عَلَيهَا غيَريِ. وَ ايمُ اللّهِ لَو لَم أَكُن فِيكُم لَمَا قُوتِلَ أَهلُ الجَمَلِ، وَ لَا أَهلُ صِفّينَ، وَ لَا أَهلُ النّهرَوَانِ. وَ ايمُ اللّهِ لَو لَا أَن تَتّكِلُوا وَ تَدَعُوا العَمَلَ،لَحَدّثتُكُم بِمَا قَضَي اللّهُ عَلَي لِسَانِ نَبِيّهِ[ مُحَمّدٍ]صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِمَن قَاتَلَهُم مُستَبصِراً فِي ضَلَالَتِهِم،عَارِفاً بِالهُدَي ألّذِي نَحنُ عَلَيهِ. ثُمّ قَالَ سلَوُنيِ عَمّا شِئتُم قَبلَ أَن تفَقدِوُنيِ،فَوَ اللّهِ إنِيّ بِطُرُقِ السّمَاءِ أَعلَمُ منِيّ بِطُرُقِ الأَرضِ. أَنَا يَعسُوبُ المُؤمِنِينَ، وَ أَوّلُ السّابِقِينَ، وَ إِمَامُ المُتّقِينَ، وَ خَاتَمُ الوَصِيّينَ، وَ وَارِثُ النّبِيّينَ وَ خَلِيفَةُ رَبّ العَالَمِينَ. أَنَا دَيّانُ النّاسِ يَومَ القِيَامَةِ، وَ قَسِيمُ اللّهِ بَينَ أَهلِ الجَنّةِ وَ النّارِ. وَ أَنَا الصّدّيقُ الأَكبَرُ، وَ الفَارُوقُ ألّذِي أُفَرّقُ بَينَ الحَقّ وَ البَاطِلِ، وَ إِنّ عنِديِ عِلمَ المَنَايَا وَ البَلَايَا وَ فَصلَ الخِطَابِ، وَ مَا مِن آيَةٍ نَزَلَت إِلّا وَ قَد عَلِمتُ فِيمَا نَزَلَت وَ عَلَي مَن نَزَلَت.أَيّهَا النّاسُ إِنّهُ وَشِيكٌ أَنّ تفَقدِوُنيِ،إنِيّ مُفَارِقُكُم، وَ إنِيّ مَيّتٌ أَو مَقتُولٌ، مَا يَنتَظِرُ أَشقَاهَا أَنّ يَخضِبَهَا مِن فَوقِهَا وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي مَا يَنتَظِرُ أَشقَاهَا أَن يَخضِبَ هَذِهِ مِن دَمِ هَذَا يعَنيِ لِحيَتَهُ مِن دَمِ رَأسِهِ. وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ وَ فِي نُسخَةٍ أُخرَي وَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ لَا تسَألَوُنيِ عَن فِئَةٍ تَبلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ فَمَا فَوقَهَا مِمّا بَينَكُم وَ بَينَ قِيَامِ السّاعَةِ، إِلّا أَنبَأتُكُم بِسَائِقِهَا وَ قَائِدِهَا وَ نَاعِقِهَا، وَ بِخَرَابِ العَرَصَاتِ،مَتَي تُخَرّبُ، وَ مَتَي تُعمَرُ بَعدَ خَرَابِهَا إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.
صفحه : 260
فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَخبِرنَا عَنِ البَلَايَا. فَقَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] إِذَا سَأَلَ سَائِلٌ فَليَعقِل، وَ إِذَا سُئِلَ[مَسئُولٌ]فَليَتَثَبّت، إِنّ مِن وَرَائِكُم أُمُوراً مُلتَجّةً مُجَلجِلَةً، وَ بَلَاءٌ مُكلِحاً مُبلِحاً. وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ، لَو قَد فقَدَتمُوُنيِ وَ نَزَلَت عَزَائِمُ الأُمُورِ وَ حَقَائِقُ البَلَاءِ،لَقَد أَطرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السّائِلِينَ، وَ اشتَغَلَ كَثِيرٌ مِنَ المَسئُولِينَ وَ فِي نُسخَةٍ أُخرَي وَ فَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ المَسئُولِينَ وَ ذَلِكَ إِذَا ظَهَرَت حَربُكُم وَ نَصَلَت عَن نَابٍ، وَ قَامَت عَلَي سَاقٍ، وَ صَارَتِ الدّنيَا بَلَاءً عَلَيكُم حَتّي يَفتَحَ اللّهُ لِبَقِيّةِ الأَبرَارِ. فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ حَدّثنَا عَنِ الفِتَنِ. فَقَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] إِنّ الفِتَنَ إِذَا أَقبَلَت شَبّهَت وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي اشتَبَهَت وَ إِذَا أَدبَرَت أَسفَرَت. وَ إِنّ الفِتَنَ لَهَا مَوجٌ كَمَوجِ البَحرِ، وَ إِعصَارٌ كَإِعصَارِ الرّيحِ،تُصِيبُ بَلَداً وَ تُخطِئُ الآخَرَ.فَانظُرُوا أَقوَاماً كَانُوا أَصحَابَ رَايَاتٍ يَومَ بَدرٍ،فَانصُرُوهُم تُنصَرُوا وَ تُوجَرُوا وَ تُعذَرُوا.أَلَا[ وَ] إِنّ أَخوَفَ الفِتَنِ عَلَيكُم عنِديِ فِتنَةُ بنَيِ أُمَيّةَ،[فَ]إِنّهَا فِتنَةٌ عَميَاءُ وَ صَمّاءُ،مُطَبّقَةٌ مُظلِمَةٌ عَمَت فِتنَتُهَا وَ خَصّت بَلِيّتُهَا،أَصَابَ البَلَاءُ مَن أَبصَرَ فِيهَا، وَ أَخطَأَ البَلَاءُ مَن عمَيَِ عَنهَا، أَهلُ بَاطِلِهَا ظَاهِرُونَ عَلَي[ أَهلِ]حَقّهَا،يَملَئُونَ الأَرضَ بِدَعاً وَ ظُلماً وَ جَوراً وَ أَوّلُ مَن يَضَعُ جَبَرُوتَهَا وَ يَكسِرُ عَمُودَهَا. وَ يَنزِعُ أَوتَادَهَا، اللّهُ رَبّ العَالَمِينَ وَ قَاصِمُ الجَبّارِينَ.أَلَا[ وَ]إِنّكُم سَتَجِدُونَ بنَيِ أُمَيّةَ أَربَابَ سَوءٍ بعَديِ،كَالنّابِ الضّرُوسِ
صفحه : 261
تَعَضّ بِفِيهَا، وَ تَخبِطُ بِيَدَيهَا، وَ تَضرِبُ بِرِجلَيهَا، وَ تَمنَعُ دَرّهَا. وَ ايمُ اللّهِ لَا تَزَالُ فِتنَتُهُم حَتّي لَا يَكُونَ نُصرَةُ أَحَدِكُم لِنَفسِهِ إِلّا كَنُصرَةِ العَبدِ لِنَفسِهِ مِن سَيّدِهِ، إِذَا غَابَ سَبّهُ، وَ إِذَا حَضَرَ أَطَاعَهُ. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي يَسُبّهُ فِي نَفسِهِ. وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايمُ اللّهِ لَو شَرّدُوكُم تَحتَ كُلّ كَوكَبٍ لَجَمَعَكُمُ اللّهُ لِشَرّ يَومٍ لَهُم. فَقَالَ الرّجُلُ فَهَل مِن جَمَاعَةٍ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ بَعدَ ذَلِكَ قَالَ إِنّهَا سَتَكُونُونَ جَمَاعَةً شَتّي،عَطَاؤُكُم وَ حَجّكُم وَ أَسفَارُكُم[وَاحِدَةٌ] وَ القُلُوبُ مُختَلِفَةٌ قَالَ وَاحِدٌ[مِنهُم]كَيفَ تَختَلِفُ القُلُوبُ قَالَ هَكَذَا وَ شَبّكَ بَينَ أَصَابِعِهِ ثُمّ قَالَ يَقتُلُ هَذَا هَذَا، وَ هَذَا هَذَا،هَرجاً هَرجاً وَ يَبقَي طَغَاماً،جَاهِلِيّةً لَيسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًي، وَ لَا عَلَمٌ يُرَي،نَحنُ أَهلَ البَيتِ مِنهَا بِمَنجَاةٍ وَ لَسنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ. قَالَ[ الرّجُلُ]فَمَا أَصنَعُ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ انصُرُوا أَهلَ بَيتِ نَبِيّكُم، فَإِن لَبَدُوا فَالبُدُوا وَ إِنِ استَنصَرُوكُم فَانصُرُوهُم تُنصَرُوا
صفحه : 262
وَ تُعذَرُوا،فَإِنّهُم لَن يُخرِجُوكُم مِن هُدًي وَ لَن يَدعُوكُم إِلَي رَدًي، وَ لَا تَسبِقُوهُم بِالتّقَدّمِ فَيَصرَعكُمُ البَلَاءُ وَ تُشمِت بِكُمُ الأَعدَاءُ. قَالَ[ الرّجُلُ]فَمَا يَكُونُ بَعدَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ يُفَرّجُ اللّهُ البَلَاءَ بِرَجُلٍ مِن أَهلِ بيَتيِ كَانفِرَاجِ الأَدِيمِ مِن بَيتِهِ، ثُمّ يَرفَعُونَ إِلَي مَن يَسُومُهُم خَسفاً وَ يَسقِيهِم بِكَأسٍ مُصَبّرَةٍ، لَا يُعطِيهِم وَ لَا يُقبَلُ مِنهُم إِلّا السّيفُ هَرجاً هَرجاً،يَحمِلُ السّيفَ عَلَي عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشهُرٍ، حَتّي تَوَدّ قُرَيشٌ بِالدّنيَا وَ مَا فِيهَا أَن يرَوَنيِ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ،فَأُعطِيَهُم وَ آخُذَ مِنهُم بَعضَ مَا قَد منَعَوُنيِ وَ أَقبَلَ عَنهُم بَعضَ مَا يَرِدُ عَلَيهِم حَتّي يَقُولُوا مَا هَذَا مِن قُرَيشٍ، لَو كَانَ هَذَا مِن قُرَيشٍ وَ مِن وُلدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا. وَ يُغرِيهِ اللّهُ ببِنَيِ أُمَيّةَ فَجَعَلَهُمُ[ اللّهُ]«مَلعُونِينَ أَينَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتّلُوا تَقتِيلًا سُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَ لَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبدِيلًا». أَمّا بَعدُ فَإِنّهُ لَا بُدّ مِن رَحًي تَطحَنُ ضَلَالَةً، فَإِذَا طَحَنَت قَامَت عَلَي قُطبِهَا،أَلَا وَ إِنّ لِطَحنِهَا رَوقاً، وَ إِنّ رَوقَهَا حَدّهَا وَ عَلَي اللّهِ فَلّهَا.أَلَا وَ إنِيّ وَ أَبرَارُ عتِرتَيِ وَ أَطَائِبُ أرَوُمتَيِ أَحلَمُ النّاسِ صِغَاراً وَ أَعلَمُهُم كِبَاراً،مَعَنَا رَايَةُ الحَقّ وَ الهُدَي، مَن سَبَقَهَا مَرَقَ، وَ مَن خَذَلَهَا مُحِقَ وَ مَن لَزِمَهَا لَحِقَ. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي وَ مَن لَزِمَهَا سَبَقَ.إِنّا أَهلُ بَيتٍ مِن عِلمِ اللّهِ عِلمُنَا وَ مِن حُكمِ اللّهِ الصّادِقِ قِيلُنَا، وَ مِن قَولِ الصّادِقِ سَمعُنَا، فَإِن تَتّبِعُونَا تَهتَدُوا بِبَصَائِرِنَا، وَ إِنِ تَتَوَلّوا عَنّا يُعَذّبكُمُ اللّهُ بِأَيدِينَا أَو بِمَا شَاءَ.نَحنُ أُفُقُ الإِسلَامِ بِنَا يَلحَقُ المُبطِئُ وَ إِلَينَا يَرجِعُ التّائِبُ.
صفحه : 263
وَ اللّهِ لَو لَا أَن تَستَعجِلُوا وَ يَتَأَخّرَ الحَقّ،لَنَبّأتُكُم بِمَا يَكُونُ فِي شَبَابِ العَرَبِ وَ الموَاَليِ، فَلَا تَسأَلُوا أَهلَ بَيتِ نَبِيّكُم مُحَمّدٍ العِلمَ قَبلَ إِبّانِهِ، وَ لَا تَسأَلُوهُمُ المَالَ عَلَي العُسرِ فَتُبَخّلُوهُم فَإِنّهُ لَيسَ مِنهُمُ البُخلُ. وَ كُونُوا أَحلَاسَ البُيُوتَ وَ لَا تَكُونُوا عُجُلًا بُذُراً،[ وَ]كُونُوا مِن أَهلِ الحَقّ تُعرَفُوا بِهِ وَ تَتَعَارَفُوا عَلَيهِ، فَإِنّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ بِقُدرَتِهِ وَ جَعَلَ بَينَهُمُ الفَضَائِلَ بِعِلمِهِ، وَ جَعَلَ مِنهُ عِبَاداً اختَارَهُم لِنَفسِهِ لِيَحتَجّ بِهِم عَلَي خَلقِهِ،فَجَعَلَ عَلَامَةَ مَن أَكرَمَ مِنهُم طَاعَتَهُ، وَ عَلَامَةَ مَن أَهَانَ مِنهُم مَعصِيَتَهُ، وَ جَعَلَ ثَوَابَ أَهلِ طَاعَتِهِ النّضِرَةَ فِي وَجهِهِ فِي دَارِ الأَمنِ وَ الخُلدِ ألّذِي لَا يُرَوّعُ أَهلَهُ، وَ جَعَلَ عُقُوبَةَ مَعصِيَتِهِ نَاراً تَأَجّجُ لِغَضَبِهِ،[BA] وَ] ما ظَلَمَهُمُ اللّهُ تَعَالَيوَ لكِن كانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ. يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا أَهلُ بَيتٍ بِنَا بَيّنَ اللّهُ الكَذِبَ، وَ بِنَا يُفَرّجُ اللّهُ الزّمَانَ الكَلِبَ، وَ بِنَا يَنزِعُ اللّهُ رِبقَ الذّلّ مِن أَعنَاقِكُم، وَ بِنَا يَفتَحُ اللّهُ وَ بِنَا يَختِمُ اللّهُ.فَاعتَبِرُوا بِنَا وَ بِعَدُوّنَا وَ بِهُدَانَا وَ بِهُدَاهُم وَ بِسِيرَتِنَا وَ سِيرَتِهِم وَ مَنِيّتِنَا وَ مَنِيّتِهِم،يَمُوتُونَ بِالدّالِ وَ القُرحِ وَ الدّبَيلَةِ، وَ نَمُوتُ بِالبَطَنِ وَ القَتلِ وَ الشّهَادَةِ وَ بِمَا شَاءَ اللّهُ. ثُمّ التَفَتَ إِلَي بَنِيهِ فَقَالَ يَا بنَيِّ لِيَبِرّ صِغَارُكُم كِبَارَكُم، وَ ليَرحَم كِبَارُكُم صِغَارَكُم، وَ لَا تَكُونُوا أَمثَالَ السّفَهَاءِ الجُفَاةِ الجُهّالِ ألّذِي لَا يُعطَونَ فِي اللّهِ اليقَيِن َكَقَيضِ بَيضٍ فِي أَدَاحٍ.أَلَا وَيحَ لِلفِرَاخِ فِرَاخِ آلِ مُحَمّدٍ مِن خَلَفٍ مُستَخلِفٍ عِترِيفٍ مُترَفٍ،يُقتَلُ خلَفيِ وَ خَلَفِ الخَلَفِ بعَديِ. أَمَا وَ اللّهِ لَقَد عَلِمتُ تَبلِيغَ الرّسَالَاتِ، وَ تَنجِيزَ العِدَاتِ، وَ تَمَامَ الكَلِمَاتِ،
صفحه : 264
وَ فُتِحَت لِيَ الأَسبَابُ، وَ أجُريَِ لِيَ السّحَابُ، وَ نَظَرتُ فِي المَلَكُوتِ، لَم يَعزُب عنَيّ شَيءٌ فَاتَ وَ لَم يفَتُنيِ مَا سبَقَنَيِ، وَ لَم يشَركَنيِ أَحَدٌ فِيمَا أشَهدَنَيِ ربَيّ،أَقُومُ بِهِيَومَ يَقُومُ الأَشهادُ، وَ بيِ يُتِمّ اللّهُ مَوعِدَهُ وَ يُكَمّلُ كَلِمَاتِهِ. وَ أَنَا النّعمَةُ التّيِ أَنعَمَهَا اللّهُ عَلَي خَلقِهِ، وَ الإِسلَامُ ألّذِي ارتَضَاهُ لِنَفسِهِ، كُلّ ذَلِكَ مِنَ اللّهِ بِهِ عَلَيّ وَ أَذَلّ بِهِ منَكبِيِ. وَ لَيسَ إِمَامٌ إِلّا وَ هُوَ عَارِفٌ بِأَهلِ وَلَايَتِهِ، وَ ذَلِكَ قَولُ اللّهِ جَلّ وَ عَزّإِنّما أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلّ قَومٍ هادٍ. ثُمّ نَزَلَ[ عَنِ المِنبَرِ]صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ عَلَي آلِهِ الطّاهِرِينَ الأَخيَارِ وَ سَلّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِّ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ أَبَانٍ عِندَ عَبدِ الغَفّارِ بنِ القَاسِمِ عَنِ المِنهَالِ بنِ عَمرٍو عَن زِرّ بنِ حُبَيشٍ قَالَ سَمِعتُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَخطُبُ.
قَالَ اِبرَاهِيمُ وَ أخَبرَنَيِ أَحمَدُ بنُ عِمرَانَ بنِ مُحَمّدِ بنِ أَبِي لَيلَي عَن أَبِيهِ عَنِ ابنِ أَبِي لَيلَي عَنِ المِنهَالِ عَن زِرّ بنِ حُبَيشٍ، قَالَ خَطَبَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِالنّهرَوَانِ[...]. وَ سَاقَ الحَدِيثَ نَحوَ حَدِيثِ سُلَيمٍ إِلَي قَولِهِوَ لَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبدِيلًا.
بيان قوله [ عليه السلام ]«أمورا ملتجّة» قال الجوهري التجّت الأصوات
صفحه : 265
اختلطت . ولججت السفينة خاضت اللجّة. والتجّ البحر التجاجا[اضطرب وهاج وغمر]. و في بعض النسخ [«ملبّجة»]بالباء الموحّدة قال الجوهري لبجت به الأرض إذاجلدت به الأرض [ وصرعته ]. و قال الجلجل واحد الجلاجل ، وصوته الجلجلة وصوت الرعد أيضا. والمجلجل السحاب ألذي فيه صوت الرعد. وجلجلت الشيء إذاحرّكته بيدك . وتجلجل أي ساخ فيها ودخل . وتجلجلت قواعد البيت أي تضعضعت . و قال الفيروزآبادي كلح كمنع تكشّر في عبوس كتكلّح وأكلح وأكلحته ، ودهر كالح شديد. و قال بلح الرجل بلوحا أعيا كبلّح[تبليحا] و[بلح ]الماء ذهب . والبلوح البئر الذاهبة الماء وبلحت خفارته إذا لم تف . والبالح الأرض لاتنبت شيئا. قوله « ونصلت » أي خرجت كاشفا عن ناب . قال الجوهري نصل الحافر خرجت عن موضعه . و في بعض النسخ « وقلصت »بالتخفيف أوالتشديد،يقال قلص الشيء ارتفع وقلّص وتقلّص كلّه،بمعني انضمّ وانزوي .يقال قلصت شفته أي انزوت . و[ قال الفيروزآبادي] في القاموس هرج الناس يهرجون وقعوا في فتنة واختلاط وقتل .[ قوله عليه السلام ]« و إنّ لطحنها روقا» أي حسنا وإعجابا.« و إنّ روقها حدّها» أي إذاصارت [الدنيا]بحيث أعجبت الناس فهو نهايتها ووقت انقضائها.« ولازم علي اللّه فلّها» أي كسرها. والأرومة كالأكولة و قدتضمّ الأصل . و«البذر»بضمّتين جمع البذور و هو ألذي يزيع الأسرار. والنضرة الحسن والرونق [ والكلام ]إشارة إلي قوله [ تعالي ]تَعرِفُ فِي وُجُوهِهِم نَضرَةَ النّعِيمِ.
صفحه : 266
قوله [ عليه السلام ]« لايروّع أهله » أي لايفزع و لايخاف . و في بعض النسخ [ لايروغ ]بالغين المعجمة أي لايحيد و لايميل أهلها عنها. و قال [ ابن الأثير] في النهاية الدبيلة خراج ودمّل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا. و[أيضا] قال [ ابن الأثير] في حديث علي عليه السلام « لاتكونوا كقيض بيض في أداح يكون كسرها وزرا ويخرج حضائها شرّا».القيض قشر البيض . والأداحي جمع الأدحي و هوالموضع ألذي تبيض فيه النعامة وتفرخ ، و هوأفعول من «دحوت »لأنّها تدحوه برجلها أي تبسطه ثم تبيض فيه . و قال الجوهري«ويح »كلمة رحمة و«ويل »كلمة عذاب . و قال اليزيدي هما بمعني واحد تقول ويح لزيد وويل لزيد ترفعهما علي الابتداء. و قال الخلف القرن بعدالقرن ، والخلف ماجاء من بعديقال هوخلف سوء من أبيه وخلف صدق من أبيه بالتحريك إذاقام مقامه . و قال هما سواء منهم من يحرّك ومنهم من يسكّن فيهما جميعا. والخلف أيضا مااستخلفته من شيء. ويقال القوم خلفة أي يختلفون .أقول المراد بالخلف إمّا معاوية أويزيد. و قال [الجوهري] في الصحاح رجل عتريف أوعتروف أي خبيث فاجر جريء ماض . و قال أترفته النعمة أطغته .[ قوله عليه السلام ]« وأذلّ به منكبي»لعلّه كناية عن كثرة الحمل وثقله . أوالمعني أنّ مع تلك الفضائل رفع التكبّر والترفّع عنيّ.
صفحه : 267
يج روُيَِ عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ قَالَدَخَلتُ فِي بَعضِ الأَيّامِ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي جَامِعِ الكُوفَةِ، فَإِذَا بِجَمّ غَفِيرٍ وَ مَعَهُم عَبدٌ أَسوَدُ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ هَذَا العَبدُ سَارِقٌ. فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ أَ سَارِقٌ أَنتَ يَا غُلَامُ فَقَالَ لَهُ نَعَم. فَقَالَ لَهُ مَرّةً ثَانِيَةً أَ سَارِقٌ أَنتَ يَا غُلَامُ فَقَالَ نَعَم يَا موَلاَيَ. فَقَالَ لَهُ الإِمَامُ عَلَيهِ السّلَامُ إِن قُلتَهَا ثَالِثَةً قَطَعتُ يَمِينَكَ فَقَالَ أَ سَارِقٌ أَنتَ يَا غُلَامُ قَالَ نَعَم يَا موَلاَيَ.فَأَمَرَ الإِمَامُ بِقَطعِ يَمِينِهِ فَقُطِعَت،فَأَخَذَهَا بِشِمَالِهِ وَ هيَِ تَقطُرُ دَماً،فَلَقِيَهُ ابنُ الكَوّاءِ وَ كَانَ يَشنَأُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ لَهُ مَن قَطَعَ يَمِينَكَ قَالَ قَطَعَ يمَيِنيَِ الأَنزَعُ البَطِينُ، وَ بَابُ اليَقِينِ، وَ حَبلُ اللّهِ المَتِينُ، وَ الشّافِعُ يَومَ الدّينِ المصُلَيّ إِحدَي وَ خَمسِينَ.قَطَعَ يمَيِنيِ إِمَامُ التّقَي، وَ ابنُ عَمّ المُصطَفَي،شَقِيقُ النّبِيّ المُجتَبَي،لَيثُ الثّرَي غَيثُ الوَرَي،حَتفُ العِدَي، وَ مِفتَاحُ النّدَي، وَ مِصبَاحُ الدّجَي.قَطَعَ يمَيِنيِ إِمَامُ الحَقّ، وَ سَيّدُ الخَلقِ،[ وَ]فَارُوقُ الدّينِ، وَ سَيّدُ العَابِدِينَ وَ إِمَامُ المُتّقِينَ، وَ خَيرُ المُهتَدِينَ، وَ أَفضَلُ السّابِقِينَ، وَ حُجّةُ اللّهِ عَلَي الخَلقِ أَجمَعِينَ.قَطَعَ يمَيِنيِ إِمَامٌ حظَيِّ بدَريِّ أحُدُيِّ مكَيّّ مدَنَيِّ أبَطحَيِّ هاَشمِيِّ قرُشَيِّ أرَيحَيِّ موَلوَيِّ طاَلبِيِّ جرَيِّ قوَيِّ لوَذعَيِّ الولَيِّ الوصَيِّ.قَطَعَ يمَيِنيِ داَحيِ بَابِ خَيبَرَ، وَ قَاتِلُ مَرحَبٍ وَ مَن كَفَرَ، وَ أَفضَلُ مَن حَجّ وَ اعتَمَرَ، وَ هَلّلَ وَ كَبّرَ، وَ صَامَ وَ أَفطَرَ، وَ حَلَقَ وَ نَحَرَ.
صفحه : 268
قَطَعَ يمَيِنيِ شُجَاعٌ جرَيِّ،جَوَادٌ سخَيِّ،بُهلُولٌ شَرِيفُ الأَصلِ[الأُصُولِ«خ »] ابنُ عَمّ الرّسُولِ، وَ زَوجُ البَتُولِ وَ سَيفُ اللّهِ المَسلُولُ،المَردُودُ لَهُ الشّمسُ عِندَ الأُفُولِ.قَطَعَ يمَيِنيِ صَاحِبُ القِبلَتَينِ،الضّارِبُ بِالسّيفَينِ،الطّاعِنُ بِالرّمحَينِ،[ وَ]وَارِثُ المَشعَرَينِ، ألّذِي لَم يُشرِك بِاللّهِ طَرفَةَ عَينٍ،أَسمَحُ كُلّ ذيِ كَفّينِ، وَ أَفصَحُ كُلّ ذيِ شَفَتَينِ، أَبُو السّيّدَينِ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ.قَطَعَ يمَيِنيِ عَينُ المَشَارِقِ وَ المَغَارِبِ،تَاجُ لؤُيَّ بنِ غَالِبٍ،أَسَدُ اللّهِ الغَالِبُ، عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ مِنَ الصّلَوَاتِ أَفضَلُهَا وَ مِنَ التّحِيّاتِ أَكمَلُهَا. فَلَمّا فَرَغَ الغُلَامُ عَنِ الثّنَاءِ وَ مَضَي لِسَبِيلِهِ،دَخَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ الكَوّاءِ عَلَي الإِمَامِ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ لَهُ السّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَالسّلامُ عَلي مَنِ اتّبَعَ الهُدي وَ خشَيَِ عَوَاقِبَ الرّدَي. فَقَالَ لَهُ[ ابنُ الكَوّاءِ] يَا أَبَا الحَسَنَينِ قَطَعتَ يَمِينَ غُلَامٍ أَسوَدَ وَ سَمِعتُهُ يثُنيِ عَلَيكَ بِكُلّ جَمِيلٍ. فَقَالَ وَ مَا سَمِعتَهُ يَقُولُ قَالَ كَذَا وَ كَذَا. وَ أَعَادَ عَلَيهِ جَمِيعَ مَا قَالَ الغُلَامُ. فَقَالَ الإِمَامُ عَلَيهِ السّلَامُ لِوَلَدَيهِ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ امضِيَا وَ أتيِاَنيِ بِالعَبدِ.فَمَضَيَا فِي طَلَبِهِ فِي كِندَةَ فَقَالَا لَهُ أَجِب أَمِيرَ المُؤمِنِينَ يَا غُلَامُ. فَلَمّا مَثُلَ بَينَ يدَيَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ قَالَ لَهُ قَطَعتُ يَمِينَكَ وَ أَنتَ تثُنيِ عَلَيّ بِمَا قَد بلَغَنَيِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا قَطَعتَهَا إِلّا بِحَقّ وَاجِبٍ أَوجَبَهُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ. فَقَالَ الإِمَامُ أعَطنِيِ الكَفّ فَأَخَذَ الإِمَامُ الكَفّ وَ غَطَاهُ بِالرّدَاءِ، وَ كَبّرَ وَ صَلّي رَكعَتَينِ، وَ تَكَلّمَ بِكَلِمَاتٍ وَ سَمِعتُهُ يَقُولُ فِي آخِرِ دُعَائِهِ آمِينَ رَبّ العَالَمِينَ. وَ رَكّبَهُ عَلَي الزّندِ وَ قَالَ لِأَصحَابِهِ اكشِفُوا الرّدَاءَ عَنِ الكَفّ.فَكَشَفُوا الرّدَاءَ عَنِ الكَفّ وَ إِذَا الكَفّ عَلَي الزّندِ بِإِذنِ اللّهِ. ثُمّ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَ لَم أَقُل لَكَ يَا ابنَ الكَوّاءِ إِنّ لَنَا مُحِبّينَ لَو قَطَعنَا الوَاحِدَ مِنهُم إِرباً إِرباً مَا ازدَادُوا إِلّا حُبّاً، وَ لَنَا مُبغِضِينَ لَو
صفحه : 269
أَلعَقنَاهُمُ العَسَلَ مَا ازدَادُوا إِلّا بُغضاً، وَ هَكَذَا مَن يُحِبّنَا يَنَالُ شَفَاعَتَنَا يَومَ القِيَامَةِ.
بيان الشري طريق في [بادية]سلمي كثير الأسد. والحظيّ ذو الحظوة وهي المنزلة والمكانة. والأريحيّ الواسع الخلق . واللوذعيّ الظريف الحديد الفؤاد. والبهلول من الرجال الضحّاك.
يج روُيَِ أَنّ خَارِجِيّاً اختَصَمَ فِي رَجُلٍ آخَرَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَحَكَمَ بَينَهُمَا، فَقَالَ الخاَرجِيِّ لَا عَدَلتَ فِي القَضِيّةِ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ اخسَأ يَا عَدُوّ اللّهِ.فَاستَحَالَ[الخاَرجِيِّ]كَلباً وَ طَارَ ثِيَابُهُ فِي الهَوَاءِ،فَجَعَلَ يُبَصبِصُ وَ تَدمَعُ عَينَاهُ فَرَقّ لَهُ وَ دَعَا لَهُ،فَأَعَادَهُ إِلَي حَالِ الإِنسَانِيّةِ وَ تَرَاجَعَت مِنَ الهَوَاءِ ثِيَابُهُ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ آصَفَ وصَيِّ سُلَيمَانَ قَد صَنَعَ نَحوَهُ فَقَصّ اللّهُ عَنهُ[بِقَولِهِ]قالَ ألّذِي عِندَهُ عِلمٌ مِنَ الكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبلَ أَن يَرتَدّ إِلَيكَ طَرفُكَأَيّمَا أَكرَمُ عَلَي اللّهِ نَبِيّكُم أَم سُلَيمَانُ قَالُوا نَبِيّنَا.فَقِيلَ لَهُ مَا حَاجَتُكَ فِي قِتَالِ مُعَاوِيَةَ إِلَي الأَنصَارِ قَالَ إِنّمَا أَدعُو هَؤُلَاءِ لِثُبُوتِ الحُجّةِ وَ كَمَالِ المِحنَةِ، وَ لَو أُذِنَ لِي فِي الدّعَاءِ بِهَلَاكِهِ لَمَا تَأَخّرَ.
صفحه : 271
ختص عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ كَانُوا شُرطَةُ الخَمِيسِ سِتّةُ آلَافِ رَجُلٍ أَنصَارَهُ[ عَلَيهِ السّلَامُ].
ختص مُحَمّدُ بنُ الحُسَينِ عَن مُحَمّدِ بنِ جَعفَرٍ عَن أَحمَدَ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ قَالَ قَالَ عَلِيّ بنُ الحَكَمِأَصحَابُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ الّذِينَ قَالَ لَهُم تَشَرّطُوا فَأَنَا أُشَارِطُكُم عَلَي الجَنّةِ وَ لَستُ أُشَارِطُكُم عَلَي ذَهَبٍ وَ لَا فِضّةٍ،
صفحه : 272
إِنّ نَبِيّنَا فِيمَا مَضَي قَالَ لِأَصحَابِهِ«تَشَرّطُوا فإَنِيّ لَستُ أُشَارِطُكُم إِلّا عَلَي الجَنّةِ»[ وَ هُم]سَلمَانُ الفاَرسِيِّ وَ المِقدَادُ وَ أَبُو ذَرّ الغفِاَريِّ وَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ وَ أَبُو سِنَانٍ وَ أَبُو عَمرٍو الأَنصَارِيّانِ وَ سَهلٌ البدَريِّ وَ عُثمَانُ ابنَا حُنَيفٍ الأنَصاَريِّ وَ جَابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِّ. وَ مِن أَصفِيَاءِ أَصحَابِهِ عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخزُاَعيِّ عرَبَيِّ وَ مِيثَمٌ التّمّارُ وَ هُوَ مِيثَمُ بنُ يَحيَي مَولًي وَ رُشَيدٌ الهجَرَيِّ وَ حَبِيبُ بنُ مُظَهّرٍ الأسَدَيِّ وَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ. وَ مِن أَولِيَائِهِ العَلَمُ الأزَديِّ وَ سُوَيدُ بنُ غَفَلَةَ الجعُفيِّ وَ الحَارِثُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَعوَرُ الهمَداَنيِّ وَ أَبُو عَبدِ اللّهِ الجدَلَيِّ وَ أَبُو يَحيَي حَكِيمُ بنُ سَعدٍ الحنَفَيِّ. وَ كَانَ مِن شُرطَةِ الخَمِيسِ أَبُو الرضّيِّ عَبدُ اللّهِ بنُ يَحيَي الحضَرمَيِّ[ وَ]سُلَيمُ بنُ قَيسٍ الهلِاَليِّ[ وَ]عَبِيدَةُ السلّماَنيِّ المرُاَديِّ عرَبَيِّ. وَ مِن خَوَاصّهِ تَمِيمُ بنُ حِذيَمٍ الناّجيِ. وَ قَد شَهِدَ مَعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ[حُرُوبَهُ]قَنبَرُ مَولَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ[ وَ] أَبُو فَاخِتَةَ مَولَي بنَيِ هَاشِمٍ[ وَ]عُبَيدُ اللّهِ بنُ أَبِي رَافِعٍ وَ كَانَ كَاتِبَهُ.
بيان اختلف في تصحيح اسم والد تميم فقيل حذيم بالحاء المهملة والذال المعجمة. وقيل بالخاء المعجمة والزاي. وقيل بالحاء المهملة المكسورة والذال
صفحه : 273
المعجمة الساكنة والياء المفتوحة. و[ذكره الجوهري] في الصحاح بالحاء المهملة المفتوحة والذال المعجمة الساكنة واللام المفتوحة و قال إنّه من التابعين . وكذا صحّحه أكثر العامة في كتبهم .
ختص عُبَيدُ بنُ نَضلَةَ الخزُاَعيِّ[ قَالَ]روُيَِ عَنِ ابنِ الأَعمَشِ أَنّهُ قَالَ لِأَبِيهِ عَلَي مَن قَرَأتَ القُرآنَ قَالَ عَلَي يَحيَي بنِ الوَثّابِ، وَ قَرَأَ يَحيَي عَلَي عُبَيدِ بنِ نَضلَةَ كُلّ يَومٍ آيَةً فَفَرَغَ مِنَ القُرآنِ[ فِي]سَبعٍ وَ أَربَعِينَ سَنَةً.
ختص يَحيَي بنُ وَثّابٍ كَانَ مُستَقِيماً.
ختص أَبُو أُحَيحَةَ وَ اسمُهُ عَمرُو بنُ مِحصَنٍ أُصِيبَ بِصِفّينَ وَ هُوَ ألّذِي جَهّزَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ بِمِائَةِ أَلفِ دِرهَمٍ فِي مَسِيرِهِ إِلَي الجَمَلِ.
ختص جَعفَرُ بنُ الحُسَينِ المُؤمِنُ عَنِ ابنِ الوَلِيدِ عَنِ الصّفّارِ عَنِ ابنِ عِيسَي عَنِ ابنِ فَضّالٍ عَن ثَعلَبَةَ عَن زُرَارَةَ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ خُلِقَتِ الأَرضُ لِسَبعَةٍ،بِهِم يُرزَقُونَ وَ بِهِم يُنصَرُونَ وَ بِهِم يُمطَرُونَ،مِنهُم سَلمَانُ الفاَرسِيِّ وَ المِقدَادُ وَ أَبُو ذَرّ وَ عَمّارٌ وَ حُذَيفَةُ. وَ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ وَ أَنَا إِمَامُهُم وَ هُمُ ألّذِي[الّذِينَ]صَلّوا عَلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ.
ختص أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن أَبِيهِ عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ عَنِ الحَسَنِ بنِ مَحبُوبٍ عَنِ الحَارِثِ قَالَ قَالَسَمِعتُ عَبدَ المَلِكِ بنَ أَعيَنَ يَسأَلُ
صفحه : 274
أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فَلَم يَزَل يَسأَلُهُ حَتّي قَالَ فَهَلَكَ النّاسُ إِذاً فَقَالَ إيِ وَ اللّهِ يَا ابنَ أَعيَنَ هَلَكَ النّاسُ أَجمَعُونَ قُلتُ أَهلُ الشّرقِ وَ الغَربِ قَالَ إِنّهَا فُتِحَت عَلَي الضّلَالِ،إيِ وَ اللّهِ هَلَكُوا إِلّا ثَلَاثَةً سَلمَانُ الفاَرسِيِّ وَ أَبُو ذَرّ وَ المِقدَادُ وَ لَحِقَهُم عَمّارٌ وَ أَبُو سِنَانٍ الأنَصاَريِّ وَ حُذَيفَةُ وَ أَبُو عَمرَةَ فَصَارُوا سَبعَةً.
ختص عِدّةٌ مِن أَصحَابِنَا عَنِ ابنِ الوَلِيدِ عَنِ الصّفّارِ عَن أَيّوبَ بنِ نُوحٍ عَن صَفوَانَ بنِ يَحيَي عَن مُثَنّي بنِ الوَلِيدِ عَن بُرَيدِ بنِ مُعَاوِيَةَ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ ارتَدّ النّاسُ بَعدَ النّبِيّ إِلّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ المِقدَادُ بنُ الأَسوَدِ وَ أَبُو ذَرّ الغفِاَريِّ وَ سَلمَانُ الفاَرسِيِّ، ثُمّ إِنّ النّاسَ عَرَفُوا وَ لَحِقُوا بَعدُ
ختص [ فِي]ذِكرِ السّابِقِينَ المُقَرّبِينَ مِن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ حَدّثَنَا جَعفَرُ بنُ الحُسَينِ عَن مُحَمّدِ بنِ جَعفَرٍ المُؤَدّبِ[ قَالَ]الأَركَانُ الأَربَعَةُ سَلمَانُ الفاَرسِيِّ وَ المِقدَادُ وَ أَبُو ذَرّ وَ عَمّارٌ هَؤُلَاءِ[ مِنَ]الصّحَابَةِ. وَ مِنَ التّابِعِينَ أُوَيسٌ القرَنَيِّ، ألّذِي يُشَفّعُ فِي مِثلِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ، وَ عَمرُو بنِ الحَمِقِ الخزُاَعيِّ، وَ ذَكَرَ جَعفَرُ بنُ الحُسَينِ أَنّهُ كَانَ مِن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ بِمَنزِلَةِ سَلمَانَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ[ وَ]رُشَيدٌ الهجَرَيِّ،[ وَ]مِيثَمٌ التّمّارُ،[ وَ]كُمَيلُ بنُ زِيَادٍ النخّعَيِّ،[ وَ]قَنبَرُ مَولَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ،[ وَ] مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ،[ وَ]مزرعٌ مَولَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، وَ عَبدُ اللّهِ بنُ نجُيَّ، قَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَ الجَمَلِ«أَبشِر يَا ابنَ نجُيَّ فَأَنتَ وَ أَبُوكَ مِن شُرطَةِ الخَمِيسِ،سَمّاكُمُ اللّهُ بِهِ فِي السّمَاءِ.[ وَ]جُندَبُ بنُ زُهَيرٍ العاَمرِيِّ، وَ بَنُو عَامِرٍ شِيعَةُ عَلِيّ عَلَي الوَجهِ،[ وَ]حَبِيبُ بنُ مُظَهّرٍ الأسَدَيِّ،[ وَ]الحَارِثُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأَعوَرُ الهمَداَنيِّ،[ وَ]مَالِكُ بنُ الحَارِثِ الأَشتَرُ،[ وَ]العَلَمُ الأزَديِّ،[ وَ] أَبُو عَبدِ اللّهِ الجدَلَيِّ،[ وَ]
صفحه : 275
جُوَيرِيَةُ بنُ مُسهِرٍ العبَديِّ.
ختص مُحَمّدُ بنُ الحَسَنِ عَن سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي عَنِ النّضرِ بنِ سُوَيدٍ عَمّن حَدّثَهُ مِن أَصحَابِنَا عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ قَالَ مَا بقَيَِ أَحَدٌ بَعدَ مَا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلّا وَ قَد جَالَ جَولَةً إِلّا المِقدَادَ، فَإِنّ قَلبَهُ كَانَ مِثلَ زُبَرِ الحَدِيدِ.
ختص ابنُ الوَلِيدِ عَنِ الصّفّارِ عَن عَلِيّ بنِ سُلَيمَانَ الراّزيِّ. وَ حَدّثَنَا أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ يَحيَي عَن سَعدِ بنِ عَلِيّ بنِ سُلَيمَانَ عَن عَلِيّ بنِ أَسبَاطِ بنِ سَالِمٍ عَن أَبِيهِ قَالَ قَالَ أَبُو الحَسَنِ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ نَادَي مُنَادٍ«أَينَ حوَاَريِّ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ رَسُولِ اللّهِ الّذِينَ لَم يَنقُضُوا العَهدَ وَ مَضَوا عَلَيهِ»فَيَقُومُ سَلمَانُ وَ المِقدَادُ وَ أَبُو ذَرّ. قَالَ ثُمّ ينُاَديِ[المنُاَديِ]«أَينَ حوَاَريِّ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وصَيِّ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ رَسُولِ اللّهِ»فَيَقُومُ عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخزُاَعيِّ، وَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ، وَ مِيثَمُ بنُ يَحيَي التّمّارُ مَولَي بنَيِ أَسَدٍ، وَ أُوَيسٌ القرَنَيِّ. قَالَ ثُمّ ينُاَديِ المنُاَديِ«أَينَ حوَاَريِّ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ[ وَ] ابنِ فَاطِمَةَ بِنتِ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ»فَيَقُومُ سُفيَانُ بنُ أَبِي لَيلَي الهمَداَنيِّ، وَ حُذَيفَةُ بنُ أَسِيدٍ الغفِاَريِّ. قَالَ ثُمّ ينُاَديِ[المنُاَديِ]«أَينَ حوَاَريِّ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ»فَيَقُومُ كُلّ مَنِ استُشهِدَ مَعَهُ وَ لَم يَتَخَلّف عَنهُ.
صفحه : 276
ثُمّ ينُاَديِ«أَينَ حوَاَريِّ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ»فَيَقُومُ جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ، وَ يَحيَي ابنُ أُمّ الطّوِيلِ، وَ أَبُو خَالِدٍ الكاَبلُيِّ، وَ سَعِيدُ بنُ المُسَيّبِ. ثُمّ ينُاَديِ«أَينَ حوَاَريِّ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ وَ حوَاَريِّ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ»فَيَقُومُ عَبدُ اللّهِ بنُ شَرِيكٍ العاَمرِيِّ، وَ زُرَارَةُ بنُ أَعيَنَ، وَ بُرَيدُ بنُ مُعَاوِيَةَ العجِليِّ، وَ مُحَمّدُ بنُ مُسلِمٍ الثقّفَيِّ، وَ لَيثُ بنُ البخَترَيِّ المرُاَديِّ، وَ عَبدُ اللّهِ بنُ أَبِي يَعفُورٍ، وَ عَامِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ خُزَاعَةَ، وَ حُجرُ بنُ زَائِدَةَ، وَ حُمرَانُ بنُ أَعيَنَ. ثُمّ ينُاَديِ سَائِرَ الشّيعَةِ مَعَ سَائِرِ الأَئِمّةِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ.فَهَؤُلَاءِ أَوّلُ الشّيعَةِ الّذِينَ يَدخُلُونَ الفِردَوسَ وَ هَؤُلَاءِ أَوّلُ السّابِقِينَ وَ أَوّلُ المُقَرّبِينَ وَ أَوّلُ المَحبُورِينَ.
ختص جَعفَرُ بنُ الحُسَينِ عَن مُحَمّدِ بنِ جَعفَرٍ المُؤَدّبِ عَن أَحمَدَ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ البرَقيِّ عَن أَبِيهِ رَفَعَهُ قَالَ قَالَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخزُاَعيِّ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ اللّهِ مَا جِئتُكَ لِمَالٍ مِنَ الدّنيَا تُعطِينِيهَا، وَ لَا لِالتِمَاسِ السّلطَانِ تَرفَعُ بِهِ ذكِريِ[ مَا جِئتُكَ] إِلّا لِأَنّكَ ابنُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَولَي النّاسِ بِالنّاسِ، وَ زَوجُ فَاطِمَةَ سَيّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ، وَ أَبُو الذّرّيّةِ التّيِ بَقِيَت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَعظَمُ سَهماً لِلإِسلَامِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ. وَ اللّهِ لَو كلَفّتنَيِ نَقلَ الجِبَالِ الروّاَسيِ وَ نَزحَ البُحُورِ الطوّاَميِ أَبَداً حَتّي يأَتيَِ عَلَيّ يوَميِ، وَ فِي يدَيِ سيَفيِ أَهُزّ بِهِ عَدُوّكَ وَ أقُوَيّ بِهِ وَلِيّكَ، وَ يعُليِ بِهِ اللّهُ كَعبَكَ وَ يُفلِجُ بِهِ حُجّتَكَ، مَا ظَنَنتُ أنَيّ أَدّيتُ مِن حَقّكَ كُلّ الحَقّ ألّذِي يَجِبُ لَكَ عَلَيّ
صفحه : 277
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ نَوّر قَلبَهُ وَ اهدِهِ إِلَي الصّرَاطِ المُستَقِيمِ،لَيتَ أَنّ فِي شيِعتَيِ مِائَةً مِثلَكَ.
بيان طما الماء ارتفع وملأ النهر. قوله «أهزّ به »[يقال ]هززت الشيء هزا فاهتزّ أي حرّكته فتحرّك. و في بعض النسخ «أهزم » و هوأظهر. و قال [الفيروزآبادي] في القاموس الكعب الشرف والمجد و رجل عالي الكعب شريف .
ختص أَحمَدُ بنُ هَارُونَ وَ جَعفَرُ بنُ مُحَمّدِ بنِ قُولَوَيهِ وَ جَمَاعَةٌ عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ الحمِيرَيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ عَن أَحمَدَ بنِ النّضرِ عَن صَبّاحٍ عَنِ الحَارِثِ بنِ الحَصِيرَةِ عَن صَخرِ بنِ الحَكَمِ الفزَاَريِّ،عَمّن حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ عَمرَو بنَ الحَمِقِ يُحَدّثُ عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ فِي المَسجِدِ الحَرَامِ أَو فِي مَسجِدِ المَدِينَةِ، يَقُولُ يَا عَمرُو هَل لَكَ فِي أَن أُرِيَكَ آيَةَ الجَنّةِيَأكُلُ الطّعامَ وَ يَشرَبُ الشّرَابَوَ يمَشيِ فِي الأَسواقِ وَ آيَةَ النّارِ يَأكُلُ الطّعَامَ وَ يَشرَبُ الشّرَابَ وَ يمَشيِ فِي الأَسوَاقِ فَقُلتُ نَعَم بأِبَيِ أَنتَ وَ أمُيّ فَأَرِنِيهَا.فَأَقبَلَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يمَشيِ حَتّي سَلّمَ وَ جَلَسَ،
صفحه : 278
فَقَالَ[ النّبِيّ] يَا عَمرُو هَذَا وَ قَومُهُ آيَةُ الجَنّةِ. ثُمّ أَقبَلَ مُعَاوِيَةُ حَتّي سَلّمَ فَجَلَسَ، فَقَالَ[ النّبِيّ] يَا عَمرُو هَذَا وَ قَومُهُ آيَةُ النّارِ.[ ثُمّ قَالَ] وَ ذَكَرَ[عَمرٌو]بَدءَ إِسلَامِهِ[ وَ] أَنّهُ كَانَ فِي إِبِلٍ لِأَهلِهِ، وَ كَانُوا أَهلَ عَهدٍ لِرَسُولِ اللّهِ، وَ أَنّ أُنَاساً مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ مَرّوا بِهِ وَ قَد بَعَثَهُم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي بَعثٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَعَنَا زَادٌ وَ لَا نهَتدَيِ الطّرِيقَ فَقَالَ إِنّكُم سَتَلقَونَ رَجُلًا صَبِيحَ الوَجهِ يُطعِمُكُم مِنَ الطّعَامِ، وَ يَسقِيكُم مِنَ الشّرَابِ وَ يَهدِيكُمُ الطّرِيقَ[ وَ] هُوَ مِن أَهلِ الجَنّةِ.[ قَالَ عَمرٌو]فَأَقبَلُوا حَتّي انتَهَوا إلِيَّ مِن آخِرِ النّهَارِ، وَ أَمَرتُ فتِياَنيِ فَنَحَرُوا جَزُوراً وَ حَمَلُوا[ إِلَي القَومِ] مِنَ اللّبَنِ،فَبَاتَ القَومُ يَطعَمُونَ مِنَ اللّحمِ مَا شَاءُوا، وَ يُسقَونَ مِنَ اللّبَنِ ثُمّ أَصبَحُوا فَقُلتُ مَا أَنتُم بِمُنطَلِقِينَ حَتّي تَطعَمُوا وَ تَشرَبُوا فَقَالَ رَجُلٌ مِنهُم وَ ضَحِكَ إِلَي صَاحِبِهِ فَقُلتُ وَ مِمّ ضَحِكتَ فَقَالَ أَبشِر بِبُشرَي اللّهِ وَ رَسُولِهِ،فَقُلتُ وَ مَا ذَاكَ قَالَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي هَذَا الفَجّ وَ أَخبَرنَاهُ أَنّهُ لَيسَ لَنَا زَادٌ وَ لَا هِدَايَةُ الطّرِيقَةِ فَقَالَ سَتَلقَونَ رَجُلًا صَبِيحَ الوَجهِ يُطعِمُكُم مِنَ الطّعَامِ وَ يَسقِيكُم مِنَ الشّرَابِ وَ يَدُلّكُم عَلَي الطّرِيقِ[ وَ هُوَ] مِن أَهلِ الجَنّةِ،فَلَم نَلقَ مَن يُوَافِقُ نَعتَ رَسُولِ اللّهِ غَيرَكَ. قَالَ[عَمرٌو]فَرَكِبتُ مَعَهُم وَ أَرشَدتُهُم إِلَي الطّرِيقِ، ثُمّ انصَرَفتُ إِلَي فتِياَنيِ وَ أَوصَيتُهُم بإِبِلِيِ ثُمّ سِرتُ كَمَا أَنَا إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي بَايَعتُ وَ أَسلَمتُ، وَ أَخَذتُ لنِفَسيِ وَ لقِوَميِ أَمَاناً مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّا آمِنُونَ عَلَي أَموَالِنَا وَ دِمَائِنَا إِذ شَهِدنَا أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ وَ أَقَمنَا الصّلَاةَ وَ آتَينَا الزّكَاةَ وَ أَقَمنَا بِسَهمِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ قَالَ فَإِذَا فَعَلتُم ذَلِكَ فَأَنتُم آمِنُونَ عَلَي أَموَالِكُم وَ دِمَائِكُم،لَكُم بِذَلِكَ ذِمّةُ اللّهِ وَ رَسُولِهِ لَا نعَتدَيِ عَلَيكُم فِي مَالٍ وَ لَا دَمٍ.[ ثُمّ قَالَ عَمرٌو]فَأَقَمتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا أَقَمتُ، وَ غَزَوتُ مَعَهُ غَزَوَاتٍ وَ قَبَضَ اللّهُ رَسُولَهُ.
صفحه : 279
قَالَ[ وَ] كَانَ عَمرُو بنُ الحَمِقِ الخزُاَعيِّ شِيعَةً لعِلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَلَمّا صَارَ الأَمرُ إِلَي مُعَاوِيَةَ انحَازَ إِلَي شَهرَزُورَ مِنَ المَوصِلِ. وَ كَتَبَ إِلَيهِ مُعَاوِيَةُ أَمّا بَعدُ فَإِنّ اللّهَ أَطفَأَ النّائِرَةَ وَ أَخمَدَ الفِتنَةَ وَ جَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتّقِينَ، وَ لَستَ بِأَبعَدَ أَصحَابِكَ هِمّةً وَ لَا أَشَدّهُم فِي سُوءِ الأَثَرِ صُنعاً،كُلّهُم قَد أَسهَلَ بطِاَعتَيِ وَ سَارَعَ إِلَي الدّخُولِ فِي أمَريِ، وَ قَد بَطَأَ بِكَ مَا بَطَأَ فَادخُل فِيمَا دَخَلَ فِيهِ[ النّاسُ]يُمحَ عَنكَ سَالِفُ ذُنُوبِكَ وَ نحُيَِ دَاثِرُ حَسَنَاتِكَ، وَ لعَلَيّ لَا أَكُونُ لَكَ دُونَ مَن كَانَ قبِلَيِ إِن أَبقَيتَ وَ اتّقَيتَ وَ وَفَيتَ وَ أَحسَنتَ،فَاقدَم عَلَيّ آمِناً فِي ذِمّةِ اللّهِ وَ ذِمّةِ رَسُولِهِ،مَحفُوظاً مِن حَسَدِ القُلُوبِ وَ إِحنِ الصّدُورِوَ كَفي بِاللّهِ شَهِيداً.فَلَم يَقدَم عَلَيهِ عَمرُو بنُ الحَمِقِ،فَبَعَثَ إِلَيهِ مَن قَتَلَهُ وَ جَاءَ بِرَأسِهِ[ إِلَيهِ]فَبَعَثَ بِهِ[مُعَاوِيَةُ] إِلَي امرَأَتِهِ[ وَ هيَِ فِي سِجنِهِ]فَوَضَعَ فِي حَجرِهَا فَقَالَت سَتَرتُمُوهُ عنَيّ طَوِيلًا وَ أَهدَيتُمُوهُ إلِيَّ قَتِيلًا فَأَهلًا وَ سَهلًا مِن هَدِيّةٍ غَيرِ قَالِيَةٍ وَ لَا بِمَقلِيّةٍ،بَلّغ أَيّهَا الرّسُولُ عنَيّ مُعَاوِيَةَ مَا أَقُولُ طَلَبَ اللّهُ بِدَمِهِ، وَ عَجّلَ لَهُ الوَيلَ مِن نِقَمِهِ،فَقَد أَتَي أَمراً فَرِيّاً وَ قَتَلَ بَرّاً تَقِيّاً،فَأَبلِغ أَيّهَا الرّسُولُ مُعَاوِيَةَ مَا قُلتُ.فَبَلّغَ الرّسُولُ[مُعَاوِيَةَ] مَا قَالَت،فَبَعَثَ إِلَيهَا فَقَالَ لَهَا أَنتِ القَائِلَةُ مَا قُلتِ قَالَت نَعَم غَيرَ نَاكِلَةٍ عَنهُ وَ لَا مُعتَذِرَةٍ مِنهُ. قَالَ لَهَا اخرجُيِ مِن بلِاَديِ.قَالَت أَفعَلُ فَوَ اللّهِ مَا هُوَ لِي بِوَطَنٍ وَ لَا أَحِنّ فِيهَا إِلَي سِجنٍ، وَ لَقَد طَالَ بِهَا سهَرَيِ وَ اشتَهَرَ بِهَا عبَرَيِ وَ كَثُرَ فِيهَا ديَنيِ مِن غَيرِ مَا قَرّت بِهِ عيَنيِ. فَقَالَ عَبدُ اللّهِ بنُ أَبِي سَرحٍ الكَاتِبُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّهَا مُنَافِقَةٌ فَأَلحِقهَا بِزَوجِهَا.فَنَظَرَت إِلَيهِ فَقَالَت يَا مَن بَينَ لَحيَيهِ كَجُثمَانِ الضّفدِعِ أَ لَا قَتَلتَ مَن أَنعَمَكَ خِلَعاً وَ أَصفَاكَ بِكِسَاءٍ،إِنّمَا المَارِقُ المُنَافِقُ مَن قَالَ بِغَيرِ الصّوَابِ، وَ اتّخَذَ العِبَادَ كَالأَربَابِ،فَأَنزَلَ كُفرَهُ فِي الكِتَابِ.
صفحه : 280
فَأَومَأَ مُعَاوِيَةُ إِلَي الحَاجِبِ بِإِخرَاجِهَا فَقَالَت وَا عَجَبَاه مَنِ ابنُ هِندٍ يُشِيرُ إلِيَّ بِبَنَانِهِ وَ يمَنعَنُيِ نَوَافِذُ لِسَانِهِ، أَمَا وَ اللّهِ لَأَبقَرَنّهُ بِكَلَامٍ عَتِيدٍ كَنَوَافِذِ الحَدِيدِ، أَ وَ مَا أَنَا بِآمِنَةَ بِنتِ الرّشَيدِ[ظ الشّرِيدِ].
بيان قوله «أسهل بطاعتي» أي رفع عن نفسه الشدّة،يقال أسهل القوم أي صاروا إلي السهل . و في بعض النسخ «استهلّ» أي رفع صوته أوصار إليها فرحا من قولهم استهلّ فرحا. والجثمان الجسد. وأصفيته بالشيء آثرته به . والكساء بالضمّ جمع الكسوة. و في بعض النسخ « وأعطاك كيسا» أي كيس الدراهم . ولعلّها أرادت زوجها.
ختص الأَصبَغُ بنُ نُبَاتَةَ كَانَ مِن شُرطَةِ الخَمِيسِ وَ كَانَ فَاضِلًا.
حَدّثَنَا جَعفَرُ بنُ الحُسَينِ عِندَ مُحَمّدِ بنِ جَعفَرٍ المُؤَدّبِ عَنِ البرَقيِّ عَن صَالِحِ بنِ أَبِي حَمّادٍ عَنِ ابنِ أَبِي الخَطّابِ، عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ عَن أَبِي الجَارُودِ عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ، قَالَ قُلتُ لِلأَصبَغِ مَا كَانَ مَنزِلَةَ هَذَا الرّجُلِ فِيكُم فَقَالَ مَا أدَريِ مَا تَقُولُ إِلّا أَنّ سُيُوفَنَا[كَانَت] عَلَي عَوَاتِقِنَا، وَ مَن أَومَأَ إِلَيهِ ضَرَبنَاهُ.
ختص مُحَمّدُ بنُ الحَسَنِ الشّحّاذُ عَن سَعدٍ عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ الهَيثَمِ، عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ الفزَاَريِّ عَن آدَمَ التّمّارِ الحضَرمَيِّ عَنِ ابنِ طَرِيفٍ عَنِ ابنِ نُبَاتَةَ، قَالَأَتَيتُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لِأُسَلّمَ عَلَيهِ فَجَلَستُ أَنتَظِرُهُ،فَخَرَجَ إلِيَّ فَقُمتُ إِلَيهِ فَسَلّمتُ عَلَيهِ،فَضَرَبَ عَلَي كفَيّ ثُمّ شَبّكَ أَصَابِعَهُ فِي أصَاَبعِيِ ثُمّ قَالَ يَا أَصبَغَ
صفحه : 281
بنَ نُبَاتَةَ قُلتُ لَبّيكَ وَ سَعدَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَقَالَ إِنّ وَلِيّنَا ولَيِّ اللّهِ. فَإِذَا مَاتَ ولَيِّ اللّهِ كَانَ مِنَ اللّهِ بِالرّفِيقِ الأَعلَي، وَ سَقَاهُ مِن نَهَرٍ أَبرَدَ مِنَ الثّلجِ وَ أَحلَي مِنَ الشّهدِ وَ أَليَنَ مِنَ الزّبدِ.فَقُلتُ بأِبَيِ أَنتَ وَ أمُيّ وَ إِن كَانَ مُذنِباً فَقَالَ نَعَم وَ إِن كَانَ مُذنِباً، أَمَا تَقرَأُ القُرآنَفَأُولئِكَ يُبَدّلُ اللّهُ سَيّئاتِهِم حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً. يَا أَصبَغُ إِنّ وَلِيّنَا لَو لقَيَِ اللّهَ وَ عَلَيهِ مِنَ الذّنُوبِ مِثلُ زَبَدِ البَحرِ وَ مِثلُ عَدَدِ الرّملِ لَغَفَرَهَا اللّهُ لَهُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي.
كش مُحَمّدُ بنُ قُولَوَيهِ وَ الحُسَينُ بنُ حَسَنِ بنِ بُندَارَ القُمّيّانِ، عَن سَعدٍ عَنِ الخَشّابِ عَنِ اليقَطيِنيِّ عَنِ ابنِ أَسبَاطٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ يَقُولُ كَانَ مَعَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ خَمسَةُ نَفَرٍ مِن قُرَيشٍ، وَ كَانَت ثَلَاثَ عَشرَةَ قَبِيلَةً مَعَ مُعَاوِيَةَ.فَأَمّا الخَمسَةُ فَمُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ،أَتَتهُ النّجَابَةُ مِن قِبَلِ أُمّهِ أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ، وَ كَانَ مَعَهُ هَاشِمُ بنُ عُتبَةَ بنِ أَبِي وَقّاصٍ المِرقَالُ، وَ كَانَ مَعَهُ جَعدَةُ بنُ هُبَيرَةَ المخَزوُميِّ، وَ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ خَالَهُ وَ هُوَ ألّذِي قَالَ لَهُ عُتبَةُ بنُ أَبِي سُفيَانَ إِنّمَا لَكَ هَذِهِ الشِدّةُ فِي الحَربِ مِن قِبَلِ خَالِكَ. فَقَالَ لَهُ جَعدَةُ لَو كَانَ لَكَ خَالٌ مِثلُ خاَليِ لَنَسِيتَ أَبَاكَ وَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي حُذَيفَةَ بنِ عُتبَةَ بنِ رَبِيعَةَ وَ الخَامِسُ سَلِفُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ابنُ أَبِي العَاصِ بنِ رَبِيعَةَ، وَ هُوَ صِهرُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ[ وَ هُوَ] أَبُو الرّبِيعِ.
ختص ابنُ قُولَوَيهِ عَن أَبِيهِ عَن سَعدٍ مِثلِهِ.
صفحه : 282
بيان [ قال الفيروزآبادي] في القاموس السلف ككبد، وكبد من الرجال زوج أخت امرأته ، وبينهما أسلوفة صهر، و قدتسالفا وهما سلفان أي متزاوجا الأختين .انتهي . والظاهر أنّ ضمير« هو»راجع إلي أبي العاص ،فإنّه كان زوج زينب واسمه القاسم بن ربيع و أبوالربيع كنية لابن أبي [ أبي ]العاص . والمراد بسلف إمّا مطلق المصاهرة فإنّ أمامة بنت أبي العاص أخته كانت عند أمير المؤمنين عليه السلام ، أو كان عنده أيضا أخت إحدي زوجاته عليه السلام ، أو كان ابن سلف فسقط الابن من النّسّاخ.
كش حَمدَوَيهِ وَ اِبرَاهِيمُ ابنَا نُصَيرٍ عَن أَيّوبَ عَن صَفوَانَ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ عَمّارٍ وَ غَيرِ وَاحِدٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ كَانَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ وَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ لَا يَرضَيَانِ أَن يُعصَي اللّهُ عَزّ وَ جَلّ.
كش نَصرُ بنُ الصّبّاحِ عَن إِسحَاقَ بنِ مُحَمّدٍ البصَريِّ عَن أَمِيرِ بنِ عَلِيّ، عَن أَبِي الحَسَنِ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ يَقُولُ إِنّ المَحَامِدَةَ تَأبَي أَن يُعصَي عَزّ وَ جَلّ. قُلتُ وَ مَنِ المَحَامِدَةُ قَالَ مُحَمّدُ بنُ جَعفَرٍ، وَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ، وَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي حُذَيفَةَ، وَ مُحَمّدُ بنُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ابنُ الحَنَفِيّةِ رَحِمَهُمُ اللّهُ. أَمّا مُحَمّدُ بنُ أَبِي حُذَيفَةَ[فَ] هُوَ ابنُ عُتبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَ هُوَ ابنُ خَالِ مُعَاوِيَةَ.
صفحه : 283
كش مُحَمّدُ بنُ مَسعُودٍ عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ بنِ عَبّاسِ بنِ عَامرٍ عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ عَن زُرَارَةَ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ المهَديِّ مَولَي عُثمَانَ أَتَي فَبَايَعَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيّاً وَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بِكرٍ جَالِسٌ،[فَ] قَالَ أُبَايِعُكَ عَلَي أَنّ الأَمرَ كَانَ لَكَ أَوّلًا وَ أَبرَأُ مِن فُلَانٍ وَ فُلَانٍ،فَبَايَعَهُ.
أَقُولُ وَجَدتُ فِي كِتَابِ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ الهلِاَليِّ أَنّهُ قَالَ أَبَانُ بنُ أَبِي عَيّاشٍ أَبُو الطّفَيلِ عَامِرُ بنُ وَاثِلَةَ كَانَ صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ مِن خِيَارِ أَصحَابِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.
نَهجٌ [ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِعَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ وَ قَد أَشَارَ عَلَيهِ فِي شَيءٍ لَم يُوَافِق رَأيَهُ لَكَ أَن تُشِيرَ عَلَيّ وَ أَرَي فَإِذَا عَصَيتُكَ فأَطَعِنيِ.
قَالَ ابنُ مِيثَمٍ روُيَِ أَنّهُ أَشَارَ عَلَيهِ عِندَ انصِرَافِهِ مِن مَكّةَ حَاجّاً، وَ قَد بَايَعَهُ النّاسُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّ هَذَا أَمرٌ عَظِيمَ يُخَافُ غَوَائِلُ النّاسِ فِيهِ،فَاكتُب لِطَلحَةَ بِوِلَايَةِ البَصرَةِ وَ لِلزّبَيرِ بِوِلَايَةِ الكُوفَةِ، وَ اكتُب إِلَي مُعَاوِيَةَ وَ ذَكّرهُ القَرَابَةَ وَ الصّلَةَ وَ أَقِرّهُ عَلَي وِلَايَةِ الشّامِ حَتّي يُبَايِعَكَ، فَإِن بَايَعَكَ وَ جَرَي عَلَي سُنّتِكَ وَ طَاعَةِ اللّهِ فَاترُكهُ عَلَي حَالِهِ، وَ إِن خَالَفَكَ فَادعُهُ إِلَي المَدِينَةِ وَ أَبدِلهُ بِغَيرِهِ وَ لَا تُمَوّج بِحَارَ الفِتنَةِ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَعَاذَ اللّهِ أَن أُفسِدَ ديِنيِ بِدُنيَا غيَريِ وَ لَكَ يَا ابنَ عَبّاسٍ أَن تُشِيرَ إِلَي آخِرِ الكَلَامِ.
صفحه : 284
نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد توُفُيَّ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ الأنَصاَريِّ بِالكُوفَةِ مَرجِعَهُ مِن صِفّينَ وَ كَانَ مِن أَحَبّ النّاسِ إِلَيهِ لَو أحَبَنّيِ جَبَلٌ لَتَهَافَتَ.
[ قال السيد الرضيّ] ومعني ذلك أنّ المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ، و لايفعل ذلك إلّا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار. و هذامثل قوله [ عليه السلام ]« من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للفقر جلبابا». و قدتؤول ذلك علي معني آخر ليس هذاموضع ذكره .بيان التهافت التساقط قطعة قطعة. والتأويل الآخر ألذي ذكره السيد رحمه اللّه،لعلّه هو ماذكره ابن ميثم قال أبوعبيد إنّه[ عليه السلام ] لم يرد الفقر في الدنيا وإنّما أراد الفقر يوم القيامة أي فليعدّ لذلك مايجده من الثواب والتقرّب إلي اللّه تعالي والزّلفة لديه .
1033-نَهجٌ[ وَ] مِن خَبَرِ ضِرَارِ بنِ ضَمرَةَ الضبّاَبيِّ عِندَ دُخُولِهِ عَلَي مُعَاوِيَةَ وَ مَسأَلَتِهِ لَهُ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ قَالَ فَأَشهَدُ لَقَد رَأَيتُهُ فِي بَعضِ مَوَاقِفِهِ وَ قَد أَرخَي اللّيلُ سُدُولَهُ، وَ هُوَ قَائِمٌ فِي مِحرَابِهِ،قَابِضٌ عَلَي لِحيَتِهِ،يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السّلِيمِ، وَ يبَكيِ بُكَاءَ الحَزِينِ وَ يَقُولُ يَا دُنيَا يَا دُنيَا إِلَيكِ عنَيّ، أَ بيِ تَعَرّضتِ أَم إلِيَّ تَشَوّقتِ لَا حَانَ حِينُكِ هَيهَاتَ غرُيّ غيَريِ، لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ وَ قَد طَلّقتُكِ ثَلَاثاً لَا رَجعَةَ فِيهَا فَعَيشُكِ قَصِيرٌ، وَ خَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَ أَمَلُكِ حَقِيرٌ.
صفحه : 285
آهِ مِن قِلّةِ الزّادِ، وَ طُولِ الطّرِيقِ، وَ بُعدِ السّفَرِ، وَ عَظِيمِ المَورِدِ وَ خُشُونَةِ المَضجَعِ
بيان قدمرّ الخبر برواية أخري .[ و]«هيهات » أي بعد ماتطلبين منيّ. وخطر الرجل قدره ومنزلته .« وأملك حقير» أي مايؤمّل منك وفيك .
نَهجٌ وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي ذِكرِ خَبّابِ بنِ الأَرَتّ.يَرحَمُ اللّهُ خَبّاباً،فَلَقَد أَسلَمَ رَاغِباً، وَ هَاجَرَ طَائِعاً، وَ عَاشَ مُجَاهِداً.
بيان قال ابن أبي الحديد خبّاب[ كان ] من فقراء المسلمين وخيارهم ، و كان في الجاهلية قينا يعمل السيوف ، و هوقديم إسلام .قيل إنّه كان سادس ستّة. وشهد بدرا و مابعدها من المشاهد، و هومعدود في المعذّبين في اللّه سأله عمر في أيّام خلافته مالقيت من أهل مكّة فقال انظر إلي ظهري.فنظر فقال مارأيت كاليوم ظهر رجل شهد مع عليّ عليه السلام صفّين ونهروان ، وصلّي عليه السلام عليه
صفحه : 286
و كان سنّه يوم مات ثلاثا وسبعين سنة، ودفن بظهر الكوفة و هوأوّل من دفن بظهر الكوفة.
نَهجٌ [ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الّذِينَ اعتَزَلُوا القِتَالَ مَعَهُ خَذَلُوا الحَقّ وَ لَم يَنصُرُوا البَاطِلَ.
بيان قال ابن أبي الحديد هم عبد اللّه بن عمر، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وأسامة بن زيد و محمد بن مسلمة، وأنس بن مالك ، وجماعة غيرهم .[ ثم قال ] و قدذكر شيخنا أبو الحسين في [ كتاب ]الغرر أنّ أمير المؤمنين لمّا دعاهم إلي القتال معه واعتذروا أنّه قال لهم أتنكرون هذه البيعة قالوا لا ولكنّا لانقاتل . فقال عليه السلام إذابايعتم فقد قاتلتم .
1068- نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا كُلّ مَفتُونٍ يُعَاتَبُ.
بيان قال ابن أبي الحديد قالها لسعد بن أبي وقّاص و عبد اللّه بن عمر، لمّا امتنعا من الخروج معه لحرب أصحاب الجمل .
صفحه : 287
أقول هذا غيرثابت ، ثمّ إنّ الكلام يحتمل وجهين الأوّل أنّه ليس كلّ مفتون مستحقا للعتاب ،إذ يمكن أن يكون سبب فتنته ما لم يكن باختياره . والثاني أن يكون المراد[ أن ]بعض المفتونين لايعاتبون لعدم نفع الخطاب فيهم . و[أيضا] قال [ ابن أبي الحديد] في موضع آخر من الشرح روي أبويوسف قال قال أبوحنيفة الصحابة كلّهم عدول ، ماعدا رجالا، ثمّ عدّ منهم أباهريرة وأنس بن مالك .
قَالَ وَ روُيَِ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ قَالَ أَكذَبُ النّاسِ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَبُو هُرَيرَةَ الدوّسيِّ.
قَالَ وَ روُيَِ أَنّهُ يَومَ وَصَلَ إِلَي مَروَانَ رَأسُ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ بِالمَدِينَةِ، وَ هُوَ يَومَئِذٍ أَمِيرُهَا،صَعِدَ المِنبَرَ وَ خَطَبَ ثُمّ رَمَي بِالرّأسِ نَحوَ قَبرِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ يَا مُحَمّدُ يَومٌ بِيَومِ بَدرٍ
قَالَ وَ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِن شُيُوخِنَا البَغدَادِيّينَ، أَنّ عِدّةً مِنَ الصّحَابَةِ وَ التّابِعِينَ كَانُوا مُنحَرِفِينَ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،كَاتِمِينَ لِمَنَاقِبِهِ حُبّاً لِلدّنيَا،مِنهُم أَنَسُ بنُ مَالِكٍ،نَاشَدَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الرّحبَةِ،أَيّكُم سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ« مَن كُنتُ مَولَاهُ فعَلَيِّ مَولَاهُ».فَقَامَ اثنَا عَشَرَ رَجُلًا فَشَهِدُوا بِهَا. وَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ لَم يَقُم، فَقَالَ لَهُ[ عَلِيّ] يَا أَنَسُ مَا يَمنَعُكَ أَن تَشهَدَ فَلَقَد حَضَرتَهَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ كَبِرَت سنِيّ وَ نَسِيتُ فَدَعَا عَلَيهِ بِبَرَصٍ لَا تُغَطّيهِ العِمَامَةُ فاَبتلُيَِ[أَنَسٌ] بِهِ.
صفحه : 288
[ قَالَ] وَ كَانَ مِمّن أَنكَرَ ذَلِكَ اليَومَ زَيدُ بنُ أَرقَمَ،فَدَعَا عَلَيهِ بِالعَمَي فَكُفّ بَصَرُهُ قَالُوا وَ كَانَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ وَ جَرِيرُ بنُ عَبدِ اللّهِ البجَلَيِّ يُبغِضَانِهِ، وَ هَدَمَ عَلِيّ دَارَ جَرِيرٍ.
وَ رَوَي أَبُو بَكرٍ الهذُلَيِّ عَنِ الزهّريِّ عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ عدَيِّ[الأَكبَرِ] قَالَ قَامَ الأَشعَثُ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ إِنّ النّاسَ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ[صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ]عَهِدَ إِلَيكَ عَهداً لَم يَعهَدهُ إِلَي غَيرِكَ. فَقَالَ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ]إِنّهُ عَهِدَ إلِيَّ مَا فِي قِرَابِ سيَفيِ، لَم يَعهَد إِلَي غيَريِ ذَلِكَ فَقَالَ الأَشعَثُ هَذِهِ إِن قُلتَهَا فهَيَِ عَلَيكَ لَا لَكَ،دَعهَا تَرحَل عَنكَ. فَقَالَ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] وَ مَا عِلمُكَ بِمَا عَلَيّ مِمّا لِي مُنَافِقَ بنَ كَافِرٍ،حَائِكَ بنَ حَائِكٍ،إنِيّ لَأَجِدُ مِنكَ بَنّةَ الغَزلِ.
وَ رَوَي يَحيَي البرَمكَيِّ عَنِ الأَعمَشِ أَنّ جَرِيراً وَ الأَشعَثَ خَرَجَا إِلَي الجَبّانِ بِالكُوفَةِ،فَمَرّ بِهِمَا ضَبّ يَعدُو وَ هُمَا فِي ذَمّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَنَادَيَاهُ يَا أَبَا حِسلٍ هَلُمّ يَدَكَ نُبَايِعكَ بِالخِلَافَةِ.فَبَلَغَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ قَولَهُمَا فَقَالَ إِنّهُمَا يُحشَرَانِ يَومَ القِيَامَةِ وَ إمامها[إِمَامُهُمَا]ضَبّ.
صفحه : 289
وَ كَانَ أَبُو مَسعُودٍ الأنَصاَريِّ مُنحَرِفاً عَنهُ.
وَ كَانَ كَعبُ الأَحبَارِ مُنحَرِفاً عَنهُ، وَ كَانَ[ عَلِيّ] عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ إِنّهُ الكَذّابُ.
و كان النّعمان بن بشير الأنصاري من المنحرفين عنه و كان من أمراء يزيد.
وَ قَد روُيَِ أَنّ عِمرَانَ بنَ الحَصِينِ كَانَ مِنَ المُنحَرِفِينَ[ عَنهُ] وَ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ سَيّرَهُ إِلَي المَدَائِنِ. وَ مِنَ النّاسِ مَن يَجعَلُ عِمرَانَ فِي الشّيعَةِ.
و كان سمرة بن جندب من شرطة زياد[ ابن سميّة أيّام كان زياد عاملا لمعاوية].
وَ رَوَي وَاصِلٌ مَولَي ابنِ عُيَينَةَ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَن آبَائِهِ[عَلَيهِمُ السّلَامُ] قَالَ كَانَ لِسَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ نَخلٌ فِي بُستَانِ رَجُلٍ مِنَ الأَنصَارِ فَيُؤذِيهِ،فَشَكَا الأنَصاَريِّ ذَلِكَ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَبَعَثَ إِلَي سُمرَةَ وَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ بِع نَخلَكَ هَذَا وَ خُذ ثَمَنَهُ. قَالَ لَا أَفعَلُ قَالَ فَخُذ نَخلًا مَكَانَ نَخلِكَ. قَالَ لَا أَفعَلُهُ. قَالَ فَاشتَرِ مِنهُ بُستَانَهُ. قَالَ لَا أَفعَلُ قَالَ فَاترُك لِي هَذَا النّخلَ وَ لَكَ الجَنّةُ. قَالَ لَا أَفعَلُ[فَ] قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ للِأنَصاَريِّ اذهَب فَاقطَع نَخلَهُ،فَإِنّهُ لَا حَقّ لَهُ فِيهِ.
قال و كان سمرة أيّام مسير الحسين [ عليه السلام ] إلي الكوفة علي شرطة ابن زياد، و كان يحرّض الناس علي الخروج إلي الحسين وقتاله . و من المبغضين له عبد اللّه بن الزبير،
وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ مَا زَالَ الزّبَيرُ مِنّا أَهلَ البَيتِ، حَتّي نَشَأَ ابنُهُ عَبدُ اللّهِ فَأَفسَدَهُ.
و كان يبغض بني هاشم ، ويلعن ويسبّ عليا
صفحه : 290
وَ رَوَي[ اِبرَاهِيمُ]صَاحِبُ كِتَابِ الغَارَاتِ عَن أَبِي صَادِقٍ عَن جُندَبِ بنِ عَبدِ اللّهِ قَالَ ذُكِرَ المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ عِندَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ جَدّهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ وَ مَا المُغِيرَةُ إِنّمَا كَانَ إِسلَامُهُ لِفَجرَةٍ وَ غَدرَةٍ غَدَرَهَا بِنَفَرٍ مِن قَومِهِ،فَهَرَبَ فَأَتَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَالعَائِذِ بِالإِسلَامِ، وَ اللّهِ مَا رَأَي عَلَيهِ أَحَدٌ مُنذُ ادّعَي الإِسلَامَ خُضُوعاً وَ لَا خُشُوعاً أَلَا وَ إِنّهُ كَائِنَةٌ مِن ثَقِيفٍ فَرَاعِنَةٌ قَبلَ يَومِ القِيَامَةِ،يُجَانِبُونَ الحَقّ، وَ يُوقِدُونَ نِيرَانَ الحَربِ، وَ يُوَازِرُونَ الظّالِمِينَ.أَلَا إِنّ ثَقِيفاً قَومٌ غُدَرٌ لَا يُوفُونَ بِالعَهدِ،يُبغِضُونَ العَرَبَ،كَأَنّهُم لَيسُوا مِنهُم، وَ إِنّ الصّالِحَ فِي ثَقِيفٍ لَغَرِيبٌ.
وَ قَالَ شَيخُنَا أَبُو القَاسِمِ البلَخيِّ مِنَ المَعلُومِ أَنّ الوَلِيدَ بنَ عُقبَةَ كَانَ يُبغِضُ عَلِيّاً وَ يَشتِمُهُ، وَ أَنّهُ ألّذِي لَاحَاهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ نَابَذَهُ وَ قَالَ لَهُ أَنَا أَثبَتُ مِنكَ جَنَاناً وَ أَحَدّ سِنَاناً فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ اسكُت يَا فَاسِقُ فَأَنزَلَ اللّهُ تَعَالَي فِيهِمَاأَ فَمَن كانَ مُؤمِناً كَمَن كانَ فاسِقاً لا يَستَوُونَفَكَانَ لَا يُعرَفُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ إِلّا بِالوَلِيدِ الفَاسِقِ، وَ سَمّاهُ اللّهُ فِي آيَةٍ أُخرَي فَاسِقاً وَ هُوَ قَولُهُ تَعَالَيإِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا وَ كَانَ يُبغِضُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَبُوهُ عُقبَةُ بنُ أَبِي مُعَيطٍ، هُوَ العَدُوّ الأَزرَقُ بِمَكّةَ، وَ كَانَ يؤُذيِ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.
وَ رَوَي اِبرَاهِيمُ أَنّ مِمّن فَارَقَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ،يَزِيدَ بنَ حُجَيّةَ التيّميِّ، وَ كَانَ عَلَيهِ السّلَامُ استَعمَلَهُ عَلَي الريّّ فَكَسَرَ الخَرَاجَ، وَ احتَجَبَهُ لِنَفسِهِ،فَحَبَسَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ جَعَلَ مَعَهُ سَعداً مَولَاهُ،فَقَرّبَ يَزِيدُ رَكَائِبَهُ وَ سَعدٌ نَائِمٌ، وَ التَحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، وَ كَتَبَ إِلَي العِرَاقِ شِعراً يَذُمّ فِيهِ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ، وَ يُخبِرُهُ أَنّهُ مِن أَعدَائِهِ،فَدَعَا[ عَلَيهِ السّلَامُ] عَلَيهِ[ وَ] قَالَ لِأَصحَابِهِ عَقِبَ
صفحه : 291
الصّلَاةِ ارفَعُوا أَيدِيَكُم فَادعُوا عَلَيهِ.[فَدَعَا عَلَيهِ] وَ أَمّنَ أَصحَابُهُ.
قَالَ أَبُو الصّلتِ التمّيِميِّ [ وَ] كَانَ دُعَاؤُهُ عَلَيهِ أللّهُمّ إِنّ يَزِيدَ بنَ حُجَيّةَ هَرَبَ بِمَالِ المُسلِمِينَ، وَ لَحِقَ بِالقَومِ الفَاسِقِينَ،فَاكفِنَا مَكرَهُ وَ كَيدَهُ وَ اجزِهِ جَزَاءَ الظّالِمِينَ.[ قَالَ] وَ رَفَعَ القَومُ أَيدِيَهُم يُؤَمّنُونَ عَلَيهِ[ وَ كَانَ فِي المَسجِدِ عِفَاقُ بنُ شُرَحبِيلَ بنِ أَبِي رُهمٍ التمّيِميِّ شَيخاً كَبِيراً وَ كَانَ يُعَدّ مِمّن شَهِدَ عَلَي حُجرِ بنِ عدَيِّ حَتّي قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ عِفَاقٌ عَلَي مَن يَدعُو القَومُ قَالُوا عَلَي يَزِيدَ بنِ حُجَيّةَ. فَقَالَ تَرِبَت أَيدِيكُم أَ عَلَي أَشرَافِنَا تَدعُونَ فَقَامُوا إِلَيهِ فَضَرَبُوهُ حَتّي كَادَ[ أَن]يَهلِكَ، وَ قَامَ زِيَادُ بنُ خَصَفَةَ وَ كَانَ مِن شِيعَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ دَعُوا لِي ابنَ عمَيّ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ دَعُوا لِلرّجُلِ ابنَ عَمّهِ.فَتَرَكَهُ النّاسُ،فَأَخَذَ زِيَادٌ بِيَدِهِ فَأَخرَجَهُ مِنَ المَسجِدِ وَ جَعَلَ يمَشيِ مَعَهُ[ وَ]يَمسَحُ التّرَابَ عَن وَجهِهِ وَ عِفَاقٌ يَقُولُ وَ اللّهِ لَا أُحِبّكُم مَا سَعَيتُ وَ مَشَيتُ، وَ اللّهِ لَا أُحِبّكُم مَا اختَلَفَتِ الذّرّةُ وَ الحَرّةُ[الدّرّةُ وَ الجِرّةُ]. وَ زِيَادٌ يَقُولُ[ لَهُ] ذَلِكَ أَضَرّ لَكَ ذَلِكَ شَرّ لَكَ].
وممّن فارقه عبد اللّه بن عبدالرحمن بن مسعود الثقفي. ومنهم النجاشي الشّاعر.
[ وَ سَبَبُ مُفَارَقَةِ النجّاَشيِّ أَنّهُ]شَرِبَ الخَمرَ بِالكُوفَةِ فِي أَوّلِ يَومٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ،فأَتُيَِ بِهِ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ،فَأَقَامَهُ فِي سَرَاوِيلَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ ثُمّ زَادَهُ عِشرِينَ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَمّا الحَدّ فَقَد عَرَفتُهُ فَمَا هَذِهِ العِلَاوَةُ. قَالَ لِجُرأَتِكَ عَلَي اللّهِ وَ إِفطَارِكَ فِي شَهرِ رَمَضَانَ،فَغَضِبَ وَ لَحِقَ بِمُعَاوِيَةَ وَ هَجَا عَلِيّاً.
صفحه : 292
وَ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الغَارَاتِ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا حَدّ النجّاَشيِّ غَضِبَ اليَمَانِيّةُ،فَدَخَلَ طَارِقُ بنُ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا كُنّا نَرَي أَنّ أَهلَ المَعصِيَةِ وَ الطّاعَةِ، وَ أَهلَ الفُرقَةِ وَ الجَمَاعَةِ عِندَ وُلَاةِ العَدلِ وَ مَعَادِنِ الفَضلِ سِيّانِ فِي الجَزَاءِ، حَتّي رَأَينَا مَا كَانَ مِن صَنِيعِكَ بأِخَيِ الحَارِثِ،فَأَوغَرَت صُدُورُنَا، وَ شَتّت أُمُورُنَا، وَ حَمّلتَنَا عَلَي الجَادّةِ التّيِ كُنّا نَرَي أَنّ سَبِيلَ مَن رَكِبَهَا النّارُ. فَقَالَ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ]وَ إِنّها لَكَبِيرَةٌ إِلّا عَلَي الخاشِعِينَ يَا أَخَا نَهدٍ وَ هَل هُوَ إِلّا رَجُلٌ مِنَ المُسلِمِينَ انتَهَكَ حُرمَةً مِن حُرُمِ اللّهِ فَأَقَمنَا عَلَيهِ حَدّاً كَانَ كَفّارَتَهُ إِنّ اللّهَ تَعَالَي يَقُولُوَ لا يَجرِمَنّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلي أَلّا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتّقوي فَلَمّا جَنّهُ اللّيلُ هَمَسَ هُوَ وَ النجّاَشيِّ إِلَي مُعَاوِيَةَ.
قَالَ[ اِبرَاهِيمُ] وَ مِنَ المُفَارِقِينَ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ أَخُوهُ عَقِيلٌ.قَدِمَ[عَقِيلٌ] عَلَي[أَخِيهِ] أَمِيرِ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]بِالكُوفَةِ يَستَرفِدُهُ،فَعَرَضَ عَلَيهِ عَطَاءَهُ فَقَالَ[عَقِيلٌ]إِنّمَا أُرِيدُ مِن بَيتِ المَالِ. فَلَمّا صَلّي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ الجُمُعَةَ قَالَ لَهُ[ يَا عَقِيلُ] مَا تَقُولُ فِي مَن خَانَ هَؤُلَاءِ أَجمَعِينَ قَالَ بِئسَ الرّجُلُ قَالَ فَإِنّكَ أمَرَتنَيِ أَن أَخُونَهُم وَ أُعطِيَكَ.
فلما خرج [عقيل ] من عنده شخص إلي معاوية،فأمر له [معاوية] يوم قدومه بمائة ألف درهم ، و قال له يا أبايزيد أناخير لك أم علي قال [عقيل ]وجدت عليّا أنظر لنفسه منك ، ووجدتك أنظر لي منك لنفسك . و قال معاوية لعقيل إنّ فيكم يابني هاشم للينا. قال أجل إنّ فينا للينا من غيرضعف ، وعزّا من غيرعنف ، و إنّ لينكم يامعاوية غدر، وسلمكم كفر. فقال معاوية و لا كلّ هذا يا أبايزيد.[ف] قال عقيل
لذي الحلم قبل اليوم مايقرع | و ماعلّم الإنسان إلّا ليعلما |
صفحه : 293
إنّ السفاهة طيش من خلائقكم | لاقدّس اللّه أخلاق الملاعينا |
فأراد معاوية أن يقطع كلامه فقال مامعني (طه ) قال نحن أهله وعلينا نزل ، لا علي أبيك و لا علي أهل بيتك .(طه )بالعبرانية يا رجل . و قال له الوليد غلبك أخوك علي الثروة قال نعم ، وسبقني وإيّاك إلي الجنّة. و قال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص و قدأقبل عقيل لأضحكنّك من عقيل . فلمّا سلّم[عقيل ] قال معاوية مرحبا برجل عمّه أبولهب . قال عقيل وأهلا بمن عمّتهحَمّالَةَ الحَطَبِ فِي جِيدِها حَبلٌ مِن مَسَدٍ.لأنّ امرأة أبي لهب أمّ جميل بنت حرب .[ف] قال معاوية يا أبايزيد ماظنّك بعمّك أبي لهب قال [عقيل ] إذادخلت النار فخذ علي يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب ، أفناكح في النار خير أم منكوح قال كلاهما شرّ سواء و اللّه. وممّن فارقه حنظلة الكاتب ، ووائل بن حجر الحضرمي. وروي أنّ ثلاثة من أهل البصرة كانوا يتواصلون علي بغض عليّ عليه السلام ،[ وهم ]مطرف بن عبد اللّه، والعلاء بن زياد و عبد اللّه بن شقيق .
وَ رَوَي صَاحِبُ كِتَابِ الغَارَاتِ بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي فَاخِتَةَ قَالَ كُنتُ عِندَ عَلِيّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيهِ زيِّ السّفَرِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ أَتَيتُكَ مِن بَلَدٍ مَا رَأَيتُ لَكَ بِهَا مُحِبّاً. قَالَ مِن أَينَ أَتَيتَ قَالَ مِنَ البَصرَةِ. قَالَ أَمَا إِنّهُم لَوِ استَطَاعُوا أَن يحُبِوّنيِ لأَحَبَوّنيِ، وَ إنِيّ وَ شيِعتَيِ فِي مِيثَاقِ اللّهِ لَا يُزَادُ فِينَا رَجُلٌ وَ لَا يَنقُصُ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.
وروي أبوغسّان البصري قال بني عبيد اللّه بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم علي بغض علي بن أبي طالب عليه السلام والوقيعة فيه ،مسجد بني عدي، ومسجد بني مجاشع ، ومسجد كان في العلّافين علي وجه البصرة، ومسجد في الأزد.
صفحه : 294
وممّن قال فيه أنّه يبغض عليا ويذمّه الحسن بن أبي الحسن البصري[ أبوسعيد]روي [ عنه ]حمّاد بن سلمة أنّه قال لو كان عليّ يأكل الحشف بالمدينة،لكان خيرا له مما دخل فيه . وروي أنّه كان من المخذلين عن نصرته .
وَ رَوَوا عَنهُ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ رَآهُ وَ هُوَ يَتَوَضّأُ لِلصّلَاةِ، وَ كَانَ ذَا وَسوَسَةٍ،فَصَبّ عَلَي أَعضَائِهِ مَاءً كَثِيراً، فَقَالَ لَهُ أَرَقتَ مَاءً كَثِيراً يَا حَسَنُ. فَقَالَ لَهُ مَا أَرَاقَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ مِن دِمَاءِ المُسلِمِينَ أَكثَرُ. قَالَ أَ وَ سَاءَكَ ذَلِكَ قَالَ نَعَم. قَالَ فَلَا زِلتَ مَسُوءاً قَالَ فَمَا زَالَ عَابِساً قَاطِباً مَهمُوماً إِلَي أَن مَاتَ.
[ ثمّ قال ابن أبي الحديد]فأمّا أصحابنا فإنّهم يدفعون ذلك عنه ويقولون إنّه كان من محبّيه عليه السلام والمعظّمين له . وروي له أبان بن عيّاش قال سألت الحسن البصري عن عليّ عليه السلام ، فقال ماأقول فيه ،كانت له السابقة والفضل والعلم والحكمة والفقه والرأي والصحبة والبلاء والنجدة والزهد والقضاء والقرابة، إنّ عليا كان في أمره عليا فرحم اللّه عليا وصلّي عليه .فقلت يا[ أ]با سعيد أتقول صلّي اللّه عليه لغير النبي (ص ) فقال ترحّم علي المسلمين إذاذكروا، وصلّ علي النبي وآله ، و علي خير آله .فقلت أ هوخير من حمزة و جعفر قال نعم . قلت [ هو]خير من فاطمة وابنيها قال نعم و اللّه،إنّه خير من آل محمدكلّهم، و من يشكّ أنّه خير منهم
وَ قَد قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ « وَ أَبُوهُمَا خَيرٌ مِنهُمَا»
و لم يجر عليه اسم شرك و لاشرب خمرا
وَ قَد قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِفَاطِمَةَ«زَوّجتُكِ خَيرَ أمُتّيِ».
فلو كان في أمّته خير منه لاستثناه . ولقد آخي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله بين أصحابه وآخي بين علي ونفسه ،فرسول اللّه خير الناس نفسا وخيرهم أخا.فقلت يا[ أ]با سعيد فما هذا ألذي يقال عنك أنّك قلته في علي فقال
صفحه : 295
يا ابن أخي أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة، و لو لا ذلك لسال بي الخشب . و قال شيخنا أبو جعفرالإسكافي ووجدته أيضا في كتاب الغارات و قد كان بالكوفة من فقهائها من يعادي عليا ويبغضه مع غلبة التشيّع علي الكوفة.فمنهم مرّة الهمداني.فروي أنّه قيل لمرّة كيف تخلفت عن علي [ف] قال سبقنا بحسناته وأثقلنا بسيّئاته. ومنهم الأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع . وروي أنّ مسروقا رجع عن ذلك . ومنهم شريح [القاضي و قدروي أنّه طرد من الكوفة] وبعثه عليه السلام إلي «بانقيا»شهرين يقضي بين اليهود. ومنهم أبووائل شقيق بن سلمة كان عثمانيا يقع في عليّ عليه السلام . ويقال إنّه كان يري رأي الخوارج . و من المبغضين [لعليّ عليه السلام ] أبوبردة بن أبي موسي الأشعري[فإنّه ورث البغض عن كلالة]. و من المنحرفين عنه عليه السلام أبو عبدالرحمن السلّمي. ومنهم قيس بن أبي حازم ، وسعيد بن المسيّب، والزهري، وعروة بن الزبير
صفحه : 296
و كان زيد بن ثابت عثمانيا يحرّض الناس علي سبّه عليه السلام . و كان المكحول من المبغضين له عليه السلام ، وكذا حمّاد بن زيد.أقول قدبسط[الثقفي]الكلام في كتاب الغارات في عدّ هؤلاء الأشقياء وبيان أحوالهم ، وروي عن عطاء بن السائب قال قال رجل لأبي عبدالرحمن السلّمي أنشدك باللّه[ إلّا أن ]تخبرني[بما أسألك عنه ،فسكت ] فلمّا أكدّ عليه [ قال نعم ] قال باللّه[عليك ]هل أبغضت عليا إلّا يوم قسم المال في أهل الكوفة فلم يصلك و لا أهل بيتك منه بشيء قال أمّا إذ أنشدتني باللّه فكان ذلك .
وَ قَالَ بَعَثَ أُسَامَةُ بنُ زَيدٍ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنِ ابعَث إلِيَّ بعِطَاَئيِ فَوَ اللّهِ[إِنّكَ]لَتَعلَمُ أَنّكَ لَو كُنتَ فِي فَمِ أَسَدٍ لَدَخَلتُ مَعَكَ.فَكَتَبَ إِلَيهِ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] إِنّ هَذَا المَالَ لِمَن جَاهَدَ عَلَيهِ، وَ لَكِنّ هَذَا ماَليِ بِالمَدِينَةِ فَأَصِب مِنهُ مَا شِئتَ.
ثمّ ذكر رواية تدلّ علي أنّ عروة بن الزبير والزهري كانا ينالان من علي عليه السلام فنهاهما عنه علي بن الحسين . و عن أبي داود الهمداني قال شهدت سعيد بن المسيّب وأقبل عمر بن عليّ بن أبي طالب فقال له سعيد يا ابن أخي ماأراك تكثر غشيان مسجد
صفحه : 297
رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله كمايفعل إخوتك وبنو عمّك فقال عمر يا ابن المسيّب أكلّما دخلت المسجد فأجيء فأشهدك . فقال سعيد ماأحبّ أن تغضب ،سمعت والدك عليا يقول و اللّه إنّ لي من اللّه مقاما هوخير لبني عبدالمطّلب ممّا علي الأرض من شيء. قال عمر سمعت والدي يقول ماكلمة حكمة في قلب منافق يخرج من الدنيا حتّي يتكلّم بها.[ فقال سعيد يا ابن أخي جعلتني منافقا] فقال [عمر] ذلك ماأقول لك . قال ثم انصرف . ثم قال ابن أبي الحديد و قال شيخنا أبو جعفرالإسكافي كان أهل البصرة كلّهم يبغضونه قاطبة، وكانت قريش كلّها علي خلافه ، و كان جمهور الخلق مع بني أميّة.
وَ رَوَي عَبدُ المَلِكِ بنِ عُمَيرٍ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ أَبِي بَكرَةَ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ وَ هُوَ يَقُولُ مَا لقَيَِ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ مَا لَقِيتُ ثُمّ بَكَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.
وَ رَوَي أَبُو عَمرٍو النهّديِّ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ مَا بِمَكّةَ وَ المَدِينَةِ عِشرُونَ رَجُلًا يُحِبّنَا.
قَالَ وَ رَوَي ابنُ هِلَالٍ الثقّفَيِّ فِي كِتَابِ الغَارَاتِ عَن زَكَرِيّا بنِ يَحيَي العَطّارِ عَن فُضَيلٍ عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ قَالَ لَمّا قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ«سلَوُنيِ قَبلَ أَن تفَقدِوُنيِ فَوَ اللّهِ لَا تسَألَوُنيّ عَن فِئَةٍ تُضِلّ مِائَةً وَ تهَديِ مِائَةً، إِلّا أَنبَأتُكُم بِنَاعِقِهَا وَ سَائِقِهَا».فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ فَقَالَ أخَبرِنيِ كَم فِي رأَسيِ وَ لحِيتَيِ مِن طَاقَةِ شَعرٍ
صفحه : 298
فَقَالَ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] وَ اللّهِ لَقَد حدَثّنَيِ خلَيِليِ، أَنّ عَلَي كُلّ طَاقَةِ شَعرٍ مِن رَأسِكَ مَلَكاً يَلعَنُكَ، وَ أَنّ عَلَي كُلّ طَاقَةِ شَعرٍ مِن لِحيَتِكَ شَيطَاناً يُغوِيكَ، وَ أَنّ فِي بَيتِكَ سَخلًا يَقتُلُ ابنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ ابنُهُ قَاتِلَ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَئِذٍ طِفلًا يَحبُو وَ هُوَ سِنَانُ بنُ أَنَسٍ النخّعَيِّ
وَ رَوَي الحَسَنُ بنُ مَحبُوبٍ عَن ثَابِتٍ الثمّاَليِّ عَن أَبِي إِسحَاقَ السبّيِعيِّ عَن سُوَيدِ بنِ غَفَلَةَ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ خَطَبَ ذَاتَ يَومٍ،فَقَامَ رَجُلٌ مِن تَحتِ مِنبَرِهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ مَرَرتُ بوِاَديِ القُرَي،فَوَجَدتُ خَالِدَ بنَ عَرفَطَةَ قَد مَاتَ فَأَستَغفِرُ لَهُ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ اللّهِ مَا مَاتَ وَ لَا يَمُوتُ حَتّي يَقُودَ جَيشَ ضَلَالَةٍ،صَاحِبُ لِوَائِهِ حَبِيبُ بنُ حَمّادٍ[جَمّارٍ«خ »].فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ مِن تَحتِ المِنبَرِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَنَا حَبِيبُ بنُ حَمّادٍ، وَ إنِيّ لَكَ شِيعَةٌ وَ مُحِبّ. فَقَالَ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] أَنتَ حَبِيبُ بنُ حَمّادٍ قَالَ نَعَم. قَالَ لَهُ ثَانِيَةً اللّهَ إِنّكَ لَحَبِيبُ بنُ حَمّادٍ[جَمّارٍ«خ »]. فَقَالَ إيِ وَ اللّهِ. قَالَ أَمَا وَ اللّهِ إِنّكَ لَحَامِلُهَا وَ لَتَحمِلَنّهَا، وَ لَتَدخُلَنّ بِهَا مِن هَذَا البَابِ. وَ أَشَارَ إِلَي بَابِ الفِيلِ بِمَسجِدِ الكُوفَةِ.
قال ثابت فو اللّه مامت حتّي رأيت ابن زياد و قدبعث عمر بن سعد إلي [حرب ] الحسين عليه السلام ، وجعل خالد بن عرفطة[ من رجال صحاح أهل السنّة] علي مقدّمته، وحبيب بن حمّاد صاحب رايته ،فدخل بها من باب الفيل
صفحه : 299
وَ رَوَي مُحَمّدُ بنُ جَبَلَةَ الخَيّاطُ عَن عِكرِمَةَ عَن يَزِيدَ الأحَمسَيِّ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ جَالِساً فِي مَسجِدِ الكُوفَةِ وَ بَينَ يَدَيهِ قَومٌ،مِنهُم عَمرُو بنُ حُرَيثٍ،إِذ أَقبَلَتِ امرَأَةٌ مُختَمِرَةٌ لَا تُعرَفُ،فَوَقَفَت فَقَالَت لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا مَن قَتَلَ الرّجَالَ وَ سَفَكَ الدّمَاءَ وَ أَيتَمَ الصّبيَانَ وَ أَرمَلَ النّسَاءَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ إِنّهَا لهَيَِ هَذِهِ السّلَقلَقَةُ الجَلِعَةُ المَجِعَةُ، وَ إِنّهَا لهَيَِ هَذِهِ شَبِيهَةُ الرّجَالِ وَ النّسَاءِ التّيِ مَا رَأَت دَماً قَطّ.فَوَلّتِ[المَرأَةُ]هَارِبَةً مُنَكّسَةً رَأسَهَا،فَاتّبَعَهَا عَمرُو بنُ حُرَيثٍ، فَلَمّا صَارَت بِالرّحبَةِ قَالَ لَهَا وَ اللّهِ لَقَد سُرِرتُ بِمَا كَانَ مِنكِ اليَومَ إِلَي هَذَا الرّجُلِ،فاَدخلُيِ منَزلِيِ حَتّي أَهَبَ لَكِ وَ أَكسُوَكِ. فَلَمّا دَخَلَت مَنزِلَهُ أَمَرَ جَوَارِيَهُ بِتَفتِيشِهَا وَ نَزعِ ثِيَابِهَا لِيَنظُرَ صِدقَهُ فِيمَا قَالَهُ عَنهَا،فَبَكَت وَ سَأَلَتهُ أَن لَا يَكشِفَهَا وَ قَالَت أَنَا وَ اللّهِ كَمَا قَالَ، لِي رَكَبُ الرّجَالِ، وَ أُنثَيَانِ كأَنُثيَيَِ الرّجَالِ، وَ مَا رَأَيتُ دَماً قَطّ.فَتَرَكَهَا وَ أَخرَجَهَا. ثُمّ جَاءَ[عَمرٌو] إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرَهُ فَقَالَ إِنّ خلَيِليِ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،أخَبرَنَيِ بِالمُتَمَرّدِينَ عَلَيّ مِنَ الرّجَالِ، وَ المُتَمَرّدَاتِ مِنَ النّسَاءِ إِلَي أَن تَقُومَ السّاعَةُ.
قال ابن أبي الحديد السّلقلق السّليطة، و هوالذّئب. والسلقة الذئبة. والجلعة المجعة البذية اللّسان. والركب منبت العانة.
وَ رَوَي عُثمَانُ بنُ سَعِيدٍ عَن يَحيَي التيّميِّ عَنِ الأَعمَشِ عَن إِسمَاعِيلَ ابنِ رَجَاءٍ قَالَقَامَ أَعشَي بَاهِلَةُ وَ هُوَ غُلَامٌ يَومَئِذٍ حَدَثٌ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،
صفحه : 300
وَ هُوَ يَخطُبُ وَ يَذكُرُ المَلَاحِمَ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا أَشبَهَ هَذَا الحَدِيثَ بِحَدِيثِ خُرَافَةَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِن كُنتَ آثِماً فِيمَا قُلتَ يَا غُلَامُ فَرَمَاكَ اللّهُ بِغُلَامِ ثَقِيفٍ. ثُمّ سَكَتَ.فَقَالُوا وَ مَن غُلَامُ ثَقِيفٍ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ غُلَامٌ يَملِكُ بَلدَتَكُم هَذِهِ، لَا يَترُكُ لِلّهِ حُرمَةً إِلّا انتَهَكَهَا،يَضرِبُ عُنُقَ هَذَا الغُلَامِ بِسَيفِهِ.فَقَالُوا كَم يَملِكُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ عِشرِينَ إِن بَلَغَهَا قَالُوا فَيُقتَلُ قَتلًا أَم يَمُوتُ مَوتاً قَالَ بَل يَمُوتُ حَتفَ أَنفِهِ بِدَاءِ البَطنِ،يُثقَبُ سَرِيرُهُ لِكَثرَةِ مَا يَخرُجُ مِن جَوفِهِ. قَالَ إِسمَاعِيلُ بنُ رَجَاءٍ فَوَ اللّهِ لَقَد رَأَيتُ بعِيَنيِ أَعشَي بَاهِلَةَ وَ قَد أُحضِرَ فِي جُملَةِ الأَسرَي الّذِينَ أُسِرُوا مِن جَيشِ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ مُحَمّدِ بنِ الأَشعَثِ بَينَ يدَيَِ الحَجّاجِ،فَقَرَعَهُ وَ وَبّخَهُ وَ استَنشَدَ شِعرَهُ ألّذِي يُحَرّضُ فِيهِ عَبدَ الرّحمَنِ عَلَي الحَربِ، ثُمّ ضَرَبَ عُنُقَهُ فِي هَذَا المَجلِسِ.
وَ رَوَي مُحَمّدُ بنُ عَلِيّ الصّوّافُ عَنِ الحُسَينِ بنِ سُفيَانَ عَن أَبِيهِ عَن شُهَيرٍ[شِمّيرِ«خ »] بنِ سَدِيرٍ الأزَديِّ قَالَ قَالَ عَلِيّ لِعَمرِو بنِ الحَمِقِ الخزُاَعيِّ أَينَ نَزَلتَ يَا عَمرُو قَالَ فِي قوَميِ. قَالَ لَا تَنزِلَنّ فِيهِم[ قَالَ] أَ فَأَنزِلُ فِي بنَيِ كِنَانَةَ جِيرَانِنَا قَالَ لَا. قَالَ أَ فَأَنزِلُ فِي ثَقِيفٍ قَالَ فَمَا تَصنَعُ بِالمَعَرّةِ وَ المَجَرّةِ قَالَ وَ مَا هُمَا قَالَ عُنُقَانِ مِن نَارٍ يَخرُجَانِ مِن ظَهرِ الكُوفَةِ،أَحَدُهُمَا عَلَي تَمِيمٍ وَ بَكرِ بنِ وَائِلٍ،فَقَلّمَا يُفلِتُ مِنهُ أَحَدٌ، وَ يأَتيِ العُنُقَ الآخَرَ فَيَأخُذُ عَلَي الجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الكُوفَةِ،فَقَلّ مَن يُصِيبُ مِنهُم.إِنّمَا هُوَ يَدخُلُ الدّارَ فَيُحرِقُ البَيتَ وَ البَيتَينِ. قَالَ فَأَينَ أَنزِلُ قَالَ فِي بنَيِ عَمرِو بنِ عَامِرٍ مِنَ الأَزدِ. قَالَ فَقَالَ قَومٌ حَضَرُوا هَذَا الكَلَامَ مَا نَرَاهُ إِلّا كَاهِناً يَتَحَدّثُ بِحَدِيثِ الكَهَنَةِ. فَقَالَ يَا عَمرُو إِنّكَ لَمَقتُولٌ بعَديِ، وَ إِنّ رَأسَكَ لَمَنقُولٌ، وَ هُوَ أَوّلُ رَأسٍ
صفحه : 301
يُنقَلُ فِي الإِسلَامِ، وَ الوَيلُ لِقَاتِلِكَ، أَمَا إِنّكَ لَا تَنزِلُ بِقَومٍ إِلّا أَسلَمُوكَ بِرُمّتِكَ، إِلّا هَذَا الحيَّ مِن بنَيِ عَمرِو بنِ عَامِرٍ مِنَ الأَزدِ،فَإِنّهُم يُسلِمُوكَ وَ لَن يَخذُلُوكَ. قَالَ فَوَ اللّهِ مَا مَضَتِ الأَيّامُ حَتّي تنقل [يُنقَلَ]عَمرُو بنُ الحَمِقِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فِي أَحيَاءِ العَرَبِ خَائِفاً مَذعُوراً، حَتّي نَزَلَ فِي قَومِهِ مِن بنَيِ خُزَاعَةَ،فَأَسلَمُوهُ فَقُتِلَ وَ حُمِلَ رَأسُهُ مِنَ العِرَاقِ إِلَي مُعَاوِيَةَ بِالشّامِ. وَ هُوَ أَوّلُ رَأسٍ حُمِلَ فِي الإِسلَامِ مِن بَلَدٍ إِلَي بَلَدٍ
وَ رَوَي اِبرَاهِيمُ بنُ مَيمُونٍ الأزَديِّ عَن حَبّةَ العرُنَيِّ قَالَ كَانَ جُوَيرِيَةُ بنُ مُسهِرٍ العبَديِّ صَالِحاً، وَ كَانَ لعِلَيِّ صَدِيقاً، وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يُحِبّهُ، وَ نَظَرَ يَوماً إِلَيهِ وَ هُوَ يَسِيرُ،فَنَادَاهُ يَا جُوَيرِيَةُ الحَق بيِ فإَنِيّ إِذَا رَأَيتُكَ هَوِيتُكَ.
قَالَ إِسمَاعِيلُ بنُ أَبَانٍ فحَدَثّنَيِ الصّبّاحُ عَن مُسلِمٍ عَن حَبّةَ العرُنَيِّ قَالَسِرنَا مَعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَوماً،فَالتَفَتَ فَإِذَا جُوَيرِيَةُ خَلفَهُ بَعِيداً،فَنَادَاهُ يَا جُوَيرِيَةُ الحَق بيِ لَا أَبَا لَكَ أَ لَا تَعلَمُ أنَيّ أَهوَاكَ وَ أُحِبّكَ قَالَ فَرَكَضَ[جُوَيرِيَةُ]نَحوَهُ فَقَالَ لَهُ إنِيّ مُحَدّثُكَ بِأُمُورٍ فَاحفَظهَا.[ قَالَ حَبّةُ] ثُمّ اشتَرَكَا فِي الحَدِيثِ سِرّاً، فَقَالَ لَهُ جُوَيرِيَةُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَنَا رَجُلٌ نسَيِّ. فَقَالَ أَنَا أُعِيدُ عَلَيكَ الحَدِيثَ لِتَحفَظَهُ، ثُمّ قَالَ فِي آخِرِ مَا حَدّثَهُ إِيّاهُ يَا جُوَيرِيَةُ أَحبِب حَبِيبَنَا مَا أَحَبّنَا فَإِذَا أَبغَضَنَا فَأَبغِضهُ، وَ أَبغِض بِغَيضِنَا مَا أَبغَضَنَا فَإِذَا أَحَبّنَا فَأَحِبّهُ. قَالَ فَكَانَ نَاسٌ مِمّن يَشُكّ فِي أَمرِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُونَ أَ تَرَاهُ جَعَلَ جُوَيرِيَةَ وَصِيّهُ كَمَا يدَعّيِ هُوَ مِن وَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ[حَبّةُ]يَقُولُونَ ذَلِكَ لِشِدّةِ اختِصَاصِهِ بِهِ حَتّي دَخَلَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَوماً، وَ هُوَ مُضطَجِعٌ وَ عِندَهُ قَومٌ مِن أَصحَابِهِ،فَنَادَاهُ جُوَيرِيَةُ أَيّهَا النّائِمُ استَيقِظ فَلَتُضرَبَنّ عَلَي رَأسِكَ ضَربَةً تُخضَبُ مِنهَا لِحيَتُكَ. قَالَ فَتَبَسّمَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ ثُمّ قَالَ وَ أُحَدّثُكَ يَا جُوَيرِيَةُ بِأَمرِكَ، أَمَا وَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ،
صفحه : 302
لَتُعتَلَنّ إِلَي العُتُلّ الزّنِيمِ فَلَيَقطَعَنّ يَدَكَ وَ رِجلَكَ، وَ يَصلُبَنّكَ تَحتَ جِذعِ كَافِرٍ. قَالَ فَوَ اللّهِ مَا مَضَتِ الأَيّامُ عَلَي ذَلِكَ حَتّي أَخَذَ زِيَادٌ جُوَيرِيَةَ،فَقَطَعَ يَدَهُ وَ رِجلَهُ وَ صَلَبَهُ إِلَي جَانِبِ جِذعِ ابنِ بنَيِ مُعَكبَرٍ وَ كَانَ جِذعاً طَوِيلًا فَصَلَبَهُ عَلَي جِذعٍ قَصِيرٍ إِلَي جَانِبِهِ.
وَ رَوَي اِبرَاهِيمُ فِي كِتَابِ الغَارَاتِ عَن أَحمَدَ بنِ الحَسَنِ الهيَثمَيِّ قَالَ كَانَ مِيثَمٌ التّمّارُ مَولَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَبداً لِامرَأَةٍ مِن بنَيِ أَسَدٍ،فَاشتَرَاهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَعتَقَهُ فَقَالَ لَهُ مَا اسمُكَ قَالَ سَالِمٌ. فَقَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أخَبرَنَيِ أَنّ اسمَكَ ألّذِي سَمّاكَ بِهِ أَبُوكَ فِي العَجَمِ مِيثَمٌ. قَالَ صَدَقَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقتَ، هُوَ اسميِ قَالَ فَارجِع إِلَي اسمِكَ وَ دَع سَالِماً فَنَحنُ نُكَنّيكَ بِهِ.فَكَنّاهُ أَبَا سَالِمٍ. قَالَ وَ قَد كَانَ أَطلَعَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي عِلمٍ كَثِيرٍ وَ أَسرَارٍ خَفِيّةٍ مِن أَسرَارِ الوَصِيّةِ،فَكَانَ مِيثَمٌ يُحَدّثُ بِبَعضِ ذَلِكَ فَيَشُكّ فِيهِ قَومٌ مِن أَهلِ الكُوفَةِ، وَ يَنسُبُونَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي المَخرَقَةِ وَ الإِيهَامِ وَ التّدلِيسِ، حَتّي قَالَ لَهُ يَوماً بِمَحضَرٍ مِن خَلقٍ كَثِيرٍ مِن أَصحَابِهِ وَ فِيهِمُ الشّاكّ وَ المُخلِصُ يَا مِيثَمُ إِنّكَ تُؤخَذُ بعَديِ وَ تُصلَبُ، فَإِذَا كَانَ اليَومُ الثاّنيِ ابتَدَرَ مِنخَرَاكَ وَ فَمُكَ دَماً حَتّي تُخضَبَ لِحيَتُكَ، فَإِذَا كَانَ اليَومُ الثّالِثُ،طُعِنتَ بِحَربَةٍ فَيُقضَي عَلَيكَ،فَانتَظِر ذَلِكَ، وَ المَوضِعُ ألّذِي تُصلَبُ فِيهِ عَلَي دَارِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ،إِنّكَ لَعَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنتَ أَقصَرُهُم خَشَبَةً وَ أَقرَبُهُم مِنَ المَطهَرَةِ يعَنيِ الأَرضَ وَ لَأُرِيَنّكَ النّخلَةَ التّيِ تُصلَبُ عَلَي جِذعِهَا، ثُمّ أَرَاهَا إِيّاهَا بَعدَ ذَلِكَ بِيَومَينِ،فَكَانَ مِيثَمٌ يَأتِيهَا فيَصُلَيّ عِندَهَا فَيَقُولُ بُورِكتِ مِن نَخلَةٍ، لَكِ خُلِقتُ، وَ لِي نُبّتّ،فَلَم يَزَل يَتَعَاهَدُهَا بَعدَ قَتلِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ حَتّي قُطِعَت،فَكَانَ يَرصُدُ جِذعَهَا وَ يَتَعَاهَدُهُ وَ يَتَرَدّدُ إِلَيهِ وَ يُبصِرُهُ. وَ كَانَ يَلقَي عَمرَو بنَ حُرَيثٍ فَيَقُولُ إنِيّ مُجَاوِرُكَ فَأَحسِن جوِاَريِ، فَلَا
صفحه : 303
يَعلَمُ عَمرٌو مَا يُرِيدُ.فَيَقُولُ لَهُ أَ تُرِيدُ أَن تشَترَيَِ دَارَ ابنِ مَسعُودٍ أَم دَارَ ابنِ حَكِيمٍ.
أقول ثمّ ذكر قصة شهادته نحوا مما سنذكره في باب أحواله رحمه اللّه.
ثُمّ قَالَ قَالَ اِبرَاهِيمُ[ وَ]حدَثّنَيِ اِبرَاهِيمُ بنُ العَبّاسِ عَن مُبَارَكٍ البجَلَيِّ عَن أَبِي بَكرِ بنِ عَيّاشٍ، عَن مُجَالِدٍ عَنِ الشعّبيِّ عَن زِيَادِ بنِ النّضرِ الحاَرثِيِّ قَالَ كُنتُ عِندَ زِيَادٍ وَ قَد أتُيَِ بِرُشَيدٍ الهجَرَيِّ، وَ كَانَ مِن خَوَاصّ أَصحَابِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ مَا قَالَ لَكَ خَلِيلُكَ إِنّا فَاعِلُونَ بِكَ قَالَ تَقطَعُونَ يدَيَّ وَ رجِليَّ وَ تصَلبُوُننَيِ. فَقَالَ زِيَادٌ أَمَا وَ اللّهِ لَأُكَذّبَنّ حَدِيثَهُ،خَلّوا سَبِيلَهُ فَلَمّا أَرَادَ أَن يَخرُجَ قَالَ رُدّوهُ، لَا نَجِدُ لَكَ شَيئاً أَصلَحَ مِمّا قَالَ صَاحِبُكَ،إِنّكَ لَن تَزَالَ تبَغيِ لَنَا سُوءاً إِن بَقِيتَ،اقطَعُوا يَدَيهِ وَ رِجلَيهِ فَقَطَعُوا يَدَيهِ وَ رِجلَيهِ وَ هُوَ يَتَكَلّمُ، فَقَالَ اصلُبُوهُ خَنِقاً فِي عُنُقِهِ. فَقَالَ رُشَيدٌ وَ قَد بقَيَِ لِي عِندَكُم شَيءٌ مَا أَرَاكُم فَعَلتُمُوهُ. فَقَالَ زِيَادٌ اقطَعُوا لِسَانَهُ. فَلَمّا أَخرَجُوا لِسَانَهُ[لِيُقطَعَ] قَالَ نَفّسُوا عنَيّ حَتّي أَتَكَلّمَ كَلِمَةً وَاحِدَةً.فَنَفّسُوا عَنهُ فَقَالَ وَ اللّهِ هَذَا تَصدِيقُ خَبَرِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ،أخَبرَنَيِ بِقَطعِ لسِاَنيِ.فَقَطَعُوا لِسَانَهُ وَ صَلَبُوهُ.
وَ رَوَي أَبُو دَاوُدَ الطيّاَلسِيِّ عَن سُلَيمَانَ بنِ زُرَيقٍ عَن عَبدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيبٍ قَالَ حدَثّنَيِ أَبُو العَالِيَةِ قَالَ حدَثّنَيِ مزرعٌ صَاحِبُ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ،إِنّهُ قَالَلَيُقبِلَنّ جَيشٌ حَتّي إِذَا كَانُوا بِالبَيدَاءِ خُسِفَ بِهِم. قَالَ أَبُو العَالِيَةِ قُلتُ فَإِنّكَ لتَحُدَثّنُيِ[بِالغَيبِ] فَقَالَ[مزرعٌ]احفَظ مَا أَقُولُ لَكَ فَإِنّمَا حدَثّنَيِ بِهِ الثّقَةُ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ.[ قَالَ] وَ حدَثّنَيِ أَيضاً شَيئاً آخَرَ،[ قَالَ]لَتُؤخَذُنّ فَلَتُقتَلُنّ وَ لَتُصلَبُنّ بَينَ شُرفَتَينِ مِن شُرَفِ المَسجِدِ.[ قَالَ أَبُو العَالِيَةِ]فَقُلتُ لَهُ إِنّكَ لتَحُدَثّنُيِ بِالغَيبِ فَقَالَ احفَظ مَا
صفحه : 304
أَقُولُ لَكَ. قَالَ أَبُو العَالِيَةِ فَوَ اللّهِ مَا أَتَت عَلَينَا جُمُعَةٌ حَتّي أُخِذَ مَزرَعٌ،فَقُتِلَ وَ صُلِبَ بَينَ شُرفَتَينِ مِن شُرَفِ المَسجِدِ.
وَ رَوَي مُحَمّدُ بنُ مُوسَي العنَزَيِّ قَالَ كَانَ مَالِكُ بنُ ضَمرَةَ الروّاّسيِّ مِن أَصحَابِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ مِمّنِ استَبطَنَ مِن جِهَتِهِ عِلماً كَثِيراً، وَ كَانَ أَيضاً قَد صَحِبَ أَبَا ذَرّ فَأَخَذَ مِن عِلمِهِ، وَ كَانَ يَقُولُ فِي أَيّامِ بنَيِ أُمَيّةَ أللّهُمّ لَا تجَعلَنيِ شَرّ الثّلَاثَةِ.فَيُقَالُ لَهُ وَ مَا الثّلَاثَةُ فَيَقُولُ رَجُلٌ يُرمَي بِهِ مِن فَوقِ طِمَارٍ، وَ رَجُلٌ تُقطَعُ يَدَاهُ وَ رِجلَاهُ وَ يُصلَبُ، وَ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَي فِرَاشِهِ.فَكَانَ مِنَ النّاسِ مَن يَهزَأُ بِهِ وَ يَقُولُ هُوَ مِن أَكَاذِيبِ أَبِي تُرَابٍ. قَالَ فَكَانَ ألّذِي رمُيَِ بِهِ مِن طِمَارٍ هَانِئَ بنَ عُروَةَ، وَ ألّذِي قُطِعَ وَ صُلِبَ رُشَيدٌ الهجَرَيِّ، وَ مَاتَ مَالِكٌ عَلَي فِرَاشِهِ.
وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ وَ رَوَي قَيسُ بنُ الرّبِيعِ عَن أَبِي هَارُونَ العبَديِّ عَن رَبِيعَةَ بنِ مَالِكٍ السعّديِّ قَالَأَتَيتُ حُذَيفَةَ بنَ اليَمَانِ فَقُلتُ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ إِنّ النّاسَ لَيَتَحَدّثُونَ عَن عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَ مَنَاقِبِهِ فَيَقُولُ لَهُم أَهلُ البَصرَةِ إِنّكُم لَتُفرِطُونَ فِي تَقرِيظِ هَذَا الرّجُلِ.فَهَل أَنتَ محُدَثّيِ بِحَدِيثٍ عَنهُ أَذكُرُهُ لِلنّاسِ فَقَالَ[حُذَيفَةُ] يَا رَبِيعَةُ وَ مَا ألّذِي تسَألَنُيِ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ مَا ألّذِي أُحَدّثُكَ بِهِ عَنهُ وَ ألّذِي نَفسُ حُذَيفَةَ بِيَدِهِ، لَو وُضِعَ جَمِيعُ أَعمَالِ أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي كِفّةِ المِيزَانِ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ تَعَالَي مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ إِلَي يَومِ النّاسِ هَذَا، وَ وُضِعَ عَمَلٌ وَاحِدٌ مِن أَعمَالِ عَلِيّ فِي الكِفّةِ الأُخرَي لَرَجَحَ عَلَي أَعمَالِهِم كُلّهَا. فَقَالَ رَبِيعَةُ هَذَا المَدحُ ألّذِي لَا يُقَامُ لَهُ وَ لَا يُقعَدُ وَ لَا يُحمَلُ،إنِيّ لَأَظُنّهُ إِسرَافاً يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ. فَقَالَ حُذَيفَةُ يَا لُكَعُ وَ كَانَ لَا يُحمَلُ وَ أَينَ كَانَ المُسلِمُونَ يَومَ الخَندَقِ وَ قَد عَبَرَ إِلَيهِم عَمرٌو وَ أَصحَابُهُ،فَمَلَكَهُمُ الهَلَعُ وَ الجَزَعُ،
صفحه : 305
وَ دَعَا إِلَي المُبَارَزَةِ فَأَحجَمُوا عَنهُ حَتّي بَرَزَ إِلَيهِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَتَلَهُ وَ ألّذِي نَفسُ حُذَيفَةَ بِيَدِهِ لَعَمَلُهُ ذَلِكَ اليَومَ أَعظَمُ أَجراً مِن أَعمَالِ أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي هَذَا اليَومِ وَ إِلَي أَن تَقُومَ السّاعَةُ.
توضيح [ قوله ]«إنيّ لآخذ منك »لعلّه استفهام إنكاري أي إنيّ لاأحتاج إلي فضول علمك وثمرات رأيك ،شبّهها بما ينبذ من فضول الغزل عندالحياكة لمناسبة كون الملعون حائكا. و قال الجوهري الهمس الصوت الخفيّ. وهمس الأقدام أخفي ما يكون من صوت القدم . و قال الرمّة قطعة من الحبل بالية و منه قولهم «دفع إلي الشيء برمّته». وأصله أنّ رجلا دفع إلي رجل بعيرا بحبل في عنقه ،فقيل ذلك لكلّ من دفع شيئا بجملته . و قال عتلت الرجل أعتله وأعتله إذاجذبته جذبا عنيفا، والعتلّ الجافي الغليظ. و قال الزنيم المستلحق في قوم ليس منهم [ و] لايحتاج إليه وقيل هواللئيم ألذي يعرف بلؤمه . قوله «تحت جذع كافر»بالإضافة ويحتمل التوصيف ، قال [الفيروزآبادي] في القاموس الكافر من الأرض ما بعد عن الناس . والكفر الخشبة الغليظة القصيرة. والأوّل أظهر. و قال [الجواهري] في الصحاح الطّمار المكان المرتفع . و قال التّقريض مدح الإنسان و هوحيّ. وقيل مدحه بباطل أوحقّ.
صفحه : 306
نَهجٌ [ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِعَمّارِ بنِ يَاسِرٍ وَ قَد سَمِعَهُ يُرَاجِعُ المُغِيرَةَ بنَ شُعبَةَ كَلَاماً دَعهُ يَا عَمّارُ فَإِنّهُ لَم يَأخُذ مِنَ الدّينِ إِلّا مَا قَارَبَتهُ الدّنيَا[ وَ] عَلَي عَمدٍ لَبَسَ عَلَي نَفسِهِ،لِيَجعَلَ الشّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ.
بيان السقطة العثرة والزلّة.
نَهجٌ [ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِلأَشعَثِ بنِ قَيسٍ مُعَزّياً إِن صَبَرتَ صَبرَ الأَكَارِمِ، إِلّا سَلَوتَ سُلُوّ البَهَائِمِ.
بيان سلاه وسلا عنه سلوا وسلوا نسيه فتسلي ، والمعني إن صبرت عندالمصيبة ورضيت بقضاء اللّه،كنت من الأكارم والأفاضل وفزت بالثواب ، و إن لم تصبر فلامحالة تنسي المصيبة وتترك الجزع بعدزمان كالبهائم ،فإنّها تنسي مايصيبها بعدذهاب ألمها و لاثواب لها.
كا أَبُو عَلِيّ الأشَعرَيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ الجَبّارِ، وَ مُحَمّدُ بنُ إِسمَاعِيلَ عَنِ الفَضلِ بنِ شَاذَانَ جَمِيعاً عَن صَفوَانَ بنِ يَحيَي عَن زَيدٍ الشّحّامِ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ عَن أَبِيهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ إِنّ الرّجُلَ كَانَ فِي القَبِيلَةِ مِن شِيعَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَيَكُونُ زَينَهَا آدَاهُم لِلأَمَانَةِ، وَ أَقضَاهُم
صفحه : 307
لِلحُقُوقِ وَ أَصدَقُهُم، إِلَيهِ وَصَايَاهُم وَ وَدَائِعُهُم،تُسأَلُ العَشِيرَةُ عَنهُ فَتَقُولُ مَن مِثلُ فُلَانٍ إِنّهُ لَآدَانَا لِلأَمَانَةِ وَ أَصدَقُنَا لِلحَدِيثِ.
نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ يَهلِكُ فِيّ رَجُلَانِ مُحِبّ غَالٍ وَ مُبغِضٌ قَالٍ.
بيان قلاه أي كرهه وأبغضه . و هويشمل المخالفين أيضا لأنّ تقديم غيره عليه بغض له .
1074- كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ الثقّفَيِّ عَن يُوسُفَ بنِ كُلَيبٍ المسَعوُديِّ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ عَنِ الصّبّاحِ المزُنَيِّ عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ عَن أَصحَابِهِ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ قَالَ ادعُو لِي غَنِيّاً وَ بَاهِلَةَ وَ حَيّاً آخَرَ قَد سَمّاهُم فَليَأخُذُوا عَطَايَاهُم،فَوَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ مَا لَهُم فِي الإِسلَامِ نَصِيبٌ، وَ إنِيّ لَشَاهِدٌ لَهُم فِي منَزلِيِ عِندَ الحَوضِ وَ عِندَ المَقَامِ المَحمُودِ أَنّهُم أعَداَئيِ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ. وَ لَئِن ثَبَتَ قدَمَاَيَ لَأَرُدّنّ قَبَائِلَ إِلَي قَبَائِلَ وَ قَبَائِلَ إِلَي قَبَائِلَ، وَ لَأُبَهرِجَنّ سِتّينَ قَبِيلَةً مَا لَهُم فِي الإِسلَامِ نَصِيبٌ.
وَ عَن يُوسُفَ بنِ كُلَيبٍ عَن يَحيَي بنِ سَالِمٍ عَنِ عَمرِو بنِ عُمَيرٍ عَن أَبِيهِ
صفحه : 308
عَنهُ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَهُ.
نَهجٌ[ وَ] فِي حَدِيثِهِ عَلَيهِ السّلَامُ هَذَا الخَطِيبُ الشّحشَحُ.
قال السيّد[الرضيّ]رحمه اللّه يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها، و كلّ ماض في كلام أوسير فهو شحشح ، والشحشح في غير هذاالموضع البخيل الممسك .بيان قال ابن أبي الحديد هذه الكلمة قالها[ عليه السلام ]لصعصعة بن صوحان ، وكفي له فخرا أن يثني له علي عليه السلام بالمهارة وفصاحة اللسان ، و كان صعصعة من أفصح الناس ،ذكر ذلك شيخنا أبوعثمان .
نَهجٌ [ وَ] مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ كَلّمَ بِهِ عَبدَ اللّهِ بنَ زَمعَةَ وَ هُوَ مِن شِيعَتِهِ، وَ ذَلِكَ أَنّهُ قَدِمَ عَلَيهِ فِي خِلَافَتِهِ يَطلُبُ مِنهُ مَالًا فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ هَذَا المَالَ لَيسَ لِي وَ لَا لَكَ، وَ إِنّمَا هُوَ فيَءُ المُسلِمِينَ وَ جَلبُ أَسيَافِهِم، فَإِن شَرِكتَهُم فِي حَربِهِم كَانَ لَكَ مِثلُ حَظّهِم، وَ إِلّا فَجَنَاةُ أَيدِيهِم لَا تَكُونُ لِغَيرِ أَفوَاهِهِم.
بيان جلب أسيافهم بالتحريك مااجتلبته أسيافهم وساقته إليهم .
نَهجٌ[ وَ]هَنّأَ بِحَضرَتِهِ عَلَيهِ السّلَامُ رَجُلٌ رَجُلًا بِغُلَامٍ وُلِدَ لَهُ
صفحه : 309
فَقَالَ لِيَهنِئكَ الفَارِسُ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَا تَقُل ذَاكَ وَ لَكِن قُل شَكَرتَ الوَاهِبَ، وَ بُورِكَ لَكَ فِي المَوهُوبِ، وَ بَلَغَ أَشُدّهُ، وَ رُزِقتَ بِرّهُ.
بيان «شكرت الواهب »جملة دعائية أي رزقك اللّه شكره . والأشدّ القوّة وفسّر بما بين ثماني عشرة إلي ثلاثين .
نَهجٌ [ وَ]بَنَي رَجُلٌ مِن عُمّالِهِ عَلَيهِ السّلَامُ بِنَاءً فَخماً فَقَالَ[ عَلِيّ] عَلَيهِ السّلَامُ.أَطلَعَتِ الوَرِقُ رُءُوسَهَا. إِنّ البِنَاءَ لَيَصِفُ لَكَ الغِنَي.
بيان قال الجوهري رجل فخم أي عظيم القدر. و قال الورق الدراهم المضروبة.
نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد عَزّي الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ عَنِ ابنٍ لَهُ يَا أَشعَثُ إِن تَحزَن عَلَي ابنِكَ فَقَدِ استَحَقّت ذَلِكَ مِنكَ الرّحِمُ، وَ إِن تَصبِر ففَيِ اللّهِ مِن كُلّ مُصِيبَةٍ خَلَفٌ. يَا أَشعَثُ إِن صَبَرتَ جَرَي عَلَيكَ القَدَرُ وَ أَنتَ مَأجُورٌ، وَ إِن جَزِعتَ جَرَي عَلَيكَ وَ أَنتَ مَأزُورٌ.
صفحه : 310
[ يَا أَشعَثُ ابنُكَ]سَرّكَ وَ هُوَ بَلَاءٌ وَ فِتنَةٌ، وَ حَزَنَكَ وَ هُوَ ثَوَابٌ وَ رَحمَةٌ.
بيان « إن تحزن »ظاهره جواز الحزن ، و لاينافي كونه مأزورا علي الجزع ، فإنّ الحزن غيرالجزع . و قال الشيخ الرضي رحمه اللّه قولهم « في اللّه من كلّ مافات خلف » أي في ألطافه . و قال الجوهري الوزر الإثم والثقل قال الأخفش تقول منه وزر يوزر، ووزر يزر، ووزر يؤزر،فهو موزور. وإنّما قال في الحديث «مأزورات »لمكان «مأجورات »، و لوأفرد لقال موزورات .[ و قوله ]«سرّك» أي الولد. وكونه فتنة لقوله تعالي إِنّما أَموالُكُم وَ أَولادُكُم فِتنَةٌ.
يج روُيَِ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ يَوماً لَو وَجَدتُ رَجُلًا ثِقَةً لَبَعَثتُ مَعَهُ بِمَالٍ إِلَي المَدَائِنِ إِلَي شيِعتَيِ. فَقَالَ رَجُلٌ فِي نَفسِهِ لَآتِيَنّهُ وَ لَأَقُولَنّ أَنَا أَذهَبُ بِالمَالِ فَهُوَ يَثِقُ بيِ، فَإِذَا أَخَذتُهُ أَخَذتُ طَرِيقَ الشّامِ إِلَي مُعَاوِيَةَ،فَجَاءَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَنَا أَذهَبُ بِالمَالِ،فَرَفَعَ رَأسَهُ إلِيَّ وَ قَالَ إِلَيكَ عنَيّ تَأخُذُ طَرِيقَ الشّامِ إِلَي مُعَاوِيَةَ.
نَهجٌ[ وَ]قِيلَ إِنّ الحَارِثَ بنَ حَوطٍ أَتَاهُ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ
صفحه : 311
أَ ترَاَنيِ[أَظُنّ أَنّ]أَصحَابَ الجَمَلِ كَانُوا عَلَي ضَلَالَةٍ فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا حَارِ إِنّكَ نَظَرتَ تَحتَكَ وَ لَم تَنظُر فَوقَكَ فَحِرتَ،إِنّكَ لَم تَعرِفِ الحَقّ فَتَعرِفَ أَهلَهُ، وَ لَم تَعرِفِ البَاطِلَ فَتَعرِفَ مَن أَتَاهُ. فَقَالَ الحَارِثُ فإَنِيّ أَعتَزِلُ مَعَ سَعدِ بنِ مَالِكٍ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ، فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ سَعداً وَ عَبدَ اللّهِ لَم يَنصُرَا الحَقّ وَ لَم يَخذُلَا البَاطِلَ.
بيان قال الراوندي الصحيح « ابن حوط»بالحاء المهملة المفتوحة و[وجدت ]بخطّ الرضي بالمعجمة المضمومة. و[ قوله ]« ياحار» في بعض النسخ بضمّ الراء و في بعضها بكسرها.[ قوله عليه السلام ]«نظرت تحتك » أي إلي الأمر الظاهر ألذي يستولي عليه فكرك ونظرك و هوخطّة قتال أهل القبلة، و لم تنظر إلي الأمر العالي ألذي هوفوق نظرك من وجوب قتالهم لبغيهم علي الإمام العادل . وقيل أي نظرت في أعمال الناكثين من أصحاب الجمل المتمسّكين بظاهر الإسلام الذين هودونك في المرتبة لبغيهم ،فاغتررت بشبهتهم و لم تنظر إلي من هوفوقك و هوإمامك الواجب الطاعة و من تبعه من المهاجرين والأنصار. وقيل نظره تحته كناية عن نظره إلي باطل شبهتهم المكتسبة عن محبّة الدنيا التي هي الخيبة، ونظره فوقه كناية عن نظره إلي الحقّ وتلقّيه من اللّه. وسعد بن مالك هو ابن أبي وقّاص.[ قوله عليه السلام ]« و لم يخذلا الباطل » أي ماسعيا في محق الباطل ، و ليس يعني بالخذلان عدم المساعدة. وقيل هو من قولهم «خذلت الوحشية» إذاقامت علي ولدها أي لم
صفحه : 312
يقيما عليه و لم ينصراه .
1083- كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِّ بِإِسنَادِهِ عَن زَاذَانَ قَالَ انطَلَقتُ مَعَ قَنبَرَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ قُم يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَقَد خَبَأتُ لَكَ خَبِيئَةً. قَالَ فَمَا هُوَ قَالَ قُم معَيِ فَقَامَ فَانطَلَقَ إِلَي بَيتِهِ فَإِذَا بَاسِنَةٌ مَملُوءَةٌ جَامَاتٍ مِن ذَهَبٍ وَ فِضّةٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّكَ لَا تَترُكُ شَيئاً إِلّا قَسَمتَهُ فَادّخَرتُ هَذَا لَكَ. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَقَد أَحبَبتَ أَن تُدخِلَ بيَتيِ نَاراً كَثِيرَةً فَسَلّ سَيفَهُ فَضَرَبَهَا فَانتَثَرَت مِن بَينِ إِنَاءٍ مَقطُوعٍ نِصفُهُ أَو ثُلُثُهُ، ثُمّ قَالَ اقسِمُوهُ بِالحِصَصِ.فَفَعَلُوا وَ جَعَلَ[ عَلِيّ] يَقُولُ
هَذَا جنَاَيَ وَ خِيَارُهُ فِيهِ | إِذ كُلّ جَانٍ يَدُهُ إِلَي فِيهِ |
[ ثُمّ قَالَ] يَا بَيضَاءُ وَ يَا صَفرَاءُ غرُيّ غيَريِ قَالَ وَ فِي البَيتِ مِسَاكٌ وَ إِبَرٌ فَقَالَ اقسِمُوا هَذَا فَقَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ قَالَ وَ كَانَ يَأخُذُ مِن كُلّ عَامِلٍ مِمّا يَعمَلُ وَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ لَتَأخُذَنّ شَرّهُ مَعَ خَيرِهِ
صفحه : 313
وَ عَن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنّهُ قَالَ قَالَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَو أَمَرتَ لِي بِمَعُونَةٍ أَو نَفَقَةٍ فَوَ اللّهِ مَا عنِديِ[نَفَقَةٌ] إِلّا أَن أَبِيعَ بَعضَ علُوُفيِ. قَالَ لَهُ لَا وَ اللّهِ مَا أَجِدُ لَكَ شَيئاً إِلّا أَن تَأمُرَ عَمّكَ أَن يَسرِقَ فَيُعطِيَكَ.
بيان « فإذاباسنة»كذا في نسخ [ كتاب ]الغارات . و[ قال الفيروزآبادي] في القاموس الباسنة جوالق غليظ من مشاقة الكتان .انتهي . ويحتمل أن يكون [« فإذابأشنّة»]بالشين المعجمة جمع الشّنّ[ وهي القربة]. و في رواية ابن أبي الحديد« فإذابغرارة» وهي الجوالق . والمساك جمع مسك بالتحريك وهي الأسورة والخلاخل من القرون والعاج . و في رواية ابن أبي الحديد«[ و في البيت ]مسك » و هوأظهر. والعلوفة الناقة أوالشاة تعلفها و لاترسلها فترعي . و في بعض النسخ [«علوقي»]بالقاف و هو مايعلق به الإنسان كناية عن الثياب ، واسم لنوع من الناقة أيضا. و في رواية ابن أبي الحديد« إلّا أن أبيع دابتّي».
يج روُيَِ أَنّ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ استَأذَنَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ
صفحه : 314
فَرَدّهُ قَنبَرُ،فَأَدمَي أَنفَهُ فَخَرَجَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ مَا ذَاكَ يَا أَشعَثُ أَمَا وَ اللّهِ لَو بِعَبدِ ثَقِيفٍ مَرَرتَ لَاقشَعَرّت شُعَيرَاتُ استِكَ قَالَ وَ مَن غُلَامُ ثَقِيفٍ قَالَ غُلَامٌ يَلِيهِم لَا يَبقَي بَيتٌ مِنَ العَرَبِ إِلّا أَدخَلَهُمُ الذّلّ. قَالَ كَم يلَيِ قَالَ عِشرِينَ إِن بَلَغَهَا.[ ثُمّ] قَالَ الراّويِ ولَيَِ الحَجّاجُ سَنَةَ خَمسٍ وَ سَبعِينَ وَ مَاتَ سَنَةَ خَمسٍ وَ تِسعِينَ.
يج وَ رَوَي جُمَيعُ بنُ عُمَيرٍ قَالَ اتّهَمَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ العِيزَارُ بِرَفعِ أَخبَارِهِ إِلَي مُعَاوِيَةَ،فَأَنكَرَ ذَلِكَ وَ جَحَدَ فَقَالَ لَتَحلِفُ بِاللّهِ إِنّكَ مَا فَعَلتَ قَالَ نَعَم، وَ بَدَرَ يَحلِفُ. فَقَالَ[ لَهُ عَلِيّ] إِن كُنتَ كَاذِباً فَأَعمَي اللّهُ بَصَرَكَ.[ قَالَ]فَمَا دَارَتِ الجُمُعَةُ حَتّي أَخرَجَ أَعمَي يُقَادُ، قَد أَعمَي اللّهُ بَصَرَهُ.
ماجَمَاعَةٌ عَن أَبِي المُفَضّلِ عَن مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ زَكَرِيّا عَن عَبّادِ بنِ يَعقُوبَ، عَن مَطَرِ بنِ أَرقَمَ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمرٍو الفقُيَميِّ عَن صَفوَانَ بنِ قَبِيصَةَ، عَنِ الحَارِثِ بنِ سُوَيدٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَقَرَأتُ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سَبعِينَ سُورَةً مِنَ القُرآنِ أَخَذتُهَا مِن فِيهِ، وَ زَيدُ[ بنُ ثَابِتٍ]ذُو ذُؤَابَتَينِ يَلعَبُ مَعَ الغِلمَانِ، وَ قَرَأتُ سَائِرَ أَو قَالَ
صفحه : 315
بَقِيّةَ القُرآنِ عَلَي خَيرِ هَذِهِ الأُمّةِ، وَ أَقضَاهُم بَعدَ نَبِيّهِم صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ.
ماجَمَاعَةٌ عَن أَبِي المُفَضّلِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ العَزِيزِ عَن شُرَيحِ بنِ يُونُسَ، عَن هَيثَمِ بنِ بَشِيرٍ عَن يَعلَي بنِ عَطَاءٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ نَافِعٍ أَنّ أَبَا مُوسَي[الأشَعرَيِّ]عَادَ الحَسَنَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمَا إِنّهُ لَا يَمنَعُنَا مَا فِي أَنفُسِنَا عَلَيكَ أَن نُحَدّثَكَ بِمَا سَمِعنَا[سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ]إِنّهُ مَن عَادَ مَرِيضاً شَيّعَهُ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ،كُلّهُم يَستَغفِرُ لَهُ إِن كَانَ مُصبِحاً حَتّي يمُسيَِ، وَ إِن كَانَ مُمسِياً حَتّي يُصبِحَ، وَ كَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنّةِ.
1093- كِتَابُ الغَارَاتِ عَن قَدَمٍ الضبّيّّ قَالَبَعَثَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي لَبِيدِ بنِ عُطَارِدٍ التمّيِميِّ لِيُجَاءَ بِهِ،فَمَرّ[ ألّذِي أَخَذَهُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ]بِمَجلِسٍ مِن مَجَالِسِ بنَيِ أَسَدٍ وَ فِيهِ نُعَيمُ بنُ
صفحه : 316
دَجَاجَةَ،فَقَامَ نُعَيمٌ فَخَلّصَ الرّجُلَ،فَأَتَوا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالُوا أَخَذنَا الرّجُلَ فَمَرَرنَا بِهِ عَلَي نُعَيمِ بنِ دَجَاجَةَ فَخَلّصَهُ وَ كَانَ نُعَيمٌ مِن شُرطَةِ الخَمِيسِ فَقَالَ عَلَيّ بِنُعَيمٍ.[فأَتُيَِ بِهِ]فَأَمَرَ بِهِ أَن يُضرَبَ ضَرباً مُبرِحاً، فَلَمّا وَلّوا بِهِ[ إِلَي السّجنِ] قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّ المُقَامَ مَعَكَ لَذُلّ وَ إِنّ فِرَاقَكَ كُفرٌ. قَالَ إِنّهُ لَكَذَاكَ قَالَ نَعَم. قَالَ خَلّوا سَبِيلَهُ.
وَ عَنِ الفَضلِ بنِ دُكَينٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ حيَّ عَنِ ابنِ أَبِي لَيلَي قَالَ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ رَزَقَ شُرَيحاً القاَضيَِ خَمسَ مِائَةٍ.
وَ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ أَبَانٍ عَن عَمرِو بنِ شِمرٍ عَن سَالِمٍ الجعُفيِّ عَنِ الشعّبيِّ قَالَ وَجَدَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ دِرعاً لَهُ عِندَ نصَراَنيِّ فَجَاءَ بِهِ إِلَي شُرَيحٍ يُخَاصِمُهُ إِلَيهِ،[ فَلَمّا نَظَرَ إِلَيهِ]ذَهَبَ يَتَنَحّي، فَقَالَ مَكَانَكَ. وَ جَلَسَ إِلَي جَنبِهِ وَ قَالَ يَا شُرَيحُ أَمَا لَو كَانَ خصَميِ مُسلِماً مَا جَلَستُ إِلّا مَعَهُ، وَ لَكِنّهُ نصَراَنيِّ، وَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِذَا كُنتُم وَ إِيّاهُم فِي طَرِيقٍ فَأَلجِئُوهُم إِلَي مُضَائَقَةٍ، وَ صَغّرُوا بِهِم كَمَا صَغّرَ اللّهُ بِهِم فِي غَيرِ أَن تَظلِمُوا. ثُمّ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ هَذِهِ درِعيِ لَم أَبِع وَ لَم أَهَب. فَقَالَ النصّراَنيِّ مَا الدّرعُ إِلّا درِعيِ، وَ مَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عنِديِ بِكَاذِبٍ.فَالتَفَتَ شُرَيحٌ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ هَل مِن بَيّنَةٍ قَالَ لَا.فَقَضَي بِهَا[شُرَيحٌ]للِنصّراَنيِّ.[فَأَخَذَهَا النصّراَنيِّ]فَمَشَي هُنَيئَةً ثُمّ أَقبَلَ، فَقَالَ أَمّا أَنَا فَأَشهَدُ أَنّ هَذِهِ أَحكَامُ النّبِيّينَ،[ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ]يمَشيِ إِلَي قَاضِيهِ وَ قَاضِيهِ يقَضيِ عَلَيهِ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ،الدّرعُ وَ اللّهِ دِرعُكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ أَمّا إِذَا أَسلَمتَ فهَيَِ لَكَ وَ حَمَلَهُ عَلَي فَرَسٍ.
صفحه : 317
قال الشعبي فأخبرني من رآه يقاتل مع علي عليه السلام الخوارج بالنهروان .
وَ عَن أَبِي عَمرٍو الكنِديِّ قَالَكُنّا ذَاتَ يَومٍ عِندَ عَلِيّ فَوَافَقَ النّاسُ مِنهُ طِيبَ نَفسٍ وَ مِزَاجٍ،فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ حَدّثنَا عَن أَصحَابِكَ. قَالَ عَن أَيّ أصَحاَبيِ تسَألَوُننَيِ قَالُوا عَن أَصحَابِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ كُلّ أَصحَابِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أصَحاَبيِ،فَعَن أَيّهِم تسَألَوُننَيِ قَالُوا عَنِ الّذِينَ رَأَينَاكَ تَلطُفُهُم بِذِكرِكَ وَ بِالصّلَاةِ عَلَيهِم دُونَ القَومِ. قَالَ عَن أَيّهِم قَالُوا حَدّثنَا عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَ قَرَأَ القُرآنَ وَ عَلِمَ السّنّةَ وَ كَفَي بِذَلِكَ.قَالُوا فَوَ اللّهِ مَا دَرَينَا بِقَولِهِ« وَ كَفَي بِذَلِكَ»كَفَي بِقِرَاءَةِ القُرآنِ وَ عِلمِ السّنّةِ أَم كَفَي بِعَبدِ اللّهِ. قَالَ فَقُلنَا حَدّثنَا عَن أَبِي ذَرّ. قَالَ كَانَ يُكثِرُ السّؤَالَ فَيُعطَي وَ يُمنَعُ، وَ كَانَ شَحِيحاً حَرِيصاً عَلَي دِينِهِ،حَرِيصاً عَلَي العِلمِ الجَزمِ، قَد مُلِئَ فِي وِعَاءٍ لَهُ حَتّي امتَلَأَ وِعَاؤُهُ عِلماً عَجَزَ فِيهِ. قَالَ فَوَ اللّهِ مَا دَرَينَا بِقَولِهِ«عَجَزَ فِيهِ» أَ عَجَزَ عَن كَشفِهِ مَا كَانَ عِندَهُ أَو عَجَزَ عَن مَسأَلَتِهِ.قُلنَا حَدّثنَا عَن حُذَيفَةَ بنِ اليَمَانِ قَالَ عَلِمَ أَسمَاءَ المُنَافِقِينَ، وَ سَأَلَ عَنِ المُعضِلَاتِ حِينَ غَفَلَ[غَيرُهُ]عَنهَا، وَ لَو سَأَلُوهُ لَوَجَدُوهُ بِهَا عَالِماً.قَالُوا فَحَدّثنَا عَن سَلمَانَ الفاَرسِيِّ قَالَ مَن لَكُم بِمِثلِ لُقمَانِ الحَكِيمِ وَ ذَلِكَ امرُؤٌ مِنّا وَ إِلَينَا أَهلَ البَيتِ،أَدرَكَ العِلمَ الأَوّلَ وَ أَدرَكَ العِلمَ الآخِرَ، وَ قَرَأَ
صفحه : 318
الكِتَابَ الأَوّلَ وَ قَرَأَ الكِتَابَ الآخِرَ بَحرٌ لَا يُنزَفُ.قُلنَا فَحَدّثنَا عَن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ قَالَ ذَلِكَ امرُؤٌ خَالَطَ اللّهُ الإِيمَانَ بِلَحمِهِ وَ دَمِهِ وَ شَعرِهِ وَ بَشَرِهِ حَيثُ زَالَ[الحَقّ]زَالَ مَعَهُ، وَ لَا ينَبغَيِ لِلنّارِ أَن تَأكُلَ مِنهُ شَيئاً.قُلنَا فَحَدّثنَا عَن نَفسِكَ قَالَ مَهلًا،نَهَانَا اللّهُ عَنِ التّزكِيَةِ.[فَ] قَالَ لَهُ رَجُلٌ فَإِنّ اللّهَ يَقُولُوَ أَمّا بِنِعمَةِ رَبّكَ فَحَدّث قَالَ فإَنِيّ أُحَدّثُ بِنِعمَةِ ربَيّ.كُنتُ وَ اللّهِ إِذَا سَأَلتُ أُعطِيتُ، وَ إِذَا سَكَتّ ابتُدِيتُ، وَ إِنّ تَحتَ الجَوَانِحِ منِيّ عِلماً جَمّاً فاَسألَوُنيِ.فَقَامَ إِلَيهِ ابنُ الكَوّاءِ.فَسَأَلَهُ عَن مَسَائِلَ أَورَدنَاهَا فِي مَحَالّهَا[ مِن هَذَا الكِتَابِ].
وَ عَنِ النّعمَانِ بنِ سَعدٍ قَالَ رَأَيتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي المِنبَرِ يَقُولُ أَينَ الثمّوُديِّ فَطَلَعَ الأَشعَثُ فَأَخَذَ كَفّاً مِنَ الحَصَا وَ ضَرَبَ وَجهَهُ فَأَدمَاهُ، وَ انجَفَلَ وَ انجَفَلَ النّاسُ مَعَهُ وَ يَقُولُ تَرَحاً لِهَذَا الوَجهِ تَرَحاً لِهَذَا الوَجهِ.
بيان الترح ضدّ الفرح . والهلاك والانقطاع .
صفحه : 319
وَ فِي[ كِتَابِ]الغَارَاتِ عَن عَبّادِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأسَدَيِّ، قَالَ كُنتُ جَالِساً يَومَ الجُمُعَةِ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَخطُبُ عَلَي مِنبَرٍ مِن آجُرّ، وَ ابنُ صُوحَانَ جَالِسٌ فَجَاءَ الأَشعَثُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ غَلَبَتنَا هَذِهِ الحَمرَاءُ عَلَي وَجهِكَ فَغَضِبَ[ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] فَقَالَ[صَعصَعَةُ]لَيُبَيّنُ اليَومَ مِن أَمرِ العَرَبِ مَا كَانَ يَخفَي فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَن يعَذرِنُيِ عَن هَؤُلَاءِ الضّيَاطِرَةِ،يُقبِلُ أَحَدُهُم يَتَقَلّبُ عَلَي حَشَايَاهُ، وَ يُهَجّرُ قَومٌ لِذِكرِ اللّهِ،فيَأَمرُنُيِ أَن أَطرُدَهُم فَأَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ. وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ،لَقَد سَمِعتُ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لَيَضرِبُنّكُم وَ اللّهِ عَلَي الدّينِ عَوداً كَمَا ضَرَبتُمُوهُم عَلَيهِ بَدءاً.
قَالَ مُغِيرَةُ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَميَلَ إِلَي الموَاَليِ وَ أَلطَفَ بِهِم،[ وَ] كَانَ عُمَرُ أَشَدّ تَبَاعُداً مِنهُم.
بيان قال الجزري في [مادة«حمر» من كتاب النهاية]حديث عليّ عليه السلام «غلبتنا عليك هذه الحمراء».يعنون العجم والروم . والعرب تسميّ الموالي الحمراء. و[أيضا] قال [الجزري] في [مادة«حشي » و«ضيطرة»] و في حديث عليّ« من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتخلّف أحدهم يتقلّب علي حشاياه »الضياطرة هم الضخام الذين لاغناء عندهم .الواحد ضيطار، والياء زائدة. والحشايا الفرش واحدها حشيّة بالتشديد.انتهي .أقول «يهجّر» علي التفعيل بمعني السير في الهاجرة، قال [ ابن الأثير] في النهاية[ و] منه حديث زيد بن عروة«هل مهجّر كمن قال » أي
صفحه : 320
هل من سار في الهاجرة كمن نام في القائلة
نَهجٌ [ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِكَاتِبِهِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ أَلِق دَوَاتَكَ، وَ أَطِل جِلفَةَ قَلَمِكَ، وَ فَرّج بَينَ السّطُورِ، وَ قَرمِط بَينَ الحُرُوفِ، فَإِنّ ذَلِكَ أَجدَرُ بِصَبَاحَةِ الخَطّ.
بيان قال الجوهري لاقت الدواة تليق أي لصقت . ولقتها أنايتعدّي و لايتعدّي فهي مليقة إذاأصلحت مدادها، وألقتها إلّاقة لغة فيه . و قال الجلف القشر يقال جلفت الطين عن رأس الدّن أجلفه بالضمّ. وجلفت الشيء قطعته واستأصلته . و قال ابن أبي الحديد الجلفة هيئة فتحة القلم ، وأصله القشر.
نَهجٌ[ وَ] قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يأَتيِ عَلَي النّاسِ زَمَانٌ، لَا يَبقَي فِيهِم مِنَ القُرآنِ إِلّا رَسمُهُ، وَ مِنَ الإِسلَامِ إِلّا اسمُهُ،مَسَاجِدُهُم يَومَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ البِنَاءِ،خَرَابٌ مِنَ الهُدَي،سُكّانُهَا وَ عُمّارُهَا شَرّ أَهلِ الأَرضِ،مِنهُم تَخرُجُ الفِتنَةُ، وَ إِلَيهِم تأَويِ الخَطِيئَةُ.يَرُدّونَ مَن شَذّ عَنهَا فِيهَا، وَ يَسُوقُونَ مَن تَأَخّرَ عَنهَا إِلَيهَا، يَقُولُ اللّهُ سُبحَانَهُ«فبَيِ حَلَفتُ لَأَبعَثَنّ عَلَي أُولَئِكَ فِتنَةً أَترُكُ الحَكِيمَ فِيهَا حَيرَانَ». وَ قَد فَعَلَ، وَ نَحنُ نَستَقِيلُ اللّهَ عَثرَةَ الغَفلَةِ.
صفحه : 321
بيان [ قوله عليه السلام ]« إلّا رسمه » أي كتابته دون العمل به وتلاوته كماينبغي. وقيل رسم القرآن تلاوته و هوأثره .[ قوله عليه السلام ]« وإليهم تأوي»كناية عن شدّة ملازمتهم لها، أو عن رجوع آثامها إليهم ،لكونهم سبب شيوعها في النّاس والضمائر المؤنّثة إمّا راجعة إلي الفتنة أوالخطيئة. وقيل ينبغي أن يكون [ عليه السلام ] قد قال هذاالكلام في أيّام خلافته لأنّها كانت أيّام السيف المسلّط علي أهل الضلال من المسلمين ، وكذلك مابعثه اللّه عزّ و جلّ علي بني أميّة وأتباعهم من سيوف بني هاشم ، بعدانتقاله عليه السلام [ إلي اللّه]، و علي هذاينبغي أن يحمل قوله عليه السلام « و قدفعل » علي دنوّ وقوع الفعل ، أو أنّه قضي في علم اللّه وقدّر حتما. أو يكون قوله عليه السلام «يأتي علي الناس زمان »بمعني أنّ مثل ذلك من الأمور الممكنة التي تجري علي الخلق ، و إن كان قدوقع . ويمكن أن يكون إخبارا عن وقوع الأمور في آخر الزمان ، ويحمل قوله « و قدفعل » علي أحد الوجهين ، و يكون الحكم بدنوه مثل قوله تعالي «اقتَرَبَتِ السّاعَةُ»[1-القمر 54].
[نَهجٌ] وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِغَالِبِ بنِ صَعصَعَةَ أَبِي الفَرَزدَقِ فِي كَلَامٍ دَارَ بَينَهُمَا مَا فَعَلَت إِبِلُكَ الكَثِيرَةُ فَقَالَ ذَعذَعَتهَا الحُقُوقُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ ذَاكَ أَحمَدُ سُبُلِهَا.
صفحه : 322
بيان « مافعلت إبلك » أي كيف تلفت [ أو ماشأنها هل هي علي حالها،أم طرأت عليها الزيادة والنقيصة].[ و]«ذعذعتها الحقوق » أي فرّقتها المصارف الضرورية من الزكاة والجهاد ونوائب القبيلة وأمثالها. و[ قوله عليه السلام ]« أحمد[سبلها]» من المبنيّ للمفعول .
1117- كِتَابُ الغَارَاتِ بِإِسنَادِهِ عَن عَلِيّ بنِ النّعمَانِ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَئِن مَلَكتُ لَأَرمِيَنّهُ بِالحِجَارَةِ.يعَنيِ المُغِيرَةَ[ بنَ شُعبَةَ] وَ كَانَ يَنتَقِصُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ.
وَ عَن جُندَبِ بنِ عَبدِ اللّهِ قَالَذُكِرَ المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ عِندَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ وَ مَا المُغِيرَةُ إِنّمَا كَانَ سَبَبُ إِسلَامِهِ لِفَجرَةٍ وَ غِدرَةٍ لِمُطمَئِنّينَ إِلَيهَا رَكِبَهَا مِنهُم فَهَرَبَ،فَأَتَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَالعَائِذِ بِالإِسلَامِ وَ اللّهِ مَا رَأَي[أَحَدٌ] عَلَيهِ مِنِ ادّعَاءِ الإِسلَامِ خضوع و لاخشوع [خُضُوعاً وَ لَا خُشُوعاً].أَلَا وَ إِنّهُ كَانَ مِن ثَقِيفٍ فَرَاعِنَةٌ يُجَانِبُونَ الحَقّ وَ يُسعِرُونَ نِيرَانَ الحَربِ وَ يُوَازِرُونَ الظّالِمِينَ.أَلَا لِأَنّ ثَقِيفاً قَومٌ غَدِرٌ لَا يُوفُونَ بِعَهدٍ،يُبغِضُونَ العَرَبَ،كَأَنّهُم لَيسُوا مِنهُم وَ لَرُبّ صَالِحٍ قَد كَانَ فِيهِم مِنهُم عُروَةُ بنُ مَسعُودٍ وَ أَبُو عُبَيدِ بنُ مَسعُودٍ. وَ أَمّا الوَلِيدُ بنُ عُقبَةَ فَهُوَ ألّذِي سَمّاهُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ فَاسِقاً، وَ هُوَ أَحَدُ الصّبيَةِ الّذِينَ بَشّرَهُمُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالنّارِ وَ[ قَد] قَالَ شِعراً يَرُدّ عَلَي النّبِيّ
صفحه : 323
صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَولَهُ حَيثُ قَالَ فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ« إِن تَوَلّوهُ تَجِدُوهُ هَادِياً مَهدِيّاً يَسلُكُ بِكُمُ الطّرِيقَ المُستَقِيمَ» فَقَالَ[الوَلِيدُ فِي رَدّ هَذَا القَولِ]
فَإِن يَكُ قَد ضَلّ البَعِيرُ بِحَملِهِ | فَلَم يَكُ مَهدِيّاً وَ لَا كَانَ هَادِياً |
فَهُوَ مِن مبُغضِيِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَعدَائِهِ وَ أَعدَاءِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِأَنّ أَبَاهُ قَتَلَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِيَدِ عَلِيّ صَبراً يَومَ بَدرٍ بِالصّفرَاءِ.
وَ عَن مُغِيرَةَ الضبّيّّ قَالَ مَرّ نَاسٌ بِالحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ هُم يُرِيدُونَ عِيَادَةَ الوَلِيدِ بنِ عُقبَةَ، وَ هُوَ فِي عِلّةٍ شَدِيدَةٍ،فَأَتَاهُ الحَسَنُ عَلَيهِ السّلَامُ مَعَهُم عَائِداً، فَقَالَ لِلحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ«أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِمّا كَانَ بيَنيِ وَ بَينَ جَمِيعِ النّاسِ، إِلّا مَا كَانَ بيَنيِ وَ بَينَ أَبِيكَ» يَقُولُ أَي لَا أَتُوبُ مِنهُ.
قال ابراهيم ولحق بمعاوية يزيد بن حجيّة، ووائل بن حجر الحضرمي، ومصقلة بن هبيرة الشيباني، والقعقاع بن شور، وطارق بن عبد اللّه، والنجاشي الشاعر. و كان أصحابه لمّا نزل بقلوبهم من الفتنة والبلاء والركون إلي الدنيا،يغدرون ويختانون مال الخراج ويهربون إلي معاوية.
وَ عَنِ الأَعمَشِ قَالَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يُوَلّيهِمُ الوِلَايَةَ وَ الأَعمَالَ فَيَأخُذُونَ[ مَا يَقدِرُونَ عَلَيهِ مِنَ الأَموَالِ] وَ يَهرُبُونَ إِلَي مُعَاوِيَةَ،مِنهُمُ المُنذِرُ بنُ الجَارُودِ العبَديِّ. قَالَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَلّي المُنذِرَ بنَ الجَارُودِ فَارِساً فَاحتَازَ مَالًا مِنَ الخَرَاجِ. قَالَ[ وَ] كَانَ المَالُ أَربَعَمِائَةِ أَلفِ دِرهَمٍ،فَحَبَسَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَشَفَعَ فِيهِ صَعصَعَةُ بنُ صُوحَانَ إِلَيهِ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ قَامَ بِأَمرِهِ وَ خَلّصَهُ، وَ كَانَ صَعصَعَةُ مِن مُنَاصِحِيهِ عَلَيهِ السّلَامُ.
صفحه : 324
قَالَ الأَسوَدُ بنُ قَيسٍ جَاءَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَائِداً صَعصَعَةَ فَدَخَلَ عَلَيهِ فَقَالَ لَهُ يَا صَعصَعَةُ لَا تَجعَلَنّ عيِاَدتَيِ إِلَيكَ أُبّهَةً عَلَي قَومِكَ. فَقَالَ لَا وَ اللّهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَ لَكِنّ نِعمَةً وَ شُكراً. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِن كُنتَ مَا عَلِمتُ لَخَفِيفَ المَئُونَةِ عَظِيمَ المَعُونَةِ. فَقَالَ صَعصَعَةُ وَ أَنتَ وَ اللّهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا عَلِمتُ بِكِتَابِ اللّهِ لَعَلِيمٌ، وَ إِنّ اللّهَ فِي صَدرِكَ لَعَظِيمٌ، وَ إِنّكَ بِالمُؤمِنِينَ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ.
ومنهم يزيد بن حجيّة.أقول وذكر أحواله وأحوال جماعة من الفارّين الخاذلين ،أوردنا[سابقا]أحوالهم برواية ابن أبي الحديد عنه و عن غيره . ثمّ قال [صاحب الغارات ] ومنهم الهجنّع عبد اللّه بن عبدالرحمن بن مسعود الثقفي شهد مع علي عليه السلام صفّين، و كان في أوّل أمره مع معاوية ثمّ صار إلي علي ثم رجع بعد إلي معاوية سمّاه علي عليه السلام الهجنّع. والهجنّع الطويل . ومنهم القعقاع بن شور،
حَدّثَنَا جَرِيرُ بنُ عَبدِ الحَمِيدِ عَن[ أَبِي]إِسحَاقَ الشيّباَنيِّ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ تسَألَوُنيّ المَالَ وَ قَدِ استَعمَلتُ القَعقَاعَ بنَ شَورٍ عَلَي كَسكَرَ،فَأَصدَقَ امرَأَتَهُ بِمِائَةِ أَلفٍ وَ ايمُ اللّهِ لَو كَانَ كُفواً[لَهَا] مَا أَصدَقَهَا ذَلِكَ
وَ عَن مَيسَرَةَ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَاتَلُوا أَهلَ الشّامِ مَعَ كُلّ إِمَامٍ بعَديِ.
صفحه : 325
و عن الواقدي قال إنّ عمرو بن ثابت ألذي روي عن أبي أيّوب حديث «ستة أيّام من شوّال» كان يركب بالشام في القري ، فإذادخل قرية جمع أهلها ثمّ يقول أيّها الناس إنّ عليّ بن أبي طالب كان رجلا منافقا،أراد أن ينفّر برسول اللّه صلّي اللّه عليه ليلة العقبة فالعنوه . قال فيلعنه أهل تلك القري ثم يسير إلي الأخري ،فيأمرهم بمثل ذلك . و عن الحسن بن الحرّ قال لقيت مكحولا فإذا هومملوء بغضا لعلي عليه السلام ،فلم أزل به حتّي لان أوسكن . و عن محمد بن عبد اللّه بن قارب قال إنيّ عندمعاوية لجالس إذ جاء أبو موسي فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين . قال [معاوية] وعليك السلام . فلمّا تولّي قال و اللّه لايلي علي اثنين حتّي يموت . و كان أبوبكرة[نفيع بن الحارث ] لمّا قدم علي عليه السلام البصرة لقي الحسن بن أبي الحسن ، و هومتوجّه نحو علي عليه السلام فقال [ له ] إلي أين قال إلي عليّ عليه السلام . قال سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يقول ستكون بعدي فتنة النائم فيهاخير من القاعد، والقاعد فيهاخير من القائم .[ قال الحسن ]فلزمت بيتي، فلمّا كان بعدلقيت جابر بن عبد اللّه و أباسعيد فقالوا أين كنت .فحدّثتهم بما قال أبوبكرة فقالوا لعن اللّه أبابكرة إنّما قال النبي صلّي اللّه عليه وآله [ ذلك ]لأبي موسي «تكون بعدي فتنة أنت فيهانائم خير منك قاعد، و أنت فيهاقاعد خير منك ساع ». و قال لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبوهريرة المسجد،فكان يحدّث
صفحه : 326
و يقول قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و قال أبوالقاسم و قال خليلي.فجاءه شابّ من الأنصار يتخطّي الناس حتّي دنا منه ، فقال يا أباهريرة حديث أسألك عنه فإن كنت سمعته من النّبي صلّي اللّه عليه وآله حدّثنيه،أنشدك باللّه[ أ]
سَمِعتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لعِلَيِّ « مَن كُنتُ مَولَاهُ فعَلَيِّ مَولَاهُ أللّهُمّ وَالِ مَن وَالَاهُ وَ عَادِ مَن عَادَاهُ»
. قال أبوهريرة نعم و ألذي لاإله إلّا هولسمعته من النبي صلّي اللّه عليه يقول لعليّ« من كنت مولاه فعليّ مولاه أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ». فقال له الفتي لقد و اللّه واليت عدوّه وعاديت وليّه[ قال ]فتناول بعض الناس الشّابّ بالحصي ، وخرج أبوهريرة فلم يعد إلي المسجد حتّي خرج من الكوفة.
صفحه : 327
كَنزُ الفَوَائِدِ للِكرَاَجكُيِّ[ قَالَ]حدَثّنَيِ الشّرِيفُ أَبُو الحَسَنِ طَاهِرُ بنُ مُوسَي الحسُيَنيِّ عَن مَيمُونِ بنِ حَمزَةَ الحسُيَنيِّ قَالَرَأَيتُ المَعمَرَ المغَربِيِّ، وَ قَد أتُيَِ بِهِ إِلَي الشّرِيفِ أَبِي عَبدِ اللّهِ مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ سَنَةَ عَشرٍ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَ أُدخِلَ إِلَي دَارِهِ وَ مَعَهُ خَمسَةُ رِجَالٍ أُغلِقَتِ الدّارُ وَ ازدَحَمَ النّاسُ، وَ حَرَصتُ فِي الوُصُولِ إِلَي البَابِ فَمَا قَدَرتُ لِكَثرَةِ الزّحَامِ فَرَأَيتُ بَعضَ غِلمَانِ الشّرِيفِ أَبِي عَبدِ اللّهِ مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ وَ هُمَا قَنبَرُ وَ فَرخٌ وَ عَرّفتُهُمَا أنَيّ أشَتهَيِ أَن أَنظُرَهُ فَقَالَا لِي دُر إِلَي بَابِ الحَمّامِ بِحَيثُ لَا يُدرَي بِكَ.فَصِرتُ إِلَيهِ فَفَتَحَا لِي سِرّاً وَ دَخَلتُ وَ أَغلَقتُ البَابَ، وَ حَصَلتُ فِي مَسلَخِ الحَمّامِ فَإِذَا قَد فُرِشَ لَهُ لِيَدخُلَ الحَمّامَ فَجَلَستُ يَسِيراً فَإِذَا بِهِ قَد دَخَلَ، وَ هُوَ رَجُلٌ نَحِيفُ الجِسمِ،رَبعٌ مِنَ الرّجَالِ،خَفِيفُ العَارِضَينِ،آدَمُ اللّونِ، إِلَي القَصرِ[أَقرَبُ] مَا هُوَ،أَسوَدُ الشّعرِ يُقَدّرُ الإِنسَانُ أَنّ لَهُ نَحواً مِنَ الأَربَعِينَ سَنَةً، وَ فِي صُدغَيهِ أَثَرٌ كَأَنّهُ[أَثَرُ]
صفحه : 328
ضَربَةٍ، فَلَمّا تَمَكّنَ مِنَ الجُلُوسِ وَ النّفَرُ مَعَهُ وَ أَرَادَ خَلعَ ثِيَابِهِ قُلتُ لَهُ مَا هَذِهِ الضّربَةُ فَقَالَ أَرَدتُ أَن أُنَاوِلَ موَلاَيَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ السّوطَ يَومَ النّهرَوَانِ فَقَصّ الفَرَسُ رَأسَهُ فضَرَبَنَيِ بِاللّجَامِ وَ كَانَ حَدِيداً فشَجَنّيِ.فَقُلتُ لَهُ أَ دَخَلتَ هَذِهِ البَلدَةَ قَدِيماً فَقَالَ نَعَم وَ كَانَ مَوضِعَ جَامِعِكُمُ السفّلاَنيِّ مَبصَلَةً وَ فِيهِ بِئرٌ.فَقُلتُ هَؤُلَاءِ أَصحَابُكَ فَقَالَ[هُم]ولُديِ وَ وُلدُ ولُديِ. ثُمّ دَخَلَ الحَمّامَ فَجَلَستُ حَتّي خَرَجَ وَ لَبِسَ ثِيَابَهُ،فَرَأَيتُ عَنفَقَتَهُ قَدِ ابيَضّت،فَقُلتُ لَهُ[ أَ] كَانَ بِهَا صِبَاغٌ قَالَ لَا وَ لَكِن إِذَا جُعتُ ابيَضّت وَ إِذَا شَبِعتُ اسوَدّت فَقُلتُ قُم[ وَ]ادخُلِ الدّارَ حَتّي تَأكُلَ.فَدَخَلَ البَابَ.
1119- وَ رَوَي الحَسَنُ بنُ مُحَمّدِ بنِ يَحيَي بنِ الحَسَنِ بنِ جَعفَرِ بنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ حَجّ فِي تِلكَ السّنَةِ وَ فِيهَا حَجّ نَصرٌ القشَوُريِّ صَاحِبُ المُقتَدِرِ قَالَ فَدَخَلتُ مَدِينَةَ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَصَبتُ فِيهَا قَافِلَةَ البَصرِيّينَ وَ فِيهَا أَبُو بَكرٍ مُحَمّدُ بنُ عَلِيّ الباَدرَاَنيِّ، وَ مَعَهُ رَجُلٌ مِن أَهلِ المَغرِبِ يَذكُرُ أَنّهُ رَأَي أَصحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ ازدَحَمَ عَلَيهِ النّاسُ وَ جَعَلُوا يَتَمَسّحُونَ بِهِ وَ كَادُوا يَقتُلُونَهُ. قَالَ فَأَمَرَ عمَيّ أَبُو القَاسِمِ طَاهِرُ بنُ يَحيَي فِتيَانَهُ وَ غِلمَانَهُ أَن يُفَرّجُوا عَنهُ فَفَعَلُوا، وَ دَخَلُوا بِهِ إِلَي دَارِ ابنِ سَهلٍ اللطّفيِّ، وَ كَانَ طَاهِرٌ يَسكُنُهَا، وَ أَذِنَ لِلنّاسِ فَدَخَلُوا، وَ كَانَ مَعَهُ خَمسَةُ رِجَالٍ ذَكَرَ أَنّهُم أَولَادُهُ وَ أَولَادُهُ فِيهِم شَيخٌ لَهُ نَيّفٌ وَ ثَمَانُونَ سَنَةً،فَسَأَلنَاهُ عَنهُ فَقَالَ هَذَا ابنيِ. وَ[ كَانَ فِيهِم]اثنَانِ[آخَرَانِ]لِكُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا سِتّونَ سَنَةً أَو خَمسُونَ سَنَةً، وَ آخَرُ لَهُ سَبعُونَ سَنَةً فَقَالَ هَذَا ابنُ ابنيِ. وَ[فِيهِم]آخَرُ لَهُ سِتّ عَشرَةَ سَنَةً فَقَالَ هَذَا ابنُ ابنِ ابنيِ، وَ لَم يَكُن لَهُ أَصغَرُ مِنهُ، وَ كَانَ إِذَا رَأَيتُهُ قُلتُ هَذَا ابنُ ثَلَاثِينَ أَو أَربَعِينَ سَنَةً،أَسوَدُ الرّأسِ وَ اللّحيَةِ،شَابّ نَحِيفُ الجِسمِ،آدَمُ،رَبعُ القَامَةِ وَ خَفِيفُ العَارِضَينِ، هُوَ إِلَي القَصرِ أَقرَبُ، وَ اسمُهُ عَلِيّ بنُ عُثمَانَ بنِ الخَطّابِ.
صفحه : 329
فَمِمّا سَمِعتُ مِن حَدِيثِهِ ألّذِي حَدّثَ النّاسَ بِهِ أَنّهُ قَالَ خَرَجتُ مِن بلَدَيِ أَنَا وَ أَبِي وَ عمَيّ نُرِيدُ الوُفُودَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ كُنّا مُشَاةً فِي قَافِلَةٍ،فَانقَطَعنَا عَنِ النّاسِ، وَ اشتَدّ بِنَا العَطَشُ وَ عَدِمنَا المَاءَ، وَ زَادَ بأِبَيِ وَ عمَيّ الضّعفُ فَأَقعَدتُهُمَا إِلَي جَانِبِ شَجَرَةٍ وَ مَضَيتُ أَلتَمِسُ لَهُمَا مَاءً فَوَجَدتُ عَيناً حَسَنَةً وَ فِيهَا مَاءٌ صَافٍ فِي غَايَةِ البَردِ وَ الطّيبَةِ،فَشَرِبتُ حَتّي ارتَوَيتُ، ثُمّ نَهَضتُ لآِتيَِ بأِبَيِ وَ عمَيّ إِلَي العَينِ فَوَجَدتُ أَحَدَهُمَا قَد مَاتَ فَتَرَكتُهُ بِحَالِهِ، وَ أَخَذتُ الآخَرَ وَ مَضَيتُ فِي طَلَبِ العَينِ،فَاجتَهَدتُ إِلَي أَن أَرَاهَا فَلَم أَرَهَا وَ لَا عَرَفتُ مَوضِعَهَا، وَ زَادَ العَطَشُ بِهِ حَتّي مَاتَ،فَحَرَصتُ فِي أَمرِهِ حَتّي وَارَيتُهُ، وَ عُدتُ إِلَي الآخَرِ فَوَارَيتُهُ أَيضاً. وَ سِرتُ وحَديِ إِلَي أَنِ انتَهَيتُ إِلَي الطّرِيقِ وَ لَحِقتُ بِالنّاسِ وَ دَخَلتُ المَدِينَةَ، وَ كَانَ دخُوُليِ إِلَيهَا فِي اليَومِ ألّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَرَأَيتُ النّاسَ مُنصَرِفِينَ مِن دَفنِهِ فَكَانَت أَعظَمُ الحَسَرَاتِ دَخَلَت بقِلَبيِ، وَ وافي [رآَنيِ] أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ فَحَدّثتُهُ حدَيِثيِ فأَخَذَنَيِ وَ أَقَمتُ مَعَهُ مُدّةَ خِلَافَةِ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثمَانَ، وَ فِي أَيّامِ خِلَافَتِهِ حَتّي قَتَلَهُ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ مُلجَمٍ بِالكُوفَةِ. قَالَ وَ لَمّا حُوصِرَ عُثمَانُ بنُ عَفّانَ فِي دَارِهِ،دعَاَنيِ وَ دَفَعَ إلِيَّ كِتَاباً وَ نَجِيباً وَ أمَرَنَيِ بِالخُرُوجِ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ غَائِباً بِ«يَنبُعَ» فِي ضِيَاعِهِ وَ أَموَالِهِ،فَأَخَذتُ الكِتَابَ وَ رَكِبتُ النّجِيبَ وَ سِرتُ حَتّي إِذَا كُنتُ بِمَوضِعٍ يُقَالُ لَهُ جِنَانُ أَبِي عَبَايَةَ،سَمِعتُ قُرآناً فَإِذَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]يَقرَأُأَ فَحَسِبتُم أَنّما خَلَقناكُم عَبَثاً وَ أَنّكُم إِلَينا لا تُرجَعُونَ قَالَ فَلَمّا نَظَرَ إلِيَّ قَالَ يَا أَبَا الدّنيَا مَا وَرَاءَكَ قُلتُ هَذَا كِتَابُ عُثمَانَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ
فَإِن كُنتَ مَأكُولًا فَكُن خَيرَ آكِلٍ | وَ إِلّا فأَدَركِنيِ وَ لَمّا أُمَزّق |
فَلَمّا قَرَأَهُ قَالَ سِر سِر.فَدَخَلنَا المَدِينَةَ سَاعَةَ قَتلِ عُثمَانَ،فَمَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي حَدِيقَةِ بنَيِ النّجّارِ، وَ عَلِمَ النّاسُ بِمَكَانِهِ فَجَاءُوا إِلَيهِ
صفحه : 330
رَكضاً وَ قَد كَانُوا عَازِمِينَ عَلَي أَن يُبَايِعُوا طَلحَةَ، فَلَمّا نَظَرُوا إِلَيهِ ارفَضّوا مِن طَلحَةَ ارفِضَاضَ الغَنَمِ يَشُدّ عَلَيهَا السّبُعُ.فَبَايَعَهُ طَلحَةُ وَ الزّبَيرُ فَتَابَعَ المُهَاجِرُونَ وَ الأَنصَارُ يُبَايِعُونَهُ،فَأَقَمتُ مَعَهُ أَخدُمُهُ. وَ حَضَرتُ مَعَهُ صِفّينَ أَو قَالَ النّهرَوَانَ فَكُنتُ عَن يَمِينِهِ إِذ سَقَطَ السّوطُ مِن يَدِهِ،فَانكَبَبتُ لِآخُذَهُ وَ أَرفَعَهُ إِلَيهِ، وَ كَانَ لِجَامُ دَابّتِهِ حَدِيداً مُدمَجاً فشَجَنّيِ هَذِهِ الشّجّةَ فدَعَاَنيِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَتَفَلَ فِيهَا وَ أَخَذَ حَفنَةً مِن تُرَابٍ فَتَرَكَهَا عَلَيهَا،فَوَ اللّهِ مَا وَجَدتُ أَلَماً وَ لَا وَجَعاً، ثُمّ أَقَمتُ مَعَهُ حَتّي قُتِلَ عَلَيهِ السّلَامُ. وَ صَحِبتُ الحَسَنَ[ بنَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] حَتّي ضُرِبَ بِالسّابَاطِ وَ حُمِلَ إِلَي المَدَائِنِ، وَ لَم أَزَل مَعَهُ بِالمَدِينَةِ حَتّي مَاتَ مَسمُوماً،سَمّتهُ جَعدَةُ بِنتُ الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ الكنِديِّ(لَعنَةُ اللّهِ عَلَيهِمَا). ثُمّ خَرَجتُ مَعَ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ بِكَربَلَاءَ، وَ قُتِلَ عَلَيهِ السّلَامُ فَهَرَبتُ بدِيِنيِ، وَ أَنَا مُقِيمٌ بِالمَغرِبِ أَنتَظِرُ خُرُوجَ المهَديِّ، وَ ظُهُورَ عِيسَي ابنِ مَريَمَ عَلَيهِمَا السّلَامُ. قَالَ الشّرِيفُ أَبُو مُحَمّدٍ حَسَنُ بنُ مُحَمّدٍ الحسُيَنيِّ وَ مِمّا رَأَيتُ مِن هَذَا الشّيخِ عَلِيّ بنِ عُثمَانَ، وَ هُوَ إِذ ذَاكَ فِي دَارِ عمَيّ طَاهِرِ بنِ يَحيَي وَ يُحَدّثُ أَحَادِيثَهُ، وَ بَدءُ خُرُوجِهِ إِذ نَظَرتُ إِلَي عَنفَقَتِهِ فَرَأَيتُهَا قَدِ احمَرّت ثُمّ ابيَضّت،فَجَعَلتُ أَنظُرُ إِلَي ذَلِكَ لِأَنّهُ لَم يَكُن فِي لِحيَتِهِ وَ لَا رَأسِهِ وَ لَا عَنفَقَتِهِ بَيَاضٌ،فَنَظَرَ إلِيَّ[ وَ أَنَا]أَنظُرُ إِلَيهِ فَقَالَ مَا تَرَونَ إِنّ هَذَا يصُيِبنُيِ إِذَا جُعتُ فَإِذَا شَبِعتُ رَجَعَت إِلَي سَوَادِهَا،فَدَعَا عمَيّ بِطَعَامٍ فَأُخرِجَ مِن دَارِهِ ثَلَاثُ مَوَائِدَ فَوُضِعَت بَينَ يَدَيهِ، وَ كُنتُ أَنَا مِمّن جَلَسَ مَعَهُ عَلَيهَا وَ جَلَسَ عمَيّ مَعَهُ،فَكَانَ يَأكُلُ وَ يَلقُمُهُ فَأَكَلَ أَكلَ شَابّ وَ عمَيّ يَحلِفُ عَلَيهِ، وَ أَنَا أَنظُرُ إِلَي عَنفَقَتِهِ تَسوَدّ حَتّي عَادَت إِلَي سَوَادِهَا وَ شَبِعَ.
صفحه : 331
1134- ثُمّ قَالَ[الكرَاَجكُيِّ] وَ حدَثّنَيِ القاَضيِ أَسَدُ بنُ اِبرَاهِيمَ السلّمَيِّ وَ الحُسَينُ بنُ مُحَمّدٍ الصيّرفَيِّ،جَمِيعاً عَن مُحَمّدِ بنِ مُحَمّدٍ المَعرُوفِ بِالمُفِيدِ عَن عَلِيّ بنِ عُثمَانَ المَعرُوفِ بأِبَيِ الدّنيَا الأَشَجّ المُعَمّرِ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ كَلِمَةُ الحَقّ ضَالّةُ المُؤمِنِ،حَيثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقّ بِهَا.
وَ بِهَذَا الإِسنَادِ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ أَحبِب حَبِيبَكَ هَوناً مَا،عَسَي أَن يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوماً مَا، وَ أَبغِض بَغِيضَكَ هَوناً مَا،عَسَي أَن يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوماً مَا.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ طُوبَي لِمَن رآَنيِ أَو رَأَي مَن رآَنيِ أَو رَأَي مَن رَأَي مَن رآَنيِ.
وَ بِالإِسنَادِ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ قَالَ عَهِدَ إلِيَّ النّبِيّ الأمُيّّ أَنّهُ لَا يُحِبّكَ إِلّا مُؤمِنٌ وَ لَا يُبغِضُكَ إِلّا مُنَافِقٌ.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ قَالَ عَلِيّ[ عَلَيهِ السّلَامُ] فِي الزّنَا سِتّ خِصَالٍ ثَلَاثٌ فِي الدّنيَا وَ ثَلَاثٌ فِي الآخِرَةِ.فَأَمّا اللوّاَتيِ فِي الدّنيَا فَيَذهَبُ بِنُورِ الوَجهِ، وَ يَقطَعُ الرّزقَ، وَ يُسرِعُ الفَنَاءَ. وَ أَمّا اللوّاَتيِ فِي الآخِرَةِ فَغَضَبُ الرّبّ عَزّ وَ جَلّ، وَ سُوءُ الحِسَابِ، وَ الدّخُولُ فِي النّارِ.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّداً فَليَتَبَوّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا نَزَلَتوَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سَأَلتُ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ أَن يَجعَلَهَا أُذُنَكَ
صفحه : 332
يَا عَلِيّ.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا تَتّخِذُوا قبَريِ عِيداً، وَ لَا تَتّخِذُوا قُبُورَكُم مَسَاجِدَ، وَ لَا بُيُوتَكُم قُبُوراً، وَ صَلّوا عَلَيّ حَيثُ كُنتُم فَإِنّ صَلَاتَكُم تبَلغُنُيِ وَ تَسلِيمَكُم يبَلغُنُيِ.
وَ بِالإِسنَادِ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ مَا رَمِدتُ وَ لَا صَدَعتُ مُنذُ يَومَ دَفَعَ إلِيَّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الرّايَةَ يَومَ خَيبَرَ.
وَ بِالإِسنَادِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ مَن جَلَسَ فِي مَجلِسِهِ يَنتَظِرُ الصّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ، وَ صَلّت عَلَيهِ المَلَائِكَةُ، وَ صَلَاتُهُم عَلَيهِ أللّهُمّ اغفِر لَهُ أللّهُمّ ارحَمهُ.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا يَحجُبُهُ وَ لَا يَحجُزُهُ عَن قِرَاءَةِ القُرآنِ إِلّا الجَنَابَةُ.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الحَربُ خُدعَةٌ.
وَ بِالإِسنَادِ قَالَ قَضَي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي الدّينِ قَبلَ الوَصِيّةِ، وَ أَنتُم تَقرَءُونَمِن بَعدِ وَصِيّةٍ تُوصُونَ بِها أَو دَينٍ. وَ إِنّ أَعيَانَ بنَيِ الأُمّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بنَيِ العَلّاتِ،يَرِثُ الرّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَ أُمّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ.
قَالَ أَبُو بَكرٍ المَعرُوفُ بِالمُفِيدِرَأَيتُ أَثَرَ الشّجّةِ فِي وَجهِهِ[حِينَمَا لَقِيتُهُ] وَ قَالَ أُخبِرتُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بحِدَيِثيِ وَ قصِتّيِ فِي سفَرَيِ وَ مَوتِ أَبِي
صفحه : 333
وَ عمَيّ وَ العَينِ التّيِ شَرِبتُهَا مِنهَا وحَديِ فَقَالَ هَذِهِ عَينٌ لَم يَشرَب مِنهَا أَحَدٌ إِلّا عُمّرَ عُمُراً طَوِيلًا،فَأَبشِر، مَا كُنتَ لِتَجِدَهَا بَعدَ شُربِكَ مِنهَا. قَالَ أَبُو بَكرٍ وَ سَأَلتُ عَنِ الأَشَجّ أَقوَاماً مِن أَهلِ بَلَدِهِ فَقَالُوا هُوَ مَشهُورٌ عِندَنَا بِطُولِ العُمُرِ،يُحَدّثُنَا بِذَلِكَ عَن آبَائِهِم عَن أَجدَادِهِم.
فَأَمّا الأَحَادِيثُ التّيِ رَوَاهَا عَنِ الأَشَجّ أَبُو مُحَمّدٍ الحَسَنُ بنُ مُحَمّدٍ الحسُيَنيِّ مِمّا لَم يَروِهِ أَبُو بَكرٍ مُحَمّدُ بنُ أَحمَدَ الجرَجرَاَئيِّ فهَيَِ قَالَ الشّرِيفُ أَبُو مُحَمّدٍ حدَثّنَيِ عَلِيّ بنُ عُثمَانَ المَعرُوفُ بِالأَشَجّ[ قَالَ]حدَثّنَيِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن أَحَبّ أَهلَ اليَمَنِ فَقَد أحَبَنّيِ وَ مَن أَبغَضَهُم فَقَد أبَغضَنَيِ.
قَالَ وَ حدَثّنَيِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنَا وَ أَنتَ يَا عَلِيّ أَبَوَا هَذَا الخَلقِ،فَمَن عَقّنَا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ،أَمّن يَا عَلِيّ فَقُلتُ آمِينَ يَا رَسُولَ اللّهِ. وَ قَالَ يَا عَلِيّ أَنَا وَ أَنتَ أَجِيرَا هَذَا الخَلقِ،فَمَن مَنَعَنَا أَجرَنَا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهُ،أَمّن يَا عَلِيّ.[فَقُلتُ آمِينَ يَا رَسُولَ اللّهِ].[ وَ قَالَ يَا عَلِيّ] أَنَا وَ أَنتَ مَولَيَا هَذَا الخَلقِ،فَمَن جَحَدَنَا وَلَاءَنَا وَ أَنكَرَنَا حَقّنَا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهُ،أَمّن يَا عَلِيّ.فَقُلتُ آمِينَ يَا رَسُولَ اللّهِ.
بيان قوله «مدمجا» أي دخل بعضه في بعض . و في بعض النسخ «مزججا».يقال أزججت الرمح أي جعلت له زجّا. وزجّجت المرأة حاجبيها دقّقته وطوّلته. قوله [صلّي اللّه عليه وآله ]« لاتتّخذوا قبري عيدا» أي عادة بكثرة الزيارة أومجمعا للأمور. و في سائر الروايات «مسجدا» و هوالظّاهر.
صفحه : 334
1156- وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ ففَيِ شَرحِ النّهجِ رَوَي جَعفَرُ بنُ سُلَيمَانَ عَن أَبِي هَارُونَ العبَديِّ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَوماً لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا يَلقَي بَعدَهُ مِنَ العَنَتِ فَأَطَالَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنشُدُكَ اللّهَ وَ الرّحِمَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَمّا دَعَوتَ اللّهَ أَن يقَبضِنَيِ إِلَيهِ قَبلَكَ فَقَالَ كَيفَ أَسأَلُهُ فِي أَجَلٍ مُؤَجّلٍ. قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَعَلَامَ أُقَاتِلُ مَن أمَرَتنَيِ بِقِتَالِهِ قَالَ عَلَي الحَدَثِ فِي الدّينِ.
وَ رَوَي الأَعمَشُ عَن عَمّارٍ الدهّنيِّ عَن أَبِي صَالِحٍ الحنَفَيِّ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ لَنَا يَوماً لَقَد رَأَيتُ اللّيلَةَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي المَنَامِ فَشَكَوتُ إِلَيهِ مَا لَقِيتُ حَتّي بَكَيتُ، فَقَالَ لِيَ انظُر.[فَنَظَرتُ] فَإِذَا جَلَامِيدُ، وَ إِذَا رَجُلَانِ مُصَفّدَانِ قَالَ الأَعمَشُ هُمَا مُعَاوِيَةُ وَ عَمرُو بنُ العَاصِ قَالَ فَجَعَلتُ أَرضَخُ رُءُوسَهُمَا ثُمّ تَعُودُ، ثُمّ أَرضَخُ رُءُوسَهُمَا ثُمّ تَعُودُ حَتّي انتَبَهتُ.
وَ رَوَي قَيسُ بنُ الرّبِيعِ عَن يَحيَي بنِ هَانِئٍ المرُاَديِّ عَن رَجُلٍ مِن قَومِهِ يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بنُ فُلَانٍ قَالَ كُنّا فِي بَيتٍ مَعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ نَحنُ شِيعَتُهُ وَ خَوَاصّهُ،فَالتَفَتَ[ عَلِيّ]فَلَم يُنكِر مِنّا أَحَداً فَقَالَ إِنّ هَؤُلَاءِ سَيَظهَرُونَ عَلَيكُم فَيَقطَعُونَ أَيدِيَكُم، وَ يَسمُلُونَ أَعيُنَكُم. فَقَالَ رَجُلٌ مِنّا وَ أَنتَ حيَّ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ أعَاَذنَيِ اللّهُ مِن ذَلِكَ.فَالتَفَتَ فَإِذَا وَاحِدٌ يبَكيِ فَقَالَ لَهُ يَا ابنَ الحَمقَاءِ أَ تُرِيدُ بِاللّذّاتِ فِي الدّنيَا الدّرَجَاتِ فِي الآخِرَةِ إِنّمَا وَعَدَ اللّهُ الصّابِرِينَ.
صفحه : 335
وَ رَوَي زُرَارَةُ بنُ أَعيَنَ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِذَا صَلّي الفَجرَ لَم يَزَل مُعَقّباً إِلَي أَن تَطلُعَ الشّمسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ اجتَمَعَ إِلَيهِ الفُقَرَاءُ وَ المَسَاكِينُ وَ غَيرُهُم مِنَ النّاسِ،فَيُعَلّمُهُمُ الفِقهَ وَ القُرآنَ. وَ كَانَ لَهُ وَقتٌ يَقُومُ فِيهِ مِن مَجلِسِهِ ذَلِكَ،فَقَامَ يَوماً فَمَرّ بِرَجُلٍ فَرَمَاهُ بِكَلِمَةِ هُجرٍ قَالَ وَ لَم يُسَمّهِ مُحَمّدُ بنُ عَلِيّ فَرَجَعَ عَودَهُ عَلَي بَدئِهِ حَتّي صَعِدَ المِنبَرَ، وَ أَمَرَ فنَوُديَِ الصّلَاةُ جَامِعَةً،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إِنّهُ لَيسَ شَيءٌ أَحَبّ إِلَي اللّهِ وَ لَا أَعَمّ نَفعاً مِن حِلمِ إِمَامٍ وَ فِقهِهِ، وَ لَا شَيءٌ أَبغَضَ إِلَي اللّهِ وَ لَا أَعَمّ ضَرَراً مِن جَهلِ إِمَامٍ وَ خَرقِهِ.أَلَا وَ إِنّهُ مَن لَم يَكُن لَهُ مِن نَفسِهِ وَاعِظٌ، لَم يَكُن لَهُ مِنَ اللّهِ حَافِظٌ.أَلَا وَ إِنّهُ مَن أَنصَفَ مِن نَفسِهِ، لَم يَزِدهُ اللّهُ إِلّا عِزّاً.أَلَا وَ إِنّ الذّلّ فِي طَاعَةِ اللّهِ أَقرَبُ إِلَي اللّهِ مِنَ التّعَزّزِ فِي مَعصِيَتِهِ. ثُمّ قَالَ أَينَ المُتَكَلّمُ آنِفاً.فَلَم يَستَطِعِ الإِنكَارَ فَقَالَ هَا أَنَا ذَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَقَالَ أَمَا إنِيّ لَو أَشَاءُ لَقُلتُ. فَقَالَ أَو تَعفُو وَ تَصفَحُ فَأَنتَ أَهلٌ لِذَلِكَ. فَقَالَ عَفَوتُ وَ صَفَحتُ.فَقِيلَ لِمُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا أَرَادَ أَن يَقُولَ. قَالَ أَرَادَ أَن يَنسُبَهُ.
وَ رَوَي زُرَارَةُ أَيضاً قَالَقِيلَ لِجَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ قَوماً هَاهُنَا يَنتَقِصُونَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ. فَقَالَ بِمَ يَنتَقِصُونَهُ لَا أَبَا لَهُم وَ هَل فِيهِ مَوضِعُ نَقِيصَةٍ وَ اللّهِ مَا عَرَضَ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمرَانِ قَطّ كِلَاهُمَا لِلّهِ طَاعَةٌ إِلّا عَمِلَ بِأَشَدّهِمَا وَ أَشَقّهِمَا عَلَيهِ وَ لَقَد كَانَ يَعمَلُ العَمَلَ كَأَنّهُ قَائِمٌ بَينَ الجَنّةِ وَ النّارِ،يَنظُرُ إِلَي ثَوَابِ هَؤُلَاءِ فَيَعمَلُ لَهُ، وَ يَنظُرُ إِلَي عِقَابِ هَؤُلَاءِ فيَنَتهَيِ لَهُ، وَ إِن كَانَ لَيَقُومُ إِلَي الصّلَاةِ فَإِذَا
صفحه : 336
قَالَوَجّهتُ وجَهيَِتَغَيّرَ لَونُهُ حَتّي[ كَانَ]يُعرَفُ ذَلِكَ فِي لَونِهِ. وَ لَقَد أَعتَقَ أَلفَ عَبدٍ مِن كَدّ يَدِهِ،يَعرَقُ فِيهِ جَبِينُهُ وَ يَحفَي فِيهِ كَفّهُ. وَ لَقَد بَشّرَ بِعَينٍ نَبَعَت فِي مَالِهِ مِثلَ عُنُقِ الجَزُورِ فَقَالَ بَشّرِ الوَارِثَ، ثُمّ جَعَلَهَا صَدَقَةً عَلَي الفُقَرَاءِ وَ المَسَاكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ إِلَي أَن يَرِثَ اللّهُ الأَرضَ وَ مَن عَلَيهَا،لِيَصرِفَ اللّهُ النّارَ عَن وَجهِهِ.
وَ رَوَي القَنّادُ عَن أَبِي مَريَمَ الأنَصاَريِّ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَا يحُبِنّيِ كَافِرٌ وَ لَا وَلَدُ زِنًا.
قَالَ وَ رَوَي أَبُو غَسّانَ النهّديِّ قَالَ دَخَلَ قَومٌ مِنَ الشّيعَةِ عَلَي عَلِيّ فِي الرّحبَةِ وَ هُوَ عَلَي حَصِيرٍ خَلَقٍ فَقَالَ[لَهُم] مَا جَاءَ بِكُم قَالُوا حُبّكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ أَمَا إِنّهُ مَن أحَبَنّيِ رآَنيِ حَيثُ يُحِبّ أَن يرَاَنيِ، وَ مَن أبَغضَنَيِ رآَنيِ حَيثُ يَكرَهُ أَن يرَاَنيِ. ثُمّ قَالَ مَا عَبَدَ اللّهَ أَحَدٌ قبَليِ إِلّا نَبِيّهُ، وَ لَقَد هَجَمَ أَبُو طَالِبٍ عَلَينَا وَ أَنَا وَ هُوَ سَاجِدَانِ فَقَالَ أَ وَ فَعَلتُمُوهَا ثُمّ قَالَ لِي وَ أَنَا غُلَامٌ وَيحَكَ،انصُر ابنَ عَمّكَ،وَيحَكَ لَا تَخذُلهُ. وَ جَعَلَ يحَثُنّيِ عَلَي مُؤَازَرَتِهِ وَ مُكَانَفَتِهِ.
وَ رَوَي جَابِرٌ الجعُفيِّ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ مَن أَحَبّنَا أَهلَ البَيتِ فَليَستَعِدّ عُدّةً لِلبَلَاءِ.
وَ رَوَي أَبُو الأَحوَصِ عَن أَبِي حَيّانَ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ[ أَنّهُ] قَالَ يَهلِكُ فِيّ رَجُلَانِ مُحِبّ غَالٍ، وَ مُبغِضٌ قَالٍ.
وَ رَوَي حَمّادُ بنُ صَالِحٍ، عَن أَيّوبَ عَن أَبِي كَهمَسٍ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَيَهلِكُ فِيّ ثَلَاثَةٌ اللّاعِنُ، وَ المُستَمِعُ المُقِرّ، وَ حَامِلُ الوِزرِ، وَ هُوَ المَلِكُ المُترَفُ ألّذِي يُتَقَرّبُ إِلَيهِ بلِعَنيِ، وَ يُبرَأُ عِندَهُ مِن ديِنيِ، وَ يُنتَقَصُ عِندَهُ حسَبَيِ، وَ إِنّمَا
صفحه : 337
حسَبَيِ حَسَبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ ديِنيِ دِينُهُ. وَ يَنجُو فِيّ ثَلَاثَةٌ مَن أحَبَنّيِ، وَ مَن أَحَبّ محُبِيّ، وَ مَن عَادَي عدَوُيّ.فَمَن أَشرَبَ قَلبَهُ بغُضيِ، أَو أَلّبَ عَلَيّ، أَو تنَقصُنُيِ،فَليَعلَم أَنّ اللّهَ عَدُوّهُ وَ جَبرَئِيلَ، وَ أَنّاللّهَ عَدُوّ لِلكافِرِينَ.
وَ رَوَي أَبُو صَادِقٍ عَن رَبِيعَةَ بنِ نَاجِدٍ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّ فِيكَ لَشَبَهاً مِن عِيسَي ابنِ مَريَمَ،أَحَبّتهُ النّصَارَي حَتّي أَنزَلَتهُ بِالمَنزِلَةِ التّيِ لَيسَت لَهُ، وَ أَبغَضَتهُ اليَهُودُ حَتّي بَهَتَت أُمّهُ.
قَالَ[ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ] وَ رَوَي شَيخُنَا أَبُو القَاسِمِ البلَخيِّ عَن سَلَمَةَ بنِ كُهَيلٍ عَنِ المُسَيّبِ بنِ نَجَبَةَ قَالَ بَينَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَخطُبُ إِذ قَامَ أعَراَبيِّ فَصَاحَ وَا مَظلِمَتَاه فَاستَدنَاهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَلَمّا دَنَا[ مِنهُ] قَالَ[ لَهُ]إِنّمَا لَكَ مَظلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَ أَنَا قَد ظُلِمتُ عَدَدَ المَدَرِ وَ الوَبَرِ
قَالَ وَ فِي رِوَايَةِ عَبّادِ بنِ يَعقُوبَ أَنّهُ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَيحَكَ وَ أَنَا وَ اللّهِ مَظلُومٌ،هَاتِ فَلنَدعُ عَلَي مَن ظَلَمَنَا.
وَ رَوَي سَدِيرٌ الصيّرفَيِّ عَن أَبِي جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَاشتَكَي عَلِيّ شِكَايَةً فَعَادَهُ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ، وَ خَرَجَا مِن عِندِهِ فَأَتَيَا النّبِيّ صَلّي
صفحه : 338
اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَسَأَلَهُمَا مِن أَينَ جِئتُمَا قَالَا عُدنَا عَلِيّاً. قَالَ كَيفَ رَأَيتُمَاهُ قَالَا رَأَينَاهُ لِمَا بِهِ. فَقَالَ كَلّا إِنّهُ لَن يَمُوتَ حَتّي يُوَسّعَ غَدراً وَ بَغياً، وَ لَيَكُونَنّ فِي هَذِهِ الأُمّةِ عِبرَةً يَعتَبِرُ بِهِ النّاسُ مِن بعَديِ.
وَ رَوَي عُثمَانُ بنُ سَعِيدٍ عَن عَبدِ اللّهِ الغنَوَيِّ، أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ خَطَبَ بِالرّحبَةِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إِنّكُم قَد أَبَيتُم إِلّا أَن أَقُولَهَا فَوَ رَبّ السّمَاءِ وَ الأَرضِ إِنّ مِن عَهدِ النّبِيّ الأمُيّّ[إلِيَّ]« أَنّ الأُمّةَ سَتَغدِرُ بِكَ بعَديِ».
وَ رَوَي هُشَيمُ بنُ بَشِيرٍ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ سَالِمٍ مِثلَهُ.
وروي أهل الحديث هذاالخبر بهذا اللفظ أوبقريب منه .
وَ رَوَي أَبُو جَعفَرٍ الإسِكاَفيِّ أَيضاً أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ دَخَلَ عَلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَوَجَدَ عَلِيّاً نَائِماً فَذَهَبَت تُنَبّهُهُ فَقَالَ دَعِيهِ فَرُبّ سَهَرٍ لَهُ بعَديِ طَوِيلٌ، وَ رُبّ جَفوَةٍ لِأَهلِ بيَتيِ مِن أَجلِهِ شَدِيدَةٌ.فَبَكَت[فَاطِمَةُ] فَقَالَ لَا تبَكيِ فَإِنّكُمَا معَيِ وَ فِي مَوقِفِ الكَرَامَةِ عنِديِ.
وَ رَوَي النّاسُ كَافّةً أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُ هَذَا ولَيِيّ وَ أَنَا وَلِيّهُ،عَادَيتُ مَن عَادَاهُ وَ سَالَمتُ مَن سَالَمَهُ، أَو نَحوَ هَذَا اللّفظِ.
وَ رَوَي مُحَمّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ عَن زَيدِ بنِ عَلِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ عَدُوّكَ عدَوُيّ، وَ عدَوُيّ عَدُوّ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ.
وَ رَوَي يُونُسُ بنُ خَبّابٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَكُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ مَعَنَا،فَمَرَرنَا بِحَدِيقَةٍ فَقَالَ عَلِيّ يَا
صفحه : 339
رَسُولَ اللّهِ أَ لَا تَرَي مَا أَحسَنَ هَذِهِ الحَدِيقَةَ فَقَالَ إِنّ حَدِيقَتَكَ فِي الجَنّةِ أَحسَنُ مِنهَا. حَتّي مَرَرنَا بِسَبعِ حَدَائِقَ يَقُولُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا قَالَهُ، وَ يُجِيبُهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِمَا أَجَابَهُ. ثُمّ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَقَفَ فَوَقَفنَا[حَولَهُ]، وَ وَضَعَ رَأسَهُ عَلَي رَأسِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ بَكَي. فَقَالَ مَا يُبكِيكَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ قَومٍ لَا يُبدُونَهَا لَكَ حَتّي يفَقدِوُنيِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ فَلَا أَضَعُ سيَفيِ عَلَي عاَتقِيِ فَأُبِيدَ خَضرَاءَهُم قَالَ بَل تَصبِرُ. قَالَ فَإِن صَبَرتُ قَالَ تلُاَقيِ جَهداً. قَالَ أَ فِي سَلَامَةٍ مِن ديِنيِ قَالَ نَعَم قَالَ فَإِذاً لَا أبُاَليَِ.
وَ رَوَي جَابِرٌ الجعُفيِّ عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا رَأَيتُ مُذ بَعَثَ اللّهُ مُحَمّداً رَخَاءً،لَقَد أخَاَفتَنيِ قُرَيشٌ صَغِيراً، وَ أنَصبَتَنيِ كَبِيراً، حَتّي قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَكَانَتِ الطّامّةُ الكُبرَي،وَ اللّهُ المُستَعانُ عَلي ما تَصِفُونَ.
1158- وَ مِن كِتَابِ الغَارَاتِ قَالَ رَوَي مُحَمّدُ بنُ إِسمَاعِيلَ البجَلَيِّ عَن عَمرِو بنِ مُوسَي عَنِ المِنهَالِ بنِ عَمرٍو عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الحَارِثِ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي المِنبَرِ مَا أَحَدٌ جَرَت عَلَيهِ الموَاَسيِ إِلّا وَ قَد أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ قُرآناً.فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ
صفحه : 340
مِن مُبغِضِيهِ فَقَالَ لَهُ فَمَا أَنزَلَ اللّهُ تَعَالَي فِيكَ فَقَامَ النّاسُ إِلَيهِ يَضرِبُونَهُ فَقَالَ دَعُوهُ، أَ تَقرَأُ سُورَةَ هُودٍ قَالَ نَعَم.فَقَرَأَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُأَ فَمَن كانَ عَلي بَيّنَةٍ مِن رَبّهِ وَ يَتلُوهُ شاهِدٌ مِنهُ ثُمّ قَالَ« ألّذِي كَانَ عَلَي بَيّنَةٍ مِن رَبّهِ» مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،الشّاهِدُ ألّذِي يَتلُوهُ أَنَا
وَ رَوَي عُثمَانُ بنُ سَعِيدٍ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ بُكَيرٍ عَن حَكِيمِ بنِ جُبَيرٍ قَالَ خَطَبَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ فِي أَثنَاءِ خُطبَتِهِ أَنَا عَبدُ اللّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ، لَا يَقُولُهَا أَحَدٌ قبَليِ وَ لَا بعَديِ إِلّا كَذّابٌ.وَرِثتُ نبَيِّ الرّحمَةِ، وَ نَكَحتُ سَيّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمّةِ، وَ أَنَا خَاتَمُ الوَصِيّينَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِن عَبسٍ مَن لَا يُحسِنُ أَن يَقُولَ مِثلَ هَذَا فَلَم يَرجِع إِلَي أَهلِهِ حَتّي جُنّ وَ صَرَعَ.فَسَأَلُوهُم هَل رَأَيتُم بِهِ عَرضاً قَبلَ هَذَا قَالُوا وَ مَا رَأَينَا بِهِ قَبلَ هَذَا عَرضاً.
وَ رَوَي عُثمَانُ بنُ سَعِيدٍ عَن شَرِيكِ بنِ عَبدِ اللّهِ قَالَ لَمّا بَلَغَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ النّاسُ يَتّهِمُونَهُ فِيمَا يَذكُرُهُ مِن تَقدِيمِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ[إِيّاهُ] وَ تَفضِيلِهِ عَلَي النّاسِ قَالَ
صفحه : 341
أَنشُدُ اللّهَ مَن بقَيَِ مِمّن لقَيَِ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ سَمِعَ مَقَالَتَهُ فِيّ يَومَ غَدِيرِ خُمّ إِلّا قَامَ فَشَهِدَ بِمَا سَمِعَ.فَقَامَ سِتّةٌ مِمّن عَن يَمِينِهِ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ[ وَ شَهِدُوا]أَنّهُم سَمِعُوهُ يَقُولُ ذَلِكَ اليَومَ وَ هُوَ رَافِعٌ بِيَدِ عَلِيّ مَن كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا مَولَاهُ أللّهُمّ وَالِ مَن وَالَاهُ، وَ عَادِ مَن عَادَاهُ، وَ انصُر مَن نَصَرَهُ، وَ اخذُل مَن خَذَلَهُ، وَ أَحِبّ مَن أَحَبّهُ، وَ أَبغِض مَن أَبغَضَهُ.
نَهجٌ[ وَ] قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ نَحنُ النّمرُقَةُ الوُسطَي، بِهَا يَلحَقُ التاّليِ، وَ إِلَيهَا يَرجِعُ الغاَليِ.
بيان النمرقة وسادة صغيرة، وربّما سمّوا الطّنفسة التي فوق الرحل نمرقة. قال ابن أبي الحديد والمعني أنّ آل محمدصلّي اللّه عليه وآله هم الأمر الأوسط بين الطرفين المذمومين ،فكلّ من جاوزهم فالواجب أن [يرجع إليهم ، و كلّ من قصّر عنهم فالواجب أن ]يلحق بهم . واستعار لفظ النمرقة لهذا المعني من قولهم ركب فلان من الأمر منكرا، و قدارتكب الرأي الفلاني،فكأنّ مايراه الإنسان مذهبا يرجع إليه ، يكون كالرّاكب والجالس عليه . ويجوز أن يكون لفظ«الوسطي »يراد به الفضلي ،يقال هذه هي الطريقة الوسطي ، والخليفة الوسطي أي الفضلي ، و منه قوله تعالي قالَ أَوسَطُهُم و منه جَعَلناكُم أُمّةً وَسَطاً.
صفحه : 342
و قال ابن ميثم وجه الاستعارة، أنّ أئمّة الحقّ مستند للخلق في تدبير معاشهم ومعادهم .انتهي . ويمكن أن يقال لمّا كان الصدر في النمارق المصفوفة هي الوسطي ،فلذا وصفها بها.
1161- نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا شَكَكتُ فِي الحَقّ مُذ أُرِيتُهُ. وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا كَذَبتُ وَ لَا كُذِبتُ، وَ لَا ضَلَلتُ وَ لَا ضُلّ بيِ.
نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَا يُعَابُ المَرءُ بِتَأخِيرِ حَقّهِ،إِنّمَا يُعَابُ مَن أَخَذَ مَا لَيسَ لَهُ.
بيان قال ابن أبي الحديد لعلّ هذه الكلمة قالها في جواب سائل سأله لم أخّرت المطالبة لحقّك من الإمامة فقال عليه السلام لايعاب المرء بتأخير استيفاء حقّه. و لمّا كان حقّ الإمامة غيرمختصّ به لأنّ مصالح المسلمين كانت منوطة بها فلابدّ من إضمار في الكلام أي إذا كان هناك مانع من طلبه ،انتهي . ويمكن حمله علي الحقوق الخالصة كالانتقام ونحوه واسترداد فدك ومثله .
نَهجٌ[ وَ]سُئِلَ عَلَيهِ السّلَامُ عَن قُرَيشٍ فَقَالَ
صفحه : 343
أَمّا بَنُو مَخزُومٍ فَرَيحَانَةُ قُرَيشٍ،تُحِبّ حَدِيثَ رِجَالِهِم وَ النّكَاحَ فِي نِسَائِهِم، وَ أَمّا بَنُو عَبدِ شَمسٍ فَأَبعَدُهَا رَأياً وَ أَمنَعُهَا لِمَا وَرَاءِ ظُهُورِهَا، وَ أَمّا نَحنُ فَأَبذَلُ لِمَا فِي أَيدِينَا، وَ أَسمَحُ عِندَ المَوتِ بِنُفُوسِنَا، وَ هُم أَكثَرُ وَ أَمكَرُ وَ أَنكَرُ، وَ نَحنُ أَفصَحُ وَ أَنصَحُ وَ أَصبَحُ.
بيان قال ابن ميثم فلان بعيد الرأي، إذا كان يري المصلحة من بعيد لقوّة رأيه . و[ قوله عليه السلام ] و«أمنعها لماوراء ظهورها»كناية عن حميّتهم. و[ قال ابن الأثير] في النهاية النكر بالضمّ الدهاء والأمر المنكر.[ قوله عليه السلام ]« وأصبح » أي أحسن وجوها وأجمل ، وألقي للناس بالطلاقة والبشر.
نَهجٌ[ وَ] قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد رئُيَِ عَلَيهِ إِزَارٌ خَلَقٌ مَرفُوعٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَخشَعُ لَهُ القَلبُ، وَ تَذِلّ بِهِ النّفسُ،[ وتذل به النفس ] وَ يقَتدَيِ بِهِ المُؤمِنُونَ.
[نَهجٌ] وَ مَدَحَهُ قَومٌ فِي وَجهِهِ فَقَالَ أللّهُمّ إِنّكَ أَعلَمُ بيِ مِن نفَسيِ، وَ أَنَا أَعلَمُ بنِفَسيِ مِنهُم، أللّهُمّ اجعَلنَا خَيراً مِمّا يَظُنّونَ، وَ اغفِر لَنَا مَا لَا يَعلَمُونَ.
وَ قَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ]لِرَجُلٍ أَفرَطَ فِي الثّنَاءِ عَلَيهِ وَ كَانَ لَهُ
صفحه : 344
مُتّهِماً أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ وَ فَوقَ مَا فِي نَفسِكَ.
وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ يَهلِكُ فِيّ رَجُلَانِ مُحِبّ مُطرٍ، وَ بَاهِتٌ مُفتَرٍ.
[ قال السيّد الرضي رحمه اللّه] و هذامثل قوله عليه السلام يهلك فيّ اثنان محبّ غال ، ومبغض قال .
نَهجٌ وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَو ضَرَبتُ خَيشُومَ المُؤمِنِ بسِيَفيِ هَذَا عَلَي أَن يبُغضِنَيِ مَا أبَغضَنَيِ، وَ لَو صَبَبتُ الدّنيَا بِجَمّاتِهَا عَلَي المُنَافِقِ عَلَي أَن يحُبِنّيِ مَا أحَبَنّيِ، وَ ذَلِكَ أَنّهُ قَضَي فَانقَضَي عَلَي لِسَانِ النّبِيّ الأمُيّّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ قَالَ لَا يُبغِضُكَ مُؤمِنٌ وَ لَا يُحِبّكَ مُنَافِقٌ.
بيان الخيشوم أقصي الأنف . والجمّة المكان ألذي يجتمع فيه الماء.
دَعَوَاتُ الراّونَديِّ عَن رَبِيعَةَ بنِ كَعبٍ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُسَتَكُونُ بعَديِ فِتنَةٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَالتَزِمُوا عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ. وَ مِنهُ فِي كَلَامِ أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد سَأَلَهُ حُمرَانُ عَمّا أُصِيبَ بِهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ عَلَيهِمُ السّلَامُ مِن قَتلِ الطّوَاغِيتِ إِيّاهُم وَ الظّفَرِ بِهِم
صفحه : 345
حَتّي قُتِلُوا وَ غُلِبُوا وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ لَو أَنّهُم يَا حُمرَانُ حَيثُ نَزَلَ بِهِم مَا نَزَلَ مِن أَمرِ اللّهِ وَ إِظهَارِ الطّوَاغِيتِ عَلَيهِم سَأَلُوا اللّهَ دَفعَ ذَلِكَ عَنهُم لَدَفَعَ[ اللّهُ ذَلِكَ عَنهُم] ثُمّ كَانَ انقِضَاءُ مُدّةِ الطّوَاغِيتِ وَ ذَهَابُ مُلكِهِم أَسرَعَ مِن سِلكٍ مَنظُومٍ انقَطَعَ فَتَبَدّدَ وَ مَا كَانَ ألّذِي أَصَابَهُم يَا حُمرَانُ لِذَنبٍ اقتَرَفُوهُ وَ لَا لِعُقُوبَةٍ مِن مَعصِيَةٍ خَالَفُوا اللّهَ فِيهَا وَ لَكِن لِمَنَازِلَ وَ كَرَامَةٍ أَرَادَ[ اللّهُ] أَن يُبَلّغَهُم إِيّاهَا فَلَا يَذهَبَنّ بِكَ المَذَاهِبُ فِيهِم. وَ مِنهُ قَالَ لَمّا نَزَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ النّهرَوَانَ سَأَلَ عَن جَمِيلِ بنِ بصيهري كَاتِبِ[ أَ]نُوشِيرَوَانَ فَقِيلَ إِنّهُ بَعدُ حيَّ يُرزَقُ فَأَمَرَ بِإِحضَارِهِ فَلَمّا حَضَرَ وَجَدَ حَوَاسّهُ كُلّهَا سَالِمَةً إِلّا البَصَرَ، وَ[وَجَدَ]ذِهنَهُ صَافِياً وَ قَرِيحَتَهُ تَامّةً فَسَأَلَهُ كَيفَ ينَبغَيِ لِلإِنسَانِ يَا جَمِيلُ أَن يَكُونَ قَالَ يَجِبُ أَن يَكُونَ قَلِيلَ الصّدِيقِ كَثِيرَ العَدُوّ. قَالَ أَبدَعتَ يَا جَمِيلُ فَقَد أَجمَعَ النّاسُ عَلَي أَنّ كَثرَةَ الأَصدِقَاءِ أَولَي. فَقَالَ لَيسَ الأَمرُ عَلَي مَا ظَنّوا فَإِنّ الأَصدِقَاءَ إِذَا كُلّفُوا السعّيَ فِي حَاجَةِ الإِنسَانِ لَم يَنهَضُوا بِهَا كَمَا يَجِبُ وَ ينَبغَيِ وَ المَثَلُ فِيهِ[ هُوَ قَولُهُم]« مِن كَثرَةِ المَلّاحِينَ غَرِقَتِ السّفِينَةُ» فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ قَدِ امتَحَنتَ هَذَا فَوَجَدتَهُ صَوَاباً فَمَا مَنفَعَةُ كَثرَةِ الأَعدَاءِ فَقَالَ إِنّ الأَعدَاءَ إِذَا كَثُرُوا يَكُونُ الإِنسَانُ أَبَداً مُتَحَرّزاً مُتَحَفّظاً أَن يَنطِقَ بِمَا يُؤخَذُ عَلَيهِ أَو تَبدُرَ مِنهُ زَلّةٌ يُؤخَذُ عَلَيهَا فَيَكُونُ أَبَداً عَلَي هَذِهِ الحَالَةِ سَلِيماً مِنَ الخَطَايَا وَ الزّلَلِ.فَاستَحسَنَ ذَلِكَ[ مِنهُ] أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.
نَهجٌ[ وَ]سُئِلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَن أَشعَرِ الشّعَرَاءِ فَقَالَ إِنّ القَومَ لَم يَجرُوا فِي حَلبَةٍ تُعرَفُ الغَايَةُ عَن قَصَبَتِهَا فَإِن كَانَ وَ لَا بُدّ فَالمَلِكُ الضّلّيلُ. قَالَ السّيّدُ[الرضّيِّ]رَحِمَهُ اللّهُ يُرِيدُ[ عَلَيهِ السّلَامُ مِن قَولِهِ«المَلِكُ
صفحه : 346
الضّلّيلُ»]إِمرَأَ القَيسِ.
أَقُولُ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ[قَرَأتُ] فِي أمَاَليِ ابنِ دُرَيدٍ قَالَ أخَبرَنَيِ الجرُموُزيِّ عَنِ ابنِ المهُلَبّيِّ عَنِ ابنِ الكلَبيِّ عَن شَدّادِ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ العنَبرَيِّ عَنِ ابنِ عَرَادَةَ قَالَ كَانَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يعُشَيّ النّاسَ فِي شَهرِ رَمَضَانَ اللّحمَ وَ لَا يَتَعَشّي مَعَهُم فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَهُم وَ وَعَظَهُم فَأَفَاضُوا لَيلَةً فِي الشّعَرَاءِ وَ هُم عَلَي عَشَائِهِم فَلَمّا فَرَغُوا خَطَبَهُم عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ فِي خُطبَتِهِ اعلَمُوا أَنّ مِلَاكَ أَمرِكُمُ الدّينُ وَ عِصمَتَكُمُ التّقوَي وَ زِينَتَكُمُ الأَدَبُ وَ حُصُونَ أَعرَاضِكُمُ الحِلمُ. ثُمّ قَالَ قُل يَا أَبَا الأَسوَدِ فِيمَا كُنتُم تُفِيضُونَ فِيهِ أَيّ الشّعَرَاءِ أَشعَرُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ[أَشعَرُ الشّعَرَاءِ] ألّذِي يَقُولُ
وَ لَقَد أغَتدَيِ يُدَافِعُ ركُنيِ | أعَوجَيِّ ذُو مَيعَةٍ إِضرِيجٌ |
مِخلَطٌ مِزيَلٌ مِعَنّ مِفَنّ | مِنفَحٌ مِطرَحٌ سَبُوحٌ خَرُوجٌ |
يعَنيِ أَبَا دُوَادٍ الإيِاَديِّ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَيسَ بِهِ.قَالُوا فَمَن يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَقَالَ لَو رُفِعَت لِلقَومِ غَايَةٌ فَجَرُوا إِلَيهَا مَعاً عَلِمنَا مِنَ السّابِقِ مِنهُم وَ لَكِن إِن يَكُن فاَلذّيِ لَم يَقُل عَن رَغبَةٍ وَ لَا رَهبَةٍ.قِيلَ مَن هُوَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ هُوَ المَلِكُ الضّلّيلُ ذُو القُرُوحِ.قِيلَ إِمرُؤُ القَيسِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ هُوَ.قِيلَ فَأَخبِرنَا عَن لَيلَةِ القَدرِ قَالَ مَا أَخلُو مِن أَن أَكُونَ أَعلَمُهَا فَأَستُرُ عِلمَهَا وَ لَستُ أَشُكّ أَنّ اللّهَ إِنّمَا يَستُرُهَا عَنكُم نَظَراً لَكُم لِأَنّهُ لَو أَعلَمَكُمُوهَا عَمِلتُم فِيهَا وَ تَرَكتُم غَيرَهَا وَ أَرجُو أَن لَا تُخطِئَكُم إِن شَاءَ اللّهُ انهَضُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ.
[ ثم قال ] و قال ابن دريد لمّا فرغ من الخبر إضريج ينبثق في عدوه .
صفحه : 347
وقيل واسع الصدر. ومنفح يخرج الصيد من مواضعه . ومطرح يطرح ببصره . وخروج سابق .[ والغاية بالغين المعجمة الراية] والميعة أوّل جري الفرس .[ وقيل الجري بعدالجري]انتهي .أقول الحلبة بالفتح الخيل تجمع للسباق من كلّ أوب و لاتخرج من وجه واحد. وقصبة السبق هي التي تنصب ليحرزها السابق من القوم في الرهان . والضّليل كقنديل مبالغة في الضلال . ولعلّ المعني أنّهم لم ينشدوا في أمر واحد وزمان واحد حتّي يعرف أيّهما أسبق وأكمل . أو أنّ الشعر ليس مقصورا علي فنّ واحد و لالطائفة[ و لا]منحصرة في نوع حتّي يكون للتفضيل حدّ معيّن.
نَهجٌ وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنَا يَعسُوبُ المُؤمِنِينَ وَ المَالُ يَعسُوبُ الفُجّارِ.
قال السيّد رحمه اللّه ومعني ذلك أنّ المؤمنين يتبعونني والفجار يتبعون المال كمايتبع النحل يعسوبها و هورئيسها.
نَهجٌ [ وَ]قِيلَ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ بأِيَّ شَيءٍ غَلَبتَ الأَقرَانَ فَقَالَ مَا لَقِيتُ أَحَداً إِلّا أعَاَننَيِ عَلَي نَفسِهِ.
قال السيّد[الرضيّ]رحمه اللّه يومئ عليه السلام إلي تمكّن هيبته في القلوب .
صفحه : 348
[نَهجٌ] وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِابنِهِ مُحَمّدٍ يَا بنُيَّ إنِيّ أَخَافُ عَلَيكَ الفَقرَ فَاستَعِذ بِاللّهِ مِنهُ فَإِنّ الفَقرَ مَنقَصَةٌ لِلدّينِ مَدهَشَةٌ لِلعَقلِ دَاعِيَةٌ لِلمَقتِ.
كِتَابُ الغَارَاتِ لِإِبرَاهِيمَ الثقّفَيِّ بِإِسنَادِهِ عَنِ الضّحّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ كَانَ خلَيِليِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا يَحبِسُ شَيئاً لِغَدٍ، وَ كَانَ أَبُو بَكرٍ يَفعَلُ[كَذَلِكَ]، وَ قَد رَأَي عُمَرُ فِي ذَلِكَ أَن دَوّنَ الدّوَاوِينَ، وَ أَخّرَ المَالَ إِلَي السّنَةِ. وَ أَمّا أَنَا،فَأَصنَعُ كَمَا صَنَعَ خلَيِليِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يُعطِيهِم مِنَ الجُمُعَةِ إِلَي الجُمُعَةِ، وَ كَانَ[ عِندَ مَا يُعطِيهِم] يَقُولُ
هَذَا جنَاَيَ وَ خِيَارُهُ فِيهِ | إِذ كُلّ جَانٍ يَدُهُ إِلَي فِيهِ |
وَ بِأَسَانِيدَ عَن مُجَمّعٍ التيّميِّ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ يَنزَحُ بَيتَ المَالِ
صفحه : 349
ثُمّ يَتَنَفّلُ فِيهِ، وَ يَقُولُ اشهَد لِي يَومَ القِيَامَةِ أنَيّ لَم أَحبِس فِيكَ المَالَ عَلَي المُسلِمِينَ.
وَ عَن عَاصِمِ بنِ كُلَيبٍ عَن أَبِيهِ قَالَ أَتَي عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ مَالٌ مِن أَصبَهَانَ فَقَسَمَهُ،فَوَجَدَ فِيهِ رَغِيفاً،فَكَسَرَهُ سَبعَ كِسَرٍ، ثُمّ جَعَلَ عَلَي كُلّ جُزءٍ مِنهُ كِسرَةً ثُمّ دَعَا أُمَرَاءَ الأَسبَاعِ فَأَقرَعَ بَينَهُم أَيّهُم يُعطِيهِ أَوّلًا. وَ كَانَت[قَبَائِلُ]الكُوفَةِ يَومَئِذٍ أَسبَاعاً.
وَ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ عَجلَانَ،عَمّن حَدّثَهُ قَالَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَقسِمُ فِينَا الأَبزَارَ،يَصُرّهُ صُرَراً الحُرفَ وَ الكَمّونَ وَ كَذَا وَ كَذَا
وَ عَن جَعفَرِ بنِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ عَن أَبِيهِ أَنّ دِهقَاناً بَعَثَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِثَوبِ دِيبَاجٍ مَنسُوجٍ بِالذّهَبِ،فَابتَاعَهُ مِنهُ عَمرُو بنُ حُرَيثٍ بِأَربَعَةِ آلَافِ دِرهَمٍ إِلَي العَطَاءِ.
وَ عَن يَزِيدَ بنِ مِحجَنٍ التيّميِّ قَالَأَخرَجَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ سَيفاً لَهُ
صفحه : 350
فَقَالَ مَن يشَترَيِ سيَفيِ هَذَا منِيّ فَوَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ لَو أَنّ معَيِ ثَمَنَ إِزَارٍ لَمَا بِعتُهُ.
وَ عَن أَبِي رَجَاءٍ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ أَخرَجَ سَيفاً لَهُ إِلَي السّوقِ فَقَالَ مَن يشَترَيِ منِيّ هَذَا فَلَو كَانَ معَيِ ثَمَنُ إِزَارٍ لَمَا بِعتُهُ. قَالَ أَبُو رَجَاءٍ فَقُلتُ لَهُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَنَا أَبِيعُكَ إِزَاراً وَ أُنسِئُكَ ثَمَنَهُ إِلَي عَطَائِكَ،فَبِعتُهُ إِزَاراً إِلَي عَطَائِهِ، فَلَمّا قَبَضَ عَطَاءَهُ أعَطاَنيِ حقَيّ.
وَ عَن أَبِي إِسحَاقَ الهمَداَنيِّ أَنّ امرَأَتَينِ أَتَتَا عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ عِندَ القِسمَةِ،إِحدَاهُمَا مِنَ العَرَبِ، وَ الأُخرَي مِنَ الموَاَليِ،فَأَعطَي كُلّ وَاحِدَةٍ خَمسَةً وَ عِشرِينَ دِرهَماً وَ كُرّاً مِنَ الطّعَامِ،فَقَالَتِ العَرَبِيّةُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ امرَأَةٌ مِنَ العَرَبِ وَ هَذِهِ امرَأَةٌ مِنَ العَجَمِ فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ اللّهِ لَا أَجِدُ لبِنَيِ إِسمَاعِيلَ فِي هَذَا الفيَءِ فَضلًا عَن بنَيِ إِسحَاقَ.
وَ عَن يُوسُفَ بنِ كُلَيبٍ عَن أَبِي عُبَيدَةَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعُودٍ، عَن مُعَاوِيَةَ بنِ عَمّارٍ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ قَالَ مَا اعتَلَجَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمرَانِ
صفحه : 351
قَطّ إِلّا أَخَذَ بِأَشَدّهِمَا، وَ مَا زَالَ عِندَكُم يَأكُلُ مِمّا عَمِلَت يَدُهُ،يُؤتَي بِهِ[ إِلَيهِ] مِنَ المَدِينَةِ، وَ إِن كَانَ لَيَأخُذُ السّوِيقَ فَيَجعَلُهُ فِي الجِرَابِ ثُمّ يَختِمُ عَلَيهِ،مَخَافَةَ أَن يُزَادَ فِيهِ مِن غَيرِهِ. وَ مَن كَانَ فِي الدّنيَا أَزهَدَ مِن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ
وَ عَن أَبِي سُوَيدِ بنِ الحَارِثِ قَالَ أَمَرَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عُمّالًا مِن عُمّالِهِ فَصَنَعُوا لِلنّاسِ طَعَاماً فِي شَهرِ رَمَضَانَ،فَذَكَرُوا أَنّهُم صَنَعُوا خَمساً وَ عِشرِينَ جَفنَةً.
وَ عَن هَارُونَ بنِ مُسلِمٍ البجَلَيِّ عَن أَبِيهِ قَالَ أَعطَي عَلِيّ النّاسَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ثَلَاثَةَ أَعطِيَةٍ، ثُمّ قُدّمَ عَلَيهِ خَرَاجُ أَصفَهَانَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ اغدُوا فَخُذُوا،فَوَ اللّهِ مَا أَنَا لَكُم بِخَازِنٍ. ثُمّ أَمَرَ بِبَيتِ المَالِ فَكُنِسَ وَ نُضِحَ،فَصَلّي فِيهِ رَكعَتَينِ ثُمّ قَالَ يَا دُنيَا غرُيّ غيَريِ. ثُمّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِحِبَالٍ عَلَي بَابِ المَسجِدِ فَقَالَ مَا هَذِهِ الحِبَالُ فَقِيلَ جيِءَ بِهَا مِن أَرضِ كِسرَي. فَقَالَ اقسِمُوهَا بَينَ المُسلِمِينَ.فَكَأَنّهُم ازدَرَوهَا فَنَقَضَهَا بَعضُهُم فَإِذَا هيَِ كَتّانٌ يُعمَلُ،فَتَأَسّفُوا[فَتَنَافَسُوا«خ ل »] فِيهَا فَبَلَغَ الحَبلُ مِن آخِرِ النّهَارِ دَرَاهِمَ.
صفحه : 352
وَ عَن سُفيَانَ بنِ عُيَينَةَ عَن عَمّارٍ الدهّنيِّ عَن سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعدِ قَالَ فَرَضَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِمَن قَرَأَ القُرآنَ أَلفَينِ أَلفَينِ قَالَ وَ كَانَ أَبِي مِمّن قَرَأَ القُرآنَ.
وَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ يَحيَي الثوّريِّ عَن أَبِي إِسحَاقَ بنِ مِهرَانَ عَن سَابِقٍ البرَبرَيِّ قَالَ رَأَيتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ أَسّسَ مَسجِدَ الكُوفَةِ إِلَي قَرِيبٍ مِن طَاقِ الزّيّاتِينَ قَدرَ شِبرٍ شِبرٍ. قَالَ وَ رَأَيتُ المُخَيّسَ وَ هُوَ[ مِن]خُصّ وَ كَانَ النّاسُ يُفَرّجُونَهُ وَ يَخرُجُونَ مِنهُ فَبَنَاهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِالجِصّ وَ الآجُرّ قَالَ فَسَمِعتُهُ وَ هُوَ يَقُولُ
أَ لَا ترَاَنيِ كَيّساً مُكَيّساً | بَنَيتُ بَعدَ نَافِعٍ مُخَلّساً |
وَ عَنِ الحُسَينِ بنِ هَاشِمٍ عَن أَبِي عُثمَانَ الدوّريِّ عَن أَبِي إِسحَاقَ السبّيِعيِّ قَالَ كُنتُ عَلَي عُنُقِ أَبِي يَومَ الجُمُعَةِ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَخطُبُ وَ هُوَ يَتَرَوّحُ بِكُمّهِ فَقُلتُ يَا أَبَتِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ يَجِدُ الحَرّ فَقَالَ لَا يَجِدُ حَرّاً وَ لَا بَرداً، وَ لَكِنّهُ غَسَلَ قَمِيصَهُ وَ هُوَ رَطبٌ وَ لَا لَهُ غَيرُهُ فَهُوَ يَتَرَوّحُ بِهِ
وَ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ مَيمُونٍ عَن عَلِيّ بنِ عَابِسٍ عَن أَبِي إِسحَاقَ قَالَ رفَعَنَيِ أَبِي فَرَأَيتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ،أَبيَضَ الرّأسِ وَ اللّحيَةِ،عَرِيضٌ مَا بَينَ المَنكِبَينِ
صفحه : 353
وَ بِإِسنَادِهِ عَن عَبّادِ بنِ عَبدِ اللّهِ قَالَ كَانَ عَلِيّ يَخطُبُ عَلَي مِنبَرٍ مِن آجُرّ.
وَ عَن عدَيِّ بنِ ثَابِتٍ قَالَ أتُيَِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِفَالُوذَجٍ فَأَبَي أَن يَأكُلَهُ
وَ عَن صَالِحٍ أَنّ جَدّتَهُ أَتَت عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ وَ مَعَهُ تَمرٌ يَحمِلُهُ،فَسَلّمَت[ عَلَيهِ] وَ قَالَت أعَطنِيِ هَذَا التّمرَ أَحمِلهُ. قَالَ أَبُو العِيَالِ أَحَقّ بِحَملِهِ.قَالَت وَ قَالَ لِي أَ لَا تَأكُلِينَ مِنهُ قُلتُ لَا أُرِيدُهُ.قَالَت فَانطَلَقَ بِهِ إِلَي مَنزِلِهِ، ثُمّ رَجَعَ وَ هُوَ مُرتَدٍ بِتِلكَ المِلحَفَةِ وَ فِيهَا قُشُورُ التّمرِ،فَصَلّي بِالنّاسِ فِيهَا الجُمُعَةَ.
وَ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ أتُيَِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِخَبِيصٍ فَأَبَي أَن يَأكُلَهُ،قَالُوا[ أَ]تُحَرّمُهُ قَالَ لَا، وَ لكَنِيّ أَخشَي أَن تَتُوقَ إِلَيهِ نفَسيِ، ثُمّ تَلَاأَذهَبتُم طَيّباتِكُم فِي حَياتِكُمُ الدّنيا
وَ عَن بَعضِ أَصحَابِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ قِيلَ لَهُ كَم تَصَدّقُ، أَ لَا تُمسِكُ قَالَ
صفحه : 354
إيِ وَ اللّهِ، لَو أَعلَمُ أَنّ اللّهَ قَبِلَ منِيّ فَرضاً وَاحِداً لَأَمسَكتُ، وَ لكَنِيّ وَ اللّهِ مَا أدَريِ أَ قَبِلَ اللّهُ منِيّ شَيئاً أَم لَا
وَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ قَالَ أَعتَقَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَلفَ أَهلِ بَيتٍ بِمَا مَجِلَت فِيهِ يَدَاهُ وَ عَرِقَت[ فِيهِ]جَبِينُهُ
وَ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ أَعتَقَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَلفَ مَملُوكٍ مِمّا عَمِلَت يَدَاهُ، وَ إِن كَانَ عِندَكُم إِنّمَا حَلوَاهُ التّمرُ وَ اللّبَنُ وَ ثِيَابُهُ الكَرَابِيسُ. وَ تَزَوّجَ عَلَيهِ السّلَامُ لَيلَي،فَجُعِلَ لَهُ حَجَلَةٌ فَهَتَكَهَا وَ قَالَ أَحَبّ أهَليِ إلِيَّ مَا هُم فِيهِ.
وَ عَن قُدَامَةَ بنِ عَتّابٍ قَالَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ ضَخمَ البَطنِ،ضَخمَ مُشَاشَةِ المَنكِبَينِ،ضَخمَ عَضَلَةِ الذّرَاعِ،دَقِيقَ مُستَدَقّهَا،ضَخمَ عَضَلَةِ السّاقِ،دَقِيقَ مُستَدَقّهَا. وَ رَأَيتُهُ يَخطُبُنَا فِي يَومٍ مِن أَيّامِ الشّتَاءِ، عَلَيهِ قَمِيصُ قَهزٍ، وَ إِزَارٌ،فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَدرِك بنَيِ تَمِيمٍ قَد ضَرَبَتهَا بَكرُ بنُ وَائِلٍ بِالكُنَاسَةِ. فَقَالَ هَا ثُمّ أَقبَلَ فِي خُطبَتِهِ، ثُمّ أَقبَلَ آخَرُ فَقَالَ مِثلَ ذَلِكَ. فَقَالَ هَا ثُمّ أَتَاهُ الثّالِثُ وَ الرّابِعُ، ثُمّ قَالَ أَدرِك بَكرَ بنَ وَائِلٍ قَد ضَرَبَتهَا بَنُو تَمِيمٍ بِالكُنَاسَةِ. فَقَالَ
صفحه : 355
الآنَ صدَقَتنَيِ عَن بَكرِكَ، يَا شَدّادُ أَدرِك بَكرَ بنَ وَائِلٍ وَ بنَيِ تَمِيمٍ[فَذَهَبَ]فَأَفرَعَ بَينَهُم.
بيان قال [الفيروزآبادي] في القاموس الجرف يبيس الحماط[ و هوالشجر والعشب ]. و قال الكمّون كتنّور حبّ معروف . و قال القهز[بفتح القاف ] ويكسر ثياب من صوف أحمر كالمرعزّي وربّما يخالطه الحرير. و قال فرع بين القوم حجز وكفّ وأصلح .
ثُمّ قَالَ الثقّفَيِّ[ وَ]رَوَي جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ عَن أَبِيهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ ابتَاعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَمِيصاً سُنبُلَانِيّاً بِأَربَعَةِ دَرَاهِمَ، ثُمّ دَعَا الخَيّاطَ فَمَدّ كُمّ القَمِيصِ فَقَطَعَ مَا جَاوَزَ الأَصَابِعَ
وَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ أَبِي الهُذَيلِ قَالَ رَأَيتُ عَلِيّاً وَ عَلَيهِ قَمِيصٌ لَهُ إِذَا مَدّهُ بَلَغَ أَطرَافَ أَصَابِعِهِ، وَ إِذَا تُقبَضُ،تُقبَضُ حَتّي تَكُونَ إِلَي نِصفِ سَاعِدِهِ
وَ عَن أَبِي الأَشعَثِ العنَزَيِّ عَن أَبِيهِ قَالَ رَأَيتُ عَلِيّاً وَ قَدِ اغتَسَلَ فِي الفُرَاتِ يَومَ الجُمُعَةِ، ثُمّ ابتَاعَ قَمِيصَ كَرَابِيسَ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ،فَصَلّي بِالنّاسِ فِيهِ الجُمُعَةَ وَ مَا حُنّطَ جُرُبّانُهُ بَعدُ
.
صفحه : 356
وَ عَن بَكرِ بنِ عِيسَي قَالَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ يَا أَهلَ الكُوفَةِ إِذَا أَنَا خَرَجتُ مِن عِندِكُم بِغَيرِ رحَليِ وَ راَحلِتَيِ وَ غلُاَميِ فَأَنَا خَائِنٌ. وَ كَانَت نَفَقَتُهُ تَأتِيهِ مِن غَلّتِهِ بِالمَدِينَةِ مِن«يَنبُعَ»، وَ كَانَ يُطعِمُ النّاسَ الخُبزَ وَ اللّحمَ وَ يَأكُلُ مِنَ الثّرِيدِ بِالزّيتِ وَ يُكَلّلُهَا بِالتّمرِ مِنَ العَجوَةِ، وَ كَانَ ذَلِكَ طَعَامَهُ. وَ زَعَمُوا أَنّهُ كَانَ يَقسِمُ مَا فِي بَيتِ المَالِ، فَلَا يأَتيِ الجُمُعَةَ وَ فِي بَيتِ المَالِ شَيءٌ، وَ[ كَانَ]يَأمُرُ بِبَيتِ المَالِ فِي كُلّ عَشِيّةِ خَمِيسٍ فَيُنضَحُ بِالمَاءِ ثُمّ يصُلَيّ فِيهِ رَكعَتَينِ. وَ زَعَمُوا أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَي بَطنِهِ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ، لَا تنَطوَيِ ثمَيِلتَيِ عَلَي قِلّةٍ مِن خِيَانَةٍ، وَ لَأَخرُجَنّ مِنهَا خَمِيصاً.
بيان قال [الفيروزآبادي] في القاموس الثميلة كسفينة البقية من الطعام والشراب في البطن . والثميلة ما يكون فيه الطعام والشراب في الجوف . و[ قال ابن الأثير] في النهاية في حديث الحجّاج«فسر إليها منطوي الثميلة»المعني سر إليها مخفّفا.
1195- كِتَابُ الغَارَاتِ بِإِسنَادِهِ عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ أَنّ رَجُلًا بِالشّامِ يُقَالُ لَهُ ابنُ الخيَبرَيِّ،وَجَدَ مَعَ امرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ،فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَي مُعَاوِيَةَ،
صفحه : 357
فَكَتَبَ إِلَي بَعضِ أَصحَابِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَسأَلُهُ[فَسَأَلَهُ] فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ هَذَا شَيءٌ مَا كَانَ قَبلَنَا.فَأَخبَرَهُ أَنّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيهِ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ إِن لَم يَجِئ بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ يَشهَدُونَ بِهِ أُقِيدَ بِهِ.
وَ عَن أَبِي حَمزَةَ قَالَ بَينَمَا عَلِيّ ذَاتَ يَومٍ إِذ أَقبَلَ[ إِلَيهِ] رَجُلٌ فَقَالَ مِن أَينَ أَقبَلَ الرّجُلُ قَالَ مِن أَهلِ العِرَاقِ. قَالَ مِن أَيّ العِرَاقِ قَالَ مِنَ البَصرَةِ. قَالَ أَمَا إِنّهَا أَوّلُ القُرَي خَرَاباً،إِمّا غَرَقاً وَ إِمّا حَرَقاً، حَتّي يَبقَي بَيتُ مَالِهَا وَ مَسجِدُهَا كَجُؤجُؤِ سَفِينَةٍ،فَأَينَ مَنزِلُكَ مِنهَا فَقَالَ الرّجُلُ مَكَانَ كَذَا. قَالَ عَلَيكَ بِصَوَاحِبِهَا عَلَيكَ بِصَوَاحِبِهَا.
وَ عَن شُرَحبِيلَ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ كَيفَ بِكُم وَ إِمَارَةَ الصّبيَانِ مِن قُرَيشٍ قَومٌ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزّمَانِ،يَتّخِذُونَ المَالَ دُولَةً، وَ يَقتُلُونَ الرّجَالَ. فَقَالَ الأَوسُ بنُ حَجَرٍ الثمّاَليِّ إِذاً نُقَاتِلَهُم وَ كِتَابِ اللّهِ. قَالَ كَذَبتَ وَ كِتَابِ اللّهِ
وَ عَنِ الحَسَنِ بنِ بَكرٍ البجَلَيِّ عَن أَبِيهِ قَالَكُنّا عِندَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الرّحبَةِ،فَأَقبَلَ رَهطٌ فَسَلّمُوا فَلَمّا رَآهُم عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنكَرَهُم فَقَالَ أَ مِن أَهلِ الشّامِ أَنتُم،أَم مِن أَهلِ الجَزِيرَةِ قَالُوا بَل مِن أَهلِ الشّامِ،مَاتَ أَبُونَا وَ تَرَكَ مَالًا كَثِيراً وَ تَرَكَ أَولَاداً رِجَالًا وَ نِسَاءً، وَ تَرَكَ فِينَا خُنثَي لَهُ حَيَاءٌ كَحَيَاءِ المَرأَةِ،
صفحه : 358
وَ ذَكَرٌ كَذَكَرِ الرّجُلِ،فَأَرَادَ المِيرَاثَ كَرَجُلٍ فَأَبَينَا عَلَيهِ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَينَ كُنتُم عَن مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا قَد أَتَينَاهُ فَلَم يَدرِ مَا يقَضيِ بَينَنَا.فَنَظَرَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَمِيناً وَ شِمَالًا وَ قَالَ لَعَنَ اللّهُ قَوماً يَرضَونَ بِقَضَائِنَا وَ يَطعَنُونَ عَلَينَا فِي دِينِنَا،انطَلِقُوا بِصَاحِبِهِ فَانظُرُوا إِلَي مَسبَلِ البَولِ، فَإِن خَرَجَ مِن ذَكَرِهِ فَلَهُ مِيرَاثُ الرّجُلِ، وَ إِن خَرَجَ مِن غَيرِ ذَلِكَ فَوَرّثُوهُ مَعَ النّسَاءِ.[ قَالَ]فَبَالَ مِن ذَكَرِهِ،فَوَرّثَهُ كَمِيرَاثِ الرّجُلِ مِنهُم
وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ[ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ] قَالَ أَوّلُ هَلَاكِ أَهلِ الأَرضِ قُرَيشٌ وَ رَبِيعَةُ.قَالُوا وَ كَيفَ قَالَ أَمّا قُرَيشٌ فَيُهلِكُهَا المُلكُ، وَ أَمّا رَبِيعَةُ فَتُهلِكُهَا الحَمِيّةُ
وَ بِحَذفِ الإِسنَادِ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمَا وَ اللّهِ مَا قَاتَلتُ إِلّا مَخَافَةَ أَن يَنزُوَ فِيهَا تَيسٌ مِن بنَيِ أُمَيّةَ فَيَتَلَاعَبُ بِدِينِ اللّهِ
وَ عَن زِرّ بنِ حُبَيشٍ قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ إِنّهُ لَعَهِدَ إلِيَّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، أَنّهُ لَا يُحِبّكَ إِلّا مُؤمِنٌ، وَ لَا يُبغِضُكَ إِلّا مُنَافِقٌ.
صفحه : 359
وَ عَن حَبّةَ العرُنَيِّ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ إِنّ اللّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ كُلّ مُؤمِنٍ عَلَي حبُيّ، وَ أَخَذَ مِيثَاقَ كُلّ مُنَافِقٍ عَلَي بغُضيِ،فَلَو ضَرَبتُ وَجهَ المُؤمِنِ بِالسّيفِ مَا أبَغضَنَيِ، وَ لَو صَبَبتُ الدّنيَا عَلَي المُنَافِقِ مَا أحَبَنّيِ
وَ عَن فُرَاتِ بنِ أَحنَفَ قَالَ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ خَطَبَ فَقَالَ يَا مَعشَرَ النّاسِ، أَنَا أَنفُ الهُدَي وَ عَينَاهُ وَ أَشَارَ إِلَي وَجهِهِ. يَا مَعشَرَ النّاسِ لَا تَستَوحِشُوا فِي طَرِيقِ الهُدَي لِقِلّةِ أَهلِهِ، فَإِنّ النّاسَ[ قَدِ]اجتَمَعُوا عَلَي مَائِدَةٍ،شِبَعُهَا قَصِيرٌ، وَ جُوعُهَا طَوِيلٌ،وَ اللّهُ المُستَعانُ. يَا مَعشَرَ النّاسِ إِنّمَا يَجمَعُ النّاسَ الرّضَا وَ السّخَطُ،أَلَا وَ إِنّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَأَصَابَهُمُ العَذَابُ بِرِضَاهُم بِعُقرِهَا قَالَ اللّهُ تَعَالَيفَنادَوا صاحِبَهُم فَتَعاطي فَعَقَرَ فَقَالَ لَهُم نبَيِّ اللّهِ عَن قَولِ اللّهِناقَةَ اللّهِ وَ سُقياها فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها. يَا مَعشَرَ النّاسِ أَلَا فَمَن سُئِلَ عَن قاَتلِيِ فَزَعَمَ أَنّهُ مُؤمِنٌ فَقَد قتَلَنَيِ. يَا مَعشَرَ النّاسِ مَن سَلَكَ الطّرِيقَ وَرَدَ المَاءَ.
صفحه : 360
يَا مَعشَرَ النّاسِ أَ لَا أُخبِرُكُم بحِاَجبِيِ الضّلَالَةِ،تَبدُو مَخَازِيهَا فِي آخِرِ الزّمَانِ
وَ عَن أَبِي عَقِيلٍ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ اختَلَفَتِ النّصَارَي عَلَي كَذَا وَ كَذَا، وَ اختَلَفَتِ اليَهُودُ عَلَي كَذَا وَ كَذَا، وَ لَا أَرَاكُم أَيّتُهَا الأُمّةُ إِلّا سَتَختَلِفُونَ كَمَا اختَلَفُوا، وَ تَزِيدُونَ عَلَيهِم فِرقَةً،أَلَا وَ إِنّ الفِرَقَ كُلّهَا ضَالّةٌ إِلّا أَنَا وَ مَن تبَعِنَيِ
وَ عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَن أَبِيهِ عَلَيهِمَا السّلَامُ قَالَ سَمِعتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ يَرِدُ عَلَيّ أَهلُ بيَتيِ وَ مَن أَحَبّهُم مِن أمُتّيِ هَكَذَا وَ قَرَنَ بَينَ السّبّابَتَينِ لَيسَ بَينَهُمَا فَضلٌ
وَ عَن أَبِي الجَحّافِ عَن رَجُلٍ قَد سَمّاهُ قَالَدَخَلُوا عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ هُوَ فِي الرّحبَةِ وَ هُوَ عَلَي سَرِيرٍ قَصِيرٍ[فَ] قَالَ مَا جَاءَ بِكُم قَالُوا حُبّكَ وَ حَدِيثُكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ وَ اللّهِ قَالُوا وَ اللّهِ. قَالَ أَمَا إِنّهُ مَن أحَبَنّيِ يرَاَنيِ حَيثُ يُحِبّ أَن يرَاَنيِ، وَ مَن أبَغضَنَيِ رآَنيِ حَيثُ يُبغِضُ أَن يرَاَنيِ. ثُمّ قَالَ مَا عَبَدَ اللّهَ أَحَدٌ قبَليِ مَعَ نَبِيّهِ، إِنّ أَبَا طَالِبٍ هَجَمَ عَلَيّ وَ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا وَ هُوَ سَاجِدَانِ ثُمّ قَالَ أَ فَعَمِلتُمُوهَا فَأَخَذَ يحَثُنّيِ
صفحه : 361
عَلَي نُصرَتِهِ وَ عَلَي مَعُونَتِهِ
وَ عَن حَبّةَ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَو صُمتَ الدّهرَ كُلّهُ وَ قُمتَ اللّيلَ كُلّهُ، وَ قُتِلتَ بَينَ الرّكنِ وَ المَقَامِ،بَعَثَكَ اللّهُ مَعَ هَوَاكَ بَالِغاً مَا بَلَغَ، إِن فِي جَنّةٍ ففَيِ جَنّةٍ، وَ إِن فِي نَارٍ ففَيِ نَارٍ
وَ قَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] مَن أَحَبّ أَهلَ البَيتِ فَليَستَعِدّ عُدّةً لِلبَلَاءِ.
وَ قَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] يَهلِكُ فِيّ مُحِبّ مُفرِطٌ، وَ مُبغِضٌ مُفتَرٍ.
وَ قَالَ[ عَلَيهِ السّلَامُ] يَهلِكُ فِيّ ثَلَاثَةٌ وَ يَنجُو فِيّ ثَلَاثَةٌ يَهلِكُ اللّاعِنُ، وَ المُستَمِعُ المُقِرّ، وَ الحَامِلُ لِلوِزرِ، وَ[ هُوَ]المَلِكُ المُترَفُ[ ألّذِي]يُتَقَرّبُ إِلَيهِ بلِعَنيِ، وَ يُبرَأُ عِندَهُ مِن ديِنيِ، وَ يُنتَقَصُ عِندَهُ حسَبَيِ، وَ إِنّمَا حسَبَيِ حَسَبُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ ديِنيِ دِينُهُ. وَ يَنجُو فِيّ ثَلَاثَةٌ المُحِبّ الموُاَليِ، وَ المعُاَديِ مَن عاَداَنيِ، وَ المُحِبّ مَن أحَبَنّيِ، فَإِذَا أحَبَنّيِ عَبدٌ أَحَبّ محُبِيّ وَ أَبغَضَ مبُغضِيِ وَ شاَيعَنَيِ،فَليَمتَحِنِ الرّجُلُ قَلبَهُ، إِنّ اللّهَ لَم يَجعَل لِرَجُلٍ مِن قَلبَينِ فِي جَوفِهِ فَيُحِبّ بِهَذَا وَ يُبغِضَ بِهَذَا،فَمَن أَشرَبَ قَلبَهُ حُبّ غَيرِنَا فَأَلّبَ عَلَينَا فَليَعلَم أَنّ اللّهَ عَدُوّهُ وَ جِبرِيلَ وَ مِيكَالَ،فَإِنّ اللّهَ عَدُوّ لِلكافِرِينَ
وَ عَن رَبِيعَةَ بنِ نَاجِدٍ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَدعَاَنيِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ
صفحه : 362
عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لِي يَا عَلِيّ إِنّ فِيكَ مِن عِيسَي مَثَلًا،أَبغَضَتهُ اليَهُودُ حَتّي بَهَتُوا أُمّهُ، وَ أَحَبّتهُ النّصَارَي حَتّي أَنزَلُوهُ بِالمَنزِلَةِ التّيِ لَيسَت لَهُ
وَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّهُ يَهلِكُ فِيّ مُحِبّ مُطرٍ يقُرَظّنُيِ بِمَا لَيسَ فِيّ، وَ مُبغِضٌ مُفتَرٍ يَحمِلُهُ شنَآَنيِ عَلَي أَن يبَهتَنَيِ.أَلَا وَ إنِيّ لَستُ نَبِيّاً وَ لَا يُوحَي إلِيَّ، وَ لَكِن أَعمَلُ بِكِتَابِ اللّهِ مَا استَطَعتُ،فَمَا أَمَرتُكُم بِهِ مِن طَاعَةٍ فَحَقّ عَلَيكُم طاَعتَيِ فِيمَا أَحبَبتُم وَ فِيمَا كَرِهتُم، وَ مَا أَمَرتُكُم بِهِ أَو غيَريِ مِن مَعصِيَةِ اللّهِ فَلَا طَاعَةَ فِي المَعصِيَةِ،الطّاعَةُ فِي المَعرُوفِ الطّاعَةُ فِي المَعرُوفِ[قَالَهَا]ثَلَاثاً
1198- ماالمُفِيدُ عَن اِبرَاهِيمَ بنِ الحَسَنِ بنِ الجُمهُورِ عَن أَبِي بَكرٍ المُفِيدِ الجرَجرَاَئيِّ عَن أَبِي الدّنيَا المُعَمّرِ المغَربِيِّ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَعَهِدَ إلِيَّ مَولَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ لَا يحُبِنّيِ إِلّا
صفحه : 363
مُؤمِنٌ، وَ لَا يبُغضِنُيِ إِلّا مُنَافِقٌ زِندِيقٌ
وَ بِالإِسنَادِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَمّا نَزَلَتوَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سَأَلتُ ربَيّ أَن يَجعَلَهَا أُذُنَكَ يَا عَلِيّ
وَ بِالإِسنَادِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ مَا رَمِدَت عيَنيِ وَ لَا صَدَعتُ مُنذُ سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إلِيَّ رَايَةَ خَيبَرَ.
اعلم [ أنّه] قداختلف المسلمون في أنّه هل كان يسوغ للنبيّ صلّي اللّه عليه وآله الاجتهاد فيما لانص فيه أم لا ثمّ علي تقدير الجواز،هل كان مقصورا علي أمور الدنيا و ما لاتعلّق لها بالدين أم يتعدّي إلي غيرها و علي تقدير التعديّ،هل يخصّ الحروب أم يتجاوزها ثمّ القائلون بالجواز اختلفوا في الوقوع ،فأثبته طائفة ومنعه آخرون وتوقّف قوم . ثمّ القائلون بالوقوع ،اختلفوا في أنّه هل كان يجوز عليه الخطأ في
صفحه : 364
الاجتهاد أم لا و علي الجواز،هل يقرّ علي خطئه أم يردّ عنه فذهب إلي كلّ فريق إلّا إقراره علي الخطإ، فإنّ الظاهر من كلامهم أنّه لم يقل به أحد وجعلوا ردّه عن الخطإ وجه الفرق بينه و بين سائر المجتهدين . و قدادّعي العلّامة في شرحه لمختصر ابن الحاجب الإجماع علي أنّه لايقرّ علي الخطإ، ويظهر من كلام الآمدي وبعض شرّاح صحيح مسلم أيضا ذلك .فاختار الجباّئي و أبوهاشم أنّه[صلّي اللّه عليه وآله ] لم يتعبّد في الشّرعيّات بالاجتهاد، و لم يقع منه فيها، و كان متعبّدا به في الحروب . وحكي عن الشافعي و أحمد بن حنبل و أبي يوسف تعبّده به مطلقا. وذهبت طائفة ومنهم القاضي عبدالجبّار و أبو الحسين البصري إلي أنّه يجوز ذلك من غيرقطع به . ونفاه أصحابنا قاطبة رضوان اللّه عليهم رأسا، و لم يجوّزوه في أمور الدين والدّنيا أصلا. ثمّ لايخفي أنّ جواز الاجتهاد ووقوعه منه صلّي اللّه عليه وآله لايستلزم جواز مخالفته ،إذ يجوز أن يكون في أحكامه ماأدّي إليه اجتهاده ، و مع ذلك لايجوز لأحد خلافه لإيجاب اللّه تعالي طاعته مطلقا. ونظير ذلك أنّ الأمّة يجوز أن تجتمع علي حكم بالاجتهاد، و مع ذلك لايسع أحد مخالفتها أصلا عندهم ، والمجتهد في فروع الأحكام يحكم باجتهاده و لايسوغ لمقلّده مخالفته ، و إن جاز عليه الخطأ في حكمه . و لمّا كان المعقل الحصين للمخالفين في دفع المطاعن عن أئمّتهم المضلين التّمسّك بجواز مخالفة الرسول الأمين عليه السلام ، كمافعلوا ذلك في مخالفتهم له في تجهيز جيش أسامة وغيرها،أردنا أن نختم هذاالمجلّد المشتمل علي
صفحه : 365
مطاعنهم بما يدلّ علي فساد أحد الأمرين أعني جواز الاجتهاد عليه صلّي اللّه عليه وآله ، أووقوعه منه ، وجواز مخالفته في شيء من أحكامه و إن كان عن اجتهاد،لاستلزام كلّ منهما ما هوالمقصود، والتوكّل في جميع الأمور علي الربّ الودود.فنقول يدلّ علي ذلك وجوه الأوّل قوله تعالي وَ ما يَنطِقُ عَنِ الهَوي إِن هُوَ إِلّا وحَيٌ يُوحينفي سبحانه كون نطقه صلّي اللّه عليه وآله عن الهوي ، وحصره في كونه وحيا، و لو كان بعض أقواله عن اجتهاد لماصحّ الحصر. و لوقلنا بكون الهوي متناولا للاجتهاد بقرينة المقابلة،لاقتضائها كون المراد بالهوي ما ليس بوحي والاجتهاد ليس بوحي لدلّ الجزء الأوّل علي المدّعي أيضا. وأورد عليه بأنّ المراد بالآية نفي ماكانوا يقولونه في القرآن أنّه افتراه ،فانتفي العموم ، ولئن سلّمنا فلانسلّم أنّه ينفي الاجتهاد لأنّه إذا كان متعبّدا بالاجتهاد بالوحي، لم يكن نطقه عن الهوي ،بل كان قولا عن الوحي. والجواب عن الأوّل أنّ الآية غيرمعلوم نزولها في ردّ قولهم المذكور، فلايجوز تخصيص القرآن به ، وإنّما يجوز[التخصيص ]بالمعلوم و ما في حكمه ، و لوسلّم فخصوص السّبب لايخصّص العموم كما هوالمشهور، و لادليل من الخارج علي التخصيص . و عن الثاني من وجوه .منها أنّهم يقابلون الوحي بالاجتهاد في كثير من كلامهم . ومنها أنّ الوحي هوالكلام ألذي يسمع بسرعة، و ليس الاجتهاد كذلك ، وإنما يستند حجّيته إلي الوحي، والمستند إلي الوحي في أمر غيرالوحي،
صفحه : 366
والدليل عليه صحة التقسيم بأن يقال أ هووحي أم مستنبط من الوحي ومستند إليه و قد قال سبحانه إِن هُوَ إِلّا وحَيٌ يُوحي و قداعترف البيضاوي بما ذكرنا حيث قال بعدنقل الجواب و فيه نظر لأنّ ذلك حينئذ يكون بالوحي لاالوحي. ومنها أنّا نخصّص الكلام باجتهاد يجوز فيه الخطأ، و لاننازع الآن في اجتهاد يؤمن معه الخطأ و لايجوز مخالفته ، و يكون من قبيل القاطع ، و لايتعلّق غرضنا في هذاالمقام بأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله هل يقول مايقوله عن الوحي النازل بخصوص كلّ قول أو يقول من طريق عامّ ويأخذه عن ضابطة كليّة لايأتيها الباطل من بين يديها و من خلفها فنقول قال اللّه تبارك و تعالي وَ النّجمِ إِذا هَوي ما ضَلّ صاحِبُكُم وَ ما غَوي وَ ما يَنطِقُ عَنِ الهَوي إِن هُوَ إِلّا وحَيٌ يُوحي و قداتّفق المفسّرون علي أنّ الآية مسوقة لنفي الضلال وإثبات الوحي،إنّما هولنفي الضلال المذكور في الآية، والضلال لايختص بالأصول ،بل يكون في الفروع في جميع أقسام الأحكام ، و إلّا لم يكن لاستدلال القوم علي حجيّة الإجماع في الفروع حتّي الحروب والولايات بما روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه وآله من قوله « لاتجتمع أمتّي علي الضلالة». و مايحذو حذوه معني .فقد ثبت إذن أنّ الوحي لايتناول اجتهادا يجوز الخطأ فيه ، و إلّا لم يلزم من كونه وحيا نفي الضلال عنه كما هوالمقصود، و هذاالقدر يكفينا، ويدلّ عليه ماروي أنّه صلّي اللّه عليه وآله نزل منزلا فقيل [ له ] إن كان ذلك عن وحي فالسّمع والطاعة، و إن كان عن رأي فليس ذلك بمنزل مكيدة، والمشهور أنّ المنزل كان ب«بدر»، والقائل [ هو]حباب بن المنذر.فدلّ ذلك علي أنّ الوحي لايجوز فيه الخطأ، و قدقرّره النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و لم يسمع بأحد يطعن علي قائل هذاالقول و يقول تقسيمه هذاباطل . و أيّ ملازمة بين كونه وحيا، ووجوب السمع والطاعة، لا في زمن
صفحه : 367
الصحابة و لا في زمن التابعين إلي عصرنا هذا، مع تكرّر ذلك النقل في كتب السير والتواريخ ، و في كتب الأصول في مقام الاستدلال علي مسائل من الاجتهاد المتعلّقة بالنبي صلّي اللّه عليه وآله و لو لا أنّ الوحي لايجوز فيه الخطأ و لايطلق شرعا علي ما لايؤمن معه الغلط، ويجوز مخالفته ،لاستحال عادة أن لاينكر أحد علي هذاالقول ، و لايقدح فيه ، مع توفّر الدواعي علي القدح والردّ عليه ،حيث استدلّ به علي محلّ النزاع في مسائل كثيرة قدطال الخصام فيها، و ذلك مما يقطع به في عادات الناس ،خصوصا الممارسين لمباحث الحجاج والنظر ومسائل الخلاف ، و قدرأيناهم يرتكبون تأويلات بعيدة وتكلّفات باردة.فأين كانوا عن القدح المذكور وبالجملة، ماذكرناه دليل علي أنّهم علموا صحّة ذلك التقسيم ،إمّا بتقرير النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، أوبدليل آخر، فلايتوهّم أنّ ماذكرناه ثانيا راجع إلي الأول .[الوجه ]الثاني قوله تعالي وَ ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَ لا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَي اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَ مَن يَعصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَد ضَلّ ضَلالًا مُبِيناً. والمراد،قضاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، ونسبته إليه تعالي للتنبيه علي أنّ قضاءه صلّي اللّه عليه وآله قضاء اللّه كماذكره المفسّرون، و كلّ ماقاله النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله و لوبالاجتهاد،فممّا قضي به ، فلايجوز العدول عنه ومخالفته ، وتخصيص الخيرة بما يكون بمجرّد التشهيّ لا عن اجتهاد، وكذا المعصية لاوجه له ، وإنّما هومجرّد تشهيّ التأويل ، والانصراف عن الظاهر، ومعصية لسنّة الأخذ بظواهر الكتاب والسنّة بلا قرينة تقتضيه وشاهد يشهد له .[الوجه ]الثّالث قوله تعالي فَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّي يُحَكّمُوكَ فِيما
شَجَرَ بَينَهُم ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ وَ يُسَلّمُوا تَسلِيماً
تقريره أنّ المسألة الخلافية بين الأمّة يصدق عليها أنّها مما شجر بينهم فيجب في كلّ مسألة خلافية أن يحكّموه صلّي اللّه عليه وآله ، ويرجع إلي قوله ويسلموا ويركنوا إليه ، ومخالفته صلّي اللّه عليه وآله بالاجتهاد ضدّ ذلك .فظهر أنّ المسألة الخلافية، لايجوز مخالفة مايظهر من قوله صلّي اللّه عليه وآله فيها،سواء كان بالاجتهاد أوغيره ، والمسائل الإجماعية و ما لم يسبق إليه أحد بنفي أوإثبات أولي من ذلك . أمّا الإجماعية فظاهر، و أمّا ما لم يسبق إليه أحد فلأنّ اتّباعه إذاوجب فيما تحقّق قوله طائفة من المسلمين وشبهة شرعية بخلافه ، و لم يمنع ذلك من وجوب اتباعه ،ففيما لايتحقّق فيه ذلك ألذي يتوهّم مانعا أولي . وأيضا لاقائل بالفصل ، فإنّ الأمّة بين قائل بجواز مخالفته في الخلافيّات وغيرها، و بين ناف له فيهما جميعا. وبهذا يندفع توهّم أنّ قوله صلّي اللّه عليه وآله ،ربّما كان ممّا أجمع علي خلافه علي أنّه قبل الإجماع علي خلافه ، كان مما لم يسبق إليه قول بنفي و لاإثبات ، أو كان مما وقع فيه الخلاف . فإن قلت هاهنا احتمال آخر ذهب إليه جماعة، و هو أن يخطئ صلّي اللّه عليه وآله وينبّه بالوحي علي خطئه و ماذكرت لاينفيه .قلنا هذا لاينفع فيما نحن فيه ، فإنّ الغرض أنّه صلّي اللّه عليه وآله لايجوز مخالفته والعدول عن قوله بالاجتهاد، و أمّا أن ينبه بالوحي عليه ،فكلام لايسمن و لايغني من جوع في جواز إبطال قوله صلّي اللّه عليه وآله ، وتخطئة رأيه وتصحيح ماصنعه جماعة من أصحابه خلافا لأمره ، وردّا عليه حكمه فيما لاوحي يدلّ علي خطئه ،بل قرره اللّه تعالي وأمضاه علي رأيه .[الوجه ]الرابع قوله تعالي قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللّهَ فاَتبّعِوُنيِ يُحبِبكُمُ
اللّهُ وَ يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُممفهوم الشرط إن لاتتبّعوني لايحبكم اللّه و لايغفر لكم ذنوبكم ، و ما كان موجبا لعدم محبّة اللّه وعدم مغفرة الذنوب ، كان حراما. فإن قلت كلّ ما هومستحبّ كان موجبا لمحبّة اللّه، وربّما كان سببا للمغفرة أيضا، ويصحّ استعمال الشرط فيه و يكون مفهومه حينئذ إن لاتفعلوه تفوت المحبة المترتّبة عليه ، والمغفرة المسبّبة منه ، فلايدل علي الوجوب .قلنا أوّلا إنّ رجحان الاتّباع كاف لنا، فإنّ من لايجوز الاجتهاد عليه صلّي اللّه عليه وآله ،يجعل أمره واجبا مادام لم يدلّ دليل آخر علي خلافه أقوي منه ، و من يجوّزه يجعل تركه ومخالفته واجبا أومندوبا أومباحا حسب ماأدّي إليه اجتهاده ، و لايجعل اتّباع أمره مندوبا أيضا في أكثر الأمر.فالقول بأنّ اتّباع أمره مندوب لامحالة،خلاف الإجماع المركّب. وثانيا إنّ مفهوم الشرط يقتضي انتفاء الجزاء مطلقا، لاالجزاء المقيّد بالشرط المقارن له ، و إلّا لم يصحّ الاستدلال بمفهوم الشرط في شيء من المواضع . و لايتوهّم أنّ الأمر بالاتّباع مطلق لاعام ،فيصير حينئذ حاصل المفهوم إن لاتتبّعوني في شيء لايحبّكم اللّه أصلا، لا[ أنّ المفهوم ] إن لاتتبّعوني و لو في أمر واحد لايحبّكم اللّه لأنّ الاتّفاق منّا و من الخصم حاصل علي أنّ المراد به الأمر بالاتّباع في جميع الأوامر، ولهذا استدلّوا به في مسألة التأّسي.فتدبّر.[الوجه ]الخامس قوله تعالي وَ ما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَ اتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِوجه الدلالة أمور أحدها أمره تعالي بالأخذ بما أمر به الرسول صلّي اللّه عليه وآله .
صفحه : 370
وثانيها أمره [ تعالي ]بالانتهاء عمّا نهي عنه ، فإن كان نهي عن خلاف ماأمر به فذاك ، و إلّا فالأمر بالشيء،نهي عن ضدّه عندأكثر علماء الأصول ، و في النهي بعكس الأمر. وثالثها تعقيبه الكلام بالوعيد الشديد والعقاب العظيم . وأيضا[ في ]أمره بالتقوي بعد ذلك ،إشعار بأنّ الأخذ والانتهاء المذكورين هما التقوي ، و أنّ تاركه مسلوب عنه اسم التقوي مع [ أنّ]النصوص الدّالة علي الأمر به وحرمة تركه أدلّة علي الوجوب .السادس قوله تعالي يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يدَيَِ اللّهِ وَ رَسُولِهِوجه الدلالة أنّه متي كان قول الرسول صلّي اللّه عليه وآله موجودا، ثمّ قدّمنا اجتهادنا عليه لزم التقدّم بين يدي اللّه ورسوله . و قددلّت صحاح أخبارهم علي أنّ الآية نزلت في مماراة أبي بكر وعمر، في تأمير الأقرع بن حابس والقعقاع بن معبد، و قد كان ماتنازعا فيه من الأمور المتعلّقة بالحروف ، و لم يكن سبق من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فيه أمر، وإنّما أشار كلّ واحد من الرجلين لمارأي في تأميره من المصلحة بزعمه ، و إذا كان مثل ذلك من التقديم المنهي عنه الموجب للتوبيخ الظاهر من سياق الآية،فالأمر في الاجتهاد فيما سبق فيه أمر منه صلّي اللّه عليه وآله ، و كان أشدّ تعلّقا بالدين أولي وأظهر.[الوجه ]السابع قوله تعالي أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرّسُولَ وَ أوُليِ الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدّوهُ إِلَي اللّهِ وَ الرّسُولِ والرّدّ إلي اللّه ورسوله معناه إمّا التوقّف إلي أن يعلم حكمه بنصّ الكتاب والسّنّة علي ما هوالحقّ، أوالمراد به القياس علي الحكم ألذي في الكتاب والسنّة. و علي التقدير الأوّل يدلّ علي بطلان القياس مطلقا، و علي الثاني يدلّ
صفحه : 371
علي بطلان القياس فيما وجد فيه نصّ من الكتاب والسنّة علي ماشرح في التفاسير. و علي التقديرين يبطل القياس في مقابلة النصّ و إذابطل القياس في مقابلة النصّ و لم يجز العمل به فيما وجد فيه نصّ من الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، لم يجز الاجتهاد والعمل به مخالفة لقول الرسول صلّي اللّه عليه وآله لأنّ كلّ من قال بعدم جوازه بالقياس ، قال بعدم جوازه مطلقا. علي أنّ الآية عامّة في كلّ متنازع فيه ،سواء كان مما يؤخذ حكم طرفي النزاع ، أوأحدهما من الكتاب والسنّة، أو لا. و قدحكم [ فيها]بأنه يجب أن يرجع فيه إلي قول اللّه ورسوله و لايحكم بأحد الطرفين ،فعند مخالفة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله بالاجتهاد و لوبالاستنباط الظنيّ من النصّ،يصدق أنّه مما يجب الرجوع فيه إلي النصّ، فلايجوز الاجتهاد علي خلافه .بقي الكلام في أنّه ربّما كانت المسألة إجماعيّة فلايصدق أنّها متنازع فيها، أوكانت مما لم يسبق إليه قول . والجواب عنها قدسبق في تقرير الاستدلال بقوله تعالي فَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَالآية.الثامن قوله تعالي وَ إِذا قِيلَ لَهُم تَعالَوا إِلي ما أَنزَلَ اللّهُ وَ إِلَي الرّسُولِ رَأَيتَ المُنافِقِينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدُوداًذمّهم علي صدّهم عن الرسول صلّي اللّه عليه وآله مطلقا،فدلّ علي أنّ هذاالفعل ممن كان وبأيّ طريق كان مذموما غيرسائغ ، فلايجوز مخالفته في شيءلأنّه نوع من الصدّ.التاسع قوله تعالي وَ ما أَرسَلنا مِن رَسُولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللّهِقالوا تقريره أنّ إرسال الرسول لمّا لم يكن إلّا ليطاع ، كان من لم يطعه و لم يرض بحكمه لم يقبل رسالته ، و من كان كذلك كان كافرا مستوجبا للقتل . و هذاالكلام منهم يدلّ علي أنّهم فهموا منه عموم الإطاعة في جميع الأوامر،بمعني أنّ الإرسال للإطاعة في جميع الأوامر والنواهي لايجوز أن يخالف في
صفحه : 372
شيءمنها لأنّ المقصود من إعلام أنّ الغرض من الإرسال هوالإطاعة،إيجاب الإطاعة علي المرسل إليهم ، لامجرّد أنّ الغرض هوالإطاعة. و قال الفخر الراّزي إنّ ظاهر اللفظ يوهم العموم ، ولعلّهم إنّما فهموا ذلك لأنّ المضارعة تفيد الاستمرار الزماني، و لاقائل بأنّ إطاعة النّبيّ في كلّ زمان واجب و إن لم يجب في جميع الأوامر،لكن ذلك لايوجب أن يكون ظاهر اللفظ ذلك ، وإنّما يستلزم وجوب الإطاعة علي وجه العموم في الواقع . أويقال نزّل الأوامر الجزئيّة منزله في أجزاء الزمان .فأريد بما يدلّ علي عموم الثاني عموم الأوّل، كما أنّه يراد بالدوام والأبدية عموم الأفراد وبما يدلّ علي تبعيض الأوقات تبعيض الأفراد. و فيه أنّ ذلك مجاز غيرظاهر، ودعوي ظهوره بعيد. والتحقيق أنّ الطاعة ضدّ المعصية، والمعصية المضافة إلي الأمر تصدق بمخالفته و لو من وجه ، والمضافة إلي الشخص الآمر تصدق بمخالفة أمر واحد من أوامره ،فالطاعة للأمر هوعدم مخالفته بوجه من الوجوه ، وللشخص الآمر هوعدم مخالفته في شيء من أوامره ، ولهذا كانوا يكتفون في إعطاء القيادة للأمراء والتسليم لهم بأنّا سامعون لك مطيعون من غيرتعميم لمطلق الطاعة. وقولهم أطعناه في الأمر الفلاني دون غيره ،مجاز خلاف الظاهر. ويؤيّده أنّهم استدلّوا بقوله تعالي قُل أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرّسُولَ. وبقوله تعالي فاَتبّعِوُنيِ يُحبِبكُمُ اللّهُ علي مسألة التأسيّ، و لو لاالعموم لم يصحّ هذاالاستدلال .العاشر قوله تعالي قُل ما يَكُونُ لِي أَن أُبَدّلَهُ مِن تِلقاءِ نفَسيِ إِن أَتّبِعُ إِلّا ما يُوحي إلِيَّ وتقرير الاستدلال به علي نمط الاستدلال بقوله تعالي إِن هُوَ إِلّا وحَيٌ يُوحي. كماسبق [ في الوجه الأوّل].
صفحه : 373
الحادي عشر قوله عزّ و جلّقُل ما كُنتُ بِدعاً مِنَ الرّسُلِ وَ ما أدَريِ ما يُفعَلُ بيِ وَ لا بِكُم إِن أَتّبِعُ إِلّا ما يُوحي إلِيَّ وتقريره ماعلم سابقا.الثاني عشر قوله تعالي وَ مَن يُطِعِ اللّهَ وَ الرّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنعَمَ اللّهُ عَلَيهِم مِنَ النّبِيّينَ وَ الصّدّيقِينَدلّ علي أنّ طاعة الرسول في أيّ أمر كان سبب للكون مع النبيّين والصّدّيقين، و لو كان النّبي صلّي اللّه عليه وآله مخطئا في اجتهاده وعلم ذلك ، لم يكن طاعته في ذلك الأمر سببا لماذكر،فدلّ علي عدم الخطإ في الاجتهاد.الثالث عشر قوله تعالي ائتوُنيِ بِكِتابٍ مِن قَبلِ هذا أَو أَثارَةٍ مِن عِلمٍ إِن كُنتُم صادِقِينَدلّ علي أنّ المأثور عن الأنبياء الأوّلين لايحتمل الخطأ، و إلّا لم يكن بين إتيانهم بالأثارة وعدمه فرق . ويمكن المناقشة[ فيه ]بوجهين الأوّل أنّا لانسلم أنّه يدلّ علي عدم الخطإ في الأثارة، وإنّما يدلّ علي عدم الصدق بدونها يعني أنّهم لايقدرون علي الإتيان بالأثارة الدالّة علي الشرك ، و ما لم يأتوا بها لايكونون صادقين في دعواهم لأنّ ذلك ليس مما يعلم بالعقل المحض ، فإن علم ،فإنّما يعلم بالنقل ، و لانقل هاهنا، و لاينافي هذا أن لايكفي النقل المذكور في الشرك . والثاني أنّ ذلك من الأصول ، ونحن لانخالف في عدم جواز مخالفة النّبي صلّي اللّه عليه وآله فيما قاله في أصول الدين ، وإنّما نجوّز مخالفته في الفروع . وكلتاهما خلاف الظاهر فلاينافي التمسّك بظاهره .الرابع عشر الآيات الدّالة علي النهي عن اتّباع الظنّ والاقتصار علي
صفحه : 374
العلم ، وقول النبي صلّي اللّه عليه وآله معلوم أنّه حكم اللّه و لوظاهرا، ويجوز اتباعه بل يجب ، واجتهاد الأمّة إذا كان مخالفا له ، ليس بمعلوم أنّه يجوز اتّباعه لتحقّق الخلاف في ذلك ،فمخالفته ترك للمعلوم الواجب المأمور،باتّباعه بالمظنون المنهي عن اتّباعه.الخامس عشر قوله تعالي مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَد أَطاعَ اللّهَ وَ مَن تَوَلّي فَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم حَفِيظاًوجه الاستدلال أنّ من عرف اللسان لايرتاب في أنّ مفاد الآية هو أنّ طاعة الرسول صلّي اللّه عليه وآله ليس إلّا طاعة اللّه عزّ و جلّ،فكما أنّ من خالف نصّ اللّه سبحانه بالاجتهاد ضالّ غاو،فكذلك من خالفه صلّي اللّه عليه وآله بالاجتهاد، و من جوّز مخالفته لأنّه يقول عن اجتهاد لزمه القول باجتهاده تعالي وجواز مخالفته . و قدفسرّ اللّه تعالي ضدّ الطاعة في الآية التالية لهذه الآية بإضمار غير ما يقول صلّي اللّه عليه وآله ، قال سبحانه وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِن عِندِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنهُم غَيرَ ألّذِي تَقُولُ وَ اللّهُ يَكتُبُ ما يُبَيّتُونَ فَأَعرِض عَنهُم وَ تَوَكّل عَلَي اللّهِ وَ كَفي بِاللّهِ وَكِيلًا و قداستدلّ الفخر الرازي في التفسير بهذه الآية علي عصمته صلّي اللّه عليه وآله في جميع أقواله وأفعاله ثم قال [ و] قال الشافعي في باب فرض طاعة الرسول صلّي اللّه عليه وآله إنّ قوله تعالي مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَد أَطاعَ اللّهَيدلّ علي أنّ كلّ تكليف كلّف اللّه عباده في باب الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحجّ وسائر الأبواب في القرآن ، و لم يكن ذلك التكليف مبيّنا في القرآن ،فحينئذ لاسبيل إلي القيام بتلك التكاليف إلّا ببيان الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و إذا كان الأمر كذلك لزم القول بأنّ طاعة الرسول عين طاعة اللّه، هذاكلام الشافعي.انتهي .
صفحه : 375
و لايخفي أنّ في هذه الكلمات اعترافا بأنّ الاجتهاد بخلاف أمره صلّي اللّه عليه وآله قطعي البطلان ، واجتهاد بخلاف أمر اللّه عزّ و جلّ،فلو فرضنا تعبّده صلّي اللّه عليه وآله بالاجتهاد، لم يجز مخالفته علي حال من الأحوال .السادس عشر قوله تعالي لا تَجعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَينَكُم كَدُعاءِ بَعضِكُم بَعضاً قَد يَعلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنكُم لِواذاً فَليَحذَرِ الّذِينَ يُخالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ.جعل عامّة المفسّرين الضمير راجعا إلي الرسول صلّي اللّه عليه وآله . وقول أبي بكر الراّزي إنّه راجع إلي اللّه سبحانه ، لاعبرة به ، علي أنّه لوصحّ لكان بناء الكلام علي ادّعاء أنّ مخالفة أمره مخالفته سبحانه ، حتّي تتلاءم أجزاء الآية، وحينئذ يتمّ المقصود بوجه أتمّ. و إذا كان مخالفة أمره صلّي اللّه عليه وآله موضعا للحذر عن الفتنة والعذاب الأليم ،ظهر فساد الاجتهاد في خلافه . أمّا إذاجعل موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقّا واجب القبول علي مازعمه البعض ،فظاهر. و أمّا إذاجعل بمعني الإتيان بما أمر به علي وجهه ،فلأنّه إذا كان مخالفة أمره بهذا المعني مظنّة للعذاب والفتنة، كان الاجتهاد بخلاف ماأمر به باطلا، و هوالمدّعي.[الوجه ]السابع عشر الأوامر المطلقة في إيجاب طاعة الرسول صلّي اللّه عليه وآله مفردة ومقرونة بإيجاب طاعة اللّه سبحانه كقوله تعالي وَ أَقِيمُوا الصّلاةَ وَ آتُوا الزّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرّسُولَ لَعَلّكُم تُرحَمُونَ و قوله تعالي قُل أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرّسُولَ فَإِن تَوَلّوا فَإِنّما عَلَيهِ ما حُمّلَ وَ عَلَيكُم ما حُمّلتُم وَ إِن تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَ ما عَلَي الرّسُولِ إِلّا البَلاغُ المُبِينُ وهي في الكتاب الكريم أكثر من عشرين موضعا، والاجتهاد
صفحه : 376
بخلاف أمره صلّي اللّه عليه وآله تصويب لمخالفة أمر اللّه عزّ و جلّ في إيجاب طاعة رسوله صلّي اللّه عليه وآله ، وبطلانه واضح ، وإفادة أمثال تلك الأوامر للعموم قدتبيّن في الأدلّة السابقة.الثامن عشر مما يدل علي بطلان الاجتهاد علي الوجه ألذي يجوز مخالفته ، أنّ أبابكر وعمر كانا يقولان بأنّ حكمهما ربّما كان خطأ، وربّما كان صوابا، ويلتمسان من الصحابة وسائر من حضرهما أن ينبّهوهما علي الخطإ، و لايقرّروا و لايداهنوا، ولقد كانت المداهنة من القوم في شأنهما والإغضاء علي خطئهما أقلّ بالنسبة إليه صلّي اللّه عليه وآله ، والاحتشام منهم لهما دون الاحتشام له صلّي اللّه عليه وآله ، وتوهم تحتّم الصواب ووجوب الصحّة في قوله تعالي وفعله صلّي اللّه عليه وآله أكثر، لاسيما بعد ماتقرّر وتكرّر أنّه صلّي اللّه عليه وآله لايفعل عن شهوة، و لا يقول عن هوي ، وإنّما كلامه صلّي اللّه عليه وآله حكم ، ونطقه فصل ، و قوله عدل ، وشهدت له بذلك الآيات المنزلة والسور المتلوّة، و لم يكن التوهّم في شأنهما بهذه المثابة و لالهما هذه الأسباب والدواعي،كيف و في حقّه صلّي اللّه عليه وآله نزل وَ ما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوا ونهي عن معصيته وأوعد علي مشاقّته ومحاقّته، و لا شيء من ذلك فيهما و لالهما،فكان النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أحقّ وأحري بأن ينبّه علي أنّ قوله ربّما يباين الصواب ، ويخطئ من إصابة الحقّ، وكيف أهمل صلّي اللّه عليه وآله طول هذه المدّة المديدة وأضاع في تلك الأزمنة المتطاولة أن يجنّب أمّته اتّباع الباطل ، ويحذرهم الاقتداء بغير الحقّ، ويصونهم عن الإصرار علي ما لاينبغي ويخالف حكم اللّه، و قدوفّق له أبوبكر وعمر واهتديا إليه السبيل . و لو قال قائل إنّ هذاالتنبيه والإيماء كان أولي و لم يكن واجبا، كان الدليل قائما والحجّة مستقيمة أيضا،لأنّ ترك النبيّ صلّي اللّه عليه وآله هذاالأولي والأليق والشفقة علي الأمّة والنظر لها، واختصاصهما بهذه المنزلة
صفحه : 377
وانفرادهما بهذه الفضيلة وإصرارهما علي هذاالقول ألذي يرويه الناس في معرض مدحهما ويعدّونه من فضائلهما،مما تأباه القريحة السليمة، أ فلا قال صلّي اللّه عليه وآله إنّما أنامثلكم أخطئ وأصيب ، كماآكل وأشرب وأمشي في الأسواق و من علم عادته وتتبّع سيرته صلّي اللّه عليه وآله لم يثنه ريب و لم يختلجه شكّ في أنّه لو كان ماقالوا مما له مساغ في طريق الصدق ، لم يهمل النبي صلّي اللّه عليه وآله أمره ، و لاأغفل عن أن يهدي الناس إليه ،لكنّ الإنصاف ارتحل من البين ، والعصبية أرخت سدول الغشاوة علي العين .[الوجه ]التاسع عشر مما يدلّ علي ذلك احتجاج أبي بكر علي الأنصار يوم السقّيفة كمارووه بقوله «الأئمّة من قريش ». وتسليم الأنصار الأمر إليه ، وانكسارهم بذلك عن سورتهم ،فما بالهم لم يقابلوا حجّته بأن يقولوا أيّ دليل في هذا لك و قدعلمت أنّه صلّي اللّه عليه وآله ربّما يقول القول عن رأي واجتهاد وطال ماأخطأ ورجع فلاحجّة في ذلك و لايصلح خصوصا فيما يتعلّق بالولاية والزعامة،فإنّه قلّما يكون عن وحي سماوي وتنزيل إلهي، مع شدّتهم في أمرهم ووصيّتهم فيما بينهم بأن شدّوا علي أيديكم و لاتملّكوا أمركم أحدا. حتّي أنّ حبّابا كان قدقبض علي قبيعة سيفه ، و كان سعد طول حياته يعترض ويصرّح ببطلان أمرهما ويلمح بالتّغلّب والعدوان إليهما ويتلظّي كبده عليهما، وجميع الأنصار كان شأنهم ذلك وحالهم هذا إلّا قليلا منهم ، و ماقالوا في هذاالباب وحفظ عنهم من النظم والنثر مشهور، و في السير والتواريخ مذكور. وكيف غفلوا عن هذاالتوهين القويّ لحجّتهم هب أنّهم عن آخرهم أخذتهم الغرّة، وغشيتهم الغفلة في أوّل الوهلة وبادي الأمر،فهلّا استدركوا ثانيا واحتجّوا مرّة أخري العشرون قول أبي بكر«أقول في الكلالة برأيي، فإن يكن صوابا فمن اللّه، و إن يكن خطأ فمنيّ و من الشيطان ، و اللّه ورسوله منه بريئان ». فإن
صفحه : 378
كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أسوة أبي بكر في جواز الخطإ عليه ، لم يكن لهذه التبرئة والتنزيه وجه .الحادي والعشرون ماروي عن ابن مسعود أنّه قال في المفوّضة«أقول فيهابرأيي، فإن كان صوابا فمن اللّه، و إن كان خطأ فمنيّ و من الشيطان ». و هذاالتفصيل قاطع للشركة، وهاتان الروايتان مشهورتان ،أوردهما العلماء في كتب الأصول واستدلوا بهما علي مسائل من أحكام الاجتهاد، و من جملتها كتاب الأحكام للآمدي.الثاني والعشرون قول عمر بن الخطّاب«أيكم يرضي أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول اللّه» أو ما في معناه كماسبق . و قوله [الآخر]«رضيك لأمر ديننا أ فلانرضاك لأمر دنيانا». و لايخفي أنّ الصلاة إمّا من الأحكام والأمور التي يجوز فيهاالاجتهاد ويحتمل الخطأ، أوممّا يكون بوحي إلهيّ لابدّ منه .فعلي الأوّل لاوجه للاستدلال به لأنّ لهم حينئذ أن يقولوا نحن قداجتهدنا ورأينا أنّ الصواب في ضدّ مافعله صلّي اللّه عليه وآله ، و أنّ الأوفق بالمصلحة خلاف مارآه ، و لايمتنع ذلك عليه و لانرضي بذلك ، و أيّ استبعاد في هذاالرضا وإنّما يصحّ هذاالاستبعاد فيما لايجوز فيه الخطأ و لايتطرّق إليه البطلان . ولئن قيل إنّ الغالب عليه الصواب و إن جاز الخطأ أحيانا، و مايغلب عليه الصواب ينبغي أن يحترز ويجتنب تركه ، والمركوز في العقول التباعد عن مخالفة مثله لأنّ الخطأ مظنون فيها.قلنا إمّا أن يكون الأنصار نازعت أبابكر وادّعت الإمامة لنفسها بدون متمسّك واجتهاد، أورأته كذلك وقالت ماقالت عن شبهة تعتقدها دليلا
صفحه : 379
أوتظنّها حجّة، والأوّل مما لايقدم عليه مثل الأنصارالّذِينَ آوَوا وَ نَصَرُوا، وهم كبار الصحابة وأعلام المسلمين وخيار الناس وأعيان أهل الدين ،[ و]كيف يقدم مثلهم علي هذاالفسق الواضح أ فلا كان في الأمّة من يطعن عليهم بالفسق والعصيان و لو كان ،لنقل إلينا و هذاالنوع من الاستدلال قدشاع بين القوم التمسّك به . وأيضا أجمعت الأمّة إجماعا مركّبا علي أنّ كل من قال في الإمامة بالرأي، ودان فيهابالاجتهاد فاسق ، أوأنّهم أتوا بأفضل عبادة وأثيبوا و إن لم يصيبوا. و أما أنّ بعضهم أصاب الحقّ واليقين وآخرون فسقوا عن الدين ،فمنفيّ إجماعا،فتعيّن أن يكون الأنصار و من يحذو حذوها قالت ماقالت عن شبهة،فكان الواجب علي عمر أن يتمسك برجحان اجتهاده صلّي اللّه عليه وآله علي اجتهادهم بواحد من الوجوه التي تصلح للترجيح من الأمور المقرّرة في الأصول . و علي الثاني، كان عليه أن يثبت بدليل أنّه صادر عن الوحي لا عن الاجتهاد، ويأتي بحجّة تعيّن كونه من أحد القسمين دون الآخر. وأيضا لامعني لقياس مايجوز فيه الاجتهاد ويسوغ عليه الخطأ،كأمر الإمامة والرئاسة علي مايجب استناده إلي الوحي والتوقيف ، وكيف شبّه أحدهما بالآخر مع هذاالفارق الجلي الواضح .الثالث والعشرون قول عمر حين قال بعض المرتابين في جيش أسامة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله « أتؤمّر علينا هذاالشابّ الحدث ونحن جلّة مشيخة قريش »دعني يا رسول اللّه أضرب عنقه فقد نافق . و هذايدلّ علي أنّه يلزم بمجرّد مخالفة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله النفاق والكفر، و لايجوز مخالفته صلّي اللّه عليه وآله ،سواء كان قوله عن اجتهاد أو لا،
صفحه : 380
وسواء كان في الولايات والحروب أوغيرهما، و إلّا فمن أين يلزم نفاقه وكفره ويحلّ ضرب عنقه وكيف قرّره صلّي اللّه عليه وآله علي هذاالرأي الفاسد والزعم الباطل و لم ينكر هو عليه و لاأحد من الصحابة والتابعين وأين كان أعداؤه المتتبّعون لعثراته وزلّاته،الطالبون لخطاياه وأغلاطه عن هذاالخطإ الظاهر وكيف لم يطعن الفقهاء عليه طول هذه المدّة و لم يعترض عليه حتّي إنّ الذين كانوا علي رأي الروافض في الصدر الأوّل عطشي الأكباد لأدني هفوة من هفواته ،كهشام بن الحكم ، و محمد بن النعمان الأحول ، وغيرهم ممن عرفوا بهذه الخصلة وعدّوا من أصحاب المقالات والنحل ، لم يطعنوا عليه هذاالطعن مع حرصهم علي الإزراء به ، وولوعهم علي تشهير مساويه ومثالبه و لو لا أنّ هذا كان في الزمن السالف إجماعيا غيرمختلف فيه ماأغمضوا عليه و[ لا]تغافلوا عنه . و إنّ ماذكرناه أقوي في باب العادات ، والمعلوم من أحوال الناس من جميع مايذكرونه في هذاالنمط ويستدلّون عليه بها، وإنّما هذاالقول البديع والإفك المفتري ،شهادة زور وأماني غرور اختلقها جماعة من المتأخّرين،ترويجا لبعض ماينتحلونه ، وترميما لأفعال شيوخهم وأئمّتهم، وهيهات هيهات وأنّي لهم بذلك و قدحِيلَ بَينَهُم وَ بَينَ ما يَشتَهُونَالرابع والعشرون قول عمر أيضا يوم بدر حين قال أبوحذيفة في بعض ماكلّم به النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و قد كان صلّي اللّه عليه وآله يوصي أن لايقتل أحد من بني هاشم لأنّهم استكرهوا و لم يخرجوا طائعين [ فقال أبوحذيفة]« أنقتل آباءنا وإخواننا ونترك بني هاشم فلو أنيّ لقيت عمّ النبي صلّي اللّه عليه وآله لأضربنّ خياشمه بالسيف حيث قال [عمر]« إنّ أباحذيفة قدنافق ». واستئماره النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله بقوله «دعني أضرب عنق هذاالمنافق ». و لم ينكر النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله علي عمر قوله ، و لو كان الأمر علي
صفحه : 381
مازعموه لكان الحري بالهادي المهدي الراشد المرشد المبعوث للدلالة والهداية أن يقول له أيّ رابطة زعمت بين إنكار قولي و بين النفاق .بل هوطاعة للّه، فإن كان صوابا فله أجران ، و إلّا فأجر واحد،خصوصا في الحروب وتدبير أمر الجيوش والمغازي،سيّما يوم بدر ألذي كان المسلمون فيه في غاية القلّة ونهاية الضعف ، و لم يشتدّ ساعد الإسلام بعد، وكانت إثارة الإحن مجلبة للمحن ،فلو لا أنّ عمر كان مصيبا في ذلك لماتغافل عنه النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله و لم يعتذر بأنّه يحبّ اللّه ورسوله ، و لم يذهب في إصلاح مابدا منه في الظاهر إلي أمر الباطن ، و من المعلوم أنّ الظاهر إذا لم يفسد، لم يجز العدول في جواب قدح القادح فيه إلي أنّ باطنه علي خلاف مايوهمه ظاهره ، فإنّ ذلك كلام من يسلّم من خصمه صحة مقدّماته التي ادّعاها، ولكنّ ذلك القدر لايكفي في المطلوب ،بل العمدة أمر الباطن و هوملاك الأمر. و لو كان الأمر كمازعمه القوم لكان النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله يقول صادعا بالحقّ أن لاغائلة في قول أبي حذيفة و لاقدح ، وإنّما ذلك أسوة سائر الكلمات التي يسوغ لكلّ أحد أن يكلمّني، و لو لم يكن عبادة فلاأقلّ من أن يكون مباحا، و لم يكن يعرض بأمر باطنه وصحة عقيدته ، و لايحيل علي أمر غيرظاهر للناس خفيّ عن الأبصار.الخامس والعشرون أنّ الناس اجتمعوا علي عثمان زارين عليه طاعنين فيه بمخالفته رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله والعدول عن سنّته، وعدّدوا عليه أمورا،فلو جاز لأحد أن يخالفه بالاجتهاد لكان لعثمان أن يجيب خصمه بذلك ويناظرهم عليه ، أويرشدهم إليه ، و مارأيناه فعل ذلك مع كثرة المواقف التي واقفوه فيها كمامرّ بعضها، و لوفعل لنقل إلينا، ولقد كان كثير من الصحابة الذين طعنوا عليه واجهوه بما يسوؤه ، وعابوه حين غابوا، وزجروه إذ حضروا عنده ، و لم يعتل هوبأنيّ اجتهدت ورأيت أنّ الصواب في خلاف ماقاله وفعله ، و قدعلمتم أنّه كثيرا ما كان يقول شيئا ويخالفه الناس لخطإ في رأيه ،
صفحه : 382
و[ ما قال ] أنااليوم إمام القوم أولي منهم بذلك ، و لوساغ ماقلتم ،استحال أن يتغافل عنه عثمان أوغفل هو وأتباعه والمصحّحون لمافعله في عصره ، و لواحتجّ واعتلّ بذلك ،استحال في العادة أن لاينقل إلينا و لم ينقل .[الوجه ]السادس والعشرون أنّه لماكلّم عثمان أبابكر وعمر في ردّ الحكم ،أغلظا له القول وزبراه و قال له عمر يخرجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وتأمرني أن أدخله و اللّه لوأدخلته لم آمن أن يقول قائل غيّر عهد رسول اللّه صلّي عليه ، و اللّه لئن أشقّ باثنتين كماتشقّ الآبلة و هوخوص المقل أحبّ إليّ من أن أخالف لرسول اللّه صلّي اللّه عليه أمرا، وإيّاك يا ابن عفّان أن تعاودني فيه بعداليوم . و لوجاز مخالفته صلّي اللّه عليه وآله بالاجتهاد، لم يكن لعمر أن يردّ قول عثمان ويدفعه بأنّه مخالفة الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و أنّ شقّه باثنتين أحبّ إليه منها،بل كان ينبغي أن يناظره ويحجّه بطريق الاجتهاد وسنّة النظر ومراعاة المصالح والمفاسد، ويري عثمان وجه خطئه ، و أنّه في أيّ موضع من مقدّمات الاجتهاد وقعت له الغفلة وحصل منه الإهمال ، و مانراه فعل هو ذلك و لا أبوبكر.السابع والعشرون قول عمر بعد ماسمع الخبر في دية الجنين « لو لم نسمع لقضينا فيه بغير هذا». وروي أنّه قال «نقضي فيه برأينا».فدلّ علي أنّه كان يترك الرأي بخبر الواحد، و لم ينكر علي عمر أحد قوله و كان يري التفاوت في دية الأصابع ،فرجع عن رأيه بخبر عمرو بن حزم ، أنّ في كلّ إصبع عشرة.الثّامن والعشرون حديث أبي الدّرداء حيث روي نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله عن بيع أواني الذهب والفضّة بأكثر من وزنها. فقال معاوية لاأري بذلك بأسا.
صفحه : 383
فقال أبوالدرداء من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ويخبرني عن رأيه لاأساكنك بأرض أبدا.دلّ كلام [ أبي الدرداء هذا] علي أنّ مقابلة النص بالرأي غيرمشروع ، و لم يخصّص في إنكاره بالأحكام ،بل أطلقه بحيث يتناول الحروب وغيرها، و لو كان هناك فرق بين خبر وخبر ورأي ورأي، لماصحّ له الإطلاق .التاسع والعشرون أنّ عمر كان يري أنّ الدّية للورثة و لم يملكها الزوج فلاترث الزوجة منها،فأخبر أنّ الرسول صلّي اللّه عليه وآله أمر بتوريثه منها، و هوخبر الضحّاك بن سفيان بأنّه كتب النّبيّ بتوريثها من الدية. قال الآمدي ترك [عمر]اجتهاده في منع ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الواحد و قال أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلّوا كثيرا. و هذا، و إن كان مورده الميراث إلّا أنّ فحوي الكلام هجر الرأي بخبر الواحد مطلقا، و هذه الأخبار مما استدلّ به العلماء في كتب الأصول علي أحكام خبر الواحد.الثلاثون ماروي أنّ عمر جاء رسولا إلي أبي بكر من قبل أعيان الجيش ،فاستأذنه في رجوع أسامة متعلّلا بأنّ معه من وجوه الناس ، و لانأمن علي خليفة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وحرمه وحرم المسلمين أن يتخطّفهم المشركون حول المدينة. فقال أبوبكر لوتخطفني الكلاب والذئاب لم أردّ قضاء قضي به رسول اللّه صلّي اللّه عليه . و لمّا أدّي إليه [عمر]رسالة الأنصار وسؤالهم أن يوليّ عليهم أحدا أقدم سنا من أسامة وثب من مكانه و كان جالسا وأخذ بلحية عمر بن الخطاب فجرّها و قال ثكلتك أمّك يا ابن الخطّاب استعمله رسول اللّه وتأمرني أن أنزعه
صفحه : 384
و قد كان وجه المصلحة فيما رأوه باجتهادهم ظاهرا،فلو لا أنّ مخالفة النّبيّ بالاجتهاد غيرسائغ لماساغ لأبي بكر أن يجيبه بالردّ من عرض الخلافة عليه أوّلا، وأفضي بها إليه أخيرا و أن يزري بقدره ويستخفّ به ويستهزئ ذلك الاستهزاء ألذي لايفعله الجلف الجافي بسوقي ساقط المحلّ. وكيف ساغ له أن يأخذ بلحيته الكثيفة ويخاطبه بالثكل والويل و هو غيرمستحقّ لذلك ،سوي أنّه تحمّل رسالة كلّها أجر وثواب ، وجلّها صدق وصواب بزعمهم ، و قدصدرت عن اجتهاد جماعة من المسلمين هم ذروة الأمر وسنامه وأساس الإسلام وقوامه وهل يغضب ذو الدين علي الحاكي طاعة جماعة من المسلمين وعبادتهم ، ويفعل فعل من لاصبر له ، واستشاط غيظا وتلهّب غضبا،فلو لا أنّ الأمر بمخالفة النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله و لو كان عن اجتهاد كان فظيعا شنيعا لماظهر منه ذلك الصنيع مع اتّفاق كان بينهما في النفاز واتّحادهما في الإلحام واجتماعهما علي ترويح الباطن و هذاآخر ماأردنا إيراده من الأدلّة في هذاالباب و فيهاكفاية لأولي الألباب . ولنشر إلي بعض شبه المخالفين الأولي قوله سبحانه عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُم حَتّي يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعلَمَ الكاذِبِينَقالوا عاتبه علي الإذن [لمن أراد أن يتخلّف عنه ] والعتاب لا يكون إلّا عن خطإ والخطأ لا يكون في الوحي بل في الاجتهاد و قال عَفَا اللّهُ عَنكَ والعفو لا يكون إلّا عن ذنب . والجواب عنه أمّا أوّلا فبأنّا قدروينا عن أهل بيت العصمة عليهم السلام كمامرّ مرارا أنّ القرآن نزل ب[طريقة قولهم ]«إيّاك أعني واسمعي يا
صفحه : 385
جارة»، وهي مروية في كتبهم أيضا عن ابن عبّاس،[ و] في معناه عن طرقنا أخبار كثيرة،فلعلّ ذلك كان بإشارة الأصحاب الذين تقول فيهم ماتقول ، ونزلت الآية عتابا لهم وردّا عليهم لقلّة نصحهم وسوء صنيعهم . و قدمرّ في هذاالكتاب أشباهها من قوله تعالي لنبيّه صلّي اللّه عليه وآله لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنّ عَمَلُكَ و قوله سبحانه مخاطبا لعيسي عليه السلام أَ أَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتخّذِوُنيِ وَ أمُيّ إِلهَينِ مِن دُونِ اللّهِ وللتعريض باب عريض ، فلايستبعد كون المراد بالآية المذكورة تعريضا وتوبيخا لمن حمله عليه السلام علي الإذن وألجأه إليه وصنع ماانقلبت معه المصلحة عن وجهها وانعكس أمرها وانحصرت في الإذن إلي غير ذلك . ثمّ نقول لهؤلاء القوم لايخلو النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله في إذنه لهم من جهة الخطإ في الاجتهاد من أن يكون آثما أوتاركا للأولي ، أو لا هذا و لا هذا،بل إمّا مثابا مأجورا أوفاعلا مباحا والأوّل خلاف الإجماع ، و لم يظهر قائل بالثاني أيضا بل المشهور هوالثالث . فإن كان استعمل لفظ العفو والمعاتبة معه صلّي اللّه عليه وآله ، من جهة أنّه ترك الأولي ،فقد خرجنا وهؤلاء الخصوم رأسا برأس ، فإنّ المشهور عندأصحابنا الإمامية حمل هذه الآية وأمثالها علي ترك الأولي بدون أن يكون خطأ في الاجتهاد،بل يكون تعمّدا لترك الأولي عندهم ، كمايحملون خطيئة آدم عليه السلام مع ماوقع عليها من المعاتبات وغيرها علي ترك الأولي ، فلاترجيح معهم . و إن كان من جهة الخطإ في الاجتهاد بدون أن يكون هناك ترك للأولي ،بل إمّا أن يكون فعل فعلا مباحا أوأتي بنافلة وعمل بمندوب وأطاع اللّه فيما أمره به وأقام وظيفة عبادته ،فلينصفوا حينئذ من أنفسهم ، ولينظر اللبيب في أنّه هل يكون استعمال لفظ العفو وإيقاع المعاتبة في صورة ترك الأولي عمدا أحسن موقعا أم استعماله في خطإ وقع أثناء الاجتهاد مع أنّه لم يفعل فعلا
صفحه : 386
مرجوحا بل إمّا مباحا، ولعلّ من له أدني حظّ من الإدراك لايرتاب في أنّ تأويل الإمامة أقرب بمراتب وأولي بدرجات كثرة. ومما ينبغي أن يعلم أنّ قوله صلّي اللّه عليه وآله وإذنه لهم من حيث إنّه قول وحكم لايوصف بأنّه ترك الأولي لأنّ الحكم من حيث إنّه حكم كان أمرا مطابقا للواقع من جملة أحكامه عليه السلام ،فكان القعود لهم جائزا بحسب الواقع ، وإنّما كان ترك الأولي في إظهاره لهم وعدم منعهم من القعود. ويحتمل أن يقال لم يكن قعودهم جائزا في الواقع ،بل كان الواجب عليهم أن يخرجوا إلي الجهاد،لكن كان الأولي له أن يمنعهم و لايأذن لهم . و لااستبعاد في أن يكون قعودهم محرّما وإذنه عليه السلام بحسب مايظهرونه من الأعذار ويتعلّلون بالعلل جائزا،فربّ أمر كان في الواقع حراما والإذن فيه من حيث الظاهر جائزا، كماسيأتي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ،سلّم من شهد عليه شاهدان بالسرقة إليهما ليقطعاه فأرسلاه وفرّا، مع أنّ قطعه كان محرّما عليهما، و أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله أذن لأهل الذمّة أن يقرّوا علي مذهبهم ويستمرّوا علي دينهم مع أنّه محرّم عليهم . وأذن لعثمان في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح ، مع أنّه كان علي عثمان أن لايستأذنه صلّي اللّه عليه وآله و أن لايؤمّنه. وأذن أمير المؤمنين عليه السلام [ل]طلحة والزبير في الخروج إلي العمرة، مع أنّه كان يعلم أنّه محرّم عليهما و كان يتظاهر بذلك .غاية ما في الباب ، أن يكون عدم الإذن فيما نحن فيه أولي ، وإذنه تركا للأولي ، فإذاجاز أن يكون الإذن في المحرّم جائزا مباحا فأولي أن يكون تركا للأولي .[الشبّهة]الثانية قوله تعالي ما كانَ لنِبَيِّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسري حَتّي يُثخِنَ فِي الأَرضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ لَو لا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُم فِيما أَخَذتُم عَذابٌ عَظِيمٌ.قالوا لو لا أنّه أخطأ في أخذ الفدية لماعوتب علي ذلك . و قديقال إنّ مدلول هذه الآية نهي عن الأسر و قدوقع الأسر بلا شبهة. وأيضا قدأمر بالقتل والأسر ضدّه، و قدروي أنّ عمر بن الخطّاب دخل علي رسول اللّه فإذا هو و أبوبكر يبكيان فقال يا رسول اللّه أخبرني فإن أجد بكاء بكيت . فقال أبكي علي أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض علي عذابهم أدني من هذه الشجرة[ وأشار]بشجرة قريبة منه . والبكاء ونزول العذاب قريبا دليلان علي الخطإ. و هذاأقصي ماقالوه في تقرير هذه الشبهة فنقول [ في جواب هذه الشبهة] أمّا الأسر فلعلّه كان منهيّا عنه و لم يأسر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أحدا، وإنّما أمر بالقتل فخالفوه علي ماذكره السيّد[المرتضي ]رضي اللّه عنه في كتاب تنزيه الأنبياء. ويرد علي ذلك أنّ أمير المؤمنين أسر عمرو بن أبي سفيان أخا معاوية علي ماجاءت به الرواية، وأشار عليه السلام إليه في كتابه إلي معاوية،فلو كان الأسر منهيّا عنه لم يفعله علي عليه السلام . ويمكن أن يكون الأسر[ في الواقع كان ]منهيّا عنه بالنسبة إلي كلّ أحد مقيّدا بالغاية المذكورة في الآية، و إذاانتهي الرجل إلي الغاية صحّ منه الأسر، و قد كان عليّ عليه السلام أثخن في الأرض حتّي أنّه قتل مايقرب من نصف عدد القتلي ، وغيره ما كان بلغ معشار مابلغ صلوات اللّه عليه . أويقال لعلّ الإثخان كان حاصلا حين أسر علي عليه السلام من أسر و لم يكن حاصلا حين أسر غيره .
صفحه : 388
و قد قال السيّد[المرتضي ]قدّس سرّه إنّهم لمّا تباعدوا عن العريش و عن مرائه صلّي اللّه عليه وآله ،أسروا من أسروا من المشركين بغير علمه صلّي اللّه عليه وآله و لايبعد أن يكون هو عليه السلام لم يأسر حتّي في الكفّار وانهزموا وتباعدوا وانتهي الأمر إلي آخره ووضعت الحرب أوزارها،فحينئذ أسر من أسر. ويمكن أن يكون هذاالأسر مستثني من العام لحكمة تعلّقت به ، و قدافتكوا به رجلا من الأنصار، و كان حبسه أبوسفيان بابنه و كان الغرض من الأسر هو هذا، والقرينة علي أنّ مثله مخصوص من العام أنّ التوبيخ في الآية تعلّق بإرادة الدنيا وحطامها وأعراضها، و لو لم يكن المقصود من الأسر العرض الأدني والنصيب الأخسّ والمطلب الأركس لم يكن داخلا في النهي. واعلم أنّ حديث الأسر وكونه منهيّا عنه ساقط فيما نحن فيه من الاجتهاد وكونه واقعا علي وجه الخطإ، وإنّما يتّجه التمسّك به في نفي العصمة، فإنّ القائل بأنّ الاجتهاد وقع خطأ، لا يقول بأنّه وقع مخالفة للنصّ و علي وجه المعصية حتّي يكون مما يستحق عليه العذاب العظيم و ألذي يتمسّك به في معصية النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله لا يقول بأنّه وقع علي سبيل الخطإ في الاجتهاد. ويمكن أن يتوجّه بأنّ النهي إنّما حصل بهذه الآية و لم يكن نهي صريح سابقا كيف والاتّفاق حاصل علي أنّه لم يكن هناك نهي ونصّ. و أمّا الأمر بالقتل في قوله تعالي فَاضرِبُوا فَوقَ الأَعناقِ وَ اضرِبُوا مِنهُم كُلّ بَنانٍفالمراد به الكثرة لامحالة، لاعموم [ضرب ]أعناق الكفّار بلا خلاف ،فالقتل المدلول عليه بالآية لاينافي الأسر. ومما يدلّ علي أنّ المراد به الكثرة، هذه الآية،فإنّها كالمفسّرة لتلك ، وكذلك قوله تعالي فَإِذا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا فَضَربَ الرّقابِ حَتّي إِذا
أَثخَنتُمُوهُم فَشُدّوا الوَثاقَ.فلعلّه عليه السلام علم المراد قبل نزول هاتين الآيتين أوبواحدة منهما أوبغيرهما،فقد ظهر أنّ القتل المأمور به هوالإثخان فيه والإكثار منه و هذا غيرصريح في النهي عن الأسر. و لمّا دلّ الدليل علي عدم صدور المعصية منه عليه السلام ،تعيّن الحمل علي ذلك . و قدحصل التوبيخ له صلّي اللّه عليه وآله والعتاب في هذه الآية و لاوجه له حينئذ سوي أنّه اجتهد وأخطأ في الاجتهاد. و هذاتقريره علي وجه ينطبق علي مانحن فيه . و أنت خبير بأنّ الخطأ في الاجتهاد إمّا أن يكون ناشئا عن تفريط وتقصير يعدّ ذنبا ومعصية، أو لا،بل يقع موجبا للثواب ومقتضيا للأجر الجميل ، و علي الأوّل فقد بطل استدلاله ،إذ لو كان ذنب لامحالة لازما فأيّ دلالة في الآية علي الاجتهاد والخطإ فيه . و علي الثاني، لم يصحّ ترتّب العقاب علي الفعل المندوب لامحالة،الموجب للأجر والثواب ، و لاقائل بأنّ المخطئ في الاجتهاد تارك للأولي غيرمستحقّ للثواب ، و لابأنّه مع عدم تفريطه مستحقّ للعقاب إلّا شرذمة قليلة لايعبأ بهم ، و لم يبق أحد منهم علي أنّ الكلام معهم هوالكلام علي الاحتمال الأوّل. وقول الفخر الرازي إنّ الخطأ في الاجتهاد و إن كان حسنة، إلّا أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،فلذلك حسن ترتّب العقاب عليه ، فيه نظر لأنّه بعدتسليم صحّة ترتّب العقاب علي الحسنة بناء علي أنّ هاهنا ما هوأحسن منها،فلم لايجوز أن لا يكون هاهنا خطأ في الاجتهاد بل أصاب في اجتهاد وعلم الحسن والأحسن ، واختار الحسن علي علم منه . أفتري أنّه يمتنع من النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله ترك الأحسن والعمل بالحسن ، إذا كان علمهما
صفحه : 390
وميّز بينهما وإنّما لايمتنع إذا لم يعلمهما وحسبهما متساويين ، فلاتوجب الأصلح والأحسن علي اللّه سبحانه وتوجبه علي النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله . و قدزعمت أنّ ترك الأحسن . والعمل بالحسن مما تكرّر منه صلّي اللّه عليه وآله ،فقد رويتم أنّه صلّي اللّه عليه وآله عبس في وجه ابن أمّ مكتوم فعاتبه اللّه علي ذلك ، كمامرّ، وعندكم أنّه محمول علي ترك الأفضل أوالصغيرة. و[رويتم أيضا أنّه صلّي اللّه عليه وآله ]حرّم مارية[القبطيّة] علي نفسه ، و عندأصحاب هذاالقائل أنّه صلّي اللّه عليه وآله أذنب و أنّ قوله تعالي وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌإيماء علي العفو عن هذه الزّلّة، و أنّ قوله تعالي لَقَد تابَ اللّهُ عَلَي النّبِيّ وأمره بالاستغفار في قوله وَ استَغفِر لِذَنبِكَ و ماروي أنّه صلّي اللّه عليه وآله كان يستغفر في اليوم والليلة سبعين مرّة،محمول علي الذّنب. أو علي ترك الأفضل والأولي . ونظائر ذلك كثيرا،فما ألذي كان باعثا علي أنّ اللّه تعالي خالف عادته في ترك النكير عليه ، وبهذا يعلم أنّ هذاالعتاب والإنكار ليس مبنيّا علي ترك الأحسن ،سواء أنشئ عن اجتهاد أوغيره . وبما ذكرنا،يعلم جواب عن قولهم إنّه صلّي اللّه عليه وآله كان مأمورا بالقتل والأسر ضدّه و ليس لأحد أن يقول إنّ الأمر تناول حال الحرب و مابعده ، و لو كان بغير اختيار النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، فلاريب في أنّ إبقاءهم بعدالحرب كان باختياره ، و هومناف للأمر بالقتل لأنّا نقول الأمر بالقتل كان مقيّدا بحال المحاربة كما هوالمتبادر من قوله [ تعالي ]فَإِذا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا
فَضَربَ الرّقابِ فإنّ الظاهر من الأمر بضرب الرقاب وقت اللقاء و هوحال الحرب ، و لايسمّي ما بعدالحرب وحصول الأسري مكتوفين بأيدي الخصوم وتبدّد شملهم وزوال فئتهم عن مراكزهم ،لقاء. وأيضا المتبادر من مثل هذه العبارة حدثان ذلك الفعل وفواتحه ، لاأواخره ، و إن دام علي أنّ ضرب الأطراف ألذي فسّر به ضرب البنان غيرمعهود من صاحب الشرع في الأسير،فإنّه يجري مجري المثلة، وإنّما يجوز وقت التحام الحرب وحين المسايفة. وربّما قيل إنّ الأسر أضيف إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله حيث قال عزّ من قائل ما كانَ لنِبَيِّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسري حَتّي يُثخِنَ فِي الأَرضِ و لو لا أنّ الأسر وقع بأمره وإذنه ، ما كان يضاف إليه صلّي اللّه عليه وآله . وأجاب عنه السيّد[المرتضي ]رضي اللّه عنه بأنّ الأصحاب إنّما أسروهم ليكونوا في يده صلّي اللّه عليه وآله ،فهم أسراؤه صلّي اللّه عليه وآله ومضافون إليه و إن كان لم يأمرهم بأسرهم .انتهي . ونظيره قوله تعالي يا أَيّهَا النّبِيّ إِذا طَلّقتُمُ النّساءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ مع أنّ المطلّق لغير العدّة كان عبد اللّه بن عمر، و لم يأمره صلّي اللّه عليه وآله بذلك الطلاق ، و قدأضيف إليه الطلاق وخصّ بالخطاب . وممّا يدلّ علي أنّ إبقاء الأسري لم يكن إثما، ماروي الواقدي عن عليّ عليه السلام أنّه كان يحدّث و يقول أتي جبرئيل النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله يوم بدر فخيّره في الأسري بين أن يضرب أعناقهم ، أويأخذ منهم الفداء ويستشهد من المسلمين في قابل عدّتهم،فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أصحابه و قال هذاجبرئيل يخيّركم في الأسري بين أن يضرب أعناقهم ، أوتؤخذ منهم الفدية ويستشهد منكم قابلا عدّتهم بأحد.
صفحه : 392
قالوا بل نأخذ الفدية ونستعين بها ويستشهد منّا من يدخل الجنّة،فقبل منهم الفداء، وقتل من المسلمين قابلا عدتهم . وطعن من طعن في هذاالحديث بأنّه ينافي العتاب علي أخذ الفداء من باب الطعن بالمجهول علي المعلوم . مع أنّ ابن حجر ذكر في شرحه لصحيح البخاري أنّ الترمذي والنسائي و ابن حبّان والحاكم رووه عن عليّ عليه السلام بإسناد صحيح . ويدلّ عليه أيضا، أنّ إبقاء الأسري قد كان بإذنه و ما كان يسع المرءوس ، إذاأذن الرئيس وأمر أن يخالف ويختار،[ لا]سيّما في مثل هذاالخطب الجليل والشأن العظيم ،خصوصا بعد ماأبرم مرائر أمر أتباعه وطاعته ، وأوعد علي معصيته في الكتاب الكريم ،فكانت التّبعة علي الآذن المطاع والآمر الواجب الاتباع ، ولكان هوالمستحقّ لتوجّه العتاب والتقريع و لم يقع الأمر كذلك ،بل خصّوا بالعتاب والتهديد دونه صلّي اللّه عليه وآله ، وغاية الأمر أن يعمّه صلّي اللّه عليه وآله معهم ، وكذلك استشارة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أصحابه في أمر الأساري وأخذ الفداء منهم ،دليل علي أنّه لم يكن النصّ تناوله ، و لو كان خاصّا أوعامّا تناوله ،فكيف غفل النبيّ صلّي اللّه عليه وآله عنه مع طول مدّة المشورة والبحث عن أمرهم حتّي روي أنّ أبابكر وعمر كلّماه متناوبين متعاقبين مرارا عديدة، و أنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله دخل خيمته ثمّ بعدأمّة خرج واستأنف أمر المشورة، و كان الناس يخوضون في كلامهما و يقول قائل القول ما قال أبوبكر. وقائل القول ما قال عمر. ورووا أنّه تمثّل لهما بالملائكة وحالهم وحال عدة من الأنبياء عليه السلام ، وتلا عدّة من الآيات أفلم يخطر بباله تلك الآية النازلة في الواقعة التي هوبصددها. وتذكر الآيات النازلة في شأن الأنبياء عليهم السلام ووقائعهم ، حتّي تمثّل بهالأبي بكر وعمر.
صفحه : 393
وكيف لم يذكر أبوبكر هذه الآية حتّي يتوقّف مما كان فيه ويرتدع من استبقاء الأساري و ما ألذي دهم الخائضين في كلامهما، حتّي ضربوا صفحا عن ذكر الآية التي أهمهم أمر مانزلت فيه ثمّ هلم إلي عمر وذهوله عن الآية، مع أنّ له فيهاغرضا عظيما وحظّا جسيما لشدّة ولوعه بقتل الأسري ،خصوصا بني هاشم ، لاسيّما عبّاسا وعقيلا حتّي صرّح باسمهما وعيّن القاتل لهما. و بعداللتيّا والتي، لو كان استبقاؤهم باجتهاد غفلة عن النصّ، وذهولا عن أمر اللّه تعالي ، كان المجتهد فيه مثابا ومأجورا، و لم يتوجه العتاب ، إلي آخر ماعلمت . و أمّا أخذ الفداء، فلايتمّ الكلام فيه إلّا بأن يثبت أنّ العتاب والتهديد وقع عليه و هوممنوع ،بل إنّما وقع علي الأسر ألذي فعله المحاربون بدون إذن النبي صلّي اللّه عليه وآله ، و كان غرضهم من الأسر عرض الدنيا وكسب المال علي مادلّ عليه القرآن . وأيضا أخذ الفداء، كان للتقويّ علي الجهاد. علي مادلّت عليه الرواية و هوممّا يتعلّق بأمر الآخرة والذّم والعتاب ،إنّما توجه بالآية إلي من كان يريد عرض الدنيا،فظهر أنّه علي غير هذاالأخذ وقع ، وبما سواه تعلّق كماقلنا أنّ الذمّ وقع علي فعل الأصحاب المحاربين ، ولعلّ غرضهم كان متعلّقا بالحطام الدنيوي. وممّا يدلّ علي أنّ هذاالوعيد والعتاب لم يكن علي أخذ الفداء ثانيا،الرواية التي ذكرنا في دخول عمر علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، فإنّ العذاب أضيف فيها إلي الأصحاب ، والبكاء كان عليهم ، و لم يذكر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله نفسه في البكاء والعذاب ، مع أنّه هوالآذن الآمر لهم ، و لاخيرة لهم مع أمره فما للعذاب ولهم
صفحه : 394
نعم لو كان ينزل علي أبي بكر خاصّة لكان له وجه لأنّه هوالمشير علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله بهذا الرأي والمزيّن له . ومفهوم الاستثناء المذكور في روايتهم الأخري ،حيث قال « لونزل العذاب لمانجا منه إلّا عمر».يدلّ علي أنّه كان يتناوله صلّي اللّه عليه وآله ،فبين الروايتين نوع من التنافي. و من ذلك ظهر أنّ الرواية بأن تكون دليلا علي نقيض مدّعاهم،أولي منها بأن تكون دليلا لهم ، و لوصحّ البكاء،لكان رحمة عليهم لماذكرنا من الأسر الواقع منهم . و منه هاهنا ظهر أنّ بين ماتضمنته الرواية من تخصيص البكاء في العذاب بهم وجعله بإزاء أخذ الفداء تنافيا. وقول الفخر الراّزي« أنّ بكاءه صلّي اللّه عليه وآله كان لخطإ في الاجتهاد، وحسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» فيه نظر من وجهين .الأوّل أنّه لامعني للبكاء علي فعل الطاعة و مايوجب الثواب . والثاّني أنّه لاوجه لبكائه صلّي اللّه عليه وآله علي الأصحاب لخطإ نفسه ، وهل رأيت أحدا يبكي علي غيره لذنب نفسه فهذا في غاية الظرافة. و لايتوهّم أنّ العذاب علّق في الآية علي الأخذ لا علي الأسر لأنّ الأخذ يستعمل في كلّ فعل و لايختصّ بما يؤخذ، إلّا إذاوصل بكلمة« من »الجارّة، و لاصلة في الآية[الكريمة]. ولنكتف من ردّ شبههم بما تعلّق بهاتين الآيتين الشريفتين ،فإنّهما عمدة تمسّكوا به . و أمّا ماتمسّكوا به من الأخبار،فجوابها أظهر من أن يتعرّض له ، مع أن أكثرها مما لم يثبت عندنا، ونحن في فسحة من ردها ومنع صحّتها.
صفحه : 395
1-مِنهَا فِي الشّكَايَةِ[ مِن أَهلِ الزّمَانِ وَ مُعَاصِرِيهِ]
تَغَيّرَتِ المَوَدّةُ وَ الإِخَاءُ | وَ قَلّ الصّدقُ وَ انقَطَعَ الرّجَاءُ |
وَ أسَلمَنَيِ الزّمَانُ إِلَي صَدِيقٍ | كَثِيرِ الغَدرِ لَيسَ لَهُ رِعَاءٌ |
سَيُغنِيهِ ألّذِي أَغنَاهُ عنَيّ | فَلَا فَقرٌ يَدُومُ وَ لَا ثَرَاءٌ |
وَ لَيسَ بِدَائِمٍ أَبَداً نَعِيمٌ | كَذَاكَ البُؤسُ لَيسَ لَهُ بَقَاءٌ |
وَ كُلّ مَوَدّةٍ لِلّهِ تَصفُو | وَ لَا يَصفُو مِنَ الفِسقِ الإِخَاءُ |
إِذَا أَنكَرتُ عَهداً مِن حَمِيمٍ | وَ فِي النّفسِ التّكَرّمُ وَ الحَيَاءُ |
وَ كُلّ جِرَاحَةٍ فَلَهَا دَوَاءٌ | وَ سُوءُ الخُلُقِ لَيسَ لَهُ دَوَاءٌ |
وَ رُبّ أَخٍ وَفَيتُ لَهُ وفَيِّ | وَ لَكِن لَا يَدُومُ لَهُ الوَفَاءُ |
صفحه : 396
يُدِيمُونَ المَوَدّةَ مَا رأَوَنيِ | وَ يَبقَي الوُدّ مَا يَبقَي اللّقَاءُ |
أَخِلّاءُ إِذَا استَغنَيتُ عَنهُم | وَ أَعدَاءٌ إِذَا نَزَلَ البَلَاءُ |
وَ إِن غُيّبتُ عَن أَحَدٍ قلَاَنيِ | وَ عاَقبَنَيِ بِمَا فِيهِ اكتِفَاءٌ |
إِذَا مَا رَأسُ أَهلِ البَيتِ وَلّي | بَدَا لَهُم مِنَ النّاسِ الجَفَاءُ |
بيان الرعاء الحفظ والرّعاية. والثّراء كثرة المال والولد وغيرهما. وإنكار العهد عدم معرفته أي تغيّره. والحميم القريب نسبا. و قوله «وفي»بالجرّ صفة لأخ . والقلا البغض .[ و] قوله «بما فيه اكتفاء» أي في العقوبة. والمراد ب«رأس أهل البيت »نفسه عليه السلام ، أو النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله .
وَ مِنهَا فِي بَيَانِ شَجَاعَتِهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي غَزَاةِ بَدرٍ
ضَرَبنَا غُوَاةَ النّاسِ عَنهُ تَكَرّماً | وَ لَمّا رَأَوا قَصدَ السّبِيلِ وَ لَا الهُدَي |
وَ لَمّا أَتَانَا بِالهُدَي كَانَ كُلّنَا | عَلَي طَاعَةِ الرّحمَنِ وَ الحَقّ وَ التّقَي |
نَصَرنَا رَسُولَ اللّهِ لَمّا تَدَابَرُوا | وَ ثَابَ إِلَيهِ المُسلِمُونَ ذَوُو الحِجَي |
بيان [لفظة]« و لمّا» في الأوّل حرف نفي وفيما بعده للشرط. وإضافة«القصد» إلي «السبيل » من قبيل إضافة الصّفة إلي الموصوف ،يقال طريق قصد وقاصد إذاأدّاك إلي المطلوب . وثاب الرّجل رجع وثاب الناس اجتمعوا وجاءوا.أقول [ذكر] في الدّيوان أنّها لغزوة بدر، ولعلّها بغزوة أحد وحنين أنسب كما لايخفي .
صفحه : 397
وَ مِنهَا يُومِئُ إِلَي الشّكوَي
فَلَو كَانَتِ الدّنيَا تُنَالُ بِفِطنَةٍ | وَ فَضلٍ وَ عَقلٍ نِلتُ أَعلَي المَرَاتِبِ |
وَ لَكِنّمَا الأَرزَاقُ حَظّ وَ قِسمَةٌ | بِفَضلِ مَلِيكٍ لَا بِحِيلَةِ طَالِبٍ |
وَ مِنهَا فِي مِثلِهِ
لَيسَ البَلِيّةُ فِي أَيّامِنَا عَجَباً | بَلِ السّلَامَةُ فِيهَا أَعجَبُ العَجَبِ |
وَ مِنهَا فِي نَحوِهِ
ذَهَبَ الوَفَاءُ ذَهَابَ أَمسِ الذّاهِبِ | وَ النّاسُ ابنُ مُخَاتِلٍ وَ مُوَارِبٍ |
يُفشُونَ بَينَهُمُ المَوَدّةَ وَ الصّفَا | وَ قُلُوبُهُم مَحشُوّةٌ بِعَقَارِبَ |
بيان ختله وخاتله أي خدعه . والمواربة و قديهمز المخادعة.
وَ مِنهَا فِي شِبهِهِ
علِميِ غَزِيرٌ وَ أخَلاَقيِ مُهَذّبَةٌ | وَ مَن تَهَذّبَ يَشقَي فِي تَهَذّبِهِ |
لَو رُمتُ أَلفَ عَدُوّ كُنتُ وَاجِدَهُم | وَ لَو طَلَبتُ صَدِيقاً مَا ظَفِرتُ بِهِ |
بيان الغزارة الكثرة. وتهذيب الأخلاق تصفيتها وتخليصها عمّا يضيّعها. و[معني ] قوله عليه السلام «يشقي » أي يتعب . والرّوم الطلب .
وَ مِنهَا فِي تَعيِيرِ الوَلِيدِ بنِ المُغِيرَةِ
يهُدَدّنُيِ بِالعَظِيمِ الوَلِيدُ | فَقُلتُ أَنَا ابنُ أَبِي طَالِبٍ |
أَنَا ابنُ المُبَجّلِ بِالأَبطَحَينِ | وَ بِالبَيتِ مِن سلَفَيِ غَالِبٍ |
صفحه : 398
فَلَا تحَسبَنَيّ أَخَافُ الوَلِيدَ | وَ لَا أنَنّيِ مِنهُ بِالهَائِبِ |
فَيَا ابنَ المُغِيرَةِ إنِيّ امرُؤٌ | سَمُوحُ الأَنَامِلِ بِالقَاضِبِ |
طَوِيلُ اللّسَانِ عَلَي الشّانِئِينَ | قَصِيرُ اللّسَانِ عَلَي الصّاحِبِ |
خَسِرتُم بِتَكذِيبِكُم لِلرّسُولِ | تَعِيبُونَ مَا لَيسَ بِالعَائِبِ |
وَ كَذّبتُمُوهُ بوِحَيِ السّمَاءِ | فَلَعنَةُ اللّهِ عَلَي الكَاذِبِ |
بيان الأبطح مسيل واسع فيه حصي صغار. وقيل أريد بالأبطحين أبطح مكّة وأبطح المدينة ألذي يقال له وادي العقيق . ووجه تبجيل أبي طالب بالمدينة، أنّ سلمي أمّ عبدالمطّلب كانت منها. وإنّما خصّ من أسلافه وأجداده غالبا تفؤّلا بالغلبة. والقاضب السيف القاطع أي تجود أنامله بأعمال السيّوف القاطعة. والشّانئون المبغضون .[ و قوله ]« ما ليس بالعائب » أي خلقا لايصير سببا لعيب صاحبه .
وَ مِنهَا خِطَاباً لأِبَيِ لَهَبٍ
أَبَا لَهَبٍ تَبّت يَدَاكَ أَبَا لَهَبٍ | وَ صَخرَةُ بِنتُ الحَربِ حَمّالَةُ الحَطَبِ |
خَذَلتَ نبَيِّ اللّهِ قَاطِعَ رَحِمِهِ | فَكُنتَ كَمَن بَاعَ السّلَامَةَ بِالعَطَبِ |
لِخَوفِ أَبِي جَهلٍ فَأَصبَحتَ تَابِعاً | لَهُ وَ كَذَاكَ الرّأسُ يَتبَعُهُ الذّنَبُ |
فَأَصبَحَ ذَاكَ الأَمرُ عَاراً يَهِيلُهُ | عَلَيكَ حَجِيجُ البَيتِ فِي مَوسِمِ العَرَبِ |
وَ لَو لَانَ بَعضَ الأعَاَديِ مُحَمّدٌ | لحَاَنيِ ذَوُوهُ بِالرّمَاحِ وَ بِالقُضُبِ |
وَ لَن تَشمُلُوهُ أَو يُصرَعَ حَولَهُ | رِجَالٌ مَلَاءٌ بِالحُرُوبِ ذَوُو حَسَبٍ |
بيان التباب خسران يؤديّ إلي الهلاك . واليدان إمّا بمعناهما أوكناية عن
صفحه : 399
النفس كقوله تعالي وَ لا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَي التّهلُكَةِ. أو عن النفس والبدن أو عن الدّنيا والآخرة. و«صخرة»،عطف علي «يداك »، ويحتمل العطف علي محلّ الضمير أيضا. و«قاطع »حال عن ضمير الخطاب . والعطب بالتحريك الهلاك . و«ذاك »إشارة إلي تبعة لأبي جهل . ويقال هلت الدقيق في الجراب أي صببته من غيركيل ، و كلّ شيءأرسلته إرسالا من رمل أوتراب أوطعام أونحوه . قلت هلته أهيله هيلا فانهال أي جري وانصبّ. ولعلّه إشارة إلي رمي الحاجّ إليه بالأحجار عندمرورهم عليه ، أوقراءتهم هذه السورة في المواسم . و« عن بعض »متعلّق ب«لان »بتضمين معني الإعراض ، أو« عن »للتعليل . ولحوت العصا ألحوها لحوا قشرتها. وكذلك لحيت العصا ألحيها لحيا ولحيت الرجل ألحاه لحيا لمته . و قال الجوهري سيف قاضب وقضيب أي قطّاع والجمع قواضب وقضب ، وكأنّ الضمير في «ذووه »راجع إلي البعض ويحتمل إرجاعه إلي محمدصلّي اللّه عليه وآله . أو«يصرع » أوبمعني إلّا أن أو إلي أن . والصرع السقوط علي الأرض . والملاء جمع المليء و هوالثقة المعتمد عليه في الأمر.
وَ مِنهَا خِطَاباً لِمُعَاوِيَةَ
سيَكَفيِنيِ المَلِيكُ وَ حَدّ سيَفيِ | لَدَي الهَيجَاءِ تَحسَبُهُ شِهَاباً |
وَ أَسمَرُ مِن رِمَاحِ الخَطّ لَدنٌ | شَدّدتُ غِرَابَهُ أَن لَا يَعَابَا |
أَذُودُ بِهِ الكَتِيبَةَ كُلّ يَومٍ | إِذَا مَا الحَربُ أَضرَمتُ التِهَاباً |
وَ حوَليِ مَعشَرٌ كَرُمُوا وَ طَابُوا | يَرجُونَ الغَنِيمَةَ وَ النّهَابَا |
وَ لَا يَنحُونَ مِن حَذَرِ المَنَايَا | سُؤَالَ المَالِ فِيهَا وَ الإِيَابَا |
فَدَع عَنكَ التّهَدّدَ وَ اصلَ نَاراً | إِذَا خَمَدَت صَلَيتَ لَهَا شِهَاباً |
صفحه : 400
بيان الأسمر الرمح . والخطّ موضع باليمامة تنسب إليه الرماح لأنّها تحمل من بلاد الهند.فتقوّم به . واللدن اللّين من كلّ شيء، وغراب الفأس بالكسر حدّها. قوله عليه السلام « أن لايعابا» أي لئلّا يعاب . والنهاب جمع النهب .« و لاينحون »بالحاء المهملة أي لايقصدون . والتهدّد التخويف . وصلي الكافر النار قاسي حرّها. وصلي النار دخل فيها. وصليت الرجل نارا إذاأدخلته النار.
وَ مِنهَا مُخَاطِباً لَهُ أَيضاً
أَنَا عَلِيّ وَ أَعلَي النّاسِ فِي النّسَبِ | بَعدَ النّبِيّ الهاَشمِيِّ المُصطَفَي العرَبَيِّ |
قُل للِذّيِ غَرّهُ منِيّ مُلَاطَفَةٌ | مَن ذَا يُخَلّصُ أَورَاقاً مِنَ الذّهَبِ |
هَبّت عَلَيكَ رِيَاحُ المَوتِ سَافِيَةً | فاَستبَقِنيِ بَعدَهَا لِلوَيلِ وَ الحَرَبِ |
بيان روي أنّه عليه السلام أنشد تلك الأبيات بعدانقضاء المحرّم[ من العام 37] وإرادة الشروع ثانيا في القتال . قوله عليه السلام «قل للذي» أي قل للذي يحبنّي للطفي لاتتوقّع من أهل الزمان أن يعرفوا فضلي، فإنّ النّاس لايميّزون بين أوراق الفضّة ودنانير الذهب . أوالمعني قل لمعاوية ألذي غرّه منيّ ملاطفة بتأخير الحرب في المحرّم،إنيّ لاأترك الحرب حتّي أميّز بين المؤمن والمنافق . وسفت الريح التراب ذرّته. وحربه حربا كطلبه طلبا سلب ماله .
صفحه : 401
11- فِيمَا أَجَابَ بِهِ بَعضَ الأعَاَديِ فِي صِفّينَ
إيِاّيَ تَدعُو فِي الوَغَا يَا ابنَ الأَرَبِ | وَ فِي يمَيِنيِ صَارِمٌ يبُديِ اللّهَبَ |
مَن يَحطُهُ مِنهُ الحِمَامُ يَنسَرِب | لَقَد عَلِمتُ وَ العَلِيمُ ذُو أَدَبٍ |
أَن لَستُ فِي الحَربِ العَوَانِ بِالأَدَبِ | وَ عَن قَلِيلٍ غَيرَ شَكّ أَنقَلِبُ |
بيان الوغا الحرب . والأرب بالتحريك وبالكسر الحاجة ويستعمل في الاحتيال . والحطوّ بوزن العلو تحريك الشيء من الأول . والحمام بالكسر الموت . والانسراب الجريان . والعوان من الحروب ماقوتل فيهامرّة بعدأخري .« و عن قليل » أي بعدزمان قليل . و[ قوله ]« غيرشكّ»صفة لمقدّر و هويقينا.
وَ مِنهَا تَهدِيداً لِمُعَاوِيَةَ وَ جُنُودِهِ
أَبَي اللّهُ إِلّا أَنّ صِفّينَ دَارُنَا | وَ دَارُكُم مَا لَاحَ فِي الأُفُقِ كَوكَبٌ |
إِلَي أَن تَمُوتُوا أَو نَمُوتَ وَ مَا لَنَا | وَ مَا لَكُم عَن حَومَةِ الحَربِ مَهرَبٌ |
بيان بالضمّ والسكون أيضا طرف السماء. و[ قال الجوهري] في الصحاح حومة القتال معظمه .
وَ مِنهَا فِي مَدحِ أَصحَابِهِ فِي تِلكَ المُحَارَبَةِ
يَا أَيّهَا السّائِلُ عَن أصَحاَبيِ | إِن كُنتَ تبَغيِ خَبَرَ الصّوَابِ |
صفحه : 402
أُنَبّئُكَ عَنهُم غَيرَ مَا تَكذَابٍ | بِأَنّهُم أَوعِيَةُ الكِتَابِ |
صَبرٌ لَدَي الهَيجَاءِ وَ الضّرَابِ | فَسَل بِذَاكَ مَعشَرَ الأَحزَابِ |
بيان « غير ماتكذاب »[لفظة]« ما»زائدة والتكذاب بالفتح الكذب .
وَ مِنهَا فِي مِثلِهِ
أَ لَم تَرَ قوَميِ إِذ دَعَاهُم أَخُوهُم | أَجَابُوا وَ إِن أَغضَب عَلَي القَومِ يَغضَبُوا |
هُم حَفِظُوا غيَبيِ كَمَا كُنتُ حَافِظاً | لقِوَميِ أجَزيِ مِثلَهَا إِن تَغِيبُوا |
بَنُو الحَربِ لَم تَقعُد بِهِم أُمّهَاتُهُم | وَ آبَاؤُهُم آبَاءُ صِدقٍ فَأَنجَبُوا |
بيان حفظ الغيب للشخص أن لاتفعل في غيبته مايكرهه . وضمير«مثلها»راجع إلي المحافظة. قوله عليه السلام « لم تقعد» قال الشارح [ هذا]دعاء[لهم ] أي لاتقعد أمهاتهم بمآتمهم .أقول ويحتمل أن يكون من المقاعد من النّساء، وهي التي قعدت عن الولد والحيض .ذكره الجوهري. والأظهر أنّه خبر و ليس بدعاء والباء للتعدية، والمعني لم تصر أمّهاتهم سببا لقعودهم عن الحرب لدناءتهن ،فيناسب المصرع الثاني. و[أيضا] قال [الجوهري]أنجب ولد نجيبا. وامرأة منجبة ومنجاب تلد النّجباء.
صفحه : 403
وَ مِنهَا فِي مَدحِ قَبَائِلَ مِن عَسكَرِهِ
الأَزدُ سيَفيِ عَلَي الأَعدَاءِ كُلّهِم | وَ سَيفُ أَحمَدَ مَن دَانَت لَهُ العَرَبُ |
قَومٌ إِذَا فَاجَئُوا أَوفَوا وَ إِن غُلِبُوا | لَا يَجمَحُونَ وَ لَا يَدرُونَ مَا الهَرَبُ |
قَومٌ لِبُؤسِهِم فِي كُلّ مُعتَرَكٍ | بِيضٌ رِقَاقٌ وَ دَاوُدِيّةٌ سَلَبُوا |
البِيضُ فَوقَ رُءُوسٍ تَحتَهَا اليَلَبُ | وَ فِي الأَنَامِلِ سُمرُ الخَطّ وَ القُضُبُ |
البِيضُ تَضحَكُ وَ الآجَالُ تَنتَحِبُ | وَ السّمرُ تَرعَفُ وَ الأَروَاحُ تَنتَهِبُ |
وَ أَيّ يَومٍ مِنَ الأَيّامِ لَيسَ لَهُم | فِيهِ مِنَ الفِعلِ مَا مِن دُونِهِ العَجَبُ |
الأَزدُ أَزيَدُ مَن يمَشيِ عَلَي قَدَمٍ | فَضلًا وَ أَعلَاهُم قَدراً إِذَا رَكِبُوا |
وَ الأَوسُ وَ الخَزرَجُ القَومُ الّذِينَ هُم | آوَوا فَأَعطَوا فَوقَ مَا وُهِبُوا |
يَا مَعشَرَ الأَزدِ أَنتُم مَعشَرٌ أُنُفٌ | لَا تَضعُفُونَ إِذَا مَا اشتَدّتِ الحُقُبُ |
وَفَيتُم وَ وَفَاءُ العَهدِ شِيمَتُكُم | وَ لَم يُخَالّ قَدِيماً صِدقَكُم كَذِبٌ |
إِذَا غَضِبتُم يَهَابُ الخَلقَ سَطوَتُكُم | وَ قَد يَهُونُ عَلَيكُم مِنكُمُ الغَضَبُ |
يَا مَعشَرَ الأَزدِ إنِيّ مِن جَمِيعِكُم رَاضٍ | وَ أَنتُم رُءُوسُ الأَمرِ لَا الذّنَبُ |
لَن تَيأَسَ الأَزدُ مِن رَوحٍ وَ مَغفِرَةٍ | وَ اللّهُ يَكلَؤُكُم مِن حَيثُ مَا ذَهَبُوا |
طِبتُم حَدِيثاً كَمَا قَد طَابَ أَوّلُكُم | وَ الشّوكُ لَا يُجتَنَي مِن فَرعِهِ العِنَبُ |
وَ الأَزدُ جُرثُومَةٌ إِن سُوبِقُوا سَبَقُوا | أَو فُوخِرُوا فَخَرُوا أَو غُولِبُوا غَلَبُوا |
أَو كُوثِرُوا كَثُرُوا أَو صُوبِرُوا صَبَرُوا | أَو سُوهِمُوا سَهَمُوا أَو سُولِبُوا سَلَبُوا |
صَفَوا فَأَصفَاهُمُ المَولَي وَلَايَتَهُ | فَلَم يَشُب صَفوَهُم لَهوٌ وَ لَا لَعِبٌ |
هَيّنُونَ لَيّنُونَ خُلُقاً فِي مَجَالِسِهِم | لَا الجَهلُ يَعرُوهُم فِيهَا وَ لَا الصّخَبُ |
الغَيثُ إِمّا رَضُوا مِن دُونِ نَائِلِهِم | وَ الأَسَدُ يُرهِبُهُم يَوماً إِذَا غَضِبُوا |
أَندَي الأَنَامِ أَكُفّاً حِينَ تَسأَلُهُم | وَ أَربَطُ النّاسِ جَأشاً إِن هُم نُدِبُوا |
وَ أَيّ جَمعٍ كَثِيرٍ لَا تُفَرّقُهُ | إِذَا تَدَانَت لَهُم غَسّانُ وَ النّدَبُ |
وَ اللّهُ يُجزِيهِم عَمّا أَتَوا وَ حَبَوا | بِهِ الرّسُولَ وَ مَا مِن صَالِحٍ كَسَبُوا |
صفحه : 404
بيان الأزد أبوحيّ من اليمن . والإيفاء الوفاء بالعهد، والإشراف علي الشيء، وإعطاء الحقّ وافيا. و قال الجوهري جمع الفرس اعتزّ فارسه وغلبه . وجمحت المرأة زوجها و هوخروجها من بيته إلي أهلها قبل أن يطلّقها. وجمح أسرع . والمعترك معركة الحرب . والبيض الرقاق السيوف الرقيقة. والداودية الدروع المنسوبة إليه عليه السلام . قوله «سلبوا» أي أخذوها في الحرب من الأعادي. و قال الجوهري اليلب الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود بعضها إلي بعض . ويقال اليلب كلّ ما كان من جنن الجلود و لم يكن من الحديد. و قال يقال رماح رواعف لمايقطر منها الدم أولتقدّمها في الطعن .[ و قوله ]« ماوهبوا» علي المجهول كماصحّحه الشارح أو علي المعلوم أي أعطوا أزيد مما عهدوا ووعدوا من الإيثار والإفضال . و[ قال الزمخشري] في الأساس هوأنف قومه وهم أنف الناس [ أي سادتهم ] قال الحطيئة
وم هم الأنف والأذناب غيرهم |
و[ قال الجوهري] في الصحاح روضة أنف بالضم أي لم يرعها أحد، وكأس أنف إذا لم يشرب بهاقبل ذلك . وأنف من الشيء يأنف أنفا وأنفة استنكف .يقال مارأيت أحمي أنفا و لاآنف من فلان . والحقب جمع الحقبة بالكسر وهي السّنون. و«قديما»مفعول فيه أي زمانا قديما.[ و]«طبتم حديثا» أي جديدا. والجرثومة بالضم الأصل .ذكره الجوهري و قال ساهمته قارعته فسهمت أسهمه بالفتح صفوا أي من الغشّ والباطل .
صفحه : 405
[ قوله ]«فأصفاهم المولي ولايته » أي أعطاهم اللّه محبّته أوأخلص لهم كلّ محبّ محبّته، أوأخلص اللّه لهم محبّته إيّاهم أومحبّتهم له . قال الجوهري أصفيته الودّ أخلصته له وأصفيته بالشيء آثرته به . و قال شيءهيّن علي فيعل أي سهل . و«هين »مخفّف، وقوم هينون لينون . و قال عراني هذاالأمر واعتراني إذاغشيك . و قال الصخب الصياح والجلبة. و[لفظة]« ما» في [ قوله ]« إن ما[رضوا]»زائدة كما في قوله تعالي فَإِمّا نَذهَبَنّ بِكَ. والنائل العطاء، والمعني أنّهم إن رضوا فجودهم بحيث يعدّ الغيث أدون وأقلّ من عطائهم . و«يوما»مفعول فيه لقوله «غضبوا». والنّدي الجود وفلان أندي من فلان إذا كان أكثر خيرا منه . ويقال فلان رابط الجأش أي يربط نفسه عن الفرار لشجاعته . وندبوا علي بناء المفعول من قولهم ندبه لأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب .ذكره الجوهري و قال [أيضا]الندب بالتحريك الخطر. وتقول رمينا ندبا أي رشقا. والندب ،أيضا الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد و قال الفيروزآبادي الندب بالتحريك الرشق والخطر، وقبيلة منها بشر بن حرب و محمد بن عبدالرحمن . و قال غسّان أبوقبيلة باليمن منهم ملوك غسّان، وماء بين رمع وزبيدة من نزل من الأزد فشرب منه سميّ غسّان و من لم يشرب فلاانتهي إليه . و قال الشّارح الواو في « والندب »بمعني مع . و فيه نظر. و قوله « من صالح »بيان ل« ما» أي و ماكسبوا من صالح و ماعطف علي ما.
وَ مِنهَامُخَاطِباً لِعُثمَانَ
صفحه : 406
وَ إِن كُنتَ بِالشّورَي مَلَكتَ أُمُورَهُم | فَكَيفَ بِهَذَا وَ المُشِيرُونَ غُيّبٌ |
وَ إِن كُنتَ بِالقُربَي حَجَجتَ خَصِيمَهُم | فَغَيرُكَ أَولَي باِلنبّيِّ وَ أَقرَبُ |
بيان قال الشارح قوله عليه السلام « والمشيرون غيّب»إشارة إلي ماقاله الحافظ إسماعيل من أنّ طلحة كان غائبا، و لمّا دفن عمر قعد عثمان و عليّ والزبير و عبدالرحمن وسعد يتشاورون ،فأشار عثمان علي عبدالرحمن بالدخول في الأمر فأبي و قال لست بالذي أنافسكم علي هذاالأمر، فإن شئتم اخترت لكم منكم واحدا.فجعلوا ذلك إلي عبدالرحمن ،فأقبل الناس كلّهم إليه فأخذ يتشاور حتّي جاء في الليلة الثّالثة إلي باب المسور بن مخرمة بعدهوي من اللّيل،فضرب الباب و قال ادع لي الزبير وسعدا.فجاءا وشاورهما، ثمّ أرسل إلي عثمان فدعاه فناجاه حتّي فرّق بينهما المؤذّن، فلمّا صلّوا الصبح اجتمعوا وأرسل عبدالرحمن إلي من حضر من المهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد فبايع عثمان وبايعوه .
صفحه : 407
وأقول هذا إن ثبت أنّ الخطاب كان لعثمان كماذكره الشارح ، و إلّا فيمكن أن يكون الخطاب لأبي بكر،فالمراد بالمشيرين بنو هاشم وأتباعهم . و قوله « و إن كنت بالقربي »إلخ بهذا أنسب ، لماعرفت أنّهم احتجوا علي الأنصار بالقرابة و قدمرّ مثل هذاالكلام منه عليه السلام في النثر.
وَ مِنهَا فِي تَهدِيدِ مَنِ اجتَرَأَ عَلَيهِ فِي الوَغَا
يَا جَامِعاً لِشَملِهِ سَاعَاتِهِ | وَ دَنَت مَنِيّتُهُ وَ حَانَ وَفَاتُهُ |
ارجِع فإَنِيّ عِندَ مُختَلَفِ القَنَا | لَيثٌ يَكُرّ عَلَي العِدَي جَرّاتُهُ |
بيان « ودنت »معطوف علي «جامعا»كقوله تعالي فالِقُ الإِصباحِ وَ جَعَلَ اللّيلَ سَكَناً.
وَ مِنهَا فِي استِئذَانِ القِتَالِ مِنَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ
هَل يَدفَعُ الدّرعُ الحَصِينُ مَنِيّةً | يَوماً إِذَا حَضَرتُ لِوَقتِ ممَاَتيِ |
إنِيّ لَأَعلَمُ أَنّ كُلّ مُجَمّعٍ | يَوماً يَئُولُ لِفِرقَةٍ وَ شَتَاتٍ |
يَا أَيّهَا الداّعيِ النّذِيرُ وَ مَن بِهِ | كَشَفَ الإِلَهُ رَوَاكِدَ الظّلُمَاتِ |
أَطلِق فَدَيتُكَ لِابنِ عَمّكَ أَمرَهُ | وَ ارمِ عِدَاتِكَ عَنهُ بِالجَمَرَاتِ |
فَالمَوتُ حَقّ وَ المَنِيّةُ شَربَةٌ | تأَتيِ إِلَيهِ فَبَادِرِ الزّكَوَاتِ |
بيان «الرواكد»الثوابت «فبادر الزّكوات» أي بادر ابن عمّك مايوجب زكاة النفوس وطهارتها من الذنوب وذمائم الأخلاق .
وَ مِنهَاخِطَاباً لِفَاطِمَةَ عِندَ تَوَجّهِهِ إِلَي قِتَالِ المُشرِكِينَ
صفحه : 408
قرَبّيِ ذَا الفَقَارِ فَاطِمُ منِيّ | فأَخَيِ السّيفُ كُلّ يَومِ هِيَاجٍ |
قرَبّيِ الصّارِمَ الحُسَامَ فإَنِيّ | رَاكِبٌ فِي الرّجَالِ نَحوَ الهِيَاجِ |
وَرَدَ اليَومَ نَاصِحاً يُنذِرُ النّاسَ | جُيُوشٌ كَالبَحرِ ذيِ الأَموَاجِ |
وَرَدُوا مُسرِعِينَ يَبغُونَ قتَليِ | وَ أَبِيكَ المَحبُوّ بِالمِعرَاجِ |
وَ خَرَابَ الأَوطَانِ وَ قَتلَ النّاسِ | وَ كُلّ إِذَا أَصبَحَ لاَجيِ |
سَوفَ أرُضيِ المَلِيكَ بِالضّربِ مَا عِشتُ | إِلَي أَن أَنَالَ مَا أَنَا رَاجٍ |
مِن ظُهُورِ الإِسلَامِ أَو يأَتيَِ المَوتُ | شَهِيداً مِن شَاخِبِ الأَودَاجِ |
بيان يوم الهياج بالكسر يوم القتال . والصارم بكسر الراء والحسام بالضم السيف القاطع . و قال الشارح الهياج جمع الهائج ، و هوالفحل يشتهي الضراب . و[ قوله ]«ناصحا»مفعول [لقوله ]«ورد» والواو في قوله « وأبيك »للقسم أوعطف علي ضمير المتكلّم في [ قوله ]«قتلي» علي مذهب من جوّزه. و«خراب »معطوف علي «قتلي»[ قوله ]«أصبح لاج » أي ملتجئا إليّ. والشخب السيّلان. والودجان عرقان في العنق . و« من »بيانيّة أوابتدائية و لايخفي توجيهها علي اللبيب .
وَ مِنهَا فِي الشّكوَي[مِمّن يَتَظَاهَرُ بِالخُلّةِ وَ يُبطِنُ الخِلَافَ]
كُلّ خَلِيلٍ لِي خَالَلتُهُ | لَا تَرَكَ اللّهُ لَهُ وَاضِحَةً |
فَكُلّهُم أَروَغُ مِن ثَعلَبٍ | مَا أَشبَهَ اللّيلَةَ بِالبَارِحَةِ |
بيان الواضحة الأسنان التي تبدو عن الضّحك.
صفحه : 409
وَ مِنهَا [ مَا أَنشَدَهُ] عِندَ بِنَاءِ مَسجِدِ المَدِينَةِ
لَا يسَتوَيِ مَن يَعمُرُ المَسَاجِدَا | وَ مَن يَبِيتُ رَاكِعاً وَ سَاجِداً |
يَدأَبُ فِيهَا قَائِماً وَ قَاعِداً | وَ مَن يَكُرّ هَكَذَا مُعَانِداً |
وَ مَن يَرَي عَنِ الغُبَارِ حَائِداً |
وَ مِنهَا فِي عَرضِ الإِيمَانِ عَلَي سَيّدِ الأَنَامِ
يَا شَاهِدَ[BA] اللّهِ] عَلَيّ فَاشهَد | إنِيّ عَلَي دِينِ النّبِيّ أَحمَدَ |
مَن شَكّ فِي الدّينِ فإَنِيّ مهُتدَيِ | يَا رَبّ فَاجعَل فِي الجِنَانِ موَردِيِ |
23- وَ مِنهَا فِي الِاعتِذَارِ مِن قَتلِ مَن قَتَلَهُم مِن قُرَيشٍ
قُرَيشٌ بَدَتنَا بِالعَدَاوَةِ أَوّلًا | وَ جَاءَت لِتُطفِئَ نُورَ رَبّ مُحَمّدٍ |
بِأَفوَاهِهِم وَ البِيضُ بِالبِيضِ تلَتقَيِ | بِأَيدِيهِم مِن كُلّ عَضبٍ مُهَنّدٍ |
وَ خَطّيّةٍ قَد سُقّفَت سَمهَرِيّةٍ | أَسِنّتُهَا قَد حُودِثَت بِمُحَدّدٍ |
فَقُلنَا لَهُم لَا تَبعَثُوا الحَربَ وَ اسلَمُوا | وَ فِيئُوا إِلَي دِينِ المُبَارَكِ أَحمَدَ |
فَقَالُوا كَفَرنَا باِلذّيِ قَالَ إِنّهُ | يُوَعّدُنَا بِالحُكمِ وَ الحَشرِ فِي غَدٍ |
فَقِتلَتُهُم وَ اللّهِ أَفضَلُ قُربَةٍ | إِلَي رَبّنَا البَرّ العَظِيمِ المُمَجّدٍ |
بيان «بدت » من البدو، أو من المهموز. والعضب السيف القاطع . والمهنّد السيف المطبوع من حديد الهند. وتثقيف الرماح تسويتها.ذكره الجوهري و قال الاسمهرار الصلابة والشدّة. والسمهرية القناة الصلبة. ويقال [هي]منسوبة إلي سمهر اسم رجل كان يقوم الرماح يقال رمح سمهري ورماح سمهرية. ومحادثة السيف جلاؤه . والسلم بالتحريك الخلوص . والأظهر أنّه من السلامة أو السلام بمعني الصلح . والفيء الرجوع . والقتلة
صفحه : 410
بالكسر القتل .
وَ مِنهَا خِطَاباً لِسَعِيدِ بنِ سَلَمَةَ المخَزوُميِّ
إِنّ ألّذِي سَمَكَ السّمَاءَ بِقُدرَةٍ | حَتّي عَلَا فِي عَرشِهِ فَتَوَحّدَا |
بَعَثَ ألّذِي لَا مِثلَهُ فِيمَا مَضَي | يُدعَي بِرَأفَتِهِ النّبِيّ مُحَمّداً |
فَاعلَم بِأَنّكَ مَيّتٌ وَ مُحَاسَبٌ | فَإِلَي مَتَي تبَغيِ الضّلَالَةَ وَ الرّدَي |
أَقبِل إِلَي الإِسلَامِ إِنّكَ جَاهِلٌ | وَ تَجَنّبِ العُزّي وَ رَبّكَ فَاعبُدَا |
وَ اللّاتَ وَ الهُجرَاتِ فَاهجُر إنِنّيِ | أَخشَي عَلَيكَ عَذَابَ يَومٍ سَرمَداً |
وَ مِنهَا فِي المُفَاخَرَةِ
أَنَا أَخُو المُصطَفَي لَا شَكّ فِي نسَبَيِ | مَعَهُ رُبّيتُ وَ سِبطَاهُ هُمَا ولَدَيِ |
جدَيّ وَ جَدّ رَسُولِ اللّهِ مُتّحِدٌ | وَ فَاطِمُ زوَجتَيِ لَا قَولُ ذيِ فَنَدٍ |
صَدّقتُهُ وَ جَمِيعُ النّاسِ فِي ظُلَمٍ | مِنَ الضّلَالَةِ وَ الإِشرَاكِ وَ النّكَدِ |
فَالحَمدُ لِلّهِ فَرداً لَا شَرِيكَ لَهُ | البَرّ بِالعَبدِ وَ الباَقيِ بِلَا أَمَدٍ |
بيان الفند ضعف الرأي من هرم . والنكد بالتحريك أيضا الشدّة.
وَ مِنهَا [ مَا]قَالَهُ عَلَيهِ السّلَامُ عِندَ قُربِهِ مِنَ البَصرَةِ
وَ إنِيّ قَد حَلَلتُ بِدَارِ قَومٍ | هُمُ الأَعدَاءُ وَ الأَكبَادُ سُودٌ |
هُم إِن يَظفَرُوا بيِ يقَتلُوُنيِ | وَ إِن قُتِلُوا فَلَيسَ لَهُم خُلُودٌ |
صفحه : 411
وَ مِنهَا مُخَاطِباً لِابنِهِ مُحَمّدِ[ ابنِ الحَنَفِيّةِ] فِي حَربِ الجَمَلِ
اطعُن بِهَا طَعنَ أَبِيكَ تُحمَد | لَا خَيرَ فِي حَربٍ إِذَا لَم تُوقَد |
اِلمشَرفَيِّ وَ القَنَا المُسَدّدِ |
بيان الضمير في [ قوله ]«توقد»راجع إلي الحرب قال تعالي كُلّما أَوقَدُوا ناراً لِلحَربِ والمشرفيّ بالفتح السيف المنسوب إلي مشارف الشام .
وَ مِنهَا مُخَاطِباً لِلأَشعَثِ[ بنِ قَيسٍ الكنِديِّ] فِي صِفّينَ
اصبِر عَلَي تَعَبِ الإِدلَاجِ وَ السّهَرِ | وَ بِالرّوَاحِ عَلَي الحَاجَاتِ وَ البِكَرِ |
لَا تَضجَرَنّ وَ لَا يُعجِزُكَ مَطلَبُهَا | فَالنّجحُ يَتلَفُ بَينَ العَجزِ وَ الضّجَرِ |
إنِيّ وَجَدتُ وَ فِي الأَيّامِ تَجرِبَةً | لِلصّبرِ عَاقِبَةً مَحمُودَةَ الأَثَرِ |
وَ قُل مَن جَدّ فِي أَمرٍ يُطَالِبُهُ | فَاستَصحَبَ الصّبرَ إِلّا فَازَ بِالظّفَرِ |
روُيَِ أَنّ الأَشعَثَ بنَ قَيسٍ دَخَلَ عَلَيهِ بِصِفّينَ وَ هُوَ قَائِمٌ يصُلَيّ ظَهِيرَةً فَقَالَ قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَ دَءُوبٌ بِاللّيلِ[ وَ]دَءُوبٌ بِالنّهَارِ[ قَالَ]فَانسَلّ مِن صَلَاتِهِ وَ هُوَ يَقُولُ هَذِهِ الأَبيَاتِ.
والإدلاج السيّر بالليل . والبكر جمع البكرة.
وَ مِنهَا فِي الشّكَايَةِ عَن أَهلِ الزّمَانِ
ذَهَبَ الرّجَالُ المُقتَدَي بِفِعَالِهِم | وَ المُنكِرُونَ لِكُلّ أَمرٍ مُنكَرٍ |
وَ بَقِيَت فِي خَلَفٍ يُزَيّنُ بَعضُهُم | بَعضاً لِيَدفَعَ مُعوِرٌ عَن مُعوِرٍ |
سَلَكُوا بُنَيّاتِ الطّرِيقِ فَأَصبَحُوا | مُتَنَكّبِينَ عَنِ الطّرِيقِ الأَكبَرِ |
صفحه : 412
بيان الإعوار الريبة. ومكان معور[ أي ]يخاف فيه القطع . والعورة كلّما يستحي منه . وبنيات الطريق الطرق الصغيرة المنشعبة من الجادّة.
وَ مِنهَا فِي[بَيَانِ]حُسنِ خُلُقِهِ عَلَيهِ السّلَامُ
أُرِيدُ بَذَاكُم أَن يَهُشّوا لطِلَعتَيِ | وَ أَن يُكثِرُوا بعَديِ الدّعَاءَ عَلَي قبَريِ |
وَ أَن يمَنحَوُنيِ فِي المَجَالِسِ وُدّهُم | وَ إِن كُنتُ عَنهُم غَائِباً أَحسَنُوا ذكِريِ |
بيان بذاكم أي بالمزاح . والهشاشة الارتياح والخفّة للمعروف . والطّلعة الرؤية.
وَ مِنهَا فِي ذَمّ بَعضِ أَهلِ زَمَانِهِ عَلَيهِ السّلَامُ
مَا فِيكَ خَيرٌ وَ لَا مَيرٌ يُعَدّلُهُ | قَضَيتَ مِنكَ لبِاَناَتيِ وَ أوَطاَريِ |
فَإِن بَقِيتَ فَلَا تُرجَي لِمَكرُمَةٍ | وَ إِن هَلَكتَ فَمَذمُوماً إِلَي النّارِ |
بيان قال الجوهري الميرة الطعام يمتاره الإنسان . و قدمار أهله يميرهم ميرا. و منه قولهم ماعندهم خير و لامير. واللبانة والوطر الحاجة.
وَ مِنهَا مُخَاطِباً لِبَعضِ أَزوَاجِهِ عَلَيهِ السّلَامُ
إِلَي كَم يَكُونُ العَذلُ فِي كُلّ لَيلَةٍ | لِمَا لَا تَمَلّينَ القَطِيعَةَ وَ الهَجرَا |
رُوَيدَكِ إِنّ الدّهرَ فِيهِ كِفَايَةٌ | لِتَفرِيقِ ذَاتِ البَيتِ فاَنتظَرِيِ الدّهرَا |
صفحه : 413
بيان العذل الملامة. و قال شارح [الديوان ]التملية إيقاد النار بلا حطب . و لم أره فيما عندنا من كتب اللغة، ويمكن أن يكون من الإملاء بمعني الإمهال والتأخير، أو من الملال والأخير أظهر. ورويدك اسم فعل بمعني أمهل .
وَ مِنهَا فِي ذِكرِ هِجرَةِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ وَ مَبِيتِهِ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي فِرَاشِهِ،رَوَاهُ أَبُو جَعفَرٍ الطوّسيِّ وَ غَيرُهُ
وَقَيتُ بنِفَسيِ خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصَا | وَ مَن طَافَ بِالبَيتِ العَتِيقِ وَ بِالحَجَرِ |
رَسُولَ إِلَهِ الخَلقِ إِذ مَكَرُوا بِهِ | فَنَجّاهُ ذُو الطّولِ الكَرِيمِ مِنَ المَكرِ |
وَ بِتّ أُرَاعِيهِم مَتَي ينَشرُوُننَيِ | وَ قَد وَطّنتُ نفَسيِ عَلَي القَتلِ وَ الأَسرِ |
وَ بَاتَ رَسُولُ اللّهِ فِي الغَارِ آمِناً | مُوَقّي وَ فِي حِفظِ الإِلَهِ وَ فِي سِترٍ |
أَقَامَ ثَلَاثاً ثُمّ ذَمّت قَلَائِصُ | قَلَائِصُ يَفرِينَ الحَصَا أَينَمَا تفَريِ |
أَرَدتُ بِهِ نَصرَ الإِلَهِ تَبَتّلًا | وَ أَضمَرتُهُ حَتّي أُوَسّدَ فِي قبَريِ |
بيان نشرت الخشبة أنشرها إذاقطعتها بالمنشار. والنشر البسط والتفريق . والقلوص الناقة الشّابة، وجمعه قلص [ علي زنة عنق ] وجمعه قلائص . والفري القطع . و«تفري»يحتمل الخطاب ، والشارح حمله علي الغيبة وأرجع الضمير إلي «القلائص ». والتبتّل الانقطاع عن الدنيا إلي اللّه تعالي .
وَ رَوَي[الميَبذُيِّ] فِي[شَرحِ]الدّيوَانِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ شَرِيكٍ عَن أَبِيهِ
صفحه : 414
أَنّهُ قَالَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ عَلَي بَابِ المَسجِدِ قَوماً يَزعُمُونَ أَنّكَ رَبّهُم فَدَعَاهُم فَقَالَ وَيلَكُم إِنّمَا أَنَا عَبدُ اللّهِ مِثلُكُم آكُلُ الطّعَامَ وَ أَشرَبُ الشّرَابَ،فَاتّقُوا اللّهَ وَ ارجِعُوا.فَأَتَوهُ فِي اليَومِ الثاّنيِ وَ الثّالِثِ فَقَالُوا مِثلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُم وَ اللّهِ إِن تُبتُم وَ إِلّا قَتَلتُكُم أَخبَثَ قِتلَةٍ.فَدَعَا قَنبَرَ وَ أَتَي بِقَدُومٍ فَحَفَرَ لَهُم أُخدُوداً بَينَ بَابِ المَسجِدِ وَ القَصرِ،فَدَعَا بِالحَطَبِ فَطَرَحَهُ وَ النّارُ فِيهِ وَ قَالَ إنِيّ طَارِحُكُم فِيهَا أَو تَرجِعُوا.فَأَبَوا فَقَذَفَ بِهِم فِيهَا حَتّي احتَرَقُوا. وَ قَالَ بَعضُ أَصحَابِنَا لَم يُحرِقهُم وَ إِنّمَا ادّخَنَ عَلَيهِم ثُمّ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ
لَمّا رَأَيتُ الأَمرَ أَمراً مُنكَراً | أَوقَدتُ ناَريِ وَ دَعَوتُ قَنبَراً |
ثُمّ احتَفَرتُ حُفَراً وَ حُفَراً | وَ قَنبَرٌ يَحطِمُ حَطماً مُنكَراً |
وَ مِنهَا فِي مَدحِ أَهلِ البَيتِ عَلَيهِمُ السّلَامُ
قَد يَعلَمُ النّاسُ أَنّا خَيرُهُم نَسَباً | وَ نَحنُ أَفخَرُهُم بَيتاً إِذَا فَخَرُوا |
رَهطُ النّبِيّ وَ هُم مَأوَي كَرَامَتِهِ | وَ نَاصَرُوا الدّينَ وَ المَنصُورُ مَن نَصَرُوا |
وَ الأَرضُ تَعلَمُ أَنّا خَيرُ سَاكِنِهَا | كَمَا بِهِ تَشهَدُ البَطحَاءُ وَ المَدَرُ |
وَ البَيتُ ذُو السّترِ لَو شَاءُوا يُحَدّثُهُم | نَادَي بِذَلِكَ رُكنُ البَيتِ وَ الحَجَرُ |
بيان لعلّ[المراد من ]علم الأرض علمها علي تقدير الحياة، أوالمراد أهل الأرض . وشهادة البطحاء وأمثالها أيضا بلسان الحال أوأهلها.
وَ مِنهَا فِي الفَخرِ وَ إِظهَارِ المَكَارِمِ
إِذَا اجتَمَعَت عَلِيّاً مَعَدّ وَ مَذحِجٌ | بِمَعرَكَةٍ يَوماً فإَنِيّ أَمِيرُهَا |
مُسَلّمَةٌ أَكفَالُ خيَليِ فِي الوَغَا | وَ مَكلُومَةٌ لَبّاتُهَا وَ نُحُورُهَا |
صفحه : 415
حَرَامٌ عَلَي أَرمَاحِنَا طَعنُ مُدبِرٍ | وَ تَندَقّ مِنهَا فِي الصّدُورِ صُدُورُهَا |
بيان معد بالفتح أبوالعرب . ومذحج بفتح الميم والذال المعجمة وتقديم الحاء علي الجيم أبوقبيلة. والأكفال جمع الكفل . والغرض أنّا لانفرّ في الحرب و لانتبع المدبر.
وَ مِنهُ فِي مِثلِهِ، وَ روُيَِ أَنّهُ قَالَهَا لَمّا بُويِعَ مَن قَبلَهُ بِالخِلَافَةِ
أُغمِضُ عيَنيِ عَن أُمُورٍ كَثِيرَةٍ | وَ إنِيّ عَلَي تَركِ الغُمُوضِ قَدِيرٌ |
وَ مَا مِن عَمًي أغُضيِ وَ لَكِن رُبّمَا | تَعَامَي وَ أَغضَي المَرءُ وَ هُوَ بَصِيرٌ |
وَ أَمسَكتُ عَن أَشيَاءَ لَو شِئتُ قُلتُهُ | وَ لَيسَ عَلَينَا فِي المَقَالِ أَمِيرٌ |
أُصَبّرُ نفَسيِ فِي اجتهِاَديِ وَ طاَقتَيِ | وَ إنِيّ بِأَخلَاقِ الجَمِيعِ خَبِيرٌ |
وَ مِنهُ فِي الشّكَايَةِ مِمّن خَانَهُ وَ خَالَفَهُ مِن قُرَيشٍ وَ غَيرِهِم
تِلكُم قُرَيشٌ تمَنَاّنيِ لتِقَتلُنَيِ | فَلَا وَ رَبّكَ مَا بَزّوا وَ لَا ظَفِرُوا |
فَإِن بَقِيتُ فَرَهنٌ ذمِتّيِ لَهُم | بِذَاتِ وَدقَينِ لَا يَعفُو لَهَا أَثَرٌ |
وَ إِن هَلَكتُ فإَنِيّ سَوفَ أُوَرّثُهُم | ذُلّ الحَيَاةِ فَقَد خَانُوا وَ قَد غَدَرُوا |
إِمّا بَقِيتُ فإَنِيّ لَستُ مُتّخِذاً | أَهلًا وَ لَا شِيعَةً فِي الدّينِ إِذ فَجَرُوا |
قَد باَيعَوُنيِ وَ لَم يُوفُوا بِبَيعَتِهِم | وَ ماَكرَوُنيِ فِي الأَعدَاءِ إِذ مَكَرُوا |
وَ ناَصبَوُنيِ فِي حَربٍ مُضَرّمَةٍ | مَا لَم يُلَاقِ أَبُو بَكرٍ وَ لَا عُمَرُ |
بيان في بعض النسخ رواه أبوعمرو بن العلاء، و ابن درستويه ، و قال بعدالبيتين الأوّلين« قال أبوعثمان المازني لم يصحّ عندنا[ أنّه]تكلّم بشيء من
صفحه : 416
الشّعر إلّا هذين البيتين ». قلت هذاالقول منه لايدلّ علي أنّه لم يصحّ أصلا[ حتّي عندغيره ]، و قديصحّ عندغيره أشياء لاتحصي .[ ثمّ قال ] وزاد غيرهما. ثمّ ذكر باقي الأبيات . و«تمنّي»أصله تتمنّي.[ و قوله ]« مابزّوا» ماغلبوا. و في بعض النسخ [ذكرت اللفظة]بالراء المهملة. والرهن بمعني المفعول [ أي المرهون ]. والذمّة مايذمّ الرجل علي إضاعته من عهد. والودق المطر. و في [ كتاب ]الأساس «حرب ذات ودقين »شبّهت بسحابة ذات مطرتين شديدتين . و قال الجوهري ذات ودقين الداهية أي [الداهية]ذات وجهتين كأنّها جاءت من وجهين . وأصل «إمّا» إن ما.
وَ مِنهُ بَعدَ قَتلِ طَلحَةَ وَ الزّبَيرِ
أَشكُوا إِلَيكَ عجُرَيِ وَ بجُرَيِ | وَ مَعشَراً أَعشَوا عَلَيّ بصَرَيِ |
إنِيّ قَتَلتُ مضُرَيِ بمِضُرَيِ | جَدَعتُ أنَفيِ وَ قَتَلتُ معَشرَيِ |
بيان قال [ ابن الأثير نقلا عن الهروي] في [مادّة«بجر» من كتاب ]النهاية في حديث عليّ عليه السلام «أشكوا إلي اللّه عجري وبجري» أي همومي وأحزاني. وأصل العجرة نفخة في الظهر، فإذاكانت في السرّة فهي بجرة. وقيل العجر العروق المتعقّدة في الظهر، والبجر العروق المتعقّدة في البطن ، ثمّ نقلا إلي الهموم والأحزان ،أراد أنّه يشكو إلي اللّه أموره كلّها ماظهر
صفحه : 417
منها و مابطن . والإغشاء الستر. ومضر قبيلة أبوهم مضر بن نزار بن معد بن عدنان . والجدع بالدال المهملة قطع الأنف .
وَ مِنهُ خِطَاباً لِابنِ العَاصِ فِي[مَعرَكَةِ]صِفّينَ
يَا عَجَباً لَقَد رَأَيتُ مُنكَراً | كَذِباً عَلَي اللّهِ يَشِيبُ الشّعَرَا |
يَستَرِقُ السّمعَ وَ يغُشيِ البَصَرَا | مَا كَانَ يَرضَي أَحمَدُ لَو خُبّرَا |
أَن تَعدِلُوا وَصِيّهُ وَ الأَبتَرَا | شاَنيَِ النّبِيّ وَ اللّعِينَ الأَخزَرَا |
كِلَاهُمَا بِجُندِهِ قَد عَسكَرَا | قَد بَاعَ هَذَا دِينَهُ إِذ فَجَرَا |
بِمُلكِ مِصرٍ إِن أَصَابَا ظَفَراً | مَن ذَا بِدُنيَا بَيعُهُ قَد خَسِرَا |
يَا ذَا ألّذِي يَطلُبُ منِيّ الوَتَرَا | إِن كُنتَ تبَغيِ أَن تَزُورَ القَبرَا |
حَقّاً وَ تَصلَي بَعدَ ذَاكَ الجَمرَا | أَسعَطَكَ اليَومَ ذُعَافاً صَبراً |
لَا تحَسبَنَيّ يَا ابنَ عَاصٍ عَسِراً | سَل بيَِ بَدراً ثُمّ سَل بيِ خَيبَرَا |
كَانَت قُرَيشٌ يَومَ بَدرٍ جَزَراً | إنِيّ إِذَا مَا الحَربُ يَوماً حَضَرَا |
أَضرَمتُ ناَريِ وَ دَعَوتُ قَنبَراً | قَدّم لوِاَئيِ لَا تُؤَخّر حَذَراً |
لَن يَنفَعَ الحَاذِرَ مَا قَد حَذَرَا | وَ لَا أَخَا الحِيلَةِ عَمّا قُدّرَا |
إِنّ الحَذَارَ لَا يَرُدّ القَدَرَا | لَمّا رَأَيتُ المَوتَ مَوتاً أَحمَرَا |
دَعَوتُ هَمدَانَ وَ ادعُوا حِميَراً | لَو أَنّ عنِديِ يَومَ حرَبيِ جَعفَراً |
أَو حَمزَةَ اللّيثَ الهُمَامَ الأَزهَرَا | رَأَت قُرَيشٌ نَجمَ لَيلٍ ظَهَرَا |
صفحه : 418
أَقُولُ رَوَي الأَبيَاتَ نَصرُ بنُ مُزَاحِمٍ فِي كِتَابِ صِفّينَ وَ زَادَ بَعدَ قَولِهِ« وَ ادعُوا حِميَراً»
حيَّ يَمَانٍ يُعظِمُونَ الخَطَرَا | قَرنٌ إِذَا نَاطَحَ قَرناً كَسَرَا |
قُل لِابنِ حَربٍ لَا تَدِبّ الخَمَرَا | أَروِد قَلِيلًا أَبدِ مِنكَ الضّجَرَا |
لَا تحَسبَنَيّ يَا ابنَ حَربٍ غَمَراً | وَ سَل بِنَا بَدراً مَعاً وَ خَيبَرَا |
كَانَت قُرَيشٌ يَومَ بَدرٍ جَزَراً | إِذ وَرَدُوا الأَمرَ فَذَمّوا الصّدَرَا |
بيان «الأبتر الشاني» هوعمرو بن العاص .« واللعين الأخزر»معاوية. والأخزر الضيّق العين . أو ألذي ينظر بمؤخّر العين . و قال الشارح الأبتر معاوية، والأخزر[ هو]عمرو. و هوينافي ماذكره الخاص والعام أنّ قوله [ تعالي ]إِنّ شانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ.نزل في عمرو. والوتر الجناية. والإسعاط صبّ الدواء في الأنف . والذعاف السمّ. وموت ذعاف أي سريع . والصبر المرّ. و قال الجوهري جزر السّباع اللحم ألذي تأكله يقال تركوهم جزرا بالتحريك إذاقتلوهم .[ قوله عليه السلام ]«أضرمت ناري» أي نار الغضب . و[ قال الجوهري] في الصحاح موت أحمر يوصف بالشدّة. قوله عليه السلام «رأت قريش » أي يصير عليهم اليوم ليلا لشدّة الأمر.
وَ مِنهُ فِي الشّكوَي
صفحه : 419
صَبَرتُ عَلَي مُرّ الأُمُورِ كَرَاهَةً | وَ أَبقَيتُ فِي ذَاكَ الصّبَابَ مِنَ الأَمرِ |
الصبابة بالضمّ البقية من الماء والجمع صباب [ أوصبابات ] و هوكناية عن الخلافة و ماأصابه منها. و في بعض النسخ [الضباب ]بالضّاد المعجمة وهي سحابة تغشي الأرض كالدّخان،فتكون كناية عمّا لحقه وبقي عليه من الشدائد والمحن .
وَ مِنهُ خِطَاباً لِأَصحَابِهِ فِي صِفّينَ
دَبّوا دَبِيبَ النّملِ قَد آنَ الظّفَرُ | لَا تُنكِرُوا فَالحَربُ ترَميِ بِالشّرَرِ |
ِنّا جَمِيعاً أَهلُ صَبرٍ لَا خَوَرٍ |
وَ مِنهُ شِكَايَةً عَن حِيلَةِ[عَمرِو] بنِ العَاصِ فِي التّحكِيمِ
لَقَد عَجَزتُ عَجزَ مَن لَا يَقتَدِرُ | سَوفَ أَكِيسُ بَعدَهَا وَ أَستَمِرّ |
أَرفَعُ مِن ذيَليِ مَا كَانَ يَجُرّ | قَد يُجمَعُ الأَمرُ الشّتِيتُ المُنتَشِرُ |
وَ مِنهُ فِي الشّكَايَةِ عَن قِلّةِ الأَنِيسِ المُوَافِقِ
الحَمدُ لِلّهِ حَمداً لَا شَرِيكَ لَهُ | دأَبيِ فِي صُبحِهِ وَ فِي غَلَسِهِ |
لَم يَبقَ لِي مُونِسٌ فيَؤُنسِنَيِ | إِلّا أَنِيسٌ أَخَافُ مِن أُنسِهِ |
فَاعتَزِلِ النّاسَ مَا استَطَعتَ وَ لَا | تَركَن إِلَي مَن تَخَافُ مِن دَنَسِهِ |
فَالعَبدُ يَرجُو مَا لَيسَ يُدرِكُهُ | وَ المَوتُ أَدنَي إِلَيهِ مِن نَفسِهِ |
بيان الغلس ظلمة آخر الليل .
صفحه : 420
وَ مِنهُ فِي المُفَاخَرَةِ
أَ تَحسَبُ أَولَادُ الجَهَالَةِ أَنّنَا | عَلَي الخَيلِ لَسنَا مِثلَهُم فِي الفَوَارِسِ |
فَسَائِل بنَيِ بَدرٍ إِذَا مَا لَقِيتَهُم | بقِتَليِ ذوَيِ الأَقرَانِ يَومَ التّمَارُسِ |
وَ إِنّا أُنَاسٌ لَا نَرَي الحَربَ سُبّةً | وَ لَا ننَثنَيِ عِندَ الرّمَاحِ المَدَاعِسِ |
وَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ كَالبَدرِ بَينَنَا | بِهِ كَشَفَ اللّهُ العَدَا بِالتّنَاكُسِ |
فَمَا قِيلَ فِينَا بَعدَهَا مِن مَقَالَةٍ | فَمَا غَادَرَت مِنّا جَدِيداً لِلَابِسٍ |
بيان «بنو البدر» من حضرها. وتمارسوا في الحرب تضاربوا. والسبة بالضمّ عار يسبّ به . والمدعاس الرمح ألذي لاينثني. والمدعس الرمح يدعس به .«بالتناكس » أي بانقلاب رايتهم أوبانهزام . قوله عليه السلام «فما غادرت »يحتمل أن يكون المراد عدم رضاه بما ذكره فيه الغالون أي ماذكروه أبلي ثيابنا وأذهب عزّنا. أو يكون إشارة إلي ماذكره القالون المبغضون ولعلّه أظهر. ويحتمل أن يكون خبر الموصول محذوفا أي لاحاجة لنا فيها و[ يكون ]ضمير«غادرت »راجعا إلي ماذكره عليه السلام من المناقب أي لم تترك جديدا لم تأت به إلينا. أوالمعني أنّ بعدتحقّق تلك المناقب لاينفع غاصبينا وأعداءنا ماقالوا فينا من المثالب لأن يلبسوا بسبّنا ثوبا جديدا من الخلافة.
وَ مِنهُ فِي المُفَاخَرَةِ وَ إِظهَارِ الشّجَاعَةِ
السّيفُ وَ الخَنجَرُ رَيحَانُنَا | أُفّ عَلَي النّرجِسِ وَ الآسِ |
شَرَابُنَا مِن دَمِ أَعدَائِنَا | وَ كَأسُنَا جُمجُمَةُ الرّأسِ |
صفحه : 421
وَ مِنهُ فِي مِثلِهِ
إنِيّ أَنَا اللّيثُ الهِزَبرُ الأَشوَشُ | وَ الأَسَدُ المُستَأسِدُ المُعَرّسُ |
إِذِ الحُرُوبُ أَقبَلَت تَضَرّسُ | وَ اختَلَفَت عِندَ النّزَالِ الأَنفُسُ |
مَا هَابَ مِن وَقعِ الرّمَاحِ الأَشرَسُ |
بيان قال الأصمعي الليث دابّة مثل الحرباء يتعرّض للراكب وينسب إلي بلدة«عفرّين»بكسر العين وتشديد الراء، و في المثل هوأشجع من ليث عفرّين. ويحتمل أن يكون هوالمراد هنا فإنّ التأسيس أولي . والهزبر الأسد. والشوش بالتحريك النظر بمؤخّر العين تكبّرا وتغيّظا.ذكره الجوهري و قال استأسد اجترأ عليه . و قال التعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة ثمّ يرتحلون . والعريس والعريسة مأوي الأسد. وضرّسته الحرب تضريسا أي جرّبته وأحكمته . ووقع الحديد صوته . و رجل أشرس أي عسر شديد الخلاف أوجريء علي القتال . والأشرس الأسد.
وَ مِنهُ فِي بِنَاءِ سِجنٍ بِالقَصَبِ
أَ لَا ترَاَنيِ كَيّساً مُكَيّساً | بَنَيتُ بَعدَ نَافِعٍ مُخَيّساً |
ِصناً حَصِيناً وَ أَمِيناً كَيّساً |
بيان المكيس [بكسر الياء] من يجعل غيره كيّسا. و[ قال الفيروزآبادي] في القاموس المخيّس كمعظم ومحدّث السّجن، وسجن بناه عليّ عليه السلام ، و كان أوّلا جعله من قصب وسمّاه نافعا فنقبه اللصوص . ثم ذكر الأبيات و فيه
صفحه : 422
«بابا حصينا» و[ قال الجوهري] في الصحاح خيّسه تخييسا أي ذلّله. و منه المخيّس و هواسم سجن كان بالعراق أي موضع التذليل .
وَ مِنهُ رِسَالَةٌ إِلَي[عَمرِو] بنِ العَاصِ
لَأُصَبّحَنّ العاَصيَِ ابنَ العاَصيِ | سَبعِينَ أَلفاً عاَقدِيِ النوّاَصيِ |
مُستَحقِبِينَ حَلَقَ الدّلَاصِ | قَد جَنَبُوا الخَيلَ مَعَ القِلَاصِ |
سَادُ غِيلٍ حِينَ لَا مَنَاصٍ |
بيان قال نصر بن مزاحم في كتاب صفّين لمّا بلغ عمرو بن العاص مسيره عليه السلام إلي الشام قال
لاتحسبني يا عليّ غافلا | لأوردنّ الكوفة القبائلا |
بجمعي العام وجمعي قابلا فأجابه [ عليّ عليه السلام ]بهذه الأبيات . ويقال صبّحتهم أي أتيتهم به صباحا. وعقد النواصي كناية عن الاهتمام في الحرب . واستحقبه أي احتمله . والحلق بالفتح جمع الحلقة. و قال الجوهري الدليص والدلاص اللّين البراق يقال درع دلاص وأدرع دلاص . و قال الغيل بالكسر الأجمة وموضع الأسد قيل [ هو]مثل «خيس ». و قال
صفحه : 423
المناص الملجأ والمفرّ.
وَ مِنهُ فِي الِاحتِجَاجِ عَلَي الخُصُومِ
لَنَا مَا تَدّعُونَ بِغَيرِ حَقّ | إِذَا مُيّزَ الصّحَاحُ مِنَ المِرَاضِ |
عَرَفتُم حَقّنَا فَجَحَدتُمُوهُ | كَمَا عُرِفَ السّوَادُ مِنَ البَيَاضِ |
كِتَابُ اللّهِ شَاهِدُنَا عَلَيكُم | وَ قَاضِينَا الإِلَهُ فَنِعمَ قَاضٍ |
وَ فِيهِ[ وَ مِنهُ خ ل ] أَنّهُ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَيهِ عَلَيهِ السّلَامُ