صفحه : 3
صفحه : 5
قَالَ جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ ..... فِي حَدِيثٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ إنِيّ عَاجِزٌ ببِدَنَيِ عَن نُصرَتِكُم وَ لَستُ أَملِكُ إِلّا البَرَاءَةَ مِن أَعدَائِكُم وَ اللّعنَ[عَلَيهِم]،فَكَيفَ حاَليِ فَقَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ حدَثّنَيِ أَبِي عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ عَن رَسُولِ اللّهِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم أَنّهُ قَالَ مَن ضَعُفَ عَن نُصرَتِنَا أَهلَ البَيتِ فَلَعَنَ فِي خَلَوَاتِهِ أَعدَاءَنَا بَلّغَ اللّهُ صَوتَهُ جَمِيعَ الأَملَاكِ مِنَ الثّرَي إِلَي العَرشِ،فَكُلّمَا لَعَنَ هَذَا الرّجُلُ أَعدَاءَنَا لَعناً سَاعَدُوهُ وَ لَعَنُوا مَن يَلعَنُهُ ثُمّ ثَنّوا،فَقَالُوا أللّهُمّ صَلّ عَلَي عَبدِكَ هَذَا ألّذِي قَد بَذَلَ مَا فِي وُسعِهِ وَ لَو قَدَرَ عَلَي أَكثَرَ مِنهُ لَفَعَلَ، فَإِذَا النّدَاءُ مِن قِبَلِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ قَد أَجَبتُ دُعَاءَكُم وَ سَمِعتُ نِدَاءَكُم، وَ صَلّيتُ عَلَي رُوحِهِ فِي الأَروَاحِ، وَ جَعَلتُهُ عنِديِ مِنَالمُصطَفَينَ الأَخيارِ.
بحار الأنوار 27-222-223-حديث 11-تفسير الإمام العسكري( ع )16- و17-
صفحه : 6
عَنِ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ مَن خَالَفَكُم وَ إِن عَبَدَ وَ اجتَهَدَ مَنسُوبٌ إِلَي هَذِهِ الآيَةِوُجُوهٌ يَومَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصلي ناراً حامِيَةً.
تفسير القمي 723-بحار الأنوار 8-356-روضة الكافي 160.ثواب الأعمال 200.
صفحه : 7
1- قَالَ السّيّدُ ابنُ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللّهُ فِي كِتَابِ كَشفِ المَحَجّةِ لِثَمَرَةِ المُهجَةِ قَالَ مُحَمّدُ بنُ يَعقُوبَ فِي كِتَابِ الرّسَائِلِ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ،بِإِسنَادِهِ، قَالَكَتَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ كِتَاباً بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِنَ النّهرَوَانِ وَ أَمَرَ أَن يُقرَأَ عَلَي النّاسِ، وَ ذَلِكَ أَنّ النّاسَ سَأَلُوهُ عَن أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثمَانَ،فَغَضِبَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ قَد تَفَرّغتُم لِلسّؤَالِ عَمّا لَا يَعنِيكُم، وَ هَذِهِ مِصرُ قَدِ انفَتَحَت، وَ قَتَلَ مُعَاوِيَةُ بنُ خَدِيجٍ مُحَمّدَ بنَ أَبِي بَكرٍ،فَيَا لَهَا مِن مُصِيبَةٍ مَا أَعظَمَهَا مصُيِبتَيِ بِمُحَمّدٍ فَوَ اللّهِ مَا كَانَ إِلّا كَبَعضِ بنَيِّ،سُبحَانَ اللّهِ بَينَا نَحنُ نَرجُو أَن نَغلِبَ القَومَ عَلَي مَا فِي أَيدِيهِم إِذ غَلَبُونَا عَلَي مَا فِي أَيدِينَا، وَ أَنَا كَاتِبٌ لَكُم كِتَاباً فِيهِ تَصرِيحُ مَا سَأَلتُم إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي.فَدَعَا كَاتِبَهُ عُبَيدَ اللّهِ بنَ أَبِي رَافِعٍ فَقَالَ لَهُ أَدخِل عَلَيّ عَشَرَةً مِن ثقِاَتيِ، فَقَالَ سَمّهِم لِي يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَقَالَ أَدخِل أَصبَغَ بنَ نُبَاتَةَ وَ أَبَا الطّفَيلِ عَامِرَ
صفحه : 8
بنَ وَاثِلَةَ الكنِاَنيِّ، وَ زِرّ بنَ حُبَيشٍ الأسَدَيِّ، وَ جُوَيرِيَةَ بنَ مُسهِرٍ العبَديِّ، وَ خَندَقَ بنَ زُهَيرٍ الأسَدَيِّ، وَ حَارِثَةَ بنَ مُضَرّبٍ الهمَداَنيِّ، وَ الحَارِثَ بنَ عَبدِ اللّهِ الأَعوَرَ الهمَداَنيِّ، وَ مَصَابِيحَ النخّعَيِّ، وَ عَلقَمَةَ بنَ قَيسٍ، وَ كُمَيلَ بنَ زِيَادٍ، وَ عُمَيرَ بنَ زُرَارَةَ،فَدَخَلُوا إِلَيهِ، فَقَالَ لَهُم خُذُوا هَذَا الكِتَابَ وَ ليَقرَأهُ عُبَيدُ اللّهِ بنُ أَبِي رَافِعٍ وَ أَنتُم شُهُودٌ كُلّ يَومِ جُمُعَةٍ، فَإِن شَغَبَ شَاغِبٌ عَلَيكُم فَأَنصِفُوهُ بِكِتَابِ اللّهِ بَينَكُم وَ بَينَهُبِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ إِلَي شِيعَتِهِ مِنَ المُؤمِنِينَ وَ المُسلِمِينَ، فَإِنّ اللّهَ يَقُولُوَ إِنّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبراهِيمَ وَ هُوَ اسمٌ شَرّفَهُ اللّهُ تَعَالَي فِي الكِتَابِ وَ أَنتُم شِيعَةُ النّبِيّ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَمَا أَنّ مِن شِيعَتِهِ اِبرَاهِيمَ اسمٌ غَيرُ مُختَصّ، وَ أَمرٌ غَيرُ مُبتَدَعٍ، وَ سَلَامٌ عَلَيكُم، وَ اللّهُ هُوَ السّلَامُ المُؤمِنُ أَولِيَاءَهُ مِنَ العَذَابِ المُهِينِ،الحَاكِمُ عَلَيهِم بِعَدلِهِ،بَعَثَ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَنتُم مَعَاشِرَ العَرَبِ عَلَي شَرّ حَالٍ،يَغذُوا[يَغذُو]أَحَدُكُم كَلبَهُ، وَ يَقتُلُ وَلَدَهُ، وَ يُغِيرُ عَلَي غَيرِهِ،فَيَرجِعُ وَ قَد أُغِيرَ عَلَيهِ،تَأكُلُونَ العِلهِزَ وَ الهَبِيدَ وَ المَيتَةَ وَ الدّمَ،مُنِيخُونَ عَلَي أَحجَارٍ خَشِنٍ وَ أَوثَانٍ مُضِلّةٍ،تَأكُلُونَ الطّعَامَ الجَشِبَ، وَ تَشرَبُونَ
صفحه : 9
المَاءَ الآجِنَ،تُسَافِكُونَ دِمَاءَكُم، وَ يسَبيِ بَعضُكُم بَعضاً، وَ قَد خَصّ اللّهُ قُرَيشاً بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَ عَمّ العَرَبَ بِآيَةٍ،فَأَمّا الآيَاتُ اللوّاَتيِ فِي قُرَيشٍ فَهُوَ قَولُهُ تَعَالَيوَ اذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلٌ مُستَضعَفُونَ فِي الأَرضِ تَخافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآواكُم وَ أَيّدَكُم بِنَصرِهِ وَ رَزَقَكُم مِنَ الطّيّباتِ لَعَلّكُم تَشكُرُونَ، وَ الثّانِيَةُوَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الّذِينَ مِن قَبلِهِم وَ لَيُمَكّنَنّ لَهُم دِينَهُمُ ألّذِي ارتَضي لَهُم وَ لَيُبَدّلَنّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً يعَبدُوُننَيِ لا يُشرِكُونَ بيِ شَيئاً وَ مَن كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ، وَ الثّالِثَةُ قَولُ قُرَيشٍ لنِبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حِينَ دَعَاهُم إِلَي الإِسلَامِ وَ الهِجرَةِوَ قالُوا إِن نَتّبِعِ الهُدي مَعَكَ نُتَخَطّف مِن أَرضِنا، فَقَالَ اللّهُ تَعَالَيأَ وَ لَم نُمَكّن لَهُم حَرَماً آمِناً يُجبي إِلَيهِ ثَمَراتُ كُلّ شَيءٍ رِزقاً مِن لَدُنّا وَ لكِنّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمُونَ، وَ أَمّا الآيَةُ التّيِ عَمّ بِهَا العَرَبَ فَهُوَ قَولُهُوَ اذكُرُوا نِعمَتَ اللّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَأَلّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخواناً وَ كُنتُم عَلي شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنقَذَكُم مِنها كَذلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُم آياتِهِ لَعَلّكُم تَهتَدُونَ،فَيَا لَهَا نِعمَةً مَا أَعظَمَهَا إِن لَم تَخرُجُوا مِنهَا إِلَي غَيرِهَا، وَ يَا لَهَا مُصِيبَةً مَا أَعظَمَهَا إِن لَم تُؤمِنُوا بِهَا وَ تَرغَبُوا عَنهَا،فَمَضَي نبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَد بَلّغَ مَا أُرسِلَ بِهِ،فَيَا لَهَا مُصِيبَةً خَصّتِ الأَقرَبِينَ وَ عَمّتِ المُؤمِنِينَ لَم تُصَابُوا بِمِثلِهَا وَ لَن تُعَايِنُوا بَعدَهَا مِثلَهَا،فَمَضَي لِسَبِيلِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ تَرَكَ كِتَابَ اللّهِ وَ أَهلَ
صفحه : 10
بَيتِهِ إِمَامَينِ لَا يَختَلِفَانِ، وَ أَخَوَينِ لَا يَتَخَاذَلَانِ، وَ مُجتَمِعَينِ لَا يَفتَرِقَانِ، وَ لَقَد قَبَضَ اللّهُ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَأَنَا أَولَي بِالنّاسِ منِيّ بقِمَيِصيِ هَذَا، وَ مَا أَلقَي فِي روُعيِ، وَ لَا عَرَضَ فِي رأَييِ أَن وَجّهِ النّاسَ إِلَي غَيرِهِ، فَلَمّا أَبطَئُوا عنَيّ بِالوَلَايَةِ لِهِمَمِهِم، وَ تَثَبّطَ الأَنصَارُ وَ هُم أَنصَارُ اللّهِ وَ كَتِيبَةُ الإِسلَامِ قَالُوا أَمّا إِذَا لَم تُسَلّمُوهَا لعِلَيِّ فَصَاحِبُنَا أَحَقّ بِهَا مِن غيَريِ،فَوَ اللّهِ مَا أدَريِ إِلَي مَن أَشكُو فَإِمّا أَن يَكُونَ الأَنصَارُ ظَلَمَت حَقّهَا، وَ إِمّا أَن يَكُونُوا ظلَمَوُنيِ حقَيّ،بَل حقَيَّ المَأخُوذُ وَ أَنَا المَظلُومُ. فَقَالَ قَائِلُ قُرَيشٍ إِنّ نبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ الأَئِمّةُ مِن قُرَيشٍ،فَدَفَعُوا الأَنصَارَ عَن دَعوَتِهَا وَ منَعَوُنيِ حقَيّ مِنهَا،فأَتَاَنيِ رَهطٌ يَعرِضُونَ عَلَيّ النّصرَ،مِنهُمُ ابنَا سَعِيدٍ، وَ المِقدَادُ بنُ الأَسوَدِ، وَ أَبُو ذَرّ الغفِاَريِّ، وَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ، وَ سَلمَانُ الفاَرسِيِّ، وَ الزّبَيرُ بنُ العَوّامِ، وَ البَرَاءُ بنُ العَازِبُ.فَقُلتُ لَهُم إِنّ عنِديِ مِن نبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَهداً وَ لَهُ إلِيَّ وَصِيّةً لَستُ أُخَالِفُ عَمّا أمَرَنَيِ بِهِ،فَوَ اللّهِ لَو خزَمَوُنيِ بأِنَفيِ لَأَقرَرتُ لِلّهِ تَعَالَي سَمعاً وَ طَاعَةً، فَلَمّا رَأَيتُ النّاسَ قَدِ انثَالُوا عَلَي أَبِي بَكرٍ لِلبَيعَةِ أَمسَكتُ يدَيِ وَ ظَنَنتُ أنَيّ أَولَي وَ أَحَقّ بِمَقَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنهُ وَ مِن غَيرِهِ، وَ قَد كَانَ نبَيِّ اللّهِ أَمَرَ أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ عَلَي جَيشٍ وَ جَعَلَهُمَا فِي جَيشِهِ، وَ مَا زَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ
صفحه : 11
وَ آلِهِ إِلَي أَن فَاضَت نَفسُهُ يَقُولُ أَنفِذُوا جَيشَ أُسَامَةَ،فَمَضَي جَيشُهُ إِلَي الشّامِ حَتّي انتَهَوا إِلَي أَذرِعَاتٍ فلَقَيَِ جَمعاً مِنَ الرّومِ فَهَزَمُوهُم وَ غَنّمَهُمُ اللّهُ أَموَالَهُم، فَلَمّا رَأَيتُ رَاجِعَةً مِنَ النّاسِ قَد رَجَعَت عَنِ الإِسلَامِ تَدعُو إِلَي مَحوِ دِينِ مُحَمّدٍ وَ مِلّةِ اِبرَاهِيمَ عَلَيهِمَا السّلَامُ خَشِيتُ إِن أَنَا لَم أَنصُرِ الإِسلَامَ وَ أَهلَهُ أَرَي فِيهِ ثَلماً وَ هَدماً تَكُ المُصِيبَةُ عَلَيّ فِيهِ أَعظَمَ مِن فَوتِ وِلَايَةِ أُمُورِكُمُ التّيِ إِنّمَا هيَِ مَتَاعُ أَيّامٍ قَلَائِلَ ثُمّ تَزُولُ وَ تَنقَشِعُ كَمَا يَزُولُ وَ يَنقَشِعُ السّحَابُ،فَنَهَضتُ مَعَ القَومِ فِي تِلكَ الأَحدَاثِ حَتّي زَهَقَ البَاطِلُ وَ كَانَت كَلِمَةُ اللّهِ هيَِ العُليَا وَ إِن زَعَمَ الكَافِرُونَ. وَ لَقَد كَانَ سَعدٌ لَمّا رَأَي النّاسَ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكرٍ نَادَي أَيّهَا النّاسُ إنِيّ وَ اللّهِ مَا أَرَدتُهَا حَتّي رَأَيتُكُم تَصرِفُونَهَا عَن عَلِيّ، وَ لَا أُبَايِعُكُم حَتّي يُبَايِعَ عَلِيّ، وَ لعَلَيّ لَا أَفعَلُ وَ إِن بَايَعَ، ثُمّ رَكِبَ دَابّتَهُ وَ أَتَي حَورَانَ وَ أَقَامَ فِي خَانٍ حَتّي هَلَكَ وَ لَم يُبَايِع. وَ قَامَ فَروَةُ بنُ عُمَرَ الأنَصاَريِّ وَ كَانَ يَقُودُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ
صفحه : 12
فَرَسَينِ وَ يَصرِمُ أَلفَ وَسقٍ مِن تَمرٍ فَيَتَصَدّقُ بِهِ عَلَي المَسَاكِينِ فَنَادَي يَا مَعشَرَ قُرَيشٍ أخَبرِوُنيِ هَل فِيكُم رَجُلٌ تَحِلّ لَهُ الخِلَافَةُ وَ فِيهِ مَا فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ. فَقَالَ قَيسُ بنُ مَخزَمَةَ الزهوي لَيسَ فِينَا مَن فِيهِ مَا فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ. فَقَالَ لَهُ صَدَقتَ،فَهَل فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا لَيسَ فِي أَحَدٍ مِنكُم. قَالَ نَعَم. قَالَ فَمَا يَصُدّكُم عَنهُ. قَالَ إِجمَاعُ النّاسِ عَلَي أَبِي بَكرٍ. قَالَ أَمَا وَ اللّهِ لَئِن أَحيَيتُم سُنّتَكُم لَقَد أَخطَأتُم سُنّةَ نَبِيّكُم، وَ لَو جَعَلتُمُوهَا فِي أَهلِ بَيتِ نَبِيّكُم لَأَكَلتُم مِن فَوقِكُم وَ مِن تَحتِ أَرجُلِكُم.فوَلُيَّ أَبُو بَكرٍ فَقَارَبَ وَ اقتَصَدَ فَصَحِبتُهُ مُنَاصِحاً، وَ أَطَعتُهُ فِيمَا أَطَاعَ اللّهَ فِيهِ جَاهِداً، حَتّي إِذَا احتُضِرَ، قُلتُ فِي نفَسيِ لَيسَ يَعدِلُ بِهَذَا الأَمرِ عنَيّ، وَ لَو لَا خَاصّةٌ بَينَهُ وَ بَينَ عُمَرَ وَ أَمرٌ كَانَا رَضِيَاهُ بَينَهُمَا،لَظَنَنتُ أَنّهُ لَا يَعدِلُهُ عنَيّ وَ قَد سَمِعَ قَولَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِبُرَيدَةَ الأسَلمَيِّ حِينَ بعَثَنَيِ وَ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ إِلَي اليَمَنِ وَ قَالَ إِذَا افتَرَقتُمَا فَكُلّ وَاحِدٍ مِنكُمَا عَلَي حِيَالِهِ، وَ إِذَا اجتَمَعتُمَا فعَلَيِّ عَلَيكُم جَمِيعاً،فأغزنا وَ أَصَبنَا سَبياً فِيهِم خُوَيلَةُ بِنتُ جَعفَرٍ جَارِ الصّفَا وَ إِنّمَا سمُيَّ جَارَ الصّفَا مِن حُسنِهِ فَأَخَذتُ الحَنَفِيّةَ خَولَةَ وَ اغتَنَمَهَا خَالِدٌ منِيّ، وَ بَعَثَ بُرَيدَةَ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُحَرّشاً عَلَيّ،فَأَخبَرَهُ بِمَا كَانَ مِن أخَذيِ خَولَةَ، فَقَالَ يَا بُرَيدَةُ حَظّهُ فِي الخُمُسِ أَكثَرُ مِمّا أَخَذَ،إِنّهُ وَلِيّكُم بعَديِ،سَمِعَهَا أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ، وَ هَذَا بُرَيدَةُ حيَّ لَم يَمُت،فَهَل
صفحه : 13
بَعدَ هَذَا مَقَالٌ لِقَائِلٍ.فَبَايَعَ عُمَرَ دُونَ المَشُورَةِ فَكَانَ مرَضَيِّ السّيرَةِ مِنَ النّاسِ عِندَهُم، حَتّي إِذَا احتُضِرَ قُلتُ فِي نفَسيِ لَيسَ يَعدِلُ بِهَذَا الأَمرِ عنَيّ،للِذّيِ قَد رَأَي منِيّ فِي المَوَاطِنِ، وَ سَمِعَ مِنَ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فجَعَلَنَيِ سَادِسَ سِتّةٍ وَ أَمَرَ صُهَيباً أَن يصُلَيَّ بِالنّاسِ، وَ دَعَا أَبَا طَلحَةَ زَيدَ بنَ سَعدٍ الأنَصاَريِّ فَقَالَ لَهُ كُن فِي خَمسِينَ رَجُلًا مِن قَومِكَ فَاقتُل مَن أَبَي أَن يَرضَي مِن هَؤُلَاءِ السّتّةِ،فَالعَجَبُ مِنِ اختِلَافِ القَومِ إِذ زَعَمُوا أَنّ أَبِي بَكرٍ استَخلَفَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَلَو كَانَ هَذَا حَقّاً لَم يَخفَ عَلَي الأَنصَارِ فَبَايَعَهُ النّاسُ عَلَي الشّورَي، ثُمّ جَعَلَهَا أَبُو بَكرٍ لِعُمَرَ بِرَأيِهِ خَاصّةً، ثُمّ جَعَلَهَا عُمَرُ بِرَأيِهِ شُورَي بَينَ سِتّةٍ،فَهَذَا العَجَبُ مِنِ اختِلَافِهِم، وَ الدّلِيلُ عَلَي مَا لَا أُحِبّ أَن أَذكُرَ قَولُ هَؤُلَاءِ الرّهطِ الّذِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنهُم رَاضٍ،فَكَيفَ يَأمُرُ بِقَتلِ قَومٍ رضَيَِ اللّهُ عَنهُم وَ رَسُولُهُ. إِنّ هَذَا الأَمرَ عَجِيبٌ، وَ لَم يَكُونُوا لِوِلَايَةِ أَحَدٍ مِنهُم أَكرَهَ مِنهُم لوِلِاَيتَيِ كَانُوا يَسمَعُونَ وَ أَنَا أُحَاجّ أَبَا بَكرٍ وَ أَنَا أَقُولُ يَا مَعشَرَ قُرَيشٍ أَنَا أَحَقّ بِهَذَا الأَمرِ مِنكُم، مَا كَانَ مِنكُم مَن يَقرَأُ القُرآنَ، وَ يَعرِفُ السّنّةَ، وَ يَدِينُ دِينَ الحَقّ، وَ إِنّمَا حجُتّيِ أنَيّ ولَيِّ هَذَا الأَمرِ مِن دُونِ قُرَيشٍ، أَنّ نبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ الوَلَاءُ لِمَن أَعتَقَ،فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِعِتقِ الرّقَابِ مِنَ النّارِ، وَ أَعتَقَهَا مِنَ الرّقّ،فَكَانَ للِنبّيِّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَلَاءُ هَذِهِ
صفحه : 14
الأُمّةِ، وَ كَانَ لِي بَعدَهُ مَا كَانَ لَهُ،فَمَا جَازَ لِقُرَيشٍ مِن فَضلِهَا عَلَيهَا باِلنبّيِّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَازَ لبِنَيِ هَاشِمٍ عَلَي قُرَيشٍ، وَ جَازَ لِي عَلَي بنَيِ هَاشِمٍ،بِقَولِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَومَ غَدِيرِ خُمّ مَن كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا عَلِيّ مَولَاهُ، إِلّا أَن تدَعّيَِ قُرَيشٌ فَضلَهَا عَلَي العَرَبِ بِغَيرِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَإِن شَاءُوا فَليَقُولُوا ذَلِكَ،فخَشَيَِ القَومُ إِن أَنَا وُلّيتُ عَلَيهِم أَن آخُذَ بِأَنفَاسِهِم، وَ أَعتَرِضَ فِي حُلُوقِهِم، وَ لَا يَكُونَ لَهُم فِي الأَمرِ نَصِيبٌ،فَأَجمَعُوا عَلَي إِجمَاعِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنهُم حَتّي صَرَفُوا الوِلَايَةَ عنَيّ إِلَي عُثمَانَ رَجَاءَ أَن يَنَالُوهَا وَ يَتَدَاوَلُوهَا فِيمَا بَينَهُم،فَبَينَا هُم كَذَلِكَ إِذ نَادَي مُنَادٍ لَا يُدرَي مَن هُوَ وَ أَظُنّهُ جِنّيّاً فَأَسمَعَ أَهلَ المَدِينَةِ لَيلَةَ بَايَعُوا عُثمَانَ فَقَالَ
يَا ناَعيَِ الإِسلَامِ قُم فَانعَهُ | قَد مَاتَ عُرفٌ وَ بَدَا مُنكَرٌ |
مَا لِقُرَيشٍ لَا عَلَا كَعبُهَا | مَن قَدّمُوا اليَومَ وَ مَن أَخّرُوا |
إِنّ عَلِيّاً هُوَ أَولَي بِهِ | مِنهُ فَوَلّوهُ وَ لَا تُنكِرُوا |
فَكَانَ لَهُم فِي ذَلِكَ عِبرَةٌ، وَ لَو لَا أَنّ العَامّةَ قَد عَلِمَت بِذَلِكَ لَم أَذكُرهُ،فدَعَوَنيِ إِلَي بِيعَةِ عُثمَانَ فَبَايَعتُ مُستَكرِهاً، وَ صَبَرتُ مُحتَسِباً، وَ عَلّمتُ أَهلَ القُنُوتِ أَن يَقُولُوا أللّهُمّ لَكَ أَخلَصَتِ القُلُوبُ، وَ إِلَيكَ شَخَصَتِ الأَبصَارُ، وَ أَنتَ دُعِيتَ بِالأَلسُنِ، وَ إِلَيكَ تُحُوكِمَ فِي الأَعمَالِ،فَافتَح بَينَنا وَ بَينَ قَومِنا بِالحَقّ، أللّهُمّ إِنّا نَشكُو إِلَيكَ غَيبَةَ نَبِيّنَا، وَ كَثرَةَ عَدُوّنَا، وَ قِلّةَ عَدَدِنَا، وَ هَوَانَنَا عَلَي النّاسِ، وَ شِدّةَ الزّمَانِ، وَ وُقُوعَ الفِتَنِ بِنَا، أللّهُمّ فَفَرّج ذَلِكَ بِعَدلٍ تُظهِرُهُ، وَ سُلطَانِ حَقّ تَعرِفُهُ. فَقَالَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوفٍ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ إِنّكَ عَلَي هَذَا الأَمرِ لَحَرِيصٌ.فَقُلتُ لَستُ عَلَيهِ حَرِيصاً، وَ إِنّمَا أَطلُبُ مِيرَاثَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ
صفحه : 15
عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ حَقّهُ، وَ إِنّ وَلَاءَ أُمّتِهِ لِي مِن بَعدِهِ، وَ أَنتُم أَحرَصُ عَلَيهِ منِيّ إِذ تَحُولُونَ بيَنيِ وَ بَينَهُ، وَ تَصرِفُونَ وجَهيِ دُونَهُ بِالسّيفِ، أللّهُمّ إنِيّ أَستَعدِيكَ عَلَي قُرَيشٍ فَإِنّهُم قَطَعُوا رحَمِيِ وَ أَضَاعُوا أيَاّميِ، وَ دَفَعُوا حقَيّ، وَ صَغّرُوا قدَريِ وَ عَظِيمَ منَزلِتَيَِ، وَ أَجمَعُوا عَلَي منُاَزعَتَيِ حَقّاً كُنتُ أَولَي بِهِ مِنهُم،فَاستَلَبُونِيهِ. ثُمّ قَالَ اصبِر مَغمُوماً أَو مُت مُتَأَسّفاً، وَ ايمُ اللّهِ لَوِ استَطَاعُوا أَن يَدفَعُوا قرَاَبتَيِ كَمَا قَطَعُوا سبَبَيِ فَعَلُوا، وَ لَكِنّهُم لَا يَجِدُونَ إِلَي ذَلِكَ سَبِيلًا،إِنّمَا حقَيّ عَلَي هَذِهِ الأُمّةِ كَرَجُلٍ لَهُ حَقّ عَلَي قَومٍ إِلَي أَجَلٍ مَعلُومٍ، فَإِن أَحسَنُوا وَ عَجّلُوا لَهُ حَقّهُ قَبِلَهُ حَامِداً، وَ إِن أَخّرُوهُ إِلَي أَجَلِهِ أَخَذَهُ غَيرَ حَامِدٍ، وَ لَيسَ يُعَابُ المَرءُ بِتَأخِيرِ حَقّهِ،إِنّمَا يُعَابُ مَن أَخَذَ مَا لَيسَ لَهُ، وَ قَد كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَهِدَ إلِيَّ عَهداً فَقَالَ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ لَكَ ولِاَيتَيِ فَإِن وَلّوكَ فِي عَافِيَةٍ وَ رَجَعُوا عَلَيكَ بِالرّضَا فَقُم بِأَمرِهِم، وَ إِنِ اختَلَفُوا عَلَيكَ فَدَعهُم وَ مَا هُم فِيهِ، فَإِنّ اللّهَ سَيَجعَلُ لَكَ مَخرَجاً،فَنَظَرتُ فَإِذَا لَيسَ لِي رَافِدٌ وَ لَا معَيِ مُسَاعِدٌ إِلّا أَهلُ بيَتيِ،فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ الهَلَاكِ، وَ لَو كَانَ بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عمَيّ حَمزَةُ وَ أخَيِ جَعفَرٌ لَم أُبَايِع كَرهاً، وَ لكَنِنّيِ مُنِيتُ بِرَجُلَينِ حدَيِثيَ عَهدٍ بِالإِسلَامِ،العَبّاسِ وَ عَقِيلٍ،فَضَنِنتُ بِأَهلِ بيَتيِ عَنِ الهَلَاكِ،فَأَغضَيتُ عيَنيِ عَلَي القَذَي، وَ تَجَرّعتُ
صفحه : 16
ريِقيِ عَلَي الشّجَا، وَ صَبَرتُ عَلَي أَمَرّ مِنَ العَلقَمِ، وَ آلَمَ لِلقَلبِ مِن حَزّ الشّفَارِ. وَ أَمّا أَمرُ عُثمَانَ فَكَأَنّهُ عُلِمَ مِنَ القُرُونِ الأُولَيعِلمُها عِندَ ربَيّ فِي كِتابٍ لا يَضِلّ ربَيّ وَ لا يَنسيخَذَلَهُ أَهلُ بَدرٍ وَ قَتَلَهُ أَهلُ مِصرَ، وَ اللّهِ مَا أَمَرتُ وَ لَا نَهَيتُ وَ لَو أنَنّيِ أَمَرتُ كُنتُ قَاتِلًا، وَ لَو أنَيّ نَهَيتُ كُنتُ نَاصِراً، وَ كَانَ الأَمرُ لَا يَنفَعُ فِيهِ العَيَانُ وَ لَا يشَفيِ فِيهِ الخَبَرُ، غَيرَ أَنّ مَن نَصَرَهُ لَا يَستَطِيعُ أَن يَقُولَ خَذَلَهُ مَن أَنَا خَيرٌ مِنهُ، وَ لَا يَستَطِيعُ مَن خَذَلَهُ أَن يَقُولَ نَصَرَهُ مَن هُوَ خَيرٌ منِيّ، وَ أَنَا جَامِعٌ أَمرَهُ استَأثَرَ فَأَسَاءَ الأَثَرَةَ، وَ جَزِعتُم فَأَسَأتُمُ الجَزَعَ، وَ اللّهُ يَحكُمُ بَينَكُم وَ بَينَهُ، وَ اللّهِ مَا يلَزمَنُيِ فِي دَمِ عُثمَانَ ثُلمَةٌ مَا كُنتُ إِلّا رَجُلًا مِنَ المُسلِمِينَ المُهَاجِرِينَ فِي بيَتيِ فَلَمّا قَتَلتُمُوهُ أتَيَتمُوُنيِ تبُاَيعِوُنيّ،فَأَبَيتُ عَلَيكُم وَ أَبَيتُم عَلَيّ،فَقَبَضتُ يدَيِ فَبَسَطتُمُوهَا، وَ بَسَطتُهَا فَمَدَدتُمُوهَا، ثُمّ تَدَاكَكتُم عَلَيّ تَدَاكّ الإِبِلِ الهِيمِ عَلَي حِيَاضِهَا يَومَ وُرُودِهَا، حَتّي ظَنَنتُ أَنّكُم قاَتلِيِ، وَ أَنّ بَعضَكُم قَاتِلٌ لِبَعضٍ، حَتّي
صفحه : 17
انقَطَعَتِ النّعلُ، وَ سَقَطَ الرّدَاءُ، وَ وُطِئَ الضّعِيفُ، وَ بَلَغَ مِن سُرُورِ النّاسِ بِبَيعَتِهِم إيِاّيَ أَن حُمِلَ إِلَيهَا الصّغِيرُ وَ هَدَجَ إِلَيهَا الكَبِيرُ، وَ تَحَامَلَ إِلَيهَا العَلِيلُ، وَ حَسَرَت لَهَا الكِعَابُ.فَقَالُوا بَايِعنَا عَلَي مَا بُويِعَ عَلَيهِ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ،فَإِنّا لَا نَجِدُ غَيرَكَ وَ لَا نَرضَي إِلّا بِكَ،فَبَايِعنَا لَا نَفتَرِقُ وَ لَا نَختَلِفُ،فَبَايَعتُكُم عَلَي كِتَابِ اللّهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ دَعَوتُ النّاسَ إِلَي بيَعتَيِ،فَمَن باَيعَنَيِ طَائِعاً قَبِلتُ مِنهُ، وَ مَن أَبَي تَرَكتُهُ،فَكَانَ أَوّلُ مَن باَيعَنَيِ طَلحَةَ وَ الزّبَيرَ،فَقَالَا نُبَايِعُكَ عَلَي أَنّا شُرَكَاؤُكَ فِي الأَمرِ.فَقُلتُ لَا، وَ لَكِنّكُمَا شرُكَاَئيِ فِي القُوّةِ، وَ عوَناَيَ فِي العَجزِ.فبَاَيعَاَنيِ عَلَي هَذَا الأَمرِ وَ لَو أَبَيَا لَم أُكرِههُمَا كَمَا لَم أُكرِه غَيرَهُمَا، وَ كَانَ طَلحَةُ يَرجُو اليَمَنَ وَ الزّبَيرُ يَرجُو العِرَاقَ، فَلَمّا عَلِمَا أنَيّ غَيرُ مُوَلّيهِمَا استأَذنَاَنيِ لِلعُمرَةِ يُرِيدَانِ الغَدرَ،فَأَتَيَا عَائِشَةَ وَ استَخَفّاهَا مَعَ كُلّ شَيءٍ فِي نَفسِهَا عَلَيّ، وَ النّسَاءُ نَوَاقِصُ الإِيمَانِ،نَوَاقِصُ العُقُولِ،نَوَاقِصُ الحُظُوظِ،فَأَمّا نُقصَانُ إِيمَانِهِنّ فَقُعُودُهُنّ عَنِ الصّلَاةِ وَ الصّيَامِ فِي أَيّامِ حَيضِهِنّ، وَ أَمّا نُقصَانُ عُقُولِهِنّ فَلَا شَهَادَةَ لَهُنّ إِلّا فِي الدّينِ وَ شَهَادَةُ امرَأَتَينِ بِرَجُلٍ، وَ أَمّا نُقصَانُ حُظُوظِهِنّ فَمَوَارِيثُهُنّ عَلَي الأَنصَافِ مِن مَوَارِيثِ الرّجَالِ، وَ قَادَهُمَا عُبَيدُ اللّهِ بنُ عَامِرٍ إِلَي البَصرَةِ، وَ ضَمِنَ لَهُمَا الأَموَالَ وَ الرّجَالَ،فَبَينَمَا هُمَا يَقُودَانِهَا إِذ هيَِ تَقُودُهُمَا،فَاتّخَذَاهَا فِئَةً يُقَاتِلَانِ دُونَهَا،فأَيَّ خَطِيئَةٍ أَعظَمُ مِمّا أَتَيَا إِخرَاجِهِمَا زَوجَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن بَيتِهَا،فَكَشَفَا عَنهَا حِجَاباً سَتَرَهُ اللّهُ عَلَيهَا، وَ صَانَا حَلَائِلَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا وَ لَا أَنصَفَا اللّهَ وَ لَا رَسُولَهُ مِن أَنفُسِهِمَا،
صفحه : 18
ثَلَاثُ خِصَالٍ مَرجِعُهَا عَلَي النّاسِ، قَالَ اللّهُ تَعَالَييا أَيّهَا النّاسُ إِنّما بَغيُكُم عَلي أَنفُسِكُم، وَ قَالَفَمَن نَكَثَ فَإِنّما يَنكُثُ عَلي نَفسِهِ، وَ قَالَلا يَحِيقُ المَكرُ السّيّئُ إِلّا بِأَهلِهِفَقَد بَغَيَا عَلَيّ، وَ نَكَثَا بيَعتَيِ، وَ مَكَرَا بيِ،فَمُنِيتُ بِأَطوَعِ النّاسِ فِي النّاسِ عَائِشَةَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ، وَ بِأَشجَعِ النّاسِ الزّبَيرِ، وَ بِأَخصَمِ النّاسِ طَلحَةَ، وَ أَعَانَهُم عَلَيّ يَعلَي بنُ مُنَبّهٍ بِأَصوُعِ الدّنَانِيرِ، وَ اللّهِ لَئِنِ استَقَامَ أمَريِ لَأَجعَلَنّ مَالَهُ فَيئاً لِلمُسلِمِينَ، ثُمّ أَتَوُا البَصرَةَ وَ أَهلُهَا مُجتَمِعُونَ عَلَي بيَعتَيِ وَ طاَعتَيِ، وَ بِهَا شيِعتَيِ خُزّانُ بَيتِ مَالِ اللّهِ وَ مَالِ المُسلِمِينَ،فَدَعَوُا النّاسَ إِلَي معَصيِتَيِ وَ إِلَي نَقضِ بيَعتَيِ،فَمَن أَطَاعَهُم أَكفَرُوهُ، وَ مَن عَصَاهُم قَتَلُوهُ،فَنَاجَزَهُم حَكِيمُ بنُ جَبَلَةَ فَقَتَلُوهَا فِي سَبعِينَ رَجُلًا مِن عُبّادِ أَهلِ البَصرَةِ وَ مُخبِتِيهِم يُسَمّونَ المُثفَنِينَ،كَأَنّ رَاحَ أَكُفّهِم ثَفِنَاتُ الإِبِلِ، وَ أَبَي أَن يُبَايِعَهُم يَزِيدُ بنُ الحَارِثِ اليشَكرُيِّ، فَقَالَ اتّقِيَا اللّهَ إِنّ أَوّلَكُم قَادَنَا إِلَي الجَنّةِ فَلَا يَقُودُنَا آخِرُكُم إِلَي النّارِ، فَلَا تُكَلّفُونَا أَن نُصَدّقَ المدُعّيَِ وَ نقَضيَِ عَلَي الغَائِبِ، أَمّا يمَيِنيِ فَشَغَلَهَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ ببِيَعتَيِ إِيّاهُ، وَ هَذِهِ شمِاَليِ فَارِغَةٌ فَخُذَاهَا إِن شِئتُمَا،فَخُنِقَ حَتّي مَاتَ، وَ قَامَ عَبدُ اللّهِ بنُ حَكِيمٍ التمّيِميِّ فَقَالَ يَا طَلحَةُ هَل تَعرِفُ هَذَا الكِتَابَ قَالَ نَعَم، هَذَا كتِاَبيِ إِلَيكَ. قَالَ هَل تدَريِ مَا فِيهِ قَالَ اقرَأهُ عَلَيّ، فَإِذَا فِيهِ عَيبُ عُثمَانَ وَ دُعَاؤُهُ إِلَي قَتلِهِ،فَسَيّرَهُ مِنَ البَصرَةِ، وَ أَخَذُوا عَلَي عاَملِيِ عُثمَانَ
صفحه : 19
بنِ حُنَيفٍ الأنَصاَريِّ غَدراً فَمَثّلُوا بِهِ كُلّ المُثلَةِ، وَ نَتَفُوا كُلّ شَعرَةٍ فِي رَأسِهِ وَ وَجهِهِ، وَ قَتَلُوا شيِعتَيِ،طَائِفَةً صَبراً، وَ طَائِفَةً غَدراً، وَ طَائِفَةً عَضواً بِأَسيَافِهِم حَتّي لَقُوا اللّهَ،فَوَ اللّهِ لَو لَم يَقتُلُوا مِنهُم إِلّا رَجُلًا وَاحِداً لَحَلّ لِي بِهِ دِمَاؤُهُم وَ دِمَاءُ ذَلِكَ الجَيشِ لِرِضَاهُم بِقَتلِ مَن قُتِلَ،دَع مَعَ أَنّهُم قَد قَتَلُوا أَكثَرَ مِنَ العِدّةِ التّيِ قَد دَخَلُوا بِهَا عَلَيهِم، وَ قَد أَدَالَ اللّهُ مِنهُمفَبُعداً لِلقَومِ الظّالِمِينَ،فَأَمّا طَلحَةُ فَرَمَاهُ مَروَانُ بِسَهمٍ فَقَتَلَهُ، وَ أَمّا الزّبَيرُ فَذَكّرتُهُ قَولَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّكَ تُقَاتِلُ عَلِيّاً( ع ) وَ أَنتَ ظَالِمٌ لَهُ، وَ أَمّا عَائِشَةُ فَإِنّهَا كَانَ نَهَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَن مَسِيرِهَا فَعَضّت يَدَيهَا نَادِمَةً عَلَي مَا كَانَ مِنهَا. وَ قَد كَانَ طَلحَةُ لَمّا نَزَلَ ذَا قَارٍ قَامَ خَطِيباً فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا أَخطَأنَا فِي عُثمَانَ خَطِيئَةً مَا يُخرِجُنَا مِنهَا إِلّا الطّلَبُ بِدَمِهِ، وَ عَلِيّ قَاتِلُهُ، وَ عَلَيهِ دَمُهُ. وَ قَد نَزَلَ دارن مَعَ شُكّاكِ اليَمَنِ وَ نَصَارَي رَبِيعَةَ وَ منُاَفقِيِ مُضَرَ، فَلَمّا بلَغَنَيِ قَولُهُ وَ قَولٌ كَانَ عَنِ الزّبَيرِ فِيهِ،بَعَثتُ إِلَيهِمَا أُنَاشِدُهُمَا بِحَقّ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا أتَيَتمُاَنيِ وَ أَهلُ مِصرَ مُحَاصِرُو عُثمَانَ،فَقُلتُمَا اذهَب بِنَا إِلَي هَذَا الرّجُلِ فَإِنّا لَا نَستَطِيعُ قَتلَهُ إِلّا بِكَ، لِمَا تَعلَمُ أَنّهُ سَيّرَ أَبَا ذَرّ رَحِمَهُ اللّهُ، وَ فَتَقَ عَمّاراً، وَ آوَي الحَكَمَ بنَ أَبِي العَاصِ وَ قَد طَرَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ
صفحه : 20
عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ استَعمَلَ الفَاسِقَ عَلَي كِتَابِ اللّهِ الوَلِيدَ بنَ عُقبَةَ، وَ سَلّطَ خَالِدَ بنَ عُرفُطَةَ العذُريِّ عَلَي كِتَابِ اللّهِ يُمَزّقُ وَ يَخرِقُ،فَقُلتُ كُلّ هَذَا قَد عَلِمتُ وَ لَا أَرَي قَتلَهُ يوَميِ هَذَا، وَ أَوشَكَ سِقَاؤُهُ أَن يُخرِجَ المَخضُ زُبدَتَهُ،فَأَقَرّا بِمَا قُلتُ. وَ أَمّا قَولُكُمَا إِنّكُمَا تَطلُبَانِ بِدَمِ عُثمَانَ فَهَذَانِ ابنَاهُ عَمرٌو وَ سَعِيدٌ فَخَلّوا عَنهُمَا يَطلُبَانِ دَمَ أَبِيهِمَا،مَتَي كَانَت أَسَدٌ وَ تَيمٌ أَولِيَاءُ بنَيِ أُمَيّةَ فَانقَطَعَا عِندَ ذَلِكَ.فَقَامَ عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ الخزُاَعيِّ صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ ألّذِي جَاءَت عَنهُ الأَحَادِيثُ وَ قَالَ يَا هَذَانِ لَا تَخرُجَانِ بِبَيعَتِكُمَا مِن طَاعَةِ عَلِيّ، وَ لَا تَحمِلَانَا عَلَي نَقضِ بَيعَتِهِ،فَإِنّهَا لِلّهِ رِضًا، أَ مَا وَسِعَتكُمَا بُيُوتُكُمَا حَتّي أَتَيتُمَا بِأُمّ المُؤمِنِينَ فَالعَجَبُ لِاختِلَافِهَا إِيّاكُمَا، وَ مَسِيرِهَا مَعَكُمَا،فَكُفّا عَنّا أَنفُسَكُمَا، وَ ارجِعَا مِن حَيثُ جِئتُمَا،فَلَسنَا عَبِيدَ مَن غَلَبَ، وَ لَا أَوّلَ مَن سَبَقَ،فَهَمّا بِهِ ثُمّ كَفّا عَنهُ، وَ كَانَت عَائِشَةُ قَد شَكّت فِي مَسِيرِهَا وَ تَعَاظَمَتِ القِتَالَ،فَدَعَت كَاتِبَهَا عُبَيدَ اللّهِ بنَ كَعبٍ النمّيَريِّ فَقَالَت اكتُب، مِن عَائِشَةَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ هَذَا أَمرٌ لَا يجَريِ بِهِ القَلَمُ،قَالَت وَ لِمَ قَالَ لِأَنّ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ فِي الإِسلَامِ أَوّلٌ، وَ لَهُ بِذَلِكَ البَدَاءُ فِي الكِتَابِ.فَقَالَتِ اكتُب، إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ مِن عَائِشَةَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ، أَمّا بَعدُ فإَنِيّ لَستُ أَجهَلُ قَرَابَتَكَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَا قَدَمَكَ فِي الإِسلَامِ، وَ لَا غِنَاكَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ إِنّمَا خَرَجتُ مُصلِحَةً بَينَ بنَيِّ لَا أُرِيدُ حَربَكَ إِن كَفَفتُ عَن هَذَينِ الرّجُلَينِ .. فِي كَلَامٍ لَهَا كَثِيرٍ،فَلَم أُجِبهَا بِحَرفٍ، وَ أَخّرتُ جَوَابَهَا لِقِتَالِهَا، فَلَمّا قَضَي اللّهُ لِيَ الحُسنَي سِرتُ إِلَي الكُوفَةِ وَ استَخلَفتُ عَبدَ اللّهِ بنَ عَبّاسٍ عَلَي
صفحه : 21
البَصرَةِ،فَقَدِمتُ الكُوفَةَ وَ قَدِ اتّسَقَت لِيَ الوُجُوهُ كُلّهَا إِلّا الشّامُ،فَأَحبَبتُ أَن أَتّخِذَ الحُجّةَ، وَ أقَضيَِ العُذرَ، وَ أَخَذتُ بِقَولِ اللّهِ تَعَالَيوَ إِمّا تَخافَنّ مِن قَومٍ خِيانَةً فَانبِذ إِلَيهِم عَلي سَواءٍ،فَبَعَثتُ جَرِيرَ بنَ عَبدِ اللّهِ إِلَي مُعَاوِيَةَ مُعذِراً إِلَيهِ،مُتّخِذاً لِلحُجّةِ عَلَيهِ،فَرَدّ كتِاَبيِ، وَ جَحَدَ حقَيّ، وَ دَفَعَ بيَعتَيِ، وَ بَعَثَ إلِيَّ أَنِ ابعَث إلِيَّ قَتَلَةَ عُثمَانَ،فَبَعَثتُ إِلَيهِ مَا أَنتَ وَ قَتَلَةُ عُثمَانَ أَولَادُهُ أَولَي بِهِ،فَادخُل أَنتَ وَ هُم فِي طاَعتَيِ ثُمّ خَاصِمُوا إلِيَّ القَومَ لِأَحمِلَكُم وَ إِيّاهُم عَلَي كِتَابِ اللّهِ، وَ إِلّا فَهَذِهِ خُدعَةُ الصبّيِّ عَن رَضَاعِ الملَيِّ، فَلَمّا يَئِسَ مِن هَذَا الأَمرِ بَعَثَ إلِيَّ أَنِ اجعَلِ الشّامَ لِي حَيَاتَكَ، فَإِن حَدَثَ بِكَ حَادِثَةٌ عَنِ المَوتِ لَم يَكُن لِأَحَدٍ عَلَيّ طَاعَةٌ، وَ إِنّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَن يَخلَعَ طاَعتَيِ مِن عُنُقِهِ فَأَبَيتُ عَلَيهِ.فَبَعَثَ إلِيَّ أَنّ أَهلَ الحِجَازِ كَانُوا الحُكّامَ عَلَي أَهلِ الشّامِ فَلَمّا قَتَلُوا عُثمَانَ صَارَ أَهلُ الشّامِ الحُكّامَ عَلَي أَهلِ الحِجَازِ،فَبَعَثتُ إِلَيهِ إِن كُنتَ صَادِقاً فَسَمّ لِي رَجُلًا مِن قُرَيشِ الشّامِ تَحِلّ لَهُ الخِلَافَةُ، وَ يُقبَلُ فِي الشّورَي فَإِن لَم تَجِدهُ سَمّيتُ لَكَ مِن قُرَيشِ الحِجَازِ مَن تَحِلّ لَهُ الخِلَافَةُ، وَ يُقبَلُ فِي الشّورَي، وَ نَظَرتُ إِلَي أَهلِ الشّامِ فَإِذَا هُم بَقِيّةُ الأَحزَابِ فَرَاشُ نَارٍ وَ ذُبَابُ طَمَعٍ تَجمَعُ مِن كُلّ أَوبٍ مِمّن ينَبغَيِ لَهُ أَن يُؤَدّبَ وَ يُحمَلُ عَلَي السّنّةِ،لَيسُوا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ لَا الأَنصَارِ وَ لَا التّابِعِينَ بِإِحسَانٍ،فَدَعَوتُهُم إِلَي الطّاعَةِ وَ الجَمَاعَةِ فَأَبَوا إِلّا فرِاَقيِ وَ شقِاَقيِ، ثُمّ نَهَضُوا فِي وَجهِ المُسلِمِينَ،يَنضَحُونَهُم بِالنّبلِ، وَ يَشجُرُونَهُم بِالرّمَاحِ،فَعِندَ ذَلِكَ نَهَضتُ إِلَيهِم، فَلَمّا عَضّتهُمُ السّلَاحُ، وَ وَجَدُوا أَلَمَ الجِرَاحِ رَفَعُوا المَصَاحِفَ فَدَعَوكُم إِلَي مَا فِيهَا،
صفحه : 22
فَأَنبَأتُكُم أَنّهُم لَيسُوا بِأَهلِ دِينٍ وَ لَا قُرآنٍ وَ إِنّمَا رَفَعُوهَا مَكِيدَةً وَ خَدِيعَةً،فَامضُوا لِقِتَالِهِم،فَقُلتُمُ اقبَل مِنهُم وَ اكففت [اكفُف]عَنهُم،فَإِنّهُم إِن أَجَابُوا إِلَي مَا فِي القُرآنِ جَامَعُونَا عَلَي مَا نَحنُ عَلَيهِ مِنَ الحَقّ،فَقَبِلتُ مِنهُم وَ كَفَفتُ عَنهُم،فَكَانَ الصّلحُ بَينَكُم وَ بَينَهُم عَلَي رَجُلَينِ حَكَمَينِ لِيُحيِيَا مَا أَحيَاهُ القُرآنُ وَ يُمِيتَا مَا أَمَاتَهُ القُرآنُ،فَاختَلَفَ رَأيُهُمَا وَ اختَلَفَ حُكمُهُمَا،فَنَبَذَا مَا فِي الكِتَابِ وَ خَالَفَا مَا فِي القُرآنِ وَ كَانَا أَهلَهُ، ثُمّ إِنّ طَائِفَةً اعتَزَلَت فَتَرَكنَاهُم مَا تَرَكُونَا حَتّي إِذَا عَاثُوا فِي الأَرضِ يُفسِدُونَ وَ يَقتُلُونَ، وَ كَانَ فِيمَن قَتَلُوهُ أَهلُ مِيرَةٍ مِن بنَيِ أَسَدٍ، وَ قَتَلُوا خَبّابَ بنَ الأَرَتّ وَ ابنَهُ وَ أُمّ وَلَدِهِ، وَ الحَارِثَ بنَ مُرّةَ العبَديِّ،فَبَعَثتُ إِلَيهِم دَاعِياً،فَقُلتُ ادفَعُوا إِلَينَا قَتَلَةَ إِخوَانِنَا،فَقَالُوا كُلّنَا قَتَلَتُهُم، ثُمّ شَدّت عَلَينَا خَيلُهُم وَ رِجَالُهُم فَصَرَعَهُمُ اللّهُ مَصَارِعَ الظّالِمِينَ، فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ مِن شَأنِهِم أَمَرتُكُم أَن تَمضُوا مِن فَورِكُم ذَلِكَ إِلَي عَدُوّكُم،فَقُلتُم كَلّت سُيُوفُنَا، وَ نَصَلَت أَسِنّةُ رِمَاحِنَا، وَ عَادَ أَكثَرُهَا قَصِيداً فَأذَن لَنَا فَلنَرجِع وَ لنَقصِد بِأَحسَنِ عُدّتِنَا، وَ إِذَا نَحنُ رَجَعنَا زِدنَا فِي مُقَاتَلَتِنَا عِدّةَ مَن قُتِلَ مِنّا حَتّي إِذَا أَظلَلتُم عَلَي النّخَيلَةِ أَمَرتُكُم أَن تَلزَمُوا مُعَسكَرَكُم، وَ أَن
صفحه : 23
تَضُمّوا إِلَيهِ نَوَاصِيَكُم، وَ أَن تُوَطّنُوا عَلَي الجِهَادِ نُفُوسَكُم، وَ لَا تُكثِرُوا زِيَارَةَ أَبنَائِكُم وَ لَا نِسَائِكُم، فَإِنّ أَصحَابَ الحَربِ مُصَابِرُوهَا وَ أَهلَ التّشهِيرِ فِيهَا، وَ الّذِينَ لَا يَتَوَجّدُونَ مِن سَهَرِ لَيلِهِم، وَ لَا ظَمَإِ نَهَارِهِم، وَ لَا فِقدَانِ أَولَادِهِم وَ لَا نِسَائِهِم، وَ أَقَامَت طَائِفَةٌ مِنكُم مُعَدّةٌ وَ طَائِفَةٌ دَخَلَتِ المِصرَ عَاصِيَةً، فَلَا مَن دَخَلَ المِصرَ عَادَ إلِيَّ، وَ لَا مَن أَقَامَ مِنكُم ثَبَتَ معَيِ وَ لَا صَبَرَ،فَلَقَد رأَيَتنُيِ وَ مَا فِي عسَكرَيِ مِنكُم خَمسُونَ رَجُلًا، فَلَمّا رَأَيتُ مَا أَنتُم عَلَيهِ دَخَلتُ عَلَيكُم فَمَا قُدّرَ لَكُم أَن تَخرُجُوا معَيِ إِلَي يَومِكُم هَذَا،لِلّهِ أَبُوكُم أَ لَا تَرَونَ أَيّ مِصرٍ قَدِ افتُتِحَت وَ أَيّ أَطرَافِكُم قَدِ انتَقَصَت وَ أَيّ مَسَالِحِكُم تُرقَي وَ أَيّ بِلَادِكُم تُغزَي وَ أَنتُم ذَوُو عَدَدٍ جَمّ وَ شَوكَةٍ شَدِيدَةٍ، وَ أُولُو بَأسٍ قَد كَانَ مَخُوفاً،لِلّهِ أَنتُم أَينَ تَذهَبُونَ وَ أَنّي تُؤفَكُونَ.أَلَا إِنّ القَومَ جَدّوا وَ تَآسَوا وَ تَنَاصَرُوا، وَ إِنّكُم أَبَيتُم وَ وَنَيتُم وَ تَخَاذَلتُم
صفحه : 24
وَ تَغَاشَشتُم، مَا أَنتُم إِن بَقِيتُم عَلَي ذَلِكَ سُعَدَاءَ،فَأَنبِهُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ نَائِمَكُم، وَ تَحَرّوا لِحَربِ عَدُوّكُم،فَقَد أَبدَتِ الرّغوَةُ عَنِ الصّرِيحِ، وَ أَضَاءَ الصّبحُ لذِيِ عَينَينِ،فَانتَبِهُوا إِنّمَا تُقَاتِلُونَ الطّلَقَاءَ وَ أَبنَاءَ الطّلَقَاءِ وَ أَهلَ الجَفَاءِ، وَ مَن أَسلَمَ كَرهاً، وَ كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنِفاً، وَ لِلإِسلَامِ كُلّهِ حَرباً،أَعدَاءَ السّنّةِ وَ القُرآنِ، وَ أَهلَ البِدَعِ وَ الأَحدَاثِ، وَ مَن كَانَت نِكَايَتُهُ تُتّقَي وَ كَانَ عَلَي الإِسلَامِ وَ أَهلِهِ مَخُوفاً، وَ أَكَلَةَ الرّشَا، وَ عَبِيدَ الدّنيَا، وَ لَقَد أنُهيَِ إلِيَّ أَنّ ابنَ النّابِغَةِ لَم يُبَايِع مُعَاوِيَةَ حَتّي شَرَطَ لَهُ أَن يُؤتِيَهُ أَتِيّةً هيَِ أَعظَمُ مِمّا فِي يَدَيهِ مِن سُلطَانِهِ،فَصَغُرَت يَدُ هَذَا البَائِعِ دِينَهُ بِالدّنيَا، وَ خَزِيَت أَمَانَةُ هَذَا المشُترَيِ بِنُصرَةِ فَاسِقٍ غَادِرٍ بِأَموَالِ المُسلِمِينَ، وَ أَيّ سَهمٍ لِهَذَا المشُترَيِ وَ قَد شَرِبَ الخَمرَ، وَ ضُرِبَ حَدّاً فِي الإِسلَامِ، وَ كُلّكُم يَعرِفُهُ بِالفَسَادِ فِي الدّنيَا، وَ إِنّ مِنهُم مَن لَم يَدخُل فِي الإِسلَامِ وَ أَهلِهِ حَتّي رُضِخَ لَهُ عَلَيهِ رَضِيخَةٌ،فَهَؤُلَاءِ قَادَةُ القَومِ، وَ مَن تَرَكتُ لَكُم ذِكرَ مَسَاوِيهِ أَكثَرُ وَ أَبوَرُ، وَ أَنتُم تَعرِفُونَهُم بِأَعيَانِهِم وَ أَسمَائِهِم كَانُوا عَلَي الإِسلَامِ ضِدّاً، وَ لنِبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَرباً، وَ لِلشّيطَانِ حِزباً، لَم يَتَقَدّم إِيمَانُهُم، وَ لَم يَحدُث نِفَاقُهُم، وَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ لَو وُلّوا عَلَيكُم لَأَظهَرُوا فِيكُمُ الفَخرَ وَ التّكَبّرَ وَ التّسَلّطَ بِالجَبَرِيّةِ وَ الفَسَادِ فِي الأَرضِ، وَ أَنتُم عَلَي مَا كَانَ مِنكُم مِن تَوَاكُلٍ وَ تَخَاذُلٍ خَيرٌ مِنهُم وَ أَهدَي سَبِيلًا،مِنكُمُ الفُقَهَاءُ وَ العُلَمَاءُ وَ الفُهَمَاءُ وَ حَمَلَةُ الكِتَابِ وَ المُتَهَجّدُونَ بِالأَسحَارِ، أَ لَا تَسخَطُونَ وَ تَنقِمُونَ أَن يُنَازِعَكُمُ الوَلَايَةَ السّفَهَاءُ البُطَاةُ عَنِ الإِسلَامِ
صفحه : 25
الجُفَاةُ فِيهِ اسمَعُوا قوَليِ يَهدِكُمُ اللّهُ إِذَا قُلتُ، وَ أَطِيعُوا أمَريِ إِذَا أَمَرتُ،فَوَ اللّهِ لَئِن أطَعَتمُوُنيِ لَا تَغوَوا، وَ إِن عصَيَتمُوُنيِ لَا تَرشُدُوا، قَالَ اللّهُ تَعَالَيأَ فَمَن يهَديِ إِلَي الحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لا يهَدِيّ إِلّا أَن يُهدي فَما لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ، وَ قَالَ اللّهُ تَعَالَي لِنَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِإِنّما أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلّ قَومٍ هادٍ،فاَلهاَديِ مِن بَعدِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ هَادٍ لِأُمّتِهِ عَلَي مَا كَانَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَمَن عَسَي أَن يَكُونَ الهاَديَِ إِلّا ألّذِي دَعَاكُم إِلَي الحَقّ وَ قَادَكُم إِلَي الهُدَي،خُذُوا لِلحَربِ أُهبَتَهَا، وَ أَعِدّوا لَهَا عُدّتَهَا،فَقَد شُبّت وَ أُوقِدَت نَارُهَا، وَ تَجَرّدَ لَكُمُ الفَاسِقُونَ لِكَيلَا يُطفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفوَاهِهِم وَ يَغزُوا عِبَادَ اللّهِ،أَلَا إِنّهُ لَيسَ أَولِيَاءُ الشّيطَانِ مِن أَهلِ الطّمَعِ وَ الجَفَاءِ أَولَي بِالحَقّ مِن أَهلِ البِرّ وَ الإخباث فِي طَاعَةِ رَبّهِم وَ مُنَاصَحَةِ إِمَامِهِم،إنِيّ وَ اللّهِ لَو لَقِيتُهُم وحَديِ وَ هُم أَهلُ الأَرضِ مَا استَوحَشتُ مِنهُم وَ لَا بَالَيتُ، وَ لَكِن أَسَفٌ يرَيِنيِ، وَ جَزَعٌ يعَترَيِنيِ مِن أَن يلَيَِ هَذِهِ الأُمّةَ فُجّارُهَا وَ سُفَهَاؤُهَا فَيَتّخِذُونَ مَالَ اللّهِ دُوَلًا، وَ كِتَابَ اللّهِ دَغَلًا، وَ الفَاسِقِينَ حِزباً، وَ الصّالِحِينَ حَرباً، وَ ايمُ اللّهِ لَو لَا ذَلِكَ مَا أَكثَرتُ تَأنِيبَكُم وَ تَحرِيصَهُم، وَ تَرَكتُكُم إِذَا أَبَيتُم حَتّي أَلقَاهُم مَتَي حُمّ لِي لِقَاؤُهُم،
صفحه : 26
فَوَ اللّهِ إنِيّ لَعَلَي الحَقّ، وَ إنِنّيِ لِلشّهَادَةِ لَمُحِبّ، وَ إنِيّ إِلَي لِقَاءِ اللّهِ ربَيّ لَمُشتَاقٌ، وَ لِحُسنِ ثَوَابِهِ مُنتَظِرٌ،إنِيّ نَافَرتُكُم فَانفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَموالِكُم وَ أَنفُسِكُم فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لَا تَثّاقَلُوا فِي الأَرضِ فَتَعمَوا بِالذّلّ، وَ تُقِرّوا بِالخَسفِ، وَ يَكُونَ نَصِيبُكُمُ الأَخسَرَ، إِنّ أَخَا الحَربِ اليَقظَانَ الأَرِقَ إِن نَامَ لَم تَنَم عَينُهُ، وَ مَن ضَعُفَ أوُذيَِ، وَ مَن كَرِهَ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَانَ المَغبُونَ المَهِينَ،إنِيّ لَكُمُ اليَومَ عَلَي مَا كُنتُ عَلَيهِ أَمسِ وَ لَستُم لِي عَلَي مَا كُنتُم عَلَيهِ، مَن تَكُونُوا نَاصِرِيهِ أَخَذَ بِالسّهمِ الأَخيَبِ، وَ اللّهِ لَو نَصَرتُمُ اللّهَ لَنَصَرَكُم وَ ثَبّتَ أَقدَامَكُم،إِنّهُ حَقّ عَلَي اللّهِ أَن يَنصُرَ مَن نَصَرَهُ وَ يَخذُلَ مَن خَذَلَهُ، أَ تَرَونَ الغَلَبَةَ لِمَن صَبَرَ بِغَيرِ نَصرٍ وَ قَد يَكُونُ الصّبرُ جُبناً وَ يَكُونُ حَمِيّةً، وَ إِنّمَا الصّبرُ بِالنّصرِ وَ الوُرُودُ بِالصّدرِ، وَ البَرقُ بِالمَطَرِ. أللّهُمّ اجمَعنَا وَ إِيّاهُم عَلَي الهُدَي، وَ زَهّدنَا وَ إِيّاهُم فِي الدّنيَا، وَ اجعَلِ الآخِرَةَ خَيراً لَنَا مِنَ الأُولَي.
تبيين الشّغبُ بالتّسكين تهييجُ الشّرّ.
صفحه : 27
و قال الجوهري العِلهِزُ بالكسر طعامٌ كانوا يَتّخِذُونَهُ مِنَ الدّمِ ووَبَرِ البعيرِ فِي سنِيِ المَجَاعَةِ. و قال الهَبِيدُ حَبّ الحَنظَلِ. والجَشِبُ بكسر الشّين الغَلِيظُ. والآجِنُ المُتَغَيّرُ. والرّوعُ بالضم القَلبُ والعقلُ، ولعلّه كناية عن أنّه لم يكن مظنّة أن يفعلوا ذلك لمااجتمع له من النصوص والفواضل والسوابق ،لأنّه عليه السلام كان يعلم وقوع تلك الأمور ويخبر بهاقبل وقوعها. ويقال خَزَمتُ البعيرَ بِالخِزَامَةِ وهي حلقةٌ من شعرٍ تُجعَلُ في وَترَةِ أَنفِهِ يُشَدّ فيهاالزّمَامُ ويقال لكلّ مثقوبٍ مخزومٌ،ذكره الجوهري. و قال انثَالَ عليه النّاسُ من كُلّ وجهٍ انصَبّوا. قوله عليه السلام وظننت .. أي علمت ، كماورد كثيرا في الآيات بهذا المعني ، أوالمعني إنيّ ظننت أنّ الناس يرونني أولي وأحقّ ويعاونونني علي
صفحه : 28
منازعتهم . و قوله عليه السلام تقارب .. أي لم يبالغ في معاندة الحقّ بعدغصب الخلافة حيلة وخديعة،لأنّه كان يستقبل تارة ويعتذر إليه عليه السلام أخري ، ويرجع إليه في الأمور ليتمشّي أمره ، ويظهر للناس أنّه إنّما ولي الأمر لصلاح المسلمين . قال في النهاية فيه سَدّدُوا وقَارِبُوا .. أي اقتصدوا في الأمور كلّها، واترُكُوا الغُلُوّ فيها والتّقصيرَ،يقال قَارَبَ فلانٌ في أُمُورِهِ إذااقتَصَدَ. قوله عليه السّلام لو لاخاصّة .. أي محبّة أوخلطة خاصّة. والتّحرِيشُ الإِغرَاءُ بَينَ القومِ. و هذاالخبر يدلّ علي أنّ خولة إنّما سبيت في حياة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله فلاتبقي للمخالفين فيهاشبهة، و قدمرّ الكلام فيه وسيأتي. والنعّيُ خَبَرُ المَوتِ. و قوله عليه السّلام لَا عَلَا كَعبُهَا .. جملة دعائيّة. قال في النهاية .. فِي حَدِيثِ قَيلَةَ و اللّه لايزال كَعبُكَ عالياً .. هودعاءٌ لَهَا بالشّرفِ والعُلُوّ. قوله عليه السلام وأَضَاعُوا أيَاّميِ .. أي ضيّعوا و لم يلتفتوا إلي أياّمي المشهورة التي نصرتُ فيهاالدين ووقيت فيهاالمسلمين ، و في بعض النسخ
صفحه : 29
بالذال المعجمة مِنَ الإِذَاعَةِ بمعني الإفشاءِ،فالمراد بالأيّام أيّام مظلوميّته عليه السلام ، ولعلّه تصحيف ، والظاهر واكفئوا إنائي أوأصغوا إنائي كمامرّ. قوله عليه السلام فكأنّه علم .. إشارة إلي ماذكره تعالي في قصّة فرعون إنّه قال لموسي عليه السلام فَما بالُ القُرُونِ الأُولي، والمشهور في تفسيره أنّه سئل عن حالهم بعدموتهم من السعادة والشقاوة، فقال موسي عِلمُها عِندَ ربَيّ فِي كِتابٍ لا يَضِلّ ربَيّ وَ لا يَنسي أي إنّه غيب لايعلمه إلّا اللّه، وإنّما أنا عبدملك لاأعلم منه إلّا ماأخبرني به ،فمراده عليه السلام هنا أنّ أمر عثمان في الآخرة و ماترتّب علي أعماله الشنيعة في علمه تعالي و هوأعلم بذلك ، وإنّما عبّر كذلك للمصلحة، أوالمعني أنّ أمره كان شبيها بأمور وقعت علي القرون الأولي كقارون . قوله عليه السلام لاينفع فيه العيان .. لعلّ المعني أنّ أمره كان أمرا مشتبها علي من عاين الأمر و علي من سمع الخبر فلايدري كيف وقع ، أواشتبه علي أكثر الناس إنّه هل كان قتله حقّا أوباطلا. والثّلمَةُ بالضم الخَلَلُ في الحائط وغيره . قوله عليه السّلام فئة يقاتلان دونها .. لعلّ المراد بهاهنا المرجع ، مِن فَاءَ إِذَا رَجَعَ، و لايبعد أن يكون قُبّة بالقاف والباء الموحّدة المشدّدة أوبالقاف
صفحه : 30
والنون المشدّدة وهي بالضم الجَبَلُ الصّغيرُ وقُلّةُ الجبلِ، والمنفردُ المستطيلُ في السّماء أوالجَبَلُ السّهلُ المسُتوَيِ المنبسطُ علي الأرضِ. و قوله عليه السلام ثلاث خصال .. استئناف كلام . قوله عليه السلام بأطوع الناس .. أي إنّها لقلّة عقلها كانت تطيع الناس في كلّ باطل ، أو علي بناء المفعول .. أي كان الناس يطيعونها في كلّ ماتريد، والأول أظهر لفظا، والثاني معني . والأنجع الأنفع ، و ألذي أثر كلامه أكثر، أوتدبيره أوفر، قال في القاموس نَجَعَ الطّعامُ كَمَنَعَ نُجُوعاً هَنَأَ أَكلُهُ، والعَلَفُ في الدّابّةِ والوَعظُ والخطابُ فيه دخل فَأَثّرَ كَأَنجَعَ .. وانتَجَعَ طَلَبَ الكلأَ في موضعه ، وفلاناً أتاه طالبا معروفه ، و في بعض النسخ وبأشجع الناس . والمُنَاجَزَةُ في الحَربِ المُبَادَرَةُ والمُقَاتَلَةُ. والرّاحُ جمعُ الرّاحَةِ وهي الكَفّ، ولعلّ المراد بهاهنا بطونها. والثّفِنَةُ بكسر الفاء واحدة ثَفِنَات البعيرِ وهي مايَقَعُ علي الأرض من أعضائه إذااستناخ وغَلُظَ كالرّكبَتَينِ وغيرِهِمَا. قوله عليه السلام الفاسق علي كتاب اللّه .. أي ألذي سمّاه اللّه في كتابه
صفحه : 31
فاسقا، في قوله تعالي أَ فَمَن كانَ مُؤمِناً كَمَن كانَ فاسِقاً .. كمامرّ مرارا. وعُرفُطَة بضم العين وسكون الراء وضم الفاء. والعذري .. نسبة إلي جدّته العليا عذرة بن سعد. قوله عليه السلام وأوشك سقاءه .. لعلّه مثل . والمَخضُ تحريكُ السّقاء ألّذي فيه اللّبن ليخرج ما فيه من الزّبد، والمعني أنّه يفعل بنفسه مايحصل به المقصود، أويفعل هؤلاء فيه مايغني عن فعل غيرهم .قولها و لاقَدَمَكَ .. أي تَقَدّمَكَ في الإِسلامِ وسَبقَكَ،ذكره الجزري. والغَنَا بالفتح النّفعُ ويقال مايغُنيِ عنك هذا.. أي مايجدي عنك و ماينفعك . و في بعض النسخ بالعين المهملة و هوالتعب ، والأوّل أظهر. قوله تعالي مِن قَومٍ.. أي معاهدين خِيانَةً.. أي نقض عهد بأمارات تلوح لك فَانبِذ إِلَيهِم.. أي فاطرح إليهم عهدهم عَلي سَواءٍ.. أي علي عدل وطريق قصد في العداوة، و لاتناجزهم الحرب فإنّه يكون خيانة منك ، أو علي سواء في الخوف أوالعلم بنقض العهد، و هو في موضع الحال من النابذ علي الوجه الأول .. أي ثابتا علي طريق سوي، أو من المنبوذ إليهم ، أو
صفحه : 32
منهما علي غيره ،ذكره البيضاوي. قوله عليه السلام عن رضاع الملي .. في الروايات الأخر خدع الصبيّ عن اللبن ، ولعلّه هنا عن الرضاع الملي .. أي عن رضاع يتملأ الصبيّ منه ، ولعلّه علي ما في النسخ المراد به رضاع اللبن الملي، أوالطفل الملي. والفَراش بالفتح الطّيرُ ألّذي يلُقيِ نَفسَهُ في ضَوءِ السّرَاجِ. قوله عليه السلام مِن كُلّ أَوبٍ .. أي مِن جِهَةٍ، و في بعض النسخ أَدَبٍ بالدال المهملة و هوالظّرفُ. و قال الفيروزآبادي نَضَحَ فُلَاناً بِالنّبلِ رَمَاهُ، و قال شَجَرَهُ بِالرّمحِ طَعَنَهُ. قوله عليه السلام وَ كَانَا أَهلَهُ .. أي كانا أهلًا لمخالفة القرآن ، و لم يكن مستبعدا منهما. وعَثَا يَعثُو عَثواً أَفسَدَ. و قال في النهاية يُقَالُ نَصَلَ السّهمُ إِذَا خَرَجَ مِنهُ النّصلُ، ونَصَلَ أيضا إِذَا ثَبَتَ نَصلُهُ في الشيّءِ .. فَهُوَ مِنَ الأَضدَادِ.
صفحه : 33
قوله عليه السلام وَ عَادَ أَكثَرُهَا قَصداً .. قال في القاموس رُمحٌ قَصِدٌ كَكَتِفٍ وقَصِيدٌ وأَقصَادٌ مُتَكَسّرٌ انتهي . و في بعض النسخ وعَادَ أَكثَرُنَا قَعِيداً .. أي قاعداً عن الحرب عاجزاً، والقَعِيدُ الجَرَادُ لَم يَستَوِ جَنَاحُهُ، ولعلّه تصحيف . قوله عليه السلام ظَلّلتُم علي النخيلة .. علي بناء التفعيل ، و في بعض النسخ علي الإفعال .. أي أشرفتم ،يقال أَظَلّكَ فُلَانٌ إذادَنَا منك كأنّه أَلقَي عليك ظِلّهُ فَضُمّنَ معني الإشراف ، ويقال ظَلِلتُ أَعمَلُ كذا بالكسر إذاعملته بالنّهار،فيمكن أن يقرأ علي بناء المجرّد،لكن فيه تكلّف. قوله عليه السلام نواصيكم .. أي تطيعوا إمامكم في لزوم معسكركم ، فإنّ الأخذ بالناصية كناية عن الإطاعة، و في بعض النسخ قواصيكم .. أي تدعوا إلي حضور معسكركم الفرق القاصية البعيدة عنكم ، ولعلّه أظهر. قوله عليه السلام و إلي مصالحكم تُرقَي .. أي تُصعَدُ وترفع من بينكم ، أو من المهموز مِن رَقَأَ الدّمعُ إِذَا سَكَنَ، و لايبعد أن يكون بالزاء مهموزا من الرزء بمعني النّقص فَخُفّفَ، و في بعض النسخ إلي مَسَالِحِكُم بالسين .. أي ثُغُورِكُم و هوالصواب .. أي يرقي العدوّ عليها.
صفحه : 34
قوله عليه السلام تَآسَوا .. أي اقتَدَي بَعضُهُم بِبَعضٍ في التّعَاوُنِ والجِدّ، و في بعض النسخ بَؤُسُوا بضم الهمزة من البَأسِ بمعني الشّدّةِ في الحربِ. قوله عليه السلام فَقَد أَبدَتِ الرغوة .. هذامَثَلٌ سائرٌ يُضرَبُ لِظُهُورِ الحقّ.
صفحه : 35
قال الزمخشري في المُستَقصَي أَبدَي الصّرِيحُ عَنِ الرّغوَةِ هذا من مقلوب الكلام ، وأصله أَبدَتِ الرّغوَةُ عن الصّريحِ،كقوله وتحتَ الرّغوَةِ اللّبَنُ الصريحُ. قال عُبَيدُ اللّه بنُ زيادٍ لِهَانِئِ بنِ عُروَةَ حين سَأَلَ عن مسلم بن عقيل و كان متوارياً عنه فَجَحَدَ ثمّ أَقَرّ،يُضرَبُ في ظهور كَامِنِ الأَمرِ. قوله أَنِفاً كَكَتِف أوكَصَاحِب ولعلّه من الأَنَفَةِ بمعني الاستنكاف والتّكبّر، والأظهر أَلباً باللام والباء بقرينة حَرباً،يقال هم عليه ألب بالفتح والكسر أي مجتمعون عليه بالظّلم والعداوة، والتّأليب التّحريص والإفساد، والأَلبُ بالفتح التّدبير علي العدوّ من حيث لايعلم والطّرد الشّديد، والأَلبُ والحربُ كثيراً مايُذكَرَانِ معاً، و علي التقديرين لابدّ من تجوز في اللام . و قال الجوهري شَبَبتُ النّارَ والحربَ أَشُبّهَا شَبّاً وشُبُوباً إذاأَوقَدتُهُمَا. قوله عليه السلام ولكن أسفٌ يبَريِنيِ .. أي يهَزلُنُيِ، مِن بَرَيتُ السّهمَ أوينَبرَيِنيِ مِن انبَرَي لَهُ أي اعتَرَضَ، أويرَيِنيِ مِن وَرَي القَيحُ جَوفَهُ أَفسَدَهُ، وفلانٌ فلاناً أَصَابَ رِئَتَهُ، أويرُيِبنُيِ مِن أَربَيتُهُ .. أي زِدتُهُ يعني يزيدني همّا،
صفحه : 36
وكانت نسخ المنقول منه تحتمل الجميع . والدّوَلُ جمع دُولَةٍ بالضم هو مايُتَدَاوَلُ من المالِ،فيكون لقوم دون قوم . و كتاب اللّه دَغَلًا .. أي يخدعون النّاس به . والدّغَلُ بالتحريك الفساد والشّرّ والمَكرُ. وحُمّ لَهُ كذا علي المجهول قُدّرَ. والخَسفُ الذّلّ والمَشَقّةُ والنّقصانُ. والأَرَقُ السّهَرُ، و قَد أَرِقتُ بالكسر .. أي سَهَرتُ .. فَأَنَا أَرِقٌ،ذكره الجوهري. قوله بغير نصر .. أي من اللّه تعالي ،فينبغي أن يكون الصبر للّه تعالي ، فإنّ الصبر قد يكون لأجل الجبن عن الفرار وللحميّة، ويمكن أن يقرأ بالبصر بالباء .. أي بالعلم أوالبصيرة. قوله عليه السلام وإنّما الصبر بالنصر .. أي ماقرن الصبر إلّا بالنصر، و في بعض النسخ بالعكس ، و هوظاهر. ويؤيّد الأول الفقرتان اللّتان بعدهما، فإنّ المراد بهما أنّ الورود علي الماء مقرون بالصدور. والصّدرُ بالفتح الرّجُوعُ،
صفحه : 37
وبالتّحريك الاسمُ مِنهُ. والبرق مقرون بالمطر .. ويمكن أن يقرأ بالبصر هنا أيضا بالباء،فتفطّن. و قدمرّ تفسير بعض الفقرات وسيأتي شرح بعضها فيما نقلناه وسننقل من خطبه عليه السلام .
2- وَ رَوَي السّيّدُ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ فِي الكِتَابِ المَذكُورِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَعقُوبَ الكلُيَنيِّ مِمّا رَوَاهُ فِي كِتَابِ الرّسَائِلِ، عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ وَ مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ وَ غَيرِهِمَا، عَن سَهلِ بنِ زِيَادٍ، عَنِ العَبّاسِ بنِ عِمرَانَ، عَن مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ الوَلِيدِ الصيّرفَيِّ، عَنِ المُفَضّلِ، عَن سِنَانِ بنِ ظَرِيفٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَكتُبُ بِهَذِهِ الخُطبَةِ إِلَي أَكَابِرِ أَصحَابِهِ، وَ فِيهَا كَلَامٌ عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ.بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ، إِلَي المُقَرّبِينَ فِي الأَظِلّةِ،المُمتَحَنِينَ بِالبَلِيّةِ،المُسَارِعِينَ فِي الطّاعَةِ،المُنشَئِينَ فِي الكَرّةِ،تَحِيّةٌ مِنّا إِلَيكُم،سَلَامٌ عَلَيكُم، أَمّا بَعدُ فَإِنّ نُورَ البَصِيرَةِ رُوحُ الحَيَاةِ ألّذِي لَا يَنفَعُ إِيمَانٌ إِلّا بِهِ مَعَ اتّبَاعِ كَلِمَةِ اللّهِ وَ التّصدِيقِ بِهَا،فَالكَلِمَةُ مِنَ الرّوحِ، وَ الرّوحُ مِنَ النّورِ، وَ النّورُ نُورُ السّمَاوَاتِ وَ الأَرضِ،فَبِأَيدِيكُم سَبَبٌ وَصَلَ إِلَيكُم مِنّا نِعمَةٌ مِنَ اللّهِ لَا تَعقِلُونَ شُكرَهَا،
صفحه : 38
خَصّكُم بِهَا وَ استَخلَصَكُم لَهَاوَ تِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَ ما يَعقِلُها إِلّا العالِمُونَ إِنّ اللّهَ عَهِدَ أَن لَن يَحِلّ عَقدَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ،فَتَسَارَعُوا إِلَي وَفَاءِ العَهدِ، وَ امكُثُوا فِي طَلَبِ الفَضلِ، فَإِنّ الدّنيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأكُلُ مِنهَا البَرّ وَ الفَاجِرُ، وَ إِنّ الآخِرَةَ وَعدٌ صَادِقٌ يقَضيِ فِيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ،أَلَا وَ إِنّ الأَمرَ كَمَا قَد وَقَعَ لِسَبعٍ بَقِينَ مِن صَفَرٍ،تَسِيرُ فِيهَا الجُنُودُ،يَهلِكُ فِيهَا البَطَلُ الجَحُودُ،خُيُولُهَا عِرَابٌ، وَ فُرسَانُهَا حِرَابٌ، وَ نَحنُ بِذَلِكَ وَاقِفُونَ، وَ لِمَا ذَكَرنَا مُنتَظِرُونَ انتِظَارَ المُجدِبِ المَطَرَ لِيَنبُتَ العُشبُ، وَ يجَنيِ الثّمَرَ،دعَاَنيِ إِلَي الكِتَابِ إِلَيكُمُ استِنقَاذُكُم مِنَ العَمَي، وَ إِرشَادُكُم بَابَ الهُدَي،فَاسلُكُوا سَبِيلَ السّلَامَةِ،فَإِنّهَا جِمَاعُ الكَرَامَةِ،اصطَفَي اللّهُ مَنهَجَهُ، وَ بَيّنَ حُجَجَهُ، وَ أَرّفَ أُرَفَهُ، وَ وَصَفَهُ وَحدَهُ وَ جَعَلَهُ نَصّاً كَمَا وَصَفَهُ، إِنّ العَبدَ إِذَا أُدخِلَ حُفرَتَهُ يَأتِيهِ مَلَكَانِ أَحَدُهُمَا مُنكَرٌ
صفحه : 39
وَ الآخَرُ نَكِيرٌ،فَأَوّلُ مَا يَسأَلَانِهِ عَن رَبّهِ، وَ عَن نَبِيّهِ، وَ عَن وَلِيّهِ، فَإِن أَجَابَ نَجَا وَ إِن تَحَيّرَ عَذّبَاهُ. فَقَالَ قَائِلٌ فَمَا حَالُ مَن عَرَفَ رَبّهُ، وَ عَرَفَ نَبِيّهُ، وَ لَم يَعرِف وَلِيّهُ. فَقَالَ ذَلِكَ مُذَبذَبٌ لَا إِلَي هَؤُلَاءِ وَ لَا إِلَي هَؤُلَاءِ.قِيلَ فَمَنِ الولَيِّ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ). فَقَالَ وَلِيّكُم فِي هَذَا الزّمَانِ أَنَا، وَ مِن بعَديِ وصَيِيّ، وَ مِن بَعدِ وصَيِيّ لِكُلّ زَمَانٍ حُجَجُ اللّهِ كَيمَا تَقُولُوا كَمَا قَالَ الضّلّالُ قَبلَكُم حَيثُ فَارَقَهُم نَبِيّهُمرَبّنا لَو لا أَرسَلتَ إِلَينا رَسُولًا فَنَتّبِعَ آياتِكَ مِن قَبلِ أَن نَذِلّ وَ نَخزي، وَ إِنّمَا كَانَ تَمَامُ ضَلَالَتِهِم جَهَالَتَهُم بِالآيَاتِ وَ هُمُ الأَوصِيَاءُ فَأَجَابَهُمُ اللّهُقُل كُلّ مُتَرَبّصٌ فَتَرَبّصُوا فَسَتَعلَمُونَ مَن أَصحابُ الصّراطِ السوّيِّ وَ مَنِ اهتَدي وَ إِنّمَا كَانَ تَرَبّصَهُم أَن قَالُوا نَحنُ فِي سَعَةٍ عَن مَعرِفَةِ الأَوصِيَاءِ حَتّي يُعلِنَ إِمَامٌ عِلمَهُ،فَالأَوصِيَاءُ قِوَامٌ عَلَيكُم بَينَ الجَنّةِ وَ النّارِ، لَا يَدخُلُ الجَنّةَ إِلّا مَن عَرَفَهُم وَ عَرَفُوهُ، وَ لَا يَدخُلُ النّارَ إِلّا مَن أَنكَرَهُم وَ أَنكَرُوهُ،لِأَنّهُم عُرَفَاءُ العِبَادِ عَرّفَهُمُ اللّهُ إِيّاهُم عِندَ أَخذِ المَوَاثِيقِ عَلَيهِم بِالطّاعَةِ لَهُم،فَوَصَفَهُم فِي كِتَابِهِ فَقَالَ جَلّ وَ عَزّوَ عَلَي الأَعرافِ رِجالٌ يَعرِفُونَ كُلّا بِسِيماهُم وَ هُمُ الشّهَدَاءُ عَلَي النّاسِ، وَ النّبِيّونَ شُهَدَاءُ لَهُم بِأَخذِهِ لَهُم مَوَاثِيقَ العِبَادِ بِالطّاعَةِ، وَ ذَلِكَ قَولُهُفَكَيفَ إِذا جِئنا مِن كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئنا بِكَ عَلي هؤُلاءِ شَهِيداً يَومَئِذٍ يَوَدّ الّذِينَ
صفحه : 40
كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرّسُولَ لَو تُسَوّي بِهِمُ الأَرضُ وَ لا يَكتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً. وَ كَذَلِكَ أَوحَي اللّهُ إِلَي آدَمَ أَن يَا آدَمُ قَدِ انقَضَت مُدّتُكَ، وَ قُضِيَت نُبُوّتُكَ، وَ استَكمَلَت أَيّامُكَ، وَ حَضَرَ أَجَلُكَ،فَخُذِ النّبُوّةَ وَ مِيرَاثَ النّبُوّةِ وَ اسمَ اللّهِ الأَكبَرَ فَادفَعهُ إِلَي ابنِكَ هِبَةِ اللّهِ،فإَنِيّ لَم أَدَعِ الأَرضَ بِغَيرِ عَلَمٍ يُعرَفُ،فَلَم تَزَلِ الأَنبِيَاءُ وَ الأَوصِيَاءُ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ حَتّي انتَهَي الأَمرُ إلِيَّ، وَ أَنَا أَدفَعُ ذَلِكَ إِلَي عَلِيّ وصَيِيّ، وَ هُوَ منِيّ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي، وَ إِنّ عَلِيّاً يُورَثُ وُلدُهُ حَيّهُم عَن مَيّتِهِم،فَمَن سَرّهُ أَن يَدخُلَ جَنّةَ رَبّهِ فَليَتَوَلّ عَلِيّاً وَ الأَوصِيَاءَ مِن بَعدِهِ، وَ ليُسلِم لِفَضلِهِم،فَإِنّهُمُ الهُدَاةُ بعَديِ،أَعطَاهُمُ اللّهُ فهَميِ وَ علِميِ،فَهُم عتِرتَيِ مِن لحَميِ وَ دمَيِ،أَشكُو إِلَي اللّهِ عَدُوّهُم وَ المُنكِرَ لَهُم فَضلَهُم، وَ القَاطِعَ عَنهُم صلِتَيِ،فَنَحنُ أَهلَ البَيتِ شَجَرَةُ النّبُوّةِ وَ مَعدِنُ الرّحمَةِ وَ مُختَلَفُ المَلَائِكَةِ، وَ مَوضِعُ الرّسَالَةِ،فَمَثَلُ أَهلِ بيَتيِ فِي هَذِهِ الأُمّةِ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ( ع ) مَن رَكِبَهَا نَجَا وَ مَن تَخَلّفَ عَنهَا هَلَكَ، وَ مَثَلِ بَابِ حِطّةٍ فِي بنَيِ إِسرَائِيلَ مَن دَخَلَهُ غُفِرَ لَهُ،فَأَيّمَا رَايَةٍ خَرَجَت لَيسَت مِن أَهلِ بيَتيِ فهَيَِ الدّجّالِيّةُ، إِنّ اللّهَ اختَارَ لِدِينِهِ أَقوَاماً انتَجَبَهُم لِلقِيَامِ عَلَيهِ وَ النّصرِ لَهُ،طَهّرَهُم بِكَلِمَةِ الإِسلَامِ، وَ أَوحَي إِلَيهِم مُفتَرَضَ القُرآنِ، وَ العَمَلَ بِطَاعَتِهِ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَ مَغَارِبِهَا، إِنّ اللّهَ خَصّكُم بِالإِسلَامِ، وَ استَخلَصَكُم لَهُ، وَ ذَلِكَ لِأَنّهُ أَمتَعُ سَلَامَةٍ، وَ أَجمَعُ كَرَامَةٍ،اصطَفَي اللّهُ مَنهَجَهُ،
صفحه : 41
وَ وَصَفَهُ وَ وَصَفَ أَخلَاقَهُ، وَ وَصَلَ أَطنَابَهُ مِن ظَاهِرِ عِلمٍ وَ بَاطِنِ حُكمٍ،ذيِ حَلَاوَةٍ وَ مَرَارَةٍ،فَمَن طَهّرَ بَاطِنَهُ رَأَي عَجَائِبَ مَنَاظِرِهِ فِي مَوَارِدِهِ وَ مَصَادِرِهِ، وَ مَن فَطَنَ لِمَا بَطَنَ رَأَي مَكنُونَ الفِطَنِ وَ عَجَائِبَ الأَمثَالِ وَ السّنَنِ،فَظَاهِرُهُ أَنِيقٌ، وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ، وَ لَا تَفنَي غَرَائِبُهُ، وَ لَا تنَقضَيِ عَجَائِبُهُ، فِيهِ مَفَاتِيحُ الكَلَامِ، وَ مَصَابِيحُ الظّلَامِ، لَا يُفتَحُ الخَيرَاتُ إِلّا بِمَفَاتِحِهِ، وَ لَا تُكشَفُ الظّلُمَاتُ إِلّا بِمَصَابِيحِهِ، فِيهِ تَفصِيلٌ وَ تَوصِيلٌ، وَ بَيَانُ الِاسمَينِ الأَعلَينِ اللّذَينِ جُمِعَا فَاجتَمَعَا، لَا يَصلُحَانِ إِلّا مَعاً،يُسَمّيَانِ فَيَفتَرِقَانِ، وَ يُوصَلَانِ فَيَجتَمِعَانِ،تَمَامُهُمَا فِي تَمَامِ أَحَدِهِمَا،حَوَالَيهَا نُجُومٌ، وَ عَلَي نُجُومِهَا نُجُومٌ،ليِحَميَِ حَمَاهُ، وَ يَرعَي مَرعَاهُ، وَ فِي القُرآنِ تِبيَانُهُ وَ بَيَانُهُ وَ حُدُودُهُ وَ أَركَانُهُ، وَ مَوَاضِعُ مَقَادِيرِهِ، وَ وَزنُ مِيزَانِهِ،مِيزَانِ العَدلِ، وَ حُكمِ الفَصلِ، إِنّ دُعَاةَ الدّينِ فَرّقُوا بَينَ الشّكّ وَ اليَقِينِ، وَ جَاءُوا بِالحَقّ،بَنَوا لِلإِسلَامِ بُنيَاناً فَأَسّسُوا لَهُ أَسَاساً وَ أَركَاناً، وَ جَاءُوا عَلَي ذَلِكَ شُهُوداً بِعَلَامَاتٍ وَ أَمَارَاتٍ، فِيهَا كفَيُ المكُتَفَيِ، وَ شِفَاءُ المشُتفَيِ،يَحمَونَ حَمَاهُ، وَ يَرعَونَ مَرعَاهُ، وَ يَصُونُونَ مَصُونَهُ، وَ يُفَجّرُونَ عُيُونَهُ،بِحُبّ اللّهِ وَ بِرّهِ وَ تَعظِيمِ أَمرِهِ وَ ذِكرِهِ بِمَا يُحِبّ أَن يُذكَرَ بِهِ،يَتَوَاصَلُونَ بِالوِلَايَةِ، وَ يَتَنَازَعُونَ بِحُسنِ الرّعَايَةِ،
صفحه : 42
وَ يَتَسَاقَونَ بِكَأسٍ رَوِيّةٍ، وَ يَتَلَاقَونَ بِحُسنِ التّحِيّةِ، وَ أَخلَاقٍ سَنِيّةٍ،قُوّامٌ عُلَمَاءُ أُمَنَاءُ، لَا يَسُوقُ فِيهِمُ الرّيبَةُ، وَ لَا تَشرَعُ فِيهِمُ الغِيبَةُ،فَمَنِ استَبطَنَ مِن ذَلِكَ شَيئاً استَبطَنَ خُلقاً سَنِيّاً،فَطُوبَي لذِيِ قَلبٍ سَلِيمٍ أَطَاعَ مَن يَهدِيهِ، وَ اجتَنَبَ مَن يُردِيهِ، وَ يَدخُلُ مَدخَلَ كَرَامَةٍ، وَ يَنَالُ سَبِيلَ سَلَامَةٍ،تَبصِرَةً لِمَن بَصّرَهُ، وَ طَاعَةً لِمَن يَهدِيهِ إِلَي أَفضَلِ الدّلَالَةِ، وَ كَشفَاً لِغَطَاءِ الجَهَالَةِ المُضِلّةِ المُهلِكَةِ، وَ مَن أَرَادَ بَعدَ هَذَا فَليُظهِر بِالهُدَي دِينَهُ، فَإِنّ الهُدَي لَا تُغلَقُ أَبوَابُهُ، وَ قَد فُتِحَت أَسبَابُهُ بِبُرهَانٍ وَ بَيَانٍ،لاِمرِئٍ استَنصَحَ وَ قَبِلَ نَصِيحَةَ مَن نَصَحَ بِخُضُوعٍ وَ حُسنِ خُشُوعٍ،فَليَقبَلِ امرُؤٌ بِقَبُولِهَا، وَ ليَحذَر قَارِعَةً قَبلَ حُلُولِهَا، وَ السّلَامُ.
توضيح إلي المقرّبين في الأظلّة .. أي الذين قربوا إلي اللّه أوإلينا في عالم الظلال وعالم الأرواح قبل حلولها الأجساد، و في بعض النسخ المقرّين .. أي أقرّوا بإمامتنا في عالم الأرواح عندالميثاق . قوله عليه السلام المنشئين .. و في بعض النسخ المنشرين .. أي الذين
صفحه : 43
ينشرهم اللّه ويبعثهم وينشئهم بعدموتهم في الرجعة، أي هذا كتاب إلي المقرّبين، و(تحية)حال ، أوخبر ثان ، أوخبر مبتدإ محذوف يفسره قوله سلام عليكم ، أو(سلام )مبتدأ و(تحية)خبره ، و في الأخير بعد. و قوله عليه السلام كلمة اللّه .. مبتدأ، و قوله مع اتّباعه .. خبره ، والضمير راجع إلي الروح أوالنور، أوالضمير راجع إلي المؤمن بقرينة المقام ، وكلمة( اللّه)مفعول المصدر، ويؤيّده أنّ في بعض النسخ مع اتّباع .. فيكون حال [كذا][حالا] عن الضمير المجرور. والحاصل ، أنّ نور البصيرة وهي الولاية ومعرفة الأئمّة( ع )يصير سببا لتعلّق روح الإيمان ، وبروح الإيمان يحصل ويكمل التوحيد الخالص المقبول ، والنور هو ألذي مثّل اللّه تعالي به نوره في القرآن المجيد في آية النور، والسبب ألذي بأيدي الشيعة أيضا الولاية التي هي سبب التقرّب إلي اللّه والنجاة من عقابه ، أوحججها وبراهينها، أوعلومهم ومعارفهم التي علموها مواليهم ، والأحكام والشرائع خاصّة،فإنّها الوسيلة إلي التقرّب إليه تعالي و إلي حججه عليهم السلام ، ويؤيّده ما في بعض النسخ و هو قوله إتيان الواجبات .. و في بعضها إتيان واجبتان [كذا][واجبتين ] أي الكتاب و أهل البيت عليهم السلام وإنّما أتي بصيغة المفرد أوّلا وثانيا لارتباطهما بل اتّحادهما حقيقة، و(نعمة)بدل أوعطف بيان للسبب ، أوخبر الضمير الراجع إليه . قوله عليه السلام أن لن يحلّ عقده .. لعلّ المراد عقد الإمامة .. أي ليس للناس أن يحلّوا عقدا وبيعة عقده اللّه تعالي لي في زمن الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و في بعض النسخ عقده الأهواء .. أي لايحلّ ماعقده اللّه تعالي لأحد آراء الناس وأهوائهم .
صفحه : 44
و قوله عليه السلام كما قدوقع .. لعلّه إشارة إلي الصلح والرضا بالحكمين ، أو إلي بعض غزوات الصفين ،فعلي الأول سير الجنود إشارة إلي قتال الخوارج ، و علي الثاني إلي ماأراد عليه السلام من الرجوع إلي قتال معاوية. والحِرَابُ مصدرٌ كالمُحَارَبَةِ، وجمع حَربَة، و فيهاهنا تجوز، ويمكن أن يقرأ بالضمّ والتشديد جمع حَارِبٍ، و في بعض النسخ أَحزَاب .. أي أحزاب الشرك الذين حاربوا الرسول صلّي اللّه عليه وآله . والأُرَفٌ،كَغُرَفٍ جمع أُرفَةٍ بالضم ، وهي الحدّ بين الأرضين ، وأَرّفَ علي الأرض تأريفاً جعل لها حدودا وقسمها. ونصّ الشيء أظهره . و في بعض النسخ رَصّاً بالراء من قولهم رَصّ البناء رصّاً إذالصق بعضه ببعض . قوله عليه السلام حيّهم .. أي يرث حيّهم. والمراد بالاسمين الأعلين كلمتا التوحيد، أوالقرآن و أهل البيت عليهم السلام ، والمراد بالنجوم أوّلا الأئمّة، وثانيا الدلائل الدالّة علي إمامتهم . قوله عليه السلام ليحيي حماه .. الضمير راجع إلي الإسلام ، وحماه ماحرّمه اللّه فيه ، ومرعاه ماأحلّه، وميزان العدل بيان للميزان ، وحكم الفصل الحكم ألذي يفصل بين الحقّ والباطل ، ويقال كَفيُكَ مِن رَجُلٍ مثلثة حَسبُكَ.
صفحه : 45
و قوله يحبّ اللّه .. إما متعلّق بيفجرون ، أو به وبما قبله علي التنازع ، أوبقوله يتواصلون . قوله ويتساقون .. تَفَاعُلٌ مِنَ السقّيِ. و في بعض النسخ يَتَنَاسَقُونَ .. أي يَتَتَابَعُونَ، و في بعضها يَتَرَاشَفُونَ من قولهم رَشَفَ المَاءَ مَصّهُ.أقول وكانت النسخ التي عندنا سقيمة فصحّحناها علي ماتيسّر من اجتماعها، وعسي أن تيسر نسخة أخري أقرب إلي الصحّة، وباللّه التوفيق
صفحه : 46
صفحه : 47
1-ج روُيَِ أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ كَانَ يَخطُبُ النّاسَ عَلَي مِنبَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَذَكَرَ فِي خُطبَتِهِ أَنّهُأَولي بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم. فَقَالَ لَهُ الحُسَينُ عَلَيهِ السّلَامُ مِن نَاحِيَةِ المَسجِدِ انزِل أَيّهَا الكَذّابُ عَن مِنبَرِ أَبِي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، لَا مِنبَرِ أَبِيكَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَمِنبَرُ أَبِيكَ لعَمَريِ يَا حُسَينُ لَا مِنبَرُ أَبِي، مَن عَلّمَكَ هَذَا أَبُوكَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ لَهُ الحُسَينُ إِن أُطِع أَبِي فِيمَا أمَرَنَيِ فلَعَمَريِ إِنّهُ لَهَادٍ وَ أَنَا مُهتَدٍ بِهِ، وَ لَهُ فِي رِقَابِ النّاسِ البَيعَةُ عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ(ص )نَزَلَ بِهَا جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ مِن عِندِ اللّهِ تَعَالَي لَا يُنكِرُهَا أَحَدٌ إِلّا جَاحِدٌ بِالكِتَابِ، قَد عَرَفَهَا النّاسُ بِقُلُوبِهِم وَ أَنكَرُوهَا بِأَلسِنَتِهِم، وَ وَيلٌ لِلمُنكِرِينَ حَقّنَا أَهلَ البَيتِ( ع )، مَا ذَا يَلقَاهُم بِهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن إِدَامَةِ الغَضَبِ وَ شِدّةِ العَذَابِ.
صفحه : 48
فَقَالَ عُمَرُ يَا حُسَينُ مَن أَنكَرَ حَقّ أَبِيكَ فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ أَمّرَنَا النّاسُ فَتَأَمّرنَا، وَ لَو أَمّرُوا أَبَاكَ لَأَطَعنَا. فَقَالَ لَهُ الحُسَينُ( ع ) يَا ابنَ الخَطّابِ فأَيَّ النّاسِ أَمّرَكَ عَلَي نَفسِهِ قَبلَ أَن تُؤَمّرَ أَبَا بَكرٍ عَلَي نَفسِكَ لِيُؤَمّرَكَ عَلَي النّاسِ بِلَا حُجّةٍ مِن نبَيِّ وَ لَا رِضًي مِن آلِ مُحَمّدٍ فَرِضَاكُم كَانَ لِمُحَمّدٍ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ رِضًي، أَو رِضَي أَهلِهِ كَانَ لَهُ سَخَطاً أَمَا وَ اللّهِ لَو أَن لِلّسَانِ مَقَالًا يَطُولُ تَصدِيقُهُ، وَ فِعلًا يُعِينُهُ المُؤمِنُونَ لَمَا تَخَطّيتَ رِقَابَ آلِ مُحَمّدٍ(ص )،تَرقَي مِنبَرَهُم وَ صِرتَ الحَاكِمَ عَلَيهِم بِكِتَابٍ نَزَلَ فِيهِم، لَا تَعرِفُ مُعجَمَهُ، وَ لَا تدَريِ تَأوِيلَهُ إِلّا سَمَاعَ الآذَانِ،المُخطِئُ وَ المُصِيبُ عِندَكَ سَوَاءٌ،فَجَزَاكَ اللّهُ جَزَاكَ، وَ سَأَلَكَ عَمّا أَحدَثتَ سُؤَالًا حَفِيّاً. قَالَ فَنَزَلَ عُمَرُ مُغضَباً وَ مَشَي مَعَهُ أُنَاسٌ مِن أَصحَابِهِ حَتّي أَتَي بَابَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ،فَاستَأذَنَ عَلَيهِ فَأَذِنَ لَهُ،فَدَخَلَ فَقَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ مَا لَقِيتُ مِنِ ابنِكَ الحُسَينِ يُجهِرُنَا بِصَوتٍ فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ(ص ) وَ يُحَرّضُ عَلَيّ الطّغَامَ وَ أَهلَ المَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ الحَسَنُ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلُ الحُسَينِ ابنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَستَحِثّ بِمَن لَا حُكمَ لَهُ، أَو يَقُولُ بِالطّغَامِ عَلَي أَهلِ دِينِهِ، أَمَا وَ اللّهِ مَا نِلتَ مَا نِلتَ إِلّا بِالطّغَامِ،فَلَعَنَ اللّهُ مَن حَرّضَ الطّغَامَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مَهلًا يَا أَبَا مُحَمّدٍ فَإِنّكَ لَن تَكُونَ قَرِيبَ الغَضَبِ، وَ لَا لَئِيمَ الحَسَبِ، وَ لَا فِيكَ عُرُوقٌ مِنَ السّودَانِ،اسمَع كلَاَميِ، وَ لَا
صفحه : 49
تَعجَل بِالكَلَامِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا أَبَا الحَسَنِ إِنّهُمَا لَيَهُمّانِ فِي أَنفُسِهِمَا بِمَا لَا يُرَي بِغَيرِ الخِلَافَةِ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ هُمَا أَقرَبُ نَسَباً بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن أَبِيهِمَا أَمَا فَأَرضِهِمَا يَا ابنَ الخَطّابِ بِحَقّهِمَا يَرضَ عَنكَ مَن بَعدَهُمَا. قَالَ وَ مَا رِضَاهُمَا يَا أَبَا الحَسَنِ قَالَ رِضَاهُمَا الرّجعَةُ عَنِ الخَطِيئَةِ، وَ التّقِيّةُ عَنِ المَعصِيَةِ بِالتّوبَةِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَدّب يَا أَبَا الحَسَنِ ابنَكَ أَن لَا يَتَعَاطَي السّلَاطِينَ الّذِينَ هُمُ الحُكَمَاءُ فِي الأَرضِ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنَا أُؤَدّبُ أَهلَ المعَاَصيِ عَلَي مَعَاصِيهِم، وَ مَن أَخَافُ عَلَيهِ الزّلّةَ وَ الهَلَكَةَ،فَأَمّا مَن وَلَدَهُ رَسُولُ اللّهِ(ص ) لَا يَحِلّ أَدَبُهُ،فَإِنّهُ يَنتَقِلُ إِلَي أَدَبٍ خَيرٍ لَهُ مِنهُ، أَمَا فَأَرضِهِمَا يَا ابنَ الخَطّابِ. قَالَ فَخَرَجَ عُمَرُ فَاستَقبَلَهُ عُثمَانُ بنُ عَفّانَ وَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوفٍ، فَقَالَ لَهُ عَبدُ الرّحمَنِ يَا أَبَا حَفصٍ مَا صَنَعتَ وَ قَد طَالَت بِكُمَا الحُجّةُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَ هَل حُجّةٌ مَعَ ابنِ أَبِي طَالِبٍ وَ شِبلَيهِ. فَقَالَ لَهُ عُثمَانُ يَا ابنَ الخَطّابِ هُم بَنُو عَبدِ مَنَافٍ الأَسمَنُونَ وَ النّاسُ عِجَافٌ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَا أَعُدّ مَا صِرتَ إِلَيهِ فَخراً فَخَرتَ بِهِ، أَ بِحُمقِكَ.فَقَبَضَ عُثمَانُ عَلَي مَجَامِعِ ثِيَابِهِ ثُمّ جَذَبَهُ وَ رَدّهُ، ثُمّ قَالَ يَا ابنَ الخَطّابِ كَأَنّكَ تُنكِرُ مَا أَقُولُ.فَدَخَلَ بَينَهُمَا عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوفٍ
صفحه : 50
وَ فَرّقَ بَينَهُمَا، وَ افتَرَقَ القَومُ.
بيان قوله عليه السلام إلّا سماع الآذان .. أي لاتعرف معني الكتاب إلّا بما تسمعه الآذان من الناس ، و في بعض النسخ الفعلان بصيغة الغيبة أي لايمكن معرفة الكتاب وتأويله إلّا بالسماع ممّن ينتهي عمله إلي الوحي الإلهي. والحفاوة والحفاية والإحفاء الاستقصاء في السّؤال. والتحريض علي القتال الحثّ والتّرغيب والتّحريض عليه . والطّغامُ الأَرَاذِلُ. قوله ليهمّان .. أي يقصدان أمرا لايحصل إلّا بالخلافة،فأجاب عليه السلام بأنّ الخلافة غيربعيد منهما، فإنّ أباهما خليفة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وهما أقرب نسبا به صلّي اللّه عليه وآله منه . قوله عليه السلام فإنّه ينتقل .. أي يترقّي بنفسه في الآداب الحسنة من غيرتأديب ، ويحتمل الاستفهام الإنكاري، ويؤيّده أنّ في بعض النسخ ويحك أأؤدّبه فإنّه ينتقل .. والسمن .. كناية عن وفور المال والشرف ، كما أنّ العجف .. كناية عن
صفحه : 51
عدمهما وقلّتهما.
2-كشف عَن زَيدِ بنِ عَلِيّ، عَن أَبِيهِ ، أَنّ الحُسَينَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ أَتَي عُمَرَ بنَ الخَطّابِ وَ هُوَ عَلَي المِنبَرِ يَومَ الجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ انزِل عَن مِنبَرِ أَبِي.فَبَكَي عُمَرُ، ثُمّ قَالَ صَدَقتَ يَا بنُيَّ،مِنبَرُ أَبِيكَ لَا مِنبَرُ أَبِي فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا هُوَ وَ اللّهِ عَن رأَييِ. فَقَالَ صَدَقتَ وَ اللّهِ مَا اتّهَمتُكَ يَا أَبَا الحَسَنِ، ثُمّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ فَأَخَذَهُ فَأَجلَسَهُ إِلَي جَانِبِهِ عَلَي المِنبَرِ فَخَطَبَ النّاسَ وَ هُوَ جَالِسٌ عَلَي المِنبَرِ مَعَهُ، ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ سَمِعتُ نَبِيّكُم صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ احفظَوُنيِ فِي عتِرتَيِ وَ ذرُيّتّيِ،فَمَن حفَظِنَيِ فِيهِم حَفِظَهُ اللّهُ،أَلَا لَعنَةُ اللّهِ عَلَي مَن آذاَنيِ فِيهِم.ثَلَاثاً.
3- ما ابنُ الصّلتِ، عَنِ ابنِ عُقدَةَ، عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي الضّرِيرِ، عَن مُحَمّدِ بنِ زَكَرِيّا المكَيّّ، عَن كَثِيرِ بنِ طَارِقٍ، عَن زَيدٍ .. مِثلَهُ.
صفحه : 53
و قدأوردنا كثيرا من ذلك في أبواب الاحتجاج ، ونورد هاهنا أمثالها بأسانيد أخري لمناسبتها لهذا الكتاب أيضا، ولكونها مشتملة علي تغييرات وزيادات .
1-إِرشَادُ القُلُوبِ بِحَذفِ الإِسنَادِ مَرفُوعاً إِلَي سَلمَانَ الفاَرسِيِّ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ قَالَ كَانَ مِنَ البَلَاءِ العَظِيمِ ألّذِي ابتَلَي اللّهُ عَزّ وَ جَلّ بِهِ قُرَيشاً بَعدَ نَبِيّهَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِيُعَرّفَهَا أَنفُسَهَا وَ يَجرَحَ شَهَادَتَهَا عَلَي مَا ادّعَتهُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ
صفحه : 54
صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَعدَ وَفَاتِهِ، وَ دَحَضَ حُجّتَهَا، وَ كَشَفَ غِطَاءَ مَا أَسَرّت فِي قُلُوبِهَا، وَ أَخرَجَت ضَغَائِنَهَا لِآلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَجمَعِينَ وَ أَزَالَتهُم عَن إِمَامَتِهِم، وَ مِيرَاثِ كِتَابِ اللّهِ فِيهِم، مَا عَظُمَت خَطِيئَتُهُ، وَ شَمَلَت فَضِيحَتُهُ، وَ وَضَحَت هِدَايَةُ اللّهِ فِيهِ لِأَهلِ دَعوَتِهِ وَ وَرَثَةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَنَارَت بِهِ قُلُوبُ أَولِيَائِهِم، وَ غَمَرَهُم نَفعُهُ وَ أَصَابَهُم بَرَكَاتُهُ أَنّ مَلِكَ الرّومِ لَمّا بَلَغَهُ وَفَاةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ خَبَرُ أُمّتِهِ وَ اختِلَافِهِم فِي الِاختِيَارِ عَلَيهِم، وَ تَركِهِم سَبِيلَ هِدَايَتِهِم، وَ ادّعَائِهِم عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ لَم يُوصِ إِلَي أَحَدٍ بَعدَ وَفَاتِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ إِهمَالَهُ إِيّاهُم يَختَارُوا لِأَنفُسِهِم، وَ تَولِيَتِهِمُ الأَمرَ بَعدَهُ الأَبَاعِدَ مِن قَومِهِ، وَ صَرفِ ذَلِكَ عَن أَهلِ بَيتِهِ وَ وَرَثَتِهِ وَ قَرَابَتِهِ،دَعَا عُلَمَاءَ بَلَدِهِ وَ استَفتَاهُم فَنَاظَرَهُم فِي الأَمرِ ألّذِي ادّعَتهُ قُرَيشٌ بَعدَ نَبِيّهَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَأَجَابُوهُ بِجَوَابَاتٍ مِن حُجَجِهِم عَلَي أَنّهُ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَسَأَلَ أَهلُ مَدِينَتِهِ أَن يُوَجّهَهُم إِلَي المَدِينَةِ لِمُنَاظَرَتِهِم وَ الِاحتِجَاجِ عَلَيهِم،فَأَمَرَ الجَاثَلِيقَ أَن يَختَارَ مِن أَصحَابِهِ وَ أَسَاقِفَتِهِ،فَاختَارَ مِنهُم مِائَةَ رَجُلٍ،فَخَرَجُوا يَقدُمُهُم جَاثَلِيقٌ لَهُم قَد أَقَرّتِ العُلَمَاءُ لَهُ جَمِيعاً بِالفَضلِ وَ العِلمِ،مُتَبَحّراً فِي عِلمِهِ يُخرِجُ الكَلَامَ مِن تَأوِيلِهِ، وَ يَرُدّ كُلّ فَرعٍ
صفحه : 55
إِلَي أَصلِهِ، لَيسَ بِالخُرقِ وَ لَا بِالنّزِقِ وَ لَا بِالبَلِيدِ وَ الرّعدِيدِ، وَ لَا النّكِلِ وَ لَا الفَشِلِ يَنصِتُ لِمَن يَتَكَلّمُ، وَ يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ، وَ يَصبِرُ إِذَا مُنِعَ،فَقَدِمَ المَدِينَةَ بِمَن مَعَهُ مِن خِيَارِ أَصحَابِهِ حَتّي نَزَلَ القَومُ عَن رَوَاحِلِهِم،فَسَأَلَ أَهلَ المَدِينَةِ عَمّن أَوصَي إِلَيهِ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مَن قَامَ مَقَامَهُ فَدَلّوهُ عَلَي أَبِي بَكرٍ،فَأَتَوا مَسجِدَ رَسُولِ اللّهِ،فَدَخَلُوا، عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ هُوَ فِي حَشَدَةٍ مِن قُرَيشٍ فِيهِم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ وَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ وَ عُثمَانُ بنُ عَفّانَ وَ أَنَا فِي القَومِ،فَوَقَفُوا عَلَيهِ فَقَالَ زَعِيمُ القَومِ السّلَامُ عَلَيكُم .. فَرَدّوا عَلَيهِ السّلَامَ، فَقَالَ أَرشِدُونَا إِلَي القَائِمِ مَقَامَ نَبِيّكُم فَإِنّا قَومٌ مِنَ الرّومِ، وَ إِنّا عَلَي دِينِ المَسِيحِ عِيسَي ابنِ مَريَمَ عَلَيهِمَا السّلَامُ،فَقَدِمنَا لَمّا بَلَغَنَا وَفَاةُ نَبِيّكُم وَ اختِلَافُكُم نَسأَلُ عَن صِحّةِ نُبُوّتِهِ وَ نَستَرشِدُ لِدِينِنَا، وَ نَتَعَرّفُ دِينَكُم، فَإِن كَانَ أَفضَلَ مِن دِينِنَا دَخَلنَا فِيهِ وَ سَلّمنَا وَ قَبِلنَا الرّشدَ مِنكُم طَوعاً وَ أَجَبنَاكُم إِلَي دَعوَةِ نَبِيّكُم(ص )، وَ إِن يَكُن عَلَي
صفحه : 56
خِلَافِ مَا جَاءَت بِهِ الرّسُلُ وَ جَاءَ بِهِ عِيسَي عَلَيهِ السّلَامُ رَجَعنَا إِلَي دَينِ المَسِيحِ فَإِنّ عِندَهُ مِن عَهدٍ رَأَينَا فِيهِ أَنبِيَاءَهُ وَ رُسُلَهُ دَلَالَةً وَ نُوراً وَاضِحاً،فَأَيّكُم صَاحِبُ الأَمرِ بَعدَ نَبِيّكُم صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ هَذَا صَاحِبُنَا وَ ولَيِّ الأَمرِ بَعدَ نَبِيّنَا. قَالَ الجَاثَلِيقُ هُوَ هَذَا الشّيخُ. فَقَالَ نَعَم. فَقَالَ يَا شَيخُ أَنتَ القَائِمُ الوصَيِّ لِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي أُمّتِهِ وَ أَنتَ العَالِمُ المسُتغَنيِ بِعِلمِكَ مِمّا عَلّمَكَ نَبِيّكَ مِن أَمرِ الأُمّةِ وَ مَا تَحتَاجُ إِلَيهِ. قَالَ أَبُو بَكرٍ لَا، مَا أَنَا بوِصَيِّ. قَالَ لَهُ فَمَا أَنتَ قَالَ عُمَرُ هَذَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللّهِ. قَالَ النصّراَنيِّ أَنتَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللّهِ استَخلَفَكَ فِي أُمّتِهِ. قَالَ أَبُو بَكرٍ لَا. قَالَ فَمَا هَذَا الِاسمُ ألّذِي ابتَدَعتُمُوهُ وَ ادّعَيتُمُوهُ بَعدَ نَبِيّكُم.فَإِنّا قَد قَرَأنَا كُتُبَ الأَنبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم فَوَجَدنَا الخِلَافَةَ لَا تَصلُحُ إِلّا لنِبَيِّ مِن أَنبِيَاءِ اللّهِ،لِأَنّ اللّهَ تَعَالَي جَعَلَ آدَمَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ فَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَي أَهلِ السّمَاءِ وَ الأَرضِ، وَ نَوّهَ بِاسمِ دَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَيا داوُدُ إِنّا جَعَلناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ
صفحه : 57
كَيفَ تَسَمّيتُم بِهَذَا الِاسمِ وَ مَن سَمّاكَ بِهِ أَ نَبِيّكَ سَمّاكَ بِهِ. قَالَ لَا، وَ لَكِن تَرَاضَوُا النّاسُ فوَلَوّنيِ وَ استخَلفَوُنيِ. فَقَالَ أَنتَ خَلِيفَةُ قَومِكَ لَا نَبِيّكَ، وَ قَد قُلتَ إِنّ النّبِيّ لَم يُوصِ إِلَيكَ، وَ قَد وَجَدنَا فِي كُتُبٍ مِن سُنَنِ الأَنبِيَاءِ، أَنّ اللّهَ لَم يَبعَث نَبِيّاً إِلّا وَ لَهُ وصَيِّ يوُصيِ إِلَيهِ، وَ يَحتَاجُ النّاسُ كُلّهُم إِلَي عِلمِهِ وَ هُوَ مُستَغنٍ عَنهُم، وَ قَد زَعَمتَ أَنّهُ لَم يُوصِ كَمَا أَوصَتِ الأَنبِيَاءُ، وَ ادّعَيتَ أَشيَاءَ لَستَ بِأَهلِهَا، وَ مَا أَرَاكُم إِلّا وَ قَد دَفَعتُم نُبُوّةَ مُحَمّدٍ وَ قَد أَبطَلتُم سُنَنَ الأَنبِيَاءِ فِي قَومِهِم. قَالَ فَالتَفَتَ الجَاثَلِيقُ إِلَي أَصحَابِهِ وَ قَالَ إِنّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِنّ مُحَمّداً لَم يَأتِهِم بِالنّبُوّةِ وَ إِنّمَا كَانَ أَمرُهُ بِالغَلَبَةِ، وَ لَو كَانَ نَبِيّاً لَأَوصَي كَمَا أَوصَتِ الأَنبِيَاءُ، وَ خَلّفَ فِيهِم كَمَا خَلّفَتِ الأَنبِيَاءُ مِنَ المِيرَاثِ وَ العِلمِ، وَ لَسنَا نَجِدُ عِندَ القَومِ أَثَرَ ذَلِكَ، ثُمّ التَفَتَ كَالأَسَدِ، فَقَالَ يَا شَيخُ أَمّا أَنتَ فَقَد أَقرَرتَ أَنّ مُحَمّداً لَم يُوصِ إِلَيكَ وَ لَا استَخلَفَكَ وَ إِنّمَا تَرَاضَوُا النّاسُ بِكَ، وَ لَو رضَيَِ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ بِرِضَي الخَلقِ وَ اتّبَاعِهِم لِهَوَاهُم وَ اختِيَارِهِم لِأَنفُسِهِم مَا بَعَثَ اللّهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَ مُنذِرِينَ، وَ آتَاهُمُ الكِتَابَ وَ الحِكمَةَ لِيُبَيّنُوا لِلنّاسِ مَا يَأتُونَ وَ يَذَرُونَ وَ مَا فِيهِ يَختَلِفُونَلِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَي اللّهِ حُجّةٌ بَعدَ الرّسُلِفَقَد دَفَعتُمُ النّبِيّينَ عَن رِسَالَاتِهِم، وَ استَغنَيتُم بِالجَهلِ مِنِ اختِيَارِ النّاسِ عَنِ اختِيَارِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ الرّسُلَ لِلعِبَادِ، وَ اختِيَارِ الرّسُلِ لِأُمّتِهِم، وَ نَرَاكُم تُعَظّمُونَ بِذَلِكَ الفِريَةَ عَلَي اللّهِ عَزّ
صفحه : 58
وَ جَلّ وَ عَلَي نَبِيّكُم، وَ لَا تَرضَونَ إِلّا أَن تَتَسَمّوا بَعدَ ذَلِكَ بِالخِلَافَةِ، وَ هَذَا لَا يَحِلّ إِلّا لنِبَيِّ أَو وصَيِّ نبَيِّ، وَ إِنّمَا تَصِحّ الحُجّةُ لَكُم بِتَأكِيدِكُمُ النّبُوّةَ لِنَبِيّكُم وَ أَخذِكُم بِسُنَنِ الأَنبِيَاءِ فِي هُدَاهُم، وَ قَد تَغَلّبتُم فَلَا بُدّ لَنَا أَن نَحتَجّ عَلَيكُم فِيمَا ادّعَيتُم حَتّي نَعرِفَ سَبِيلَ مَا تَدعُونَ إِلَيهِ، وَ نَعرِفَ الحَقّ فِيكُم بَعدَ نَبِيّكُم، أَ صَوَابٌ مَا فَعَلتُم بِإِيمَانٍ أَم كَفَرتُم بِجَهلٍ. ثُمّ قَالَ يَا شَيخُ أَجِب. قَالَ فَالتَفَتَ أَبُو بَكرٍ إِلَي أَبِي عُبَيدَةَ لِيُجِيبَ عَنهُ،فَلَم يُحِر جَوَاباً، ثُمّ التَفَتَ الجَاثَلِيقُ إِلَي أَصحَابِهِ فَقَالَ بِنَاءُ القَومِ عَلَي غَيرِ أَسَاسٍ وَ لَا أَرَي لَهُم حُجّةً، أَ فَهِمتُم.قَالُوا بَلَي. ثُمّ قَالَ لأِبَيِ بَكرٍ يَا شَيخُ أَسأَلُكَ. قَالَ سَل. قَالَ أخَبرِنيِ عنَيّ وَ عَنكَ مَا أَنتَ عِندَ اللّهِ، وَ مَا أَنَا عِندَ اللّهِ. قَالَ أَمّا أَنَا فَعِندَ نفَسيِ مُؤمِنٌ، وَ مَا أدَريِ مَا أَنَا عِندَ اللّهِ فِيمَا بَعدُ، وَ أَمّا أَنتَ فعَنِديِ كَافِرٌ، وَ مَا أدَريِ مَا أَنتَ عِندَ اللّهِ. قَالَ الجَاثَلِيقُ أَمّا أَنتَ فَقَد مَنّيتَ نَفسَكَ الكُفرَ بَعدَ الإِيمَانِ، وَ جَهِلتَ مَقَامَكَ فِي إِيمَانِكَ، أَ مُحِقّ أَنتَ فِيهِ أَم مُبطِلٌ، وَ أَمّا أَنَا فَقَد منَيّتنَيِ الإِيمَانَ بَعدَ الكُفرِ،فَمَا أَحسَنَ حاَليِ وَ أَسوَأَ حَالَكَ عِندَ نَفسِكَ،إِذ كُنتَ لَا تُوقِنُ بِمَا لَكَ عِندَ اللّهِ،فَقَد شَهِدتَ لِي بِالفَوزِ وَ النّجَاةِ، وَ شَهِدتَ لِنَفسِكَ بِالهَلَاكِ وَ الكُفرِ.
صفحه : 59
ثُمّ التَفَتَ إِلَي أَصحَابِهِ فَقَالَ طِيبُوا نَفساً فَقَد شَهِدَ لَكُم بِالنّجَاةِ بَعدَ الكُفرِ، ثُمّ التَفَتَ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَقَالَ يَا شَيخُ أَينَ مَكَانُكَ السّاعَةَ مِنَ الجَنّةِ إِذَا ادّعَيتَ الإِيمَانَ، وَ أَينَ مكَاَنيِ مِنَ النّارِ. قَالَ فَالتَفَتَ أَبُو بَكرٍ إِلَي عُمَرَ وَ أبو[ أَبِي]عُبَيدَةَ مَرّةً أُخرَي لِيُجِيبَا عَنهُ،فَلَم يَنطِق أَحَدُهُمَا. قَالَ ثُمّ قَالَ مَا أدَريِ أَينَ مكَاَنيِ وَ مَا حاَليِ عِندَ اللّهِ. قَالَ الجَاثَلِيقُ يَا هَذَا أخَبرِنيِ كَيفَ استَجَزتَ لِنَفسِكَ أَن تَجلِسَ فِي هَذَا المَجلِسِ وَ أَنتَ مُحتَاجٌ إِلَي عِلمِ غَيرِكَ فَهَل فِي أُمّةِ مُحَمّدٍ مَن هُوَ أَعلَمُ مِنكَ. قَالَ نَعَم. قَالَ مَا أَعلَمُكَ وَ إِيّاهُم إِلّا وَ قَد حَمّلُوكَ أَمراً عَظِيماً، وَ سَفِهُوا بِتَقدِيمِهِم إِيّاكَ عَلَي مَن هُوَ أَعلَمُ مِنكَ، فَإِن كَانَ ألّذِي هُوَ أَعلَمُ مِنكَ يَعجِزُ عَمّا سَأَلتُكَ كَعَجزِكَ فَأَنتَ وَ هُوَ وَاحِدٌ فِي دَعوَاكُم،فَأَرَي نَبِيّكُم إِن كَانَ نَبِيّاً فَقَد ضَيّعَ عِلمَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ عَهدَهُ وَ مِيثَاقَهُ ألّذِي أَخَذَهُ عَلَي النّبِيّينَ مِن قَبلِهِ فِي إِقَامَةِ الأَوصِيَاءِ لِأُمّتِهِم حَيثُ لَم يُقِم وَصِيّاً لِيَتَفَرّغُوا إِلَيهِ فِيمَا تَتَنَازَعُونَ فِي أَمرِ دِينِكُم،فدَلُوّنيِ عَلَي هَذَا ألّذِي هُوَ أَعلَمُ مِنكُم،فَعَسَاهُ فِي العِلمِ أَكثَرَ مِنكَ فِي مُحَاوَرَةٍ وَ جَوَابٍ وَ بَيَانٍ وَ مَا يُحتَاجُ إِلَيهِ مِن أَثَرِ النّبُوّةِ وَ سُنَنِ الأَنبِيَاءِ، وَ لَقَد ظَلَمَكَ القَومُ وَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم فِيكَ. قَالَ سَلمَانُ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ فَلَمّا رَأَيتُ مَا نَزَلَ بِالقَومِ مِنَ البَهتِ وَ الحَيرَةِ وَ الذّلّ
صفحه : 60
وَ الصّغَارِ، وَ مَا حَلّ بِدِينِ مُحَمّدٍ(ص )، وَ مَا نَزَلَ بِالقَومِ مِنَ الحُزنِ،نَهَضتُ لَا أَعقِلُ أَينَ أَضَعَ قدَمَيِ إِلَي بَابِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ،فَدَقَقتُ عَلَيهِ البَابَ،فَخَرَجَ وَ هُوَ يَقُولُ مَا دَهَاكَ يَا سَلمَانُ. قَالَ قُلتُ هَلَكَ دِينُ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ هَلَكَ الإِسلَامُ بَعدَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ ظَهَرَ أَهلُ الكُفرِ عَلَي دِينِهِ وَ أَصحَابِهِ بِالحُجّةِ،فَأَدرِك يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ دِينَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ القَومُ قَد وَرَدَ عَلَيهِم مَا لَا طَاقَةَ لَهُم بِهِ وَ لَا بُدّ وَ لَا حِيلَةَ، وَ أَنتَ اليَومَ مُفَرّجُ كَربِهَا، وَ كَاشِفُ بَلوَاهَا، وَ صَاحِبُ مِيسَمِهَا وَ تَاجُهَا، وَ مِصبَاحُ ظُلَمِهَا، وَ مِفتَاحُ مُبهَمِهَا. قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ مَا ذَاكَ. قَالَ قُلتُ قَد قَدِمَ قَومٌ مِن مَلِكِ الرّومِ فِي مِائَةِ رَجُلٍ مِن أَشرَافِ النّاسِ مِن قَومِهِم يَقدُمُهُم جَاثَلِيقٌ لَهُم لَم أَرَ مِثلَهُ،يُورِدُ الكَلَامَ عَلَي مَعَانِيهِ، وَ يَصرِفُهُ عَلَي تَأوِيلِهِ، وَ يُؤَكّدُ حُجّتَهُ وَ يُحكِمُ ابتِدَاءَهُ، لَم أَسمَع مِثلَ حُجّتِهِ وَ لَا سُرعَةِ جَوَابِهِ مِن كُنُوزِ عِلمِهِ،فَأَتَي أَبَا بَكرٍ وَ هُوَ فِي جَمَاعَةٍ فَسَأَلَهُ عَن مَقَامِهِ وَ وَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَبطَلَ دَعوَاهُ بِالخِلَافَةِ، وَ غَلَبَهُم بِادّعَائِهِم تَخلِيفَهُم مَقَامَهُ،فَأَورَدَ عَلَي أَبِي بَكرٍ مَسأَلَةً أَخرَجَهُ بِهَا عَن إِيمَانِهِ، وَ أَلزَمَهُ الكُفرَ وَ الشّكّ فِي دِينِهِ،فَعَلَتهُم لِذَلِكَ ذِلّةٌ وَ خُضُوعٌ وَ حَيرَةٌ،فَأَدرِك يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ دِينَ مُحَمّدٍ،
صفحه : 61
فَقَد وَرَدَ عَلَيهِم مَا لَا طَاقَةَ لَهُم بِهِ.فَنَهَضَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ معَيِ حَتّي أَتَينَا القَومَ وَ قَد أُلبِسُوا الذّلّةَ وَ المَهَانَةَ وَ الصّغَارَ وَ الحَيرَةَ،فَسَلّمَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ ثُمّ جَلَسَ، فَقَالَ يَا نصَراَنيِّ أَقبِل عَلَيّ بِوَجهِكَ وَ اقصدِنيِ بِمَسَائِلِكَ فعَنِديِ جَوَابُ مَا يَحتَاجُ النّاسُ إِلَيهِ فِيمَا يَأتُونَ وَ يَذَرُونَ، وَ بِاللّهِ التّوفِيقُ. قَالَ فَتَحَوّلَ النصّراَنيِّ إِلَيهِ، وَ قَالَ يَا شَابّ إِنّا وَجَدنَا فِي كِتَابِ الأَنبِيَاءِ أَنّ اللّهَ لَم يَبعَث نَبِيّاً قَطّ إِلّا وَ كَانَ لَهُ وَصِيّاً[كَذَا][وصَيِّ]يَقُومُ مَقَامَهُ، وَ قَد بَلَغَنَا اختِلَافٌ عَن أُمّةِ مُحَمّدٍ فِي مَقَامِ نُبُوّتِهِ، وَ ادّعَاءُ قُرَيشٍ عَلَي الأَنصَارِ وَ ادّعَاءُ الأَنصَارِ عَلَي قُرَيشٍ، وَ اختِيَارُهُم لِأَنفُسِهِم،فَأَقدَمَنَا مَلِكُنَا وَفداً، وَ قَدِ اختَارَنَا لِنَبحَثَ عَن دِينِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ نَعرِفَ سُنَنَ الأَنبِيَاءِ فِيهِ وَ الِاستِمَاعَ مِن قَومِهِ الّذِينَ ادّعَوا مَقَامَهُ، أَ حَقّ ذَلِكَ أَم بَاطِلٌ قَد كَذَبُوا عَلَيهِ كَمَا كَذَبَتِ الأُمَمُ بَعدَ أَنبِيَائِهَا عَلَي نَبِيّهَا، وَ دَفَعَتِ الأَوصِيَاءَ عَن حَقّهَا،فَإِنّا وَجَدنَا قَومَ مُوسَي عَلَيهِ السّلَامُ بَعدَهُ عَكَفُوا عَلَي العِجلِ وَ دَفَعُوا هَارُونَ عَن وَصِيّتِهِ، وَ اختَارُوا مَا أَنتُم عَلَيهِ، وَ كَذَلِكَسُنّةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَ لَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبدِيلًا،فَقَدِمنَا فَأَرشَدَنَا القَومُ إِلَي هَذَا الشّيخِ،فَادّعَي مَقَامَهُ وَ الأَمرَ لَهُ مِن بَعدِهِ،فَسَأَلنَا عَنِ الوَصِيّةِ إِلَيهِ عَن نَبِيّهِ(ص )فَلَم يَعرِفهَا، وَ سَأَلنَاهُ عَن قَرَابَتِهِ مِنهُ إِذ كَانَتِ الدّعوَةُ فِي اِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السّلَامُ فِيمَا سَبَقَت فِي الذّرّيّةِ فِي إِمَامَتِهِ أَنّهُ لَا يَنَالُهَا إِلّا ذُرّيّةٌبَعضُها مِن بَعضٍ،
صفحه : 62
وَ لَا يَنَالُهَا إِلّا مُصطَفًي مُطَهّرٌ،فَأَرَدنَا أَن نَتَبَيّنَ السّنّةَ مِن مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مَا جَاءَ بِهِ النّبِيّونَ عَلَيهِمُ السّلَامُ، وَ اختِلَافَ الأُمّةِ عَلَي الوصَيِّ كَمَا اختَلَفَت عَلَي مَن مَضَي مِنَ الأَوصِيَاءِ، وَ مَعرِفَةَ العِترَةِ فِيهِم، فَإِن وَجَدنَا لِهَذَا الرّسُولِ وَصِيّاً وَ قَائِماً بَعدَهُ وَ عِندَهُ عِلمُ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ النّاسُ، وَ يُجِيبُ بِجَوَابَاتٍ بَيّنَةٍ، وَ يُخبِرُ عَن أَسبَابِ البَلَايَا وَ المَنَايَا وَ فَصلِ الخِطَابِ وَ الأَنسَابِ، وَ مَا يَهبِطُ مِنَ العِلمِ فِي لَيلَةِ القَدرِ فِي كُلّ سَنَةٍ، وَ مَا يَنزِلُ بِهِ المَلَائِكَةُ وَ الرّوحُ إِلَي الأَوصِيَاءِ صَدّقنَا بِنُبُوّتِهِ، وَ أَجَبنَا دَعوَتَهُ، وَ اقتَدَينَا بِوَصِيّتِهِ، وَ آمَنّا بِهِ وَ بِكِتَابِهِ، وَ بِمَا جَاءَت بِهِ الرّسُلُ مِن قَبلِهِ، وَ إِن يَكُن غَيرَ ذَلِكَ رَجَعنَا إِلَي دِينِنَا وَ عَلِمنَا أَنّ مُحَمّداً لَم يُبعَث، وَ قَد سَأَلنَا هَذَا الشّيخَ فَلَم نَجِد عِندَهُ تَصحِيحَ نُبُوّةِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ إِنّمَا ادّعَوا لَهُ وَ كَانَ جَبّاراً غَلَبَ عَلَي قَومِهِ بِالقَهرِ، وَ مَلَكَهُم وَ لَم يَكُن عِندَهُ أَثَرُ النّبُوّةِ، وَ لَا مَا جَاءَت بِهِ الأَنبِيَاءُ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَبلَهُ، وَ أَنّهُ مَضَي وَ تَرَكَهُم بُهماً يَغلِبُ بَعضُهُم بَعضاً، وَ رَدّهُم جَاهِلِيّةً جَهلَاءَ مِثلَ مَا كَانُوا يَختَارُونَ بِآرَائِهِم لِأَنفُسِهِم .. أَيّ دِينٍ أَحَبّوا، وَ أَيّ مَلِكٍ أَرَادُوا، وَ أَخرَجُوا مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن سَبِيلِ الأَنبِيَاءِ، وَ جَهّلُوهُ فِي رِسَالَتِهِ، وَ دَفَعُوا وَصِيّتَهُ، وَ زَعَمُوا أَنّ الجَاهِلَ يَقُومُ مَقَامَ العَالِمِ، وَ فِي ذَلِكَ هَلَاكُ الحَرثِ وَ النّسلِ وَ ظُهُورُ الفَسَادِ فِي الأَرضِ فِي البَرّ وَ البَحرِ، وَ حَاشَا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ أَن يَبعَثَ نَبِيّاً إِلّا مُطَهّراً مُسَدّداً مُصطَفًي عَلَي العَالَمِينَ، وَ إِنّ العَالِمَ أَمِيرٌ عَلَي الجَاهِلِ أَبَداً إِلَي يَومِ القِيَامَةِ،فَسَأَلتُهُ عَنِ اسمِهِ فَقَالَ ألّذِي إِلَي جَنبِهِ هَذَا خَلِيفَةُ رَسُولِ
صفحه : 63
اللّهِ.فَقُلتُ إِنّ هَذَا الِاسمَ لَا نَعرِفُهُ لِأَحَدٍ بَعدَ النّبِيّ إِلّا أَن يَكُونَ لُغَةً مِنَ اللّغَاتِ،فَأَمّا الخِلَافَةُ فَلَا تَصلُحُ إِلّا لِآدَمَ وَ دَاوُدَ عَلَيهِمَا السّلَامُ، وَ السّنّةُ فِيهَا لِلأَنبِيَاءِ وَ الأَوصِيَاءِ، وَ إِنّكُم لَتُعَظّمُونَ الفِريَةَ عَلَي اللّهِ وَ عَلَي رَسُولِهِ،فَانتَفَي مِنَ العِلمِ، وَ اعتَذَرَ مِنَ الِاسمِ، وَ قَالَ إِنّمَا تَرَاضَوُا النّاسُ بيِ فسَمَوّنيِ خَلِيفَةً، وَ فِي الأُمّةِ مَن هُوَ أَعلَمُ منِيّ،فَاكتَفَينَا بِمَا حَكَمَ عَلَي نَفسِهِ وَ عَلَي مَنِ اختَارَهُ،فَقَدِمتُ مُستَرشِداً وَ بَاحِثاً عَنِ الحَقّ، فَإِن وَضَحَ لِي اتّبَعتُهُ وَ لَم تأَخذُنيِ فِي اللّهِ لَومَةُ لَائِمٍ،فَهَل عِندَكَ أَيّهَا الشّابّ شِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِنَا. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بَلَي عنِديِ شِفَاءٌ لِصُدُورِكُم، وَ ضِيَاءٌ لِقُلُوبِكُم، وَ شَرحٌ لِمَا أَنتُم عَلَيهِ، وَ بَيَانٌ لَا يَختَلِجُكُمُ الشّكّ مَعَهُ، وَ إِخبَارٌ عَن أُمُورِكُم، وَ بُرهَانٌ لِدَلَالَتِكُم،فَأَقبِل عَلَيّ بِوَجهِكَ، وَ فَرّغ لِي مَسَامِعَ قَلبِكَ، وَ أحَضرِنيِ ذِهنَكَ، وَ عِ مَا أَقُولُ لَكَ إِنّ اللّهَ بِمَنّهِ وَ طَولِهِ وَ فَضلِهِ لَهُ الحَمدُ كَثِيراً دَائِماً قَد صَدّقَ وَعدَهُ، وَ أَعَزّ دِينَهُ، وَ نَصَرَ مُحَمّداً عَبدَهُ وَ رَسُولَهُ، وَ هَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ،فَلَهُ المُلكُ وَ لَهُ الحَمدُ وَ هُوَ عَلي كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ،إِنّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي اختَصّ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ اصطَفَاهُ وَ هَدَاهُ، وَ انتَجَبَهُ لِرِسَالَتِهِ إِلَي النّاسِ كَافّةً بِرَحمَتِهِ، وَ إِلَي الثّقَلَينِ بِرَأفَتِهِ، وَ فَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَي أَهلِ السّمَاءِ وَ الأَرضِ، وَ جَعَلَهُ إِمَاماً لِمَن قَبلَهُ مِنَ الرّسُلِ، وَ خَاتَماً لِمَن بَعدَهُ مِنَ الخَلقِ، وَ وَرّثَهُ مَوَارِيثَ الأَنبِيَاءِ، وَ أَعطَاهُ مَقَالِيدَ الدّنيَا وَ الآخِرَةِ،
صفحه : 64
وَ اتّخَذَهُ نَبِيّاً وَ رَسُولًا وَ حَبِيباً وَ إِمَاماً، وَ دَفَعَهُ إِلَيهِ، وَ قَرّبَهُ يَمِينَ عَرشِهِ بِحَيثُ لَا يَبلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرّبٌ وَ لَا نبَيِّ مُرسَلٌ،فَأَوحَي اللّهُ إِلَيهِ فِي وَحيِهِ مَا أَوحَيما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأي، وَ أَنزَلَ عَلَامَاتِهِ عَلَي الأَنبِيَاءِ، وَ أَخَذَ مِيثَاقَهُملَتُؤمِنُنّ بِهِ وَ لَتَنصُرُنّهُ. قَالَ ثُمّقالَ أَ أَقرَرتُم وَ أَخَذتُم عَلي ذلِكُم إصِريِ قالُوا أَقرَرنا قالَ فَاشهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُم مِنَ الشّاهِدِينَ وَ قَالَيَجِدُونَهُ مَكتُوباً عِندَهُم فِي التّوراةِ وَ الإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَ يَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ وَ يُحِلّ لَهُمُ الطّيّباتِ وَ يُحَرّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَ الأَغلالَ التّيِ كانَت عَلَيهِم فَالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتّبَعُوا النّورَ ألّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَفَمَا مَضَي صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي أَتَمّ اللّهُ مَقَامَهُ، وَ أَعطَاهُ وَسِيلَتَهُ، وَ رَفَعَ لَهُ دَرَجَتَهُ،فَلَن يُذكَرَ اللّهُ تَعَالَي إِلّا كَانَ مَعَهُ مَقرُوناً، وَ فَرَضَ دِينَهُ، وَ وَصَلَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ، فَقَالَمَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَد أَطاعَ اللّهَ وَ قَالَما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوافَأَبلَغَ عَنِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ رِسَالَتَهُ، وَ أَوضَحَ بُرهَانَ وَلَايَتِهِ، وَ أَحكَمَ آيَاتِهِ، وَ شَرّعَ شَرَائِعَهُ وَ أَحكَامَهُ، وَ دَلّهُم عَلَي سَبِيلِ نَجَاتِهِم، وَ بَابِ هِدَايَتِهِ
صفحه : 65
وَ حِكمَتِهِ، وَ كَذَلِكَ بَشّرَ بِهِ النّبِيّونَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِم قَبلَهُ، وَ بَشّرَ بِهِ عِيسَي رُوحُ اللّهِ وَ كَلِمَتُهُ إِذ يَقُولُ فِي الإِنجِيلِ أَحمَدُ العرَبَيِّ النّبِيّ الأمُيّّ صَاحِبُ الجَمَلِ الأَحمَرِ وَ القَضِيبِ، وَ أَقَامَ لِأُمّتِهِ وَصِيّهُ فِيهِم، وَ عَيبَةَ عِلمِهِ، وَ مَوضِعَ سِرّهِ، وَ مُحكَمَ آيَاتِ كِتَابِهِ، وَ تَالِيَهُ حَقّ تِلَاوَتِهِ، وَ بَابَ حِطّتِهِ، وَ وَارِثَ كِتَابِهِ، وَ خَلّفَهُ مَعَ كِتَابِ اللّهِ فِيهِم، وَ أَخَذَ فِيهِمُ الحُجّةَ، فَقَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد خَلّفتُ فِيكُم مَا إِن تَمَسّكتُم بِهِ لَن تَضِلّوا، كِتَابَ اللّهِ وَ عتِرتَيِ أَهلَ بيَتيِ، وَ هُمَا الثّقَلَانِ كِتَابُ اللّهِ الثّقَلُ الأَكبَرُ حَبلٌ مَمدُودٌ مِنَ السّمَاءِ إِلَي الأَرضِ سَبَبُ بِأَيدِيكُم وَ سَبَبٌ بِيَدِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ، وَ إِنّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتّي يَرِدَا عَلَيّ الحَوضَ، فَلَا تَقَدّمُوهُم فَتَمرُقُوا وَ لَا تَأخُذُوا عَن غَيرِهِم فَتَعطَبُوا، وَ لَا تُعَلّمُوهُم فَإِنّهُم أَعلَمُ مِنكُم، وَ أَنَا وَصِيّهُ وَ القَائِمُ بِتَأوِيلِ كِتَابِهِ، وَ العَارِفُ بِحَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ، وَ بِمُحكَمِهِ وَ مُتَشَابِهِهِ، وَ نَاسِخِهِ وَ مَنسُوخِهِ، وَ أَمثَالِهِ وَ عِبَرِهِ وَ تَصَارِيفِهِ، وَ عنِديِ عِلمُ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ أُمّتُهُ مِن بَعدِهِ، وَ كُلّ قَائِمٍ وَ مُلتَوٍ، وَ عنِديِ عِلمُ البَلَايَا وَ المَنَايَا وَ الوَصَايَا وَ الأَنسَابِ وَ فَصلِ الخِطَابِ، وَ مَولِدِ الإِسلَامِ، وَ مَولِدِ الكُفرِ، وَ صَاحِبِ الكَرّاتِ، وَ دُولَةِ الدّوَلِ،فاَسألَنيِ عَمّا يَكُونُ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ وَ عَمّا كَانَ عَلَي عَهدِ عِيسَي عَلَيهِ السّلَامُ مُنذُ بَعَثَهُ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي، وَ عَن كُلّ وصَيِّ، وَ كُلّ فِئَةٍ تَضِلّ مِائَةً وَ تهَديِ مِائَةً، وَ عَن سَائِقِهَا وَ قَائِدِهَا وَ نَاعِقِهَا إِلَي يَومِ القِيَامَةِ، وَ كُلّ آيَةٍ نَزَلَت فِي كِتَابِ اللّهِ فِي لَيلٍ نَزَلَت أَم نَهَارٍ، وَ عَنِ التّورَاةِ وَ الإِنجِيلِ وَ القُرآنِ العَظِيمِ،فَإِنّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يكَتمُنيِ مِن عِلمِهِ شَيئاً وَ لَا مَا تَحتَاجُ إِلَيهِ الأُمَمُ مِن أَهلِ التّورَاةِ وَ الإِنجِيلِ، وَ أَصنَافَ المُلحِدِينَ وَ أَحوَالَ
صفحه : 66
المُخَالِفِينَ، وَ أَديَانَ المُختَلِفِينَ، وَ كَانَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَاتَمَ النّبِيّينَ بَعدَهُم، وَ عَلَيهِم فُرِضَت طَاعَتُهُ وَ الإِيمَانُ بِهِ وَ النّصرَةُ لَهُ،تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكتُوباً فِي التّورَاةِ وَ الإِنجِيلِ وَ الزّبُورِ، وَ فِيالصّحُفِ الأُولي صُحُفِ اِبراهِيمَ وَ مُوسي، وَ لَم يَكُن لِيُضَيّعَ عَهدَ اللّهِ فِي خَلقِهِ وَ يَترُكَ الأُمّةَ قَائِهِينَ بَعدَهُ، وَ كَيفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَ قَد وَصَفَهُ اللّهُ بِالرّأفَةِ وَ الرّحمَةِ وَ العَفوِ وَ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَ النهّيِ عَنِ المُنكَرِ وَ إِقَامَةِ القِسطَاسِ المُستَقِيمِ. وَ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ أَوحَي إِلَيهِ كَمَا أَوحَي إِلَي نُوحٍ وَ النّبِيّينَ مِن بَعدِهِ، وَ كَمَا أَوحَي إِلَي مُوسَي عَلَيهِ السّلَامُ وَ عِيسَي عَلَيهِ السّلَامُ فَصَدّقَ اللّهَ وَ بَلّغَ رِسَالَتَهُ وَ أَنَا عَلَي ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ، وَ قَد قَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيفَكَيفَ إِذا جِئنا مِن كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئنا بِكَ عَلي هؤُلاءِ شَهِيداً وَ قَالَ وَكَفي بِاللّهِ شَهِيداً بيَنيِ وَ بَينَكُم وَ مَن عِندَهُ عِلمُ الكِتابِ وَ قَد صَدّقَهُ اللّهُ وَ أَعطَاهُ الوَسِيلَةَ إِلَيهِ وَ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ، فَقَالَيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ،فَنَحنُ الصّادِقُونَ، وَ أَنَا أَخُوهُ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ، وَ الشّاهِدُ مِنهُ عَلَيهِم بَعدَهُ، وَ أَنَا وَسِيلَتُهُ بَينَهُ وَ بَينَ أُمّتِهِ، وَ أَنَا وَ ولُديِ وَرَثَتُهُ، وَ أَنَا وَ هُم كَسَفِينَةِ
صفحه : 67
نُوحٍ فِي قَومِهِ مَن رَكِبَهَا نَجَا وَ مَن تَخَلّفَ عَنهَا غَرِقَ، وَ أَنَا وَ هُم كَبَابِ حِطّةٍ فِي بنَيِ إِسرَائِيلَ، وَ أَنَا بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي إِلّا أَنّهُ لَا نبَيِّ بَعدَهُ، وَ أَنَا الشّاهِدُ مِنهُ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ، وَ رَسُولُ اللّهِ عَلَي بَيّنَةٍ مِن رَبّهِ وَ يُعرَضُ طاَعتَيِ وَ محَبَتّيِ بَينَ أَهلِ الإِيمَانِ وَ أَهلِ الكُفرِ وَ أَهلِ النّفَاقِ،فَمَن أحَبَنّيِ كَانَ مُؤمِناً، وَ مَن أبَغضَنَيِ كَانَ كَافِراً، وَ اللّهِ مَا كَذَبتُ وَ لَا كُذِبتُ وَ لَا كُذّبَ بيِ، وَ لَا ضَلَلتُ وَ لَا ضُلّ بيِ، وَ إنِيّ لَعَلَي بَيّنَةٍ بَيّنَهَا ربَيّ عَزّ وَ جَلّ لِنَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَبَيّنَهَا لِي،فاَسألَوُنيِ عَمّا كَانَ وَ عَمّا يَكُونُ وَ عَمّا هُوَ كَائِنٌ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ. قَالَ فَالتَفَتَ الجَاثَلِيقُ إِلَي أَصحَابِهِ وَ قَالَ هَذَا هُوَ وَ اللّهِ النّاطِقُ بِالعِلمِ وَ القُدرَةِ،الفَاتِقُ الرّاتِقُ، وَ نَرجُو مِنَ اللّهِ تَعَالَي أَن نَكُونَ صَادَفنَا حَظّنَا، وَ نُورَ هِدَايَتِنَا، وَ هَذِهِ وَ اللّهِ حُجَجُ الأَوصِيَاءِ مِنَ الأَنبِيَاءِ عَلَي قَومِهِم. قَالَ فَالتَفَتَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ كَيفَ عَدَلَ بِكَ القَومُ عَن قَصدِهِم إِيّاكَ، وَ ادّعَوا مَا أَنتَ أَولَي بِهِ مِنهُم أَلَا وَ قَد وَقَعَ القَولُ عَلَيهِم،قَصّرُوا فِي أَنفُسِهِم وَ مَا ضَرّ ذَلِكَ الأَوصِيَاءَ مَعَ مَا أَغنَاهُمُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ بِهِ مِنَ العِلمِ وَ استِحقَاقِ مَقَامَاتِ رُسُلِهِ،فأَخَبرِنيِ أَيّهَا العَالِمُ الحَكِيمُ عنَيّ وَ عَنكَ مَا
صفحه : 68
أَنتَ عِندَ اللّهِ وَ مَا أَنَا عِندَ اللّهِ. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا أَنَا فَعِندَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ مُؤمِنٌ وَ عِندَ نفَسيِ مُؤمِنٌ مُتَيَقّنٌ بِفَضلِهِ وَ رَحمَتِهِ وَ هِدَايَتِهِ وَ نِعَمِهِ عَلَيّ، وَ كَذَلِكَ أَخَذَ اللّهُ جَلّ جَلَالُهُ ميِثاَقيِ عَلَي الإِيمَانِ وَ هدَاَنيِ لِمَعرِفَتِهِ لَا أَشُكّ فِي ذَلِكَ وَ لَا أَرتَابُ، وَ لَم أَزَل عَلَي مَا أَخَذَ اللّهُ تَعَالَي عَلَيّ مِنَ المِيثَاقِ، وَ لَم أُبَدّل وَ لَم أُغَيّر وَ ذَلِكَ بِمَنّ اللّهِ وَ رَحمَتِهِ وَ صُنعِهِ، أَنَا فِي الجَنّةِ لَا أَشُكّ فِي ذَلِكَ وَ لَا أَرتَابُ، لَم أَزَل عَلَي مَا أَخَذَ اللّهُ تَعَالَي عَلَيّ مِنَ المِيثَاقِ، فَإِنّ الشّكّ شِركٌ لِمَا أعَطاَنيَِ اللّهُ مِنَ اليَقِينِ وَ البَيّنَةِ، وَ أَمّا أَنتَ فَعِندَ اللّهِ كَافِرٌ بِجُحُودِكَ المِيثَاقَ وَ الإِقرَارَ ألّذِي أَخَذَهُ اللّهُ عَلَيكَ بَعدَ خُرُوجِكَ مِن بَطنِ أُمّكَ وَ بُلُوغِكَ العَقلَ وَ مَعرِفَةَ التّميِيزِ لِلجَيّدِ وَ الردّيِءِ وَ الخَيرِ وَ الشّرّ، وَ إِقرَارَكَ بِالرّسُلِ، وَ جُحُودِكَ لِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِي الإِنجِيلِ مِن أَخبَارِ النّبِيّينَ عَلَيهِمُ السّلَامُ مَا دُمتَ عَلَي هَذِهِ الحَالَةِ،كُنتَ فِي النّارِ لَا مَحَالَةَ. قَالَ فأَخَبرِنيِ عَن مكَاَنيِ مِنَ النّارِ وَ مَكَانِكَ مِنَ الجَنّةِ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَم أَدخُلهَا فَأَعرِفَ مكَاَنيِ مِنَ الجَنّةِ وَ مَكَانَكَ مِنَ النّارِ، وَ لَكِن أُعَرّفُكَ ذَلِكَ مِن كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ إِنّ اللّهَ جَلّ جَلَالُهُ بَعَثَ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالحَقّ، وَ أَنزَلَ عَلَيهِ كِتَاباًلا يَأتِيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ
صفحه : 69
وَ لا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍأَحكَمَ فِيهِ جَمِيعَ عِلمِهِ، وَ أَخبَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنِ الجَنّةِ بِدَرَجَاتِهَا وَ مَنَازِلِهَا، وَ قَسّمَ اللّهُ جَلّ جَلَالُهُ الجِنَانَ بَينَ خَلقِهِ لِكُلّ عَامِلٍ مِنهُم ثَوَاباً مِنهَا، وَ أَحَلّهُم عَلَي قَدرِ فَضَائِلِهِم فِي الأَعمَالِ وَ الإِيمَانِ،فَصَدّقَنَا اللّهُ وَ عَرّفَنَا مَنَازِلَ الأَبرَارِ، وَ كَذَلِكَ مَنَازِلَ الفُجّارِ، وَ مَا أَعَدّ لَهُم مِنَ العَذَابِ فِي النّارِ، وَ قَالَلَها سَبعَةُ أَبوابٍ لِكُلّ بابٍ مِنهُم جُزءٌ مَقسُومٌفَمَن مَاتَ عَلَي كُفرِهِ وَ فُسُوقِهِ وَ شِركِهِ وَ نِفَاقِهِ وَ ظُلمِهِ فَلِكُلّ بابٍ مِنهُم جُزءٌ مَقسُومٌ، وَ قَد قَالَ جَلّ جَلَالُهُإِنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلمُتَوَسّمِينَ وَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ هُوَ المُتَوَسّمُ، وَ أَنَا وَ الأَئِمّةُ مِن ذرُيّتّيَِ المُتَوَسّمُونَ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ. قَالَ فَالتَفَتَ الجَاثَلِيقُ إِلَي أَصحَابِهِ وَ قَالَ قَد أَصَبتُم إِرَادَتَكُم وَ أَرجُو أَن تَظفَرُوا بِالحَقّ ألّذِي طَلَبنَا، إِلّا أَنّهُ قَد نَصَبتُ لَهُ مَسَائِلَ فَإِن أجَاَبنَيِ عَنهَا نَظَرنَا فِي أَمرِنَا وَ قَبِلتُ مِنهُ. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَإِن أَجَبتُكَ عَمّا تسَألَنُيِ عَنهُ وَ فِيهِ تِبيَانٌ وَ بُرهَانٌ وَاضِحٌ لَا تَجِدُ لَهُ مَدفَعاً وَ لَا مِن قَبُولِهِ بُدّاً أَن تَدخُلَ فِي دِينِنَا قَالَ نَعَم. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ اللّهُ عَلَيكَ رَاعٍ وَ كَفِيلٌ، إِذَا وَضَحَ لَكَ الحَقّ وَ عَرَفتَ الهُدَي أَن تَدخُلَ فِي دِينِنَا أَنتَ وَ أَصحَابُكَ. قَالَ الجَاثَلِيقُ نَعَم، لَكَ اللّهُ عَلَيّ رَاعٍ وَ كَفِيلٌ أنَيّ أَفعَلُ ذَلِكَ.
صفحه : 70
فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَخُذ عَلَي أَصحَابِكَ الوَفَاءَ. قَالَ فَأَخَذَ عَلَيهِمُ العَهدَ. ثُمّ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ سَل عَمّا أَحبَبتَ. قَالَ خبَرّنيِ عَنِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ أَ حَمَلَ العَرشَ أَمِ العَرشُ يَحمِلُهُ. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ اللّهُ حَامِلُ العَرشِ وَ السّمَاوَاتِ وَ الأَرضِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَينَهُمَا، وَ ذَلِكَ قَولُ اللّهِ تَعَالَيإِنّ اللّهَ يُمسِكُ السّماواتِ وَ الأَرضَ أَن تَزُولا وَ لَئِن زالَتا إِن أَمسَكَهُما مِن أَحَدٍ مِن بَعدِهِ إِنّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً. قَالَ أخَبرِنيِ عَن قَولِ اللّهِوَ يَحمِلُ عَرشَ رَبّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمانِيَةٌفَكَيفَ ذَلِكَ وَ قُلتَ إِنّهُ يَحمِلُ العَرشَ وَ السّمَاوَاتِ وَ الأَرضَ. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ العَرشَ خَلَقَهُ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي مِن أَنوَارٍ أَربَعَةٍ نُورٍ أَحمَرَ احمَرّت مِنهُ الحُمرَةُ، وَ نُورٍ أَخضَرَ اخضَرّت مِنهُ الخُضرَةُ، وَ نُورٍ أَصفَرَ اصفَرّت مِنهُ الصّفرَةُ، وَ نُورٍ أَبيَضَ ابيَضّ مِنهُ البَيَاضُ وَ هُوَ العِلمُ ألّذِي حَمّلَهُ اللّهُ الحَمَلَةَ، وَ ذَلِكَ نُورٌ مِن عَظَمَتِهِ،فَبِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ ابيَضّت قُلُوبُ المُؤمِنِينَ، وَ بِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ عَادَاهُ الجَاهِلُونَ، وَ بِعَظَمَتِهِ وَ نُورِهِ ابتَغَي مَن فِي السّمَاوَاتِ وَ الأَرضِ مِن جَمِيعِ خَلَائِقِهِ إِلَيهِ الوَسِيلَةَ بِالأَعمَالِ المُختَلِفَةِ وَ الأَديَانِ المُتَشَتّتَةِ، وَ كُلّ مَحمُولٍ يَحمِلُهُ اللّهُ بِنُورِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ قُدرَتِهِ لَا يَستَطِيعُ لِنَفسِهِ نَفعاً وَ لَا ضَرّاً وَ لَا مَوتاً وَ لَا حَيَاةً وَ لَا نُشُوراً، وَ كُلّ شَيءٍ مَحمُولٌ وَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ المُمسِكُ لَهُمَا أَن تَزُولَا، وَ المُحِيطُ بِهِمَا
صفحه : 71
وَ بِمَا فِيهِمَا مِن شَيءٍ، وَ هُوَ حَيَاةُ كُلّ شَيءٍ وَ نُورُ كُلّ شَيءٍسُبحانَهُ وَ تَعالي عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّا كَبِيراً. قَالَ فأَخَبرِنيِ عَنِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ أَينَ هُوَ. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ هُوَ هَاهُنَا .. وَ هَاهُنَا .. وَ هَاهُنَا .. وَ هَاهُنَا ..، وَ هُوَ فَوقُ وَ تَحتُ وَ مُحِيطٌ بِنَا وَ مَعَنَا، وَ هُوَ قَولُهُما يَكُونُ مِن نَجوي ثَلاثَةٍ إِلّا هُوَ رابِعُهُم وَ لا خَمسَةٍ إِلّا هُوَ سادِسُهُم وَ لا أَدني مِن ذلِكَ وَ لا أَكثَرَ إِلّا هُوَ مَعَهُم أَينَ ما كانُوا ثُمّ يُنَبّئُهُم بِما عَمِلُوا يَومَ القِيامَةِ، وَ الكرُسيِّ مُحِيطٌ بِالسّمَاوَاتِ وَ الأَرضِوَ لا يَؤُدُهُ حِفظُهُما وَ هُوَ العلَيِّ العَظِيمُفَالّذِينَ يَحمِلُونَ العَرشَ هُمُ العُلَمَاءُ، وَ هُمُ الّذِينَ حَمّلَهُمُ اللّهُ عِلمَهُ، وَ لَيسَ يَخرُجُ عَن هَذِهِ الأَربَعَةِ شَيءٌ خَلَقَهُ اللّهُ تَعَالَي فِي مَلَكُوتِهِ، وَ هُوَ المَلَكُوتُ ألّذِي أَرَاهُ اللّهُ أَصفِيَاءَهُ، وَ أَرَاهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ خَلِيلَهُ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَوَ كَذلِكَ نرُيِ اِبراهِيمَ مَلَكُوتَ السّماواتِ وَ الأَرضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَفَكَيفَ يَحمِلُهُ حَمَلَةُ العَرشِ وَ بِحَيَاتِهِ حَيِيَت قُلُوبُهُم، وَ بِنُورِهِ اهتَدَوا إِلَي مَعرِفَتِهِ وَ انقَادُوا. قَالَ فَالتَفَتَ الجَاثَلِيقُ إِلَي أَصحَابِهِ، فَقَالَ هَذَا هُوَ وَ اللّهِ الحَقّ مِن عِندِ
صفحه : 72
اللّهِ عَزّ وَ جَلّ عَلَي لِسَانِ المَسِيحِ وَ النّبِيّينَ وَ الأَوصِيَاءِ عَلَيهِمُ السّلَامُ. قَالَ أخَبرِنيِ عَنِ الجَنّةِ فِي الدّنيَا هيَِ أَم فِي الآخِرَةِ وَ أَينَ الآخِرَةُ وَ الدّنيَا. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ الدّنيَا فِي الآخِرَةِ، وَ الآخِرَةُ مُحِيطَةٌ بِالدّنيَا، إِذَا[إِذ]كَانَتِ النّقلَةُ مِنَ الحَيَاةِ إِلَي المَوتِ ظَاهِرَةً،كَانَتِ الآخِرَةُ هيَِ دَارَ الحَيَوَانِلَو كانُوا يَعلَمُونَ، وَ ذَلِكَ أَنّ الدّنيَا نُقلَةٌ وَ الآخِرَةَ حَيَاةٌ وَ مُقَامٌ مَثَلُ ذَلِكَ النّائِمُ، وَ ذَلِكَ أَنّ الجِسمَ يَنَامُ وَ الرّوحَ لَا تَنَامُ، وَ البَدَنَ يَمُوتُ وَ الرّوحَ لَا تَمُوتُ، قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّوَ إِنّ الدّارَ الآخِرَةَ لهَيَِ الحَيَوانُ لَو كانُوا يَعلَمُونَ وَ الدّنيَا رَسمُ الآخِرَةِ، وَ الآخِرَةُ رَسمُ الدّنيَا، وَ لَيسَ الدّنيَا الآخِرَةَ وَ لَا الآخِرَةُ الدّنيَا، إِذَا فَارَقَ الرّوحُ الجِسمَ يَرجِعُ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا إِلَي مَا مِنهُ بَدَأَ، وَ مَا مِنهُ خُلِقَ، وَ كَذَلِكَ الجَنّةُ وَ النّارُ فِي الدّنيَا مَوجُودَةٌ وَ فِي الآخِرَةِ مَوجُودَةٌ،لِأَنّ العَبدَ إِذَا مَاتَ صَارَ فِي دَارٍ مِنَ الأَرضِ،إِمّا رَوضَةٍ مِن رِيَاضِ الجَنّةِ، وَ إِمّا بُقعَةٍ مِن بِقَاعِ النّارِ، وَ رُوحُهُ إِلَي إِحدَي دَارَينِ إِمّا فِي دَارِ نَعِيمٍ مُقِيمٍ لَا مَوتَ فِيهَا، وَ إِمّا فِي دَارِ عَذَابٍ أَلِيمٍ لَا يَمُوتُ فِيهَا، وَ الرّسمُ لِمَن عَقَلَ مَوجُودٌ وَاضِحٌ، وَ قَد قَالَ اللّهُ تَعَالَيكَلّا لَو تَعلَمُونَ عِلمَ اليَقِينِ لَتَرَوُنّ الجَحِيمَ ثُمّ لَتَرَوُنّها عَينَ اليَقِينِ ثُمّ لَتُسئَلُنّ يَومَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ، وَ عَنِ الكُفّارِ فَقَالَ إِنّهُمكانَت أَعيُنُهُم فِي غِطاءٍ عَن ذكِريِ
صفحه : 73
وَ كانُوا لا يَستَطِيعُونَ سَمعاً، وَ لَو عَلِمَ الإِنسَانُ عِلمَ مَا هُوَ فِيهِ مَاتَ حُبّاً مِنَ المَوتِ، وَ مَن نَجَا فَبِفَضلِ اليَقِينِ. قَالَ فأَخَبرِنيِ عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدرِهِ وَ الأَرضُ جَمِيعاً قَبضَتُهُ يَومَ القِيامَةِ وَ السّماواتُ مَطوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبحانَهُ وَ تَعالي عَمّا يُشرِكُونَ، فَإِذَا طُوِيَتِ السّمَاوَاتُ وَ قُبِضَتِ الأَرضُ،فَأَينَ تَكُونُ الجَنّةُ وَ النّارُ وَ هُمَا فِيهِمَا. قَالَ فَدَعَا بِدَوَاةٍ وَ قِرطَاسٍ ثُمّ كَتَبَ فِيهِ الجَنّةَ وَ النّارَ، ثُمّ دَرَجَ القِرطَاسَ وَ دَفَعَهُ إِلَي النصّراَنيِّ، وَ قَالَ لَهُ أَ لَيسَ قَد طَوَيتُ هَذَا القِرطَاسَ قَالَ نَعَم. قَالَ فَافتَحهُ .. فَفَتَحتُهُ[فَفَتَحَهُ] قَالَ هَل تَرَي آيَةَ النّارِ وَ آيَةَ الجَنّةِ أَ مَحَاهُمَا القِرطَاسُ. قَالَ لَا. قَالَ فَهَكَذَا فِي قُدرَةِ اللّهِ تَعَالَي إِذَا طُوِيَتِ السّمَاوَاتُ وَ قُبِضَتِ الأَرضُ لَم تَبطُلِ الجَنّةُ وَ النّارُ كَمَا لَم تُبطِل طيَّ هَذَا الكِتَابِ آيَةَ الجَنّةِ وَ آيَةَ النّارِ. قَالَ فأَخَبرِنيِ عَن قَولِ اللّهِ تَعَالَيكُلّ شَيءٍ هالِكٌ إِلّا وَجهَهُ مَا هَذَا الوَجهُ، وَ كَيفَ هُوَ، وَ أَينَ يُؤتَي، وَ مَا دَلِيلُنَا عَلَيهِ. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا غُلَامُ عَلَيّ بِحَطَبٍ وَ نَارٍ،فَأَتَي بِحَطَبٍ وَ نَارٍ وَ أَمَرَ
صفحه : 74
أَن تُضرَمَ، فَلَمّا استَوقَدَت وَ اشتَعَلَت، قَالَ لَهُ يَا نصَراَنيِّ هَل تَجِدُ لِهَذِهِ النّارِ وَجهاً دُونَ وَجهٍ. قَالَ لَا،حَيثُمَا أَتَيتُهَا فَهُوَ وَجهٌ. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فَإِذَا كَانَت هَذِهِ النّارُ المَخلُوقَةُ المُدَبّرَةُ فِي ضَعفِهَا وَ سُرعَةِ زَوَالِهَا لَا تَجِدُ لَهَا وَجهاً فَكَيفَ مَن خَلَقَ هَذِهِ النّارَ وَ جَمِيعُ مَا فِي مَلَكُوتِهِ مِن شَيءٍ أَجَابَهُ كَيفَ يُوصَفُ بِوَجهٍ أَو يُحَدّ بِحَدّ، أَو يُدرَكُ بِبَصَرٍ، أَو يُحِيطُ بِهِ عَقلٌ، أَو يَضبِطُهُ وَهمٌ، وَ قَالَ اللّهُ تَعَالَيلَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَ هُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ. قَالَ الجَاثَلِيقُ صَدَقتَ أَيّهَا الوصَيِّ العَلِيمُ الحَكِيمُ الرّفِيقُ الهاَديِ،أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ،أَرسَلَهُ بِالحَقّ بَشِيراً وَ نَذِيراً، وَ أَنّكَ وَصِيّهُ وَ صَدِيقُهُ وَ دَلِيلُهُ وَ مَوضِعُ سِرّهِ وَ أَمِينُهُ عَلَي أَهلِ بَيتِهِ وَ ولَيِّ المُؤمِنِينَ مِن بَعدِهِ، مَن أَحَبّكَ وَ تَوَلّاكَ هَدَيتَهُ وَ نَوّرتَ قَلبَهُ وَ أَغنَيتَهُ وَ كَفَيتَهُ وَ شَفَيتَهُ، وَ مَن تَوَلّي عَنكَ وَ عَدَلَ عَن سَبِيلِكَ ضَلّ وَ غَبَنَ عَن حَظّهِ وَ اتّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًي مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ كَفَي هُدَاكَ وَ نُورُكَ هَادِياً وَ كَافِياً وَ شَافِياً. قَالَ ثُمّ التَفَتَ الجَاثَلِيقُ إِلَي القَومِ فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ قَد أَصَبتُم أُمنِيّتَكُم وَ أَخطَأتُم سُنّةَ نَبِيّكُم،فَاتّبِعُوهُ تَهتَدُوا وَ تَرشُدُوا،فَمَا دَعَاكُم إِلَي مَا فَعَلتُم مَا أَعرِفُ لَكُم عُذراً بَعدَ آيَاتِ اللّهِ وَ الحُجّةِ عَلَيكُم،أَشهَدُ أَنّهَا سُنّةُ اللّهِ فِي الّذِينَ خَلَوا
صفحه : 75
مِن قَبلِكُم وَلا تَبدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ، وَ قَد قَضَي عَزّ وَ جَلّ الِاختِلَافَ عَلَي الأُمَمِ،الِاستِبدَالَ بِأَوصِيَائِهِم بَعدَ أَنبِيَائِهِم، وَ مَا العَجَبُ إِلّا مِنكُم بَعدَ مَا شَاهَدتُم فَمَا هَذِهِ القُلُوبُ القَاسِيَةُ، وَ الحَسَدُ الظّاهِرُ، وَ الضّغنُ وَ الإِفكُ المُبِينُ. قَالَ وَ أَسلَمَ النصّراَنيِّ وَ مَن مَعَهُ وَ شَهِدُوا لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ بِالوَصِيّةِ وَ لِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالحَقّ وَ النّبُوّةِ، وَ أَنّهُ المَوصُوفُ المَنعُوتُ فِي التّورَاةِ وَ الإِنجِيلِ، ثُمّ خَرَجُوا مُنصَرِفِينَ إِلَي مَلِكِهِم لِيَرُدّوا عَلَيهِ مَا عَايَنُوا وَ مَا سَمِعُوا. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي أَوضَحَ بُرهَانَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَعَزّ دِينَهُ وَ نَصَرَهُ، وَ صَدّقَ رَسُولَهُ وَ أَظهَرَهُعَلَي الدّينِ كُلّهِ وَ لَو كَرِهَ المُشرِكُونَ،وَ الحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ وَ صَلّي اللّهُ عَلَي مُحَمّدٍ وَ آلِهِ. قَالَ فَتَبَاشَرَ القَومُ بِحُجَجِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ بَيَانِ مَا أَخرَجَهُ إِلَيهِم،فَانكَشَفَت عَنهُمُ الذّلّةُ، وَ قَالُوا جَزَاكَ اللّهُ يَا أَبَا الحَسَنِ فِي مَقَامِكَ بِحَقّ نَبِيّكَ، ثُمّ تَفَرّقُوا وَ كَأَنّ الحَاضِرِينَ لَم يَسمَعُوا شَيئاً مِمّا فَهِمَهُ القَومُ وَ الّذِينَ هُم عِندَهُم أَبَداً، وَ قَدنَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ،وَ الحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ. قَالَ سَلمَانُ الخَيرِ فَلَمّا خَرَجُوا مِنَ المَسجِدِ وَ تَفَرّقَ النّاسُ وَ أَرَادُوا الرّحِيلَ أَتَوا عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ مُسَلّمِينَ عَلَيهِ وَ يَدعُونَ اللّهَ تَعَالَي لَهُ وَ استَأذَنُوا،فَخَرَجَ إِلَيهِم عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَجَلَسُوا، فَقَالَ الجَاثَلِيقُ يَا وصَيِّ مُحَمّدٍ وَ أَبَا ذُرّيّتِهِ مَا نَرَي الأُمّةَ
صفحه : 76
إِلّا هَالِكَةً كَهَلَاكِ مَن مَضَي مِن بنَيِ إِسرَائِيلَ مِن قَومِ مُوسَي وَ تَركِهِم مُوسَي وَ عُكُوفِهِم عَلَي أَمرِ الساّمرِيِّ، وَ إِنّا وَجَدنَا لِكُلّ نبَيِّ بَعَثَهُ اللّهُ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَ الجِنّ يُفسِدَانِ عَلَي النّبِيّ دِينَهُ، وَ يُهلِكَانِ أُمّتَهُ، وَ يَدفَعَانِ وَصِيّهُ، وَ يَدّعِيَانِ الأَمرَ بَعدَهُ، وَ قَد أَرَانَا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ مَا وَعَدَ الصّادِقِينَ مِنَ المَعرِفَةِ بِهَلَاكِ هَؤُلَاءِ القَومِ، وَ بَيّنَ لَنَا سَبِيلَكَ وَ سَبِيلَهُم، وَ بَصّرَنَا مَا أَعمَاهُم عَنهُ، وَ نَحنُ أَولِيَاؤُكَ وَ عَلَي دِينِكَ وَ عَلَي طَاعَتِكَ،فَمُرنَا بِأَمرِكَ، إِن أَحبَبتَ أَقَمنَا مَعَكَ وَ نَصَرنَاكَ عَلَي عَدُوّكَ، وَ إِن أَمَرتَنَا بِالمَسِيرِ سِرنَا وَ إِلَي مَا صَرَفتَنَا إِلَيهِ صِرنَا، وَ قَد نوي صَبرَكَ عَلَي مَا ارتُكِبَ مِنكَ، وَ كَذَلِكَ شِيَمُ الأَوصِيَاءِ وَ سُنّتُهُم بَعدَ نَبِيّهِم،فَهَل عِندَكَ مِن نَبِيّكَ عَهدٌ فِيمَا أَنتَ فِيهِ وَ هُم. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ نَعَم، وَ اللّهِ إِنّ عنِديِ لَعَهداً مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِمّا هُم صَائِرُونَ إِلَيهِ، وَ مَا هُم عَامِلُونَ، وَ كَيفَ يَخفَي عَلَيّ أَمرُ أُمّتِهِ وَ أَنَا مِنهُ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي، وَ بِمَنزِلَةِ شَمعُونَ مِن عِيسَي أَ وَ مَا تَعلَمُونَ أَنّ وصَيِّ عِيسَي شَمعُونَ بنَ حَمّونَ الصّفَا ابنَ خَالِهِ اختَلَفَت عَلَيهِ أُمّةُ عِيسَي( ع ) وَ افتَرَقُوا أَربَعَ فِرَقٍ، وَ افتَرَقَتِ الأَربَعُ فِرَقٍ عَلَي اثنَينِ[اثنَتَينِ] وَ سَبعِينَ فِرقَةً،كُلّهَا هَالِكَةٌ إِلّا فِرقَةٌ وَاحِدَةٌ وَ كَذَلِكَ أُمّةُ مُوسَي( ع )افتَرَقَت عَلَي اثنَينِ[اثنَتَينِ] وَ سَبعِينَ فِرقَةً،
صفحه : 77
كُلّهَا هَالِكَةٌ إِلّا فِرقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَ قَد عَهِدَ إلِيَّ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّ أُمّتَهُ يَفتَرِقُونَ عَلَي ثَلَاثٍ وَ سَبعِينَ فِرقَةً،ثَلَاثَ عَشرَةَ فِرقَةً تدَعّيِ مَحَبّتَنَا وَ مَوَدّتَنَا كُلّهُم هَالِكَةٌ إِلّا فِرقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَ إنِيّ لَعَلَي بَيّنَةٍ مِن ربَيّ، وَ إنِيّ عَالِمٌ بِمَا يَصِيرُ القَومُ إِلَيهِ، وَ لَهُم مُدّةٌ وَ أَجَلٌ مَعدُودٌ،لِأَنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ يَقُولُوَ إِن أدَريِ لَعَلّهُ فِتنَةٌ لَكُم وَ مَتاعٌ إِلي حِينٍ وَ قَد صَبَرَ عَلَيهِمُ القَلِيلَ لِمَا هُوَ بَالِغُ أَمرِهِ وَ قَدَرِهِ المَحتُومِ فِيهِم، وَ ذَكَرَ نِفَاقَهُم وَ حَسَدَهُم وَ أَنّهُ سَيُخرِجُ أَضغَانَهُم وَ يُبَيّنُ مَرَضَ قُلُوبِهِم بَعدَ فِرَاقِ نَبِيّهِم قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّيَحذَرُ المُنافِقُونَ أَن تُنَزّلَ عَلَيهِم سُورَةٌ تُنَبّئُهُم بِما فِي قُلُوبِهِم قُلِ استَهزِؤُا إِنّ اللّهَ مُخرِجٌ ما تَحذَرُونَ أَي تَعلَمُونَوَ لَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنّ إِنّما كُنّا نَخُوضُ وَ نَلعَبُ قُل أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِؤُنَ لا تَعتَذِرُوا قَد كَفَرتُم بَعدَ إِيمانِكُم إِن نَعفُ عَن طائِفَةٍ مِنكُم نُعَذّب طائِفَةً بِأَنّهُم كانُوا مُجرِمِينَفَقَد عَفَا اللّهُ عَنِ القَلِيلِ مِن هَؤُلَاءِ وَ وعَدَنَيِ أَن يظُهرِنَيِ عَلَي أَهلِ الفِتنَةِ وَ يَرُدّوا[يَرُدّ]الأَمرَ إلِيَّ وَ لَو كَرِهَ المُبطِلُونَ، وَ عِندَكُم كِتَابٌ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي المُصَالَحَةِ وَ المُهَادَنَةِ عَلَي أَن لَا تُحدِثُوا وَ لَا تَأوُوا مُحدِثاً،فَلَكُمُ الوَفَاءُ عَلَي
صفحه : 78
مَا وَفَيتُم، وَ لَكُمُ العَهدُ وَ الذّمّةُ عَلَي مَا أَقَمتُم عَلَي الوَفَاءِ بِعَهدِكُم عَلَينَا مِثلُ ذَلِكَ لَكُم، وَ لَيسَ هَذَا أَوَانُ نَصرِنَا وَ لَا يُسَلّ سَيفٌ وَ لَا يُقَامُ عَلَيهِم بِحَقّ مَا لَم يَقبَلُوا وَ يُعطُوا طَاعَتَهُم،إِذ كُنتُ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ مِن رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِثلَ الحَجّ وَ الزّكَاةِ وَ الصّومِ وَ الصّلَاةِ،فَهَل يُقَامُ بِهَذِهِ الحُدُودِ[ هَذِهِ الحُدُودُ] إِلّا بِعَالِمٍ قَائِمٍ يهَديِ إِلَي الحَقّ وَ هُوَ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ وَ لَقَد أَنزَلَ اللّهُ سُبحَانَهُقُل هَل مِن شُرَكائِكُم مَن يهَديِ إِلَي الحَقّ قُلِ اللّهُ يهَديِ لِلحَقّ أَ فَمَن يهَديِ إِلَي الحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لا يهَدِيّ إِلّا أَن يُهدي فَما لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَفَأَنَا رَحِمَكَ اللّهُ فَرِيضَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَيكُم،بَل أَفضَلُ الفَرَائِضِ وَ أَعلَاهَا، وَ أَجمَعُهَا لِلحَقّ، وَ أَحكَمُهَا لِدَعَائِمِ الإِيمَانِ، وَ شَرَائِعِ الإِسلَامِ، وَ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ الخَلقُ لِصَلَاحِهِم وَ لِفَسَادِهِم وَ لِأَمرِ دُنيَاهُم وَ آخِرَتِهِم،فَقَد تَوَلّوا عنَيّ، وَ دَفَعُوا فضَليِ، وَ فَرَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إمِاَمتَيِ وَ سُلُوكَ سبَيِليِ،فَقَد رَأَيتُم مَا شَمِلَهُم مِنَ الذّلّ وَ الصّغَارِ مِن بَعدِ الحُجّةِ. وَ كَيفَ أَثبَتَ اللّهُ عَلَيهِمُ الحُجّةَ وَ قَد نَسُوا مَا ذُكّرُوا بِهِ مِن عَهدِ نَبِيّهُم، وَ مَا أَكّدَ عَلَيهِم مِن طاَعتَيِ وَ أَخبَرَهُم مِن مقَاَميِ، وَ بَلّغَهُم مِن رِسَالَةِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ فِي فَقرِهِم إِلَي علِميِ وَ غنِاَيَ عَنهُم وَ عَن جَمِيعِ الأُمّةِ مِمّا أعَطاَنيَِ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ،فَكَيفَ آسَي عَلَي مَن ضَلّ عَنِ الحَقّ مِن بَعدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ وَاتّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلّهُ اللّهُ
صفحه : 79
عَلي عِلمٍ وَ خَتَمَ عَلي سَمعِهِ وَ قَلبِهِ وَ جَعَلَ عَلي بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكّرُونَ إِنّ هُدَاهُ لَلهُدَي، وَ هُمَا السّبِيلَانِ سَبِيلُ الجَنّةِ وَ سَبِيلُ النّارِ وَ الدّنيَا وَ الآخِرَةُ،فَقَد تَرَي مَا نَزَلَ بِالقَومِ مِنِ استِحقَاقِ العَذَابِ ألّذِي عَذّبَ بِهِ مَن كَانَ قَبلَهُم مِنَ الأُمَمِ، وَ كَيفَ بَدّلُوا كَلَامَ اللّهِ، وَ كَيفَ جَرَتِ السّنّةُ فِيهِم مِنَ الّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِهِم،فَعَلَيكُم بِالتّمَسّكِ بِحَبلِ اللّهِ وَ عُروَتِهِ، وَ كُونُوا مِن حِزبِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ الزَمُوا عَهدَ رَسُولِ اللّهِ وَ مِيثَاقَهُ عَلَيكُم، فَإِنّ الإِسلَامَ بَدَأَ غَرِيباً وَ سَيَعُودُ غَرِيباً، وَ كُونُوا فِي أَهلِ مِلّتِكُم كَأَصحَابِ الكَهفِ، وَ إِيّاكُم أَن تَغُشّوا أَمرَكُم إِلَي أَهلٍ أَو وَلَدٍ أَو حَمِيمٍ أَو قَرِيبٍ،فَإِنّهُ دِينُ اللّهِ ألّذِي أَوجَبَ لَهُ التّقِيّةَ لِأَولِيَائِهِ فَيَقتُلُكُم قَومُكُم وَ إِن أَصَبتُم مِنَ المَلِكِ فُرصَةً أَلقَيتُم عَلَي قَدرِ مَا تَرَونَ مِن قَبُولِهِ، وَ إِنّهُ بَابُ اللّهِ وَ حِصنُ الإِيمَانِ لَا يَدخُلُهُ إِلّا مَن أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَهُ، وَ نَوّرَ لَهُ فِي قَلبِهِ وَ أَعَانَهُ عَلَي نَفسِهِ،انصَرِفُوا إِلَي بِلَادِكُم عَلَي عَهدِكُمُ ألّذِي عاَهدَتمُوُنيِ عَلَيهِ،فَإِنّهُ سيَأَتيِ عَلَي النّاسِ بَعدَ بُرهَةٍ مِن دَهرِهِم مُلُوكٌ بعَديِ وَ بَعدَ هَؤُلَاءِ يُغَيّرُونَ دِينَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ، وَ يُحَرّفُونَ كَلَامَهُ، وَ يَقتُلُونَ أَولِيَاءَ اللّهِ، وَ يُعِزّونَ أَعدَاءَ اللّهِ، وَ بِهِم تَكثُرُ البِدَعُ، وَ تَدرُسُ السّنَنُ، حَتّي تَملَأَ الأَرضُ جَوراً وَ عُدوَاناً وَ بِدَعاً، ثُمّ يَكشِفُ اللّهُ بِنَا أَهلَ البَيتِ جَمِيعَ البَلَايَا عَن أَهلِ دَعوَةِ اللّهِ بَعدَ شِدّةٍ
صفحه : 80
مِنَ البَلَاءِ العَظِيمِ حَتّي تَملَأَ الأَرضُ قِسطاً وَ عَدلًا بَعدَ مَا مُلِئَت ظُلماً وَ جَوراً،أَلَا وَ قَد عَهِدَ إلِيَّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّ الأَمرَ صَائِرٌ إلِيَّ بَعدَ الثّلَاثِينَ مِن وَفَاتِهِ وَ ظُهُورِ الفِتَنِ، وَ اختِلَافِ الأُمّةِ عَلَيّ، وَ مُرُوقِهِم مِن دِينِ اللّهِ، وَ أمَرَنَيِ بِقِتَالِ النّاكِثِينَ وَ المَارِقِينَ وَ القَاسِطِينَ،فَمَن أَدرَكَ مِنكُم ذَلِكَ الزّمَانَ وَ تِلكَ الأُمُورَ وَ أَرَادَ أَن يَأخُذَ بِحَظّهِ مِنَ الجِهَادِ معَيِ فَليَفعَل،فَإِنّهُ وَ اللّهِ الجِهَادُ الصاّفيِ،صَفَاهُ لَنَا كِتَابُ اللّهِ وَ سُنّةُ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَكُونُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ مِن أَحلَاسِ بُيُوتِكُم إِلَي أَوَانِ ظُهُورِ أَمرِنَا،فَمَن مَاتَ مِنكُم كَانَ مِنَ المَظلُومِينَ، وَ مَن عَاشَ مِنكُم أَدرَكَ مَا تَقَرّ بِهِ عَينُهُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي.أَلَا وَ إنِيّ أُخبِرُكُم أَنّهُ سَيَحمِلُونَ عَلَيّ خُطّةَ جَهلِهِم، وَ يَنقُضُونَ عَلَينَا عَهدَ نَبِيّنَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِقِلّةِ عِلمِهِم بِمَا يَأتُونَ وَ يَذَرُونَ، وَ سَيَكُونُ مِنكُم مُلُوكٌ يَدرُسُ عِندَهُمُ العَهدُ، وَ يَنسَونَ مَا ذُكّرُوا بِهِ، وَ يَحِلّ بِهِم مَا يَحِلّ بِالأُمَمِ حَتّي يَصِيرُوا إِلَي الهَرجِ وَ الِاعتِدَاءِ وَ فَسَادِ العَهدِ، وَ ذَلِكَ لِطُولِ المُدّةِ وَ شِدّةِ المِحنَةِ التّيِ أُمِرتُ بِالصّبرِ عَلَيهَا، وَ سَلّمتُ لِأَمرِ اللّهِ فِي مِحنَةٍ عَظِيمَةٍ يَكدَحُ فِيهَا المُؤمِنُ حَتّي يَلقَي اللّهَ رَبّهُ، وَ وَاهاً لِلمُتَمَسّكِينَ بِالثّقَلَينِ وَ مَا يُعمَلُ بِهِم وَ وَاهاً لِفَرَجِ آلِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن خَلِيفَةٍ مُتَخَلّفٍ عِترِيفٍ مُترَفٍ،يَقتُلُ خلَفَيِ وَ خَلَفَ
صفحه : 81
الخَلَفِ،بَلَي أللّهُمّ لَا تَخلُو الأَرضُ مِن قَائِمٍ بِحُجّةٍ إِمّا ظَاهِراً مَشهُوراً أَو بَاطِناً مَستُوراً لِئَلّا تَبطُلَ حُجَجُ اللّهِ وَ بَيّنَاتُهُ، وَ يَكُونَ مِحنَةً لِمَنِ اتّبَعَهُ وَ اقتَدَي بِهِ، وَ أَينَ أُولَئِكَ وَ كَم أُولَئِكَ أُولَئِكَ الأَقَلّونَ عَدَداً،الأَعظَمُونَ عِندَ اللّهِ خَطَراً،بِهِم يَحفَظُ اللّهُ دِينَهُ وَ عِلمَهُ حَتّي يَزرَعَهَا فِي صُدُورِ أَشبَاهِهِم، وَ يُودِعَهَا أَمثَالَهُم،هَجَمَ بِهِمُ العِلمُ عَلَي حَقِيقَةِ الإِيمَانِ، وَ استَروَحُوا رُوحَ اليَقِينِ، وَ أَنِسُوا بِمَا استَوحَشَ مِنهُ الجَاهِلُونَ، وَ استَلَانُوا مَا استَوعَرَ مِنهُ المُترَفُونَ، وَ صَحِبُوا الدّنيَا بِأَبدَانٍ أَروَاحُهَا مُعَلّقَةٌ بِالمَلَإِ الأَعلَي،أُولَئِكَ حُجَجُ اللّهِ فِي أَرضِهِ، وَ أُمَنَاؤُهُ عَلَي خَلقِهِ،آهِ .. آهِ شَوقاً إِلَيهِم وَ إِلَي رُؤيَتِهِم، وَ وَاهاً لَهُم عَلَي صَبرِهِم عَلَي عَدُوّهِم، وَ سَيَجمَعُنَا اللّهُ وَ إِيّاهُم فِي جَنّاتِ عَدنٍوَ مَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وَ أَزواجِهِم وَ ذُرّيّاتِهِم. قَالَ .. ثُمّ بَكَي .. وَ بَكَي القَومُ مَعَهُ وَ وَدّعُوهُ وَ قَالُوا نَشهَدُ لَكَ بِالوَصِيّةِ وَ الإِمَامَةِ وَ الأُخُوّةِ، وَ إِنّ عِندَنَا لَصِفَتَكَ وَ صُورَتَكَ، وَ سَيَقدَمُ وَفدٌ بَعدَ هَذَا الرّجُلِ مِن قُرَيشٍ عَلَي المَلِكِ، وَ لَنُخرِجَنّ إِلَيهِم صُورَةَ الأَنبِيَاءِ وَ صُورَةَ نَبِيّكَ وَ صُورَتَكَ وَ صُورَةَ ابنَيكَ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ وَ صُورَةَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ زَوجَتَكَ سَيّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِينَ بَعدَ مَريَمَ الكُبرَي البَتُولِ، وَ إِنّ ذَلِكَ لَمَأثُورٌ عِندَنَا وَ مَحفُوظٌ، وَ نَحنُ رَاجِعُونَ إِلَي المَلِكِ وَ مُخبِرُوهُ بِمَا أَودَعتَنَا مِن نُورِ هِدَايَتِكَ وَ بُرهَانِكَ وَ كَرَامَتِكَ وَ صَبرِكَ عَلَي مَا أَنتَ فِيهِ، وَ نَحنُ المُرَابِطُونَ لِدَولَتِكَ،الدّاعُونَ
صفحه : 82
لَكَ وَ لِأَمرِكَ،فَمَا أَعظَمَ هَذَا البَلَاءَ، وَ مَا أَطوَلَ هَذِهِ المُدّةَ، وَ نَسأَلُ اللّهَ التّوفِيقَ بِالثّبَاتِ، وَ السّلَامُ عَلَيكَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
بيان قوله ماعظمت .. اسم كان ، أوخبره ، أوعطف بيان للبلاء العظيم ، و علي الأخير إن ملك الروم أحد معمولي كان ، و علي الأوّلين استئناف لبيان ماتقدم ، أوبيان لما، أوخبر بعدخبر لكان . قال الجوهري الخَرَقُ بالتحريك الدّهَشُ مِنَ الخَوفِ أوالحياء، و قدخَرِقَ بالكسر فهو خَرِقٌ .. وبالتحريك أيضا مصدر الأَخرَقِ، و هوضدّ الرّفيق. والنّزقُ الخِفّةُ والطّيشُ. والرّعدِيدُ بالكسر الجَبَانُ. والنّاكِلُ الجَبَانُ. قوله وتركهم بُهماً .. البُهمُ بالضم جمع البَهِيمِ، و هوالمجهول ألّذي لايعرف ، وبالفتح ويحرّك،جمع البهيمة، والبهيم الأسود الخالص ألّذي لم يشبه غيره ، و
فِي الحَدِيثِ يُحشَرُ النّاسُ بُهماً
بالضم قيل أي ليس بِهِم شيءٌ ممّا كان في الدّنيا نحو البَرَصِ والعَرَجِ، أوعُرَاةً.
صفحه : 83
والحاصل أنّه تركهم كالبهائم لاراعي لهم أوأشباها لاتميّز بينهم بالإمامة والرعية. ومَرَقَ السّهمُ من الرّميةِ كَنَصَرَ خرج من الجانب الآخر. وعَطِبَ كَفَرِحَ هلك . قوله عليه السلام فكيف آسي .. أي أَحزَنُ، مِنَ الأَسَي بالفتح والقصر و هوالحُزنُ. قوله عليه السلام وهما السبيلان .. الضمير راجع إلي ماظهر سابقا من اتّباع الوصيّ وعدمه . قوله عليه السلام بعدالثلاثين .. هذاتاريخ آخر زمان خلافته عليه السلام ، و لمّا اجتمعت أسباب استيلائه عليه السلام علي المنافقين في قرب وفاته و لم يتيسّر له ذلك بعروض شهادته علّق رجوع الأمر بهذا الزمان ، أو هذاممّا وقع فيه بداء، والمراد بالأمر الشهادة والاستراحة عن تلك الدار الفانية وآلامها وفتنها. و قال الجوهري أحلاس البيوت مايبسط تحت حرّ الثياب ، و
في الحديث كُن حِلسَ بَيتِكَ ..
أي لاتبرح . والحُظّةُ بالضّمّ الأَمرُ والقِصّةُ.
صفحه : 84
قوله لفرج آل محمّد(ص ).. في أكثر النسخ بالجيم فهو تحسّر علي عدم حصول الفرج بسبب المتخلّف التعريف ، والأصوب بالخاء المعجمة أي نسلهم وذريّتهم، و قدمرّ وسيأتي أنّه عبّر عن الحسنين عليهما السلام في كتب الأنبياء عليهم السلام ب الفرخين المستشهدين . ويقال رجل عتريف .. أي خبيث فاجر جريء ماض ، ولعلّ المراد به يزيد لعنه اللّه،فإنّه قتل الحسين وأولاده عليهم السلام . قوله وسيقدم وفد بعد هذا الرجل .. أي سيقدم ويأتي إلي ملكنا بعدذهاب أبي بكر وخلافة عمر رسل ونخرج إلي رسله تلك الصور، ويحتمل أن يكون إشارة إلي ماسيأتي أنّه وقع في زمن معاوية،حيث أخرج ملك الروم صور الأنبياء عليهم السلام إلي يزيد فلم يعرفها وعرفها الحسن عليه السلام ، وأجاب عن مسائله بعد ماعجز يزيد لعنه اللّه عنها. و قدمرّ شرح بعض أجزاء الخبر في كتاب التوحيد و كتاب المعاد وسيأتي شرح بعضها في كتاب الغيبة وغيره ، فإنّ المحدّثين فرّقوا أجزاءه علي الأبواب ،
صفحه : 85
وهي مرويّة في الأصول المعتبرة، و هذاممّا يدلّ علي صحّتها، ويؤيّده أيضا أنّه قال الشيخ قدّس اللّه روحه في فهرسته سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه .. روي خبر الجاثليق الرومي ألذي بعثه ملك الروم بعد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ،أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار والحميري عمّن حدّثه، عن ابراهيم بن حكم الأسدي، عن أبيه ، عن شريك بن عبد اللّه، عن عبدالأعلي الثعلبي، عن أبي وقاص ، عن سلمان الفارسي.انتهي .
2-إِرشَادُ القُلُوبِ بِحَذفِ الأَسَانِيدِ،قِيلَ لَمّا كَانَ بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ دَخَلَ يهَوُديِّ المَسجِدَ فَقَالَ أَينَ وصَيِّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَأَشَارُوا إِلَي أَبِي بَكرٍ،فَوَقَفَ عَلَيهِ وَ قَالَ إنِيّ أُرِيدُ أَن أَسأَلَكَ عَن أَشيَاءَ لَا يَعلَمُهَا إِلّا نبَيِّ أَو وصَيِّ نبَيِّ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ سَل عَمّا بَدَا لَكَ فَقَالَ اليهَوُديِّ أخَبرِنيِ عَمّا لَيسَ لِلّهِ وَ عَمّا لَيسَ عِندَ اللّهِ وَ عَمّا لَا يَعلَمُهُ اللّهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ هَذِهِ مَسَائِلُ الزّنَادِقَةِ، يَا يهَوُديِّ أَ وَ فِي السّمَاءِ شَيءٌ لَا يَعلَمُهُ اللّهُ وَ هَمّ بِهِ المُسلِمُونَ وَ كَانَ فِي القَومِ ابنُ عَبّاسٍ فَقَالَ مَا أَنصَفتُمُ الرّجُلَ. قَالَ أَبُو بَكرٍ أَ وَ مَا سَمِعتَ مَا تَكَلّمَ بِهِ. فَقَالَ ابنُ عَبّاسٍ إِن كَانَ عِندَكُم جَوَابٌ وَ إِلّا فَاذهَبُوا بِهِ إِلَي مَن يُجِيبُهُ،فإَنِيّ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لعِلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ اهدِ قَلبَهُ وَ ثَبّت لِسَانَهُ.
صفحه : 86
قَالَ فَقَامَ أَبُو بَكرٍ وَ مَن حَضَرَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ فَأَتَوا عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ،فَاستَأذَنُوا عَلَيهِ،فَدَخَلُوا، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَا أَبَا الحَسَنِ إِنّ هَذَا اليهَوُديِّ سأَلَنَيِ عَن مَسَائِلِ الزّنَادِقَةِ. قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ للِيهَوُديِّ مَا تَقُولُ يَا يهَوُديِّ قَالَ إنِيّ أَسأَلُكَ عَن أَشيَاءَ لَا يَعلَمُهَا إِلّا نبَيِّ أَو وصَيِّ نبَيِّ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ سَل، يَا يهَوُديِّ فَأُنَبّئَكَ بِهِ. قَالَ أخَبرِنيِ عَمّا لَيسَ لِلّهِ وَ عَمّا لَيسَ عِندَ اللّهِ وَ عَمّا لَا يَعلَمُهُ اللّهُ. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا قَولُكَ عَمّا لَيسَ لِلّهِ،فَلَيسَ لِلّهِ شَرِيكٌ، وَ أَمّا قَولُكَ عَمّا لَيسَ عِندَ اللّهِ،فَلَيسَ عِندَ اللّهِ ظُلمٌ لِلعِبَادِ، وَ أَمّا قَولُكَ عَمّا لَا يَعلَمُهُ اللّهُ،فَذَلِكَ قَولُكُم إِنّ عُزَيراً ابنُ اللّهِ، وَ اللّهُ لَا يَعلَمُ أَنّ لَهُ وَلَداً. فَقَالَ اليهَوُديِّ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ، وَ أَنّكَ وَصِيّهُ.فَقَامَ أَبُو بَكرٍ وَ مَن مَعَهُ مِنَ المُهَاجِرِينَ فَقَبّلُوا رَأسَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ يَا مُفَرّجَ الكُرُوبِ.
3-إِرشَادُ القُلُوبِ بِحَذفِ الأَسَانِيدِ أَيضاً مَرفُوعاً إِلَي ابنِ
صفحه : 87
عَبّاسٍ، قَالَقَدِمَ يَهُودِيّانِ أَخَوَانِ مِن رُءُوسِ اليَهُودِ،فَقَالَا يَا قَومُ إِنّ نَبِيّنَا حَدّثَنَا أَنّهُ يَظهَرُ بِتِهَامَةَ رَجُلٌ يُسَفّهُ أَحلَامَ اليَهُودِ، وَ يَطعُنُ فِي دِينِهِم، وَ نَحنُ نَخَافُ أَن يُزِيلَنَا عَمّا كَانَت عَلَيهِ آبَاؤُنَا،فَأَيّكُم هَذَا النّبِيّ. فَإِن كَانَ المُبَشّرَ بِهِ دَاوُدُ آمَنّا بِهِ وَ اتّبَعنَاهُ، وَ إِن كَانَ يُورِدُ الكَلَامَ عَلَي إِبلَاغِهِ وَ يُورِدُ الشّعرَ وَ يَقهَرُنَا جَاهَدنَاهُ بِأَنفُسِنَا وَ أَموَالِنَا،فَأَيّكُم هَذَا النّبِيّ. فَقَالَ المُهَاجِرُونَ وَ الأَنصَارُ إِنّ نَبِيّنَا قُبِضَ.فَقَالَا الحَمدُ لِلّهِ،فَأَيّكُم وَصِيّهُ فَمَا بَعَثَ اللّهُ نَبِيّاً إِلَي قَومٍ إِلّا وَ لَهُ وصَيِّ يؤُدَيّ مِن بَعدِهِ وَ يَحكُمُ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبّهُ،فَأَومَأَ المُهَاجِرُونَ وَ الأَنصَارُ إِلَي أَبِي بَكرٍ.فَقَالُوا هَذَا وَصِيّهُ.فَقَالَا لأِبَيِ بَكرٍ إِنّا نلُقيِ عَلَيكَ مِنَ المَسَائِلِ مَا يُلقَي عَلَي الأَوصِيَاءِ، وَ نَسأَلُكَ عَمّا يُسأَلُ الأَوصِيَاءُ عَنهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَلقِيَا،سَأُخبِرُكُمَا عَنهُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي. فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا مَا أَنَا وَ أَنتَ عِندَ اللّهِ وَ مَا نَفسٌ فِي نَفسٍ لَيسَ بَينَهُمَا رَحِمٌ وَ لَا قَرَابَةٌ وَ مَا قَبرٌ سَارَ بِصَاحِبِهِ وَ مِن أَينَ تَطلُعُ الشّمسُ وَ أَينَ تَغرُبُ وَ أَينَ سَقَطَتِ الشّمسُ وَ لَم تَسقُط مَرّةً أُخرَي فِي ذَلِكَ المَوضِعِ وَ أَينَ تَكُونُ الجَنّةُ وَ أَينَ تَكُونُ النّارُ وَ رَبّكَ يَحمِلُ أَو يُحمَلُ وَ أَينَ يَكُونُ وَجهُ رَبّكَ وَ مَا اثنَانِ شَاهِدَانِ وَ مَا اثنَانِ غَائِبَانِ وَ مَا اثنَانِ مُتَبَاغِضَانِ وَ مَا الوَاحِدُ وَ مَا الِاثنَانِ وَ مَا الثّلَاثَةُ وَ مَا الأَربَعَةُ وَ مَا الخَمسَةُ وَ مَا السّتّةُ وَ مَا السّبعَةُ وَ مَا الثّمَانِيَةُ وَ مَا التّسعَةُ وَ مَا العَشَرَةُ وَ مَا الأَحَدَ عَشَرَ وَ مَا الِاثنَا عَشَرَ وَ مَا العِشرُونَ وَ مَا
صفحه : 88
الثّلَاثُونَ وَ مَا الأَربَعُونَ وَ مَا الخَمسُونَ وَ مَا السّتّونَ وَ مَا السّبعُونَ وَ مَا الثّمَانُونَ وَ مَا التّسعُونَ وَ مَا المِائَةُ. قَالَ ابنُ عَبّاسٍ فبَقَيَِ أَبُو بَكرٍ لَا يَرُدّ جَوَاباً، وَ تَخَوّفنَا أَن يَرتَدّ القَومُ عَنِ الإِسلَامِ،فَأَتَيتُ مَنزِلَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ فَقُلتُ لَهُ يَا عَلِيّ إِنّ رُءُوساً مِن رُؤَسَاءِ اليَهُودِ قَد قَدِمُوا المَدِينَةَ، وَ أَلقَوا عَلَي أَبِي بَكرٍ مَسَائِلَ، وَ قَد بقَيَِ لَا يَرُدّ جَوَاباً.فَتَبَسّمَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ ضَاحِكاً، ثُمّ قَالَ هُوَ ألّذِي وعَدَنَيِ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. وَ أَخَذَ يمَشيِ أمَاَميِ فَمَا أَخطَأَت مِشيَتُهُ مِشيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي قَعَدَ فِي المَوضِعِ ألّذِي كَانَ يَقعُدُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ التَفَتَ إِلَي اليَهُودِيّينِ. فَقَالَ يَا يَهُودِيّانِ ادنُوَا منِيّ وَ أَلقِيَا عَلَيّ مَا أَلقَيتُمَا عَلَي الشّيخِ.فَقَالَا مَن أَنتَ. فَقَالَ أَنَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ،أَخُو النّبِيّ، وَ زَوجُ فَاطِمَةَ، وَ أَبُو الحَسَنِ وَ الحُسَينِ، وَ وَصِيّهُ فِي خِلَافَتِهِ كُلّهَا، وَ صَاحِبُ كُلّ نَفِيسَةٍ وَ غَزَاةٍ، وَ مَوضِعُ سِرّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ اليهَوُديِّ مَا أَنَا وَ أَنتَ عِندَ اللّهِ. قَالَ أَنَا مُؤمِنٌ مُنذُ عَرَفتُ نفَسيِ، وَ أَنتَ كَافِرٌ مُنذُ عَرَفتَ نَفسَكَ، وَ مَا
صفحه : 89
أدَريِ مَا يُحدِثُ اللّهِ بِكَ يَا يهَوُديِّ بَعدَ ذَلِكَ. قَالَ اليهَوُديِّ فَمَا نَفسٌ فِي نَفسٍ لَيسَ بَينَهُمَا رَحِمٌ وَ لَا قَرَابَةٌ. قَالَ يُونُسُ بنُ مَتّي فِي بَطنِ الحُوتِ. قَالَ فَمَا قَبرٌ سَارَ بِصَاحِبِهِ. قَالَ يُونُسُ،حِينَ طَافَ بِهِ الحُوتُ فِي سَبعَةِ أَبحُرٍ. قَالَ لَهُ فَالشّمسُ مِن أَينَ تَطلُعُ. قَالَ مِن قَرنِ الشّيطَانِ. قَالَ فَأَينَ تَغرُبُ. قَالَ فِي عَينٍ حَمِئَةٍ، وَ قَالَ لِي حبَيِبيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا تُصَلّ فِي إِقبَالِهَا وَ لَا فِي إِدبَارِهَا حَتّي تَصِيرَ فِي مِقدَارِ رُمحٍ أَو رُمحَينِ. قَالَ فَأَينَ سَقَطَتِ الشّمسُ وَ لَم تَسقُط مَرّةً أُخرَي فِي ذَلِكَ المَوضِعِ. قَالَ البَحرَ،حِينَ فَرّقَهُ اللّهُ تَعَالَي لِقَومِ مُوسَي عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ لَهُ رَبّكَ يَحمِلُ أَو يُحمَلُ. قَالَ ربَيّ يَحمِلُ كُلّ شَيءٍ وَ لَا يَحمِلُهُ شَيءٌ. قَالَ فَكَيفَ قَولُهُوَ يَحمِلُ عَرشَ رَبّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمانِيَةٌ. قَالَ يَا يهَوُديِّ أَ لَم تَعلَم أَنّ اللّهَلَهُ ما فِي السّماواتِ وَ ما فِي الأَرضِ وَ ما بَينَهُما وَ ما تَحتَ الثّري، وَ كُلّ شَيءٍ عَلَي الثّرَي، وَ الثّرَي عَلَي القُدرَةِ، وَ القُدرَةَ عِندَ ربَيّ.
صفحه : 90
قَالَ فَأَينَ تَكُونُ الجَنّةُ وَ أَينَ تَكُونُ النّارُ. قَالَ الجَنّةُ فِي السّمَاءِ، وَ النّارُ فِي الأَرضِ. قَالَ فَأَينَ يَكُونُ وَجهُ رَبّكَ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِابنِ عَبّاسٍ ائتنِيِ بِنَارٍ وَ حَطَبٍ فَأَضرَمَهَا، وَ قَالَ يَا يهَوُديِّ فَأَينَ وَجهُ هَذِهِ النّارِ. فَقَالَ لَا أَقِفُ لَهَا عَلَي وَجهٍ. قَالَ كَذَلِكَ ربَيّفَأَينَما تُوَلّوا فَثَمّ وَجهُ اللّهِ. قَالَ فَمَا اثنَانِ شَاهِدَانِ. قَالَ السّمَاءُ وَ الأَرضُ لَا يَغِيبَانِ. قَالَ فَمَا اثنَانِ غَائِبَانِ. قَالَ المَوتُ وَ الحَيَاةُ لَا نَقِفُ عَلَيهِمَا. قَالَ فَمَا اثنَانِ مُتَبَاغِضَانِ. قَالَ اللّيلُ وَ النّهَارُ. قَالَ فَمَا نِصفُ الشيّءِ. قَالَ المُؤمِنُ. قَالَ فَمَا لَا شَيءَ. قَالَ يهَوُديِّ مِثلُكَ كَافِرٌ لَا يَعرِفُ رَبّهُ. قَالَ فَمَا الوَاحِدُ.
صفحه : 91
قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ. قَالَ فَمَا الِاثنَانِ. قَالَ آدَمُ وَ حَوّاءُ. قَالَ فَمَا الثّلَاثَةُ. قَالَ كَذَبَتِ النّصَارَي عَلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ،قَالُوا عِيسَي ابنُ مَريَمَ ابنُ اللّهِ، وَ اللّهِ لَم يَتّخِذ صَاحِبَةً وَ لَا وَلَداً. قَالَ فَمَا الأَربَعَةُ. قَالَ التّورَاةُ وَ الإِنجِيلُ وَ الزّبُورُ وَ الفُرقَانُ العَظِيمُ. قَالَ فَمَا الخَمسَةُ. قَالَ خَمسُ صَلَوَاتٍ مُفتَرَضَاتٍ. قَالَ فَمَا السّتّةُ. قَالَخَلَقَ اللّهُالسّماواتِ وَ الأَرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ استَوي عَلَي العَرشِ. قَالَ فَمَا السّبعَةُ. قَالَ سَبعَةُ أَبوَابِ النّارِ مُتَطَابِقَاتٍ. قَالَ فَمَا الثّمَانِيَةُ. قَالَ ثَمَانِيَةُ أَبوَابِ الجَنّةِ. قَالَ فَمَا التّسعَةُ. قَالَتِسعَةُ رَهطٍ يُفسِدُونَ فِي الأَرضِ وَ لا يُصلِحُونَ. قَالَ فَمَا العَشَرَةُ.
صفحه : 92
قَالَ عَشَرَةُ أَيّامٍ مِنَ العَشَرَةِ. قَالَ فَمَا الأَحَدَ عَشَرَ. قَالَ قَولُ يُوسُفَ لِأَبِيهِإنِيّ رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَباً وَ الشّمسَ وَ القَمَرَ رَأَيتُهُم لِي ساجِدِينَ. قَالَ فَمَا الِاثنَا عَشَرَ. قَالَ شُهُورُ السّنَةِ. قَالَ فَمَا العِشرُونَ. قَالَ بَيعُ يُوسُفَ بِعِشرِينَ دِرهَماً. قَالَ فَمَا الثّلَاثُونَ. قَالَ ثَلَاثُونَ لَيلَةً مِن شَهرِ رَمَضَانَ صِيَامُهُ فَرضٌ وَاجِبٌ عَلَي كُلّ مُؤمِنٍ إِلّامَن كانَ مَرِيضاً أَو عَلي سَفَرٍ. قَالَ فَمَا الأَربَعُونَ. قَالَ كَانَ مِيقَاتُ مُوسَي ثَلَاثِينَ لَيلَةً قَضَاهَا، وَ العَشرُ كَانَت تَمَامَهَا. قَالَ فَمَا الخَمسُونَ. قَالَ دَعَا نُوحٌ قَومَهُأَلفَ سَنَةٍ إِلّا خَمسِينَ عاماً. قَالَ فَمَا السّتّونَ. قَالَ قَالَ اللّهُفَإِطعامُ سِتّينَ مِسكِيناً أَوفَصِيامُ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ. قَالَ فَمَا السّبعُونَ.
صفحه : 93
قَالَاختارَ مُوسي قَومَهُ سَبعِينَ رَجُلًالِمِيقَاتِ رَبّهِ. قَالَ فَمَا الثّمَانُونَ. قَالَ قَريَةٌ بِالجَزِيرَةِ يُقَالُ لَهَا ثَمَانُونَ،مِنهَا قَعَدَ نُوحٌ فِي السّفِينَةِوَ استَوَت عَلَي الجوُديِّ وَ غَرّقَ اللّهُ القَومَ. قَالَ فَمَا التّسعُونَ. قَالَ الفُلكُ المَشحُونُ اتّخَذَ يَوماً فِيهَا بَيتاً لِلبَهَائِمِ. قَالَ فَمَا المِائَةُ. قَالَ كَانَت لِدَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ سِتّونَ سَنَةً فَوَهَبَ لَهُ آدَمُ أَربَعِينَ، فَلَمّا حَضَرَ آدَمَ عَلَيهِ السّلَامُ الوَفَاةُ جَحَدَهُ،فَجَحَدَ ذُرّيّتُهُ. فَقَالَ يَا شَابّ صِف لِي مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كأَنَيّ أَنظُرُ إِلَيهِ حَتّي أُؤمِنَ بِهِ السّاعَةَ.فَبَكَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، ثُمّ قَالَ يَا يهَوُديِّ هَيّجتَ أحَزاَنيِ، كَانَ حبَيِبيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ صَلتَ الجَبِينِ،مَقرُونَ الحَاجِبَينِ،أَدعَجَ
صفحه : 94
العَينَينِ،سَهلَ الخَدّينِ،أَقنَي الأَنفِ،دَقِيقَ المَسرُبَةِ،كَثّ اللّحيَةِ،بَرّاقَ الثّنَايَا،كَأَنّ عُنُقَهُ إِبرِيقُ فِضّةٍ، كَانَ لَهُ شَعَرَاتٌ مِن لَبّتِهِ إِلَي سُرّتِهِ مُتَفَرّقَةً كَأَنّهَا قَضِيبُ كَافُورٍ، لَم يَكُن بِالطّوِيلِ الذّاهِبِ وَ لَا بِالقَصِيرِ النّزرِ، كَانَ إِذَا مَشَي مَعَ النّاسِ غَمَرَهُم، كَانَ إِذَا مَشَي كَأَنّهُ يَنقَلِعُ مِن صَخرَةٍ أَو يَنحَدِرُ مِن صَبَبٍ، كَانَ مَبدُولَ الكَعبَينِ،لَطِيفَ القَدَمَينِ،دَقِيقَ الخَصرِ،عِمَامَتُهُ السّحَابُ،سَيفُهُ ذُو الفَقَارِ،بَغلَتُهُ الدّلدُلُ،حِمَارُهُ اليَعفُورُ،نَاقَتُهُ العَضبَاءُ،فَرَسُهُ المَبدُولُ،قَضِيبُهُ المَمشُوقُ، كَانَ أَشفَقَ النّاسِ عَلَي النّاسِ، وَ أَرأَفَ النّاسِ بِالنّاسِ، كَانَ بَينَ كَتِفَيهِ خَاتَمُ النّبُوّةِ مَكتُوبٌ عَلَي الخَاتَمِ سَطرَانِ،أَوّلُ سَطرٍ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ. وَ الثاّنيِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ، هَذِهِ صِفَتُهُ يَا يهَوُديِّ.
صفحه : 95
فَقَالَ اليَهُوِديّانِ نَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ، وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ، وَ أَنّكَ وصَيِّ مُحَمّدٍ حَقّاً. وَ أَسلَمَا وَ حَسُنَ إِسلَامُهُمَا، وَ لَزِمَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَكَانَا مَعَهُ حَتّي كَانَ مِن أَمرِ الجَمَلِ مَا كَانَ،فَخَرَجَا مَعَهُ إِلَي البَصرَةِ،فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي وَقعَةِ الجَمَلِ، وَ بقَيَِ الآخَرُ حَتّي خَرَجَ مَعَهُ إِلَي صِفّينَ فَقُتِلَ.
إيضاح قوله عليه السلام كُلّ نَفِيسَةٍ .. أي خصلة أومنقبة يُتَنَافَسُ ويُرغَبُ فِيهِ، و في بعض النسخ قَبَسَةٍ .. أي اقتباس علم وحكمة. قوله فكيف قوله ويحمل .. غرضه إنّك قلت اللّه حامل كلّ شيءفكيف يكون حامل العرش غيره فأجاب عليه السلام بأنّ حَامِلَ الحَامِلِ حَامِلٌ، وَ اللّهَ حَامِلُ الحَامِلِ وَ المَحمُولِ بِقُدرَتِهِ. والنّزرُ القليل ، ولعلّ المراد به هنا الحقير، والمبدول لم نعرف له معني ، ولعلّه تصحيف ، و قدمرّ شرح سائر أجزاء الخبر في أبواب صفاته وحُلَاهُ صلّي اللّه عليه وآله .
4-إِرشَادُ القُلُوبِ بِحَذفِ الإِسنَادِ مَرفُوعاً إِلَي الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَمّا بَايَعَ النّاسُ عُمَرَ بَعدَ وَفَاةِ أَبِي بَكرٍ أَتَاهُ رَجُلٌ مِن شُبّانِ اليَهُودِ وَ هُوَ
صفحه : 96
فِي المَسجِدِ فَسَلّمَ عَلَيهِ وَ النّاسُ حَولَهُ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ دلُنّيِ عَلَي أَعلَمِكُم بِاللّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ بِكِتَابِهِ وَ سُنّتِهِ.فَأَومَأَ إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ هَذَا.فَتَحَوّلَ الرّجُلُ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَسَأَلَهُ أَنتَ كَذَلِكَ. قَالَ نَعَم. فَقَالَ إنِيّ أَسأَلُكَ عَن ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ. قَالَ أَ فَلَا قُلتَ عَن سَبعٍ. قَالَ اليهَوُديِّ لَا،إِنّمَا أَسأَلُكَ عَن ثَلَاثٍ، فَإِن أَجَبتَ فِيهِم فَسَأَلتُكَ عَن ثَلَاثٍ بَعدَهَا، وَ إِن لَم تُصِب لَم أَسأَلكَ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أخَبرِنيِ إِذَا أَجَبتُكَ بِالصّوَابِ وَ الحَقّ تَعرِفُ ذَلِكَ وَ كَانَ الفَتَي مِن عُلَمَاءِ اليَهُودِ وَ أَحبَارِهِم،يَروُونَ أَنّهُ مِن وُلدِ هَارُونَ أخَيِ مُوسَي بنِ عِمرَانَ. فَقَالَ نَعَم. قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِاللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ لَئِن أَجَبتُكَ بِالصّوَابِ وَ الحَقّ لَتُسلِمَنّ وَ تَدَعُ اليَهُودِيّةَ،فَحَلَفَ لَهُ وَ قَالَ مَا جِئتُكَ إِلّا مُرتَاداً أُرِيدُ الإِسلَامَ. فَقَالَ يَا هاَروُنيِّ سَل عَمّا بَدَا لَكَ تُخبَر إِن شَاءَ اللّهُ. فَقَالَ أخَبرِنيِ عَن أَوّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَت عَلَي وَجهِ الأَرضِ وَ عَن أَوّلِ عَينٍ نَبَعَت فِي الأَرضِ وَ عَن أَوّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَي وَجهِ الأَرضِ.
صفحه : 97
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا أَوّلُ شَجَرَةٍ نَبَتَت عَلَي وَجهِ الأَرضِ، فَإِنّ أَهلَ الأَرضِ يَزعُمُونَ أَنّهَا الزّيتُونَةُ وَ كَذَبُوا، وَ إِنّمَا هيَِ النّخلَةُ، وَ هيَِ العَجوَةُ،هَبَطَ بِهَا آدَمُ مِنَ الجَنّةِ فَغَرَسَهَا، وَ أَصلُ النّخلِ كُلّهِ مِنهَا، وَ أَمّا أَوّلُ عَينٍ نَبَعَت عَلَي وَجهِ الأَرضِ، فَإِنّ اليَهُودَ يَزعُمُونَ أَنّهَا العَينُ التّيِ فِي بَيتِ المَقدِسِ تَحتَ الحَجَرِ وَ كَذَبُوا،بَل هيَِ عَينُ الحَيَاةِ التّيِ انتَهَي مُوسَي وَ فَتَاهُ إِلَيهَا فَغَسَلا فِيهَا السّمَكَةَ فَحَيِيَت، وَ لَيسَ مِن مَيّتٍ يُصِيبُهُ ذَلِكَ المَاءُ إِلّا حيَيَِ، وَ كَانَ الخَضِرُ عَلَيهِ السّلَامُ شَرِبَ مِنهَا وَ لَم يَجِدهَا ذُو القَرنَينِ، وَ أَمّا أَوّلُ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَي وَجهِ الأَرضِ فَإِنّ اليَهُودَ يَزعُمُونَ أَنّهُ الحَجَرُ ألّذِي فِي بَيتِ المَقدِسِ وَ كَذَبُوا، وَ إِنّمَا هُوَ الحَجَرُ الأَسوَدُ هَبَطَ بِهِ آدَمُ( ع ) مِنَ الجَنّةِ فَوَضَعَهُ عَلَي الرّكنِ، وَ النّاسُ يَستَلِمُونَهُ، وَ كَانَ أَشَدّ بَيَاضاً مِنَ الثّلجِ فَاسوَدّ مِن خَطَايَا بنَيِ آدَمَ. قَالَ فأَخَبرِنيِ كَم لِهَذِهِ الأُمّةِ مِن إِمَامٍ هُدًي هَادِينَ مَهدِيّينَ، لَا يَضُرّهُم خِذلَانُ مَن خَذَلَهُم وَ أَينَ مَنزِلُ مُحَمّدٍ مِنَ الجَنّةِ، وَ مَن مَعَهُ مِن أُمّتِهِ فِي الجَنّةِ. قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا قَولُكَ كَم لِهَذِهِ الأُمّةِ مِن إِمَامِ هُدًي وَ أَينَ مَنزِلُ مُحَمّدٍ فِي الجَنّةِ وَ مَن مَعَهُ مِن أُمّتِهِ فِي الجَنّةِ فَإِنّ الأَئِمّةَ اثنَا عَشَرَ، وَ أَمّا مَنزِلُ مُحَمّدٍ ففَيِ أَشرَفِ الجِنَانِ وَ أَفضَلِهَا جَنّةِ عَدنٍ، وَ أَمّا الّذِينَ مَعَهُ فَهُمُ الأَئِمّةُ الِاثنَا عَشَرَ أَئِمّةُ الهُدَي. قَالَ الفَتَي صَدَقتَ،فَوَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ إِنّهُ لَمَكتُوبٌ عنِديِ بِإِملَاءِ مُوسَي وَ خَطّ هَارُونَ بِيَدِهِ. ثُمّ قَالَ أخَبرِنيِ كَم يَعِيشُ وصَيِّ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَعدَهُ وَ هَل
صفحه : 98
يَمُوتُ مَوتاً أَو يُقتَلُ قَتلًا. قَالَ لَهُ وَيحَكَ أَنَا وصَيِّ مُحَمّدٍ،أَعِيشُ بَعدَهُ ثَلَاثِينَ لَا تَزِيدُ يَوماً وَ لَا تَنقُصُ يَوماً، ثُمّ يُبعَثُ أَشقَاهَا شَقِيقُ عَاقِرِ نَاقَةِ صَالِحٍ،فيَضَربِنُيِ ضَربَةً فِي مفَرقَيِ فَتُخضَبُ مِنهُ لحِيتَيِ، ثُمّ بَكَي عَلَيهِ السّلَامُ بُكَاءً شَدِيداً. قَالَ فَصَرَخَ الفَتَي وَ قَطَعَ كُستِيجَهُ وَ قَالَ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ، وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،وَ الحَمدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ.
بيان قوله عليه السلام تَعرِفُ ذَلِكَ .. أي تُصَدّقُ وتُقِرّ بِهِ. قوله عليه السلام لاتزيد يوما .. أقول ليس هذا في أكثر الروايات ، ويشكل تصحيحه ،لعدم اتّحاد يومي وفاتهما صلوات اللّه عليهما، ويمكن أن يقال بناء الثلاثين علي التقريب ، و قوله عليه السلام « لايزيد»استئناف لبيان أنّ الموعد ألذي وعدت لك لايتخلّف، وأعلمه بحيث لايزيد يوما و لاينقص يوما، وقيل الضمير راجع إلي كتاب هارون ، وربّما يقرأ تزيد وتنقص علي صيغة الخطاب أي إنّك رأيت في كتاب أبيك هارون ثلاثين سنة فتتوهّم أنّه لاكسر فيها، و ليس كذلك ،بل هومبنيّ علي
صفحه : 99
إتمام الكسر، و لايخفي بعدهما. و قال الفيروزآبادي الكُستِيجُ بالضّم خَيطٌ غَلِيظٌ يَشُدّهُ الذمّيّّ فَوقَ ثِيَابِهِ دُونَ الزّنّارِ،مُعَرّبُ كسُتيِ.
5- كِتَابُ صَفوَةِ الأَخبَارِ عَن أَبِي إِسمَاعِيلَ، عَن أَبِي نُونٍ، قَالَ لَمّا توُفُيَّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ دَخَلَ المَدِينَةَ رَجُلٌ مِن أَولَادِ دَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي دِينِ اليَهُودِ،فَوَجَدَ النّاسَ مُتَفَزّعِينَ مَغمُومِينَ، فَقَالَ مَا شَأنُكُم.قَالُوا توُفُيَّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ أَمَا إِنّهُ توُفُيَّ فِي اليَومِ ألّذِي هُوَ مَذكُورٌ فِي كِتَابِنَا، ثُمّ قَالَ أرَشدِوُنيِ إِلَي خَلِيفَةِ نَبِيّكُم.قَالُوا تَنتَظِرُ قَلِيلًا حَتّي نُرشِدَكَ إِلَي مَن يُخبِرُكَ بِمَا تَسأَلُ،فَأَقبَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مِن بَابِ المَسجِدِ،فَقَالُوا عَلَيكَ بِهَذَا الغُلَامِ فَإِنّهُ يُخبِرُكَ عَمّا تَسأَلُ.فَقَامَ إِلَيهِ وَ قَالَ لَهُ أَ أَنتَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ. فَقَالَ نَعَم،يَرحَمُكَ اللّهُ، وَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَ أَجلَسَهُ. وَ قَالَ أَرَدتُ أَن أَسأَلَ هَؤُلَاءِ عَن أَربَعَةِ حُرُوفٍ فأَرَشدَوُنيِ إِلَيكَ،فَعَن إِذنِكَ أَسأَلُكَ. فَقَالَ لَهُ سَل عَمّا بَدَا لَكَ،فإَنِيّ أُخبِرُكَ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي. فَقَالَ أخَبرِنيِ عَن أَوّلِ حَرفٍ كَلّمَ اللّهُ بِهِ نَبِيّكَ لَمّا أسُريَِ بِهِ وَ رَجَعَ عَن
صفحه : 100
مَحَلّ الشّرَفِ وَ أخَبرِنيِ عَنِ الأَربَعَةِ الّذِينَ كَشَفَ مَالِكٌ عَنهُم طَبَقاً مِن أَطبَاقِ النّارِ فَكَلّمُوا نَبِيّكَ وَ أخَبرِنيِ عَنِ المَلَكِ ألّذِي زَاحَمَ نَبِيّكَ وَ أخَبرِنيِ عَن مَنزِلِ نَبِيّكَ فِي الجَنّةِ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا أَوّلُ حَرفٍ كَلّمَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ نَبِيّنَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِهِ فَهُوَ قَولُهُ تَعَالَيآمَنَ الرّسُولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبّهِ. فَقَالَ لَيسَ هَذَا أَرَدتُ، وَ لَا عَنهُ سَأَلتُ. فَقَالَ إِنّ الأَمرَ ألّذِي تُرِيدُ مَستُورٌ. فَقَالَ أخَبرِنيِ باِلذّيِ هُوَ، وَ إِلّا فَمَا أَنتَ هُوَ. فَقَالَ لَهُ إِذَا أَنبَأتُكَ تُسلِمُ. قَالَ نَعَم. فَقَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَمّا رَجَعَ عَن مَحَلّ الشّرَفِ وَ الكَرَامَةِ لَيلَةَ الإِسرَاءِ رُفِعَ لَهُ الحِجَابُ قَبلَ أَن يَصِيرَ إِلَي مَقَامِ جَبرَئِيلَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ نَادَي مَلَكٌ يَا مُحَمّدُ[صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ] إِنّ اللّهَ يُقرِئُكَ السّلَامَ وَ يَقُولُ لَكَ اقرَأ عَلَي السّيّدِ المَولَي منِيّ السّلَامَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَنِ السّيّدُ المَولَي. فَقَالَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ[ ع ]. فَقَالَ اليهَوُديِّ صَدَقتَ إنِيّ لَأَجِدُهُ مَكتُوباً فِي كِتَابِ دَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ. فَقَالَ وَ أَمّا الأَربَعَةُ الّذِينَ كَشَفَ عَنهُم مَالِكٌ طَبَقَ النّارِ فَهُم قَابِيلُ، وَ نُمرُودُ، وَ هَامَانُ، وَ فِرعَونُ.فَقَالُوا يَا مُحَمّدُ[صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ]اسأَل رَبّكَ يَرُدّنَا إِلَي الدّنيَا حَتّي نَعمَلَ صَالِحاً،فَغَضِبَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَخَذَ الطّبَقَ بِرِيشَةٍ مِن جَنَاحِهِ وَ رَدّهُ عَلَيهِم. وَ أَمّا المَلَكُ ألّذِي زَاحَمَ نَبِيّنَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَإِنّهُ مَلَكُ المَوتِ،جَاءَ مِن
صفحه : 101
عِندِ جَبّارٍ مِن مُلُوكِ الدّنيَا قَد تَكَلّمَ عِندَ مَوتِهِ بِكَلَامٍ عَظِيمٍ فَغَضِبَ لِلّهِ فَزَاحَمَ نَبِيّنَا وَ لَم يَعرِفهُ لِغَيظِهِ. فَقَالَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ يَا مَلَكَ المَوتِ هَذَا مُحَمّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ رَسُولُ اللّهِ وَ حَبِيبُهُ. فَقَالَ إنِيّ أَتَيتُ مِن عِندِ مَلِكٍ جَبّارٍ قَد تَكَلّمَ بِكَلَامٍ عَظِيمٍ عِندَ مَوتِهِ فَغَضِبتُ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ لَم أَعرِفكَ،فَعَذّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. وَ أَمّا مَنزِلُ رَسُولِ اللّهِ، فَإِنّ مَسكَنَهُ جَنّةُ عَدنٍ وَ مَعَهُ فِيهَا أَوصِيَاؤُهُ الِاثنَا عَشَرَ، وَ فَوقَهَا مَنزِلٌ يُقَالُ لَهُ الوَسِيلَةُ، وَ لَيسَ فِي الجَنّةِ شِبهُهُ وَ لَا أَرفَعُ مِنهُ، وَ هُوَ مَنزِلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ الداّودُيِّ وَ اللّهِ لَقَد رَأَيتُهُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ لَقَد صَدَقتَ، وَ إِنّا مُتَوَارِثُوهُ وَاحِدٌ عَن وَاحِدٍ حَتّي وَصَلَ إلِيَّ،فَأَخرَجَ كِتَاباً فِيهِ مَسطُورٌ مَا ذُكِرَ. ثُمّ قَالَ مُدّ يَدَكَ أُجَدّد إسِلاَميِ، ثُمّ قَالَ وَ اللّهِ إِنّكَ خَيرُ هَذِهِ الأُمّةِ بَعدَ نَبِيّهَا وَ أَكرَمُهَا عَلَي اللّهِ تَعَالَي. وَ عَلّمَهُ دِينَهُ وَ شَرَائِعَ الإِسلَامِ، وَ قَد أَسلَمَ وَ حَسُنَ إِسلَامُهُ.
6-نبه روُيَِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ حَضَرَ مَجلِسَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ يَوماً وَ عِندَهُ كَعبُ الأَحبَارِ إِذ قَالَ عُمَرُ يَا كَعبُ أَ حَافِظٌ أَنتَ لِلتّورَاةِ. قَالَ كَعبٌ إنِيّ لَأَحفَظُ مِنهَا كَثِيراً. فَقَالَ رَجُلٌ مِن جَنبِهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ سَلهُ أَينَ
صفحه : 102
كَانَ اللّهُ جَلّ جَلَالُهُ قَبلَ أَن يَخلُقَ عَرشَهُ وَ مِمّ خَلَقَ المَاءَ ألّذِي جَعَلَ عَلَيهِ عَرشَهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا كَعبُ هَل عِندَكَ مِن هَذَا عِلمٌ. فَقَالَ كَعبٌ نَعَم يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ نَجِدُ فِي الأَصلِ الحَكِيمِ أَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي كَانَ قَدِيماً قَبلَ خَلقِ العَرشِ، وَ كَانَ عَلَي صَخرَةِ بَيتِ المَقدِسِ فِي الهَوَاءِ، فَلَمّا أَرَادَ أَن يَخلُقَ عَرشَهُ تَفَلَ تَفلَةً كَانَت مِنهَا البِحَارُ الغَامِرَةُ وَ اللّجَجُ الدّائِرَةُ،فَهُنَاكَ خَلَقَ عَرشَهُ مِن بَعضِ الصّخرَةِ التّيِ كَانَت تَحتَهُ، وَ آخِرُ مَا بقَيَِ مِنهَا لَمَسجِدٌ قَدّسَهُ. قَالَ ابنُ عَبّاسٍ وَ كَانَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ حَاضِراً .. فَعَظّمَ رَبّهُ وَ قَامَ عَلَي قَدَمَيهِ، وَ نَفَضَ ثِيَابَهُ،فَأَقسَمَ عَلَيهِ عُمَرُ لَمّا عَادَ إِلَي مَجلِسِهِ،فَفَعَلَ، قَالَ عُمَرُ غُص عَلَيهَا يَا غَوّاصُ، مَا يَقُولُ أَبُو حَسَنٍ[تَقُولُ يَا أَبَا الحَسَنِ]فَمَا عَلِمتُكَ إِلّا مُفَرّجاً لِلغَمّ.فَالتَفَتَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي كَعبٍ فَقَالَ غَلِطَ أَصحَابُكَ وَ حَرّفُوا كُتُبَ اللّهِ، وَ قَبّحُوا الفِريَةَ عَلَيهِ، يَا كَعبُ وَيحَكَ إِنّ الصّخرَةَ التّيِ زَعَمتَ لَا تحَويِ جَلَالَهُ، وَ لَا تَسَعُ عَظَمَتَهُ، وَ الهَوَاءُ ألّذِي ذَكَرتَ لَا يَجُوزُ أَقطَارَهُ، وَ لَو كَانَتِ الصّخرَةُ وَ الهَوَاءُ قَدِيمَينِ مَعَهُ لَكَانَت لَهُمَا قِدمَتُهُ، وَ عَزّ اللّهُ وَ جَلّ أَن يُقَالَ لَهُ مَكَانٌ يُومَي إِلَيهِ، وَ اللّهُ لَيسَ كَمَا يَقُولُ المُلحِدُونَ، وَ لَا كَمَا يَظُنّ الجَاهِلُونَ، وَ لَكِن كَانَ وَ لَا مَكَانَ بِحَيثُ لَا تَبلُغُهُ الأَذهَانُ، وَ قوَليِ( كَانَ)لِتَعرِيفِ كَونِهِ، وَ هُوَ مِمّا عَلّمَ مِنَ البَيَانِ، يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّخَلَقَ الإِنسانَ عَلّمَهُ البَيانَ،فقَوَليِ لَهُ
صفحه : 103
كَانَ مِمّا علَمّنَيِ البَيَانَ لِأَنطِقَ بِحُجّةِ عَظَمَةِ المَنّانِ، وَ لَم يَزَل رَبّنَا مُقتَدِراً عَلَي مَا يَشَاءُ،مُحِيطاً بِكُلّ الأَشيَاءِ، ثُمّ كَوّنَ مَا أَرَادَ بِلَا فِكرَةٍ حَادِثَةٍ لَهُ أَصَابَ، وَ لَا بِشُبهَةٍ دَخَلَت عَلَيهِ فِيمَا أَرَادَ، وَ إِنّهُ عَزّ وَ جَلّ خَلَقَ نُوراً ابتَدَعَهُ مِن غَيرِ شَيءٍ، ثُمّ خَلَقَ مِنهُ ظُلمَةً وَ كَانَ قَدِيراً أَن يَخلُقَ الظّلمَةَ لَا مِن شَيءٍ، كَمَا خَلَقَ النّورَ مِن غَيرِ شَيءٍ، ثُمّ خَلَقَ مِنَ الظّلمَةِ نُوراً وَ خَلَقَ مِنَ النّورِ يَاقُوتَةً غِلَظُهَا كَغِلَظِ سَبعِ سَمَاوَاتٍ وَ سَبعِ أَرَضِينَ، ثُمّ زَجَرَ اليَاقُوتَةَ فَمَاعَت لِهَيبَتِهِ فَصَارَت مَاءً مُرتَعِداً، وَ لَا يَزَالُ مُرتَعِداً إِلَي يَومِ القِيَامَةِ، ثُمّ خَلَقَ عَرشَهُ مِن نُورِهِ، وَ جَعَلَهُ عَلَي المَاءِ، وَ لِلعَرشِ عَشَرَةُ آلَافِ لِسَانٍ يُسَبّحُ اللّهَ كُلّ لِسَانٍ مِنهَا بِعَشَرَةِ آلَافٍ، لَيسَ فِيهَا لُغَةٌ تُشبِهُ الأُخرَي، وَ كَانَ العَرشُ عَلَي المَاءِ مِن دُونِهِ حُجُبُ الضّبَابِ، وَ ذَلِكَ قَولُهُوَ كانَ عَرشُهُ عَلَي الماءِ لِيَبلُوَكُم ..، يَا كَعبُ وَيحَكَ إِنّ مَن كَانَتِ البِحَارُ تَفلَتَهُ عَلَي قَولِكَ كَانَ أَعظَمَ مِن أَن تَحوِيَهُ صَخرَةُ بَيتِ المَقدِسِ، أَو يَحوِيَهُ الهَوَاءُ ألّذِي أَشَرتَ إِلَيهِ أَنّهُ حَلّ فِيهِ .. فَضَحِكَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، وَ قَالَ هَذَا هُوَ الأَمرُ، وَ هَكَذَا يَكُونُ العِلمُ لَا كَعِلمِكَ يَا كَعبُ، لَا عِشتُ إِلَي زَمَانٍ لَا أَرَي فِيهِ أَبَا حَسَنٍ.
7-كا العِدّةُ، عَنِ البرَقيِّ، عَن أَبِيهِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ القَاسِمِ، عَن
صفحه : 104
حَنَانِ بنِ السّرّاجِ، عَن دَاوُدَ بنِ سُلَيمَانَ الكسِاَئيِّ، عَن أَبِي الطّفَيلِ، قَالَشَهِدتُ جِنَازَةَ أَبِي بَكرٍ يَومَ مَاتَ، وَ شَهِدتُ عُمَرَ حِينَ بُويِعَ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ جَالِسٌ نَاحِيَةً،فَأَقبَلَ غُلَامٌ يهَوُديِّ جَمِيلُ الوَجهِ،بهَيِّ، عَلَيهِ ثِيَابٌ حِسَانٌ وَ هُوَ مِن وُلدِ هَارُونَ حَتّي قَامَ عَلَي رَأسِ عُمَرَ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَنتَ أَعلَمُ هَذِهِ الأُمّةِ بِكِتَابِهِم وَ أَمرِ نَبِيّهِم. قَالَ فَطَأطَأَ عُمَرُ رَأسَهُ، فَقَالَ إِيّاكَ أعَنيِ .. وَ أَعَادَ عَلَيهِ القَولَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لِمَ ذَاكَ. قَالَ إنِيّ جِئتُكَ مُرتَاداً لنِفَسيِ،شَاكّاً فِي ديِنيِ. فَقَالَ دُونَكَ هَذَا الشّابّ. قَالَ وَ مَن هَذَا الشّابّ. قَالَ هَذَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ ابنُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ هَذَا أَبُو الحَسَنِ وَ الحُسَينِ ابنيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ هَذَا زَوجُ فَاطِمَةَ بِنتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَقبَلَ اليهَوُديِّ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ أَ كَذَلِكَ أَنتَ. فَقَالَ نَعَم. قَالَ إنِيّ أُرِيدُ أَن أَسأَلَكَ عَن ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ. قَالَ فَتَبَسّمَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مِن غَيرِ تَبَسّمٍ، فَقَالَ يَا هاَروُنيِّ مَا مَنَعَكَ أَن تَقُولَ سَبعاً. قَالَ أَسأَلُكَ عَن ثَلَاثٍ، فَإِن أجَبَتنَيِ سَأَلتُ عَمّا بَعدَهُنّ، وَ إِن لَم تَعلَمهُنّ عَلِمتُ أَنّهُ لَيسَ فِيكُم عَالِمٌ. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فإَنِيّ أَسأَلُكَ بِالإِلَهِ ألّذِي تَعبُدُهُ لَئِن أَنَا أَجَبتُكَ فِي كُلّ مَا تُرِيدُ لَتَدَعَنّ دِينَكَ وَ لَتَدخُلَنّ فِي ديِنيِ. قَالَ مَا جِئتُ إِلّا لِذَاكَ. قَالَ فَسَل.
صفحه : 105
قَالَ أخَبرِنيِ عَن أَوّلِ قَطرَةِ دَمٍ قَطَرَت عَلَي وَجهِ الأَرضِ، أَيّ قَطرَةٍ هيَِ وَ أَوّلِ عَينٍ فَاضَت عَلَي وَجهِ الأَرضِ، أَيّ عَينٍ هيَِ وَ أَوّلِ شَيءٍ اهتَزّ عَلَي وَجهِ الأَرضِ، أَيّ شَيءٍ هُوَ.فَأَجَابَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ أخَبرِنيِ عَنِ الثّلَاثِ الأُخَرِ،أخَبرِنيِ عَن مُحَمّدٍ،كَم لَهُ مِن إِمَامٍ عَادِلٍ. وَ فِي أَيّ جَنّةٍ يَكُونُ وَ مَن يُسَاكِنُهُ مَعَهُ فِي جَنّتِهِ. قَالَ يَا هاَروُنيِّ إِنّ لِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اثنيَ عَشَرَ إِمَامَ عَدلٍ لَا يَضُرّهُم خِذلَانُ مَن خَذَلَهُم، وَ لَا يَستَوحِشُونَ بِخِلَافِ مَن خَالَفَهُم، وَ إِنّهُم فِي الدّينِ أَرسَبُ مِنَ الجِبَالِ الروّاَسيِ فِي الأَرضِ، وَ مَسكَنُ مُحَمّدٍ فِي جَنّتِهِ،مَعَهُ أُولَئِكَ الِاثنَا عَشَرَ الإِمَامَ العَدلَ. فَقَالَ صَدَقتَ وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ،إنِيّ لَأَجِدُهَا فِي كُتُبِ أَبِي هَارُونَ،كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَ أَملَاهُ مُوسَي عمَيّ عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ فأَخَبرِنيِ عَنِ الوَاحِدَةِ أخَبرِنيِ عَن وصَيِّ مُحَمّدٍ كَم يَعِيشُ مِن بَعدِهِ وَ هَل يَمُوتُ أَو يُقتَلُ. قَالَ يَا هاَروُنيِّ يَعِيشُ بَعدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا يَزِيدُ يَوماً وَ لَا يَنقُصُ يَوماً، ثُمّ يُضرَبُ ضَربَةً هَاهُنَا يعَنيِ عَلَي قَرنِهِ فَيُخضَبُ هَذِهِ مِن هَذَا. قَالَ فَصَاحَ الهاَروُنيِّ وَ قَطَعَ كُستِيجَهُ، وَ هُوَ يَقُولُ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَنّكَ
صفحه : 106
وَصِيّهُ،ينَبغَيِ أَن تَفُوقَ وَ لَا تُفَاقَ، وَ أَن تُعَظّمَ وَ لَا تُستَضعَفَ. قَالَ ثُمّ مَضَي بِهِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي مَنزِلِهِ فَعَلّمَهُ مَعَالِمَ الدّينِ.
بيان في القاموس جبل راسب .. أي ثابت ، وكذا الراسي بمعني الثّابت.
8-كا مُحَمّدُ بنُ يَحيَي، عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ، عَن مَسعَدَةَ بنِ زِيَادٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ. وَ مُحَمّدُ بنِ الحُسَينِ، عَن اِبرَاهِيمَ، عَنِ ابنِ أَبِي يَحيَي المدَيِنيِّ، عَن أَبِي هَارُونَ العبَديِّ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ، قَالَكُنتُ حَاضِراً لَمّا هَلَكَ أَبُو بَكرٍ وَ استَخلَفَ عُمَرَ،أَقبَلَ يهَوُديِّ مِن عُظَمَاءِ يَهُودِ يَثرِبَ، وَ يَزعُمُ يَهُودُ المَدِينَةِ أَنّهُ أَعلَمُ أَهلِ زَمَانِهِ حَتّي رُفِعَ إِلَي عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ يَا عُمَرُ إنِيّ جِئتُكَ أُرِيدُ الإِسلَامَ فَإِن أخَبرَتنَيِ عَمّا أَسأَلُكَ عَنهُ فَأَنتَ أَعلَمُ أَصحَابِ مُحَمّدٍ بِالكِتَابِ وَ السّنّةِ وَ جَمِيعِ مَا أُرِيدُ أَن أَسأَلَ عَنهُ. قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إنِيّ لَستُ هُنَاكَ،لكَنِيّ أُرشِدُكَ إِلَي مَن هُوَ أَعلَمُ أُمّتِنَا بِالكِتَابِ وَ السّنّةِ وَ جَمِيعِ مَا قَد تَسأَلُ عَنهُ، وَ هُوَ ذَاكَ،فَأَومَي إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ. فَقَالَ لَهُ اليهَوُديِّ يَا عُمَرُ إِن كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ فَمَا لَكَ وَ لِبَيعَةِ النّاسِ، وَ إِنّمَا
صفحه : 107
ذَاكَ أَعلَمُكُم،فَزَبَرَهُ عُمَرُ. ثُمّ إِنّ اليهَوُديِّ قَامَ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ أَنتَ كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ. فَقَالَ وَ مَا قَالَ عُمَرُ.فَأَخبَرَهُ. قَالَ فَإِن كُنتَ كَمَا قَالَ،سَأَلتُكَ عَن أَشيَاءَ أُرِيدُ أَن أَعلَمَ هَل يَعلَمُهُ أَحَدٌ مِنكُم فَأَعلَمَ أَنّكُم فِي دَعوَاكُم خَيرُ الأُمَمِ وَ أَعلَمُهَا صَادِقِينَ، وَ مَعَ ذَلِكَ أَدخُلُ فِي دِينِكُمُ الإِسلَامِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ نَعَم، أَنَا كَمَا ذَكَرَ لَكَ عُمَرُ،سَل عَمّا بَدَا لَكَ أُخبِركَ بِهِ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي. قَالَ أخَبرِنيِ عَن ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا يهَوُديِّ وَ لِمَ لَم تَقُل أخَبرِنيِ عَن سَبعٍ. فَقَالَ لَهُ اليهَوُديِّ إِنّكَ إِن أخَبرَتنَيِ بِالثّلَاثِ،سَأَلتُكَ عَنِ البَقِيّةِ وَ إِلّا كَفَفتُ، فَإِن أَنتَ أجَبَتنَيِ فِي هَذِهِ السّبعِ فَأَنتَ أَعلَمُ أَهلِ الأَرضِ وَ أَفضَلُهُم وَ أَولَي النّاسِ بِالنّاسِ. فَقَالَ لَهُ سَل عَمّا بَدَا لَكَ أُخبِركَ بِهِ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي. قَالَ أخَبرِنيِ عَن أَوّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَي وَجهِ الأَرضِ وَ أَوّلِ شَجَرَةٍ غُرِسَت عَلَي وَجهِ الأَرضِ وَ أَوّلِ عَينٍ نَبَعَت عَلَي وَجهِ الأَرضِ.فَأَخبَرَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ. ثُمّ قَالَ لَهُ اليهَوُديِّ أخَبرِنيِ عَن هَذِهِ الأُمّةِ كَم لَهَا مِن إِمَامٍ هُدًي وَ أخَبرِنيِ عَن نَبِيّكُم مُحَمّدٍ أَينَ مَنزِلُهُ فِي الجَنّةِ وَ أخَبرِنيِ مَن مَعَهُ فِي الجَنّةِ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ لِهَذِهِ الأُمّةِ اثنيَ عَشَرَ إِمَامَ هُدًي مِن
صفحه : 108
ذُرّيّةِ نَبِيّهَا وَ هُم منِيّ. وَ أَمّا مَنزِلُ نَبِيّنَا فِي الجَنّةِ ففَيِ أَفضَلِهَا وَ أَشرَفِهَا جَنّةِ عَدنٍ، وَ أَمّا مَن مَعَهُ فِي مَنزِلِهِ فِيهَا فَهَؤُلَاءِ الِاثنَا عَشَرَ مِن ذُرّيّتِهِ، وَ أُمّهُم وَ جَدّتُهُم أُمّ أُمّهِم وَ ذَرَارِيّهُم لَا يَشرَكُهُم فِيهَا أَحَدٌ ..
9-كا مُحَمّدُ بنُ يَحيَي، عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ، عَن زَكَرِيّا المُؤمِنِ، عَنِ ابنِ مُسكَانَ، عَن بَعضِ أَصحَابِنَا، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ إِنّ رَجُلًا أَتَي بِامرَأَتِهِ إِلَي عُمَرَ، فَقَالَ إِنّ امرأَتَيِ هَذِهِ سَودَاءُ وَ أَنَا أَسوَدُ وَ إِنّهَا وَلَدَت غُلَاماً أَبيَضَ. فَقَالَ لِمَن بِحَضرَتِهِ مَا تَرَونَ.قَالُوا نَرَي أَن تَرجُمَهَا فَإِنّهَا سَودَاءُ وَ زَوجُهَا أَسوَدُ وَ وَلَدُهَا أَبيَضُ. قَالَ فَجَاءَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد وُجّهَ بِهَا لِتُرجَمَ، فَقَالَ مَا حَالُكُمَا.فَحَدّثَاهُ. فَقَالَ لِلأَسوَدِ أَ تَتّهِمُ امرَأَتَكَ. فَقَالَ لَا. قَالَ فَأَتَيتَهَا وَ هيَِ طَامِثٌ.قَالَت نَعَم،سَلهُ، قَد حَرّجتُ عَلَيهِ وَ أَبَيتُ. قَالَ فَانطَلِقَا فَإِنّهُ ابنُكُمَا، وَ إِنّمَا غَلَبَ الدّمَ النّطفَةُ فَابيَضّ، وَ لَو قَد تَحَرّكَ اسوَدّ. فَلَمّا أَيفَعَ اسوَدّ.
بيان التّحريج التّضييق،ذكره الجوهري، و قال أيفع الغلام .. أي
صفحه : 109
ارتفع .
10-مَشَارِقُ الأَنوَارِ قَالَ إِنّ رَجُلًا حَضَرَ مَجلِسَ أَبِي بَكرٍ فَادّعَي أَنّهُ لَا يَخَافُ اللّهَ، وَ لَا يَرجُو الجَنّةَ، وَ لَا يَخشَي النّارَ، وَ لَا يَركَعُ وَ لَا يَسجُدُ، وَ يَأكُلُ المَيتَةَ وَ الدّمَ، وَ يَشهَدُ بِمَا لَا يَرَي، وَ يُحِبّ الفِتنَةَ، وَ يَكرَهُ الحَقّ، وَ يُصَدّقُ اليَهُودَ وَ النّصَارَي، وَ أَنّ عِندَهُ مَا لَيسَ عِندَ اللّهِ، وَ لَهُ مَا لَيسَ لِلّهِ، وَ أنَيّ أَحمَدُ النّبِيّ، وَ أنَيّ عَلِيّ وَ أَنَا رَبّكُم، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ازدَدتَ كُفراً عَلَي كُفرِكَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ هَوّن عَلَيكَ يَا عُمَرُ فَإِنّ هَذَا رَجُلٌ مِن أَولِيَاءِ اللّهِ لَا يَرجُو الجَنّةَ وَ لَكِن يَرجُو اللّهَ، وَ لَا يَخَافُ النّارَ وَ لَكِن يَخَافُ رَبّهُ، وَ لَا يَخَافُ اللّهَ مِن ظُلمٍ وَ لَكِن يَخَافُ عَدلَهُ،لِأَنّهُ حَكَمٌ عَدلٌ، وَ لَا يَركَعُ وَ لَا يَسجُدُ فِي صَلَاةِ الجِنَازَةِ، وَ يَأكُلُ الجَرَادَ وَ السّمَكَ، وَ يُحِبّ الأَهلَ وَ الوَلَدَ، وَ يَشهَدُ بِالجَنّةِ وَ النّارِ وَ لَم يَرَهُمَا، وَ يَكرَهُ المَوتَ وَ هُوَ الحَقّ، وَ يُصَدّقُ اليَهُودَ وَ النّصَارَي فِي تَكذِيبِ بَعضِهِمَا بَعضاً، وَ لَهُ مَا لَيسَ لِلّهِ،لِأَنّ لَهُ وَلَداً وَ لَيسَ لِلّهِ وَلَدٌ، وَ عِندَهُ مَا لَيسَ عِندَ اللّهِ،فَإِنّهُ يَظلِمُ نَفسَهُ وَ لَيسَ عِندَ اللّهِ ظُلمٌ، وَ قَولُهُ أَنَا أَحمَدُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ .. أَي أَنَا أَحمَدُهُ عَلَي تَبلِيغِ الرّسَالَةِ عَن رَبّهِ، وَ قَولُهُ أَنَا عَلِيّ .. يعَنيِ عَلِيّ فِي قوَليِ، وَ قَولُهُ أَنَا رَبّكُم .. أَي رَبّ كُمّ بِمَعنَي لِي كُمّ أَرفَعُهَا وَ أَضَعُهَا،فَفَرِحَ عُمَرُ،
صفحه : 110
وَ قَامَ وَ قَبّلَ رَأسَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ، وَ قَالَ لَا بَقِيتُ بَعدَكَ يَا أَبَا الحَسَنِ.
بيان هوّن عليك .. أي سهّل علي نفسك بالسؤال أوبالانتظار ليتبيّن الحقّ، أوالمعني ماأهون عليك .. أي ليس فيه إشكال ، ولعلّ المراد بالدم دم السمك ، أومطلق الدم المتخلّف، وتركه عليه السلام للظهور، والمراد بالميتة ما لم يذبح ، كماورد في البحر تحلّ ميتته .
11-كنز مُحَمّدُ بنُ العَبّاسِ، عَن أَحمَدَ بنِ هُوزَةَ، عَنِ النهّاَونَديِّ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ حَمّادٍ، عَن نَصرِ بنِ يَحيَي، عَنِ المُقتَبِسِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ، قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فَأَرسَلَهُ فِي جَيشٍ فَغَابَ سِتّةَ أَشهُرٍ ثُمّ قَدِمَ، وَ كَانَ مَعَ أَهلِهِ سِتّةَ أَشهُرٍ فَعَلِقَت مِنهُ فَجَاءَت بِوَلَدٍ لِسِتّةِ أَشهُرٍ فَأَنكَرَهُ،فَجَاءَ بِهَا إِلَي عُمَرَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ كُنتُ فِي البَعثِ ألّذِي وجَهّتنَيِ فِيهِ، وَ تَعلَمُ أنَيّ قَدِمتُ سِتّةَ أَشهُرٍ، وَ كُنتُ مَعَ أهَليِ وَ قَد جَاءَت بِغُلَامٍ وَ هُوَ ذَا، وَ تَزعُمُ أَنّهُ منِيّ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ مَا ذَا تَقُولِينَ أَيّتُهَا المَرأَةُ.فَقَالَت وَ اللّهِ مَا غشَيِنَيِ رَجُلٌ غَيرُهُ، وَ مَا فَجَرتُ، وَ إِنّهُ لَابنُهُ، وَ كَانَ اسمُ الرّجُلِ الهَيثَمَ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ أَ حَقّ مَا يَقُولُ زَوجُكِ.قَالَت قَد صَدَقَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَن تُرجَمَ،فَحَفَرَ لَهَا حَفِيرَةً
صفحه : 111
ثُمّ أَدخَلَهَا فِيهِ،فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ،فَجَاءَ مُسرِعاً حَتّي أَدرَكَهَا وَ أَخَذَ بِيَدَيهَا فَسَلّهَا مِنَ الحَفِيرَةِ. ثُمّ قَالَ لِعُمَرَ اربَع عَلَي نَفسِكَ إِنّهَا قَد صَدَقَت، إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِحَملُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهراً، وَ قَالَ فِي الرّضَاعِوَ الوالِداتُ يُرضِعنَ أَولادَهُنّ حَولَينِ كامِلَينِ،فَالحَملُ وَ الرّضَاعُ ثَلَاثُونَ شَهراً، وَ هَذَا الحُسَينُ وُلِدَ لِسِتّةِ أَشهُرٍ.فَعِندَهَا قَالَ عُمَرُ لَو لَا عَلِيّ لَهَلَكَ عُمَرُ.
12- ماالمُفِيدُ، عَن عَلِيّ بنِ خَالِدٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ صَالِحٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ زَيدٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ تَسنِيمٍ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ الخثَعمَيِّ، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ عَبدِ الحَمِيدِ، عَن رُقَيّةَ بنِ مَصقَلَةَ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ جُؤَيّةَ العبَديِّ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ، قَالَأَتَي عُمَرَ بنَ الخَطّابِ رَجُلَانِ يَسأَلَانِ عَن طَلَاقِ الأَمَةِ،فَالتَفَتَ إِلَي خَلفِهِ فَنَظَرَ إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ يَا أَصلَعُ مَا تَرَي فِي طَلَاقِ الأَمَةِ. فَقَالَ بِإِصبَعَيهِ .. هَكَذَا، وَ أَشَارَ بِالسّبّابَةِ وَ التّيِ تَلِيهَا،فَالتَفَتَ إِلَيهِمَا عُمَرُ وَ قَالَ ثِنتَانِ.
صفحه : 112
فَقَالَ سُبحَانَ اللّهِ جِئنَاكَ وَ أَنتَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ فَسَأَلنَاكَ فَجِئتَ إِلَي رَجُلٍ سَأَلتَهُ، وَ اللّهِ مَا كَلّمَكَ. فَقَالَ عُمَرُ تَدرِيَانِ مَن هَذَا.قَالَا لَا. قَالَ هَذَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ،سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لَو أَنّ السّمَاوَاتِ السّبعَ وَ الأَرَضِينَ السّبعَ وُضِعَتَا فِي كِفّةٍ وَ وُضِعَ إِيمَانُ عَلِيّ فِي كِفّةٍ لَرَجَحَ إِيمَانُ عَلِيّ( ع ).
13-عدة رَوَي الحَكَمُ بنُ مَروَانَ، عَن جُبَيرِ بنِ حَبِيبٍ، قَالَنَزَلَ بِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ نَازِلَةٌ قَامَ لَهَا وَ قَعَدَ، وَ تَرَنّحَ لَهَا وَ تَقَطّرَ. ثُمّ قَالَ يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ مَا عِندَكُم فِيهَا.قَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَنتَ المَفزَعُ وَ المَنزَعُ،فَغَضِبَ، ثُمّ قَالَيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَ قُولُوا قَولًا سَدِيداً أَمَا وَ اللّهِ أَنَا وَ إِيّاكُم لَنَعرِفُ ابنَ بَجدَتِهَا، وَ الخَبِيرَ بِهَا.قَالُوا كَأَنّكَ أَرَدتَ ابنَ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ وَ أَنّي يُعدَلُ بيِ عَنهُ، وَ هَل طَفَحَت حُرّةٌ بِمِثلِهِ.قَالُوا فَلَو بَعَثتَ إِلَيهِ. قَالَ هَيهَاتَ هُنَاكَ شِمخٌ مِن هَاشِمٍ وَ لُحمَةٌ مِنَ الرّسُولِ(ص )، وَ أُثرَةٌ مِن
صفحه : 113
عِلمٍ يُؤتَي لَهَا وَ لَا يأَتيِ،امضُوا إِلَيهِ فَاقصِفُوا نَحوَهُ، وَ أَفضُوا إِلَيهِ، وَ هُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ وَ عَلَيهِ تُبّانٌ يَتَرَكّلُ عَلَي مِسحَاتِهِ وَ هُوَ يَقُولُأَ يَحسَبُ الإِنسانُ أَن يُترَكَ سُديً أَ لَم يَكُ نُطفَةً مِن منَيِّ يُمني ثُمّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّي وَ دُمُوعُهُ تهَميِ عَلَي خَدّيهِ،فَأَجهَشَ القَومُ لِبُكَائِهِ، ثُمّ سَكَنَ وَ سَكَنُوا، وَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَن مَسأَلَتِهِ فَأَصدَرَ إِلَيهِ جَوَابَهَا،فَلَوَي عُمَرُ يَدَيهِ. ثُمّ قَالَ أَمَا وَ اللّهِ لَقَد أَرَادَكَ الحَقّ وَ لَكِن أَبَي قَومُكَ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَهُ يَا أَبَا حَفصٍ خَفّض عَلَيكَ مِن هُنَا وَ مِن هُنَاإِنّ يَومَ الفَصلِ كانَ مِيقاتاً.فَانصَرَفَ وَ قَد أَظلَمَ وَجهُهُ وَ كَأَنّمَا يَنظُرُ مِن لَيلٍ.
بيان قال الجوهري تَرَنّحَ تَمَايَلَ مِنَ السّكرِ وغيرِهِ، ورُنّحَ عَلَيهِ ترنيحاً علي بناء ما لم يسمّ فاعله .. أي غشُيَِ عَلَيهِ، أواعتَرَاهُ وَهنٌ فِي عِظَامِهِ فَتَمَايَلَ، و هُوَ مُرَنّحٌ.
صفحه : 114
و في القاموس تَقَطّرَ تَهَيّأَ للقتال ، ورَمَي بنفسه من عُلُوّ، والجِذعُ .. انجَعَفَ .. أي انقَلَعَ. و قال هُوَ ابنُ بَجدَتِهَا للعالم بالشيّء، وللدّليل الهادي، ولِمَن لَا يَبرَحُ عَن قَولِهِ، وعنده بَجدَةُ ذلك .. أي عِلمُهُ. و قال طَفَحَت كَمَنَعَ بالولد وَلَدَتهُ لِتَمَامٍ. و قال شَمَخَ الجبلُ عَلَا وطَالَ، و الرّجلُ بأنفه تَكَبّرَ .. ونِيّةٌ شَمَخٌ محرّكةً بَعِيدَةٌ ..، والشّامخُ الرّافعُ أَنفَهُ عِزّاً. والأُثرَةُ البَقِيّةُ مِنَ العِلمِ يُؤثَرُ. و قال في الحديث أَنَا والنّبيّون فُرّاطُ القَاصِفِينَ هُمُ المزدحمون كأنّ بعضهم يَقصِفُ بعضاً لِفَرطِ الزّحَامِ، وتَزَاحُمِهِم بِداراً إلي الجنّة .. أي نحن متقدّمون في الشّفاعة لقوم كثيرين متدافعين ..، والقَصفَةُ من القوم تَدَافُعُهُم وتزاحمهم ، ورقّة الأرطي و قدأَقصَفَ. و قال التّبّانُ كرُمّانٍ سراويلُ صغيرٌ يستر العورةَ المُغَلّظَةَ. و قال تَرَكّلَ بِمِسحَاتِهِ ضربها برجله لتدخل في الأرض .
صفحه : 115
و قال سَحَا الطّينَ يَسحِيهِ ويَسحُوهُ ويَسحَاهُ سَحياً قشره وجرفه ، والمسحاة بالكسر ماسحُيَِ بِهِ. و قال خَفّضِ القولَ يافلانُ لَيّنهُ، والأمرَ هَوّنهُ. قوله من هنا و من هنا .. أي من أوّل الأمر حيث منعتني الخلافة و من هذاالوقت حيث تقرّ لي بالفضل ، ويمكن أن يقرأ( من )بالفتح فيهما .. أي من كان المانع في أوّل الأمر و من القائل في هذاالوقت ، أي لاتناسب بينهما، و علي الأول يحتمل أن يكون أحدهما إشارة إلي الدنيا والآخر إلي العقبي
صفحه : 120
صفحه : 121
1- قَالَ أَبُو الصّلَاحِ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ فِي تَقرِيبِ المَعَارِفِ لَمّا طُعِنَ عُمَرُ جَمَعَ بنَيِ عَبدِ المُطّلِبِ وَ قَالَ يَا بنَيِ عَبدِ المُطّلِبِ أَ رَاضُونَ أَنتُم عنَيّ. فَقَالَ رَجُلٌ مِن أَصحَابِهِ وَ مَن ذَا ألّذِي يَسخَطُ عَلَيكَ .. فَأَعَادَ الكَلَامَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ،فَأَجَابَهُ رَجُلٌ بِمِثلِ جَوَابِهِ،فَانتَهَرَهُ عُمَرُ وَ قَالَ نَحنُ أَعلَمُ بِمَا أَشعَرنَا قُلُوبَنَا،إِنّا وَ اللّهِ أَشعَرنَا قُلُوبَنَا مَا .. نَسأَلُ اللّهَ أَن يَكفِيَنَا شَرّهُ، وَ إِنّ بِيعَةَ أَبِي بَكرٍ كَانَت فَلتَةً نَسأَلُ اللّهَ أَن يَكفِيَنَا شَرّهَا. وَ قَالَ لِابنِهِ عَبدِ اللّهِ وَ هُوَ مُسنِدُهُ إِلَي صَدرِهِ وَيحَكَ ضَع رأَسيِ بِالأَرضِ،فَأَخَذَتهُ الغَشيَةُ، قَالَ فَوَجَدتُ مِن ذَلِكَ، فَقَالَ وَيحَكَ ضَع رأَسيِ بِالأَرضِ،فَأَخَذَتهُ الغَشيَةُ، قَالَ فَوَجَدتُ مِن ذَلِكَ، فَقَالَ وَيحَكَ ضَع رأَسيِ بِالأَرضِ،فَوَضَعتُ رَأسَهُ بِالأَرضِ فَعَفّرَ بِالتّرَابِ، ثُمّ قَالَ وَيلٌ لِعُمَرَ وَ وَيلٌ لِأُمّهِ إِن لَم يَغفِرِ اللّهُ لَهُ. وَ قَالَ أَيضاً حِينَ حَضَرَهُ المَوتُ أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِن ثَلَاثٍ مِنِ اغتصِاَبيِ هَذَا الأَمرَ أَنَا وَ أَبُو بَكرٍ مِن دُونِ النّاسِ، وَ مِنِ استخِلاَفيِ عَلَيهِم، وَ مِن تفَضيِليَِ
صفحه : 122
المُسلِمِينَ بَعضَهُم عَلَي بَعضٍ. وَ قَالَ أَيضاً أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِن ثَلَاثٍ مِن ردَيّ رَقِيقَ اليَمَنِ، وَ مِن رجُوُعيِ عَن جَيشِ أُسَامَةَ بَعدَ أَن أَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]عَلَينَا، وَ مِن تَعَاقُدِنَا عَلَي أَهلِ البَيتِ إِن قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ أَن لَا نوُلَيَّ مِنهُم أَحَداً.
وَ رَوَوا عَن عَبدِ اللّهِ بنِ شَدّادِ بنِ الهَادِ، قَالَ كُنتُ عِندَ عُمَرَ وَ هُوَ يَمُوتُ فَجَعَلَ يَجزَعُ،فَقُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَبشِر بِرَوحِ اللّهِ وَ كَرَامَتِهِ،فَجَعَلتُ كُلّمَا رَأَيتُ جَزَعَهُ قُلتُ هَذَا،فَنَظَرَ إلِيَّ فَقَالَ وَيحَكَ فَكَيفَ بِالمُمَالَأَةِ عَلَي أَهلِ بَيتِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ].انتَهَي مَا أَخرَجنَاهُ مِنَ التّقرِيبِ.
وَ قَالَ الزمّخَشرَيِّ فِي رَبِيعِ الأَبرَارِ لَمّا حَضَرَت عُمَرَ بنَ الخَطّابِ الوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ وَ مَن حَولَهُ لَو أَنّ لِي ملِ ءَ الأَرضِ مِن صَفرَاءَ أَو بَيضَاءَ لَافتَدَيتُ بِهِ مِن أَهوَالِ مَا أَرَي.
2-ل المُظَفّرُ العلَوَيِّ، عَنِ ابنِ العيَاّشيِّ، عَن أَبِيهِ، عَن مُحَمّدِ بنِ
صفحه : 123
حَاتِمٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ حَمّادٍ وَ سُلَيمَانَ بنِ مَعبَدٍ،هُمَا عَن عَبدِ اللّهِ بنِ صَالِحٍ، عَنِ اللّيثِ بنِ سَعدٍ، عَن عُلوَانَ بنِ دَاوُدَ بنِ صَالِحٍ، عَن صَالِحِ بنِ كَيسَانَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ حُمَيدِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ عَوفٍ، عَن أَبِيهِ، قَالَ قَالَ أَبُو بَكرٍ فِي مَرَضِهِ ألّذِي قُبِضَ فِيهِ أَمَا إنِيّ لَا آسَي مِنَ الدّنيَا إِلّا عَلَي ثَلَاثٍ فَعَلتُهَا، وَ وَدِدتُ أنَيّ تَرَكتُهَا، وَ ثَلَاثٍ تَرَكتُهَا وَدِدتُ أنَيّ فَعَلتُهَا، وَ ثَلَاثٍ وَدِدتُ أنَيّ كُنتُ سَأَلتُ عَنهُنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، أَمّا التّيِ وَدِدتُ أنَيّ تَرَكتُهَا،فَوَدِدتُ أنَيّ لَم أَكُن كَشَفتُ بَيتَ فَاطِمَةَ وَ إِن كَانَ عُلّقَ عَلَي الحَربِ، وَ وَدِدتُ أنَيّ لَم أَكُن حَرّقتُ الفُجَاءَةَ وَ أنَيّ قَتَلتُهُ سَرِيحاً أَو أَطلَقتُهُ نَجِيحاً، وَ وَدِدتُ أنَيّ يَومَ سَقِيفَةِ بنَيِ سَاعِدَةَ كُنتُ قَذَفتُ الأَمرَ فِي عُنُقِ أَحَدِ الرّجُلَينِ عُمَرَ أَو أَبِي عُبَيدَةَ فَكَانَ أَمِيراً وَ كُنتُ وَزِيراً. وَ أَمّا التّيِ تَرَكتُهَا فَوَدِدتُ أنَيّ يَومَ أُتِيتُ بِالأَشعَثِ أَسِيراً كُنتُ ضَرَبتُ عُنُقَهُ،فَإِنّهُ يُخَيّلُ إلِيَّ أَنّهُ لَم يَرَ صَاحِبَ شَرّ إِلّا أَعَانَهُ، وَ وَدِدتُ أنَيّ حِينَ سَيّرتُ خَالِداً إِلَي أَهلِ الرّدّةِ كُنتُ قَدِمتُ إِلَي قُربِهِ فَإِن ظَفِرَ المُسلِمُونَ ظَفِرُوا وَ إِن هُزِمُوا كُنتُ بِصَدَدِ لِقَاءٍ أَو مَدَدٍ، وَ وَدِدتُ أنَيّ كُنتُ إِذ وَجّهتُ خَالِداً إِلَي الشّامِ قَذَفتُ المَشرِقَ
صفحه : 124
بِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ،فَكُنتُ بَسَطتُ يدَيِ يمَيِنيِ وَ شمِاَليِ فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَ أَمّا التّيِ وَدِدتُ أنَيّ كُنتُ سَأَلتُ عَنهُنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَوَدِدتُ أنَيّ كُنتُ سَأَلتُهُ فِيمَن هَذَا الأَمرُ فَلَم نُنَازِعهُ أَهلَهُ، وَ وَدِدتُ أنَيّ كُنتُ سَأَلتُهُ هَل لِلأَنصَارِ فِي هَذَا الأَمرِ نَصِيبٌ، وَ وَدِدتُ أنَيّ كُنتُ سَأَلتُهُ عَن مِيرَاثِ الأَخِ وَ العَمّ، فَإِنّ فِي نفَسيِ مِنهَا حَاجَةً.
قَالَ الصّدُوقُ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ إِنّ يَومَ غَدِيرِ خُمّ لَم يَدَع لِأَحَدٍ عُذراً،هَكَذَا قَالَت سَيّدَةُ النّسوَانِ فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ لَمّا مُنِعَت مِن فَدَكَ وَ خَاطَبَتِ الأَنصَارَ فَقَالُوا يَا بِنتَ مُحَمّدٍ لَو سَمِعنَا هَذَا الكَلَامَ مِنكِ قَبلَ بَيعَتِنَا لأِبَيِ بَكرٍ مَا عَدَلنَا بعِلَيِّ أَحَداً.فَقَالَت وَ هَل تَرَكَ أَبِي يَومَ غَدِيرِ خُمّ لِأَحَدٍ عُذراً
3-ل أَبِي، عَنِ المُؤَدّبِ، عَن أَحمَدَ الأصَبهَاَنيِّ، عَنِ الثقّفَيِّ، عَن يَحيَي بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ، عَن هَارُونَ بنِ عُبَيدَةَ، عَن يَحيَي بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ قَالَ قَالَ عُمَرُ حِينَ حَضَرَهُ المَوتُ أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِن ثَلَاثٍ اغتصِاَبيِ هَذَا الأَمرَ أَنَا وَ أَبُو بَكرٍ مِن دُونِ النّاسِ، وَ استخِلاَفيِ عَلَيهِم، وَ تفَضيِليَِ المُسلِمِينَ بَعضَهُم عَلَي بَعضٍ.
4-ل بِالإِسنَادِ إِلَي الثقّفَيِّ، عَنِ المسَعوُديِّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ حَمّادٍ
صفحه : 125
الطاّئيِّ، عَن زِيَادِ بنِ المُنذِرِ، عَن عَطِيّةَ فِيمَا يَظُنّ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ، قَالَ شَهِدتُ عُمَرَ عِندَ مَوتِهِ يَقُولُ أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِن ثَلَاثٍ مِن ردَيّ رَقِيقَ اليَمَنِ، وَ مِن رجُوُعيِ عَن جَيشِ أُسَامَةَ بَعدَ أَن أَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَينَا، وَ مِن تَعَاقُدِنَا عَلَي أَهلِ هَذَا البَيتِ إِن قَبَضَ اللّهُ رَسُولَهُ لَا نوُلَيّ مِنهُم أَحَداً.
5-ل بِالإِسنَادِ إِلَي الثقّفَيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ، عَنِ الحُسَينِ بنِ سُفيَانَ، عَن أَبِيهِ، عَن فَضلِ بنِ الزّبَيرِ، عَن أَبِي عُبَيدَةَ الحَذّاءِ، قَالَ سَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ لَمّا حَضَرَ عُمَرَ المَوتُ قَالَ أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِن رجُوُعيِ مِن جَيشِ أُسَامَةَ، وَ أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِن عتِقيِ سبَيَ اليَمَنِ، وَ أَتُوبُ إِلَي اللّهِ مِن شَيءٍ كُنّا أَشعَرنَاهُ قُلُوبَنَا نَسأَلُ اللّهَ أَن يَكفِيَنَا ضَرّهُ، وَ أَنّ بَيعَةَ أَبِي بَكرٍ كَانَت فَلتَةً.
بيان قال في النهاية في حديث عمر« إِنّ بَيعَةَ أَبِي بَكرٍ كَانَت فَلتَةً وَقَي اللّهُ شَرّهَا»،أراد بالفلتة الفجأة، ومثل هذه البيعة جدير بأن تكون مهيّجة للشّرّ والفتنة،فعصم اللّه عن ذلك ووقي ، والفلتة كلّ شيءفعل من غيررويّة وإنّما يورد بهاخوف انتشار الأمر، وقيل أراد بالفلتة الخلسة .. أي إنّ الإمامة يوم السّقيفة مالت إلي تولّيها الأنفس ولذلك كثر فيهاالتّشاجر،فما قلّدها أبوبكر إلّا انتزاعا من الأيدي واختلاسا، وقيل الفلتة آخر ليلة من الأشهر الحرم ،فيختلفون أ من الحلّ هي أم من الحرام فيتسارع الموتود إلي درك الثّار
صفحه : 126
فيكثر الفساد ويسفك الدّماء،فشبّه أيّام النّبيّ صلّي اللّه عليه وآله بالأشهر الحرم و يوم موته بالفلتة في وقوع الشّرّ من ارتداد العرب وتخلّف الأنصار عن الطّاعة، ومنع من منع الزّكاة، والجري علي عادة العرب في أن لايسود القبيلة إلّا رجل منها.انتهي . و لايخفي ضعف تلك التأويلات علي عاقل ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالي .
6-جا الجعِاَبيِّ، عَنِ العَبّاسِ بنِ المُغِيرَةِ، عَن أَحمَدَ بنِ مَنصُورٍ، عَن سُلَيمَانَ بنِ حَربٍ، عَن حَمّادِ بنِ بُرَيدٍ، عَن يَحيَي بنِ سَعِيدٍ، عَن عَاصِمٍ، عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ أَبَانِ بنِ عُثمَانَ، عَن أَبِيهِ، عَن عُثمَانَ بنِ عَفّانَ، قَالَكُنتُ آخِرَ النّاسِ عَهداً بِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ،دَخَلتُ عَلَيهِ وَ رَأسُهُ فِي حَجرِ ابنِهِ عَبدِ اللّهِ وَ هُوَ يُوَلوِلُ، فَقَالَ لَهُ ضَع خدَيّ بِالأَرضِ،فَأَبَي عَبدُ اللّهِ، فَقَالَ لَهُ ضَع خدَيّ بِالأَرضِ لَا أُمّ لَكَ،فَوَضَعَ خَدّهُ عَلَي الأَرضِ،فَجَعَلَ يَقُولُ
صفحه : 127
وَيلُ أمُيّ وَيلُ أمُيّ إِن لَم تَغفِر لِي .. فَلَم يَزَل يَقُولُهَا حَتّي خَرَجَت نَفسُهُ.
7-إِرشَادُ القُلُوبِ بِحَذفِ الإِسنَادِ مَرفُوعاً إِلَي عَبدِ الرّحمَنِ بنِ غَنمٍ الأزَديِّ خَتَنِ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَ حِينَ مَاتَ كَانَت ابنَتُهُ تَحتَ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَ كَانَ أَفقَهَ أَهلِ الشّامِ وَ أَشَدّهُمُ اجتِهَاداً، قَالَمَاتَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ بِالطّاعُونِ،فَشَهِدتُ يَومَ مَاتَ وَ النّاسُ مُتَشَاغِلُونَ بِالطّاعُونِ، قَالَ وَ سَمِعتُهُ حِينَ احتُضِرَ وَ لَيسَ فِي البَيتِ غيَريِ وَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ،فَسَمِعتُهُ يَقُولُ وَيلٌ لِي وَيلٌ لِي.فَقُلتُ فِي نفَسيِ أَصحَابُ الطّاعُونِ يَهذُونَ وَ يَقُولُونَ الأَعَاجِيبَ.فَقُلتُ لَهُ أَ تهَذيِ. قَالَ لَا،رَحِمَكَ اللّهُ. قُلتُ فَلِمَ تَدعُو بِالوَيلِ وَ الثّبُورِ. قَالَ لمِوُاَلاَتيِ عَدُوّ اللّهِ عَلَي ولَيِّ اللّهِ.فَقُلتُ لَهُ مَن هُم. قَالَ موُاَلاَتيِ عَتِيقاً وَ[رُمَعُ] عَلَي خَلِيفَةِ رَسُولِ اللّهِ وَ وَصِيّهِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ.فَقُلتُ إِنّكَ لَتَهجُرُ. فَقَالَ يَا ابنَ غَنمٍ وَ اللّهِ مَا أَهجُرُ،هَذَانِ، رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولَانِ لِي يَا مُعَاذُ أَبشِر بِالنّارِ
صفحه : 128
أَنتَ وَ أَصحَابُكَ. أَ فَلَيسَ قُلتُم إِن مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَو قُتِلَ زَوَينَا الخِلَافَةَ عَن عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ( ع )فَلَن تَصِلَ إِلَيهِ،فَاجتَمَعتُ أَنَا وَ[عَتِيقٌ وَ رُمَعُ] وَ أَبُو عُبَيدَةَ وَ سَالِمٌ، قَالَ قُلتُ مَتَي يَا مُعَاذُ. قَالَ فِي حَجّةِ الوَدَاعِ،قُلنَا نَتَظَاهَرُ عَلَي عَلِيّ( ع ) فَلَا يَنَالُ الخِلَافَةَ مَا حَيِينَا، فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قُلتُ لَهُم أَنَا أَكفِيكُم قوَميَِ الأَنصَارَ فاَكفوُنيِ قُرَيشاً، ثُمّ دَعَوتُ عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي هَذَا ألّذِي تَعَاهَدنَا عَلَيهِ بِشرَ بنَ سَعِيدٍ وَ أُسَيدَ بنَ حُصَينٍ فبَاَيعَاَنيِ عَلَي ذَلِكَ،فَقُلتُ يَا مُعَاذُ إِنّكَ لَتَهجُرُ،فَأَلصَقَ خَدّهُ بِالأَرضِ فلما زَالَ يَدعُو بِالوَيلِ وَ الثّبُورِ حَتّي مَاتَ. فَقَالَ ابنُ غَنمٍ مَا حَدّثتُ بِهَذَا الحَدِيثِ يَا ابنَ قَيسِ بنِ هِلَالٍ أَحَداً إِلّا ابنتَيِ امرَأَةَ مُعَاذٍ وَ رَجُلًا آخَرَ،فإَنِيّ فَزِعتُ مِمّا رَأَيتُ وَ سَمِعتُ مِن مُعَاذٍ. قَالَ فَحَجَجتُ وَ لَقِيتُ ألّذِي غَمّضَ أَبَا عُبَيدَةَ وَ سَالِماً فأَخَبرَاَنيِ أَنّهُ حَصَلَ لَهُمَا ذَلِكَ عِندَ مَوتِهِمَا، لَم يَزِد فِيهِ حَرفاً وَ لَم يَنقُص حَرفاً،كَأَنّهُمَا قَالَا مِثلَ مَا قَالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ،فَقُلتُ أَ وَ لَم يُقتَل سَالِمٌ يَومَ التّهَامَةِ. قَالَ بَلَي، وَ لَكِنّا احتَمَلنَاهُ وَ بِهِ رَمَقٌ. قَالَ سُلَيمٌ فَحَدّثتُ بِحَدِيثِ ابنِ غَنمٍ هَذَا كُلّهِ مُحَمّدَ بنَ أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ
صفحه : 129
لِي اكتُم عَلَيّ وَ اشهَد أَنّ أَبِي قَد قَالَ عِندَ مَوتِهِ مِثلَ مَقَالَتِهِم،فَقَالَت عَائِشَةُ إِنّ أَبِي يَهجُرُ. قَالَ مُحَمّدٌ فَلَقِيتُ عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ فِي خِلَافَةِ عُثمَانَ وَ حَدّثتُهُ بِمَا سَمِعتُ مِن أَبِي عِندَ مَوتِهِ فَأَخَذتُ عَلَيهِ العَهدَ وَ المِيثَاقَ أَلّا يَكتُمَ عَلَيّ. فَقَالَ لِي ابنُ عُمَرَ اكتُم عَلَيّ،فَوَ اللّهِ لَقَد قَالَ أَبِي مِثلَ مَا قَالَ أَبُوكَ وَ مَا زَادَ وَ لَا نَقَصَ، ثُمّ تَدَارَكَهَا ابنُ عُمَرَ بَعدُ وَ تَخَوّفَ أَن أُخبِرَ بِذَلِكَ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ لِمَا عَلِمَ مِن حبُيّ لَهُ وَ انقطِاَعيِ إِلَيهِ، فَقَالَ إِنّمَا كَانَ يَهجُرُ.فَأَتَيتُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرتُهُ بِمَا سَمِعتُهُ مِن أَبِي وَ مَا حدَثّنَيِ بِهِ ابنُ عُمَرَ. فَقَالَ عَلِيّ( ع ) قَد حدَثّنَيِ بِذَلِكَ عَن أَبِيكَ وَ عَن أَبِيهِ وَ عَن أَبِي عُبَيدَةَ وَ سَالِمٍ وَ عَن مُعَاذٍ مَن هُوَ أَصدَقُ مِنكَ وَ مِنِ ابنِ عُمَرَ.فَقُلتُ وَ مَن ذَاكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَقَالَ بَعضُ مَن حدَثّنَيِ.فَعَرَفتُ مَا عَنَي،فَقُلتُ صَدَقتَ،إِنّمَا ظَنَنتُ إِنسَاناً حَدّثَكَ، وَ مَا شَهِدَ أَبِي وَ هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ غيَريِ. قَالَ سُلَيمٌ قُلتُ لِابنِ غَنمٍ مَاتَ مُعَاذٌ بِالطّاعُونِ فَبِمَا مَاتَ أَبُو عُبَيدَةَ. قَالَ مَاتَ بِالدّبَيلَةِ،فَلَقِيتُ مُحَمّدَ بنَ أَبِي بَكرٍ فَقُلتُ هَل شَهِدَ مَوتَ أَبِيكَ غَيرُكَ وَ أَخِيكَ عَبدِ الرّحمَنِ وَ عَائِشَةَ وَ عُمَرَ. قَالَ لَا. قُلتُ وَ هَل سَمِعُوا مِنهُ مَا
صفحه : 130
سَمِعتَ. قَالَ سَمِعُوا مِنهُ طَرَفاً فَبَكَوا. وَ قال [قَالُوا] هُوَ يَهجُرُ،فَأَمّا كُلّ مَا سَمِعتُ أَنَا فَلَا، قُلتُ فاَلذّيِ سَمِعُوا مَا هُوَ. قَالَ دَعَا بِالوَيلِ وَ الثّبُورِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ لِمَ تَدعُو بِالوَيلِ وَ الثّبُورِ. قَالَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مَعَهُ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ يبُشَرّاَنيّ بِالنّارِ، وَ مَعَهُ الصّحِيفَةُ التّيِ تَعَاهَدنَا عَلَيهَا فِي الكَعبَةِ، وَ هُوَ يَقُولُ قَد وَفَيتَ بِهَا وَ ظَاهَرتَ عَلَي ولَيِّ اللّهِ فَأَبشِر أَنتَ وَ صَاحِبُكَ بِالنّارِ فِي أَسفَلِ السّافِلِينَ، فَلَمّا سَمِعَهَا عُمَرُ خَرَجَ وَ هُوَ يَقُولُ إِنّهُ لَيَهجُرُ قَالَ لَا وَ اللّهِ لَا أَهجُرُ أَينَ تَذهَبُ. قَالَ عُمَرُ كَيفَ لَا تَهجُرُ وَ أَنتَثانيَِ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ قَالَ الآنَ أَيضاً أَ وَ لَم أُحَدّثكَ أَنّ مُحَمّداً وَ لَم يَقُل رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لِي وَ أَنَا مَعَهُ فِي الغَارِ إنِيّ أَرَي سَفِينَةَ جَعفَرٍ وَ أَصحَابِهِ تَعُومُ فِي البَحرِ،فَقُلتُ أَرِنِيهَا،فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَي وجهه فَنَظَرتُ إِلَيهَا، وَ أَضمَرتُ عِندَ ذَلِكَ أَنّهُ سَاحِرٌ، وَ ذَكَرتُ لَكَ ذَلِكَ بِالمَدِينَةِ،فَأَجمَعَ رأَييِ وَ رَأيُكَ أَنّهُ سَاحِرٌ، فَقَالَ عُمَرُ يَا هَؤُلَاءِ إِنّ أَبَاكُم يَهجُرُ فَاكتُمُوا مَا تَسمَعُونَ عَنهُ لِئَلّا يَشمَتَ بِكُم أَهلُ هَذَا البَيتِ، ثُمّ خَرَجَ وَ خَرَجَ أخَيِ وَ خَرَجَت عَائِشَةُ لِيَتَوَضّئُوا لِلصّلَاةِ،فأَسَمعَنَيِ مِن قَولِهِ مَا لَم يَسمَعُوا،فَقُلتُ لَهُ لَمّا خَلَوتُ بِهِ يَا أَبَتِ قُل لَا إِلَهَ إِلّا
صفحه : 131
اللّهُ، قَالَ لَا أَقُولُهَا وَ لَا أَقدِرُ عَلَيهَا أَبَداً حَتّي أَرِدَ النّارَ فَأَدخُلَ التّابُوتَ، فَلَمّا ذَكَرَ التّابُوتَ ظَنَنتُ أَنّهُ يَهجُرُ،فَقُلتُ لَهُ أَيّ تَابُوتٍ. فَقَالَ تَابُوتٌ مِن نَارٍ مُقَفّلٌ بِقُفلٍ مِن نَارٍ فِيهِ اثنَا عَشَرَ رَجُلًا، أَنَا وَ صاَحبِيِ هَذَا، قُلتُ عُمَرُ. قَالَ نَعَم، وَ عَشَرَةٌ فِي جُبّ مِن جَهَنّمَ عَلَيهِ صَخرَةٌ إِذَا أَرَادَ اللّهُ أَن يُسَعّرَ جَهَنّمَ رَفَعَ الصّخرَةَ. قُلتُ أَ تهَذيِ. قَالَ لَا وَ اللّهِ مَا أهَذيِ، وَ لَعَنَ اللّهُ ابنَ صُهَاكَ هُوَ ألّذِيأضَلَنّيِ عَنِ الذّكرِ بَعدَ إِذ جاءنَيِفَبِئسَ القَرِينُ،أَلصِق خدَيّ بِالأَرضِ،فَأَلصَقتُ خَدّهُ بِالأَرضِ،فَمَا زَالَ يَدعُو بِالوَيلِ وَ الثّبُورِ حَتّي غَمّضتُهُ، ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَيّ، فَقَالَ هَل قَالَ بَعدَنَا شَيئاً فَحَدّثتُهُ. فَقَالَ يَرحَمُ اللّهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،اكتُم هَذَا كُلّهُ هَذَيَانٌ، وَ أَنتُم أَهلُ بَيتٍ يُعرَفُ لَكُمُ الهَذَيَانُ فِي مَوتِكُم.قَالَت عَائِشَةُ صَدَقتَ، ثُمّ قَالَ لِي عُمَرُ إِيّاكَ أَن يَخرُجَ مِنكَ شَيءٌ مِمّا سَمِعتَ بِهِ إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ( ع ) وَ أَهلِ بَيتِهِ. قَالَ قَالَ سُلَيمٌ قُلتُ لِمُحَمّدٍ مَن تَرَاهُ حَدّثَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَن هَؤُلَاءِ الخَمسَةِ بِمَا قَالُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،إِنّهُ يَرَاهُ فِي
صفحه : 132
كُلّ لَيلَةٍ فِي المَنَامِ وَ حَدِيثُهُ إِيّاهُ فِي المَنَامِ مِثلُ حَدِيثِهِ إِيّاهُ فِي اليَقَظَةِ وَ الحَيَاةِ، وَ قَد قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن رآَنيِ فِي المَنَامِ فَقَد رآَنيِ فَإِنّ الشّيطَانَ لَا يَتَمَثّلُ بيِ فِي نَومٍ وَ لَا يَقَظَةٍ وَ لَا بِأَحَدٍ مِن أوَصيِاَئيِ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ. قَالَ سُلَيمٌ فَقُلتُ لِمُحَمّدٍ فَمَن حَدّثَكَ بِهَذَا. قَالَ عَلِيّ.فَقُلتُ قَد سَمِعتُ أَنَا أَيضاً مِنهُ كَمَا سَمِعتَ أَنتَ، قُلتُ لِمُحَمّدٍ فَلَعَلّ مَلَكاً مِنَ المَلَائِكَةِ حَدّثَهُ. قَالَ أَو ذَاكَ قُلتُ فَهَل تُحَدّثُ المَلَائِكَةُ إِلّا الأَنبِيَاءَ. قَالَ أَ مَا تَقرَأُ كِتَابَ اللّهِ وَ مَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رَسُولٍ وَ لَا نبَيِّ وَ لَا مُحَدّثٍ. قُلتُ أَنَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ مُحَدّثٌ. قَالَ نَعَم، وَ فَاطِمَةُ مُحَدّثَةٌ، وَ لَم تَكُن نَبِيّةً، وَ مَريَمُ مُحَدّثَةٌ وَ لَم تَكُن نَبِيّةً، وَ أُمّ مُوسَي مُحَدّثَةٌ وَ لَم تَكُن نَبِيّةً، وَ سَارَةُ امرَأَةُ اِبرَاهِيمَ قَد عَايَنَتِ المَلَائِكَةَ وَ لَم تَكُن نَبِيّةً،فَبَشّرُوهَابِإِسحاقَ وَ مِن وَراءِ إِسحاقَ يَعقُوبَ. قَالَ سُلَيمٌ فَلَمّا قُتِلَ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ بِمِصرَ وَ عَزّينَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،جِئتُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ خَلَوتُ بِهِ فَحَدّثتُهُ بِمَا أخَبرَنَيِ بِهِ مُحَمّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ وَ بِمَا حدَثّنَيِ بِهِ ابنُ غَنمٍ.
صفحه : 133
قَالَ صَدَقَ مُحَمّدٌ رَحِمَهُ اللّهُ، أَمَا إِنّهُ شَهِيدٌ حيَّ مَرزُوقٌ، يَا سُلَيمُ إنِيّ وَ أوَصيِاَئيِ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِن ولُديِ أَئِمّةُ هُدًي مَهدِيّونَ مُحَدّثُونَ. قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ مَن هُم. قَالَ ابني[ابناَيَ] الحَسَنُ وَ الحُسَينُ، ثُمّ ابنيِ هَذَا وَ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمُ السّلَامُ وَ هُوَ رَضِيعٌ ثُمّ ثَمَانِيَةٌ مِن وُلدِهِ وَاحِداً بَعدَ وَاحِدٍ، وَ هُمُ الّذِينَ أَقسَمَ اللّهُ بِهِم فَقَالَوَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ،فَالوَالِدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا، وَ مَا وَلَدَ يعَنيِ هَؤُلَاءِ الأَحَدَ عَشَرَ وَصِيّاً صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم. قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ يَجتَمِعُ إِمَامَانِ. قَالَ لَا، إِلّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِتٌ لَا يَنطِقُ حَتّي يَهلِكَ الأَوّلُ.
8-أَقُولُ وَجَدتُ الخَبَرَ فِي كِتَابِ سُلَيمٍ عَن أَبَانٍ عَن سُلَيمٍ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ غَنمٍ .. وَ ذَكَرَ الحَدِيثَ مِثلَهُ سَوَاءً.
بيان هذاالخبر أحد الأمور التي صارت سببا للقدح في كتاب سليم ،لأنّ محمدا ولد في حجّة الوداع كماورد في أخبار الخاصّة والعامّة فكان له عندموت أبيه سنتان وأشهر،فكيف كان يمكنه التكلّم بتلك الكلمات ، وتذكر تلك الحكايات . ولعلّه ممّا صحّف فيه النساخ أوالرواة، أويقال إنّ ذلك كان من معجزات
صفحه : 134
أمير المؤمنين عليه السلام ظهر فيه . و قال بعض الأفاضل رأيت فيما وصل إليّ من نسخة هذاالكتاب أنّ عبد اللّه بن عمر وعظ أباه عندموته . والحقّ أنّ بمثل هذا لايمكن القدح في كتاب معروف بين المحدّثين اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما من القدماء، وأكثر أخباره مطابقة لماروي بالأسانيد الصحيحة في الأصول المعتبرة، وقلّ كتاب من الأصول المتداولة يخلو عن مثل ذلك . قال النعماني في كتاب الغيبة بعد ماأورد من كتاب سليم أخبارا كثيرة ما هذالفظه .. كتابه أصل من الأصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها،لأنّ جميع مااشتمل عليه هذاالكتاب إنّما هو عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و أمير المؤمنين عليه السلام والمقداد وسلمان الفارسي و أبي ذرّ و من جري مجراهم ممّن شهد رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السلام وسمع منهما، و هو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها.انتهي .
9- وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ نَهجِ البَلَاغَةِ المُبَرّدُ فِي الكَامِلِ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ عَوفٍ، قَالَدَخَلتُ عَلَي أَبِي بَكرٍ أَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ ألّذِي مَاتَ فِيهِ،فَسَلّمتُ وَ سَأَلتُهُ فَاستَوَي جَالِساً،فَقُلتُ لَقَد أَصبَحتَ بِحَمدِ اللّهِ بَارِئاً. فَقَالَ
صفحه : 135
أَمَا إنِيّ عَلَي مَا تَرَي لَوَجِعٌ، وَ جَعَلتُم لِي مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ شُغُلًا مَعَ وجَعَيِ،جَعَلتُ لَكُم عَهداً مِن بعَديِ، وَ اختَرتُ لَكُم خَيرَكُم فِي نفَسيِ،فَكُلّكُم وَرِمَ لِذَلِكَ أَنفُهُ رَجَاءَ أَن يَكُونَ الأَمرُ لَهُ، وَ رَأَيتُمُ الدّنيَا قَد أَقبَلَت، وَ اللّهِ لَتَتّخِذُنّ سُتُورَ الحَرِيرِ وَ نَضَائِدَ الدّيبَاجِ، وَ تَألَمُونَ ضَجَائِعَ الصّوفِ الأزَدرَيِّ،كَأَنّ أَحَدَكُم عَلَي حَسَكِ السّعدَانِ، وَ اللّهِ لَأَن يُقَدّمَ أَحَدُكُم فَيُضرَبَ عُنُقُهُ فِي غَيرِ حَدّ لَخَيرٌ لَهُ مِن أَن يَسبَحَ فِي غَمرَةِ الدّنيَا، وَ إِنّكُم غَداً لَأَوّلُ صَالٍ بِالنّارِ،تَجُودُونَ عَنِ الطّرِيقِ يَمِيناً وَ شِمَالًا، يَا هاَديَِ الطّرِيقِ جُرتَ،إِنّمَا هُوَ البَحرُ أَوِ الفَجرُ. فَقَالَ لَهُ عَبدُ الرّحمَنِ لَا تُكثِر عَلَي مَا بِكَ فَيَهِيضَكَ، وَ اللّهِ مَا أَرَدتَ إِلّا الخَيرَ، وَ أَنَا صَاحِبُكَ لَذُو خَيرٍ، وَ مَا النّاسُ إِلّا رَجُلَانِ، رَجُلٌ رَأَي مَا رَأَيتَ فَلَا خِلَافَ عَلَيكَ مِنهُ، وَ رَجُلٌ رَأَي غَيرَ ذَلِكَ، وَ إِنّمَا يُشِيرُ عَلَيكَ بِرَأيِهِ،فَسَكَنَ وَ سَكَتَ هُنَيئَةً، فَقَالَ عَبدُ الرّحمَنِ مَا أَرَي بِكَ بَأساً، وَ الحَمدُ لِلّهِ، فَلَا تَأسَ عَلَي الدّنيَا،فَوَ اللّهِ إِن عَلِمنَاكَ إِلّا صَالِحاً مُصلِحاً. فَقَالَ أَمَا إنِيّ لَا آسَي إِلّا عَلَي ثَلَاثٍ فَعَلتُهُنّ وَدِدتُ أنَيّ لَم أَفعَلهُنّ، وَ ثَلَاثٍ لَم أَفعَلهُنّ وَدِدتُ أنَيّ فَعَلتُهُنّ، وَ ثَلَاثٍ وَدِدتُ أنَيّ سَأَلتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنهُنّ.
صفحه : 136
فَأَمّا الثّلَاثُ التّيِ فَعَلتُهَا وَ وَدِدتُ أنَيّ لَم أَكُن فَعَلتُهَا،فَوَدِدتُ أنَيّ لَم أَكُن كَشَفتُ عَن بَيتِ فَاطِمَةَ( ع ) وَ تَرَكتُهُ وَ لَو أُغلِقَ عَلَي حَربٍ، وَ وَدِدتُ أنَيّ يَومَ سَقِيفَةِ بنَيِ سَاعِدَةَ كُنتُ قَذَفتُ الأَمرَ فِي عُنُقِ أَحَدِ الرّجُلَينِ،عُمَرَ أَو أَبِي عُبَيدَةَ،فَكَانَ أَمِيراً وَ كُنتُ وَزِيراً، وَ وَدِدتُ أنَيّ إِذ أُتِيتُ بِالفُجَاءَةِ لَم أَكُن أَحرَقتُهُ. وَ أَمّا الثّلَاثُ التّيِ لَم أَفعَلهَا وَ وَدِدتُ أنَيّ فَعَلتُهَا،فَوَدِدتُ أنَيّ يَومَ أُتِيتُ بِالأَشعَثِ أَسِيراً كُنتُ ضَرَبتُ عُنُقَهُ،فَإِنّهُ يُخَيّلُ إلِيَّ أَنّهُ لَا يَرَي شَرّاً إِلّا أَعَانَ عَلَيهِ، وَ وَدِدتُ أنَيّ حَيثُ وَجّهتُ خَالِداً إِلَي أَهلِ الرّدّةِ أَقَمتُ بذِيِ القِصّةِ، فَإِن ظَفِرَ المُسلِمُونَ وَ إِلّا كُنتُ رِدءاً لَهُم، وَ وَدِدتُ حَيثُ وَجّهتُ خَالِداً إِلَي الشّامِ كُنتُ وَجّهتُ عُمَرَ إِلَي العِرَاقِ،فَأَكُونُ قَد بَسَطتُ كِلتَا يدَيَّ اليَمِينَ وَ الشّمَالَ فِي سَبِيلِ اللّهِ. وَ أَمّا الثّلَاثُ اللوّاَتيِ وَدِدتُ أنَيّ كُنتُ سَأَلتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]عَنهُنّ،فَوَدِدتُ أنَيّ سَأَلتُهُ فِيمَن هَذَا الأَمرُ،فَكُنّا لَا نُنَازِعُهُ أَهلَهُ وَ وَدِدتُ أنَيّ سَأَلتُهُ هَل لِلأَنصَارِ فِي هَذَا الأَمرِ نَصِيبٌ وَ وَدِدتُ أنَيّ سَأَلتُهُ عَن مِيرَاثِ العَمّةِ وَ ابنَةِ
صفحه : 137
الأَخِ فَإِنّ فِي نفَسيِ مِنهُمَا حَاجَةً.
توضيح قوله ورم أنفه .. أي امتلأ وانتفخ من ذلك غضبا، وخصّ الأنف بالذّكر لأنّه موضع الأنفة والكبر، كمايقال شمخ بأنفه ، و منه قول الشّاعر
لايهاج إذا ماأنفه ورما |
... و في النهاية، في حديث أبي بكر لتتّخذنّ نضائد الدّيباج .. أي الوسائد،واحدتهما نضيدة. والآزرَيِّ نسبةٌ إلي آزر، وهي كهاجر ناحية بين الأهواز ورامهرمز. و في النهاية الأزربي، قال في حديث أبي بكر لتأملن النّومَ علي الصّوفِ الأزَربَيِ كَمَا يَألَمُ أحدُكُمُ النّومَ علي حَسَكِ السّعدانِ .. الأزَربَيِّ منسوب إلي أذربيجانَ علي غيرقياس هكذا تقوله العرب ، والقياس أن تقول أزَريِّ بغير باء كمايقال في النّسب إلي رامهرمز واميّ و هومطّرد في النّسب إلي الأسماء
صفحه : 138
المركّبة، والسّعدان نبت ذو شوك يشبه حلمة الثدّي، والحسك جمع الحسكة بتحريكهما وهي شوكة صلبة. والجور الميل عن الطّريق. و قال ابن الأثير في حديث أبي بكر«إِنّمَا هُوَ الفَجرُ أَوِ البَجرُ»البجر بالفتح والضّم الدّاهية والأمر العظيم .. أي إن انتظرت حتّي يضيء الفجر أبصرت الطّريق، و إن خبطت الظّلماء أفضت بك إلي المكروه ، ويروي البحر بالحاء يريد غمرات الدّنيا،شبّهها بالبحر لتبحّر أهلها فيها. والهيض بالفتح الكسر بعدالجبر و هوأشدّ ما يكون من الكسر،يقال هاضه الأمر يهيضه . و لاتأس .. أي لاتحزن .تذييل اعلم أنّ مااشتمل عليه هذاالخبر أحد المطاعن المشهورة لأبي بكر ذكره الأصحاب ،قالوا إنّ قوله ليتني كنت سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله هل للأنصار في هذاالأمر حقّ يدلّ علي شكّه في صحّة بيعته ، و قوله ليتني تركت بيت فاطمة عليها السلام لم أكشفه ، وليتني في ظلّة بني ساعدة كنت ضربت علي يد أحد الرجلين .. يدلّ علي ماروي من إقدامه علي بيت فاطمة عليها
صفحه : 139
السلام عنداجتماع عليّ عليه السلام والزبير وغيرهما فيه ، و علي أنّه كان يري الفضل لغيره لالنفسه . و قوله وددت أنيّ سألت فيمن هذاالأمر فكنّا لاننازعه أهله .. كالصريح في أنّه لم يكن أهلا للإمامة. و قوله وددت أنيّ سألت عن ميراث العمّة والخالة .. اعتراف بجهله بأحكام الدين . وأجاب عنه قاضي القضاة في المغني بأنّ قوله ليتني .. لايدلّ علي الشك فيما تمنّاه، وقول ابراهيم عليه السلام رَبّ أرَنِيِ كَيفَ تحُيِ المَوتي قالَ أَ وَ لَم تُؤمِن قالَ بَلي وَ لكِن لِيَطمَئِنّ قلَبيِأقوي في الشبهة من ذلك ، ثم حمل تمنّيه علي أنّه أراد سماع شيءمفصّل، أوأراد ليتني سألته عندالموت لقرب العهد،لأنّ ماقرب عهده لاينسي ، و يكون أردع للأنصار عمّا حاولوه . ثم قال علي أنّه ليس في ظاهره أنّه تمنّي أن يسأل هل له حقّ للإمامة أم لالأنّ الإمامة قديتعلّق بهاحقوق سواها، ثم دفع الرواية المتعلّقة ببيت فاطمة عليها السلام ، و قال فأمّا تمنّيه أن يبايع غيره ،فلو ثبت لم يكن ذمّا،لأنّ من اشتدّ التكليف عليه فهو يتمنّي خلافه .
صفحه : 140
وذكر شارح المقاصد الطعن بأنّه شكّ عندموته في استحقاقه للإمامة،حيث قال وددت أنيّ سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] عن هذاالأمر فيمن هو وكنّا لاننازع أهله ثم أجاب بأنّ هذا علي تقدير صحّته لايدلّ علي الشك ،بل علي عدم النّص، وبأنّ إمامته كانت بالبيعة والاختيار، و أنّه في طلب الحقّ بحيث يحاول أن لايكتفي بذلك ،بل يريد اتّباع النّص خاصّة. وبنحو ذلك أجاب الفخر الرازي في نهاية العقول عن الطعن بقوله ليتني سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله هل للأنصار فيه حقّ .. إلّا أنّه لم يمنع صحّة الرواية. وأورد السيّد الأجلّ رضي اللّه عنه في الشافي علي كلام صاحب المغني بأنّه ليس يجوز أن يقول أبوبكر ليتني سألت عن .. كذا إلّا مع الشكّ والشبهة،لأنّ مع العلم واليقين لايجوز مثل هذاالقول ،هكذا يقتضي الظاهر،فأمّا قول ابراهيم عليه السلام فإنّما ساغ أن يعدل عن ظاهره ،لأنّ الشكّ لايجوز علي الأنبياء عليهم السلام ويجوز علي غيرهم ، علي أنّه عليه السلام قدنفي عن نفسه الشكّ بقوله بَلي وَ لكِن لِيَطمَئِنّ قلَبيِ، و قدقيل إنّ نمرود قال له إذاكنت تزعم أنّ لك ربّا يحيي الموتي فاسأله أن يحيي لنا ميّتا إن كان علي ذلك قادرا، فإن لم يفعل ذلك قتلتك ،فأراد بقوله وَ لكِن لِيَطمَئِنّ قلَبيِ.. أي لِآمَنَ
صفحه : 141
مِن تَوَعّدِ عَدُوّكَ، و قديجوز أن يكون طلب ذلك لقومه و قدسألوه أن يرغب إلي اللّه فيه ، فقال ليطمئنّ قلبي إلي إجابتك لي و إلي إزاحة علّة قومي، و لم يرد ليطمئنّ قلبي إلي أنّك تقدر أن تحيي الموتي ،لأنّ قلبه قد كان بذلك مطمئنا، و أيّ شيءيريد أبوبكر من التفصيل أكثر من قوله إنّ هذاالأمر لايصلح إلّا لهذا الحيّ من قريش ، و أيّ فرق بين مايقال عندالموت و بين مايقال قبله إذا كان محفوظا معلوما لم يرفع حكمه و لم ينسخ . و بعد،فظاهر الكلام لايقتضي هذاالتخصيص ونحن مع الإطلاق والظاهر، و أيّ حقّ يجوز أن يكون للأنصار في الإمامة غير أن يتولّاها رجل منهم حتي يجوز أن يكون الحقّ ألذي تمنّي أن يسأل عنه غيرالإمامة وهل هذا إلّا تعسّف وتكلّف و أيّ شبهة تبقي بعدقول أبي بكر ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذاالأمر حقّ فكنّا لاننازعه أهله ومعلوم أنّ التنازع بينهم لم يقع إلّا في الإمامة نفسها لا في حقّ آخر من حقوقها.فأمّا قوله إنّا قدبيّنّا أنّه لم يكن منه في بيت فاطمة عليها السلام مايوجب أن يتمنّي أنّه لم يفعله ،فقد بيّنا فساد ظنّه فيما تقدّم.فأمّا قوله إنّ من اشتدّ التكليف عليه قديتمنّي خلافه .. فليس بصحيح ،لأنّ ولاية أبي بكر إذاكانت هي التي اقتضاها الدين والنظر للمسلمين في تلك الحال ، و ماعداها كان مفسدة ومؤدّيا إلي الفتنة،فالتمنيّ بخلافها لا يكون إلّا قبيحا.
صفحه : 142
10- كِتَابُ الِاستِدرَاكِ قَالَ ذَكَرَ عِيسَي بنُ مِهرَانَ فِي كِتَابِ الوَفَاةِ،بِإِسنَادِهِ عَنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَينِ العرُنَيِّ، قَالَ حَدّثَنَا مُصَبّحٌ العجِليِّ، عَن أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَن مُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ لَمّا ثَقُلَ أَبِي أرَسلَنَيِ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَدَعَوتُهُ،فَأَتَاهُ، فَقَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ إنِيّ كُنتُ مِمّن شَغَبَ عَلَيكَ، وَ أَنَا كُنتُ أَوّلَهُم، وَ أَنَا صَاحِبُكَ،فَأُحِبّ أَن تجَعلَنَيِ فِي حِلّ. فَقَالَ نَعَم، عَلَي أَن تُدخِلَ عَلَيكَ رَجُلَينِ فَتُشهِدَهُمَا عَلَي ذَلِكَ. قَالَ فَحَوّلَ وَجهَهُ إِلَي الحَائِطِ،فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمّ قَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ مَا تَقُولُ. قَالَ هُوَ مَا أَقُولُ لَكَ. قَالَ فَحَوّلَ وَجهَهُ .. فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمّ قَامَ فَخَرَجَ. قَالَ قُلتُ يَا أَبَتِ قَد أَنصَفَكَ، مَا عَلَيكَ لَو أَشهَدتَ لَهُ رَجُلَينِ. قَالَ يَا بنُيَّ إِنّمَا أَرَادَ أَن لَا يَستَغفِرَ لِي رَجُلَانِ مِن بعَديِ.
بيان يقال شغب عليه كمنع وفرح هيّج الشّرّ عليه .
11-الكَافِيَةُ فِي إِبطَالِ تَوبَةِ الخَاطِئَةِ عَن سُلَيمٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ، قَالَ لَمّا حَضَرَ أَبَا بَكرٍ أَمرُهُ جَعَلَ يَدعُو بِالوَيلِ وَ الثّبُورِ، وَ كَانَ عُمَرُ عِندَهُ، فَقَالَ لَنَا اكتُمُوا هَذَا الأَمرَ عَلَي أَبِيكُم،فَإِنّهُ يهَذيِ، وَ أَنتُم قَومٌ مَعرُوفُونَ لَكُم عِندَ
صفحه : 143
الوَجَعِ الَهذَيَانُ.فَقَالَت عَائِشَةُ صَدَقتَ،فَخَرَجَ عُمَرُ فَقُبِضَ أَبُو بَكرٍ.
12- وَ عَن هِشَامِ بنِ عُروَةَ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ قِيلَ لِعُمَرَ أَ لَا تَستَخلِفُ. فَقَالَ إِن أَستَخلِف فَقَدِ استَخلَفَ مَن هُوَ خَيرٌ منِيّ، أَبُو بَكرٍ، وَ إِن أَترُك فَقَد تَرَكَ مَن هُوَ خَيرٌ منِيّ أَبُو بَكرٍ، وَ إِن أَترُك فَقَد تَرَكَ مَن هُوَ خَيرٌ منِيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَثنَوا عَلَيهِ، فَقَالَ رَاغِباً رَاهِباً وَدِدتُ أنَيّ كَفَافاً لَا عَلَيّ وَ لَا لِي.
13- وَ عَن شُعبَةَ، عَن عَاصِمِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسِ بنِ رَبِيعَةَ، قَالَ رَأَيتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ أَخَذَ تِبنَةً مِنَ الأَرضِ، فَقَالَ ليَتنَيِكُنتُ نَسياً مَنسِيّا،لَيتَ أمُيّ لَم تلَدِنيِ.
14- وَ عَن سُفيَانَ، عَن عَاصِمٍ، قَالَ حدَثّنَيِ أَبَانُ بنُ عُثمَانَ، قَالَ آخِرُ كَلِمَةٍ قَالَهَا عُمَرُ حَتّي قَضَي وَيلُ أمُيّ إِن لَم يَغفِر لِي ربَيّ وَيلُ أمُيّ إِن لَم يَغفِر لِي ربَيّ.
15- وَ عَن عَمرِو بنِ دِينَارٍ، عَن يَحيَي بنِ جَعدَةَ، قَالَ قَالَ عُمَرُ
صفحه : 144
حِينَ حَضَرَهُ المَوتُ لَو أَنّ لِيَ الدّنيَا وَ مَا فِيهَا لَافتَدَيتُ بِهَا مِنَ النّارِ.
16- وَ عَن شُعبَةَ، عَن سَمّاكٍ اليمَاَنيِّ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ أَتَيتُ عَلَي عُمَرَ فَقَالَ وَدِدتُ أنَيّ أَنجُو مِنهَا كَفَافاً لَا أَجرَ وَ لَا وِزرَ.
17- وَ عَن حُصَينِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَن عُمَرَ بنِ مَيمُونٍ، قَالَ جَاءَ شَابّ إِلَي عُمَرَ فَقَالَ أَبشِر يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ بِبُشرَي اللّهِ لَكَ مِنَ القَدَمِ فِي الإِسلَامِ وَ صُحبَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا قَد عَلِمتَ، ثُمّ وُلّيتَ فَعَدَلتَ، ثُمّ شَهَادَةٍ. فَقَالَ يَا ابنَ أخَيِ وَدِدتُ أَنّ ذَلِكَ كَفَافاً لَا عَلَيّ وَ لَا لِي.
18- وَ عَنِ ابنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَن سُلَيمَانَ بنِ حَنَانٍ، عَن دَاوُدَ بنِ أَبِي هِندٍ، عَنِ الشعّبيِّ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ دَخَلتُ عَلَي عُمَرَ حِينَ طُعِنَ،فَقُلتُ أَبشِر يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَسلَمتَ حِينَ كَفَرَ النّاسُ، وَ قُبِضَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ عَنكَ رَاضٍ، وَ لَم يُختَلَف فِي خِلَافَتِكَ، وَ قُتِلتَ شَهِيداً. فَقَالَ عُمَرُ أَعِد عَلَيّ قَولَكَ .. فَأَعَدتُهُ عَلَيهِ. فَقَالَ إِنّ المَغرُورَ مَن غَرَرتُمُوهُ، وَ ألّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ لَو كَانَ لِي مَا عَلَي الأَرضِ مِن صَفرَاءَ وَ بَيضَاءَ لَافتَدَيتُ بِهِ مِن هَولِ المُطّلَعِ.
صفحه : 145
1-ير أَحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ، عَن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ، عَن مُحَمّدِ بنِ الفُضَيلِ، عَنِ الثمّاَليِّ، عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَ قُلتُ لَهُ أَسأَلُكَ عَن فُلَانٍ وَ فُلَانٍ. قَالَ فَعَلَيهِمَا لَعنَةُ اللّهِ بِلَعَنَاتِهِ كُلّهَا،مَاتَا وَ اللّهِ كَافِرَينِ مُشرِكَينِ بِاللّهِ العَظِيمِ.
2-فس أَبِي، عَن حَنَانِ بنِ سَدِيرٍ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ صَفِيّةَ بِنتَ عَبدِ المُطّلِبِ مَاتَ ابنٌ لَهَا فَأَقبَلَت، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ غطَيّ
صفحه : 146
قُرطَكِ، فَإِنّ قَرَابَتَكِ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا تَنفَعُكِ شَيئاً،فَقَالَت لَهُ هَل رَأَيتَ لِي قُرطاً يَا ابنَ اللّخنَاءِ. ثُمّ دَخَلَت عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَأَخبَرَتهُ بِذَلِكَ فَبَكَت،فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَنَادَي الصّلَاةَ جَامِعَةً،فَاجتَمَعَ النّاسُ. فَقَالَ مَا بَالُ أَقوَامٍ يَزعُمُونَ أَنّ قرَاَبتَيِ لَا تَنفَعُ لَو قَد قُمتُ المَقَامَ المَحمُودَ لَشَفَعتُ فِي عُلُوجِكُم، لَا يسَألَنُيِ اليَومَ أَحَدٌ مِن أَبَوَاهُ .. إِلّا أَخبَرتُهُ،فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ فَقَالَ مَن أَبِي يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ أَبُوكَ غَيرُ ألّذِي تُدعَي لَهُ،أَبُوكَ فُلَانُ بنُ فُلَانٍ،فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مَن أَبِي يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ أَبُوكَ ألّذِي تُدعَي لَهُ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا بَالُ ألّذِي يَزعُمُ أَنّ قرَاَبتَيِ لَا تَنفَعُ، لَا يسَألَنُيِ عَن أَبِيهِ.فَقَامَ إِلَيهِ عُمَرُ فَقَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مِن غَضَبِ اللّهِ وَ غَضَبِ رَسُولِهِ،اعفُ عنَيّ عَفَا اللّهُ عَنكَ،فَأَنزَلَ اللّهُيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَسئَلُوا عَن أَشياءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم... إِلَي قَولِهِثُمّ أَصبَحُوا بِها كافِرِينَ.
صفحه : 147
بيان قوله غطَيّ قُرطَكِ .. في بعض النسخ ،قطيّ بالقاف .. أي اقطعي وبالغين أظهر، والقرط بالضّم ألّذي يعلّق في شحمة الأذن . و في النهاية فيه يا ابن اللخناء .. هي التّي لم تختن ، وقيل اللّخن النّتن من لخن السّقاء يلخن . ولعلّ المراد بالعلوج عبيدهم الذين أسلموا من كفّار العجم ، و فيه بعض التصحيفات لايعرف لها معني ، و لايبعد أن يكون في حاء وحكم . قال في النهاية فيه شفاعتي لأهل الكبائر من أمتّي حتّي حكم وحاء .. هما قبيلتان جافيتان من وراء رمل يبرين . و قال في موضع آخر هما حيّان من اليمن من وراء الرمل يبرين .. قال أبو موسي يجوز أن يكون حا من الحوّة، و قدحذفت لامه ، ويجوز أن يكون من حوي يحوي، ويجوز أن يكون مقصورا غيرممدود. و قال الجوهري يَبرِينُ اسم موضع .. يقال رَملُ يَبرِينَ.
صفحه : 148
3-فس استَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرّةً فَلَن يَغفِرَ اللّهُ لَهُم. قَالَ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ إِنّهَا نَزَلَت لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي المَدِينَةِ وَ مَرِضَ عَبدُ اللّهِ بنُ أُبَيّ وَ كَانَ ابنُهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ اللّهِ مُؤمِناً فَجَاءَ إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَبُوهُ يَجُودُ بِنَفسِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ بأِبَيِ أَنتَ وَ أمُيّ إِنّكَ إِن لَم تَأتِ أَبِي كَانَ ذَلِكَ عَاراً عَلَينَا،فَدَخَلَ عَلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ المُنَافِقُونَ عِندَهُ فَقَالَ ابنُهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ اللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ استَغفِر لَهُ،فَاستَغفَرَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ أَ لَم يَنهَكَ اللّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَن تصُلَيَّ عَلَيهِم أَو تَستَغفِرَ لَهُم فَأَعرَضَ عَنهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَعَادَ عَلَيهِ. فَقَالَ لَهُ وَيلَكَ إنِيّ خُيّرتُ فَاختَرتُ، إِنّ اللّهَ يَقُولُاستَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرّةً فَلَن يَغفِرَ اللّهُ لَهُم فَلَمّا مَاتَ عَبدُ اللّهِ جَاءَ ابنُهُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ بأِبَيِ أَنتَ وَ أمُيّ يَا رَسُولَ اللّهِ إِن رَأَيتَ أَن تَحضُرَ جَنَازَتَهُ،فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَامَ عَلَي قَبرِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ لَم يَنهَكَ اللّهُ أَن تصُلَيَّ عَلَي أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أَبَداً
صفحه : 149
وَ أَن تَقُومَ عَلَي قَبرِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَيلَكَ وَ هَل تدَريِ مَا قُلتُ إِنّمَا قُلتُ أللّهُمّ احشُ قَبرَهُ نَاراً، وَ جَوفَهُ نَاراً، وَ أَصلِهِ النّارَ،فَبَدَا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا لَم يَكُن يُحِبّ.
4-فس قَالَ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ فِي قَولِهِلِيَحمِلُوا أَوزارَهُم كامِلَةً يَومَ القِيامَةِ وَ مِن أَوزارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ قَالَ يعَنيِ يَحمِلُونَ آثَامَهُم يعَنيِ الّذِينَ غَصَبُوا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ آثَامَ كُلّ مَنِ اقتَدَي بِهِم، وَ هُوَ قَولُ الصّادِقِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ اللّهِ مَا أُهرِيقَت مِحجَمَةٌ مِن دَمٍ، وَ لَا قُرِعَت عَصًا بِعَصاً، وَ لَا غُصِبَ فَرجٌ حَرَامٌ، وَ لَا أُخِذَ مَالٌ مِن غَيرِ حِلّهِ، إِلّا وَ وِزرُ ذَلِكَ فِي أَعنَاقِهِمَا مِن غَيرِ أَن يَنقُصَ مِن أَوزَارِ العالمين شَيءٌ.
5-فس وَ يَومَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلي يَدَيهِ.. قَالَ الأَوّلُيَقُولُ يا ليَتنَيِ اتّخَذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلًا. قَالَ أَبُو جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ يَا ليَتنَيِ اتّخَذتُ مَعَ الرّسُولِ عَلِيّاًيا وَيلَتي ليَتنَيِ لَم أَتّخِذ فُلاناً خَلِيلًايعَنيِ الثاّنيَِلَقَد أضَلَنّيِ عَنِ الذّكرِ بَعدَ إِذ جاءنَيِيعَنيِ الوَلَايَةَ
صفحه : 150
وَ كانَ الشّيطانُ وَ هُوَ الثاّنيِلِلإِنسانِ خَذُولًا.
6-فس الحُسَينُ بنُ مُحَمّدٍ، عَنِ المُعَلّي، عَن بِسطَامَ بنِ مُرّةَ، عَن إِسحَاقَ بنِ حَسّانَ، عَنِ الهَيثَمِ بنِ وَاقِدٍ، عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ العبَديِّ، عَن سَعدٍ الإِسكَافِ، عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ، أَنّهُ سَأَلَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَن قَولِ اللّهِأَنِ اشكُر لِي وَ لِوالِدَيكَ إلِيَّ المَصِيرُ، فَقَالَ الوَالِدَانِ اللّذَانِ أَوجَبَ اللّهُ لَهُمَا الشّكرَ هُمَا اللّذَانِ وَلَدَا العِلمَ، وَ وَرِثَا الحُكمَ، وَ أمرا[أَمَرَ] النّاسَ بِطَاعَتِهِمَا. ثُمّ قَالَ«إلِيَّ المَصِيرُ»،فَمَصِيرُ العِبَادِ إِلَي اللّهِ، وَ الدّلِيلُ عَلَي ذَلِكَ الوَالِدَانِ، ثُمّ عَطَفَ القَولَ عَلَي ابنِ حَنتَمَةَ وَ صَاحِبِهِ، فَقَالَ فِي الخَاصّوَ إِن جاهَداكَ عَلي أَن تُشرِكَ بيِ.. يَقُولُ فِي الوَصِيّةِ وَ تَعدِلَ عَمّن أَمَرتُ بِطَاعَتِهِفَلا تُطِعهُما وَ لَا تَسمَع قَولَهُمَا، ثُمّ عَطَفَ القَولَ عَلَي الوَالِدَينِ وَ قَالَوَ صاحِبهُما فِي الدّنيا مَعرُوفاً يَقُولُ عَرّفِ النّاسَ فَضلَهُمَا وَ ادعُ إِلَي سَبِيلِهِمَا، وَ ذَلِكَ قَولُهُوَ اتّبِع سَبِيلَ مَن أَنابَ إلِيَّ ثُمّ إلِيَّ مَرجِعُكُم فَقَالَ إِلَي اللّهِ ثُمّ إِلَينَا،فَاتّقُوا اللّهَ وَ لَا تَعصُوا الوَالِدَينِ، فَإِنّ رِضَاهُمَا رِضَا اللّهِ، وَ سَخَطَهُمَا سَخَطُ اللّهِ.
صفحه : 151
بيان قوله عليه السلام والدليل علي ذلك الوالدان .. إذ الظاهر ذكوريتهما،لكون التغليب مجازا، والحقيقة أولي مع الإمكان . ويحتمل أن يكون الغرض عدم بعدالتأويل ، فإنّ التجوّز في الوالديّة يعارضه عدم التجوّز في الذكوريّة، ويحتمل أن يكون ( ذلك )راجعا إلي كون مصير العباد إلي اللّه أوكيفيّته،لكنّه بعيد. و ابن حنتمة عمر،لأنّ أمّه حنتمة بنت ذي الرّمحين، كماذكر في القاموس . قوله عليه السلام فقال في الخاصّ .. أي الخطاب مخصوص بالنبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و أمّا خطاب (صاحبهما) فإن كان إليه صلّي اللّه عليه وآله ففي المصاحبة توسع ، و إن كان إلي غيره كخطاب (اشكر) فلاتوسع . و في الكافي فقال في الخاصّ والعام .. أي مخاطبا للرسول وسائر الناس ، أوبحسب ظهر الآية الخطاب عام وبحسب بطنها خاص ، أوالمعني أنّ بحسب بطنهما أيضا الخطاب إلي الرسول صلّي اللّه عليه وآله بمعني عدم الاشتراك في الوصيّة، و إلي الناس بمعني عدم العدول عمّن أمروا بطاعته ،فيكون ماذكره بعد علي اللفّ والنشر المرتّب. و أمّا تطبيق المعني علي سابق الآية و هو قوله تعالي وَ وَصّينَا الإِنسانَ
بِوالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمّهُ وَهناً عَلي وَهنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَينِفيحتمل وجوها الأول أن يكون (حملته أمّه)معترضة لبيان أشديّة حقّ الوالدين في العلم علي حقّ الوالدين في النسب .الثاني أن يكون المراد بالوالدين أوللمعني الحقيقي وبهما ثانيا المعني المجازي بتقدير عطف أوفعل ثانيا.الثالث أن يكون ظهر الآية للوالدين حقيقة وبطنها للوالدين مجازا بتوسّط أنّ العلّة للحياة الحقيقيّة أولي بالرعاية من العلّة للحياة الظاهريّة، و اللّه يعلم .
7-فس قَالَ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ فِي قَولِهِيَومَ تُقَلّبُ وُجُوهُهُم فِي النّارِفَإِنّهَا كِنَايَةٌ عَنِ الّذِينَ غَصَبُوا آلَ مُحَمّدٍ حَقّهُميَقُولُونَ يا لَيتَنا أَطَعنَا اللّهَ وَ أَطَعنَا الرّسُولَايعَنيِ فِي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُوَ قالُوا رَبّنا إِنّا أَطَعنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلّونَا السّبِيلَا.. وَ هُمَا رَجُلَانِ، وَ السّادَةُ وَ الكُبَرَاءُ هُمَا أَوّلُ مَن بَدَأَ بِظُلمِهِم وَ غَصبِهِم. قَولُهُفَأَضَلّونَا السّبِيلَا.. أَي طَرِيقَ الجَنّةِ، وَ السّبِيلُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ. ثُمّ يَقُولُونَرَبّنا آتِهِم ضِعفَينِ مِنَ العَذابِ وَ العَنهُم لَعناً كَبِيراً.
أقول قدمرّ في باب أنّ الإمامة المعروضة هي الولاية بأسانيد جمّة أنّ الإنسان
صفحه : 153
في قوله تعالي وَ حَمَلَهَا الإِنسانُ إِنّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا هو أبوبكر.
8-فس أَحمَدُ بنُ إِدرِيسَ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ، عَن عَلِيّ بنِ الحَكَمِ، عَن سَيفِ بنِ عَمِيرَةَ، عَن حَسّانَ، عَن هَاشِمِ بنِ عَمّارٍ يَرفَعُهُ فِي قَولِهِأَ فَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشاءُ وَ يهَديِ مَن يَشاءُ فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَراتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما يَصنَعُونَ قَالَ نَزَلَت فِي زُرَيقٍ وَ حَبتَرٍ.
بيان زُرَيقٌ وحَبتَرٌ كنايتان ، والعرب تتشاءم بزرقة العين ، والحبتر الثّعلب، والثاني بالأول أنسب .
9-فس وَ أَقبَلَ بَعضُهُم عَلي بَعضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنّكُم كُنتُم تَأتُونَنا عَنِ اليَمِينِيعَنيِ فُلَاناً وَ فُلَاناً،قالُوا بَل لَم تَكُونُوا مُؤمِنِينَ.
10-فس وَ إِنّ لِلطّاغِينَ لَشَرّ مَآبٍ وَ هُمُ الأَوّلَانِ وَ بَنُو أُمَيّةَ .. ثُمّ ذَكَرَ مَن كَانَ مِن بَعدِهِم مِمّن غَصَبَ آلَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَقّهُم، فَقَالَ
صفحه : 154
وَ آخَرُ مِن شَكلِهِ أَزواجٌ هذا فَوجٌ مُقتَحِمٌ مَعَكُم وَ هُم بَنُو السّبَاعِ فَيَقُولُونَ بَنُو أُمَيّةَلا مَرحَباً بِهِم إِنّهُم صالُوا النّارِفَيَقُولُونَ بَنُو فُلَانٍبَل أَنتُم لا مَرحَباً بِكُم أَنتُم قَدّمتُمُوهُ لَنا وَ بَدَأتُم بِظُلمِ آلِ مُحَمّدٍفَبِئسَ القَرارُ ثُمّ يَقُولُ بَنُو أُمَيّةَرَبّنا مَن قَدّمَ لَنا هذا فَزِدهُ عَذاباً ضِعفاً فِي النّارِيَعنُونَ الأَوّلَينِ، ثُمّ يَقُولُ أَعدَاءُ آلِ مُحَمّدٍ فِي النّارِما لَنا لا نَري رِجالًا كُنّا نَعُدّهُم مِنَ الأَشرارِ فِي الدّنيَا، وَ هُم شِيعَةُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُأَتّخَذناهُم سِخرِيّا أَم زاغَت عَنهُمُ الأَبصارُ ثُمّ قَالَإِنّ ذلِكَ لَحَقّ تَخاصُمُ أَهلِ النّارِفِيمَا بَينَهُم، وَ ذَلِكَ قَولُ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ اللّهِ إِنّكُم لفَيِ الجَنّةِ تُحبَرُونَ، وَ فِي النّارِ تُطلَبُونَ.
بيان بَنُو السّبَاعِ .. كناية عن بني العبّاس. و قال الطبرسي رحمه اللّهوَ آخَرُ أي وضرب آخر .. من شكل هذاالعذاب وجنسه .أَزواجٌ.. أي ألوان وأنواع متشابهة في الشدّة ..هذا فَوجٌ.. هاهنا حذف ، أي يقال هذافوج ، وهم قادة الضلال إذادخلوا
صفحه : 155
النار، ثم يدخل الأتباع فتقول الخزنة للقادة هَذَا فَوجٌ .. أي قطعة من الناس ، وهم الأتباع .مُقتَحِمٌ مَعَكُم في النار دخلوها كمادخلتم .لا مَرحَباً بِهِم .. قال البيضاوي دعاء من المتبوعين علي أتباعهم ، أوصفة لفوج ، أوحال .. أي مقولا فيهم لامرحبا .. أي ماأتوا رحبا وسعة.أَم زاغَت عَنهُمُ الأَبصارُ... أي مالت ، فلاتراهم . والحَبرَةُ بالفتح النعمة وسعة العيش .
11-فس قُل تَمَتّع بِكُفرِكَ قَلِيلًا إِنّكَ مِن أَصحابِ النّارِنَزَلَت فِي أَبِي فُلَانٍ.
12-فس إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحدَهُ اشمَأَزّت قُلُوبُ الّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِنَزَلَت فِي فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.
13-فس وَ قالَ الّذِينَ كَفَرُوا رَبّنا أَرِنَا الّذَينِ أَضَلّانا مِنَ الجِنّ وَ الإِنسِ قَالَ العَالِمُ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ الجِنّ،إِبلِيسُ ألّذِي أَشَارَ عَلَي قَتلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي دَارِ النّدوَةِ، وَ أَضَلّ النّاسَ باِلمعَاَصيِ، وَ جَاءَ بَعدَ
صفحه : 156
وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَبَايَعَهُ، وَ مِنَ الإِنسِ،فُلَانٌنَجعَلهُما تَحتَ أَقدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأَسفَلِينَ.
بيان لايبعد أن يكون المعني أنّ مصداق الآية في تلك المادة إبليس وفلان ،لأنّ قوله تعالي الّذِينَ كَفَرُوا... شامل للمخالفين ، والآية تدلّ علي أنّ كلّ صنف من الكفّار لهم مضلّ من الجنّ ومضلّ من الإنس ، والمضلّ من الجنّ مشترك ، والمضلّ من الإنس في المخالفين هوالثاني،لأنّه كان أقوي وأدخل في ذلك من غيره ، و هذاالكلام يجري في أكثر أخبار هذاالباب وغيره ، ومعه لانحتاج إلي تخصيص الآيات وصرفها عن ظواهرها، و اللّه يعلم .
14-فس جَعفَرُ بنُ أَحمَدَ، عَن عَبدِ الكَرِيمِ بنِ عَبدِ الرّحِيمِ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ، عَن مُحَمّدِ بنِ الفُضَيلِ، عَن أَبِي حَمزَةَ الثمّاَليِّ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَنَزَلَت هَاتَانِ الآيَتَانِ هَكَذَا،قَولُ اللّهِحَتّي إِذا جاءَنايعَنيِ فُلَاناً وَ فُلَاناً يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِينَ يَرَاهُيا لَيتَ بيَنيِ وَ بَينَكَ بُعدَ المَشرِقَينِ فَبِئسَ القَرِينُ فَقَالَ اللّهُ لِنَبِيّهِ قُل لِفُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ أَتبَاعِهِمَالَن يَنفَعَكُمُ اليَومَ إِذ ظَلَمتُمآلَ مُحَمّدٍ حَقّهُمأَنّكُم فِي العَذابِ مُشتَرِكُونَ، ثُمّ قَالَ اللّهُ لِنَبِيّهِأَ فَأَنتَ تُسمِعُ الصّمّ أَو تهَديِ العمُيَ وَ مَن كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فَإِمّا نَذهَبَنّ بِكَ
صفحه : 157
فَإِنّا مِنهُم مُنتَقِمُونَيعَنيِ مِن فُلَانٍ وَ فُلَانٍ، ثُمّ أَوحَي اللّهُ إِلَي نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِفَاستَمسِك باِلذّيِ أوُحيَِ إِلَيكَ فِي عَلِيّإِنّكَ عَلي صِراطٍ مُستَقِيمٍيعَنيِ إِنّكَ عَلَي وَلَايَةِ عَلِيّ، وَ عَلِيّ هُوَ الصّرَاطُ المُستَقِيمُ.
توضيح قرأ عليه السلام جَاءَانَا علي التثنية كما هوقراءة عاصم برواية أبي بكر وغيره ، وفسّرهما[بفلان وفلان ]، وفسّرهما المفسّرون بالشيطان و من أغواه . والمشرقان المشرق والمغرب علي التغليب .فَبِئسَ القَرِينُ.. أي أنت إليّ اليوم ، وروي ابن عباس أنّهما يكونان مشدودين في سلسلة واحدة لزيادة العقوبة،فيقول اللّه تعالي لهم لَن يَنفَعَكُمُ.. أي لايخفّف الاشتراك عنكم شيئا من العذاب لأنّ لكلّ من الكفّار والشياطين الحظّ الأوفر من العذاب .
15-فس وَ لا يَصُدّنّكُمُ الشّيطانُيعَنيِ الثاّنيَِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُإِنّهُ لَكُم عَدُوّ مُبِينٌ.
صفحه : 158
16-فس الّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ أَضَلّ أَعمالَهُمنَزَلَت فِي أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الّذِينَ ارتَدّوا بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ غَصَبُوا أَهلَ بَيتِهِ حَقّهُم وَ صَدّوا عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَلَايَةَ الأَئِمّةِأَضَلّ أَعمالَهُم.. أَي أَبطَلَ مَا كَانَ تَقَدّمَ مِنهُم مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنَ الجِهَادِ وَ النّصرَةِ.
17-فس وَ قالَ قَرِينُهُ أَي شَيطَانُهُ وَ هُوَ الثاّنيِهذا ما لدَيَّ عَتِيدٌ.
18-فس مَنّاعٍ لِلخَيرِ قَالَ المَنّاعُ الثاّنيِ، وَ الخَيرُ وَلَايَةُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ حُقُوقُ آلِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمُ السّلَامُ، وَ لَمّا كَتَبَ الأَوّلُ كِتَابَ فَدَكَ يَرُدّهَا عَلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مَنَعَهُ الثاّنيِ،فَهُوَمُعتَدٍ مُرِيبٍ،ألّذِي جَعَلَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ قَالَ هُوَ مَا قَالُوا نَحنُ كَافِرُونَ بِمَن جَعَلَ لَكُمُ الإِمَامَةَ وَ الخُمُسَ.
صفحه : 159
قَولُهُقالَ قَرِينُهُ.. أَي شَيطَانُهُ وَ هُوَ الثاّنيِرَبّنا ما أَطغَيتُهُيعَنيِ الأَوّلَوَ لكِن كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍفَيَقُولُ اللّهُ لَهُمَالا تَختَصِمُوا لدَيَّ وَ قَد قَدّمتُ إِلَيكُم بِالوَعِيدِ ما يُبَدّلُ القَولُ لدَيَّ.. أَي مَا فَعَلتُم لَا تُبَدّلُ حَسَنَاتٍ، مَا وَعَدتُهُ لَا أُخلِفُهُ.
بيان ماوعدته .. استئناف ، والمعني لاتبدّل سيّئاتكم حسنات كماتبدّل للذين يستحقّون ذلك من الشيعة،بل توفون جزاء سيّئاتكم، والوعد بمعني الإيعاد. و قال الطبرسي رحمه اللّه المعني أنّ ألذي قدّمته لكم في دار الدنيا من أنيّ أعاقب من جحدني وكذّب رسلي وخالف أمري لايبدّل بغيره ، و لا يكون خلافه .
19-فس قَالَ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ فِي قَولِهِ تَعَالَيأَ لَم تَرَ إِلَي الّذِينَ
صفحه : 160
تَوَلّوا قَوماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيهِم قَالَ نَزَلَت فِي الثاّنيِ،لِأَنّهُ مَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ جَالِسٌ عِندَ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ يَكتُبُ خَبَرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَنزَلَ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُأَ لَم تَرَ إِلَي الّذِينَ تَوَلّوا قَوماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيهِم ما هُم مِنكُم وَ لا مِنهُمفَجَاءَ الثاّنيِ إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ رَأَيتُكَ تَكتُبُ عَنِ اليَهُودِ، وَ قَد نَهَي اللّهُ عَن ذَلِكَ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ كَتَبتُ عَنهُ مَا فِي التّورَاةِ مِن صِفَتِكَ، وَ أَقبَلَ يَقرَأُ ذَلِكَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ غَضبَانُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ وَيلَكَ أَمَا تَرَي غَضَبَ النّبِيّ عَلَيكَ. فَقَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ مِن غَضَبِ اللّهِ وَ غَضَبِ رَسُولِهِ،إنِيّ إِنّمَا كَتَبتُ ذَلِكَ لِمَا وَجَدتُ فِيهِ مِن خَبَرِكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا فُلَانُ لَو أَنّ مُوسَي بنَ عِمرَانَ فِيهِم قَائِماً ثُمّ أَتَيتَهُ رَغبَةً عَمّا جِئتُ بِهِ لَكُنتَ كَافِراً بِمَا جِئتُ بِهِ، وَ هُوَ قَولُهُاتّخَذُوا أَيمانَهُم جُنّةً.. أَي حِجَاباً بَينَهُم وَ بَينَ الكُفّارِ، وَ أَيمَانَهُم إِقرَاراً بِاللّسَانِ فَزَعاً مِنَ السّيفِ وَ دَفعِ الجِزيَةِ.
بيان لعلّه عليه السلام قرأ إِيمَانَهُم بالكسر.
صفحه : 161
قال الطبرسي و في الشواذّ قراءة الحسن اتّخَذُوا إِيمَانَهُم بكسر الهمزة قال حذف المضاف .. أي اتّخذوا إظهار إيمانهم جنّة.
20-فس مُحَمّدُ بنُ جَعفَرٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ الخَزّازِ، عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ، عَن أَبِي العَبّاسِ المكَيّّ، قَالَ سَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ إِنّ عُمَرَ لقَيَِ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ أَنتَ ألّذِي تَقرَأُ هَذِهِ الآيَةَبِأَيّكُمُ المَفتُونُتُعَرّضُ بيِ وَ بصِاَحبِيِ، قَالَ أَ فَلَا أُخبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَت فِي بنَيِ أُمَيّةَفَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَ تُقَطّعُوا أَرحامَكُم فَقَالَ عُمَرُ بَنُو أُمَيّةَ أَوصَلُ لِلرّحِمِ مِنكَ، وَ لَكِنّكَ أَبَيتَ إِلّا عَدَاوَةً لبِنَيِ أُمَيّةَ وَ بنَيِ عدَيِّ وَ بنَيِ تَيمٍ.
21-كا الحُسَينُ بنُ مُحَمّدٍ، عَنِ المُعَلّي، عَنِ الوَشّاءِ، عَن أَبَانٍ .. مِثلَهُ.
بيان بِأَيّكُمُ المَفتُونُ قال الطبرسي رحمه اللّه .. أي أيّكم ألذي فتن بالجنون ، أ أنت أم هم وقيل بأيّكم الفتنة و هوالجنون ،يريد أنّهم يعلمون عندالعذاب أنّ الجنون كان بهم حين كذّبوك وتركوا دينك لابك . وقيل معناه ، في
صفحه : 162
أيّ الفريقين المجنون ألذي فتنه الشيطان . و قال رحمه اللّهإِن تَوَلّيتُم.. أي الأحكام وجعلتم ولاةأَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِبأخذ الرشا وسفك الدم الحرام فيقتل بعضكم بعضا، ويقطع بعضكم رحم بعض ، كماقتلت قريش بني هاشم وقتل بعضهم بعضا. وقيل إِن تَوَلّيتُممعناه إن أعرضتم عن كتاب اللّه والعمل بما فيه أن تعودوا إلي ماكنتم عليه في الجاهليّة فتفسدوا بقتل بعضكم بعضا.
22-فس مُحَمّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ عُبَيدٍ الكنِديِّ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ الفَارِسِ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِإِنّ الّذِينَ ارتَدّوا عَلي أَدبارِهِم عَنِ الإِيمَانِ بِتَركِهِم وَلَايَةَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُالشّيطانُ سَوّلَ لَهُميعَنيِ الثاّنيَِ. وَ قَولُهُذلِكَ بِأَنّهُم قالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ هُوَ مَا افتَرَضَ اللّهُ عَلَي خَلقِهِ مِن وَلَايَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُسَنُطِيعُكُم فِي بَعضِ الأَمرِ قَالَ دَعُوا بنَيِ أُمَيّةَ إِلَي مِيثَاقِهِم أَن لَا يُصَيّرُوا لَنَا الأَمرَ بَعدَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَا يُعطُونَا مِنَ الخُمُسِ شَيئاً، وَ قَالُوا إِن أَعطَينَاهُمُ الخُمُسَ استَغنَوا بِهِ،فَقَالُواسَنُطِيعُكُم فِي بَعضِ الأَمرِ لَا
صفحه : 163
تُعطُوهُم مِنَ الخُمُسِ شَيئاً،فَأَنزَلَ اللّهُ عَلَي نَبِيّهِأَم أَبرَمُوا أَمراً فَإِنّا مُبرِمُونَ أَم يَحسَبُونَ أَنّا لا نَسمَعُ سِرّهُم وَ نَجواهُم بَلي وَ رُسُلُنا لَدَيهِم يَكتُبُونَ. وَ قَالَ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ فِي قَولِهِإِنّ الّذِينَ ارتَدّوا عَلي أَدبارِهِم مِن بَعدِ ما تَبَيّنَ لَهُمُ الهُدَينَزَلَت فِي الّذِينَ نَقَضُوا عَهدَ اللّهِ فِي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُالشّيطانُ سَوّلَ لَهُم.. أَي هَيّنَ لَهُم، وَ هُوَ فُلَانٌ،وَ أَملي لَهُم.. أَي بَسَطَ لَهُم أَن لَا يَكُونَ مِمّا قَالَ مُحَمّدٌ شَيئاًذلِكَ بِأَنّهُم قالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُيعَنيِ فِي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُسَنُطِيعُكُم فِي بَعضِ الأَمرِيعَنيِ فِي الخُمُسِ أَن لَا يَرُدّوهُ فِي بنَيِ هَاشِمٍوَ اللّهُ يَعلَمُ إِسرارَهُم قَالَ اللّهُفَكَيفَ إِذا تَوَفّتهُمُ المَلائِكَةُ يَضرِبُونَ وُجُوهَهُم وَ أَدبارَهُمبِنَكثِهِم وَ بَغيِهِم وَ إِمسَاكِهِمُ الأَمرَ بَعدَ أَن أُبرِمَ عَلَيهِم إِبرَاماً، يَقُولُ إِذَا مَاتُوا سَاقَتهُمُ المَلَائِكَةُ إِلَي النّارِ فَيَضرِبُونَهُم مِن خَلفِهِم وَ مِن قُدّامِهِمذلِكَ بِأَنّهُمُ اتّبَعُوا ما أَسخَطَ اللّهَيعَنيِ مُوَالَاةَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ ظاَلمِيِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُفَأَحبَطَ أَعمالَهُميعَنيِ ألّذِي عَمِلُوهَا مِنَ الخَيرِإِنّ الّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدّوا عَن
صفحه : 164
سَبِيلِ اللّهِ، قَالَ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُوَ شَاقّوا الرّسُولَ.. أَي قَطَعُوهُ فِي أَهلِ بَيتِهِ بَعدَ أَخذِهِ المِيثَاقَ عَلَيهِم لَهُ.
بيان سَوّلَ لَهُم.. أي زيّن لهم ،وَ أَملي لَهُم.. أي طوّل لهم أملهم فاغترّوا به .قالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ. قال الطبرسي قدّس سرّه المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهم بنو أميّة كرهوا مانزّل اللّه في ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام . قوله يعني في الخمس .. لعلّهم أولا لم يوافقوهم إلّا في واحد من الأمرين ، ثم وافقوهم فيهما،فَكَيفَ إِذا تَوَفّتهُمُ المَلائِكَةُ.. أي عندقبض أرواحهم . والمشاقّة المعاندة والمعاداة. ثم اعلم أنّ ظاهر الروايات أنّ الذين كرهوا مانزّل اللّه غيربني أميّة، وهم الذين دعوا بني أميّة، وظاهر الطبرسي رحمه اللّه أنّه فسّر الموصول ببني أميّة،
صفحه : 165
ولعلّه أخذ من خبر آخر، ويحتمل أن يكون مراده تفسير فاعل (قالُوا)بهم ، و يكون ضمير(كَرِهُوا)راجعا إلي الموصول ، و يكون الغرض تفسيرما نَزّلَ اللّهُ.
23-فس فَسَتُبصِرُ وَ يُبصِرُونَ بِأَيّكُمُ المَفتُونُبِأَيّكُم تُفتَنُونَ .. هَكَذَا نَزَلَت فِي بنَيِ أُمَيّةَ بِأَيّكُم بأِبَيِ حَفرٍ وَ زُفَرَ وَ غُفَلَ. وَ قَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ
لقَيَِ عُمَرُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ يَا عَلِيّ بلَغَنَيِ أَنّكَ تَتَأَوّلُ هَذِهِ الآيَةَ فِيّ وَ فِي صاَحبِيِفَسَتُبصِرُ وَ يُبصِرُونَ بِأَيّكُمُ المَفتُونُ. قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ أَ فَلَا أُخبِرُكَ يَا أَبَا حَفصٍ مَا نَزَلَ فِي بنَيِ أُمَيّةَوَ الشّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِ. قَالَ عُمَرُ كَذَبتَ يَا عَلِيّ بَنُو أُمَيّةَ خَيرٌ مِنكَ وَ أَوصَلُ لِلرّحِمِ. قَولُهُفَلا تُطِعِ المُكَذّبِينَ قال فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُوَدّوا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنُونَ.. أَي أَحَبّوا أَن تَغُشّ فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَيَغُشّونَ مَعَكَوَ لا تُطِع كُلّ حَلّافٍ مَهِينٍ. قَالَ الحَلّافُ الثاّنيِ،حَلَفَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ لَا يَنكُثُ
صفحه : 166
عَهداً.هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ قَالَ كَانَ يَنِمّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ يَهمِزُ بَينَ أَصحَابِهِ. قَولُهُمَنّاعٍ لِلخَيرِ قَالَ الخَيرُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.مُعتَدٍ.. أَي قَالَ،اعتَدَي عَلَيهِ. قَولُهُعُتُلّ بَعدَ ذلِكَ زَنِيمٍ قَالَ العُتُلّ عَظِيمُ الكُفرِ، وَ الزّنِيمُ الدعّيِّ. وَ قَالَ الشّاعِرُ
زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرّجَالُ تَدَاعِياً | كَمَا زِيدَ فِي عَرضِ الأَدِيمِ الأَكَارِعُ |
قَولُهُإِذا تُتلي عَلَيهِ آياتُنا قَالَ كَنّي عَنِ الثاّنيِ،آيَاتُنَاقالَ أَساطِيرُ الأَوّلِينَ.. أَي أَكَاذِيبُ الأَوّلِينَسَنَسِمُهُ عَلَي الخُرطُومِ قَالَ فِي الرّجعَةِ إِذَا رَجَعَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامَ وَ يَرجِعُ أَعدَاؤُهُ فَيَسِمُهُم بِمِيسَمٍ مَعَهُ كَمَا تُوسَمُ البَهَائِمُ عَلَي الخَرَاطِيمِ الأَنفُ وَ الشّفَتَانِ.
صفحه : 167
بيان لعلّ التعبير بأِبَيِ حَفرٍ لمحض الوزن ، أوبالخاء المعجمة لأنّه خفر الذمّة والعهد في أمير المؤمنين عليه السلام . و في بعض النسخ ب حبتر، والتعبير عن زفر ظاهر،لاشتراكهما في الوزن ، وتقدير العدل ، وغفل كناية، و قال في القاموس الغُفل بالضم من لايرجي خيره و لايخشي شرّه و ما لاعلامة فيه من القداح ... و ما لاعمارة فيه من الأرضين ... و من لانصيب له و لاغرم عليه من القداح ، و من لاحسب له ... والغَفَلُ محرّكة الكبير الرّفيع.انتهي . و لايخفي أنّه علي بعض المعاني يحتمل أن يكون كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام بأن يكون ذكره لبيان الطرف الآخر من الترديد، ويؤيّده أنّ في بعض النسخ و عليّ، و علي الاحتمال الأول يكون الطرف الآخر غيرمذكور. والمهين الحقير الرأي. والهمّاز العيّاب. والمشّاء نميم ،النقّال للحديث علي وجه السعاية،ذكرها البيضاوي. و قال عُتُلّجاف غليظ .. من عتلّه إذاقاده بعنف وغلظة. بعد ذلك .. أي بعد ماعدّ من مثالبه . والكراع في البقر والغنم بمنزلة الوظيف في الفرس والبعير، و هو
صفحه : 168
مستدقّ الصاق ،... والجمع أكرع ثمّ أكارع ،ذكره الجوهري، وكأنّه شبّه الرجال الذين يدعون هذاالزنيم بالأكارع التي تكون في أطراف النطع لعدم مجانسة الأكارع للنطع ، والأكارع قائم مقام فاعل زيد. و قال البيضاويسَنَسِمُهُ.. أي بالكيّعَلَي الخُرطُومِ.. أي علي الأنف ، وقيل هوعبارة عن أن يذلّه غاية الإذلال .
24-فس أَبُو العَبّاسِ، عَن يَحيَي بنِ زَكَرِيّا، عَن عَلِيّ بنِ حَسّانَ، عَن عَمّهِ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ كَثِيرٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِذرَنيِ وَ مَن خَلَقتُ وَحِيداً، قَالَ الوَحِيدُ وَلَدُ الزّنَا، وَ هُوَ زُفَرُ،
وَ جَعَلتُ لَهُ مالًا مَمدُوداً
قَالَ أَجَلًا إِلَي مُدّةٍوَ بَنِينَ شُهُوداً قَالَ أَصحَابُهُ الّذِينَ شَهِدُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا يُورَثُوَ مَهّدتُ لَهُ تَمهِيداًمُلكَهُ ألّذِي مَلِكَ مَهّدتُ لَهُثُمّ يَطمَعُ أَن أَزِيدَكَلّا إِنّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً قَالَ لِوَلَايَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ جَاحِداً،عَانِداً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِيهَاسَأُرهِقُهُ صَعُوداً إِنّهُ فَكّرَ وَ قَدّرَفَكّرَ فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الوَلَايَةِ، وَ قَدّرَ إِن مَضَي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَن لَا يُسَلّمَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ( ع )البَيعَةَ التّيِ بَايَعَهُ بِهَا
صفحه : 169
عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِفَقُتِلَ كَيفَ قَدّرَ ثُمّ قُتِلَ كَيفَ قَدّرَ قَالَ عَذَابٌ بَعدَ عَذَابٍ يُعَذّبُهُ القَائِمُ عَلَيهِ السّلَامُ،ثُمّ نَظَرَ إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ فَعَبَسَ وَ بَسَرَمِمّا أُمِرَ بِهِثُمّ أَدبَرَ وَ استَكبَرَ فَقالَ إِن هذا إِلّا سِحرٌ يُؤثَرُ قَالَ زُفَرُ إِنّ النّبِيّ سَحَرَ النّاسَ لعِلَيِّ،إِن هذا إِلّا قَولُ البَشَرِ.. أَي لَيسَ هُوَ وحَيٌ مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّسَأُصلِيهِ سَقَرَ.. ... إِلَي آخِرِ الآيَةِ نَزَلَت فِيهِ.
بيان قال الطبرسي قدّس سرّه في قوله تعالي «وَحِيداً... أي دعني وإيّاه فإنيّ كاف في عقابه .. و قدخلقته متوحّدا بخلقه ، أوحال عن المخلوق .. أي من خلقته في بطن أمّه لامال له و لاولد. و قال مقاتل معناه خلّ بيني وبينه فإنيّ أنفرد بهلكته ، و قال ابن عباس كان الوليد بن المغيرة يسمّي الوحيد في قومه .
وَ رَوَي العيَاّشيِّ،بِإِسنَادِهِ عَن زُرَارَةَ وَ حُمرَانَ، عَن مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ،
صفحه : 170
عَن أَبِي جَعفَرٍ وَ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِمَا السّلَامُ أَنّ الوَحِيدَ وَلَدُ الزّنَا،
قَالَ زُرَارَةُ ذُكِرَ لأِبَيِ جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَن أَحَدِ بنَيِ هَاشِمٍ أَنّهُ قَالَ فِي خُطبَتِهِ أَنَا ابنُ الوَحِيدِ. فَقَالَ وَيلَهُ لَو عَلِمَ مَا الوَحِيدُ مَا فَخَرَ بِهَا.فَقُلنَا لَهُ وَ مَا هُوَ قَالَ مَن لَا يُعرَفُ لَهُ أَبٌ.
و قال رحمه اللّهسَأُرهِقُهُ صَعُوداً.. أي سأكلّفه مشقّة من العذاب لاراحة فيه ، وقيل صعودا جبل في جهنم من نار ..فَقُتِلَ.. أي لعن وعذّب ..ثُمّ عَبَسَ وَ بَسَرَ.. أي كلح وكرّه وجهه ونظر بكراهة شديدة كالمُهتَمّ المتفكّر في الشيء،ثُمّ أَدبَرَ عن الإيمان وَ استَكبَرَحين دعي إليه ..إِلّا سِحرٌ يُؤثَرُ.. أي يروي عن السحرة، أو هو من الإيثار .. أي تؤثره النفوس وتختاره ..سَأُصلِيهِ سَقَرَ أي سأدخله جهنم وألزمه إيّاها، وقيل سقر دركة من دركات جهنم ، وقيل باب من أبوابها.انتهي . وتأويل المال والبنين بما ذكر عليه السلام علي المجاز، وبابه واسع .
صفحه : 171
25-فس فَيَومَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ قَالَ هُوَ الثاّنيِ.
26-فس إِنّ اللّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَ الإِحسانِ وَ إِيتاءِ ذيِ القُربي وَ يَنهي عَنِ الفَحشاءِ وَ المُنكَرِ وَ البغَيِ قَالَ العَدلُ شَهَادَةُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ الإِحسَانُ، أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ الفَحشَاءُ وَ المُنكَرُ وَ البغَيُ،فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ.
27-فس فَتِلكَ بُيُوتُهُم خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا قَالَ لَا تَكُونُ الخِلَافَةُ فِي آلِ فُلَانٍ وَ لَا آلِ فُلَانٍ وَ لَا آلِ فُلَانٍ وَ لَا آلِ طَلحَةَ وَ لَا آلِ الزّبَيرِ.
28-فس مُحَمّدُ بنُ جَعفَرٍ، عَن يَحيَي بنِ زَكَرِيّا، عَن عَلِيّ بنِ حَسّانَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ كَثِيرٍ ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِحَبّبَ إِلَيكُمُ الإِيمانَ وَ زَيّنَهُ فِي قُلُوبِكُميعَنيِ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُوَ كَرّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَ الفُسُوقَ وَ العِصيانَالأَوّلُ وَ الثاّنيُِ وَ الثّالِثُ.
صفحه : 172
بيان تفسير الإيمان بأمير المؤمنين عليه السلام لكون ولايته من أصوله وكماله فيه ، وكونه مروّجه ومؤسّسه ومبيّنه غيربعيد، وكذا التعبير عن الثلاثة ب الثلاث لكونهم أصلها ومنشأها ومنبتها وكمالها فيهم ، وكونهم سببا لصدورها عن الناس إلي يوم القيامة،لعنة اللّه عليهم و علي أشياعهم غيرغريب ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في مواضعه .
29-فس أَبِي، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَنِ ابنِ سِنَانٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِ تَعَالَيإِذا دُعُوا إِلَي اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم قَالَ نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ عُثمَانَ، وَ ذَلِكَ أَنّهُ كَانَ بَينَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي حَدِيقَةٍ، فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ تَرضَي بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوفٍ لِعُثمَانَ لَا تُحَاكِمهُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ فَإِنّهُ يَحكُمُ لَهُ عَلَيكَ وَ لَكِن حَاكِمهُ إِلَي ابنِ شَيبَةَ اليهَوُديِّ. فَقَالَ عُثمَانُ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَا أَرضَي إِلّا بِابنِ شَيبَةَ اليهَوُديِّ. فَقَالَ ابنُ شَيبَةَ لِعُثمَانَ تَأتَمِنُونَ مُحَمّداً عَلَي وحَيِ السّمَاءِ وَ تَتّهِمُونَهُ فِي الأَحكَامِ.فَأَنزَلَ اللّهُ عَلَي رَسُولِهِوَ إِذا دُعُوا إِلَي اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحكُمَ
صفحه : 173
بَينَهُم... إِلَي قَولِهِبَل أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ.
30-فس يَمُنّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوانَزَلَت فِي عُثمَانَ يَومَ الخَندَقِ، وَ ذَلِكَ أَنّهُ مَرّ بِعَمّارِ بنِ يَاسِرٍ يَحفِرُ الخَندَقَ وَ قَدِ ارتَفَعَ الغُبَارُ مِنَ الحَفرِ فَوَضَعَ عُثمَانُ كُمّهُ عَلَي أَنفِهِ وَ مَرّ، فَقَالَ عَمّارٌ
لَا يسَتوَيِ مَن يَعمُرُ المَسَاجِدَا | يَظَلّ فِيهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً |
كَمَن يَمُرّ بِالغُبَارِ حَائِداً | يُعرِضُ عَنهُ جَاحِداً مُعَانِداً |
فَالتَفَتَ إِلَيهِ عُثمَانُ فَقَالَ يَا ابنَ السّودَاءِ إيِاّيَ تعَنيِ، ثُمّ أَتَي رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ لَم نَدخُل مَعَكَ فِي الإِسلَامِ لِتُسَبّ أَعرَاضُنَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد أَقَلتُكَ إِسلَامَكَ فَاذهَب،فَأَنزَلَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّيَمُنّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوا قُل لا تَمُنّوا عَلَيّ إِسلامَكُم بَلِ اللّهُ يَمُنّ عَلَيكُم أَن هَداكُم لِلإِيمانِ إِن كُنتُم صادِقِينَ.. أَي لَيسَ هُم صَادِقِينَإِنّ اللّهَ يَعلَمُ غَيبَ السّماواتِ وَ الأَرضِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما تَعمَلُونَ.
صفحه : 174
31-فس عَبَسَ وَ تَوَلّي أَن جاءَهُ الأَعمي قَالَ نَزَلَت فِي عُثمَانَ وَ ابنِ أُمّ مَكتُومٍ، وَ كَانَ ابنُ أُمّ مَكتُومٍ مُؤَذّنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ أَعمَي، وَ جَاءَ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عِندَهُ أَصحَابُهُ وَ عُثمَانُ عِندَهُ،فَقَدّمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي عُثمَانَ،فَعَبَسَ عُثمَانُ وَجهَهُ وَ تَوَلّي عَنهُ،فَأَنزَلَ اللّهُعَبَسَ وَ تَوَلّييعَنيِ عُثمَانَأَن جاءَهُ الأَعمي وَ ما يُدرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّي.. أَي يَكُونُ طَاهِراً أَزكَيأَو يَذّكّرُ، قَالَ يُذَكّرُهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِفَتَنفَعَهُ الذّكري ثُمّ خَاطَبَ عُثمَانَ فَقَالَأَمّا مَنِ استَغني فَأَنتَ لَهُ تَصَدّي قَالَ أَنتَ إِذَا جَاءَكَ غنَيِّ تَصَدّي لَهُ وَ تَرفَعُهُوَ ما عَلَيكَ أَلّا يَزّكّي.. أَي لَا تبُاَليِ زَكِيّاً كَانَ أَو غَيرَ زكَيِّ إِذَا كَانَ غَنِيّاًوَ أَمّا مَن جاءَكَ يَسعييعَنيِ ابنَ أُمّ مَكتُومٍوَ هُوَ يَخشي فَأَنتَ عَنهُ
صفحه : 175
تَلَهّي.. أَي تَلهُو وَ لَا تَلتَفِتُ إِلَيهِ.
بيان قال السيّد رضي اللّه عنه في كتاب تنزيه الأنبياء في سياق تأويل تلك الآيات وَ قَد روُيَِ عَنِ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهَا نَزَلَت فِي رَجُلٍ مِن بنَيِ أُمَيّةَ كَانَ عِندَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَجَاءَ ابنُ أُمّ مَكتُومٍ، فَلَمّا رَآهُ تَقَذّرَ مِنهُ وَ جَمَعَ نَفسَهُ وَ عَبَسَ وَ أَعرَضَ بِوَجهِهِ عَنهُ،فَحَكَي اللّهُ سُبحَانَهُ ذَلِكَ وَ أَنكَرَهُ عَلَيهِ
، و قدمرّ الكلام فيها.
32-بَ مُحَمّدُ بنُ عِيسَي، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ عَبدِ الحَمِيدِ ... قَالَ دَخَلتُ عَلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخرَجَ إلِيَّ مُصحَفاً، قَالَ فَتَصَحّفتُهُ فَوَقَعَ بصَرَيِ عَلَي مَوضِعٍ مِنهُ فَإِذَا فِيهِ مَكتُوبٌ هَذِهِ جَهَنّمُ التّيِ كُنتُمَا بِهَا تُكَذّبَانِ فَاصلَيَا فِيهَا لَا تَمُوتَانِ فِيهَا وَ لَا تَحيَيَانِ .. يعَنيِ الأَوّلَينِ.
33-فس وَ قَرَأَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ هَذِهِ جَهَنّمُ التّيِ كُنتُمَا بِهَا تُكَذّبَانِ،تَصلَيَانِهَا لَا تَمُوتَانِ فِيهَا وَ لَا تَحيَيَانِ،
يعَنيِ الأَوّلَينِ. وَ قَولُهُيَطُوفُونَ بَينَها وَ بَينَ حَمِيمٍ آنٍ قَالَ لَهُمَا أَنِينٌ فِي شِدّةِ
صفحه : 176
حَرّهَا.
34-ل ابنُ الوَلِيدِ، عَنِ الصّفّارِ، عَنِ ابنِ مَعرُوفٍ، عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ، عَن حَنَانِ بنِ سَدِيرٍ، قَالَ حدَثّنَيِ رَجُلٌ مِن أَصحَابِ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ إِنّ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَومَ القِيَامَةِ لَسَبعَةُ نَفَرٍ،أَوّلُهُمُ ابنُ آدَمَ ألّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَ نُمرُودُألّذِي حَاجّ اِبراهِيمَ فِي رَبّهِ، وَ اثنَانِ فِي بنَيِ إِسرَائِيلَ هَوّدَا قَومَهُم وَ نَصّرَاهُم، وَ فِرعَونُ ألّذِي قَالَأَنَا رَبّكُمُ الأَعلي، وَ اثنَانِ فِي هَذِهِ الأُمّةِ.
35-فس وَ لَيسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعمَلُونَ السّيّئاتِ حَتّي إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ إنِيّ تُبتُ الآنَفَإِنّهُ حدَثّنَيِ أَبِي عَنِ ابنِ فَضّالٍ عَن عَلِيّ بنِ عُقبَةَ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ نَزَلَت فِي القرآن زُعلَانَ تَابَ حَيثُ لَم تَنفَعهُ التّوبَةُ وَ لَم تُقبَل مِنهُ.
بيان زُعلَانُ كناية، كما قديعبّر عنه بفعلان .
36-بَ السنّديِّ بنُ مُحَمّدٍ، عَن صَفوَانَ الجَمّالِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَكَانَتِ امرَأَةٌ مِنَ الأَنصَارِ تُدعَي حَسرَةَ تَغشَي آلَ مُحَمّدٍ وَ تَحِنّ، وَ إِنّ زُفَرَ وَ حَبتَرَ لَقِيَاهَا ذَاتَ يَومٍ فَقَالَا أَينَ تَذهَبِينَ يَا حَسرَةُ.فَقَالَت أَذهَبُ إِلَي آلِ
صفحه : 177
مُحَمّدٍ فأَقَضيِ مِن حَقّهِم وَ أُحدِثُ بِهِم عَهداً،فَقَالَا وَيلَكِ إِنّهُ لَيسَ لَهُم حَقّ،إِنّمَا كَانَ هَذَا عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَانصَرَفَت حَسرَةُ وَ لَبِثَت أَيّاماً، ثُمّ جَاءَت،فَقَالَت لَهَا أُمّ سَلَمَةَ زَوجَةُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا أَبطَأَ بِكِ عَنّا يَا حَسرَةُ.فَقَالَتِ استقَبلَنَيِ زُفَرُ وَ حَبتَرٌ فَقَالَا أَينَ تَذهَبِينَ يَا حَسرَةُ فَقُلتُ أَذهَبُ إِلَي آلِ مُحَمّدٍ فأَقَضيِ مِن حَقّهِمُ الوَاجِبَ.فَقَالَا إِنّهُ لَيسَ لَهُم حَقّ،إِنّمَا كَانَ هَذَا عَلَي عَهدِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.فَقَالَت أُمّ سَلَمَةَ كَذِبَا،لَعَنَهُمَا اللّهُ، لَا يَزَالُ حَقّهُم واجب [وَاجِباً] عَلَي المُسلِمِينَ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.
37- مَا الفَحّامُ، عَنِ المنَصوُريِّ، عَن عَمّ أَبِيهِ، عَن أَبِي الحَسَنِ الثّالِثِ، عَن آبَائِهِ، عَنِ البَاقِرِ عَلَيهِمُ السّلَامُ، عَن جَابِرٍ. وَ أَيضاً الفَحّامُ، عَن عَمّهِ عُمَيرِ بنِ يَحيَي، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ عَبدِ اللّهِ البلَخيِّ، عَن أَبِي عَاصِمٍ الضّحّاكِ بنِ مَخلَدٍ، عَنِ الصّادِقِ، عَن أَبِيهِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ، قَالَكُنتُ عِندَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنَا مِن جَانِبٍ وَ عَلِيّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ مِن جَانِبٍ إِذ أَقبَلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وَ مَعَهُ رَجُلٌ قَد تَلَبّبَ بِهِ، فَقَالَ مَا بَالُهُ. قَالَ حَكَي عَنكَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص )أَنّكَ قُلتَ مَن قَالَ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ دَخَلَ الجَنّةَ، وَ هَذَا إِذَا سَمِعَتهُ النّاسُ فَرّطُوا فِي الأَعمَالِ، أَ فَأَنتَ قُلتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ). قَالَ نَعَم، إِذَا
صفحه : 178
تَمَسّكَ بِمَحَبّةِ هَذَا وَ وَلَايَتِهِ.
38-شي،[تفسير العياشي] عَن مُحَمّدِ بنِ سَالِمٍ، عَن أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ قَالَ جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ خَرَجَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَمرِو بنِ العَاصِ مِن عِندِ عُثمَانَ فلَقَيَِ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيّ بِتنَا اللّيلَةَ فِي أَمرٍ نَرجُو أَن يُثَبّتَ اللّهُ هَذِهِ الأُمّةَ، فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَن يَخفَي عَلَيّ مَا بَيّتّم فِيهِ،حَرّفتُم وَ غَيّرتُم وَ بَدّلتُم تِسعَمِائَةِ حَرفٍ،ثَلَاثَمِائَةٍ حَرّفتُم، وَ ثَلَاثَمِائَةٍ غَيّرتُم، وَ ثَلَاثَمِائَةٍ بَدّلتُمفَوَيلٌ لِلّذِينَ يَكتُبُونَ الكِتابَ بِأَيدِيهِم ثُمّ يَقُولُونَ هذا مِن عِندِ اللّهِ.. إِلَي آخِرِ الآيَةِ.
أقول سيأتي في باب حجّ التمتّع إنكار عمر للنصّ، وقول النبيّ صلّي اللّه عليه وآله له إنّك لن تؤمن بهذا أبدا .. في أخبار كثيرة، وكذا سيأتي في باب (المقام )نقل عمر المقام عن الموضع ألذي نقله إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله إلي موضع الجاهليّة خلافا للنبيّ صلّي اللّه عليه وآله .
39- مَعَ مُحَمّدُ بنُ هَارُونَ الزنّجاَنيِّ، عَن عَلِيّ بنِ عَبدِ العَزِيزِ، عَن أَبِي عُبَيدٍ القَاسِمِ بنِ سَلّامٍ رَفَعَهُ إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَأَتَي عُمَرُ رَسُولَ
صفحه : 179
اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ إِنّا نَسمَعُ أَحَادِيثَ مِن يَهُودَ تُعجِبُنَا،فَتَرَي أَن نَكتُبَ بَعضَهَا. فَقَالَ أَ مُتَهَوّكُونَ أَنتُم كَمَا تَهَوّكَتِ اليَهُودُ وَ النّصَارَي لَقَد جِئتُكُم بِهَا بَيضَاءَ نَقِيّةً، وَ لَو كَانَ مُوسَي حَيّاً مَا وَسِعَهُ إِلّا اتبّاَعيِ.
قوله متهوّكون .. أي متحيّرون، يقول أمتحيّرون أنتم في الإسلام لاتعرفون دينكم حتّي تأخذوه من اليهود والنصاري ومعناه أنّه كره أخذ العلم من أهل الكتاب ، و أمّا قوله لقد جئتكم بهابيضاء نقيّة .. فإنّه أراد الملّة الحنيفيّة،فلذلك جاء التأنيث كقول اللّه عزّ و جلّوَ ذلِكَ دِينُ القَيّمَةِإنّما هي الملّة الحنيفيّة.
بيان روي هذاالخبر ابن الأثير في النهاية، ثم قال التّهوّك كالتّهوّر، و هوالوقوع في الأمر بغير رويّة، والمتهوّك ألّذي يقع في كلّ أمر، وقيل هوالمتحيّر. ثم قال وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إِنّ عُمَرَ أَتَاهُ بِصَحِيفَةٍ أَخَذَهَا مِن بَعضِ أَهلِ الكِتَابِ،فَغَضِبَ، فَقَالَ أَ مُتَهَوّكُونَ فِيهَا يَا ابنَ الخَطّابِ.
40- مَعَ المُكَتّبُ، عَنِ الأسَدَيِّ، عَنِ البرَمكَيِّ، عَن جَعفَرِ بنِ عَبدِ اللّهِ المرَوزَيِّ، عَن أَبِيهِ، عَن إِسمَاعِيلَ بنِ الفَضلِ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِذَا ظَلَمَتِ العُيُونُ العَينَ كَانَ قَتلُ العَينِ عَلَي يَدِ الرّابِعِ مِنَ العُيُونِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ استَحَقّ الخَاذِلُ لَهُلَعنَة اللّهِ
صفحه : 180
وَ المَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجمَعِينَ.فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا العَينُ وَ العُيُونُ. فَقَالَ أَمّا العَينُ،فأَخَيِ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ أَمّا العُيُونُ فَأَعدَاؤُهُ،رَابِعُهُم قَاتِلُهُ ظُلماً وَ عُدوَاناً.
تنبيه المراد بالعيون ، من ابتداء اسمه العين ، والرابع القاتل عبدالرحمن بن ملجم لعنهم اللّه.
41- مَعَ ابنُ مُوسَي، عَنِ الأسَدَيِّ، عَن سَهلٍ، عَن عَبدِ العَظِيمِ الحسَنَيِّ، عَن أَبِي جَعفَرٍ الثاّنيِ، عَن آبَائِهِ، عَنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمُ السّلَامُ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّ أَبَا بَكرٍ منِيّ بِمَنزِلَةِ السّمعِ، وَ إِنّ عُمَرَ منِيّ بِمَنزِلَةِ البَصَرِ، وَ إِنّ عُثمَانَ منِيّ بِمَنزِلَةِ الفُؤَادِ. قَالَ فَلَمّا كَانَ مِنَ الغَدِ دَخَلتُ إِلَيهِ وَ عِندَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ عُثمَانُ،فَقُلتُ لَهُ يَا أَبَتِ سَمِعتُكَ تَقُولُ فِي أَصحَابِكَ هَؤُلَاءِ قَولًا،فَمَا هُوَ. فَقَالَ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ نَعَم، ثُمّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيهِم، فَقَالَ هُمُ السّمعُ وَ البَصَرُ وَ الفُؤَادُ، وَ سَيُسأَلُوَن عَن وَلَايَةِ وصَيِيّ هَذَا وَ أَشَارَ إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، ثُمّ قَالَ إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي يَقُولُإِنّ السّمعَ وَ البَصَرَ وَ الفُؤادَ كُلّ أُولئِكَ كانَ عَنهُ مَسؤُلًا، ثُمّ قَالَ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ وَ عَزّةِ ربَيّ إِنّ جَمِيعَ أمُتّيِ لَمَوقُوفُونَ يَومَ
صفحه : 181
القِيَامَةِ وَ مَسئُولُونَ عَن وَلَايَتِهِ، وَ ذَلِكَ قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ قِفُوهُم إِنّهُم مَسؤُلُونَ.
بيان لعلّ التعبير عنهم بتلك الأسماء التي تدلّ علي الاختصاص والامتياز علي التهكم ، أو علي زعم قوم يحسبونهم كذلك ، أوللاختصاص الظاهري مع قطع النظر عن النفاق الباطني.
42- مَعَ ابنُ مُوسَي، عَنِ الأسَدَيِّ، عَنِ النخّعَيِّ، عَنِ النوّفلَيِّ، عَن عَلِيّ بنِ أَبِي حَمزَةَ، عَن أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ سَأَلتُهُ عَمّا روُيَِ عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ قَالَ إِنّ وَلَدَ الزّنَا شَرّ الثّلَاثَةِ، مَا مَعنَاهُ. قَالَ عَنَي بِهِ الأَوسَطَ، أَنّهُ شَرّ مِمّن تَقَدّمَهُ وَ مِمّن تَلَاهُ.
43-يَرَ أَحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ، عَن عَلِيّ بنِ الحَكَمِ، عَن رَبِيعِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سُلَيمَانَ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لأِبَيِ بَكرٍ نَسِيتَ تَسلِيمَكَ لعِلَيِّ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ بِأَمرٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ. فَقَالَ لَهُ قَد كَانَ ذَاكَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَ تَرضَي بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ
صفحه : 182
بيَنيِ وَ بَينَكَ. قَالَ وَ أَينَ هُوَ. قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ ثُمّ انطَلَقَ إِلَي مَسجِدِ قُبَا،فَدَخَلَا،فَوَجَدَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يصُلَيّ،فَجَلَسَا حَتّي فَرَغَ. فَقَالَ يَا أَبَا بَكرٍ سَلّم لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا تَوَكّدتَهُ مِنَ اللّهِ وَ مِن رَسُولِهِ. قَالَ فَرَجَعَ أَبُو بَكرٍ فَصَعِدَ المِنبَرَ فَقَالَ مَن يَأخُذُهَا بِمَا فِيهَا. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَن جُدِعَ أَنفُهُ. قَالَ لَهُ عُمَرُ وَ خَلَا بِهِ وَ مَا دَعَاكَ إِلَي هَذَا. قَالَ إِنّ عَلِيّاً ذَهَبَ إِلَي مَسجِدِ قُبَا فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَائِمٌ يصُلَيّ فأَمَرَنَيِ أَن أُسَلّمَ الأَمرَ إِلَيهِ. فَقَالَ سُبحَانَ اللّهِ يَا أَبَا بَكرٍ أَ مَا تَعرِفُ سِحرَ بنَيِ هَاشِمٍ.
بيان قوله عليه السلام من جدع أنفه علي بناء المجهول .. أي من أذلّ وقهر علي غصب الخلافة منه ،يعني نفسه عليه السلام .أقول قدمرّ كثير من تلك الأخبار في الأبواب السابقة.
44-ج سَعدُ بنُ عَبدِ اللّهِ القمُيّّ الأشَعرَيِّ، قَالَبُلِيتُ بِأَشَدّ النّوَاصِبِ مُنَازَعَةً، فَقَالَ لِي يَوماً بَعدَ مَا نَاظَرتُهُ تَبّاً لَكَ وَ لِأَصحَابِكَ،أَنتُم مَعَاشِرَ الرّوَافِضِ تَقصِدُونَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارَ بِالطّعنِ عَلَيهِم وَ الجُحُودِ لِمَحَبّةِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَهُم،فَالصّدّيقُ هُوَ فَوقَ الصّحَابَةِ بِسَبَبِ سَبقِ الإِسلَامِ،
صفحه : 183
أَ لَا تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّمَا ذَهَبَ بِهِ لَيلَةَ الغَارِ لِأَنّهُ خَافَ عَلَيهِ كَمَا خَافَ عَلَي نَفسِهِ، وَ لِمَا عَلِمَ أَنّهُ يَكُونُ الخَلِيفَةَ فِي أُمّتِهِ أَرَادَ أَن يَصُونَ نَفسَهُ كَمَا يَصُونُ عَلَيهِ السّلَامُ خَاصّةَ نَفسِهِ،كَيلَا يَختَلّ حَالُ الدّينِ مِن بَعدِهِ، وَ يَكُونَ الإِسلَامُ مُنتَظِماً، وَ قَد أَقَامَ عَلِيّاً عَلَي فِرَاشِهِ لِمَا كَانَ فِي عِلمِهِ أَنّهُ لَو قُتِلَ لَا يَختَلّ الإِسلَامُ بِقَتلِهِ،لِأَنّهُ يَكُونُ مِنَ الصّحَابَةِ مَن يَقُومُ مَقَامَهُ، لَا جَرَمَ لَم يُبَالِ مِن قَتلِهِ. قَالَ سَعدٌ إنِيّ قَد قُلتُ عَلَي ذَلِكَ أَجوِبَةً لَكِنّهَا غَيرُ مُسكِتَةٍ. ثُمّ قَالَ مَعَاشِرَ الرّوَافِضِ تَقُولُونَ إِنّ الأَوّلَ وَ الثاّنيَِ كَانَا يُنَافِقَانِ، وَ تَستَدِلّونَ عَلَي ذَلِكَ بِلَيلَةِ العَقَبَةِ ثُمّ قَالَ لِي أخَبرِنيِ عَن إِسلَامِهِمَا كَانَ عَن طَوعٍ وَ رَغبَةٍ أَو كَانَ عَن إِكرَاهٍ وَ إِجبَارٍ.فَاحتَرَزتُ عَن جَوَابِ ذَلِكَ وَ قُلتُ مَعَ نفَسيِ إِن كُنتُ أُجِيبُهُ بِأَنّهُ كَانَ عَن طَوعٍ فَيَقُولُ لَا يَكُونُ عَلَي هَذَا الوَجهِ إِيمَانُهُمَا عَن نِفَاقٍ، وَ إِن قُلتُ كَانَ عَلَي إِكرَاهٍ وَ إِجبَارٍ لَم يَكُن فِي ذَلِكَ الوَقتِ لِلإِسلَامِ قُوّةٌ حَتّي يَكُونَ إِسلَامُهُمَا بِإِكرَاهٍ وَ قَهرٍ،فَرَجَعتُ عَن هَذَا الخَصمِ عَلَي حَالٍ يُقطَعُ كبَدِيِ،فَأَخَذتُ طُومَاراً وَ كَتَبتُ بِضعاً وَ أَربَعِينَ مَسأَلَةً مِنَ المَسَائِلِ الغَامِضَةِ التّيِ لَم يَكُن عنِديِ جَوَابُهَا، وَ قُلتُ أَدفَعُهَا إِلَي صَاحِبِ موَلاَيَ أَبِي مُحَمّدٍ الحَسَنِ
صفحه : 184
بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ ألّذِي كَانَ فِي قُمّ، أَحمَدَ بنِ إِسحَاقَ، فَلَمّا طَلَبتُهُ كَانَ هُوَ قَد ذَهَبَ،فَمَشَيتُ عَلَي أَثَرِهِ فَأَدرَكتُهُ، وَ قُلتُ الحَالَ مَعَهُ، فَقَالَ لِي تجَيِءُ معَيِ إِلَي سُرّ مَن رَأَي حَتّي تَسأَلَ عَن هَذِهِ المَسَائِلِ مَولَانَا الحَسَنَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ،فَذَهَبتُ مَعَهُ إِلَي سُرّ مَن رَأَي، ثُمّ جِئنَا إِلَي بَابِ دَارِ مَولَانَا عَلَيهِ السّلَامُ،فَاستَأذَنّا بِالدّخُولِ عَلَيهِ فَأَذِنَ لَنَا،فَدَخَلنَا الدّارَ وَ كَانَ مَعَ أَحمَدَ بنِ إِسحَاقَ جِرَابٌ قَد سَتَرَهُ بِكِسَاءٍ طبَرَيِّ، وَ كَانَ فِيهِ مِائَةٌ وَ سِتّونَ صُرّةً مِنَ الذّهَبِ وَ الوَرِقِ، عَلَي كُلّ وَاحِدَةٍ مِنهَا خَاتَمُ صَاحِبِهِا ألّذِي دَفَعَهَا إِلَيهِ، وَ لَمّا دَخَلنَا وَ وَقَعَ أَعيُنُنَا عَلَي وَجهِ أَبِي مُحَمّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ كَانَ وَجهُهُ كَالقَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ، وَ قَد رَأَينَا عَلَي فَخِذِهِ غُلَاماً يُشبِهُ المشُترَيَِ فِي الحُسنِ وَ الجَمَالِ ....فَأَرَدتُ أَن أَسأَلَهُ عَن مَسَائِلَ فَقَالَ سَل قُرّةَ عيَنيِ وَ أَومَأَ إِلَي الغُلَامِ عَمّا بَدَا لَكَ،فَسَأَلتُهُ عَن مَسَائِلَ فأَجَاَبنَيِ .. ثُمّ قَالَ مُبتَدِئاً يَا سَعدُ إِنّ مَنِ ادّعَي أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ خَصمُكَ ذَهَبَ بِمُختَارِ هَذِهِ الأُمّةِ مَعَ نَفسِهِ إِلَي الغَارِ،فَإِنّهُ خَافَ عَلَيهِ كَمَا خَافَ عَلَي نَفسِهِ، لِمَا عَلِمَ أَنّهُ الخَلِيفَةُ مِن بَعدِهِ عَلَي أُمّتِهِ،لِأَنّهُ لَم يَكُن مِن حُكمِ الِاختِفَاءِ أَن يَذهَبَ بِغَيرِهِ مَعَهُ، وَ إِنّمَا أَنَامَ عَلِيّاً
صفحه : 185
عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي مَبِيتِهِ لِأَنّهُ عَلِمَ أَنّهُ إِن قُتِلَ لَا يَكُونَ مِنَ الخَلَلِ بِقَتلِهِ مَا يَكُونُ بِقَتلِ أَبِي بَكرٍ،لِأَنّهُ يَكُونُ لعِلَيِّ مَن يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الأُمُورِ، أَ لَم تَنقُض عَلَيهِ بِقَولِكَ أَ وَ لَستُم تَقُولُونَ إِنّ النّبِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ إِنّ الخِلَافَةَ مِن بعَديِ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَ صَيّرَهَا مَوقُوفَةً عَلَي أَعمَارِ هَذِهِ الأَربَعَةِ، أَبِي بَكرٍ، وَ عُمَرَ، وَ عُثمَانَ، وَ عَلِيّ .. فَإِنّهُم كَانُوا عَلَي مَذهَبِكُم خُلَفَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَإِنّ خَصمَكَ لَم يَجِد بُدّاً مِن قَولِهِ بَلَي. ثُمّ قُلتَ فَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ فَلَمّا كَانَ أَبُو بَكرٍ الخَلِيفَةَ مِن بَعدِهِ كَانَ هَذِهِ الثّلَاثَةُ خُلَفَاءَ أُمّتِهِ مِن بَعدِهِ فَلِمَ ذَهَبَ بِخَلِيفَةٍ وَحدَهُ وَ هُوَ أَبُو بَكرٍ إِلَي الغَارِ وَ لَم يَذهَب بِهَذِهِ الثّلَاثَةِ،فَعَلَي هَذَا الأَسَاسِ يَكُونُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُستَخِفّاً بِهِم دُونَ أَبِي بَكرٍ،فَإِنّهُ يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَفعَلَ مَا فَعَلَ بأِبَيِ بَكرٍ، فَلَمّا لَم يَفعَل ذَلِكَ بِهِم يَكُونُ مُتَهَاوِناً بِحُقُوقِهِم، وَ تَارِكاً لِلشّفَقَةِ عَلَيهِم بَعدَ أَن كَانَ يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَفعَلَ بِهِم جَمِيعاً عَلَي تَرتِيبِ خِلَافَتِهِم مَا فَعَلَ بأِبَيِ بَكرٍ. وَ أَمّا مَا قَالَ لَكَ الخَصمُ بِأَنّهُمَا أَسلَمَا طَوعاً أَو كَرهاً لِمَ لَم تَقُل بَل إِنّهُمَا أَسلَمَا طَمَعاً، وَ ذَلِكَ أَنّهُمَا يُخَالِطَانِ مَعَ اليَهُودِ وَ يُخبَرَانِ بِخُرُوجِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ استِيلَائِهِ عَلَي العَرَبِ مِنَ التّورَاةِ وَ الكُتُبِ المُتَقَدّمَةِ وَ مَلَاحِمِ قِصّةِ مُحَمّدٍ عَلَيهِ وَ آلِهِ
صفحه : 186
السّلَامُ، وَ يَقُولُونَ لَهُمَا يَكُونُ استِيلَاؤُهُ عَلَي العَرَبِ كَاستِيلَاءِ بُختَنَصّرَ عَلَي بنَيِ إِسرَائِيلَ إِلّا أَنّهُ يدَعّيِ النّبُوّةَ وَ لَا يَكُونُ مِنَ النّبُوّةِ فِي شَيءٍ، فَلَمّا ظَهَرَ أَمرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَسَاعَدَا مَعَهُ عَلَي شَهَادَةِ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ طَمَعاً أَن يَجِدَا مِن جِهَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَلَايَةَ بَلَدٍ إِذَا انتَظَمَ أَمرُهُ وَ حَسُنَ حَالُهُ، وَ استَقَامَت وَلَايَتُهُ، فَلَمّا أَيِسَا مِن ذَلِكَ وَافَقَا مَعَ أَمثَالِهِمَا لَيلَةَ العَقَبَةِ، وَ تَلَثّمَا مِثلَ مَن تَلَثّمَ مِنهُم، وَ نَفَرُوا بِدَابّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِتُسقِطَهُ وَ يَسِيرَ هَالِكاً بِسُقُوطِهِ بَعدَ أَن صَعِدَا العَقَبَةَ فِيمَن صَعِدَ،فَحَفِظَ اللّهُ تَعَالَي نَبِيّهُ مِن كَيدِهِم وَ لَم يَقدِرُوا أَن يَفعَلُوا شَيئاً، وَ كَانَ حَالُهُمَا كَحَالِ طَلحَةَ وَ الزّبَيرِ إِذ جَاءَا عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ وَ بَايَعَا طَمَعاً أَن يَكُونَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا وَلَايَةٌ، فَلَمّا لَم يَكُن وَ أَيِسَا مِنَ الوَلَايَةِ نَكَثَا بَيعَتَهُ وَ خَرَجَا عَلَيهِ حَتّي آلَ أَمرُ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا إِلَي مَا يَئُولُ أَمرُ مَن يَنكُثُ العُهُودَ وَ المَوَاثِيقَ.
أقول سيأتي الخبر بتمامه في أبواب من رأي القائم عليه السلام .
45-فس أَبِي، عَنِ الحُسَينِ بنِ سَعِيدٍ، عَن عَلِيّ بنِ أَبِي حَمزَةَ، عَن
صفحه : 187
أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ مَا بَعَثَ اللّهُ رَسُولًا إِلّا وَ فِي وَقتِهِ شَيطَانَانِ يُؤذِيَانِهِ وَ يَفتِنَانِهِ وَ يُضِلّانِ النّاسَ بَعدَهُ،فَأَمّا الخَمسَةُأُولُوا العَزمِ مِنَ الرّسُلِ،نُوحٌ، وَ اِبرَاهِيمُ، وَ مُوسَي، وَ عِيسَي، وَ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِم، وَ أَمّا صَاحِبَا نُوحٍ،فقيطيفوس وَ خرام ، وَ أَمّا صَاحِبَا اِبرَاهِيمَ،فمكيل وَ رذام ، وَ أَمّا صَاحِبَا مُوسَي،فاَلساّمرِيِّ وَ مرعقيبا، وَ أَمّا صَاحِبَا عِيسَي،فمولس وَ مريسان ، وَ أَمّا صَاحِبَا مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَحَبتَرٌ وَ زُرَيقٌ.
وَ رَوَاهُ فِي مَوضِعٍ آخَرَ عَن أَبِيهِ، عَنِ الحُسَينِ، عَن بَعضِ رِجَالِهِ، عَنهُ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَهُ.
46-يَرَ ابنُ يَزِيدَ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَنِ ابنِ أُذَينَةَ، عَن بُرَيدٍ العجِليِّ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِ اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيأَ لَم تَرَ إِلَي الّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتابِ يُؤمِنُونَ بِالجِبتِ وَ الطّاغُوتِفُلَانٍ وَ فُلَانٍ،وَ يَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهدي مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًالِأَئِمّةِ الضّلَالِ وَ الدّعَاةِ
صفحه : 188
إِلَي النّارِ،هَؤُلَاءِ أَهدَي مِن آلِ مُحَمّدٍ وَ أَولِيَائِهِم سَبِيلًا،أُولئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَ مَن يَلعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَم لَهُم نَصِيبٌ مِنَ المُلكِيعَنيِ الإِمَامَةَ وَ الخِلَافَةَفَإِذاً لا يُؤتُونَ النّاسَ نَقِيراًنَحنُ النّاسُ ألّذِي عَنَي اللّهُ.
47-ثو أَبِي، عَن سَعدٍ، عَن أَبِي عِيسَي، عَنِ الوَشّاءِ، عَن أَحمَدَ بنِ عَائِذٍ، عَن أَبِي خَدِيجَةَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ يُؤتَي يَومَ القِيَامَةِ بِإِبلِيسَ لَعَنَهُ اللّهُ مَعَ مُضِلّ هَذِهِ الأُمّةِ فِي زِمَامَينِ غِلَظُهُمَا مِثلُ جَبَلِ أُحُدٍ فَيُسحَبَانِ عَلَي وُجُوهِهِمَا فَيُسَدّ بِهِمَا بَابٌ مِن أَبوَابِ النّارِ.
48-ثو أَبِي، عَن سَعدٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ وَ مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ، عَن أَبِي الجَارُودِ، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ أخَبرِنيِ بِأَوّلِ مَن يَدخُلُ النّارَ. قَالَ إِبلِيسُ وَ رَجُلٌ عَن يَمِينِهِ وَ رَجُلٌ عَن يَسَارِهِ.
49-ثو ابنُ المُتَوَكّلِ، عَن مُحَمّدٍ العَطّارِ، عَنِ الأشَعرَيِّ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِيهِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ المُغِيرَةِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ بَكرٍ الأرَجّاَنيِّ، قَالَصَحِبتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي طَرِيقِ مَكّةَ مِنَ المَدِينَةِ،فَنَزَلَ مَنزِلًا يُقَالُ لَهُ عُسفَانَ ثُمّ مَرَرنَا بِجَبَلٍ أَسوَدَ عَلَي يَسَارِ
صفحه : 189
الطّرِيقِ وَحشٍ،فَقُلتُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ(ص ) مَا أَوحَشَ هَذَا الجَبَلَ مَا رَأَيتُ فِي الطّرِيقِ جَبَلًا مِثلَهُ. فَقَالَ يَا ابنَ بَكرٍ أَ تدَريِ أَيّ جَبَلٍ هَذَا هَذَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ الكَمَدُ، وَ هُوَ عَلَي وَادٍ مِن أَودِيَةِ جَهَنّمَ، فِيهِ قَتَلَةُ أَبِي الحُسَينِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ،استَودَعَهُمُ اللّهُ فِيهِ،تجَريِ مِن تَحتِهِ مِيَاهُ جَهَنّمَ مِنَ الغِسلِينِ وَ الصّدِيدِ وَ الحَمِيمِ الآنِ، وَ مَا يَخرُجُ مِن جَهَنّمَ، وَ مَا يَخرُجُ مِن طِينَةِ خَبَالٍ، وَ مَا يَخرُجُ مِن لَظَي، وَ مَا يَخرُجُ مِنَ الحُطَمَةِ، وَ مَا يَخرُجُ مِن سَقَرَ، وَ مَا يَخرُجُ مِنَ الجَحِيمِ، وَ مَا يَخرُجُ مِنَ الهَاوِيَةِ، وَ مَا يَخرُجُ مِنَ السّعِيرِ، وَ مَا مَرَرتُ بِهَذَا الجَبَلِ فِي مسَيِريِ فَوَقَفتُ إِلّا رَأَيتُهُمَا يَستَغِيثَانِ وَ يَتَضَرّعَانِ، وَ إنِيّ لَأَنظُرُ إِلَي قَتَلَةِ أَبِي فَأَقُولُ لَهُمَا إِنّ هَؤُلَاءِ إِنّمَا فَعَلُوا لِمَا أَسّستُمَا لَم تَرحَمُونَا إِذ وُلّيتُم وَ قَتَلتُمُونَا وَ حَرَمتُمُونَا وَ وَثَبتُم عَلَي حَقّنَا وَ استَبدَدتُم بِالأَمرِ دُونَنَا، فَلَا رَحِمَ اللّهُ مَن رَحِمَكُمَا،ذُوقَا وَبَالَ مَا صَنَعتُمَا وَ مَا اللّهُبِظَلّامٍ لِلعَبِيدِ.
50-مل مُحَمّدٌ الحمِيرَيِّ، عَن أَبِيهِ، عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ، عَن مُحَمّدِ بنِ خَالِدٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ حَمّادٍ، عَن عَبدِ اللّهِ الأَصَمّ، عَنِ الأرَجّاَنيِّمِثلَهُ .. وَ زَادَ فِي آخِرِهِ وَ أَشَدّهُمَا تَضَرّعاً وَ استِكَانَةً الثاّنيِ،فَرُبّمَا وَقَفتُ عَلَيهِمَا لِيَسأَلَا عَن بَعضِ مَا فِي قلَبيِ، وَ رُبّمَا طَوَيتُ الجَبَلَ ألّذِي هُمَا فِيهِ وَ هُوَ جَبَلُ الكَمَدِ. قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ، فَإِذَا طَوَيتَ الجَبَلَ فَمَا تَسمَعُ.
صفحه : 190
قَالَ أَسمَعُ أَصوَاتَهُمَا يُنَادِيَانِ عَرّج عَلَينَا نُكَلّمكَ فَإِنّا نَتُوبُ، وَ أَسمَعُ مِنَ الجَبَلِ صَارِخاً يَصرَخُ بيِ أَجِبهُمَا وَ قُل لَهُمَااخسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلّمُونِ. قَالَ قُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ، وَ مَن مَعَهُم. قَالَ كُلّ فِرعَونٍ عَتَا عَلَي اللّهِ وَ حَكَي اللّهُ عَنهُ فِعَالَهُ، وَ كُلّ مَن عَلّمَ العِبَادَ الكُفرَ. قُلتُ مَن هُم. قَالَ نَحوُ بُولَسَ ألّذِي عَلّمَ اليَهُودَ أَنّ يَدَ اللّهِ مَغلُولَةٌ، وَ نَحوُ نَسطُورَ ألّذِي عَلّمَ النّصَارَي أَنّ المَسِيحَ ابنُ اللّهِ، وَ قَالَ لَهُم هُم ثَلَاثَةٌ، وَ نَحوُ فِرعَونِ مُوسَي ألّذِي قَالَأَنَا رَبّكُمُ الأَعلي، وَ نَحوُ نُمرُودَ ألّذِي قَالَ قَهَرتُ أَهلَ الأَرضِ وَ قَتَلتُ مَن فِي السّمَاءِ، وَ قَاتِلُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ قَاتِلُ فَاطِمَةَ وَ مُحَسّنٍ، وَ قَاتِلُ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ عَلَيهِمُ السّلَامُ، وَ أَمّا مُعَاوِيَةُ وَ رُمَعُ فَمَا يَطمَعَانِ فِي الخَلَاصِ،مَعَهُمَا مَن نَصَبَ لَنَا العَدَاوَةَ وَ أَعَانَ عَلَينَا بِلِسَانِهِ وَ يَدِهِ وَ مَالِهِ. قُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ،فَأَنتَ تَسمَعُ ذَا كُلّهُ وَ لَا تَفزَعُ.
صفحه : 191
قَالَ يَا ابنَ بَكرٍ إِنّ قُلُوبَنَا غَيرُ قُلُوبِ النّاسِ،إِنّا مُصَفّونَ مُصطَفَونَ نَرَي مَا لَا يَرَي النّاسُ وَ نَسمَعُ مَا لَا يَسمَعُونَ.
أقول تمامه في باب غرائب أحوالهم عليهم السلام من كتاب الإمامة.
51-ثو أَحمَدُ بنُ الصّقرِ، عَن مُحَمّدِ بنِ العَبّاسِ، عَن بَسّامٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَزدَادَ، عَن نَصرِ بنِ سَيّارٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ رَبّهِ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ خَالِدٍ السلّوُليِّ، عَن نَجِيحٍ المزُنَيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ قَيسٍ وَ مُحَمّدِ بنِ كَعبٍ القرُطيِّ وَ عُمَارَةَ بنِ غُزَيّةَ وَ سَعِيدِ بنِ أَبِي مَعَدّ المقُريِ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ أَبِي مَلِيكَةَ وَ غَيرِهِم مِن مَشِيخَةِ أَهلِ المَدِينَةِ،قَالُوا لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَقبَلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ يَقُولُ وَ اللّهِ مَا مَاتَ مُحَمّدٌ وَ إِنّمَا غَابَ كَغَيبَةِ مُوسَي عَن قَومِهِ، وَ إِنّهُ سَيَظهَرُ بَعدَ غَيبَتِهِ،فَمَا زَالَ يُرَدّدُ هَذَا القَولَ وَ يُكَرّرُهُ حَتّي ظَنّ النّاسُ أَنّ عَقلَهُ قَد ذَهَبَ،فَأَتَاهُ أَبُو بَكرٍ وَ قَدِ اجتَمَعَ النّاسُ عَلَيهِ يَتَعَجّبُونَ مِن قَولِهِ فَقَالَ اربَع عَلَي نَفسِكَ يَا عُمَرُ مِن يَمِينِكَ التّيِ تَحلِفَ بِهَا،فَقَد أَخبَرَنَا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُإِنّكَ مَيّتٌ وَ إِنّهُم مَيّتُونَ. فَقَالَ عُمَرُ وَ إِنّ هَذِهِ الآيَةَ فِي كِتَابِ اللّهِ
صفحه : 192
يَا أَبَا بَكرٍ فَقَالَ نَعَم. فَقَالَ الحَمدُ لِلّهِ،أَشهَدُ بِاللّهِ لَقَد ذَاقَ مُحَمّدٌ المَوتَ وَ لَم يَكُن عُمَرُ جَمَعَ القُرآنَ.
52-ير أَحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ، عَن أَبِي الصّخرِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ، قَالَدَخَلتُ أَنَا وَ رَجُلٌ مِن أصَحاَبيِ عَلَي ابنِ عِيسَي بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ أَبِي طَاهِرٍ العلَوَيِّ، قَالَ أَبُو الصّخرِ فَأَظُنّهُ مِن وُلدِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ، قَالَ وَ كَانَ أَبُو طَاهِرٍ فِي دَارِ الصّيدِيّينَ نَازِلًا، قَالَ فَدَخَلنَا عَلَيهِ عِندَ العَصرِ وَ بَينَ يَدَيهِ رَكوَةٌ مِن مَاءٍ وَ هُوَ يَتَمَسّحُ،فَسَلّمتُ عَلَيهِ،فَرَدّ عَلَينَا السّلَامَ، ثُمّ ابتَدَأَنَا فَقَالَ مَعَكُم أَحَدٌ.فَقُلنَا لَا. ثُمّ التَفَتَ يَمِيناً وَ شِمَالًا هَل يَرَي أَحَداً، ثُمّ قَالَ أخَبرَنَيِ أَبِي عَن جدَيّ أَنّهُ كَانَ مَعَ أَبِي جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بِمِنًي وَ هُوَ يرَميِ الجَمَرَاتِ وَ إِنّ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ رَمَي الجَمَرَاتِ قَالَ فَاستَتَمّهَا ثُمّ بقَيَِ فِي يَدِهِ بَعدُ خَمسُ حَصَيَاتٍ،فَرَمَي اثنَتَينِ فِي نَاحِيَةٍ وَ ثَلَاثَةً فِي نَاحِيَةٍ، فَقَالَ لَهُ جدَيّ جُعِلتُ فِدَاكَ،لَقَد رَأَيتُكَ صَنَعتَ شَيئاً مَا صَنَعَهُ أَحَدٌ قَطّ،رَأَيتُكَ رَمَيتَ الجَمَرَاتِ ثُمّ رَمَيتَ بِخَمسَةٍ بَعدَ ذَلِكَ،ثَلَاثَةً فِي نَاحِيَةٍ، وَ اثنَتَينِ فِي نَاحِيَةٍ. قَالَ نَعَم إِذَا كَانَ كُلّ مَوسِمٍ أُخرِجَ الفَاسِقَانِ الغَاصِبَانِ ثُمّ يُفَرّقُ بَينَهُمَا هَاهُنَا لَا يَرَاهُمَا إِلّا إِمَامُ عَدلٍ،فَرَمَيتُ الأَوّلَ اثنَتَينِ وَ الآخَرَ ثَلَاثَةً،لِأَنّ الآخَرَ أَخبَثُ
صفحه : 193
مِنَ الأَوّلِ.
53-ختص أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ عِيسَي، عَنِ الوَشّاءِ، عَن أَبِي الصّخرِ أَحمَدَ بنِ عَبدِ الرّحِيمِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ رَجُلٍ كَانَ يَكُونُ فِي جِبَايَةِ مَأمُونٍ قَالَ دَخَلتُ ... وَ ذَكَرَ مِثلَهُ، وَ فِيهِ أُخرِجَا الفَاسِقَانِ غَضّينِ طَرِيّينِ فَصُلِبَا هَاهُنَا لَا يَرَاهُمَا إِلّا إِمَامٌ عَدلٌ.
54-يَرَ ابنُ عِيسَي وَ ابنُ أَبِي الخَطّابِ مَعاً، عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ، عَنِ ابنِ رِئَابٍ، عَنِ الكنُاَسيِّ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ لَمّا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي الغَارِ وَ مَعَهُ أَبُو الفَصِيلِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إنِيّ لَأَنظُرُ الآنَ إِلَي جَعفَرٍ وَ أَصحَابِهِ السّاعَةَ تَعُومُ بينهم [بِهِم]سَفِينَتُهُم فِي البَحرِ، وَ إنِيّ لَأَنظُرُ إِلَي رَهطٍ مِنَ الأَنصَارِ فِي مَجَالِسِهِم مُحتَبِينَ بِأَفنِيَتِهِم، فَقَالَ لَهُ أَبُو الفَصِيلِ أَ تَرَاهُم يَا رَسُولَ اللّهِ السّاعَةَ. قَالَ نَعَم. قَالَ فَأَرِنِيهِم. قَالَ فَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي عَينَيهِ ثُمّ قَالَ انظُر.فَنَظَرَ فَرَآهُم، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَ رَأَيتَهُم. قَالَ نَعَم. وَ أَسَرّ فِي نَفسِهِ أَنّهُ سَاحِرٌ.
صفحه : 194
بيان الفصيل ولد النّاقة إذافصل عن أمّه،
55-ير مُوسَي بنُ عُمَرَ، عَن عُثمَانَ بنِ عِيسَي، عَن خَالِدِ بنِ نَجِيحٍ، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ جُعِلتُ فِدَاكَ،سَمّي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَبَا بَكرٍ الصّدّيقَ. قَالَ نَعَم. قُلتُ فَكَيفَ. قَالَ حِينَ كَانَ مَعَهُ فِي الغَارِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إنِيّ لَأَرَي سَفِينَةَ جَعفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ( عَلَيهِ السّلَامُ)تَضطَرِبُ فِي البَحرِ ضَالّةً. قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ) وَ إِنّكَ لَتَرَاهَا قَالَ نَعَم. قَالَ فَتَقدِرُ أَن تُرِيَنِيهَا. قَالَ ادنُ منِيّ. قَالَ فَدَنَا مِنهُ،فَمَسَحَ عَلَي عَينَيهِ، ثُمّ قَالَ انظُر،فَنَظَرَ أَبُو بَكرٍ فَرَأَي السّفِينَةَ وَ هيَِ تَضطَرِبُ فِي البَحرِ، ثُمّ نَظَرَ إِلَي قُصُورِ أَهلِ المَدِينَةِ فَقَالَ فِي نَفسِهِ الآنَ صَدّقتُ أَنّكَ سَاحِرٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الصّدّيقُ أَنتَ.
56-خص سَعدٌ، عَن مُوسَي بنِ عُمَرَ مِثلَهُ، وَ زَادَ فِي آخِرِهِ فَقُلتُ لِمَ سَمّي عُمَرَ الفَارُوقَ. قَالَ نَعَم، أَ لَا تَرَي أَنّهُ قَد فَرّقَ بَينَ الحَقّ وَ البَاطِلِ وَ أَخَذَ النّاسُ بِالبَاطِلِ.فَقُلتُ فَلِمَ سَمّي سَالِماً الأَمِينَ. قَالَ لَمّا كَتَبُوا الكُتُبَ وَضَعُوهَا عَلَي يَدِ سَالِمٍ فَصَارَ الأَمِينَ. قُلتُ فَقَالَ اتّقُوا دَعوَةَ سَعدٍ. قَالَ نَعَم، قُلتُ وَ كَيفَ ذَلِكَ. قَالَ إِنّ سَعداً يَكُرّ فَيُقَاتِلُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ.
صفحه : 195
بيان قوله صلّي اللّه عليه وآله الصدّيق أنت .. علي التهكّم، أو علي الاستفهام الإنكاري.
57-ير مُحَمّدُ بنُ عَبدِ الجَبّارِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الحَجّالِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ المكَيّّ الحَذّاءِ، عَن سَوَادَةَ أَبِي عَلِيّ، عَن بَعضِ رِجَالِهِ، قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لِلحَارِثِ الأَعوَرِ وَ هُوَ عِندَهُ هَل تَرَي مَا أَرَي. فَقَالَ كَيفَ أَرَي مَا تَرَي وَ قَد نَوّرَ اللّهُ لَكَ وَ أَعطَاكَ مَا لَم يُعطِ أَحَداً. قَالَ هَذَا فُلَانٌ الأَوّلُ عَلَي تُرعَةٍ مِن تُرَعِ النّارِ يَقُولُ يَا أَبَا الحَسَنِ استَغفِر لِي، لَا غَفَرَ اللّهُ لَهُ. قَالَ فَمَكَثَ هُنَيئَةً ثُمّ قَالَ يَا حَارِثُ هَل تَرَي مَا أَرَي. فَقَالَ وَ كَيفَ أَرَي مَا تَرَي وَ قَد نَوّرَ اللّهُ لَكَ وَ أَعطَاكَ مَا لَم يُعطِ أَحَداً. قَالَ هَذَا فُلَانٌ الثاّنيِ عَلَي تُرعَةٍ مِن تُرَعِ النّارِ يَقُولُ يَا أَبَا الحَسَنِ استَغفِر لِي، لَا غَفَرَ اللّهُ لَهُ.
58-ير مُحَمّدُ بنُ الحُسَينِ، عَن صَفوَانَ بنِ يَحيَي، عَن بَعضِ رِجَالِهِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، عَن أَبِيهِ، عَنِ الحُسَينِ، عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم قَالَ إِنّ لِلّهِ بَلدَةً خَلفَ المَغرِبِ يُقَالُ لَهَا جَابَلقَا، وَ فِي جَابَلقَا سَبعُونَ
صفحه : 196
أَلفَ أُمّةٍ لَيسَ مِنهَا أُمّةٌ إِلّا مِثلَ هَذِهِ الأُمّةِ،فَمَا عَصَوُا اللّهَ طَرفَةَ عَينٍ،فَمَا يَعمَلُونَ عَمَلًا وَ لَا يَقُولُونَ قَولًا إِلّا الدّعَاءَ عَلَي الأَوّلَينِ وَ البَرَاءَةَ مِنهُمَا، وَ الوَلَايَةَ لِأَهلِ بَيتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.
59-ير يَعقُوبُ بنُ إِسحَاقَ بنِ اِبرَاهِيمَ الحمِيرَيِّ، عَن أَبِي عِمرَانَ الأرَمنَيِّ عَنِ الحُسَينِ بنِ الجَارُودِ،عَمّن حَدّثَهُ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ إِنّ مِن وَرَاءِ أَرضِكُم هَذِهِ أَرضاً بَيضَاءَ ضَوؤُهَا مِنهَا، فِيهَا خَلقُ اللّهِ يَعبُدُونَ اللّهَ وَ لَا يُشرِكُونَ بِهِ شَيئاً،يَتَبَرّءُونَ مِن فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.
60-ير أَحمَدُ بنُ مُوسَي، عَنِ الحُسَينِ بنِ مُوسَي الخَشّابِ، عَن عَلِيّ بنِ حَسّانَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ كَثِيرٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ إِنّ مِن وَرَاءِ عَينِ شَمسِكُم هَذِهِ أَربَعِينَ عَينَ شَمسٍ فِيهَا خَلقٌ كَثِيرٌ، وَ إِنّ مِن وَرَاءِ قَمَرِكُم أَربَعِينَ قَمَراً فِيهَا خَلقٌ كَثِيرٌ، لَا يَدرُونَ أَنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ أَم لَم يَخلُقهُ،أُلهِمُوا إِلهَاماً لَعنَةَ .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.
61-ير سَلَمَةُ، عَن أَحمَدَ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَن مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ، عَن يَقطِينٍ الجوَاَليِقيِّ، عَن قَلقَلَةَ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ إِنّ اللّهَ خَلَقَ جَبَلًا مُحِيطاً بِالدّنيَا مِن زَبَرجَدٍ أَخضَرَ، وَ إِنّمَا خُضرَةُ السّمَاءِ مِن خُضرَةِ ذَلِكَ
صفحه : 197
الجَبَلِ، وَ خَلَقَ خَلفَهُ خَلقاً لَم يَفرِض عَلَيهِم شَيئاً مِمّا افتَرَضَ عَلَي خَلقِهِ مِن صَلَاةٍ وَ زَكَاةٍ، وَ كُلّهُم يَلعَنُ رَجُلَينِ مِن هَذِهِ الأُمّةِ .. وَ سَمّاهُمَا.
62-ير أَحمَدُ بنُ الحُسَينِ، عَن عَلِيّ بنِ رِئَابٍ عَن عُبَيدِ اللّهِ الدّهقَانِ، عَن أَبِي الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ .. مِثلَهُ.
أقول رَوَي الحَسَنُ بنُ سُلَيمَانَ فِي كِتَابِ المُختَصَرِ مِن بَصَائِرِ سَعدٍ .. مِثلَهُ.
وَ رَوَي أَيضاً عَنهُ، عَن أَحمَدَ بنِ الحُسَينِ، عَن عَلِيّ بنِ الرّيّانِ، عَن عُبَيدِ اللّهِ الدّهقَانِ، عَنِ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ إِنّ لِلّهِ خَلفَ هَذَا النّطَاقِ زَبَرجَدَةً خَضرَاءَ،فَبِالخُضرَةِ مِنهَا خَضِرَتِ السّمَاءُ، قُلتُ وَ مَا النّطَاقُ. قَالَ الحِجَابُ، وَ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ وَرَاءَ ذَلِكَ سَبعُونَ أَلفَ عَالَمٍ أَكثَرُ مِن عَدَدِ
صفحه : 198
الجِنّ وَ الإِنسِ، وَ كُلّ يَلعَنُ .. فُلَاناً وَ فُلَاناً.
بيان النّطاق ككتاب شقّة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها، وأطلق علي الحجاب مجازا.
63-ير أَحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ، عَن أَبِي يَحيَي الواَسطِيِّ، عَن دُرُستَ، عَن عَجلَانَ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ هَذِهِ قُبّةُ آدَمَ. قَالَ نَعَم، وَ فِيهِ قِبَابٌ كَثِيرَةٌ، إِنّ خَلفَ مَغرِبِكُم هَذِهِ تِسعَةً وَ ثَلَاثِينَ مَغرِباً أَرضاً بَيضَاءَ مَملُوءَةً خَلقاً يَستَضِيئُونَ بِنُورِهَا لَم يَعصُوا اللّهَ طَرفَةَ عَينٍ، مَا يَدرُونَ أَنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ أَم لَم يَخلُقهُ،يَتَبَرّءُونَ مِن .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ لَعَنَهُمَا اللّهُ.
64-ير مُحَمّدُ بنُ هَارُونَ، عَن أَبِي يَحيَي الواَسطِيِّ، عَن سَهلِ بنِ زِيَادٍ، عَن عَجلَانَ أَبِي صَالِحٍ، قَالَسَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ عَن قُبّةِ آدَمَ،فَقُلتُ هَذِهِ قُبّةُ آدَمَ. فَقَالَ نَعَم، وَ لِلّهِ قِبَابٌ كَثِيرَةٌ، أَمَا إِنّ خَلفَ مَغرِبِكُم هَذِهِ تِسعَةً وَ ثَلَاثِينَ مَغرِباً أَرضاً بَيضَاءَ وَ مَملُوّةً خَلقاً يَستَضِيئُونَ بِنُورِهَا لَم
صفحه : 199
يَعصُوا اللّهَ طَرفَةَ عَينٍ، لَا يَدرُونَ أَ خَلَقَ اللّهُ آدَمَ أَم لَم يَخلُقهُ،يَتَبَرّءُونَ مِن .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ،قِيلَ لَهُ كَيفَ هَذَا يَتَبَرّءُونَ مِن .. فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ هُم لَا يَدرُونَ أَ خَلَقَ اللّهُ آدَمَ أَم لَم يَخلُقهُ. فَقَالَ لِلسّائِلِ عَنهُ أَ تَعرِفُ إِبلِيسَ. قَالَ لَا، إِلّا بِالخَبَرِ. قَالَ فَأُمِرتَ بِاللّعنَةِ وَ البَرَاءَةِ مِنهُ. قَالَ نَعَم. قَالَ فَكَذَلِكَ أَمرُ هَؤُلَاءِ.
أقول رَوَاهُ الحَسَنُ بنُ سُلَيمَانَ مِن بَصَائِرِ سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ مِثلَهُ.
65-ير مُحَمّدُ بنُ عِيسَي، عَن يُونُسَ، عَن عَبدِ الصّمَدِ، عَن جَابِرٍ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ سَمِعتُ يَقُولُ إِنّ مِن وَرَاءِ هَذِهِ أَربَعِينَ عَينَ شَمسٍ مَا بَينَ شَمسٍ إِلَي شَمسٍ أَربَعُونَ عَاماً فِيهَا خَلقٌ كَثِيرٌ مَا يَعلَمُونَ أَنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ أَو لَم يَخلُقهُ، وَ إِنّ مِن وَرَاءِ قَمَرِكُم هَذَا أَربَعِينَ قَمَراً مَا بَينَ قَمَرٍ إِلَي قَمَرٍ مَسِيرَةُ أَربَعِينَ يَوماً فِيهَا خَلقٌ كَثِيرٌ مَا يَعلَمُونَ أَنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ أَو لَم يَخلُقهُ، قَد أُلهِمُوا كَمَا أُلهِمَتِ النّحلُ لَعنةَ الأَوّلِ وَ الثاّنيِ فِي كُلّ وَقتٍ مِنَ الأَوقَاتِ، وَ قَد وُكّلَ بِهِم مَلَائِكَةٌ مَتَي مَا لَم يَلعَنُوهُمَا عُذّبُوا.
66-يج رَوَي عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ الحَمِيدِ، عَن عَاصِمِ بنِ حُمَيدٍ، عَن يَزِيدَ بنِ خَلِيفَةَ، قَالَكُنتُ عِندَ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَاعِداً فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ القُمّيّينَ أَ تصُلَيّ النّسَاءُ عَلَي الجَنَائِزِ. فَقَالَ إِنّ المُغِيرَةَ بنَ أَبِي العَاصِ ادّعَي
صفحه : 200
أَنّهُ رَمَي رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَكُسِرَت رَبَاعِيَتُهُ وَ شَقّ شَفَتَيهِ وَ كَذَبَ، وَ ادّعَي أَنّهُ قَتَلَ حَمزَةَ وَ كَذَبَ، فَلَمّا كَانَ يَومُ الخَندَقِ ضُرِبَ عَلَي أُذُنَيهِ فَنَامَ فَلَم يَستَيقِظ حَتّي أَصبَحَ فخَشَيَِ أَن يُؤخَذَ،فَتَنَكّرَ وَ تَقَنّعَ بِثَوبِهِ وَ جَاءَ إِلَي مَنزِلِ عُثمَانَ يَطلُبُهُ، وَ تَسَمّي بِاسمِ رَجُلٍ مِن بنَيِ سُلَيمٍ كَانَ يَجلِبُ إِلَي عُثمَانَ الخَيلَ وَ الغَنَمَ وَ السّمنَ،فَجَاءَ عُثمَانُ فَأَدخَلَهُ،مَنزِلَهُ وَ قَالَ وَيحَكَ مَا صَنَعتَ ادّعَيتَ أَنّكَ رَمَيتَ رَسُولَ اللّهِ(ص )، وَ ادّعَيتَ أَنّكَ شَقَقتَ شَفَتَيهِ وَ كَسَرتَ رَبَاعِيَتَهُ، وَ ادّعَيتَ أَنّكَ قَتَلتَ حَمزَةَ.فَأَخبَرَهُ بِمَا لقَيَِ وَ أَنّهُ ضُرِبَ عَلَي أُذُنِهِ، فَلَمّا سَمِعَت ابنَةُ النّبِيّ(ص )بِمَا صُنِعَ بِأَبِيهَا وَ عَمّهَا صَاحَت،فَأَسكَتَهَا عُثمَانُ، ثُمّ خَرَجَ عُثمَانُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ جَالِسٌ فِي المَسجِدِ فَاستَقبَلَهُ بِوَجهِهِ وَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّكَ آمَنتَ عمَيَّ المُغِيرَةَ فَكَذَبَ،فَصَرَفَ عَنهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَجهَهُ، ثُمّ استَقبَلَهُ مِنَ الجَانِبِ الآخَرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّكَ آمَنتَ عمَيَّ المُغِيرَةَ،فَكَذَبَ،فَصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَجهَهُ عَنهُ، ثُمّ قَالَ آمَنّاهُ وَ أَجّلنَاهُ ثَلَاثاً،فَلَعَنَ اللّهُ مَن أَعطَاهُ رَاحِلَةً أَو رَحلًا أَو قَتَباً أَو سِقَاءً أَو قِربَةً أَو دَلواً أَو خُفّاً أَو نَعلًا أَو زَاداً أَو مَاءً. قَالَ عَاصِمٌ هَذِهِ عَشَرَةُ أَشيَاءَ فَأَعطَاهَا كُلّهَا عُثمَانُ فَخَرَجَ فَسَارَ عَلَي نَاقَتِهِ
صفحه : 201
فَنَقِبَت، ثُمّ مَشَي فِي خُفّيهِ فَنَقِبَا، ثُمّ مَشَي فِي نَعلَيهِ فَنَقِبَتَا، ثُمّ حَبَا عَلَي رِجلَيهِ فَنَقِبَتَا، ثُمّ مَشَي عَلَي رُكبَتَيهِ فَنَقِبَتَا،فَأَتَي شَجَرَةً فَجَلَسَ تَحتَهَا،فَجَاءَ المَلَكُ فَأَخبَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِمَكَانِهِ،فَبَعَثَ إِلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ زَيداً وَ الزّبَيرَ فَقَالَ لَهُمَا ايتِيَاهُ فَهُوَ بِمَكَانِ .. كَذَا وَ كَذَا فَاقتُلَاهُ، فَلَمّا أَتَيَاهُ قَالَ زَيدٌ لِلزّبَيرِ إِنّهُ ادّعَي أَنّهُ قَتَلَ أخَيِ وَ قَد كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ آخَي بَينَ حَمزَةَ وَ زيدا[زَيدٍ]فاَتركُنيِ أَقتُلهُ،فَتَرَكَهُ الزّبَيرُ فَقَتَلَهُ،فَرَجَعَ عُثمَانُ مِن عِندِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لِمَرأَتِهِ،إِنّكِ أرَسلَتيِ إِلَي أَبِيكِ فَأَعلَمتِيهِ بِمَكَانِ عمَيّ،فَحَلَفَت لَهُ بِاللّهِ مَا فَعَلَت،فَلَم يُصَدّقهَا،فَأَخَذَ خَشَبَةَ القَتَبِ فَضَرَبَهَا ضَرباً مُبَرّحاً،فَأَرسَلَت إِلَي أَبِيهَا تَشكُوا ذَلِكَ وَ تُخبِرُهُ بِمَا صَنَعَ،فَأَرسَلَ إِلَيهَا إنِيّ لأَسَتحَيِ لِلمَرأَةِ أَن لَا تَزَالَ تَجُرّ ذُيُولَهَا تَشكُو زَوجَهَا،فَأَرسَلَت إِلَيهِ أَنّهُ قَد قتَلَنَيِ، فَقَالَ لعِلَيِّ خُذِ السّيفَ ثُمّ ائتِ بِنتَ عَمّكَ فَخُذ بِيَدِهَا،فَمَن حَالَ بَينَكَ وَ بَينَهَا فَاضرِبهُ بِالسّيفِ،فَدَخَلَ عَلِيّ،فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَا إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَأَرَتهُ ظَهرَهَا، فَقَالَ أَبُوهَا قَتَلَهَا قَتَلَهُ اللّهُ،فَمَكَثَت يَوماً وَ مَاتَت فِي الثاّنيِ، وَ اجتَمَعَ النّاسُ لِلصّلَاةِ عَلَيهَا،فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن بَيتِهِ وَ عُثمَانُ جَالِسٌ مَعَ القَومِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن أَلّمَ جَارِيَتَهُ اللّيلَةَ فَلَا تَشهَد جَنَازَتَهَا قَالَهَا مَرّتَينِ، وَ هُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ
صفحه : 202
وَ آلِهِ لَيَقُومَنّ أَو لَأُسَمّيَنّهُ بِاسمِهِ وَ اسمِ أَبِيهِ،فَقَامَ يَتَوَكّأُ عَلَي مَولًي لَهُ. قَالَ فَخَرَجَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ فِي نِسَائِهَا فَصَلّت عَلَي أُختِهَا.
بيان قال الجوهري نقب البعير بالكسر إذاألقت أخفافه .. ونقب الخفّ الملبوس تخرّق. و قال حبا الصبّيّ علي استه حبوا .. إذازحف . والبراح المشقّة والشّدّة.أقول قدمرّ هذاالخبر برواية الكليني أبسط من هذا في باب أحوال أولاد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله .
صفحه : 203
67-شف أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ الطبّرَيِّ مِن كِتَابِهِ ...، عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ حَفصٍ وَ عَلِيّ بنِ أَحمَدَ بنِ حَاتِمٍ وَ عَلِيّ بنِ العَبّاسِ وَ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ العجِليِّ وَ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ مَالِكٍ وَ الحَسَنِ بنِ السّكَنِ جَمِيعاً، عَن عَبّادِ بنِ يَعقُوبَ، عَن عَلِيّ بنِ هَاشِمِ بنِ زَيدٍ، عَن أَبِي الجَارُودِ زِيَادِ بنِ المُنذِرِ، عَن عِمرَانَ بنِ مِيثَمٍ الكَيّالِ، عَن مَالِكِ بنِ زُمُرّدٍ الروّاّسيِّ، عَن أَبِي ذَرّ الغفِاَريِّ، قَالَ لَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِيَومَ تَبيَضّ وُجُوهٌ وَ تَسوَدّ وُجُوهٌ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَرِدُ أمُتّيِ يَومَ القِيَامَةِ عَلَيّ خَمسَ رَايَاتٍ،فَأَوّلُهَا مَعَ عِجلِ هَذِهِ الأُمّةِ فَآخُذُ بِيَدِهِ فَتَرجُفُ قَدَمَاهُ وَ يَسوَدّ وَجهُهُ وَ وُجُوهُ أَصحَابِهِ،فَأَقُولُ مَا فَعَلتُم بِالثّقَلَينِ.فَيَقُولُونَ أَمّا الأَكبَرَ فَخَرّقنَا وَ مَزّقنَا، وَ أَمّا الأَصغَرَ فَعَادَينَا وَ أَبغَضنَا،فَأَقُولُ رِدُوا ظِمَاءً مُظمَئِينَ مُسوَدّةً وُجُوهُكُم فَيُؤخَذُ بِهِم ذَاتَ الشّمَالِ لَا يُسقَونَ قَطرَةً. ثُمّ يَرِدُ عَلَيّ رَايَةُ فِرعَونِ هَذِهِ الأُمّةِ فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيَدِهِ ثُمّ تَرجُفُ قَدَمَاهُ وَ يَسوَدّ وَجهُهُ وَ وُجُوهُ أَصحَابِهِ،فَأَقُولُ مَا فَعَلتُم بِالثّقَلَينِ.فَيَقُولُونَ أَمّا الأَكبَرُ
صفحه : 204
فَمَزّقنَا مِنهُ، وَ أَمّا الأَصغَرُ فَبَرِئنَا مِنهُ وَ لَعَنّاهُ،فَأَقُولُ رِدُوا ظِمَاءً مُظمَئِينَ مُسوَدّةً وُجُوهُكُم،فَيُؤخَذُ بِهِم ذَاتَ الشّمَالِ لَا يُسقَونَ قَطرَةً. ثُمّ يَرِدُ عَلَيّ رَايَةُ ذيِ الثّديَةِ مَعَهَا أَوّلُ خَارِجَةٍ وَ آخِرُهَا،فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيَدِهِ فَتَرجُفُ قَدَمَاهُ وَ تَسوَدّ وَجهُهُ وَ وُجُوهُ أَصحَابِهِ،فَأَقُولُ مَا فَعَلتُم بِالثّقَلَينِ بعَديِ.فَيَقُولُونَ أَمّا الأَكبَرُ فَمَزّقنَا مِنهُ، وَ أَمّا الأَصغَرُ فَبَرِئنَا مِنهُ وَ لَعَنّاهُ.فَأَقُولُ رِدُوا ظِمَاءً مُظمَئِينَ مُسوَدّةً وُجُوهُكُم،فَيُؤخَذُ بِهِم ذَاتَ الشّمَالِ لَا يُسقَونَ قَطرَةً. ثُمّ تَرِدُ عَلَيّ رَايَةُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ سَيّدِ المُسلِمِينَ وَ إِمَامِ المُتّقِينَ وَ قَائِدِ الغُرّ المُحَجّلِينَ،فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيَدِهِ فَتَبيَضّ وَجهُهُ وَ وُجُوهُ أَصحَابِهِ،فَأَقُولُ مَا فَعَلتُم بِالثّقَلَينِ بعَديِ.فَيَقُولُونَ أَمّا الأَكبَرُ فَاتّبَعنَاهُ وَ أَطَعنَاهُ، وَ أَمّا الأَصغَرُ فَقَاتَلنَا مَعَهُ حَتّي قُتِلنَا.فَأَقُولُ رِدُوا رَوَاءً مَروِيّينَ مُبيَضّةً وُجُوهُكُم،فَيُؤخَذُ بِهِم ذَاتَ اليَمِينِ، وَ هُوَ قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّيَومَ تَبيَضّ وُجُوهٌ وَ تَسوَدّ وُجُوهٌ فَأَمّا الّذِينَ اسوَدّت وُجُوهُهُم أَ كَفَرتُم بَعدَ إِيمانِكُم فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنتُم تَكفُرُونَ وَ أَمّا الّذِينَ ابيَضّت وُجُوهُهُم ففَيِ رَحمَتِ اللّهِ هُم فِيها خالِدُونَ.
بيان أقول سقط من هذاالخبر راية قارون هذه الأمّة، و قدأوردنا في باب
صفحه : 205
الرايات برواية ابن عقدة وغيره ، عن أبي ذر هذه الرواية، و فيها إنّ شرار الآخرين ،العجل ، وفرعون ، وهامان ، وقارون ، والسامريّ، والأبتر .. ثم ذكر راية العجل ، وراية فرعون ، وراية فلان .. أمام خمسين ألفا من أمتّي، وراية فلان .. أمام سبعين ألفا، ثم راية أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، و قدأوردنا فيه أخبارا أخر بأسانيد تركناها هنا حذرا من التكرار.
68-شف مِن كِتَابِ المَنَاقِبِ لِأَحمَدَ بنِ مَردَوَيهِ ...، عَن إِسمَاعِيلَ بنِ عَلِيّ الواَسطِيِّ، عَنِ الهَيثَمِ بنِ عدَيِّ الطاّئيِّ، عَن حَمّادِ بنِ عِيسَي، عَن عَلِيّ بنِ هَاشِمٍ، عَن أَبِيهِ وَ ابنِ أُذَينَةَ، عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ، عَن مُسلِمٍ، قَالَ سَمِعتُ أَبَا ذَرّ وَ المِقدَادَ بنَ الأَسوَدِ وَ سَلمَانَ الفاَرسِيِّ رِضوَانُ اللّهِ عَلَيهِم،قَالُواكُنّا قُعُوداً عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا مَعَنَا غَيرُنَا،إِذ أَقبَلَ ثَلَاثَةُ رَهطٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ البَدرِيّينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَفتَرِقُ أمُتّيِ بعَديِ ثَلَاثَ فِرَقٍ،فِرقَةٌ أَهلُ حَقّ لَا يَشُوبُونَهُ بِبَاطِلٍ،مَثَلُهُم كَمَثَلِ الذّهَبِ كُلّمَا فَتَنَتهُ النّارُ ازدَادَ طِيباً، وَ إِمَامُهُم هَذَا لَأَحَدُ الثّلَاثَةِ، وَ هُوَ ألّذِي أَمَرَ اللّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ إِمَاماً
صفحه : 206
وَ رَحمَةً، وَ فِرقَةٌ أَهلُ البَاطِلِ لَا يَشُوبُونَهُ بِحَقّ،مَثَلُهُم كَمَثَلِ خَبَثِ الحَدِيدِ،كُلّمَا فَتَنتَهُ بِالنّارِ ازدَادَ خَبَثاً وَ نَتناً،إِمَامُهُم هَذَا لَأَحَدُ الثّلَاثَةِ، وَ فِرقَةٌ أَهلُ الضّلَالَةِ مُذَبذَبِينَلا إِلي هؤُلاءِ وَ لا إِلي هؤُلاءِ،إِمَامُهُم أَحَدُ الثّلَاثَةِ. قَالَ فَسَأَلتُهُ عَن أَهلِ الحَقّ وَ إِمَامِهِم. فَقَالَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ( ع )إِمَامُ المُتّقِينَ، وَ أَمسَكَ عَنِ الِاثنَينِ،فَجَهَدتُ أَن يَفعَلَ فَلَم يَفعَل.
69-شف مِن كِتَابٍ عَتِيقٍ مِن أُصُولِ المُخَالِفِينَ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الحُسَينِ الجعُفيِّ، عَنِ الحُسَينِ بنِ مُحَمّدِ بنِ الفَرَزدَقِ القطَيِعيِّ، عَنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ بنِ بَزِيعٍ، عَن يَحيَي بنِ حَسَنِ بنِ فُرَاتٍ، عَن أَبِي عَبدِ الرّحمَنِ المسَعوُديِّ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ المَالِكِ، عَنِ الحَرثِ بنِ حَصِيرَةَ، عَن صَخرِ بنِ الحَكَمِ الفزَاَزيِّ، عَن حَيّانَ بنِ الحَرثِ الأزَديِّ يُكَنّي أَبَا عَقِيلٍ، عَنِ الرّبِيعِ بنِ جَمِيلٍ الضبّيّّ، عَن مَالِكِ بنِ ضَمرَةَ الروّاّسيِّ، عَن أَبِي ذَرّ الغفِاَريِّاجتَمَعَ هُوَ وَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ وَ عَبدُ اللّهِ بنُ مَسعُودٍ وَ المِقدَادُ بنُ الأَسوَدِ وَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ وَ حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ، قَالَ فَقَالَ أَبُو ذَرّ حَدّثُونَا حَدِيثاً نَذكُرُ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَنَشهَدُ لَهُ وَ نَدعُو لَهُ وَ نُصَدّقُهُ،فَقَالُوا حَدّثنَا .. يَا عَلِيّ.
صفحه : 207
قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَقَد عَلِمتُم مَا هَذَا زَمَانَ حدَيِثيِ،قَالُوا صَدَقتَ. قَالَ فَقَالُوا حَدّثنَا .. يَا حُذَيفَةُ. قَالَ لَقَد عَلِمتُم أنَيّ سُئِلتُ عَنِ المُعضِلَاتِ فَحَذَرتُهُنّ.قَالُوا صَدَقتَ. قَالَ فَقَالُوا حَدّثنَا .. يَا ابنَ مَسعُودٍ قَالَ لَقَد عَلِمتُم أنَيّ قَرَأتُ القُرآنَ لَم أُسأَل عَن غَيرِهِ.قَالُوا صَدَقتَ. قَالَ فَقَالُوا حَدّثنَا .. يَا مِقدَادُ. قَالَ لَقَد عَلِمتُم إِنّمَا كُنتُ فَارِساً بَينَ يدَيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أُقَاتِلُ، وَ لَكِن أَنتُم أَصحَابُ الحَدِيثِ.فَقَالُوا صَدَقتَ. قَالَ فَقَالُوا حَدّثنَا .. يَا عَمّارُ. قَالَ فَقَالَ لَقَد عَلِمتُم أنَيّ إِنسَانٌ نَسّاءٌ إِلّا أَن أُذَكّرَ فَأَذكُرَ.قَالُوا صَدَقتَ. قَالَ فَقَالَ أَبُو ذَرّ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ إِنّمَا أُحَدّثُكُم بِحَدِيثٍ سَمِعتُمُوهُ أَو مَن سَمِعَهُ مِنكُم بَلّغَ، أَ لَستُم تَشهَدُونَ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ،وَ أَنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فِيها، وَ أَنّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبُورِ، وَ أَنّ البَعثَ حَقّ، وَ أَنّ الجَنّةَ حَقّ، وَ أَنّ النّارَ حَقّ.قَالُوا نَشهَدُ. قَالَ وَ أَنَا مِنَ الشّاهِدِينَ. قَالَ أَ لَستُم تَشهَدُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَدّثَنَا أَنّ شَرّ الأَوّلِينَ وَ الآخِرِينَ اثنَا عَشَرَ سِتّةٌ مِنَ الأَوّلِينَ وَ سِتّةٌ مِنَ الآخِرِينَ، ثُمّ سَمّي مِنَ الأَوّلِينَ ابنَ آدَمَ ألّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرعَونَ، وَ هَامَانَ، وَ قَارُونَ، وَ الساّمرِيِّ، وَ الدّجّالَ اسمُهُ فِي الأَوّلِينَ وَ يَخرُجُ فِي الآخِرِينَ، وَ سَمّي مِنَ الآخِرِينَ سِتّةً العِجلَ
صفحه : 208
وَ هُوَ ... وَ فِرعَونَ وَ هُوَ ...، وَ هَامَانَ وَ هُوَ زِيَادُ بنُ أَبِي سُفيَانَ، وَ قَارُونَ وَ هُوَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقّاصٍ، وَ الساّمرِيِّ وَ هُوَ عَبدُ اللّهِ بنُ قَيسٍ أَبُو مُوسَي،قِيلَ وَ مَا الساّمرِيِّ. قَالَ قَالَ الساّمرِيِّلا مِساسَ، وَ هُوَ يَقُولُ لَا قِتَالَ، وَ الأَبتَرَ وَ هُوَ عَمرُو بنُ العَاصِ،قَالُوا وَ مَا أَبتَرُهَا. قَالَ لَا دِينَ لَهُ وَ لَا نَسَبَ. قَالَ فَقَالُوا نَشهَدُ عَلَي ذَلِكَ. قَالَ وَ أَنَا عَلَي ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ. ثُمّ قَالَ أَ لَستُم تَشهَدُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ إِنّ مِن أمُتّيِ مَن يَرِدُ عَلَيّ الحَوضَ عَلَي خَمسِ رَايَاتٍ أَوّلُهُنّ رَايَةُ العِجلِ فَأَقُومُ فَإِذَا أَخَذتُ بِيَدِهِ اسوَدّ وَجهُهُ، وَ رَجَفَت قَدَمَاهُ، وَ خَفَقَت أَحشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ،فَأَقُولُ مَا خلَفَتمُوُنيِ فِي الثّقَلَينِ بعَديِ فَيَقُولُونَ كَذّبنَا الأَكبَرَ وَ مَزّقنَاهُ وَ اضطَهَدنَاهُ، وَ الأَصغَرَ أَبتَرنَاهُ حَقّهُ،فَأَقُولُ اسلُكُوا ذَاتَ الشّمَالِ،فَيَنصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظمَئِينَ مُسوَدّةً وُجُوهُهُم لَا يَطعَمُونَ مِنهُ قَطرَةً. ثُمّ يَرِدُ عَلَيّ رَايَةُ فِرعَونِ أمُتّيِ وَ هُم أَكثَرُ النّاسِ البَهرَجِيّونَ،فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ) وَ مَا البَهرَجِيّونَ أَ بَهرَجُوا الطّرِيقَ. قَالَ لَا، وَ لَكِن بَهرَجُوا دِينَهُم، وَ هُمُ الّذِينَ يَغضَبُونَ لِلدّنيَا وَ لَهَا يَرضَونَ، وَ لَهَا يَسخَطُونَ، وَ لَهَا يَنصَبُونَ،فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيَدِ صَاحِبِهِم فَإِذَا أَخَذتُ بِيَدِهِ اسوَدّ وَجهُهُ وَ رَجَفَت قَدَمَاهُ وَ خَفَقَت
صفحه : 209
أَحشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ،فَأَقُولُ مَا خلَفَتمُوُنيِ فِي الثّقَلَينِ بعَديِ فَيَقُولُونَ كَذّبنَا الأَكبَرَ وَ مَزّقنَاهُ، وَ قَاتَلنَا الأَصغَرَ وَ قَتَلنَاهُ،فَأَقُولُ اسلُكُوا طَرِيقَ أَصحَابِكُم،فَيَنصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظمَئِينَ مُسوَدّةً وُجُوهُهُم لَا يَطعَمُونَ مِنهُ قَطرَةً. ثُمّ تَرِدُ عَلَيّ رَايَةُ عَبدِ اللّهِ بنِ قَيسٍ وَ هُوَ إِمَامُ خَمسِينَ أَلفاً مِن أمُتّيِ،فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيَدِهِ، فَإِذَا أَخَذتُ بِيَدِهِ اسوَدّ وَجهُهُ وَ رَجَفَت قَدَمَاهُ وَ خَفَقَت أَحشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ،فَأَقُولُ مَا خلَفَتمُوُنيِ فِي الثّقَلَينِ بعَديِ فَيَقُولُونَ كَذّبنَا الأَكبَرَ وَ عَصَينَاهُ وَ خَذَلنَا الأَصغَرَ وَ خَذَلنَا مِنهُ،فَأَقُولُ اسلُكُوا طَرِيقَ أَصحَابِكُم،فَيَنصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظمَئِينَ مُسوَدّةً وُجُوهُهُم لَا يَطعَمُونَ مِنهُ قَطرَةً. ثُمّ تَرِدُ عَلَيّ رَايَةُ المُخدَجِ وَ هُوَ إِمَامُ سَبعِينَ أَلفاً مِنَ النّاسِ فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيَدِهِ، فَإِذَا أَخَذتُ بِيَدِهِ اسوَدّ وَجهُهُ وَ رَجَفَت قَدَمَاهُ وَ خَفَقَت أَحشَاؤُهُ، وَ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعُهُ،فَأَقُولُ مَا خلَفَتمُوُنيِ فِي الثّقَلَينِ بعَديِ،فَيَقُولُونَ كَذّبنَا الأَكبَرَ وَ عَصَينَاهُ، وَ قَاتَلنَا الأَصغَرَ وَ قَتَلنَاهُ.فَأَقُولُ اسلُكُوا سَبِيلَ أَصحَابِكُم،فَيَنصَرِفُونَ ظِمَاءً مُظمَئِينَ مُسوَدّةً وُجُوهُهُم لَا يَطعَمُونَ مِنهُ قَطرَةً. ثُمّ تَرِدُ عَلَيّ رَايَةُ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ( ع ) أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ إِمَامِ الغُرّ المُحَجّلِينَ،فَأَقُومُ فَآخُذُ بِيَدِهِ فَيَبيَضّ وَجهُهُ وَ وُجُوهُ أَصحَابِهِ،فَأَقُولُ مَا خلَفَتمُوُنيِ فِي الثّقَلَينِ
صفحه : 210
بعَديِ.فَيَقُولُونَ تَبِعنَا الأَكبَرَ وَ صَدّقنَاهُ، وَ وَازَرنَا الأَصغَرَ وَ نَصَرنَاهُ وَ قَاتَلنَا مَعَهُ،فَأَقُولُ رِدُوا رَوَاءً مَروِيّينَ،فَيَشرَبُونَ شَربَةً لَا يَظمَئُونَ بَعدَهَا أَبَداً،وَجهُ إِمَامِهِم كَالشّمسِ الطّالِعَةِ وَ وُجُوهُهُم كَالقَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ، أَو كَأَضوَإِ نَجمٍ فِي السّمَاءِ. ثُمّ قَالَ أَ لَستُم تَشهَدُونَ عَلَي ذَلِكَ.قَالُوا بَلَي، وَ إِنّا عَلَي ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ. قَالَ لَنَا القاَضيِ مُحَمّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ اشهَدُوا عَلَيّ عِندَ اللّهِ أَنّ الحُسَينَ بنَ مُحَمّدِ بنِ الفَرَزدَقِ حدَثّنَيِ بِهَذَا، وَ قَالَ الحُسَينُ بنُ مُحَمّدٍ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ الحُسَينَ بنَ عَلِيّ بنِ بَزِيعٍ حدَثّنَيِ بِهَذَا، وَ قَالَ الحُسَينُ بنُ عَلِيّ بنِ بَزِيعٍ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ يَحيَي بنَ الحَسَنِ حدَثّنَيِ بِهَذَا، وَ قَالَ يَحيَي بنُ الحَسَنِ اشهَدُوا عَلَيّ عِندَ اللّهِ أَنّ أَبَا عَبدِ الرّحمَنِ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَنِ الحَارِثِ بنِ حَصِيرَةَ، وَ قَالَ أَبُو عَبدِ الرّحمَنِ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ الحَارِثَ بنَ حَصِيرَةَ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَن صَخرِ بنِ الحَكَمِ، وَ قَالَ الحَارِثُ بنُ حَصِيرَةَ اشهَدُوا عَلَيّ عِندَ اللّهِ أَنّ صَخرَ بنَ الحَكَمِ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَن حَيّانَ بنِ الحَرثِ، وَ قَالَ صَخرُ بنُ الحَكَمِ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ حَيّانَ بنَ الحَرثِ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَنِ الرّبِيعِ بنِ جَمِيلٍ الضبّيّّ، وَ قَالَ حَيّانُ بنُ الحَرثِ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ الرّبِيعَ بنَ
صفحه : 211
جَمِيلٍ الضبّيّّ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَن مَالِكِ بنِ ضَمرَةَ الروّاّسيِّ، وَ قَالَ الرّبِيعُ بنُ جَمِيلٍ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ مَالِكَ بنَ ضَمرَةَ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَن أَبِي ذَرّ الغفِاَريِّ، وَ قَالَ مَالِكُ بنُ ضَمرَةَ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ أَبَا ذَرّ الغفِاَريِّ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ أَبُو ذَرّ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عِندَ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَن جَبرَئِيلَ، وَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اشهَدُوا عَلَيّ بِهَذَا عَنِ اللّهِ أَنّ جَبرَئِيلَ حدَثّنَيِ بِهَذَا عَنِ اللّهِ جَلّ وَجهُهُ وَ تَقَدّسَت أَسمَاؤُهُ. وَ قَالَ يُوسُفُ بنُ كُلَيبٍ وَ مُحَمّدُ بنُ حَنبَلٍ إِنّ أَبَا عَبدِ الرّحمَنِ حَدّثَهُ بِهَذَا الحَدِيثِ بِهَذَا الإِسنَادِ وَ بِهَذَا الكَلَامِ، قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ بنِ بَزِيعٍ وَ زَعَمَ إِسمَاعِيلُ بنُ أَبَانٍ أَنّهُ سَمِعَ هَذَا الحَدِيثَ حَدِيثَ الرّايَاتِ مِن أَبِي عَبدِ الرّحمَنِ المسَعوُديِّ.
بيان لعلّه عمل بعض الرواة في تفسير العجل وفرعون وهامان نوع تقيّة،لرسوخ حبّ صنمي قريش في قلوب الناس . و قال الجوهري خفقت الرّاية تخفُق وتخفِق خَفقا وخَفَقانا وكذلك القلب والسّراب إذااضطربا. و قال الفيروزآبادي البَهرَجُ الباطل والردّيء والمباح ، والبَهرَجَةُ أن
صفحه : 212
تعدل بالشيّء عن الجادّة القاصدة إلي غيرها، والمبهرج من المياه المهمل ألّذي لايمنع عنه ، و من الدّماء المهدّر.
70-شف مِن كِتَابِ المَنَاقِبِ لِأَحمَدَ بنِ مَردَوَيهِ، عَن أَحمَدَ بنِ اِبرَاهِيمَ بنِ يُوسُفَ، عَن عِمرَانَ بنِ عَبدِ الرّحِيمِ، عَن يَحيَي الحمِاّنيِّ، عَنِ الحَكَمِ بنِ ظُهَيرٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ، قَالَكُنتُ أَسِيرُ مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فِي لَيلَةٍ وَ عُمَرُ عَلَي بَغلٍ وَ أَنَا عَلَي فَرَسٍ فَقَرَأَ آيَةً فِيهَا ذِكرُ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ أَمَ وَ اللّهِ يَا بنَيِ عَبدِ المُطّلِبِ لَقَد كَانَ صَاحِبُكُم أَولَي بِهَذَا الأَمرِ منِيّ وَ مِن أَبِي بَكرٍ،فَقُلتُ فِي نفَسيِ لَا أقَاَلنَيَِ اللّهُ إِن أَقَلتُكَ،فَقُلتُ أَنتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَ أَنتَ وَ صَاحِبُكَ اللّذَانِ وَثَبتُمَا وَ انتَزَعتُم مِنّا الأَمرَ دُونَ النّاسِ. فَقَالَ إِلَيكُم يَا بنَيِ عَبدِ المُطّلِبِ، أَمَا إِنّكُم أَصحَابُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ،فَتَأَخّرتُ وَ تَقَدّمَ هُنَيئَةً، فَقَالَ سِر .. لَا سِرتَ، فَقَالَ أَعِد عَلَيّ كَلَامَكَ.فَقُلتُ إِنّمَا ذَكَرتَ شَيئاً فَرَدَدتُ جَوَابَهُ، وَ لَو سَكَتّ سَكَتنَا. فَقَالَ وَ اللّهِ إِنّا مَا فَعَلنَا مَا فَعَلنَا عَدَاوَةً، وَ لَكِن استَصغَرنَاهُ وَ خَشِينَا أَن لَا تَجتَمِعَ عَلَيهِ العَرَبُ وَ قُرَيشٌ لِمَا قَد وَتَرَهَا،فَأَرَدتُ أَن أَقُولَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي
صفحه : 213
اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَبعَثُهُ فِي الكَتِيبَةِ فَيَنطِحُ كَبشَهَا فَلَم يَستَصغِرهُ فَتَستَصغِرُهُ أَنتَ وَ صَاحِبُكَ،فَقَامَ لَا جَرَمَ،فَكَيفَ تَرَي وَ اللّهِ مَا نَقطَعُ أَمراً دُونَهُ، وَ لَا نَعمَلُ شَيئاً حَتّي نَستَأذِنَهُ.
بيان قوله أماإنّكم .. لعلّه قال ذلك علي سبيل التهديد .. أي إنّكم تخاصموني،إمّا إخبارا، وإمّا استفهاما إنكاريّا.
71-شف أَحمَدُ بنُ مَردَوَيهِ فِي كِتَابِ المَنَاقِبِ، عَن أَحمَدَ بنِ اِبرَاهِيمَ بنِ يُوسُفَ، عَن عِمرَانَ بنِ عَبدِ الرّحِيمِ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ حَكِيمٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ سَعدٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عُمَارَةَ، عَنِ الحَكِيمِ بنِ عُتبَةَ، عَن عِيسَي بنِ طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللّهِ، قَالَ خَرَجَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ إِلَي الشّامِ وَ أَخرَجَ مَعَهُ العَبّاسَ بنَ عَبدِ المُطّلِبِ، قَالَ فَجَعَلَ النّاسُ يَتَلَقّونَ وَ يَقُولُونَ السّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَ كَانَ العَبّاسُ رَجُلًا جَمِيلًا فَيَقُولُ هَذَا صَاحِبُكُم، فَلَمّا كَثُرَ عَلَيهِ التَفَتَ إِلَي عُمَرَ، فَقَالَ تَرَي أَنَا وَ اللّهِ أَحَقّ بِهَذَا الأَمرِ مِنكَ، فَقَالَ عُمَرُ اسكُت،أَولَي وَ اللّهِ بِهَذَا الأَمرِ منِيّ وَ مِنكَ رَجُلٌ خَلّفتُهُ أَنَا وَ أَنتَ بِالمَدِينَةِ، عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ( ع ).
72-سر مُوسَي بنُ بَكرٍ، عَن زُرَارَةَ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ مَا حَرّمَ اللّهُ شَيئاً إِلّا وَ قَد عصُيَِ فِيهِ،لِأَنّهُم تَزَوّجُوا أَزوَاجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ
صفحه : 214
عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن بَعدِهِ فَخَيّرَهُنّ أَبُو بَكرٍ بَينَ الحِجَابِ وَ لَا يَتَزَوّجنَ أَو يَتَزَوّجنَ،فَاختَرنَ التّزوِيجَ فَتَزَوّجنَ. قَالَ زُرَارَةُ وَ لَو سَأَلتَ بَعضَهُم أَ رَأَيتَ لَو أَنّ أَبَاكَ تَزَوّجَ امرَأَةً وَ لَم يَدخُل بِهَا حَتّي مَاتَ، أَ تَحِلّ لَكَ إِذَن.لَقَالَ لَا، وَ هُم قَدِ استَحَلّوا أَن يَتَزَوّجُوا أُمّهَاتِهِم إِن كَانُوا مُؤمِنِينَ، فَإِنّ أَزوَاجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِثلُ أُمّهَاتِهِم.
73-شي،[تفسير العياشي]المُفَضّلُ بنُ صَالِحٍ، عَن بَعضِ أَصحَابِهِ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ وَ أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ فِي قَولِ اللّهِيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُبطِلُوا صَدَقاتِكُم بِالمَنّ وَ الأَذي.. إِلَي آخِرِ الآيَةِ، قَالَ نَزَلَت فِي عُثمَانَ، وَ جَرَت فِي مُعَاوِيَةَ وَ أَتبَاعِهِمَا.
74-شي،[تفسير العياشي] عَن سَلّامِ بنِ المُستَنِيرِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُبطِلُوا صَدَقاتِكُم بِالمَنّ وَ الأَذي.. لِمُحَمّدٍ وَ آلِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمُ الصّلَاةُ وَ السّلَامُ، هَذَا تَأوِيلٌ، قَالَ أُنزِلَت فِي عُثمَانَ.
75-شي،[تفسير العياشي] عَن أَبِي بَصِيرٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ فِي قَولِهِيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُبطِلُوا صَدَقاتِكُم بِالمَنّ وَ الأَذي... إِلَي قَولِهِلا يَقدِرُونَ عَلي شَيءٍ مِمّا
صفحه : 215
كَسَبُوا قَالَ صَفوَانُ أَي حَجَرٍوَ الّذِينَ يُنفِقُونَ أَموالَهُم رِئاءَ النّاسِ. قَالَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ مُعَاوِيَةُ وَ أَشيَاعُهُم.
76-شي،[تفسير العياشي] عَن سَعدَانَ، عَن رَجُلٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِوَ إِن تُبدُوا ما فِي أَنفُسِكُم أَو تُخفُوهُ يُحاسِبكُم بِهِ اللّهُ فَيَغفِرُ لِمَن يَشاءُ وَ يُعَذّبُ مَن يَشاءُ قَالَ حَقِيقٌ عَلَي اللّهِ أَن لَا يُدخِلَ الجَنّةَ مَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ حَبّةٍ مِن خَردَلٍ مِن حُبّهِمَا.
77-سر أَبُو عَبدِ اللّهِ السيّاّريِّ، عَنِ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ كَانَ عُثمَانُ إِذَا أتُيَِ بشِيَءٍ مِنَ الفيَءِ فِيهِ ذَهَبٌ عَزَلَهُ، وَ قَالَ هَذَا لِطَوقِ عَمرٍو، فَلَمّا كَثُرَ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ كَبِرَ عَمرٌو عَنِ الطّوقِ،فَجَرَي بِهِ المَثَلُ.
بيان ذكر أصحاب كتب الأمثال مورد المثل علي وجه آخر تعصّبا، مع أنّه لاتنافي بينهما. قال الزمخشري في المستقصي هوعمرو بن عدي ابن أخت جذيمة قد
صفحه : 216
طوّق كثيرا صغيرا ثم استهوته الجنّ مدّة، فلمّا عاد همّت أمّه بإعادة الطوق إليه ، فقال جذيمة .. ذلك ، وقيل إنّها نطّقته وطوّقته وأمرته بزيارة خاله ، فلمّا رأي لحيته والطوق قال .. ذلك . ويروي شبّ عمرو عن الطوق و جلّ عمرو،يضرب في ارتفاع الكبير عن هيئة الصغير و مايستهجن من تحليته بحليته . ونحوه قال الميداني لكنّه طوّل القصّة الغريبة.
78-شي،[تفسير العياشي] عَلِيّ بنُ مَيمُونٍ الصّائِغُ، عَنِ ابنِ أَبِي يَعفُورٍ، قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ ثَلَاثَةٌلا يَنظُرُ إِلَيهِم يَومَ القِيامَةِ وَ لا يُزَكّيهِم وَ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ مَنِ ادّعَي إِمَامَةً مِنَ اللّهِ لَيسَت لَهُ، وَ مَن جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللّهِ، وَ مَن قَالَ إِنّ لِفُلَانٍ وَ فُلَانٍ فِي الإِسلَامِ نَصِيباً.
79-شي،[تفسير العياشي] عَن الثمّاَليِّ، عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ .. مِثلَهُ.
80-شي،[تفسير العياشي] عَن عَامِرِ بنِ كَثِيرٍ السّرّاجِ، عَن عَطَاءٍ الهمَداَنيِّ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِإِذ يُبَيّتُونَ ما لا يَرضي مِنَ القَولِ قَالَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ.
وَ فِي رِوَايَةِ عَمرِو بنِ سَعِيدٍ، عَن أَبِي الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ هُمَا وَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ.
صفحه : 217
و في رواية عمر بن صالح ، قال الأوّل والثاني و أبوعبيدة بن الجرّاح.
81-شي،[تفسير العياشي] عن جابر، قال قلت لمحمّد بن عليّ عليهما السلام قوله تعالي في كتابه الّذِينَ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا، قال هما والثالث والرابع و عبدالرحمن وطلحة وكانوا سبعة عشر رجلا. قال لمّا وجّه النبيّ صلّي اللّه عليه وآله عليّ بن أبي طالب عليه السلام وعمّار ابن ياسر رحمه اللّه إلي أهل مكة،قالوا بعث هذاالصبيّ و لوبعث غيره ياحذيفة إلي أهل مكة، و في مكة صناديدها، وكانوا يسمّون عليّا الصبيّ،لأنّه كان اسمه في كتاب اللّه الصبيّ،لقول اللّهوَ مَن أَحسَنُ قَولًا مِمّن دَعا إِلَي اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً و هوصبيّوَ قالَ إنِنّيِ مِنَ المُسلِمِينَ، و اللّه الكفر بنا أولي ممّا نحن فيه ،فساروا فقالوا لهما وخوّفوهما بأهل مكة فعرضوا لهما وغلظوا عليهما الأمر، فقال عليّ صلوات اللّه عليه حسبنا اللّه ونعم الوكيل ، ومضي ، فلمّا دخلا مكة أخبر اللّه نبيّه صلّي اللّه عليه وآله بقولهم لعليّ عليه السلام وبقول عليّ لهم ،فأنزل اللّه بأسمائهم في كتابه ، و ذلك قول اللّه أ لم تر إلي الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إِيماناً وَ قالُوا حَسبُنَا اللّهُ وَ نِعمَ الوَكِيلُ.. إلي قوله وَ اللّهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ، وإنّما نزلت « أ لم تر إلي ..»
صفحه : 218
فلان وفلان لقوا عليّا وعمّارا فقالا إنّ أباسفيان و عبد اللّه بن عامر و أهل مكة قدجمعوا لكم فاخشوهم ،فقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل ، وهما اللّذان قال اللّهإِنّ الّذِينَ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا... إلي آخر الآية فهذا أوّل كفرهم . والكفر الثاني قول النبيّ عليه وآله السلام يطلع عليكم من هذاالشعب رجل فيطلع عليكم بوجهه ،فمثله عند اللّه كمثل عيسي لم يبق منهم أحد إلّا تمنّي أن يكون بعض أهله ، فإذابعليّ عليه السلام قدخرج وطلع بوجهه ، قال هو هذا،فخرجوا غضّابا وقالوا مابقي إلّا أن يجعله نبيّا، و اللّه الرجوع إلي آلهتنا خير ممّا نسمع منه في ابن عمّه وليصدّنا عليّ إن دام هذا،فأنزل اللّهوَ لَمّا ضُرِبَ ابنُ مَريَمَ مَثَلًا إِذا قَومُكَ مِنهُ يَصِدّونَ... إلي آخر الآية،فهذا الكفر الثاني. وزيادة الكفر حين قال اللّهإِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُم خَيرُ البَرِيّةِ، و قال النبيّ صلّي اللّه عليه وآله يا علي أصبحت وأمسيت خير البريّة، فقال له الناس هوخير من آدم ونوح و من ابراهيم و من الأنبياء .. فأنزل اللّهإِنّ اللّهَ اصطَفي آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ اِبراهِيمَ... إلي سَمِيعٌ عَلِيمٌقالوا فهو خير منك يا محمّد .. قال اللّهقُل...إنِيّ رَسُولُ اللّهِ إِلَيكُم جَمِيعاً ولكنّه خير منكم وذريّته خير من ذريّتكم، و من اتّبعه خير ممّن اتّبعكم،فقاموا غضّابا، وقالوا زيادة الرجوع إلي الكفر أهون علينا ممّا
صفحه : 219
يقول في ابن عمّه و ذلك قول اللّهثُمّ ازدادُوا كُفراً.
بيان يصدّون .. بمعني يضجّون، و قوله وليصدّنا .. ليس لبيان هذاالصدود،بل هوبمعني المنع عمّا هومرادهم . قوله عليه السلام وقالوا زيادة .. بالنصب ، أوالرفع بالإضافة.
82-شي،[تفسير العياشي] عن زرارة وحمران و محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام عن قوله إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا...ثُمّ ازدادُوا كُفراً قال نزلت في أبي عبد اللّه بن أبي سرح ألذي بعثه عثمان إلي مصر، قال وازدادوا كفرا حين لم يبق فيه من الإيمان شيء.
83-شي،[تفسير العياشي] عن عبد اللّه بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّهإِنّ الّذِينَ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا ثُمّ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا ثُمّ ازدادُوا كُفراً قال نزلت في فلان وفلان آمنوا برسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في أوّل
صفحه : 220
الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية،حيث قال من كنت مولاه فعليّ مولاه ، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قالوا له بأمر اللّه وأمر رسوله .. فبايعوه ، ثم كفروا حيث مضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فلم يقرّوا بالبيعة، ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم ،فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء.
84-كا الحسين بن محمد، عن المعلّي، عن محمد بن أورمة و عليّ بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان، عن عبدالرحمن بن كثير .. مثله .
بيان المراد بمن بايعوه أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه .
85-شي،[تفسير العياشي] عن جابر، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّهوَ مِنَ النّاسِ مَن يَتّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَنداداً يُحِبّونَهُم كَحُبّ اللّهِ، قال فقال هم أولياء فلان وفلان وفلان اتّخذوهم أئمّة دون الإمام ألذي جعله اللّه للناس إماما،فلذلك قال اللّه تبارك و تعالي وَ لَو يَرَي الّذِينَ ظَلَمُوا إِذ يَرَونَ العَذابَ أَنّ القُوّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ العَذابِ إِذ تَبَرّأَ الّذِينَ اتّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اتّبَعُوا... إلي قوله مِنَ النّارِ، قال ثم قال أبو جعفر عليه السلام
صفحه : 221
هم و اللّه ياجابر أئمّة الظلم وأشياعهم .
86-شي،[تفسير العياشي] عن زرارة وحمران و محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قوله وَ مِنَ النّاسِ مَن يَتّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَنداداً يُحِبّونَهُم كَحُبّ اللّهِ وَ الّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبّا لِلّهِ قال هم آل محمّد صلّي اللّه عليه وآله .
87-شي،[تفسير العياشي] عن منصور بن حازم ، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام وَ ما هُم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ. قال أعداء عليّ عليه السلام هم المخلّدون في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين .
88-شي،[تفسير العياشي] عن الحسين بن بشّار، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّهوَ مِنَ النّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَياةِ الدّنيا. قال فلان وفلان .وَ يُهلِكَ الحَرثَ وَ النّسلَ،النسل هم الذريّة، والحرث الزرع .
صفحه : 222
89-شي،[تفسير العياشي] عن بعض أصحابه ، قال سمعت عمّارا يقول علي منبر الكوفة ثلاثة يشهدون علي [فلان ] أنّه كافر و أناالرابع ، و أناأتمّ الأربعة، ثم قرأ هؤلاء الآيات في المائدةوَ مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ والظّالِمُونَ والفاسِقُونَ.
90-شي،[تفسير العياشي] عن أبي جميلة، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال قدفرض اللّه في الخمس نصيبا لآل محمّد صلّي اللّه عليه وآله فأبي أبوبكر أن يعطيهم نصيبهم حسدا وعداوة، و قد قال اللّهوَ مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ، و كان أبوبكر أوّل من منع آل محمّد عليهم السلام حقّهم وظلمهم ، وحمل الناس علي رقابهم ، و لمّا قبض أبوبكر استخلف عمر علي غيرشوري من المسلمين و لارضي من آل محمّد،فعاش عمر بذلك لم يعط آل محمّد عليهم السلام حقّهم وصنع ماصنع أبوبكر.
91-شي،[تفسير العياشي] عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام مَن جاءَ
صفحه : 223
بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشرُ أَمثالِها قال من ذكرهما فلعنهما كلّ غداة كتب اللّه له سبعين حسنة، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات .
92-م قوله عزّ و جلّوَ إِذا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوا إِلي شَياطِينِهِم قالُوا إِنّا مَعَكُم إِنّما نَحنُ مُستَهزِؤُنَ اللّهُ يسَتهَزِئُ بِهِم وَ يَمُدّهُم فِي طُغيانِهِم يَعمَهُونَ. قال موسي بن جعفرعليهما السلام و إذالقي هؤلاء الناكثون لبيعته المواطئون علي مخالفة عليّ عليه السلام ودفع الأمر عنه ،الذين آمنوا قالوا آمنّا كإيمانكم ، إذالقوا سلمان والمقداد و أباذّر وعمّارا قالوا لهم آمنّا بمحمّد(ص ) وسلّمنا له بيعة عليّ عليه السلام وفضله وأنفذنا لأمره كماآمنتهم إن كان أوّلهم وثانيهم وثالثهم إلي تاسعهم ،ربّما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه ، فإذالقوهم اشمأزّوا منهم وقالوا هؤلاء أصحاب الساحر والأهوج يعنون محمّدا وعليّا عليهما السلام ، ثم يقول بعضهم لبعض احترزوا منهم لايقفون من فلتات كلامكم علي كفر محمّد فيما قاله في عليّ فينمّوا عليكم ،فيكون فيه هلاككم ،فيقول أوّلهم انظروا إليّ كيف أسخر منهم وأكفّ عاديتهم عنكم . فإذالقوا قال أوّلهم مرحبا بسلمان ابن الإسلام ألذي
صفحه : 224
قال فيه محمّد سيّد الأنام لو كان الدين متعلّقا بالثريّا لتناوله رجال من أبناء فارس ، هذاأفضلهم ،يعنيك . و قال فيه سلمان منّا أهل البيت ،فقرنه بجبرئيل ألذي قال له يوم العباء لمّا قال لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و أنامنكم ، فقال و أنت منّا حتي ارتقي جبرئيل إلي الملكوت الأعلي يفتخر علي أهله يقول من مثلي بخ بخ و أنا من أهل بيت محمّد صلّي اللّه عليه وآله . ثم يقول للمقداد مرحبا بك يامقداد أنت ألذي قال فيك رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لعليّ عليه السلام يا عليّ المقداد أخوك في الدين و قدقدّمك فكأنّه بعضك ،حبّا لك وتعصّبا علي أعدائك ، وموالاة لأوليائك ، ومعاداة لأعدائك ،لكنّ ملائكة السماوات والحجب أكثر حبّا لك منك لعليّ عليه السلام ، وأكثر تعصّبا علي أعدائك منك علي أعداء عليّ عليه السلام ،فطوباك ثم طوباك . ثم يقول لأبي ذرّ مرحبا بك يا أباذرّ أنت ألذي قال فيك رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ماأقلّت الغبراء و لاأظلّت الخضراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ، وقيل بما ذا فضّله اللّه وشرّفه قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لأنّه كان بفضل عليّ أخي رسول اللّه صلوات اللّه عليهما وآلهما قوّالا، و له في كلّ الأحوال مدّاحا، ولشانئيه وأعدائه شانئا، ولأوليائه وأحبّائه مواليا، وسوف يجعله
صفحه : 225
اللّه في الجنان من أفضل ساكنيها، ويخدمه ما لايعرف عدده إلّا اللّه من وصائفها وغلمانها وولدانها. ثم يقول لعمّار بن ياسر أهلا وسهلا ومرحبا بك ياعمّار نلت بموالاة أخي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله مع أنّك وادع رافه لاتزيد علي المكتوبات والمسنونات من سائر العبادات ما لايناله الكادّ بدنه ليلا ونهارا يعني الليل قياما والنهار صياما، والباذل أمواله و إن كانت جميع أموال الدنيا له ،مرحبا بك ، قدرضيك رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لعليّ أخيه مصافيا، و عنه مناوئا، حتي أخبر أنّك ستقتل في محبّته، وتحشر يوم القيامة في خيار زمرته ،وفقّني اللّه تعالي لمثل عملك وعمل أصحابك ، حتي توفر علي خدمة محمّد رسول اللّه(ص ) وأخي محمّد عليّ وليّ اللّه ومعاداة أعدائهما بالعداوة، ومصافاة أوليائهما بالموالاة والمتابعة،سوف يسعدنا اللّه يومنا إذاالتقينا بكم ،فيقول سلمان وأصحابه ظاهرهم كماأمرهم اللّه، ويجوزون عنهم ،فيقول الأول لأصحابه كيف رأيتم سخريتي لهؤلاء وكيف كففت عاديتهم عنيّ وعنكم .فيقولون له لاتزال بخير ماعشت لنا.فيقول لهم فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلي أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذا، فإنّ اللبيب العاقل من تجرّع علي الغصّة حتي ينال الفرصة، ثم يعودون إلي أخدانهم من المنافقين المتمرّدين المشاركين لهم في تكذيب رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فيما أدّاه إليهم عن اللّه عزّ و جلّ من ذكر تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام
صفحه : 226
ونصبه إماما علي كافة المكلّفين.قالوا لهم إنّا معكم .. علي ماواطأناكم عليه من دفع عليّ عن هذاالأمر إن كانت لمحمّد كائنة، فلايغرّنكم و لايهولنّكم ماتستمعونه منّا من تقريظهم ، وتروننا نجترئ عليه من مداراتهم فإنّا نحن مستهزءون بهم ، فقال اللّه عزّ و جلّ يا محمّد(ص )اللّهُ يسَتهَزِئُ بِهِميجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرةوَ يَمُدّهُم فِي طُغيانِهِميمهلهم ويتأتّي بهم برفقه ويدعوهم إلي التوبة، ويعدهم إذاأنابوا المغفرةيَعمَهُونَ وهم يعمهون و لايرعوون . قال العالم صلوات اللّه عليه فأمّا استهزاء اللّه بهم في الدنيا فإنّه مع إجرائه إيّاهم علي ظاهر أحكام المسلمين لإظهارهم مايظهرونه من السمع والطاعة والموافقة،يأمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله بالتعريض لهم حتّي لايخفي علي المخلصين من المراد بذلك التعريض ، ويأمر بلعنهم . و أمّا استهزاؤه بهم في الآخرة،فهو أنّ اللّه عزّ و جلّ إذاأقرّهم في دار اللعنة والهوان وعذّبهم بتلك الألوان العجيبة من العذاب ، وأقرّ هؤلاء المؤمنين في الجنان
صفحه : 227
بحضرة محمّد صلّي اللّه عليه وآله صفيّ الملك الديّان،أطلعهم علي هؤلاء المستهزءين بهم في الدنيا حتي يروا ماهم فيهم من عجائب اللعائن ، وبدائع النقمات ،فيكون لذّتهم وسرورهم بشماتتهم كمالذّتهم وسرورهم بنعيمهم في جنان ربّهم،فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين المنافقين بأسمائهم وصفاتهم ، وهم علي أصناف منهم من هو بين أنياب أفاعيها تمضغه . ومنهم من هو بين مخاليب سباعها تعبث به وتفترسه . ومنهم من هوتحت سياط زبانيتها وأعمدتها ومرزباتها يقع من أيديهم عليه تشدد في عذابه ، وتعظّم خزيه ونكاله . ومنهم من هو في بحار حميمها يغرق ويسحب فيها. ومنهم من هو في غسلينها وغساقها تزجره زبانيتها. ومنهم من هو في سائر أصناف عذابها، والكافرون والمنافقون ينظرون فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون لماكانوا من موالاة محمّد
صفحه : 228
و عليّ وآلهما صلوات اللّه عليهم يعتقدون ،فيرونهم منهم من هو علي فرشها يتقلّب، ومنهم من هو علي فواكهها يرتع ، ومنهم من هو علي غرفاتها أو في بساتينها ومتنزّهاتها يتبحبح ، والحور العين والوصفاء والولدان والجواري والغلمان قائمون بحضرتهم وطائفون بالخدمة حواليهم ، وملائكة اللّه عزّ و جلّ يأتونهم من عندربّهم بالحباء والكرامات وعجائب التحف والهدايا والمبرات ،يقولون سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَي الدّارِ،فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون علي هؤلاء الكافرين المنافقين يا أبافلان و يافلان و يافلان .. حتي ينادونهم بأسمائهم مابالكم في مواقف خزيكم ماكثون هلمّوا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم ، وتلحقوا بنا في نعيمها،فيقولون ياويلنا أنّي لنا هذا. يقول المؤمنون انظروا إلي هذه الأبواب ،فينظرون إلي أبواب من الجنان مفتّحة يخيّل إليهم أنّها إلي جهنم التي فيهايعذّبون، ويقدّرون أنّهم ممكنون أن يتخلّصوا إليها،فيأخذون في
صفحه : 229
السّبَاحَةِ فِي بِحَارِ حَمِيمِهَا وَ عَدَوا مِن بَينِ أيَديِ زَبَانِيَتِهَا وَ هُم يَلحَقُونَهُم وَ يَضرِبُونَهُم بِأَعمِدَتِهِم وَ مِرزَبَاتِهِم وَ سِيَاطِهِم، فَلَا يَزَالُونَ هَكَذَا يَسِيرُونَ هُنَاكَ، وَ هَذِهِ الأَصنَافُ مِنَ العَذَابِ تَمَسّهُم حَتّي إِذَا قَدّرُوا أَنّهُم قَد بَلَغُوا تِلكَ الأَبوَابَ وَجَدُوهَا مَردُومَةً عَنهُم، وَ تُدَهدِهُهُمُ الزّبَانِيَةُ بِأَعمِدَتِهَا فَتُنَكّسُهُم إِلَي سَوَاءِ الجَحِيمِ، وَ يسَتلَقيِ أُولَئِكَ المُؤمِنُونَ عَلَي فُرُشِهِم فِي مَجَالِسِهِم يَضحَكُونَ مِنهُم مُستَهزِءِينَ بِهِم،فَذَلِكَ قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّاللّهُ يسَتهَزِئُ بِهِم، وَ قَولُهُ عَزّ وَ جَلّفَاليَومَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضحَكُونَ عَلَي الأَرائِكِ يَنظُرُونَ.
بيان قال الفيروزآبادي الهوج محرّكة طول في حمق وطيش وتسرّع. والوادع السّاكن الخافض في العيش . و رجل رافه .. أي وادع ، و هو في رفاهة من العيش .. أي سعة. و قال الجوهري الإرزبّة بالكسر التّي يكسر بهاالمدر، فإن قلتها بالميم
صفحه : 230
خفّفت، قلت المرزبة. و قال سحبت ذيلي فانسحب جررته فانجرّر. و قال التّبحبح التّمكّن في الحلول والمقام . والرّدم السّدّ. ودهدهت الحجر فَتَدَهدَهَ دحرجته فتدحرج .
93-شي،[تفسير العياشي] عَن جَابِرٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ سَأَلتُهُ عَن هَذِهِ الآيَةِ فِي قَولِ اللّهِ تَعَالَييا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّخِذُوا آباءَكُم وَ إِخوانَكُم أَولِياءَ... إِلَي قَولِهِالفاسِقِينَفَأَمّالا تَتّخِذُوا آباءَكُم وَ إِخوانَكُم أَولِياءَ إِنِ استَحَبّوا الكُفرَ عَلَي الإِيمانِ فَإِنّ الكُفرَ فِي البَاطِنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَلَايَةُ الأَوّلِ وَ الثاّنيِ وَ هُوَ كُفرٌ، وَ قَولُهُ عَلَي الإِيمَانِ،فَالإِيمَانُ وَلَايَةُ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَوَ مَن يَتَوَلّهُم مِنكُم فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ.
94-شي،[تفسير العياشي] عَن عَجلَانَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِ اللّهِ
صفحه : 231
تَعَالَيوَ يَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم... إِلَيثُمّ وَلّيتُم مُدبِرِينَ. فَقَالَ أَبُو فُلَانٍ.
95-سر عَبدُ اللّهِ بنُ بُكَيرٍ، عَن حَمزَةَ بنِ حُمرَانَ، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي احتِجَاجِ النّاسِ عَلَينَا فِي الغَارِ، فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ حَسبُكَ بِذَلِكَ عَاراً أَو قَالَ شَرّاً إِنّ اللّهَ لَم يَذكُر رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَعَ المُؤمِنِينَ إِلّا أَنزَلَ اللّهُ السّكِينَةَ عَلَيهِم جَمِيعاً، وَ إِنّهُ أَنزَلَ السّكِينَةَ عَلَي رَسُولِهِ وَ أَخرَجَهُ مِنهَا وَ خَصّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ دُونَهُ.
96-سر مِن كِتَابِ أَبِي القَاسِمِ بنِ قُولَوَيهِ، عَن عِيسَي بنِ عَبدِ اللّهِ الهاَشمِيِّ، قَالَ خَطَبَ النّاسَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وَ ذَلِكَ قَبلَ أَن يَتَزَوّجَ أُمّ كُلثُومٍ بِيَومَينِ، فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ لَا تُغَالُوا بِصَدُقَاتِ النّسَاءِ فَإِنّهُ لَو كَانَ الفَضلُ فِيهَا لَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَفعَلُ، كَانَ نَبِيّكُم عَلَيهِ السّلَامُ يُصدِقُ المَرأَةَ مِن نِسَائِهِ المَحشُوّةَ وَ فِرَاشَ اللّيفِ وَ الخَاتَمَ وَ القَدَحَ وَ مَا أَشبَهَهَا، ثُمّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ، وَ مَا أَقَامَ يَومَينِ أَو ثَلَاثَةً حَتّي أَرسَلَ صَدَاقَ بِنتِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِأَربَعِينَ أَلفاً.
صفحه : 232
97-شي،[تفسير العياشي] عَن أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ يُؤتَي بِجَهَنّمَ لَهَا سَبعَةُ أَبوَابٍ،بَابُهَا الأَوّلُ لِلظّالِمِ وَ هُوَ زُرَيقٌ، وَ بَابُهَا الثاّنيِ لِحَبتَرٍ، وَ البَابُ الثّالِثُ لِلثّالِثِ، وَ الرّابِعُ لِمُعَاوِيَةَ، وَ البَابُ الخَامِسُ لِعَبدِ المَلِكِ، وَ البَابُ السّادِسُ لِعَسكَرِ بنِ هُوسِرٍ، وَ البَابُ السّابِعُ لأِبَيِ سَلَامَةَ،فَهُم أَبوَابٌ لِمَنِ اتّبَعَهُم.
بيان سيأتي أنّ عسكر[عسكرا]اسم جمل عائشة، ويحتمل أن يكون كناية عن بعض ولاة بني أميّة كأبي سلامة، ويحتمل أن يكون أبوسلامة كناية عن أبي مسلم إشارة إلي من سلّطهم من بني العبّاس.
98-شي،[تفسير العياشي] عَن حَرِيزٍ،عَمّن ذَكَرَهُ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِ اللّهِوَ قالَ الشّيطانُ لَمّا قضُيَِ الأَمرُ، قَالَ هُوَ الثاّنيِ، وَ لَيسَ فِي القُرآنِ شَيءٌ وَ( قَالَ الشّيطَانُ) إِلّا وَ هُوَ الثاّنيِ.
99-شي،[تفسير العياشي] عَن أَبِي بَصِيرٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، أَنّهُ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ يُؤتَي بِإِبلِيسَ فِي سَبعِينَ غُلّا وَ سَبعِينَ كَبلًا،فَيَنظُرُ الأَوّلُ إِلَي زُفَرَ فِي
صفحه : 233
عِشرِينَ وَ مِائَةِ كَبلٍ وَ عِشرِينَ وَ مِائَةِ غُلّ،فَيَنظُرُ إِبلِيسُ فَيَقُولُ مَن هَذَا ألّذِي أَضعَفَهُ اللّهُ العَذَابَ وَ أَنَا أَغوَيتُ هَذَا الخَلقَ جَمِيعاً.فَيُقَالُ هَذَا زُفَرُ.فَيَقُولُ بِمَا جُدِرَ لَهُ هَذَا العَذَابُ.فَيُقَالُ بِبَغيِهِ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.فَيَقُولُ لَهُ إِبلِيسُ وَيلٌ لَكَ أَو ثُبُورٌ لَكَ، أَ مَا عَلِمتَ أَنّ اللّهَ أمَرَنَيِ بِالسّجُودِ لِآدَمَ فَعَصَيتُهُ وَ سَأَلتُهُ أَن يَجعَلَ لِي سُلطَاناً عَلَي مُحَمّدٍ وَ أَهلِ بَيتِهِ وَ شِيعَتِهِ فَلَم يجُبِنيِ إِلَي ذَلِكَ، وَ قَالَإِنّ عبِاديِ لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطانٌ إِلّا مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ وَ مَا عَرَفتُهُم حِينَ استَثنَاهُم إِذ قُلتُوَ لا تَجِدُ أَكثَرَهُم شاكِرِينَفَمَنَيتَ بِهِ نَفسَكَ غُرُوراً،فَيُوقَفُ بَينَ يدَيَِ الخَلَائِقِ فَيُقَالُ لَهُ مَا ألّذِي كَانَ مِنكَ إِلَي عَلِيّ وَ إِلَي الخَلقِ الّذِينَ اتّبَعُوكَ عَلَي الخِلَافِ.فَيَقُولُ الشّيطَانُ وَ هُوَ زُفَرُ لِإِبلِيسَ أَنتَ أمَرَتنَيِ بِذَلِكَ.فَيَقُولُ لَهُ إِبلِيسُ فَلِمَ عَصَيتَ رَبّكَ وَ أطَعَتنَيِ.فَيَرُدّ زُفَرَ عَلَيهِ مَا قَالَ اللّهُإِنّ اللّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقّ وَ وَعَدتُكُم فَأَخلَفتُكُم وَ ما كانَ لِي عَلَيكُم مِن سُلطانٍ... إِلَي آخِرِ الآيَةِ.
بيان قوله عليه السلام فيردّ زفر عليه .. ظاهر السياق أن يكون قوله إِنّ اللّهَ وَعَدَكُمكلام إبليس ،فيكون كلام زفر ماذكر قبل تلك الآية من قوله إِنّا كُنّا
صفحه : 234
لَكُم تَبَعاً وترك اختصارا، ويحتمل أن يكون إشارة إلي مايجري بين [فلان ] و بين أتباعه ،فيكون المراد بالردّ عليه الردّ علي أتباعه ، أو يكون (عليهم )فصحّف، ولعلّه سقط من الكلام شيء، و في بعض النسخ لم تكن كلمة( ما) في ( ما) قال اللّه، ولعلّه أقرب ، و علي تقديره يمكن أن يقرأ فيردّ علي بناء المجهول والظرف بدل من زفر،فتكون الجملة بيان للجملة السابقة.
100-شي،[تفسير العياشي] عَن مُحَمّدِ بنِ مَروَانَ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِما أَشهَدتُهُم خَلقَ السّماواتِ وَ الأَرضِ وَ لا خَلقَ أَنفُسِهِم وَ ما كُنتُ مُتّخِذَ المُضِلّينَ عَضُداً. قَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ أللّهُمّ أَعِزّ الدّينَ بِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ أَو بأِبَيِ جَهلِ بنِ هِشَامٍ،فَأَنزَلَ اللّهُوَ ما كُنتُ مُتّخِذَ المُضِلّينَ عَضُداًيَعنِيهِمَا.
101-شي،[تفسير العياشي] عَن مُحَمّدِ بنِ مَروَانَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ قُلتُ لَهُ جُعِلتُ فِدَاكَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعِزّ الإِسلَامَ بأِبَيِ جَهلِ بنِ هِشَامٍ أَو بِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ. فَقَالَ يَا مُحَمّدُ قَد وَ اللّهِ قَالَ ذَلِكَ، وَ كَانَ عَلَيّ أَشَدّ مِن ضَربِ العُنُقِ، ثُمّ أَقبَلَ عَلَيّ فَقَالَ هَل تدَريِ مَا أَنزَلَ اللّهُ يَا
صفحه : 235
مُحَمّدُ. قُلتُ أَنتَ أَعلَمُ جُعِلتُ فِدَاكَ. قَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَ فِي دَارِ الأَرقَمِ فَقَالَ أللّهُمّ أَعِزّ الإِسلَامَ بأِبَيِ جَهلِ بنِ هِشَامٍ أَو بِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ،فَأَنزَلَ اللّهُما أَشهَدتُهُم خَلقَ السّماواتِ وَ الأَرضِ وَ لا خَلقَ أَنفُسِهِم وَ ما كُنتُ مُتّخِذَ المُضِلّينَ عَضُداًيَعنِيهِمَا.
102-شي،[تفسير العياشي] عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عُثمَانَ البجَلَيِّ، عَن رَجُلٍ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اجتَمَعَا عِندَهُ فَتَكَلّمَا فِي عَلِيّ وَ كَانَ مِنَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَن لَيّنَ لَهُمَا فِي بَعضِ القَولِ،فَأَنزَلَ اللّهُلَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقناكَ ضِعفَ الحَياةِ وَ ضِعفَ المَماتِ ثُمّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصِيراً ثُمّ لَا يَجِدَا بَعدَكَ مِثلَ عَلِيّ وَلِيّاً.
بيان قال البيضاوي ضعف الحياة وضعف الممات .. أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة،ضعف مايعذّب به في الدارين بمثل هذاالعمل غيرك ،لأنّ خطأ الخطير أخطر. وقيل الضعف من أسماء العذاب . وقيل المراد بضعف الحياة عذاب الآخرة وبضعف الممات عذاب القبر.
صفحه : 236
انتهي . و في تفسير عليّ بن ابراهيم وضعف الممات من يوم الموت إلي أن تقوم الساعة. ولعلّ قوله ثم لايجدا بعدك .. من تتمّة الآية في قراءة أهل البيت عليهم السلام .
103-جا عُمَرُ بنُ مُحَمّدٍ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ الحسَنَيِّ، عَن عِيسَي بنِ مِهرَانَ، عَن مُخَوّلٍ، عَنِ الرّبِيعِ بنِ المُنذِرِ، عَن أَبِيهِ، قَالَ سَمِعتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ يَقُولُ إِنّ أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ عَمَدَا إِلَي هَذَا الأَمرِ وَ هُوَ لَنَا كُلّهُ فَأَخَذَاهُ دُونَنَا، وَ جَعَلَا لَنَا فِيهِ سَهماً كَسَهمِ الجَدّ، أَمَا وَ اللّهِ لَتُهِمّنّهُمَا أَنفُسُهُمَا يَومَ يَطلُبُ النّاسُ فِيهِ شَفَاعَتَنَا.
بيان التشبيه بسهم الجدّ إمّا من جهة القلّة، أوعدم اللزوم مع وجود الوالدين ، أوإشارة إلي الشوري ، فإنّ عمر جعل أمير المؤمنين عليه السلام أحد الستة وسهم الجدّ السدس .
104-قب حَدّثَ أَبُو عَبدِ اللّهِ مُحَمّدُ بنُ أَحمَدَ الديّلمَيِّ البصَريِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي كَثِيرٍ الكوُفيِّ، قَالَكُنتُ لَا أَختِمُ صلَاَتيِ وَ لَا أَستَفتِحُهَا إِلّا
صفحه : 237
بِلَعنِهِمَا،فَرَأَيتُ فِي منَاَميِ طَائِراً مَعَهُ تَورٌ مِنَ الجَوهَرِ فِيهِ شَيءٌ أَحمَرُ شِبهُ الخَلُوقِ،فَنَزَلَ إِلَي البَيتِ المُحِيطِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ أَخرَجَ شَخصَينِ مِنَ الضّرِيحِ فَخَلّقَهُمَا بِذَلِكَ الخَلُوقِ فِي عَوَارِضِهِمَا، ثُمّ رَدّهُمَا إِلَي الضّرِيحِ وَ عَادَ مُرتَفِعاً،فَسَأَلتُ مَن حوَليِ مَن هَذَا الطّائِرُ وَ مَا هَذَا الخَلُوقُ. فَقَالَ هَذَا مَلَكٌ يجَيِءُ فِي كُلّ لَيلَةِ جُمُعَةٍ يُخَلّقُهُمَا،فأَزَعجَنَيِ مَا رَأَيتُ فَأَصبَحتُ لَا تَطِيبُ نفَسيِ بِلَعنِهِمَا،فَدَخَلتُ عَلَي الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ، فَلَمّا رآَنيِ ضَحِكَ وَ قَالَ رَأَيتَ الطّائِرَ.فَقُلتُ نَعَم يَا سيَدّيِ. فَقَالَ اقرَأإِنّمَا النّجوي مِنَ الشّيطانِ لِيَحزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَ لَيسَ بِضارّهِم شَيئاً إِلّا بِإِذنِ اللّهِ فَإِذَا رَأَيتَ شَيئاً تَكرَهُ فَاقرَأهَا، وَ اللّهِ مَا هُوَ بِمَلَكٍ مُوَكّلٍ بِهِمَا لِإِكرَامِهِمَا،بَل هُوَ مَلَكٌ مُوَكّلٌ بِمَشَارِقِ الأَرضِ وَ مَغَارِبِهَا، إِذَا قُتِلَ قَتِيلٌ ظُلماً أَخَذَ مِن دَمِهِ فَطَوّقَهُمَا بِهِ فِي رِقَابِهِمَا،لِأَنّهُمَا سَبَبُ كُلّ ظُلمٍ مُذ كَانَا.
بيان التّور إناء يشرب فيه .
105-كش العيَاّشيِّ، عَن جَعفَرِ بنِ أَحمَدَ، عَن حَمدَانَ بنِ سُلَيمَانَ وَ العمَركَيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي، عَن يُونُسَ، عَنِ الحَجّالِ، عَن عَلِيّ بنِ عُقبَةَ، عَن رَجُلٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّ وَ عَمّارٌ يَعمَلُونَ مَسجِداً،فَمَرّ عُثمَانُ فِي بِزّةٍ لَهُ يَخطِرُ، فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ
صفحه : 238
السّلَامُ ارجُز بِهِ. فَقَالَ عَمّارٌ
لَا يسَتوَيِ مَن يَعمُرُ المَسَاجِدَا | يَظَلّ فِيهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً |
وَ مَن تَرَاهُ عَانِداً مُعَانِداً | عَنِ الغُبَارِ لَا يَزَالُ حَائِداً |
قَالَ فَأَتَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ مَا أَسلَمنَا لِتُشتَمَ أَعرَاضُنَا وَ أَنفُسُنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَ فَتُحِبّ أَن تُقَالَ بِذَلِكَ،فَنَزَلَت آيَتَانِيَمُنّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوا... الآيَةَ، ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ اكتُب هَذَا فِي صَاحِبِكَ، ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اكتُب هَذِهِ الآيَةَإِنّمَا المُؤمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ....
بيان البِزّةُ بالكسر الهيئةُ، والبِزّةُ أيضا السّلاحُ،ذكره الجوهري، و قال خَطَرَانُ الرّجُلِ .. اهتزازُهُ في المشي وتَبَختُرُهُ. قوله صلّي اللّه عليه وآله أن تُقَالَ بذلك .. أي أقيل إسلامك وأرجع عن بيعتك بذلك الأمر ألذي وقع ،فهو إمّا علي الاستفهام الإنكاري، أولأنّه كان يعلم من باطنه أنّه لم يؤمن .
106-كش جَعفَرُ بنُ مَعرُوفٍ، قَالَ حَدّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيّ بنِ نُعمَانَ، عَن أَبِيهِ، عَن صَالِحٍ الحَذّاءِ، قَالَ لَمّا أَمَرَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِبِنَاءِ المَسجِدِ قَسَمَ عَلَيهِمُ المَوَاضِعَ، وَ ضَمّ إِلَي كُلّ رَجُلٍ رَجُلًا،فَضَمّ عَمّاراً إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ
صفحه : 239
السّلَامُ، قَالَ فَبَينَا هُم فِي عِلَاجِ البِنَاءِ إِذ خَرَجَ عُثمَانُ عَن دَارِهِ وَ ارتَفَعَ الغُبَارُ فَتَمَنّعَ بِثَوبِهِ وَ أَعرَضَ بِوَجهِهِ، قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِعَمّارٍ إِذَا قُلتُ شَيئاً فَرُدّ عَلَيّ، قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ
لَا يسَتوَيِ مَن يَعمُرُ المَسَاجِدَا | يَظَلّ فِيهَا رَاكِعاً وَ سَاجِداً |
َمَن تَرَي عَنِ الطّرِيقِ حَائِداً وَ عَائِداً |
قَالَ فَأَجَابَهُ عَمّارٌ كَمَا قَالَ،فَغَضِبَ عُثمَانُ مِن ذَلِكَ فَلَم يَستَطِع أَن يَقُولَ لعِلَيِّ شَيئاً، فَقَالَ لِعَمّارٍ يَا عَبدُ يَا لُكَعُ وَ مَضَي، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِعَمّارٍ رَضِيتَ بِمَا قَالَ.أَلَا تأَتيِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَتُخبِرَهُ. قَالَ فَأَتَاهُ فَأَخبَرَهُ، فَقَالَ يَا نبَيِّ اللّهِ(ص ) إِنّ عُثمَانَ قَالَ لِي يَا لُكَعُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن يَعلَمُ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيّ. قَالَ فَدَعَاهُ وَ سَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ عَمّارٌ، فَقَالَ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ اذهَب فَقُل لَهُ حَيثُ مَا كَانَ يَا عَبدُ يَا لُكَعُ أَنتَ القَائِلُ لِعَمّارٍ يَا عَبدُ يَا لُكَعُ،فَذَهَبَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَانصَرَفَ.
بيان فَتَمَنّعَ .. أي امتنع من الغبار، و في بعض النسخ بالياء المثناة التحتانية
صفحه : 240
أي جري علي الأرض ومضي ، والأول أظهر. واللّكع بضم اللام وفتح الكاف اللّئيم والذّليل النفس .
107-كش حَمدَوَيهِ وَ اِبرَاهِيمُ مَعاً، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ الحَمِيدِ، عَن أَبِي جَمِيلَةَ، عَنِ الحَارِثِ بنِ المُغِيرَةِ، عَنِ الوَردِ بنِ زَيدٍ، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ جعَلَنَيَِ اللّهُ فِدَاكَ قَدِمَ الكُمَيتُ. فَقَالَ أَدخِلهُ.فَسَأَلَهُ الكُمَيتُ عَنِ الشّيخَينِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ مَا أُهرِيقَ دَمٌ وَ لَا حُكِمَ بِحُكمٍ غَيرِ مُوَافِقٍ لِحُكمِ اللّهِ وَ حُكمِ رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ حُكمِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلّا وَ هُوَ فِي أَعنَاقِهِمَا. فَقَالَ الكُمَيتُ اللّهُ أَكبَرُ اللّهُ أَكبَرُ حسَبيِ حسَبيِ.
108-كا حُمَيدُ بنُ زِيَادٍ، عَن أَبِي العَبّاسِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ أَحمَدَ الدّهقَانِ، عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ الطاّطرَيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ زِيَادٍ، عَن أَبَانٍ، عَنِ الفُضَيلِ بنِ يَسَارٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ إِنّ عُثمَانَ قَالَ لِلمِقدَادِ أَمَا وَ اللّهِ لَتَنتَهِيَنّ أَو لَأَرُدّنّكَ إِلَي رَبّكَ الأَوّلِ، قَالَ فَلَمّا حَضَرَت مِقدَادَ الوَفَاةُ قَالَ لِعَمّارٍ أَبلِغ عُثمَانَ عنَيّ أنَيّ قَد رُدِدتُ إِلَي ربَيَّ الأَوّلِ.
بيان [لعله ]أراد بالربّ الأول الصنم أوالمالك ، وأراد مقداد رضي اللّه عنه به الربّ تعالي .
صفحه : 241
109- كِتَابُ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ عَن أَبَانِ بنِ أَبِي عَيّاشٍ، عَن سُلَيمٍ، قَالَ سَمِعتُ سَلمَانَ الفاَرسِيِّ يَقُولُ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ يُؤتَي بِإِبلِيسَ مَزمُوماً بِزِمَامٍ مِن نَارٍ، وَ يُؤتَي بِزُفَرَ مَزمُوماً بِزِمَامَينِ مِن نَارٍ،فَيَنطَلِقُ إِلَيهِ إِبلِيسُ فَيَصرَخُ وَ يَقُولُ ثَكَلَتكَ أُمّكَ، مَن أَنتَ أَنَا ألّذِي فَتَنتُ الأَوّلِينَ وَ الآخِرِينَ وَ أَنَا مَزمُومٌ بِزِمَامٍ وَاحِدٍ وَ أَنتَ مَزمُومٌ بِزِمَامَينِ.فَيَقُولُ أَنَا ألّذِي أَمَرتُ فَأُطِعتُ وَ أَمَرَ اللّهُ فعَصُيَِ.
110-كش مُحَمّدُ بنُ مَسعُودٍ، عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ بنِ فَضّالٍ، عَنِ العَبّاسِ بنِ عَامِرٍ وَ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ حَكِيمٍ، عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ الأَحمَرِ، عَن أَبِي بَصِيرٍ، قَالَكُنتُ جَالِساً عِندَ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ إِذ جَاءَت أُمّ خَالِدٍ التّيِ كَانَ قَطَعَهَا يُوسُفُ يَستَأذِنُ عَلَيهِ، قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَ يَسُرّكَ أَن تَشهَدَ كَلَامَهَا. قَالَ فَقُلتُ نَعَم،جُعِلتُ فِدَاكَ. فَقَالَ إِمّا[ أَمّا] لَا فَادنُ. قَالَ فأَجَلسَنَيِ عَلَي عَقَبَةِ الطّنفِسَةِ ثُمّ دَخَلَت فَتَكَلّمَت، فَإِذَا هيَِ امرَأَةٌ بَلِيغَةٌ،فَسَأَلَتهُ عَن فُلَانٍ وَ فُلَانٍ، فَقَالَ لَهَا تَوَلّيهِمَا.فَقَالَت فَأَقُولُ لرِبَيّ إِذَا لَقِيتُهُ إِنّكَ أمَرَتنَيِ بِوَلَايَتِهِمَا. قَالَ نَعَم.قَالَت فَإِنّ هَذَا ألّذِي مَعَكَ عَلَي الطّنفِسَةِ يأَمرُنُيِ بِالبَرَاءَةِ مِنهُمَا، وَ كَثِيرٌ النّوّاءُ يأَمرُنُيِ بِوَلَايَتِهِمَا،فَأَيّهُمَا أَحَبّ إِلَيكَ. قَالَ هَذَا وَ اللّهِ وَ أَصحَابُهُ أَحَبّ إلِيَّ مِن كَثِيرٍ النّوّاءِ وَ أَصحَابِهِ، إِنّ هَذَا يُخَاصِمُ فَيَقُولُمَن لَم يَحكُم
صفحه : 242
بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَوَ مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَوَ مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ. فَلَمّا خَرَجَت، قَالَ إنِيّ خَشِيتُ أَن تَذهَبَ فَتُخبِرَ كثير[كَثِيراً]النّوّاءَ فتَشَهرَنَيِ بِالكُوفَةِ، أللّهُمّ إنِيّ إِلَيكَ مِن كَثِيرٍ النّوّاءِ برَيِءٌ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ.
بيان قوله عليه السلام إِمّا[ أَمّا] لَا .. لعلّه علي الاكتفاء ببعض الكلام لظهور المراد، أي أَمّا إذا كان لابدّ من سماعك فَادنُ. و في بعض النسخ أَمّا الآنَ فَادنُ. و في روضة الكافي قال فأذن لها، وأجلسني. و في القاموس الطنفسة مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس واحدة الطّنافس للبسط والثّياب وكحصير من سعف عرضه ذراع . قوله عليه السلام إنّ هذايخاصم .. أي أبوبصير يخاصم في شأن كثير وذمّه أوالرجلين وكفرهما بالآيات المذكورة،فأبهم عليه السلام تقيّة مع أنّه لو كان المراد به كثيرا لدلّ علي كفرهما بل كفر جميع خلفاء الجور لاشتراك الدليل ،فبيّن عليه السلام الحقّ مع نوع من التقيّة.
صفحه : 243
أقول قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ نَهجِ البَلَاغَةِ،نُقِلَت مِن كِتَابِ تَارِيخِ بَغدَادَ لأِبَيِ أَحمَدَ بنِ أَبِي طَاهِرٍ،بِسَنَدِهِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَدَخَلتُ عَلَي عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فِي أَوّلِ خِلَافَتِهِ وَ قَد ألُقيَِ لَهُ صَاعٌ مِن تَمرٍ عَلَي حَصَفَةٍ فدَعَاَنيِ لِلأَكلِ،فَأَكَلتُ تَمرَةً وَاحِدَةً، وَ أَقبَلَ يَأكُلُ حَتّي أَتَي عَلَيهِ، ثُمّ شَرِبَ مِن جَرّ كَانَ عِندَهُ وَ استَلقَي عَلَي مِرفَقَةٍ لَهُ، وَ طَفِقَ يَحمِدُ اللّهَ يُكَرّرُ ذَلِكَ، ثُمّ قَالَ مِن أَينَ جِئتَ يَا عَبدَ اللّهِ. قُلتُ مِنَ المَسجِدِ. قَالَ كَيفَ خَلّفتَ بنَيِ عَمّكَ.فَظَنَنتُهُ يعَنيِ عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ،فَقُلتُ خَلّفتُهُ يَلعَبُ مَعَ أَترَابِهِ. قَالَ لَم أَعنِ ذَا، وَ إِنّمَا عَنَيتُ عَظِيمَكُم أَهلَ البَيتِ. قُلتُ خَلّفتُهُ يَمتَحُ بِالغَرَبِ عَلَي نَخَلَاتٍ لَهُ وَ هُوَ يَقرَأُ القُرآنَ. فَقَالَ يَا عَبدَ اللّهِ عَلَيكَ دِمَاءُ البُدنِ إِن كَتَمتَنِيهَا، أَ بقَيَِ فِي نَفسِهِ شَيءٌ مِن أَمرِ الخِلَافَةِ. قُلتُ نَعَم. قَالَ أَ يَزعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَعَلَهَا لَهُ قُلتُ نَعَم، وَ أَزِيدُكَ،سَأَلتُ أَبِي عَمّا يَدّعِيهِ، فَقَالَ
صفحه : 244
صَدَقَ، قَالَ عُمَرُ لَقَد كَانَ عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي أَمرِهِ ذَروٌ مِن قَولٍ لَا يُثبِتُ حُجّةً وَ لَا يَقطَعُ عُذراً، وَ قَد كَانَ يَزِيغُ فِي أَمرِهِ وَقتاً مَا، وَ لَقَد أَرَادَ فِي مَرَضِهِ أَن يُصَرّحَ بِاسمِهِ فَمَنَعتُ مِن ذَلِكَ إِشفَاقاً وَ حَفَظَةً عَلَي الإِسلَامِ، لَا وَ رَبّ هَذِهِ البَنِيّةِ لَا تَجتَمِعُ عَلَيهِ قُرَيشٌ أَبَداً، وَ لَو وَلِيَهَا لَانتَقَضَت عَلَيهِ العَرَبُ مِن أَقطَارِهَا،فَعَلِمَ رَسُولُ اللّهِ(ص )أنَيّ عَلِمتُ مَا فِي نَفسِهِ فَأَمسَكَ، وَ أَبَي اللّهُ إِلّا إِمضَاءَ مَا حُتِمَ.
توضيح قال الجوهري الماتح المستسقي،.. يقال متح الماء يمتحه متحا .. إذانزعه ،المتح أن يدخل البئر فيملأ لقلّة مائها. والغرب بالفتح الدّلو العظيمة. و قال في النهاية فيه بلغني عن
صفحه : 245
عليّ ذروة من قول .. الذّرو من الحديث ماارتفع إليك وترامي من حواشيه وأطرافه ، من قولهم ذرأ إليّ فلان .. أي ارتفع وقصد.
111-كنز روُيَِ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ بِإِسنَادِهِ عَن جَعفَرِ بنِ الطّيّارِ، عَن أَبِي الخَطّابِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ قَالَ وَ اللّهِ مَا كَنَي اللّهُ فِي كِتَابِهِ حَتّي قَالَيا وَيلَتي ليَتنَيِ لَم أَتّخِذ فُلاناً خَلِيلًا وَ إِنّمَا هيَِ فِي مُصحَفِ فَاطِمَةَ يَا ويَلتَيَ ليَتنَيِ لَم أَتّخِذِ الثاّنيَِ خَلِيلًا. وَ سَيَظهَرُ يَوماً،فَمَعنَي هَذَا التّأوِيلِ أَنّ الظّالِمَ العَاضّ عَلَي يَدَيهِ الأَوّلُ، وَ الحَالُ بَيّنٌ لَا يَحتَاجُ إِلَي بَيَانٍ.
112- وَ يُؤَيّدُهُ مَا رَوَاهُ مُحَمّدُ بنُ جُمهُورٍ، عَن حَمّادِ بنِ عِيسَي، عَن حَرِيزٍ، عَن رَجُلٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، أَنّهُ قَالَ يَومَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلي يَدَيهِ يَقُولُ يا ليَتنَيِ اتّخَذتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلًا يا وَيلَتي ليَتنَيِ لَم أَتّخِذ فُلاناً خَلِيلًا قَالَ يَقُولُ الأَوّلُ للِثاّنيِ.
صفحه : 246
113- كِتَابُ الإِستِدرَاكِ بِإِسنَادِهِ ، أَنّ المُتَوَكّلَ قِيلَ لَهُ إِنّ أَبَا الحَسَنِ يعَنيِ عَلِيّ بنَ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ الرّضَا يُفَسّرُ قَولَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ يَومَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلي يَدَيهِ... الآيَتَينِ، فِي الأَوّلِ وَ الثاّنيِ. قَالَ فَكَيفَ الوَجهُ فِي أَمرِهِ.قَالُوا تَجمَعُ لَهُ النّاسَ وَ تَسأَلُهُ بِحَضرَتِهِم، فَإِن فَسّرَهَا بِهَذَا كَفَاكَ الحَاضِرُونَ أَمرَهُ، وَ إِن فَسّرَهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ افتَضَحَ عِندَ أَصحَابِهِ، قَالَ فَوَجّهَ إِلَي القُضَاةِ وَ بنَيِ هَاشِمٍ وَ الأَولِيَاءِ، وَ سُئِلَ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ هَذَانِ رَجُلَانِ كَنَي اللّهُ عَنهُمَا وَ مَنّ بِالسّترِ عَلَيهِمَا، أَ فَيُحِبّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ أَن يَكشِفَ مَا سَتَرَهُ اللّهُ. فَقَالَ لَا أُحِبّ.
أقول
114-رَأَيتُ فِي بَعضِ كُتُبِ المَنَاقِبِ، عَنِ المُفَضّلِ، قَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ بَلَغَهُ عَن بَعضٍ شَيءٌ،فَأَرسَلَ إِلَيهِ سَلمَانَ الفاَرسِيِّ فَقَالَ إِنّهُ بلَغَنَيِ عَنكَ كَيتَ وَ كَيتَ وَ كَرِهتُ أَن أَفضَحَكَ، وَ جَعَلتُ كَفّارَةَ ذَلِكَ فَكّ رَقَبَتِكَ مِنَ المَالِ ألّذِي حُمِلَ إِلَيكَ مِن خُرَاسَانَ ألّذِي خُنتَ فِيهِ اللّهَ وَ المُؤمِنِينَ. قَالَ سَلمَانُ فَلَمّا قُلتُ ذَلِكَ لَهُ تَغَيّرَ وَجهُهُ وَ ارتَعَدَت فَرَائِصُهُ وَ أُسقِطَ فِي يَدَيهِ، ثُمّ قَالَ بِلِسَانٍ كَلِيلٍ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ أَمّا الكَلَامُ فلَعَمَريِ قَد جَرَي بيَنيِ وَ بَينَ أهَليِ وَ ولُديِ وَ مَا كَانُوا باِلذّيِ يُفشُونَ عَلَيّ،فَمِن أَينَ عَلِمَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ وَ أَمّا المَالُ ألّذِي وَرَدَ عَلَيّ فَوَ اللّهِ مَا عَلِمَ بِهِ إِلّا الرّسُولُ ألّذِي أَتَي بِهِ، وَ إِنّمَا هُوَ هَدِيّةٌ،فَمِن أَينَ عَلِمَ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ وَ اللّهِ ثُمّ وَ اللّهِ .. ثَلَاثاً إِنّ ابنَ أَبِي طَالِبٍ سَاحِرٌ عَلِيمٌ.
صفحه : 247
قَالَ سَلمَانُ قُلتُ بِئسَ مَا قُلتَ يَا عَبدَ اللّهِ. فَقَالَ وَيحَكَ اقبَل منِيّ مَا أَقُولُهُ فَوَ اللّهِ مَا عَلِمَ أَحَدٌ بِهَذَا الكَلَامِ وَ لَا أَحَدٌ عَرَفَ خَبَرَ هَذَا المَالِ غيَريِ،فَمِن أَينَ عَلِمَ وَ مَا عَلِمَ هُوَ إِلّا مِنَ السّحرِ، وَ قَد ظَهَرَ لِي مِن سِحرِهِ غَيرُ هَذَا. قَالَ سَلمَانُ فَتَجَاهَلتُ عَلَيهِ،فَقُلتُ بِاللّهِ ظَهَرَ لَكَ مِنهُ غَيرُ هَذَا. قَالَ إيِ وَ اللّهِ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ. قُلتُ فأَخَبرِنيِ بِبَعضِهِ. قَالَ إِذاً وَ اللّهِ أَصدُقُكَ وَ لَا أُحَرّفُ قَلِيلًا وَ لَا كَثِيراً مِمّا رَأَيتُهُ مِنهُ،لأِنَيّ أُحِبّ أَن أَطّلِعَكَ عَلَي سِحرِ صَاحِبِكَ حَتّي تَجتَنِبَهُ وَ تُفَارِقَهُ،فَوَ اللّهِ مَا فِي شَرقِهَا وَ غَربِهَا أَحَدٌ أَسحَرَ مِنهُ، ثُمّ احمَرّت عَينَاهُ وَ قَامَ وَ قَعَدَ، وَ قَالَ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ إنِيّ لَمُشفِقٌ عَلَيكَ وَ مُحِبّ لَكَ، عَلَي أَنّكَ قَدِ اعتَزَلتَنَا وَ لَزِمتَ ابنَ أَبِي طَالِبٍ،فَلَو مِلتَ إِلَينَا وَ كُنتَ فِي جَمَاعَتِنَا لَآثَرنَاكَ وَ شَارَكنَاكَ فِي هَذِهِ الأَموَالِ،فَاحذَرِ ابنَ أَبِي طَالِبٍ وَ لَا يَغُرّنّكَ مَا تَرَي مِن سِحرِهِ فَقُلتُ فأَخَبرِنيِ بِبَعضِهِ. قَالَ نَعَم،خَلَوتُ ذَاتَ يَومٍ أَنَا وَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ( ع ) فِي شَيءٍ مِن أَمرِ الخُمُسِ،فَقَطَعَ حدَيِثيِ وَ قَالَ لِي مَكَانَكَ حَتّي أَعُودَ إِلَيكَ،فَقَد عَرَضَت لِي حَاجَةٌ،فَخَرَجَ،فَمَا كَانَ بِأَسرَعَ أَنِ انصَرَفَ وَ عَلَي عِمَامَتِهِ وَ ثِيَابِهِ غُبَارٌ كَثِيرَةٌ،فَقُلتُ مَا شَأنُكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ أَقبَلتُ عَلَي عَسَاكِرَ مِنَ المَلَائِكَةِ وَ فِيهِم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ يُرِيدُونَ بِالمَشرِقِ مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا صَحُورُ،فَخَرَجتُ لِأُسَلّمَ عَلَيهِ،فَهَذِهِ الغَبَرَةُ مِن ذَلِكَ،فَضَحِكتُ تَعَجّباً مِن قَولِهِ، وَ قُلتُ يَا أَبَا الحَسَنِ رَجُلٌ قَد بلَيَِ فِي قَبرِهِ وَ أَنتَ تَزعُمُ أَنّكَ لَقِيتَهُ السّاعَةَ وَ سَلّمتَ عَلَيهِ، هَذَا مَا لَا يَكُونُ أَبَداً.فَغَضِبَ مِن قوَليِ، ثُمّ نَظَرَ إلِيَّ فَقَالَ أَ تكُذَبّنُيِ. قُلتُ لَا تَغضَب فَإِنّ هَذَا مَا لَا يَكُونُ. قَالَ فَإِن عَرَضتُهُ عَلَيكَ حَتّي لَا تُنكِرَ مِنهُ شَيئاً تُحدِثُ لِلّهِ تَوبَةً مِمّا أَنتَ عَلَيهِ. قُلتُ لَعَمرُ اللّهِ.فَاعرِضهُ عَلَيّ، فَقَالَ قُم،فَخَرَجتُ مَعَهُ إِلَي طَرَفِ المَدِينَةِ، فَقَالَ لِي يَا شَاكّ غَمّض عَينَيكَ،فَغَمّضتُهَا فَمَسَحَهُمَا ثُمّ قَالَ يَا غَافِلُ افتَحهُمَا،فَفَتَحتُهُمَا فَإِذَا أَنَا وَ اللّهِ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ بِرَسُولِ
صفحه : 248
اللّهِ(ص ) مَعَ المَلَائِكَةِ لَم أُنكِر مِنهُ شَيئاً،فَبَقِيتُ وَ اللّهِ مُتَعَجّباً أَنظُرُ فِي وَجهِهِ، فَلَمّا أَطَلتُ النّظَرَ إِلَيهِ فَعَضّ الأَنَامِلَ بِالأَسنَانِ وَ قَالَ لِي يَا فُلَانُ بنُ فُلَانٍأَ كَفَرتَ باِلذّيِ خَلَقَكَ مِن تُرابٍ ثُمّ مِن نُطفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلًا، قَالَ فَسَقَطتُ مَغشِيّاً عَلَي الأَرضِ، فَلَمّا أَفَقتُ قَالَ لِي هَل رَأَيتَهُ وَ سَمِعتَ كَلَامَهُ. قُلتُ نَعَم. قَالَ انظُر إِلَي النّبِيّ(ص )،فَنَظَرتُ فَإِذَا لَا عَينَ وَ لَا أَثَرَ وَ لَا خَبَرَ مِنَ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَا مِن تِلكَ الخُيُولِ. فَقَالَ لِي يَا مِسكِينُ فَأَحدِث تَوبَةً مِن سَاعَتِكَ هَذِهِ.فَاستَقَرّ عنِديِ فِي ذَلِكَ اليَومِ أَنّهُ أَسحَرُ أَهلِ الأَرضِ، وَ بِاللّهِ لَقَد خِفتُهُ فِي ذَلِكَ اليَومِ وَ هاَلنَيِ أَمرُهُ، وَ لَو لَا أنَيّ وَقَفتُ يَا سَلمَانُ عَلَي أَنّكَ تُفَارِقُهُ مَا أَخبَرتُكَ،فَاكتُم هَذَا وَ كُن مَعَنَا لِتَكُونَ مِنّا وَ إِلَينَا حَتّي أُوَلّيَكَ المَدَائِنَ وَ فَارِسَ،فَصِر إِلَيهِمَا وَ لَا تُخبِرِ ابنَ أَبِي طَالِبٍ( ع )بشِيَءٍ مِمّا جَرَي بَينَنَا،فإَنِيّ لَا آمَنُهُ أَن يَفعَلَ لِي مِن كَيدِهِ شَيئاً. قَالَ فَضَحِكتُ وَ قُلتُ إِنّكَ لَتَخَافُهُ. قَالَ إيِ وَ اللّهِ خَوفاً لَا أَخَافُ شَيئاً مِثلَهُ. قَالَ سَلمَانُ فَنَشَطتُ مُتَجَاهِلًا بِمَا حدَثّنَيِ وَ قُلتُ يَا عَبدَ اللّهِ أخَبرِنيِ عَن غَيرِهِ فَوَ اللّهِ إِنّكَ أخَبرَتنَيِ عَن أُعجُوبَةٍ. قَالَ إِذاً أُخبِرُكَ بِأَعجَبَ مِن هَذَا مِمّا عَايَنتُهُ أَنَا بعِيَنيِ. قُلتُ فأَخَبرِنيِ. قَالَ نَعَم،إِنّهُ أتَاَنيِ يَوماً مُغضَباً وَ فِي يَدِهِ قَوسُهُ فَقَالَ لِي يَا فُلَانُ عَلَيكَ بِشِيعَتِكَ الطّغَاةِ وَ لَا تَتَعَرّض لشِيِعتَيِ،فإَنِيّ خَلِيقٌ أَن أُنَكّلَ بِكَ.فَغَضِبتُ أَنَا أَيضاً وَ لَم أَكُن وَقَفتُ عَلَي سِحرِهِ قَبلَ ذَلِكَ،فَقُلتُ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ مَه، مَا هَذَا الغَضَبُ وَ السّلطَنَةُ. أَ تعَرفِنُيِ حَقّ المَعرِفَةِ. قَالَ نَعَم،فَوَ اللّهِ لَأَعرِفَنّ قَدرَكَ، ثُمّ رَمَي بِقَوسِهِ الأَرضَ، وَ قَالَ خُذِيهِ،فَصَارَت ثُعبَاناً عَظِيماً مِثلَ ثُعبَانِ مُوسَي بنِ عِمرَانَ فَفَغَرَ فَاهُ فَأَقبَلَ نحَويِ ليِبَلعَنَيَ، فَلَمّا رَأَيتُ ذَلِكَ طَارَ روُحيِ فَرَقاً وَ خَوفاً
صفحه : 249
وَ صِحتُ وَ قُلتُ اللّهَ اللّهَ الأَمَانَ الأَمَانَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،اذكُر مَا كَانَ فِي خِلَافَةِ الأَوّلِ منِيّ حِينَ وَثَبَ إِلَيكَ، وَ بَعدُ فَاذكُر مَا كَانَ منِيّ إِلَي خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ الفَاسِقِ بنِ الفَاسِقِ حِينَ أَمَرَهُ الخَلِيفَةُ بِقَتلِكَ، وَ بِاللّهِ مَا شاَورَنَيِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ منِيّ مَا كَانَ حَتّي شكَاَنيِ وَ وَقَعَ بَينَنَا العَدَاوَةُ، وَ اذكُر يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا كَانَ منِيّ فِي مقَاَميِ حِينَ قُلتُ إِنّ بَيعَةَ أَبِي بَكرٍ كَانَت فَلتَةً فَمَن عَادَ إِلَي مِثلِهَا فَاقتُلُوهُ،فَارتَابَ النّاسُ وَ صَاحُوا وَ قَالُوا طَعَنَ عَلَي صَاحِبِهِ، قَد عَرَفتَ هَذَا كُلّهُ، وَ بِاللّهِ إِنّ شِيعَتَكَ يؤُذوُننَيِ وَ يُشَنّعُونَ عَلَيّ، وَ لَو لَا مَكَانُكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَكُنتُ نَكَلتُ بِهِم، وَ أَنتَ تَعلَمُ أنَيّ لَم أَتَعَرّض لَهُم مِن أَجلِكَ وَ كَرَامَتِكَ،فَاكفُف عنَيّ هَذَا الثّعبَانَ فَإِنّهُ يبَلعَنُيِ. فَلَمّا سَمِعَ هَذَا المَقَالَ منِيّ قَالَ أَيّهَا المِسكِينُ لَطُفتَ فِي الكَلَامِ، وَ إِنّا أَهلُ بَيتٍ نَشكُرُ القَلِيلَ، ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَي الثّعبَانِ وَ قَالَ مَا تَقُولُ. قُلتُ الأَمَانَ الأَمَانَ قَد عَلِمتَ أنَيّ لَم أَقُل إِلّا حَقّاً، فَإِذَا قَوسُهُ فِي يَدِهِ وَ لَيسَ هُنَاكَ ثُعبَانٌ وَ لَا شَيءٌ،فَلَم أَزَل أَحذَرُهُ وَ أَخَافُهُ إِلَي يوَميِ هَذَا. قَالَ سَلمَانُ فَضَحِكتُ وَ قُلتُ وَ اللّهِ مَا سَمِعتُ بِمِثلِ هَذِهِ الأُعجُوبَاتِ. قَالَ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ هَذَا مَا رَأَيتُهُ أَنَا بعِيَنيَّ هَاتَينِ، وَ لَو لَا أنَيّ قَد رَفَعتُ الحِشمَةَ فِيمَا بيَنيِ وَ بَينَكَ مَا كُنتُ باِلذّيِ أُخبِرُكَ بِهَذَا. قَالَ سَلمَانُ فَتَجَاهَلتُ عَلَيهِ،فَقُلتُ هَل رَأَيتَ مِنهُ سِحراً غَيرَ مَا أخَبرَتنَيِ بِهِ. قَالَ نَعَم، لَو حَدّثتُكَ لَبَقِيتَ مِنهُ مُتَحَيّراً، وَ لَا تَقُل يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ إِنّ هَذَا السّحرَ هُوَ ألّذِي أَظهَرَهُ، لَا وَ اللّهِ وَ لَكِن هُوَ وِرَاثَةٌ يَرِثُونَهَا. قُلتُ كَيفَ. قَالَ أخَبرَنَيِ أَبِي أَنّهُ رَأَي مِن أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ وَ مِن عَبدِ اللّهِ سِحراً لَم يُسمَع بِمِثلِهِ، وَ ذَكَرَ أَبِي أَنّ أَبَاهُ نُفَيلًا أَخبَرَهُ أَنّهُ رَأَي مِن عَبدِ المُطّلِبِ سِحراً لَم يُسمَع بِمِثلِهِ. قَالَ سَلمَانُ فَقُلتُ حدَثّنيِ بِمَا أَخبَرَكَ بِهِ أَبُوكَ. قَالَ نَعَم،أخَبرَنَيِ أَبِي أَنّهُ خَرَجَ مَعَ أَبِي طَالِبٍ( ع ) فِي سَفَرٍ يُرِيدُونَ الشّامَ
صفحه : 250
مَعَ تُجّارِ قُرَيشٍ تَخرُجُ مِنَ السّنَةِ إِلَي السّنَةِ مَرّةً وَاحِدَةً فَيَجمَعُونَ أَموَالًا كَثِيرَةً، وَ لَم يَكُن فِي العَرَبِ أَتجَرُ مِن قُرَيشٍ، فَلَمّا كَانُوا بِبَعضِ الطّرُقِ إِذَا قَومٌ مِنَ الأَعرَابِ قُطّاعٌ شَاكُونَ فِي السّلَاحِ لَا يُرَي مِنهُم إِلّا الحَدَقُ، فَلَمّا ظَهَرُوا لَنَا هَالَنَا أَمرُهُم وَ فَزِعنَا وَ وَقَعَ الصّيَاحُ فِي القَافِلَةِ، وَ اشتَغَلَ كُلّ إِنسَانٍ بِنَفسِهِ يُرِيدُ أَن يَنجُوَ بِنَفسِهِ فَقَط، وَ دَهَمَنَا أَمرٌ جَلِيلٌ، وَ اجتَمَعنَا وَ عَزَمنَا عَلَي الهَرَبِ،فَمَرَرنَا بأِبَيِ طَالِبٍ وَ هُوَ جَالِسٌ،فَقُلنَا يَا أَبَا طَالِبٍ مَا لَكَ أَ لَا تَرَي مَا قَد دَهَمَنَا فَانجُ بِنَفسِكَ مَعَنَا. فَقَالَ إِلَي أَينَ نَهرَبُ فِي هَذِهِ البرَاَريِ.قُلنَا فَمَا الحِيلَةُ. قَالَ الحِيلَةُ أَن نَدخُلَ هَذِهِ الجَزِيرَةَ فَنُقِيمَ فِيهَا وَ نَجمَعَ أَمتِعَتَنَا وَ دَوَابّنَا وَ أَموَالَنَا فِيهَا. قَالَ فَبَقِينَا مُتَعَجّبِينَ، وَ قُلنَا لَعَلّهُ جُنّ وَ فَزِعَ مِمّا نَزَلَ بِهِ،فَقُلنَا وَيحَكَ وَ لَنَا هُنَا جَزِيرَةٌ قَالَ نَعَم.قُلنَا أَينَ هيَِ. قَالَ انظُرُوا أَمَامَكُم. قَالَ فَنَظَرنَا إِذَا وَ اللّهِ جَزِيرَةٌ عَظِيمَةٌ لَم يَرَ النّاسُ أَعظَمَ مِنهَا وَ لَا أَحصَنَ مِنهَا،فَارتَحَلنَا وَ حَمَلنَا أَمتِعَتَنَا، فَلَمّا قَرِبنَا مِنهَا إِذَا بَينَنَا وَ بَينَهَا وَادٍ عَظِيمٌ مِن مَاءٍ لَا يُمكِنُ أَحَداً أَن يَسلُكَهُ، فَقَالَ وَيحَكُم أَ لَا تَرَونَ هَذَا الطّرِيقَ اليَابِسَ ألّذِي فِي وَسَطِهِ قُلنَا لَا. قَالَ فَانظُرُوا أَمَامَكُم وَ عَن يَمِينِكُم،فَنَظَرنَا فَإِذَا وَ اللّهِ طَرِيقٌ يَابِسٌ سَهلُ المَسلَكِ فَفَرِحنَا، وَ قُلنَا لَقَد مَنّ اللّهُ عَلَينَا بأِبَيِ طَالِبٍ،فَسَلَكَ وَ سَلَكنَا خَلفَهُ حَتّي دَخَلنَا الجَزِيرَةَ فَحَطَطنَا،فَقَامَ أَبُو طَالِبٍ فَخَطّ خَطّاً عَلَي جَمِيعِ القَافِلَةِ، ثُمّ قَالَ يَا قَومُ أَبشِرُوا فَإِنّ القَومَ لَن يَصِلُوا إِلَيكُم وَ لَا أَحَدٌ مِنهُم بِسُوءٍ. قَالَ وَ أَقبَلَتِ الأَعرَابُ يَتَرَاكَضُونَ خَلفَنَا، فَلَمّا انتَهَوا إِلَي الواَديِ إِذَا بَحرٌ عَظِيمٌ قَد حَالَ بَينَهُم وَ بَينَنَا فَبَقُوا مُتَعَجّبِينَ،فَنَظَرَ بَعضُهُم إِلَي بَعضٍ، وَ قَالُوا يَا قَومُ هَل رَأَيتُم قَطّ هَاهُنَا جَزِيرَةً أَو بَحراً.قَالُوا لَا. فَلَمّا كَثُرَ تَعَجّبُهُم قَالَ شَيخٌ مِنهُم قَد مَرّت عَلَيهِ التّجَارِبُ يَا قَومُ أَنَا أَطّلِعُكُم عَلَي بَيَانِ هَذَا الأَمرِ السّاعَةَ.قَالُوا هَاتِ يَا شَيخُ فَإِنّكَ أَقدَمُنَا وَ أَكبَرُنَا سِنّاً وَ أَكثَرُنَا تجاربا[تَجَارِبَ]. قَالَ
صفحه : 251
نَادُوا القَومَ،فَنَادَوهُم،فَقَالُوا مَا تُرِيدُونَ. قَالَ الشّيخُ قُولُوا لَهُم أَ فِيكُم أَحَدٌ مِن وُلدِ عَبدِ المُطّلِبِ فَنَادَوهُم،فَقَالُوا نَعَم،فِينَا أَبُو طَالِبِ بنُ عَبدِ المُطّلِبِ. قَالَ الشّيخُ يَا قَومُ،قَالُوا لَبّيكَ. قَالَ لَا يُمكِنُنَا أَن نَصِلَ إِلَيهِم بِسُوءٍ أَصلًا،فَانصَرِفُوا وَ لَا تَشتَغِلُوا بِهِم،فَوَ اللّهِ مَا فِي أَيدِيكُم مِنهُم قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ،فَقَالُوا قَد خَرِفتَ أَيّهَا الشّيخُ، أَ تَنصَرِفُ عَنهُم وَ تَترُكُ هَذِهِ الأَموَالَ الكَثِيرَةَ وَ الأَمتِعَةَ النّفِيسَةَ مَعَهُم، لَا وَ اللّهِ وَ لَكِن نُحَاصِرُهُم أَو يَخرُجُونَ إِلَينَا فَنَسلُبُهُم. قَالَ الشّيخُ قَدنَصَحتُ لَكُم وَ لكِن لا تُحِبّونَ النّاصِحِينَ،فَاترُكُوا نُصحَكُم وَ ذَرُوا.قَالُوا اسكُت يَا جَاهِلُ فَحَطّوا رَوَاحِلَهُم لِيُحَاصِرُوهُم فَلَمّا حَطّوا أَبصَرَ بَعضُهُم بِالطّرِيقِ اليَابِسِ،فَصَاحَ يَا قَومُ هَاهُنَا طَرِيقٌ يَابِسٌ،فَأَبصَرَ القَومُ كُلّهُمُ الطّرِيقَ اليَابِسَ، وَ فَرِحُوا وَ قَالُوا نَستَرِيحُ سَاعَةً وَ نَعلِفُ دَوَابّنَا ثُمّ نَرتَحِلُ إِلَيهِم فَإِنّهُم لَا يُمكِنُهُم أَن يَتَخَلّصُوا،فَفَعَلُوا، فَلَمّا أَرَادُوا الِارتِحَالَ تَقَدّمَت طَائِفَةٌ مِنهُم إِلَي الطّرِيقِ اليَابِسِ فَلَمّا تَوَسّطُوا غَرِقُوا وَ بقَيَِ الآخَرُونَ يَنظُرُونَ إِلَيهِم فَأَمسَكُوا وَ نَدِمُوا فَاجتَمَعُوا إِلَي الشّيخِ، وَ قَالُوا وَيحَكَ يَا شَيخُ أَلّا أَخبَرتَنَا أَمرَ هَذَا الطّرِيقِ فَإِنّهُ قَد أُغرِقَ فِيهِ خَلقٌ كَثِيرٌ. قَالَ الشّيخُ قَد أَخبَرتُكُم وَ نَصَحتُ لَكُم فخَاَلفَتمُوُنيِ وَ عَصَيتُم أمَريِ حَتّي هَلَكَ مِنكُم مَن هَلَكَ.قَالُوا لَهُ وَ مِن أَينَ عَلِمتَ ذَاكَ يَا شَيخُ. قَالَ وَيحَكُم إِنّا خَرَجنَا مَرّةً قَبلَ هَذَا نُرِيدُ الغَارَةَ عَلَي تِجَارَةِ قُرَيشٍ،فَوَقَعنَا عَلَي القَافِلَةِ فَإِذَا فِيهَا مِنَ الأَموَالِ وَ الأَمتِعَةِ مَا لَا يُحصَي كَثرَةً،فَقُلنَا قَد جَاءَ الغِنَي آخِرَ الأَبَدِ، فَلَمّا أَحَسّوا بِنَا وَ لَم يَكُن بَينَنَا وَ بَينَهُم إِلّا قَدرُ مِيلٍ قَامَ رَجُلٌ مِن وُلدِ عَبدِ المُطّلِبِ يُقَالُ لَهُ عَبدُ اللّهِ، فَقَالَ يَا أَهلَ القَافِلَةِ مَا تَرَونَ.قَالُوا مَا تَرَي، قَد دَهَمَنَا هَذَا الخَيلُ الكَثِيرُ،فَسَلُوهُم أَن يَأخُذُوا مِنّا أَموَالَنَا وَ يُخَلّوا سِربَنَا فَإِنّا إِن نَجَونَا بِأَنفُسِنَا فَقَد فُزنَا. فَقَالَ عَبدُ اللّهِ قُومُوا وَ ارتَحِلُوا فَلَا بَأسَ عَلَيكُم.فَقُلنَا وَيحَكَ وَ قَد قَرُبَ القَومُ وَ إِنِ ارتَحَلنَا وَضَعُوا عَلَينَا السّيُوفَ. فَقَالَ وَيحَكُم إنا[ إِنّ]لَنَا رَبّاً يَمنَعُنَا مِنهُم،
صفحه : 252
وَ هُوَ رَبّ البَيتِ الحَرَامِ وَ الرّكنِ وَ المَقَامِ، وَ مَا استَجَرنَا بِهِ قَطّ إِلّا أَجَارَنَا،فَقُومُوا وَ بَادِرُوا. قَالَ فَقَامَ القَومُ وَ ارتَحَلُوا،فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ سَيراً رُوَيداً، وَ نَحنُ نَتّبِعُهُم بِالرّكضِ الحَثِيثِ وَ السّيرِ الشّدِيدِ فَلَا نَلحَقُهُم، وَ كَثُرَ تَعَجّبُنَا مِن ذَلِكَ، وَ نَظَرَ بَعضُنَا إِلَي بَعضٍ وَ قُلنَا يَا قَومُ هَل رَأَيتُم أَعجَبَ مِن هَذَا إِنّهُم يَسِيرُونَ سَيراً رُوَيداً وَ نَحنُ نَتَرَاكَضُ فَلَا يُمكِنُنَا أَن نَلحَقَهُم،فَمَا زَالَ ذَلِكَ دَأبَنَا وَ دَأبَهُم ثَلَاثَةَ أَيّامٍ وَ لَيَالِيَهَا، كُلّ يَومٍ يَخطُونَ فَيَقُومُ عَبدُ اللّهِ فَيَخُطّ خَطّاً حَولَ القَافِلَةِ وَ يَقُولُ لِأَصحَابِهِ لَا تَخرُجُوا مِنَ الخَطّ فَإِنّهُم لَا يَصِلُونَ إِلَيكُم فنَنَتهَيِ إِلَي الخَطّ فَلَا يُمكِنُنَا أَن نَتَجَاوَزَهُ، فَلَمّا كَانَ بَعدَ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ كُلّ يَومٍ يَسِيرُونَ سَيراً رُوَيداً وَ نَحنُ نَتَرَاكَضُ أَشرَفنَا عَلَي هَلَاكِ أَنفُسِنَا وَ عَطِبَت دَوَابّنَا وَ بَقِينَا لَا حَرَكَةَ بِنَا وَ لَا نُهُوضَ،فَقُلنَا يَا قَومُ هَذَا وَ اللّهِ العَطَبُ وَ الهَلَاكُ،فَمَا تَرَونَ.قَالُوا الرأّيُ الِانصِرَافُ عَنهُم،فَإِنّهُم قَومٌ سَحَرَةٌ. فَقَالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ إِن كَانُوا سَحَرَةً فاَلرأّيُ أَن نَغِيبَ عَن أَبصَارِهِم وَ نُوهِمَهُم أَنّا قَدِ انصَرَفنَا عَنهُم، فَإِذَا ارتَحَلُوا كَرَرنَا عَلَيهِم كَرّةً وَ هَجَمنَا عَلَيهِم فِي مَضِيقٍ.قَالُوا نِعمَ الرأّيُ هَذَا،فَانصَرَفنَا عَنهُم وَ أَوهَمنَاهُم أَنّا قَد يَئِسنَا، فَلَمّا كَانَ مِنَ الغَدِ ارتَحَلُوا وَ مَضَوا فَتَرَكنَاهُم حَتّي استَبطَنُوا وَادِياً فَقُمنَا فَأَسرَجنَا وَ رَكِبنَا حَتّي لَحِقنَاهُم، فَلَمّا أَحَسّوا بِنَا فَزِعُوا إِلَي عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ المُطّلِبِ، وَ قَالُوا قَد لَحِقُونَا. فَقَالَ لَا بَأسَ عَلَيكُم،امضُوا رُوَيداً. قَالَ فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ سَيراً رُوَيداً، وَ نَحنُ نَتَرَاكَضُ وَ نَقتُلُ أَنفُسَنَا وَ دَوَابّنَا حَتّي أَشرَفنَا عَلَي المَوتِ مَعَ دَوَابّنَا، فَلَمّا كَانَ فِي آخِرِ النّهَارِ قَالَ عَبدُ اللّهِ لِأَصحَابِهِ حُطّوا رَوَاحِلَكُم، وَ قَامَ فَخَطّ خَطّاً وَ قَالَ لَا تَخرُجُوا مِنَ الخَطّ فَإِنّهُم لَن يَصِلُوا إِلَيكُم بِمَكرُوهٍ،فَانتَهَينَا إِلَي الخَطّ فَوَ اللّهِ مَا أَمكَنَنَا أَن نَتَجَاوَزَهُ، فَقَالَ بَعضُنَا لِبَعضٍ وَ اللّهِ مَا بقَيَِ إِلّا الهَلَاكُ أَوِ الِانصِرَافُ عَنهُم عَلَي أَن لَا نَعُودَ إِلَيهِم. قَالَ فَانصَرَفنَا عَنهُم فَقَد عَطِبَت دَوَابّنَا وَ هَلَكَت، وَ كَانَت سَفرَةً مَشُومَةً عَلَينَا، فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ الشّيخِ قَالُوا أَلّا أَخبَرتَنَا بِهَذَا
صفحه : 253
الحَدِيثِ فَكُنّا نَنصَرِفُ عَنهُم وَ لَم يَغرَق مِنّا مَن غَرِقَ. قَالَ الشّيخُ قَد أَخبَرتُكُم وَ نَصَحتُ لَكُم، وَ قُلتُ لَكُمُ انصَرِفُوا عَنهُم فَلَيسَ لَكُمُ الوُصُولُ إِلَيهِم، وَ فِيهِم رَجُلٌ مِن وُلدِ عَبدِ المُطّلِبِ، وَ قُلتُم إنِيّ قَد خَرِفتُ وَ ذَهَبَ عقَليِ، فَلَمّا سَمِعَ أَبِي هَذَا الكَلَامَ مِنَ الشّيخِ وَ هُوَ يُحَدّثُ أَصحَابَهُ عَلَي رَأسِ الخُطّةِ نَظَرَ إِلَي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ وَيحَكَ أَ مَا تَسمَعُ مَا يَقُولُ الشّيخُ. قَالَ بَلَي يَا خَطّابُ أَنَا وَ اللّهِ فِي ذَلِكَ اليَومِ مَعَ عَبدِ اللّهِ فِي القَافِلَةِ وَ أَنَا غُلَامٌ صَغِيرٌ، وَ كَانَ هَذَا الشّيخُ عَلَي قَعُودٍ لَهُ، وَ كَانَ شَائِكاً لَا يُرَي مِنهُ إِلّا حَدَقَتُهُ، وَ كَانَت لَهُ جُمّةٌ قَد أَرخَاهَا عَن يَمِينِهِ وَ شِمَالِهِ. فَقَالَ الشّيخُ صَدَقَ وَ اللّهِ كُنتُ يَومَئِذٍ عَلَي قَعُودٍ عَلَيّ ذُؤَابَتَانِ قَد أَرسَلتُهُمَا عَن يمَيِنيِ وَ شمِاَليِ. قَالَ الخَطّابُ فَانصَرِفُوا عَنّا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ ارتَحِلُوا.فَارتَحَلنَا، فَإِذَا لَا جَزِيرَةَ وَ لَا بَحرَ وَ لَا مَاءَ، وَ إِذَا نَحنُ عَلَي الجَادّةِ وَ الطّرِيقِ ألّذِي لَم نَزَلَ نَسلُكُهُ فَسِرنَا وَ تَخَلّصنَا بِسِحرِ أَبِي طَالِبٍ حَتّي وَرَدنَا الشّامَ فَرِحِينَ مُستَبشِرِينَ، وَ حَلَفَ الخَطّابُ أَنّهُ مَرّ بَعدُ بِذَلِكَ المَوضِعِ بِعَينِهِ أَكثَرَ مِن عِشرِينَ مَرّةً إِلَي الشّامِ فَلَم يَرَ جَزِيرَةً وَ لَا بَحراً وَ لَا مَاءً، وَ حَلَفَت قُرَيشٌ عَلَي ذَلِكَ،فَهَل هَذَا يَا سَلمَانُ إِلّا سِحرٌ مُستَمِرّ. قَالَ سَلمَانُ قُلتُ وَ اللّهِ مَا أدَريِ مَا أَقُولُ لَكَ إِلّا أَنّكَ تُورِدُ عَلَيّ عَجَائِبَ مِن أَمرِ بنَيِ هَاشِمٍ. قَالَ نَعَم، يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ هُم أَهلُ بَيتٍ يَتَوَارَثُونَ السّحرَ كَابِراً عَن كَابِرٍ. قَالَ سَلمَانُ فَقُلتُ وَ أَنَا أُرِيدُ أَن أَقطَعَ الحَدِيثَ مَا أَرَي أَنّ هَذَا سِحرٌ. قَالَ سُبحَانَ اللّهِ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ تَرَي كَذَبَ الخَطّابُ وَ أَصحَابُهُ، أَ تَرَاكَ مَا حَدّثتُكَ بِهِ مِمّا عايتنه [عَايَنتُهُ] أَنَا بعِيَنيِ كذب [كَذِباً]. قَالَ سَلمَانُ فَضَحِكتُ،فَقُلتُ وَيلَكَ إِنّكَ لَم تَكذِب وَ لَا كَذَبَ الخَطّابُ
صفحه : 254
وَ أَصحَابُهُ، وَ هَذَا كُلّهُ صِدقٌ وَ حَقّ. فَقَالَ وَ اللّهِ لَا تُفلِح أَبَداً، وَ كَيفَ تُفلِحُ وَ قَد سَحَرَكَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ. قُلتُ فَاترُك هَذَا .. مَا تَقُولُ فِي فَكّ الرّقَبَةِ وَ المَالِ ألّذِي وَافَاكَ مِن خُرَاسَانَ. قَالَ وَيحَكَ يمُكنِنُيِ أَن أعَصيَِ هَذَا السّاحِرَ فِي شَيءٍ يأَمرُنُيِ بِهِ نَعَم أَفُكّهَا عَلَي رَغمٍ منِيّ وَ أَوجَهَ بِالمَالِ إِلَيهِ. قَالَ سَلمَانُ فَانصَرَفتُ مِن عِندِهِ، فَلَمّا بَصُرَ بيِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ يَا سَلمَانُ طَالَ حَدِيثُكُمَا. قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ حدَثّنَيِ بِالعَجَائِبِ مِن أَمرِ الخَطّابِ وَ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ نَعَم يَا سَلمَانُ قَد عَلِمتُ ذَلِكَ وَ سَمِعتُ جَمِيعَ مَا جَرَي بَينَكُمَا، وَ مَا قَالَ لَكَ أَيضاً إِنّكَ لَا تُفلِحُ. قَالَ سَلمَانُ وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ مَا حَضَرَ الكَلَامَ غيَريِ وَ غَيرُهُ،فأَخَبرَنَيِ موَلاَيَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِجَمِيعِ مَا جَرَي بيَنيِ وَ بَينَهُ. ثُمّ قَالَ يَا سَلمَانُ عُد إِلَيهِ فَخُذ مِنهُ المَالَ وَ أَحضِر فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ فَرّقهُ إِلَيهِم.
بيان القعود بالفتح من البعير ألّذي يقتعده الراّعي في كلّ حاجة، و هذاالخبر و إن كان غريبا غيرمذكور في الكتب المعتبرة،لكن لمّا وجدناه في أصل عتيق أخرجناه .
115-كنز روُيَِ عَن مُحَمّدِ بنِ جُمهُورٍ، عَن فَضَالَةَ، عَن أَيّوبَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ، عَن مُيَسّرٍ، عَن بَعضِ آلِ مُحَمّدٍ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم فِي قَولِهِوَ لَقَد
صفحه : 255
خَلَقنَا الإِنسانَ وَ نَعلَمُ ما تُوَسوِسُ بِهِ نَفسُهُ، قَالَ هُوَ الأَوّلُ. وَقالَ قَرِينُهُ رَبّنا ما أَطغَيتُهُ وَ لكِن كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ، قَالَ هُوَ زُفَرُ، وَ هَذِهِ الآيَاتُ إِلَي قَولِهِيَومَ نَقُولُ لِجَهَنّمَ هَلِ امتَلَأتِ وَ تَقُولُ هَل مِن مَزِيدٍفِيهِمَا وَ فِي أَتبَاعِهِمَا، وَ كَانُوا أَحَقّ بِهَا وَ أَهلَهَا.
116-كنز رَوَي بِحَذفِ الإِسنَادِ مَرفُوعاً إِلَي أَبِي حَمزَةَ الثمّاَليِّ، قَالَ قُلتُ لمِوَلاَيَ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ أَسأَلُكَ عَن شَيءٍ تنَفيِ بِهِ عنَيّ مَا خَامَرَ نفَسيِ. قَالَ ذَاكَ إِلَيكَ. قُلتُ أَسأَلُكَ عَنِ الأَوّلِ وَ الثاّنيِ. فَقَالَ عَلَيهِمَا لَعَائِنُ اللّهِ،كِلَاهُمَا مَضَيَا وَ اللّهِ مُشرِكَينِ كَافِرَينِ بِاللّهِ العَظِيمِ. قُلتُ يَا موَلاَيَ وَ الأَئِمّةُ مِنكُم يُحيُونَ المَوتَي وَ يُبرِئُونَ الأَكمَهَ وَ الأَبرَصَ وَ يَمشُونَ عَلَي المَاءِ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا أَعطَي اللّهُ نَبِيّاً شَيئاً إِلّا أَعطَي مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِثلَهُ، وَ أَعطَاهُ مَا لَم يُعطِهِم وَ مَا لَم يَكُن عِندَهُم، وَ كُلّ مَا كَانَ عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَد أَعطَاهُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ ثُمّ الحَسَنَ ثُمّ الحُسَينَ عَلَيهِمَا السّلَامُ ثُمّ إِمَاماً بَعدَ إِمَامٍ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ، مَعَ الزّيَادَةِ التّيِ تَحدُثُ فِي كُلّ سَنَةٍ، وَ فِي كُلّ شَهرٍ، وَ فِي كُلّ يَومٍ.
صفحه : 256
117-كنز مُحَمّدُ بنُ العَبّاسِ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ مَالِكٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ مِهرَانَ، عَن سَعِيدِ بنِ عُثمَانَ، عَن دَاوُدَ الرقّيّّ، قَالَ سَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ عَن قَولِهِ تَعَالَيالشّمسُ وَ القَمَرُ بِحُسبانٍ. قَالَ إِنّ الشّمسَ وَ القَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللّهِ يَجرِيَانِ بِأَمرِهِ، ثُمّ إِنّ اللّهَ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِمَن وَثَبَ عَلَينَا وَ هَتَكَ حُرمَتَنَا وَ ظَلَمَنَا حَقّنَا، فَقَالَ هُمَا بِحُسبَانٍ، قَالَ هُمَا فِي عذَاَبيِ.
إيضاح بحسبان .. قال المفسّرون أي يجريان بحساب مقدّر معلوم في بروجهما ومنازلهما. و قال في القاموس الحسبان بالضم جمع الحساب والعذاب والبلاء والشّرّ،فالتعبير عنهما بالشمس والقمر علي زعم أتباعهما أو علي التهكّم.
118- وَ يُؤَيّدُهُ مَا رَوَاهُ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ فِي تَفسِيرِهِ، عَن أَبِيهِ، عَنِ الحُسَينِ بنِ خَالِدٍ، عَنِ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِ تَعَالَيالرّحمنُ عَلّمَ القُرآنَ قَالَ اللّهُ عَلّمَ مُحَمّداً القُرآنَ. قُلتُخَلَقَ الإِنسانَ. قَالَ ذَلِكَ أَمِيرُ
صفحه : 257
المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ. قُلتُعَلّمَهُ البَيانَ. قَالَ عَلّمَهُ بَيَانَ كُلّ شَيءٍ يَحتَاجُ النّاسُ إِلَيهِ. قُلتُالشّمسُ وَ القَمَرُ بِحُسبانٍ. قَالَ هُمَا بِعَذَابِ اللّهِ. قُلتُ الشّمسُ وَ القَمَرُ يُعَذّبَانِ. قَالَ سَأَلتَ عَن شَيءٍ فَأَيقِنهُ، إِنّ الشّمسَ وَ القَمَرَ آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللّهِ يَجرِيَانِ بِأَمرِهِ مُطِيعَانِ لَهُ،ضَوؤُهُمَا مِن نُورِ عَرشِهِ وَ حَرّهُمَا مِن جَهَنّمَ، فَإِذَا كَانَتِ القِيَامَةُ عادا[عَادَ] إِلَي العَرشِ نُورُهُمَا وَ عَادَ إِلَي النّارِ حَرّهُمَا، فَلَا يَكُونُ شَمسٌ وَ لَا قَمَرٌ، وَ إِنّمَا عَنَاهُمَا، أَ وَ لَيسَ قَد رَوَي النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ إِنّ الشّمسَ وَ القَمَرَ نُورَانِ فِي النّارِ. قُلتُ بَلَي. قَالَ أَ مَا سَمِعتَ قَولَ النّاسِ .. فُلَانٌ وَ فُلَانٌ شَمسُ هَذِهِ الأُمّةِ وَ نُورُهَا فَهُمَا فِي النّارِ. قُلتُ بَلَي. قَالَ وَ اللّهِ مَا عَنَي غَيرَهُمَا .. إِلَي آخِرِ الخَبَرِ كَمَا سيَأَتيِ.
119-كنز فِي رِوَايَةِ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ الحَكَمِ، عَنِ ابنِ عَمِيرَةَ، عَنِ ابنِ فَرقَدٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِ تَعَالَيوَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا
صفحه : 258
لِلّذِينَ آمَنُوا امرَأَتَ فِرعَونَ... الآيَةَ. فَقَالَ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللّهُ لِرُقَيّةَ بِنتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ التّيِ تَزَوّجَهَا عُثمَانُ بنُ عَفّانَ. قَالَ وَ قَولُهُوَ نجَنّيِ مِن فِرعَونَ وَ عَمَلِهِ.يعَنيِ مِنَ الثّالِثِ وَ عَمَلِهِ. وَ قَولُهُوَ نجَنّيِ مِنَ القَومِ الظّالِمِينَ.يعَنيِ بنَيِ أُمَيّةَ.
120-كنز روُيَِ عَن مُحَمّدِ بنِ جُمهُورٍ، عَن حَمّادِ بنِ عِيسَي، عَنِ الحُسَينِ بنِ مُختَارٍ، عَنهُم عَلَيهِمُ السّلَامُ فِي قَولِهِ تَعَالَيوَ لا تُطِع كُلّ حَلّافٍ مَهِينٍ،الثاّنيِ.هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنّاعٍ لِلخَيرِ مُعتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلّ بَعدَ ذلِكَ زَنِيمٍ، قَالَ العُتُلّ الكَافِرُ العَظِيمُ الكُفرِ، وَ الزّنِيمُ وَلَدُ الزّنَا.
121-كنز مُحَمّدُ بنُ البرَقيِّ، عَنِ الأحَمسَيِّ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ ..مِثلَهُ، إِلّا أَنّهُ زَادَ فِيهِ وَ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَقرَأُفَسَتُبصِرُ وَ يُبصِرُونَ بِأَيّكُمُ المَفتُونُ،فَلَقِيَهُ الثاّنيِ، فَقَالَ لَهُ تُعَرّضُ بيِ وَ بصِاَحبِيِ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ لَم يَعتَذِر إِلَيهِ أَلَا أُخبِرُكَ بِمَا
صفحه : 259
نَزَلَ فِي بنَيِ أُمَيّةَ نَزَلَ فِيهِمفَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلّيتُم... الآيَةَ، قَالَ فَكَذّبَهُ، وَ قَالَ هُم خَيرٌ مِنكُم، وَ أَوصَلُ لِلرّحِمِ.
122-كنز مُحَمّدُ بنُ العَبّاسِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ أَحمَدَ الماَلكِيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي، عَن يُونُسَ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سِنَانٍ، عَنِ الحُسَينِ الجَمّالِ، قَالَ حَمَلتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ المَدِينَةِ إِلَي مَكّةَ، فَلَمّا بَلَغَ غَدِيرَ خُمّ نَظَرَ إلِيَّ وَ قَالَ هَذَا مَوضِعُ قَدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حِينَ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ قَالَ مَن كُنتُ مَولَاهُ فعَلَيِّ مَولَاهُ، وَ كَانَ عَن يَمِينِ الفُسطَاطِ أَربَعَةُ نَفَرٍ مِن قُرَيشٍ سَمّاهُم لِي، فَلَمّا نَظَرُوا إِلَيهِ وَ قَد رَفَعَ يَدَهُ حَتّي بَانَ بَيَاضُ إِبتَيهِ، قَالَ انظُرُوا إِلَي عَينَيهِ قَدِ انقَلَبَتَا كَأَنّهُمَا عَينَا مَجنُونٍ،فَأَتَاهُ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ اقرَأوَ إِن يَكادُ الّذِينَ كَفَرُوا... الآيَةَ، وَ الذّكرُ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ.فَقُلتُ الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي أسَمعَنَيِ هَذَا مِنكَ. فَقَالَ لَو لَا أَنّكَ جمَاّليِ لَمَا حَدّثتُكَ بِهَذَا،لِأَنّكَ لَا تُصَدّقَ إِذَا رَوَيتَ عنَيّ.
بيان أي لايصدّقك الناس لأنّهم لايعتمدون علي كلام الجمّالين، أولأنّه
صفحه : 260
كثيرا مايقع بين الجمال وراكبه نزاع ، ويؤيّد الأول أنّ في بعض النسخ جمال بدون الياء.
123-كنز مُحَمّدٌ، عَنِ البرَقيِّ، عَن سَيفِ بنِ عَمِيرَةَ، عَن أَخِيهِ، عَن مَنصُورِ بنِ حَازِمٍ، عَن حُمرَانَ، قَالَ سَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقرَأُ هَذِهِ الآيَةَوَ جاءَ فِرعَونُيعَنيِ الثّالِثَ،وَ مَن قَبلَهُالأوليين [الأَوّلَانِ]،وَ المُؤتَفِكاتُ أَهلُ البَصرَةِ،بِالخاطِئَةِالحُمَيرَاءُ.
124- وَ بِالإِسنَادِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَهُ، قَالَ وَ جاءَ فِرعَونُيعَنيِ الثّالِثَوَ مَن قَبلَهُيعَنيِ الأَوّلَينِبِالخاطِئَةِيعَنيِ عَائِشَةَ.
بيان قال المؤلّف(رحمه اللّه)فمعني قوله وَ جاءَ فِرعَونُ وَ مَن قَبلَهُ
صفحه : 261
وَ المُؤتَفِكاتُ بِالخاطِئَةِ في أقوالها وأفعالها، و في كلّ خطإ وقع فإنّه منسوب إليها، وكيف جاءا بها،بمعني أنّهم وثبوها وسنّوا لها الخلاف لمولاها ووزر ذلك عليهم وفعل من تابعها إلي يوم القيامة. و قوله والمؤتفكات أهل البصرة،فقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لأهل البصرة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاث مرّات، و علي اللّه تمام الرابعة. ومعني ائتفكت بأهلها .. أي خسفت بهم .
125-كنز فِي تَفسِيرِ أَهلِ البَيتِ عَلَيهِمُ السّلَامُ فِي قَولِهِ تَعَالَيفَالمُلقِياتِ ذِكراً قَالَ هيَِ المَلَائِكَةُ تلُقيِ الذّكرَ عَلَي الرّسُولِ وَ الإِمَامِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، وَ فِي قَولِهِ عَزّ وَ جَلّأَ لَم نُهلِكِ الأَوّلِينَ ثُمّ نُتبِعُهُمُ الآخِرِينَ(14) قَالَنُهلِكِ الأَوّلِينَ.. أَيِ الأُمَمَ المَاضِيَةَ قَبلَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ
صفحه : 262
وَ آلِهِ،ثُمّ نُتبِعُهُمُ الآخِرِينَالّذِينَ خَالَفُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِكَذلِكَ نَفعَلُ بِالمُجرِمِينَيعَنيِ بنَيِ أُمَيّةَ وَ بنَيِ فُلَانٍ.
126- وَ رَوَي بِحَذفِ الإِسنَادِ مَرفُوعاً إِلَي العَبّاسِ بنِ إِسمَاعِيلَ، عَن أَبِي الحَسَنِ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ يعَنيِ الأَوّلَ وَ الثاّنيَِ،ثُمّ نُتبِعُهُمُ الآخِرِينَ قَالَ الثّالِثَ وَ الرّابِعَ وَ الخَامِسَ،كَذلِكَ نَفعَلُ بِالمُجرِمِينَ مِن بنَيِ أُمَيّةَ، وَ قَولُهُوَيلٌ يَومَئِذٍ لِلمُكَذّبِينَبِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ الأَئِمّةِ عَلَيهِمُ السّلَامُ.
127-كنز مُحَمّدُ بنُ العَبّاسِ، عَن مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ سَيّارٍ، عَن بَعضِ أَصحَابِنَا مَرفُوعاً إِلَي أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ إِذَا لَاذَ النّاسُ مِنَ العَطَشِ قِيلَ لَهُمانطَلِقُوا إِلي ما كُنتُم بِهِ تُكَذّبُونَيعَنيِ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَيَقُولُ لَهُمانطَلِقُوا إِلي ظِلّ ذيِ ثَلاثِ شُعَبٍ، قَالَ يعَنيِ الثّلَاثَةَ،فُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ.
صفحه : 263
قال المؤلّف(رحمه اللّه)معني هذاالتأويل أنّ أعداء آل محمّد صلوات اللّه عليهم يوم القيامة يأخذهم العطش فيطلبون منه الماء،فيقول لهم انطَلِقُوا إِلي ظِلّ ذيِ ثَلاثِ شُعَبٍ، ويعني بالظلّ هنا ظلم أهل البيت عليهم السلام ، ولهذا الظلّ ثلاث شعب ،لكلّ شعبة منها راية، وهم أصحاب الرايات الثلاث ، وهم أئمّة الضلال ، ولكلّ راية منهنّ ظلّ يستظلّ به أهله ، ثم أوضح لهم الحال ، فقال إنّ هذاالظلّ المشار إليه لا ظَلِيلٍيظلّكم و لايغنيكم مِنَ اللّهَبِ.. أي العطش ،بل يزيدكم عطشا، وإنّما يقال لهم هذااستهزاء بهم وإهانة لهم ،وَ كانُوا أَحَقّ بِها وَ أَهلَها.
128-كا الحُسَينُ بنُ مُحَمّدٍ، عَن مُعَلّي بنِ مُحَمّدٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ أُورَمَةَ وَ عَلِيّ بنِ عَبدِ اللّهِ، عَن عَلِيّ بنِ حَسّانَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ كَثِيرٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، فِي قَولِ اللّهِ تَعَالَيإِنّ الّذِينَ ارتَدّوا عَلي أَدبارِهِم مِن بَعدِ ما تَبَيّنَ لَهُمُ الهُدَيفُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ .. وَ فُلَانٌ ارتَدّوا عَنِ الإِيمَانِ فِي تَركِ وَلَايَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ. قُلتُ قَولُهُ تَعَالَيذلِكَ بِأَنّهُم قالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ سَنُطِيعُكُم
صفحه : 264
فِي بَعضِ الأَمرِ قَالَ نَزَلَت وَ اللّهِ فِيهِمَا وَ فِي أَتبَاعِهِمَا، وَ هُوَ قَولُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ ألّذِي نَزَلَ بِهِ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِذلِكَ بِأَنّهُم قالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ فِي عَلِيّسَنُطِيعُكُم فِي بَعضِ الأَمرِ قَالَ دَعَوا بنَيِ أُمَيّةَ إِلَي مِيثَاقِهِم أَلّا يُصَيّرُوا الأَمرَ فِينَا بَعدَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَا يُعطُونَا مِنَ الخُمُسِ شَيئاً، وَ قَالُوا إِن أَعطَينَاهُم إِيّاهُ لَم يَحتَاجُوا إِلَي شَيءٍ، وَ لَم يُبَالُوا أَن لَا يَكُونَ الأَمرُ فِيهِم،فَقَالُواسَنُطِيعُكُم فِي بَعضِ الأَمرِ ألّذِي دَعَوتُمُونَا إِلَيهِ وَ هُوَ الخُمُسُ أَن لَا نُعطِيَهُم مِنهُ شَيئاً، وَ قَولُهُكَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ وَ ألّذِي نَزّلَ اللّهُ مَا افتَرَضَ عَلَي خَلقِهِ مِن وَلَايَةِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ كَانَ مَعَهُم أَبُو عُبَيدَةَ وَ كَانَ كَاتِبَهُم،فَأَنزَلَ اللّهُأَم أَبرَمُوا أَمراً فَإِنّا مُبرِمُونَ أَم يَحسَبُونَ أَنّا لا نَسمَعُ سِرّهُم وَ نَجواهُم... الآيَةَ.
بيان ظاهر السياق أنّ فاعل قالوا الضمير الراجع إلي الذين ارتدّوا،فلو فسّرنا الكنايات الثلاث الأُوَلَ بأبي بكر وعمر وعثمان كما هوظاهر لايستقيم النظام ، ويمكن توجيهه بوجهين الأول أن يكون المراد بالكنايات بعض بني أميّة كعثمان و أبي سفيان ومعاوية،فالمراد ب(الذين كَرِهُوا ما نَزّلَ اللّهُ) أبوبكر وأخواه .الثاني أن يكون المراد بالكنايات أبابكر وعمر و أباعبيدة، وضمير(قالُوا)راجعا إلي بني أميّة، والمراد ب(الذين كرهوا)الذين ارتدّوا،فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر، ويؤيّد هذاعدم وجود الكناية الثالثة في بعض النسخ .
129-كا بِالإِسنَادِ المُتَقَدّمِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُوَ مَن يُرِد
صفحه : 265
فِيهِ بِإِلحادٍ بِظُلمٍ قَالَ نَزَلَت فِيهِم،حَيثُ دَخَلُوا الكَعبَةَ فَتَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلَي كُفرِهِم وَ جُحُودِهِم بِمَا نَزَلَ فِي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ،فَأَلحَدُوا فِي البَيتِ بِظُلمِهِمُ الرّسُولَ وَ وَلِيّهُفَبُعداً لِلقَومِ الظّالِمِينَ.
130-يب الحُسَينُ بنُ سَعِيدٍ، عَنِ النّضرِ، عَنِ ابنِ سِنَانٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ أَخّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَيلَةً مِنَ الليّاَليِ العِشَاءَ الآخِرَةَ مَا شَاءَ اللّهُ،فَجَاءَ عُمَرُ فَدَقّ البَابَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص )نَامَ النّسَاءُ،نَامَ الصّبيَانُ،فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ لَيسَ لَكُم أَن تؤُذوُنيِ وَ لَا تأَمرُوُنيِ،إِنّمَا عَلَيكُم أَن تَسمَعُوا وَ تُطِيعُوا.
131-كا الحُسَينُ بنُ مُحَمّدٍ، عَنِ المُعَلّي، عَنِ الوَشّاءِ، عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ أَبِي عَبدِ اللّهِ، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ اللّهَ عَزّ ذِكرُهُ مَنّ عَلَينَا بِأَن عَرّفَنَا تَوحِيدَهُ، ثُمّ مَنّ عَلَينَا بِأَن أَقرَرنَا بِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالرّسَالَةِ، ثُمّ اختَصّنَا بِحُبّكُم أَهلَ البَيتِ( ع )نَتَوَلّاكُم وَ نَتَبَرّأُ مِن عَدُوّكُم، وَ إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ بِذَلِكَ خَلَاصَ أَنفُسِنَا مِنَ النّارِ. قَالَ وَ رَقَقتُ وَ بَكَيتُ. فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ سلَنيِ،فَوَ اللّهِ لَا تسَألَنُيِ عَن شَيءٍ إِلّا أَخبَرتُكَ بِهِ. قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبدُ المَلِكِ بنُ أَعيَنَ مَا سَمِعتُهُ قَالَهَا لِمَخلُوقٍ قَبلَكَ، قَالَ قُلتُ خبَرّنيِ عَنِ الرّجُلَينِ.
صفحه : 266
قَالَ فَقَالَ ظَلَمَانَا حَقّنَا فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ مَنَعَا فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مِيرَاثَهَا مِن أَبِيهَا، وَ جَرَي ظُلمُهُمَا إِلَي اليَومِ، قَالَ وَ أَشَارَ إِلَي خَلفِهِ وَ نَبَذَا كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمَا.
132-كا وَ بِهَذَا الإِسنَادِ، عَن أَبَانٍ، عَن عُقبَةَ بنِ بَشِيرٍ الأسَدَيِّ، عَنِ الكُمَيتِ بنِ زَيدٍ الأسَدَيِّ، قَالَ دَخَلتُ عَلَي أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ وَ اللّهِ يَا كُمَيتُ لَو كَانَ عِندَنَا مَالٌ لَأَعطَينَاكَ مِنهُ، وَ لَكِن لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِحَسّانَ بنِ ثَابِتٍ لَن يَزَالَ مَعَكَ رُوحُ القُدُسِ مَا ذَبَبتَ عَنّا، قَالَ قُلتُ خبَرّنيِ عَنِ الرّجُلَينِ. قَالَ فَأَخَذَ الوِسَادَةَ فَكَسَرَهَا فِي صَدرِهِ ثُمّ قَالَ وَ اللّهِ يَا كُمَيتُ مَا أُهرِيقَ مِحجَمَةٌ مِن دَمٍ، وَ لَا أُخِذَ مَالٌ مِن غَيرِ حِلّهِ، وَ لَا قُلِبَ حَجَرٌ عَن حَجَرٍ إِلّا ذَاكَ فِي أَعنَاقِهِمَا.
133-كا وَ بِهَذَا الإِسنَادِ، عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ، عَنِ الحَارِثِ النضّريِّ، قَالَسَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّالّذِينَ بَدّلُوا نِعمَتَ اللّهِ كُفراً قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي ذَلِكَ. قُلتُ نَقُولُ هُمُ الأَفجَرَانِ مِن قُرَيشٍ،بَنُو أُمَيّةَ وَ بَنُو المُغِيرَةِ. قَالَ ثُمّ قَالَ هيَِ وَ اللّهِ قُرَيشٌ قَاطِبَةً، إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي خَاطَبَ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ إنِيّ فَضّلتُ قُرَيشاً عَلَي
صفحه : 267
العَرَبِ، وَ أَتمَمتُ عَلَيهِم نعِمتَيِ، وَ بَعَثتُ إِلَيهِم رسَوُليِ فَبَدّلُوا نعِمتَيِ كُفراًوَ أَحَلّوا قَومَهُم دارَ البَوارِ.
134-كا عَلِيّ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سِنَانٍ، قَالَ سَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ كَانَتِ امرَأَةٌ مِنَ الأَنصَارِ تَوَدّنَا أَهلَ البَيتِ وَ تُكثِرُ التّعَاهُدَ لَنَا، وَ إِنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ لَقِيَهَا ذَاتَ يَومٍ وَ هيَِ تُرِيدُنَا، فَقَالَ لَهَا أَينَ تَذهَبِينَ يَا عَجُوزَ الأَنصَارِ.فَقَالَت أَذهَبُ إِلَي آلِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أُسَلّمُ عَلَيهِم وَ أُجَدّدُ بِهِم عَهداً، وَ أقَضيِ حَقّهُم. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ وَيلَكِ لَيسَ لَهُمُ اليَومَ حَقّ عَلَيكِ وَ لَا عَلَينَا،إِنّمَا كَانَ لَهُم حَقّ عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَمّا اليَومَ فَلَيسَ لَهُم حَقّ،فاَنصرَفِيِ.فَانصَرَفَت حَتّي أَتَت أُمّ سَلَمَةَ،فَقَالَت لَهَا أُمّ سَلَمَةَ مَا ذَا أَبطَأَ بِكِ عَنّا.فَقَالَت إنِيّ لَقِيتُ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ .. فَأَخبَرَتهَا بِمَا قَالَت لِعُمَرَ وَ مَا قَالَ لَهَا عُمَرُ،فَقَالَت لَهَا أُمّ سَلَمَةَ كَذَبَ، لَا يَزَالُ حَقّ آلِ مُحَمّدٍ وَاجِباً عَلَي المُسلِمِينَ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.
135-كا حُمَيدٌ، عَنِ ابنِ سَمَاعَةَ، عَن غَيرِ وَاحِدٍ، عَن أَبَانٍ، عَنِ الفُضَيلِ بنِ الزّبَيرِ، عَن فَروَةَ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَذَاكَرتُهُ شَيئاً
صفحه : 268
مِن أَمرِهِمَا، فَقَالَ ضَرَبُوكُم عَلَي دَمِ عُثمَانَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَ هُم يَعلَمُونَ أَنّهُ كَانَ ظَالِماً،فَكَيفَ يَا فَروَةُ إِذَا ذَكَرتُم صَنَمَيهِم.
136-كا مُحَمّدُ بنُ يَحيَي، عَنِ ابنِ عِيسَي، عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ، عَن هِشَامِ بنِ سَالِمٍ، عَن عَمّارٍ الساّباَطيِّ، قَالَ سَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّوَ إِذا مَسّ الإِنسانَ ضُرّ دَعا رَبّهُ مُنِيباً إِلَيهِ قَالَ نَزَلَت فِي أَبِي الفَصِيلِ،إِنّهُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عِندَهُ سَاحِراً،فَكَانَ إِذَا مَسّهُ الضّرّ يعَنيِ السّقمَ دَعَا رَبّهُ مُنِيباً إِلَيهِ يعَنيِ تَائِباً إِلَيهِ مِن قَولِهِ فِي رَسُولِ اللّه صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا يَقُولُثُمّ إِذا خَوّلَهُ نِعمَةً مِنهُيعَنيِ العَافِيَةَنسَيَِ ما كانَ يَدعُوا إِلَيهِيعَنيِ نسَيَِ التّوبَةَ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ مِمّا كَانَ يَقُولُ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّهُ سَاحِرٌ، وَ لِذَلِكَ قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّقُل تَمَتّع بِكُفرِكَ قَلِيلًا إِنّكَ مِن أَصحابِ النّارِيعَنيِ إِمرَتُكَ عَلَي النّاسِ بِغَيرِ حَقّ مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ مِن رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ ثُمّ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ ثُمّ عَطَفَ القَولَ مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يُخبِرُ بِحَالِهِ وَ فَضلِهِ عِندَ اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي، فَقَالَأَمّن هُوَ قانِتٌ آناءَ اللّيلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحذَرُ الآخِرَةَ وَ يَرجُوا رَحمَةَ رَبّهِ قُل هَل يسَتوَيِ الّذِينَ يَعلَمُونَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِوَ الّذِينَ لا يَعلَمُونَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، و[بَل يَقُولُونَ]إِنّهُ سَاحِرٌ كَذّابٌإِنّما يَتَذَكّرُ أُولُوا الأَلبابِ قَالَ ثُمّ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ هَذَا تَأوِيلُهُ يَا عَمّارُ.
صفحه : 269
137-كا عَلِيّ، عَن أَبِيهِ، عَن حَنَانٍ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ .. إِنّ الشّيخَينِ فَارَقَا الدّنيَا وَ لَم يَتُوبَا، وَ لَم يَذّكّرَا مَا صَنَعَا بِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ،فَعَلَيهِمَالَعنَةُ اللّهِ وَ المَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجمَعِينَ.
138- وَ بِهَذَا الإِسنَادِ، قَالَ سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَنهُمَا، فَقَالَ يَا أَبَا الفَضلِ مَا تسَألَنُيِ عَنهُمَا فَوَ اللّهِ مَا مَاتَ مِنّا مَيّتٌ قَطّ إِلّا سَاخِطاً عَلَيهِمَا، وَ مَا مِنّا اليَومَ إِلّا سَاخِطاً عَلَيهِمَا يوُصيِ بِذَلِكَ الكَبِيرُ مِنّا الصّغِيرَ،أَنّهُمَا ظَلَمَانَا حَقّنَا، وَ مَنَعَانَا فَيئَنَا، وَ كَانَا أَوّلَ مَن رَكِبَ أَعنَاقَنَا، وَ بَثَقَا عَلَينَا بَثقاً فِي الإِسلَامِ لَا يُسكَرُ أَبَداً حَتّي يَقُومَ قَائِمُنَا أَو يَتَكَلّمَ مُتَكَلّمُنَا. ثُمّ قَالَ أَمَا وَ اللّهِ لَو قَد قَامَ قَائِمُنَا وَ تَكَلّمَ مُتَكَلّمُنَا لَأَبدَي مِن أُمُورِهِمَا مَا كَانَ يُكتَمُ، وَ لَكَتَمَ مِن أُمُورِهِمَا مَا كَانَ يُظهَرُ، وَ اللّهِ مَا أُسّسَت مِن بَلِيّةٍ وَ لَا قَضِيّةٍ تجَريِ عَلَينَا أَهلَ البَيتِ إِلّا هُمَا أَسّسَا أَوّلَهَا،فَعَلَيهِمَالَعنَةُ اللّهِ وَ المَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجمَعِينَ.
صفحه : 270
بيان وثبق [بثق ]السّيلُ موضعَ كذا كَنَصَرَ ثبقاً[بثقاً]بالفتح والكسر .. أي خرقه وشقّه،فانبثق .. أي انفجر. وسَكَرتُ النّهرَ سكراً سَدَدتُهُ.
139-كا مُحَمّدُ بنُ أَحمَدَ القمُيّّ، عَن عَمّهِ عَبدِ اللّهِ بنِ الصّلتِ، عَن يُونُسَ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سِنَانٍ، عَن حُسَينٍ الجَمّالِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، فِي قَولِ اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيرَبّنا أَرِنَا الّذَينِ أَضَلّانا مِنَ الجِنّ وَ الإِنسِ نَجعَلهُما تَحتَ أَقدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأَسفَلِينَ قَالَ هُمَا، ثُمّ قَالَ وَ كَانَ فُلَانٌ شَيطَاناً.
بيان إنّ المراد بفلان عمر .. أي الجنّ المذكور في الآية عمر، وإنّما كنّي به عنه لأنّه كان شيطانا،إمّا لأنّه كان شرك شيطان لكونه ولد زنا، أولأنّه كان في المكر والخديعة كالشيطان ، و علي الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان أبابكر.
140-كا بِالإِسنَادِ، عَن يُونُسَ، عَن سَورَةَ بنِ كُلَيبٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِ اللّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيرَبّنا أَرِنَا الّذَينِ أَضَلّانا مِنَ الجِنّ
صفحه : 271
وَ الإِنسِ نَجعَلهُما تَحتَ أَقدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأَسفَلِينَ قَالَ يَا سَورَةُ هُمَا وَ اللّهِ هُمَا .. ثَلَاثاً، وَ اللّهِ يَا سَورَةُ إِنّا لَخُزّانُ عِلمِ اللّهِ فِي السّمَاءِ وَ إِنّا لَخُزّانُ عِلمِ اللّهِ فِي الأَرضِ.
141-كا مُحَمّدُ بنُ يَحيَي، عَنِ ابنِ عِيسَي، عَنِ الحُسَينِ بنِ سَعِيدٍ، عَن سُلَيمَانَ الجعَفرَيِّ، قَالَ سَمِعتُ أَبَا الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ فِي قَولِ اللّهِ تَبَارَكَإِذ يُبَيّتُونَ ما لا يَرضي مِنَ القَولِ قَالَ يعَنيِ فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ أَبَا عُبَيدَةَ بنَ الجَرّاحِ.
بيان بيّت أمرا .. أي دبّره ليلا.
142-كا عَلِيّ، عَن أَبِيهِ، عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ وَ غَيرِهِ، عَن مَنصُورِ بنِ يُونُسَ، عَنِ ابنِ أُذَينَةَ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ النجّاَشيِّ، قَالَسَمِعتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ فِي قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّأُولئِكَ الّذِينَ يَعلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِم فَأَعرِض عَنهُم وَ عِظهُم وَ قُل لَهُم فِي أَنفُسِهِم قَولًا بَلِيغاًيعَنيِ وَ اللّهِ فُلَاناً وَ فُلَاناً،وَ ما أَرسَلنا مِن رَسُولٍ إِلّا لِيُطاعَ بِإِذنِ اللّهِ وَ لَو أَنّهُم إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم جاؤُكَ فَاستَغفَرُوا اللّهَ وَ استَغفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماًيعَنيِ وَ اللّهِ
صفحه : 272
النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ،مِمّا صَنَعُوا،يعَنيِ لَو جَاءُوكَ بِهَا يَا عَلِيّفَاستَغفَرُوا اللّهَمِمّا صَنَعُواوَ استَغفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً،فَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّي يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم فَقَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ هُوَ وَ اللّهِ عَلِيّ بِعَينِهِثُمّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ عَلَي لِسَانِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ،يعَنيِ بِهِ مِن وَلَايَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،وَ يُسَلّمُوا تَسلِيماًلعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ.
تبيان قوله تعالي فَأَعرِض عَنهُم.. أي عن عقابهم لمصلحة في استبقائهم ، أو عن قبول معذرتهم ، و في بعض النسخ و ماأرسلناك رسولا إلّا لتطاع .. فتكون قراءتهم عليهم السلام هكذا. قوله عليه السلام يعني و اللّه النبيّ(ص ).. أي المراد بالرسول في قوله تعالي وَ استَغفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، والمخاطب في قوله جاؤك ، عليّ عليه السلام ، و لو كان المخاطب الرسول صلّي اللّه عليه وآله لكان الأظهر أن يقول واستغفرت لهم ، و في بعض نسخ تفسير العياشي يعني و اللّه عليّا عليه السلام ، و هوأظهر. قوله عليه السلام هو و اللّه عليّ .. أي المخاطب ، أوالمعني أنّ المراد بما شجر بينهم ماشجر بينهم في أمر عليّ عليه السلام وخلافته ، والأول أظهر.
صفحه : 273
قوله عليه السلام ممّا قضيت علي لسانك .. ظاهره أنّ قراءتهم عليهم السلام به علي صيغة التكلّم، ويحتمل أن يكون بيانا لحاصل المعني ، أي المراد بقضاء الرسول صلّي اللّه عليه وآله مايقضي اللّه علي لسانه .
143-ختص مُحَمّدُ بنُ عِيسَي، عَن عَلِيّ بنِ أَسبَاطٍ، عَنِ الحَكَمِ بنِ مَروَانَ، عَن يُونُسَ بنِ صُهَيبٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ قَد ذَهَبَ بِهِ إِلَي الغَارِ فَقَالَ مَا لَكَ أَ لَيسَ اللّهُ مَعَنَا تُرِيدُ أَن أُرِيَكَ أصَحاَبيِ مِنَ الأَنصَارِ فِي مَجَالِسِهِم يَتَحَدّثُونَ، وَ أُرِيَكَ جَعفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَ أَصحَابَهُ فِي سَفِينَةٍ يَغُوصُونَ. فَقَالَ نَعَم،أَرِنِيهِم.فَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي وَجهِهِ وَ عَينَيهِ،فَنَظَرَ إِلَيهِم،فَأَضمَرَ فِي نَفسِهِ أَنّهُ سَاحِرٌ.
144-كنز الشّيخُ أَبُو جَعفَرٍ الطوّسيِّ رَحِمَهُ اللّهُ فِي مِصبَاحِ الأَنوَارِ بِإِسنَادِهِ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ، قَالَكُنتُ عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي حَفرِ الخَندَقِ وَ قَد حَفَرَ النّاسُ وَ حَفَرَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بأِبَيِ مَن يَحفِرُ وَ جَبرَئِيلُ يَكنُسُ التّرَابَ بَينَ يَدَيهِ، وَ يُعِينُهُ مِيكَائِيلُ، وَ لَم يَكُن يُعِينُ أَحَداً قَبلَهُ مِنَ الخَلقِ، ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِعُثمَانَ بنِ
صفحه : 274
عَفّانَ احفِر،فَغَضِبَ عُثمَانُ وَ قَالَ لَا يَرضَي مُحَمّدٌ أَن أَسلَمنَا عَلَي يَدِهِ حَتّي أَمَرَنَا بِالكَدّ،فَأَنزَلَ اللّهُ عَلَي نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِيَمُنّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوا... الآيَةَ.
145-ختص القَاسِمُ بنُ مُحَمّدٍ الهمَدَاَنيِّ، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدِ بنِ اِبرَاهِيمَ الكوُفيِّ، عَن أَبِي الحُسَينِ يَحيَي بنِ مُحَمّدٍ الفاَرسِيِّ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ، عَن أَبِيهِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ، قَالَخَرَجتُ ذَاتَ يَومٍ إِلَي ظَهرِ الكُوفَةِ وَ بَينَ يدَيَّ قَنبَرٌ،فَقُلتُ يَا قَنبَرُ تَرَي مَا أَرَي. فَقَالَ قَد ضَوّأَ اللّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَمّا عمَيَِ عَنهُ بصَرَيِ.فَقُلتُ يَا أَصحَابَنَا تَرَونَ مَا أَرَي.فَقَالُوا لَا، قَد ضَوّأَ اللّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ( ع )عَمّا عمَيَِ عَنهُ أَبصَارُنَا.فَقُلتُ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ لَتَرَوُنّهُ كَمَا أَرَاهُ، وَ لَتَسمَعُنّ كَلَامَهُ كَمَا أَسمَعُ،فَمَا لَبِثنَا أَن طَلَعَ شَيخٌ عَظِيمُ الهَامَةِ لَهُ عَينَانِ بِالطّولِ، فَقَالَ السّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ،فَقُلتُ مِن أَينَ أَقبَلتَ يَا لَعِينُ. قَالَ مِنَ الآثَامِ.فَقُلتُ وَ أَينَ تُرِيدُ. قَالَ الآثَامَ.فَقُلتُ بِئسَ الشّيخُ أَنتَ. فَقَالَ لِمَ تَقُولُ هَذَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ( ع )،فَوَ اللّهِ لَأُحَدّثَنّكَ بِحَدِيثٍ عنَيّ عَنِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ مَا بَينَنَا ثَالِثٌ.فَقُلتُ يَا لِعَينُ عَنكَ عَنِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ مَا بَينَكُمَا ثَالِثٌ.
صفحه : 275
قَالَ نَعَم،إِنّهُ لَمّا هُبِطتُ بخِطَيِئتَيِ إِلَي السّمَاءِ الرّابِعَةِ نَادَيتُ إلِهَيِ وَ سيَدّيِ مَا أَحسَبُكَ خَلَقتَ مَن هُوَ أَشقَي منِيّ،فَأَوحَي اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي إلِيَّ بَلَي، قَد خَلَقتُ مَن هُوَ أَشقَي مِنكَ،فَانطَلِق إِلَي مَالِكٍ يُرِيكَهُ،فَانطَلَقتُ إِلَي مَالِكٍ،فَقُلتُ السّلَامُ يَقرَأُ عَلَيكَ السّلَامَ وَ يَقُولُ أرَنِيِ مَن هُوَ أَشقَي منِيّ،فَانطَلَقَ بيِ مَالِكٌ إِلَي النّارِ فَرَفَعَ الطّبَقَ الأَعلَي فَخَرَجَت نَارٌ سَودَاءُ ظَنَنتُ أَنّهَا قَد أكَلَتَنيِ وَ أَكَلَت مَالِكاً، فَقَالَ لَهَا إهدائي[اهدئَيِ]فَهَدَأَت، ثُمّ انطَلَقَ بيِ إِلَي الطّبَقِ الثاّنيِ فَخَرَجَت نَارٌ هيَِ أَشَدّ مِن تِلكَ سَوَاداً وَ أَشَدّ حِمًي[حَمياً]، فَقَالَ لَهَا اخمدُيِ فَخَمَدَت إِلَي أَنِ انطَلَقَ بيِ إِلَي السّابِعِ، وَ كُلّ نَارٍ تَخرُجُ مِن طَبَقٍ هيَِ أَشَدّ مِنَ الأُولَي،فَخَرَجَت نَارٌ ظَنَنتُ أَنّهَا قَد أكَلَتَنيِ وَ أَكَلَت مَالِكاً وَ جَمِيعَ مَا خَلَقَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ،فَوَضَعتُ يدَيِ عَلَي عيَنيِ وَ قُلتُ مُرهَا يَا مَالِكُ تَخمُد وَ إِلّا خَمَدتُ، فَقَالَ أَنتَ لَم تَخمُد إِلَي الوَقتِ المَعلُومِ فَأَمَرَهَا فَخَمَدَت،فَرَأَيتُ رَجُلَينِ فِي أَعنَاقِهِمَا سَلَاسِلُ النّيرَانِ مُعَلّقَينِ بِهَا إِلَي فَوقُ، وَ عَلَي رُءُوسِهِمَا قَومٌ مَعَهُم مَقَامِعُ النّيرَانِ يَقمَعُونَهُمَا بِهَا،فَقُلتُ يَا مَالِكُ مَن هَذَانِ. فَقَالَ أَ وَ مَا قَرَأتَ فِي سَاقِ العَرشِ، وَ كُنتُ قَبلُ قَرَأتُهُ قَبلَ أَن يَخلُقَ اللّهُ الدّنيَا بأِلَفيَ عَامٍ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَيّدتُهُ وَ نَصَرتُهُ بعِلَيِّ، فَقَالَ هَذَانِ عَدُوّا أُولَئِكَ وَ ظَالِمَاهُم.
صفحه : 276
146-ختص روُيَِ عَن حَكَمِ بنِ جُبَيرٍ، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ إِنّ الشعّبيِّ يرَويِ عِندَنَا بِالكُوفَةِ أَنّ عَلِيّاً( ع ) قَالَ خَيرُ هَذِهِ الأُمّةِ بَعدَ نَبِيّهَا أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ، فَقَالَ إِنّ الرّجُلَ يُفَضّلُ عَلَي نَفسِهِ مَن لَيسَ هُوَ مِثلَهُ حُبّاً وَ كَرَامَةً، ثُمّ أَتَيتُ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ فَأَخبَرتُهُ ذَلِكَ،فَضَرَبَ عَلَي فخَذِيِ وَ قَالَ هُوَ أَفضَلُ مِنهُمَا كَمَا بَينَ السّمَاءِ وَ الأَرضِ.
147-ختص روُيَِ عَنِ ابنِ كُدَينَةَ الأوَديِّ، قَالَ قَامَ رَجُلٌ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَسَأَلَهُ عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يدَيَِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ... فِيمَن نَزَلَت. قَالَ فِي رَجُلَينِ مِن قُرَيشٍ.
148-البرُسيِّ، فِي مَشَارِقِ الأَنوَارِ عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ، قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لِعُمَرَ يَا مَغرُورُ إنِيّ أَرَاكَ فِي الدّنيَا قَتِيلًا بِجَرَاحَةٍ مِن عَبدِ أُمّ مَعمَرٍ تَحكُمُ عَلَيهِ جَوراً فَيَقتُلُكَ تَوفِيقاً،يَدخُلُ بِذَلِكَ الجَنّةَ عَلَي رَغمٍ مِنكَ، وَ إِنّ لَكَ وَ لِصَاحِبِكَ ألّذِي قُمتَ مَقَامَهُ صَلباً وَ هَتكاً تُخرَجَانِ عَن جِوَارِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَتُصلَبَانِ عَلَي أَغصَانِ جِذعَةٍ يَابِسَةٍ فَتُورِقُ فَيَفتَتِنُ بِذَلِكَ مَن وَالَاكَ. فَقَالَ عُمَرُ وَ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ يَا أَبَا الحَسَنِ( ع ). فَقَالَ قَومٌ
صفحه : 277
قَد فَرّقُوا بَينَ السّيُوفِ وَ أَغمَادِهَا،فَيُؤتَي بِالنّارِ التّيِ أُضرِمَت لِإِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ يأَتيِ جِرجِيسُ وَ دَانِيَالُ وَ كُلّ نبَيِّ وَ صِدّيقٍ، ثُمّ يأَتيِ رِيحٌ فَيَنسِفُكُمَا فِي اليَمّ نَسفاً.
وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ يَوماً لِلحَسَنِ يَا أَبَا مُحَمّدٍ أَ مَا تَرَي عنِديِ تَابُوتٌ مِن نَارٍ يَقُولُ يَا عَلِيّ استَغفِر لِي، لَا غَفَرَ اللّهُ لَهُ.
وَ روُيَِ فِي تَفسِيرِ قَولِهِ تَعَالَيإِنّ أَنكَرَ الأَصواتِ لَصَوتُ الحَمِيرِ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا مَعنَي هَذِهِ الحَمِيرِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ اللّهُ أَكرَمُ مِن أَن يَخلُقَ شَيئاً ثُمّ يُنكِرَهُ،إِنّمَا هُوَ زُرَيقٌ وَ صَاحِبُهُ فِي تَابُوتٍ مِن نَارٍ فِي صُورَةِ حِمَارَينِ، إِذَا شَهِقَا فِي النّارِ انزَعَجَ أَهلُ النّارِ مِن شِدّةِ صُرَاخِهِمَا.
149-كنز مُحَمّدُ بنُ العَبّاسِ، عَن مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ،بِإِسنَادِهِ عَنِ الثمّاَليِّ، عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ أُخرِجَت أَرِيكَتَانِ مِنَ الجَنّةِ فَبُسِطَتَا عَلَي شَفِيرِ جَهَنّمَ، ثُمّ يجَيِءُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ حَتّي يَقعُدَ عَلَيهِمَا، فَإِذَا قَعَدَ ضَحِكَ، وَ إِذَا ضَحِكَ انقَلَبَت جَهَنّمُ فَصَارَ عَالِيهَا سَافِلَهَا، ثُمّ يُخرَجَانِ فَيُوقَفَانِ بَينَ يَدَيهِ فَيَقُولَانِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ يَا وصَيِّ رَسُولِ اللّهِ أَ لَا تَرحَمُنَا أَ لَا تَشفَعُ لَنَا عِندَ رَبّكَ. قَالَ فَيَضحَكُ مِنهُمَا، ثُمّ يَقُومُ فَيُدخَلُ
صفحه : 278
الأَرِيكَتَانِ وَ يُعَادَانِ إِلَي مَوضِعِهِمَا، وَ ذَلِكَ قَولُهُ عَزّ وَ جَلّفَاليَومَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضحَكُونَ عَلَي الأَرائِكِ يَنظُرُونَ هَل ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفعَلُونَ.
أقول رَوَي البخُاَريِّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ المغَاَزيِ بَعدَ بَابِ وَفدِ بنَيِ تَمِيمٍ، وَ فِي تَفسِيرِ سُورَةِ الحُجُرَاتِ، وَ الترّمذِيِّ وَ النسّاَئيِّ فِي صَحِيحِهِمَا، وَ أَورَدَهُ فِي كِتَابِ جَامِعِ الأُصُولِ فِي كِتَابِ تَفسِيرِ القُرآنِ مِن حَرفِ الطّاءِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الزّبَيرِ، قَالَقَدِمَ رَكبٌ مِن بنَيِ تَمِيمٍ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَمّرِ القَعقَاعَ بنَ مَعبَدِ بنِ زُرَارَةَ، وَ قَالَ عُمَرُ أَمّرِ الأَقرَعَ بنَ حَابِسٍ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ مَا أَرَدتَ إِلّا خلِاَفيِ، وَ قَالَ عُمَرُ مَا أَرَدتُ خِلَافَكَ. قَالَ فَتَمَارَيَا حَتّي ارتَفَعَت أَصوَاتُهُمَا،فَنَزَلَت فِي ذَلِكَيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا
صفحه : 279
تُقَدّمُوا بَينَ يدَيَِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ .. حَتّي انقَضَت.
قَالَ فِي جَامِعِ الأُصُولِ وَ فِي رِوَايَةٍ قَالَ ابنُ أَبِي مَلِيكَةَ كَادَ الخَيّرَانِ يهلكا[ أَن يَهلِكَا] أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ، لَمّا قَدِمَ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]وَفدُ بنَيِ تَمِيمٍ أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقرَعِ بنِ حَابِسٍ الحنَظلَيِّ وَ أَشَارَ الآخَرُ بِغَيرِهِ .. ثُمّ ذَكَرَ نَحوَهُ وَ نُزُولَ الآيَةِ، ثُمّ قَالَ ابنُ الزّبَيرِ فَكَانَ عُمَرُ بَعدُ إِذَا حَدّثَ بِحَدِيثٍ كأَخَيِ السّرَارِ لَم يُسمِعهُ حَتّي يَستَفهِمَهُ، وَ لَم يَذكُر ذَلِكَ عَن أَبِيهِ.
قال أخرجه البخاري، وأخرج النسائي الرواية الأولي ،
وَ أَخرَجَ الترّمذِيِّ قَالَ إِنّ الأَقرَعَ بنَ حَابِسٍ قَدِمَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ استَعمِلهُ عَلَي قَومِهِ .. فَقَالَ عُمَرُ لَا
صفحه : 280
تَستَعمِلهُ يَا رَسُولَ اللّهِ،فَتَكَلّمَا عِندَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] حَتّي عَلَت أَصوَاتُهُمَا، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لِعُمَرَ مَا أَرَدتَ إِلّا خلِاَفيِ. فَقَالَ مَا أَرَدتُ خِلَافَكَ. قَالَ فَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النّبِيّ... قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بَعدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلّمَ عِندَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يُسمِع كَلَامَهُ حَتّي يَستَفهِمَهُ، وَ مَا ذَكَرَ ابنُ الزّبَيرِ جَدّهُ يعَنيِ أَبَا بَكرٍ.
و قال الترمذي و قدرواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسلا، و لم يذكر ابن الزبير، و قال حديث غريب حسن ،انتهي حكاية رواياتهم . و من تأمّل فيها و في الآيات النازلة في تلك الحال بعين الاعتبار علم أنّهما بلغا في سوء الأدب وكشف جلباب الحياء الغاية القصوي ، حتّي لم يقنعا في الجفاء وترك الاحتشام بأن يروا آراءهما الفاسدة متقدّمة علي مايراه الرسول صلّي اللّه عليه وآله ،بل زعماها متقدّمة علي حكم اللّه سبحانه ، كمانطق به نهيه تعالي إيّاهما بقوله لا تُقَدّمُوا بَينَ يدَيَِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ... ثم أمرهما بالتقوي والخشية من اللّه معلّلا نهيه وأمره بأنّ اللّه سميع عليم ،تعريضا بأنّهما لسوء الأدب والإقدام علي التقدّم بين يدي اللّه ورسوله في كلامهما كأنّهما لم يذعنا بأنّ اللّه سميع عليم ، ثم حذّرهما في رفع أصواتهما فوق صوت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله والجهر له بالقول
صفحه : 281
كما كان دأب أجلاف العرب وطغامهم في مخاطبة بعضهم بعضا عن حبط الأعمال من حيث لايشعران ، و فيه دلالة علي أنّهما لم يقتصرا علي رفع الصوت عند النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في مخاطبة أحدهما للآخر بل خاطباه بصوت رفيع من دون احترام وتوقير، ثم حصر الممتحنين قلوبهم للتقوي في الّذِينَ يَغُضّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِصلّي اللّه عليه وآله ، و قال لَهُم مَغفِرَةٌ وَ أَجرٌ عَظِيمٌتنبيها علي خروجهما عن زمرة هؤلاء. و قدظهر لذي فطرة سليمة أنّ ترك ابن الزبير ذكر أبي بكر عندحكايته عن عمر بن الخطاب انتهاؤه عن هذه الوقاحة الشنيعة، مع أنّ أبابكر كان جدّا له ، واهتمامه بتزكيته كان أشدّ من اعتنائه بشأن عمر بن الخطاب ،دليل علي عدم ظهور آثار المتابعة والانقياد عنه كماظهر عن عمر،فكان أغلظ منه و... و ليس في الذمّ والتقبيح أفحش من هذا. ولنعم ماقاله ابن أبي مليكة من أنّه كاد الخيران أن يهلكا،فو اللّه لقد هلكا و كان الرجل غريقا في نومة الجهل خائضا في غمرات البهت والغفلة، وليت شعري ماحملها علي شدّة الاهتمام وبذل الجهد في تأمير الأقرع أوالقعقاع بحضرة الرسول صلّي اللّه عليه وآله أ كان ذلك تشييدا لأركان الدين ومراعاة لمصالح المسلمين ،فتقدّما بين يدي اللّه ورسوله صلّي اللّه عليه وآله لظنّهما أنّهما أعلم من اللّه و من رسوله صلّي اللّه عليه وآله بما يصلح شأن الأمّة،فخافا من أن يلحقهم ضرر بتأمير من يؤمره الرسول أولزعمهما أنّهما أبرّ وأرأف بهم من اللّه و من رسوله صلّي اللّه عليه وآله ،
صفحه : 282
فلم يرضيا بالسكوت شفقة عليهم ورأفة بهم ،أم كان ذلك لأمر دنيوي،يعود نفعه إليهما،فمن رأي نفسه أعلم وأرأف من ربّ العالمين و من رسوله الأمين صلّي اللّه عليه وآله الطاهرين ، أوردّ علي اللّه و علي رسوله ، و لم يرض بقضائهما لغرض فاسد دنيوي،كيف يصلح أن يكون قائدا للأمّة طرّا وهاديا لهم إلي الرشاد و قد قال سبحانه فَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّي يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ وَ يُسَلّمُوا تَسلِيماً ولعلّ الناصرين لأبي بكر وعمر يرون رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله مجتهدا في كثير من الأحكام كمايرونهما مجتهدين ، ويجوّزون مخالفته سيّما فيما يتعلّق بأمر الجيش وترتيب العسكر و لايلتفتون إلي خلاف اللّه تعالي في ذلك ،حيث جعل التقدّم بين يدي رسوله صلّي اللّه عليه وآله تقدّما عليه . فقال لا تُقَدّمُوا بَينَ يدَيَِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ....فانظر بعين الإنصاف في تعصّب طائفة من علماء الجمهور وأئمّتهم كالرازي والبيضاوي وغيرهما وبذل جهدهم في إخفاء الحقّ وستر عورات مشايخهم ،فقد ذكر الرازي في تفسيره في شأن نزول الآيات عدّة وجوه لم يسندها إلي رواية صحيحة أو كتاب معروف ، و لم يذكر نزولها في أبي بكر وعمر مع وجوده في صحيح البخاري ألذي يجعلونه تاليا لكتاب اللّه سبحانه ، ويرون مؤلّفه أوثق الناس وأعدلهم ، وكذا في غيره من صحاحهم كماسبق ،فذلك إمّا لعدم الاطّلاع علي ما في هذه الكتب ، وكفي به شاهدا علي جهلهم وقلّة إحاطتهم بأخبارهم وأمور دينهم ، أولأنّ سنّتهم إخفاء الحقّ وإطفاء نور اللّه بأفواههم فتعمّدوا في ستر ما لايوافق آراءهم ويستلزم القدح في مشايخهم وأسلافهم ، و قد
صفحه : 283
اعترف في تفسيره بأنّ رفع الصوت عندأحد والتقدّم بين يديه يدلّ علي أنّه لايري المتكلّم للمخاطب وزنا و لامقدارا،بل جعل لنفسه اعتبارا زائدا وعظمة. و قال إنّ الآية تدلّ علي أنّه لاينبغي أن يتكلّم المؤمن عند النبيّ صلّي اللّه عليه وآله كمايتكلّم العبد عندسيّده،لأنّ العبد داخل في قوله تعالي كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ...، واستدلّ عليه أيضا بقوله تعالي النّبِيّ أَولي بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم قال والسيّد ليس أولي عندعبده من نفسه ،فلو كانا في مخمصة ووجد العبد ما لو لم يأكله لمات لايجب عليه بذله لسيّده، ويجب البذل للنبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و لوعلم العبد أنّ بموته ينجو سيّده لايلزمه أن يلقي نفسه في المهلكة لإنجاء سيّده، ويجب لإنجاء النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و ذلك كما أنّ العضو الرئيس أولي بالرعاية من غيره ،لأنّ عندخلل القلب لايبقي لليدين والرجلين استقامة،فلو حفظ الإنسان نفسه وترك النبيّ لهلك هوأيضا بخلاف العبد والسيّد.انتهي .فأين هذا من سيرة الشيخين وترك احترامهما للنبيّ صلّي اللّه عليه وآله
صفحه : 284
وتخطئتهما إيّاه، وتسفيههما رأيه ، وتنازعهما بحضرته فيما حسباه أصلح من اختياره . و أمّا البيضاوي فقد دلّس في هذاالمقام تدليسا غريبا،فسكت في تفسير قوله تعالي يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا... إلي قوله سبحانه وَ أَنتُم لا تَشعُرُونَ عن ذكر أبي بكر وعمر، ونزول الآيات فيهما، ثم ذكر في تفسير قوله سبحانه إِنّ الّذِينَ يَغُضّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الّذِينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُم لِلتّقوي أنّه قيل كان أبوبكر وعمر بعد ذلك يسرّانه حتّي يستفهمهما.فانظر كيف صوّر المنقصة بصورة المنقبة ولبّس الحال علي الجهّال، حتّي يتوهّموا أنّهما ممّا وصفهم اللّه في كتابه بامتحان قلوبهم للتقوي ، ونزلت الآية فيهم ،فقد عرفت لوأنصفت من ترك ابن الزبير ذكر أبي بكر مع القرابة الخصيصة عندحكاية الإسرار في الحديث عن عمر أنّ مارواه البيضاوي عن قائل مجهول افتراء علي أبي بكر، و أمّا عمر،فهو و إن روي فيه ابن الزبير ذلك إلّا أنّ في حكاية التنازع عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في مرضه ، ورفع الأصوات عنده ، والردّ عليه بقوله حسبنا كتاب اللّه، مايفهم منه عدم انتهائه عن التقدّم بين يدي اللّه ورسوله ، والجهر بالقول ، و لايشتبه علي ذي فطرة سليمة أنّ المراد حين نزول الآية بالّذِينَ يَغُضّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ من كان دأبهم ذلك قبل نزولها، كما أنّ المراد بالذين ينادونه من وراء الحجرات من ناداه قبل نزول الآية، و لايخفي أنّ في قول البيضاوي كانا بعد ذلك يسرّانه .. اعترافا لطيفا بأنّه كان
صفحه : 285
داؤهما قبل ذلك سوء الأدب ، وسيرتهما الوقاحة، و قد كان وفود بني تميم والأقرع والقعقاع في أواخر سنة تسع من الهجرة، و كان وفاته صلّي اللّه عليه وآله في صفر سنة إحدي عشرة علي ماذكره أرباب السير،فكانا علي تقدير صحّة ماذكره مصرّين علي الجفاء وقلّة الحياء في مدّة مقامه صلّي اللّه عليه وآله بمكة، وقريبا من تسع سنين بعدالهجرة، و لم ينتهيا عنه إلّا في سنة وبضع شهور بعد أن وبّخهما اللّه تعالي ورغم أنفهما، مع أنّ رعاية الأدب في خدمة السيّد المطاع القادر علي القتل فما دونه ،المرجوّ منه الشفاعة والنجاة في الآخرة لو كان الإيمان به صادقا أمر لايخرج عن ربقته إلّا رقبة من جبل علي طينة السباع من البهائم ،فمن كان هذاشأنه كيف يصلح لأن يكون مطاعا للأمّة كافة وكيف تكون سيرته مع رعيّته و من لايقدر علي الخروج عن طاعته وهل يزجر نفسه ويملكه عندالغضب ، وتنقّلات الأحوال بحيث يرتكب لاأقل ماينافي العدالة ولعمري لا يقول به إلّا مباهت مبهوت ، و لم ينشأ تعبير عمر لأمير المؤمنين عليه السلام بالدعابة إلّا لمايري من نفسه و من شيخه من سوء الخلق والزعارة،فظنّ حسن خلقه عليه السلام ، وبشره عندلقاء الناس ، ورفقه بهم من قبيل اللهو والدعابة، ثم نسج علي منواله عمرو بن العاص كماصرّح به عليه السلام في قوله عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أنّ فيّ دعابة وأنيّ امرؤ تلعابة ...
صفحه : 286
150- كِتَابُ نَفَحَاتِ اللّاهُوتِ نَقلًا مِن كِتَابِ المَثَالِبِ لِابنِ شَهرَآشُوبَ ، أَنّ الصّادِقَ عَلَيهِ السّلَامُ سُئِلَ[عَنهُمَا]، فَقَالَ كَانَا إِمَامَينِ قَاسِطَينِ عَادِلَينِ،كَانَا عَلَي الحَقّ وَ مَاتَا عَلَيهِ،فَرَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِمَا يَومَ القِيَامَةِ، فَلَمّا خَلَا المَجلِسُ، قَالَ لَهُ بَعضُ أَصحَابِهِ كَيفَ قُلتَ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ. فَقَالَ نَعَم، أَمّا قوَليِ كَانَا إِمَامَينِ،فَهُوَ مَأخُوذٌ مِن قَولِهِ تَعَالَيوَ جَعَلناهُم أَئِمّةً يَدعُونَ إِلَي النّارِ، وَ أَمّا قوَليِ قَاسِطَينِ،فَهُوَ مِن قَولِهِ تَعَالَيوَ أَمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنّمَ حَطَباً، وَ أَمّا قوَليِ عَادِلَينِ،فَهُوَ مَأخُوذٌ مِن قَولِهِ تَعَالَيالّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِم يَعدِلُونَ، وَ أَمّا قوَليِ كَانَا عَلَي الحَقّ،فَالحَقّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ قوَليِ مَاتَا عَلَيهِ،المُرَادُ أَنّهُ لَم يَتُوبَا عَن تَظَاهُرِهِمَا عَلَيهِ،بَل مَاتَا عَلَي ظُلمِهِمَا إِيّاهُ، وَ أَمّا قوَليِ فَرَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِمَا يَومَ القِيَامَةِ،فَالمُرَادُ بِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يُنتَصَفُ لَهُ مِنهُمَا،آخِذاً مِن قَولِهِ تَعَالَيوَ ما أَرسَلناكَ إِلّا رَحمَةً لِلعالَمِينَ.
أقول أجاز لي بعض الأفاضل في مكة زاد اللّه شرفها رواية هذاالخبر، وأخبرني أنّه أخرجه من الجزء الثاني من كتاب دلائل الإمامة، و هذه صورته
صفحه : 287
151- حَدّثَنَا أَبُو الحُسَينِ مُحَمّدُ بنُ هَارُونَ بنِ مُوسَي التلّعّكُبرَيِّ، قَالَ حَدّثَنَا أَبِي رضَيَِ اللّهُ عَنهُ، قَالَ حَدّثَنَا أَبُو عَلِيّ مُحَمّدُ بنُ هَمّامٍ، قَالَ حَدّثَنَا جَعفَرُ بنُ مُحَمّدِ بنِ مَالِكٍ الفزَاَريِّ الكوُفيِّ، قَالَ حدَثّنَيِ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ سِنَانٍ الصيّرفَيِّ، عَن جَعفَرِ بنِ عَلِيّ الحُوَارِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُسكَانَ، عَنِ المُفَضّلِ بنِ عُمَرَ الجعُفيِّ، عَن جَابِرٍ الجعُفيِّ، عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، قَالَ لَمّا قُتِلَ الحُسَينُ بنُ عَلِيّ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِمَا وَ وَرَدَ نَعيُهُ إِلَي المَدِينَةِ، وَ وَرَدَ الأَخبَارُ بِجَزّ رَأسِهِ وَ حَملِهِ إِلَي يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَ قَتلِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِن أَهلِ بَيتِهِ، وَ ثَلَاثٍ وَ خَمسِينَ رَجُلًا مِن شِيعَتِهِ، وَ قَتلِ عَلِيّ ابنِهِ بَينَ يَدَيهِ وَ هُوَ طِفلٌ بِنُشّابَةٍ، وَ سبَيِ ذَرَارِيّهِ أُقِيمَتِ المَآتِمُ عِندَ أَزوَاجِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي مَنزِلِ أُمّ سَلَمَةَ رضَيَِ اللّهُ عَنهَا، وَ فِي دُورِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ، قَالَ فَخَرَجَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ صَارِخاً مِن دَارِهِ لَاطِماً وَجهَهُ شَاقّاً جَيبَهُ يَقُولُ يَا مَعشَرَ بنَيِ هَاشِمٍ وَ قُرَيشٍ وَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ يُستَحَلّ هَذَا مِن رَسُولِ اللّهِ(ص ) فِي أَهلِهِ وَ ذُرّيّتِهِ وَ أَنتُم أَحيَاءٌ تُرزَقُونَ لَا قَرَارَ دُونَ يَزِيدَ، وَ خَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ تَحتَ لَيلِهِ، لَا يَرِدُ مَدِينَةً إِلّا صَرَخَ فِيهَا وَ استَنفَرَ أَهلَهَا عَلَي يَزِيدَ، وَ أَخبَارُهُ يُكتَبُ بِهَا إِلَي يَزِيدَ،فَلَم يَمُرّ بِمَلَإٍ مِنَ النّاسِ إِلّا لَعَنَهُ وَ سَمِعَ كَلَامَهُ، وَ قَالُوا هَذَا عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ ابنُ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللّهِ(ص ) وَ هُوَ يُنكِرُ فِعلَ يَزِيدَ بِأَهلِ بَيتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ يَستَنفِرُ النّاسَ عَلَي يَزِيدَ، وَ إِنّ مَن لَم يُجِبهُ لَا دِينَ لَهُ وَ لَا إِسلَامَ، وَ اضطَرَبَ الشّامُ بِمَن فِيهِ، وَ وَرَدَ دِمَشقَ وَ أَتَي بَابَ اللّعِينِ يَزِيدَ فِي خَلقٍ مِنَ النّاسِ يَتلُونَهُ،فَدَخَلَ آذِنُ
صفحه : 288
يَزِيدَ إِلَيهِ فَأَخبَرَهُ بِوُرُودِهِ وَ يَدُهُ عَلَي أُمّ رَأسِهِ وَ النّاسُ يُهرَعُونَ إِلَيهِ قُدّامَهُ وَ وَرَاءَهُ، فَقَالَ يَزِيدُ فَورَةٌ مِن فَورَاتِ أَبِي مُحَمّدٍ، وَ عَن قَلِيلٍ يُفِيقُ مِنهَا،فَأَذِنَ لَهُ وَحدَهُ فَدَخَلَ صَارِخاً يَقُولُ لَا أَدخُلُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ قَد فَعَلتَ بِأَهلِ بَيتِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا لَو تَمَكّنَتِ التّركُ وَ الرّومُ مَا استَحَلّوا مَا استَحلَلتَ، وَ لَا فَعَلُوا مَا فَعَلتَ،قُم عَن هَذَا البِسَاطِ حَتّي يَختَارَ المُسلِمُونَ مَن هُوَ أَحَقّ بِهِ مِنكَ،فَرَحّبَ بِهِ يَزِيدُ وَ تَطَاوَلَ لَهُ وَ ضَمّهُ إِلَيهِ وَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا مُحَمّدٍ اسكُن مِن فَورَتِكَ، وَ اعقِل، وَ انظُر بِعَينِكَ وَ اسمَع بِأُذُنِكَ، مَا تَقُولُ فِي أَبِيكَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ أَ كَانَ هَادِياً مَهدِيّاً خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ(ص ) وَ نَاصِرَهُ وَ مُصَاهِرَهُ بِأُختِكَ حَفصَةَ، وَ ألّذِي قَالَ لَا يُعبَدُ اللّهُ سِرّاً. فَقَالَ عَبدُ اللّهِ هُوَ كَمَا وَصَفتَ،فأَيَّ شَيءٍ تَقُولُ فِيهِ. قَالَ أَبُوكَ قَلّدَ أَبِي أَمرَ الشّامِ أَم أَبِي قَلّدَ أَبَاكَ خِلَافَةَ رَسُولِ اللّهِ(ص ). فَقَالَ أَبِي قَلّدَ أَبَاكَ الشّامَ. قَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ أَ فَتَرضَي بِهِ وَ بِعَهدِهِ إِلَي أَبِي أَو مَا تَرضَاهُ. قَالَ بَل أَرضَي. قَالَ أَ فَتَرضَي بِأَبِيكَ. قَالَ نَعَم،فَضَرَبَ يَزِيدُ بِيَدِهِ عَلَي يَدِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ وَ قَالَ لَهُ قُم يَا أَبَا مُحَمّدٍ حَتّي تَقرَأَ،فَقَامَ مَعَهُ حَتّي وَرَدَ خِزَانَةً مِن خَزَائِنِهِ،فَدَخَلَهَا وَ دَعَا بِصُندُوقٍ فَفَتَحَهُ وَ استَخرَجَ مِنهُ تَابُوتاً مُقَفّلًا مَختُوماً فَاستَخرَجَ مِنهُ طُومَاراً لَطِيفاً فِي خِرقَةِ حَرِيرٍ سَودَاءَ،فَأَخَذَ الطّومَارَ بِيَدِهِ وَ نَشَرَهُ، ثُمّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ هَذَا خَطّ أَبِيكَ. قَالَ إيِ وَ اللّهِ .. فَأَخَذَهُ مِن يَدِهِ فَقَبّلَهُ، فَقَالَ لَهُ اقرَأ،فَقَرَأَهُ ابنُ عُمَرَ، فَإِذَا فِيهِبِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ إِنّ ألّذِي أَكرَهَنَا بِالسّيفِ عَلَي الإِقرَارِ بِهِ فَأَقرَرنَا، وَ الصّدُورُ وَغرَةٌ، وَ الأَنفُسُ وَاجِفَةٌ، وَ النّيّاتُ وَ البَصَائِرُ شَائِكَةٌ مِمّا كَانَت عَلَيهِ مِن
صفحه : 289
جَحدِنَا مَا دَعَانَا إِلَيهِ وَ أَطَعنَاهُ فِيهِ رَفعاً لِسُيُوفِهِ عَنّا، وَ تَكَاثُرِهِ باِلحيَّ عَلَينَا مِنَ اليَمَنِ، وَ تَعَاضُدِ مَن سَمِعَ بِهِ مِمّن تَرَكَ دِينَهُ وَ مَا كَانَ عَلَيهِ آبَاؤُهُ فِي قُرَيشٍ،فَبِهُبَلَ أُقسِمُ وَ الأَصنَامِ وَ الأَوثَانِ وَ اللّاتِ وَ العُزّي مَا جَحَدَهَا عُمَرُ مُذ عَبَدَهَا وَ لَا عَبَدَ لِلكَعبَةِ رَبّاً وَ لَا صَدّقَ لِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَولًا، وَ لَا أَلقَي السّلَامَ إِلّا لِلحِيلَةِ عَلَيهِ وَ إِيقَاعِ البَطشِ بِهِ،فَإِنّهُ قَد أَتَانَا بِسِحرٍ عَظِيمٍ، وَ زَادَ فِي سِحرِهِ عَلَي سِحرِ بنَيِ إِسرَائِيلَ مَعَ مُوسَي وَ هَارُونَ وَ دَاوُدَ وَ سُلَيمَانَ وَ ابنِ أُمّهِ عِيسَي، وَ لَقَد أَتَانَا بِكُلّ مَا أَتَوا بِهِ مِنَ السّحرِ وَ زَادَ عَلَيهِم مَا لَو أَنّهُم شَهِدُوهُ لَأَقَرّوا لَهُ بِأَنّهُ سَيّدُ السّحَرَةِ،فَخُذ يَا ابنَ أَبِي سُفيَانَ سُنّةَ قَومِكَ وَ اتّبَاعَ مِلّتِكَ وَ الوَفَاءَ بِمَا كَانَ عَلَيهِ سَلَفُكَ مِن جَحدِ هَذِهِ البَنِيّةِ التّيِ يَقُولُونَ إِنّ لَهَا رَبّاً أَمَرَهُم بِإِتيَانِهَا وَ السعّيِ حَولَهَا وَ جَعَلَهَا لَهُم قِبلَةً فَأَقَرّوا بِالصّلَاةِ وَ الحَجّ ألّذِي جَعَلُوهُ رُكناً، وَ زَعَمُوا أَنّهُ لِلّهِ اختَلَقُوا،فَكَانَ مِمّن أَعَانَ مُحَمّداً مِنهُم هَذَا الفاَرسِيِّ الطمطاني[الطمّطمُاَنيِّ]رُوزبِهُ، وَ قَالُوا إِنّهُ أوُحيَِ إِلَيهِإِنّ أَوّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ للَذّيِ بِبَكّةَ مُبارَكاً وَ هُديً لِلعالَمِينَ، وَ قَولُهُمقَد نَري تَقَلّبَ وَجهِكَ فِي السّماءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبلَةً تَرضاها فَوَلّ وَجهَكَ شَطرَ المَسجِدِ الحَرامِ وَ حَيثُ ما كُنتُم فَوَلّوا وُجُوهَكُم شَطرَهُ، وَ جَعَلُوا صَلَاتَهُم لِلحِجَارَةِ،فَمَا ألّذِي أَنكَرَهُ عَلَينَا لَو لَا سِحرُهُ مِن عِبَادَتِنَا لِلأَصنَامِ وَ الأَوثَانِ وَ اللّاتِ وَ العُزّي وَ هيَِ مِنَ الحِجَارَةِ وَ الخَشَبِ وَ النّحَاسِ وَ الفِضّةِ وَ الذّهَبِ، لَا وَ اللّاتِ وَ العُزّي مَا وَجَدنَا سَبَباً لِلخُرُوجِ عَمّا عِندَنَا وَ إِن سَحَرُوا وَ مَوّهُوا،فَانظُر بِعَينٍ مُبصِرَةٍ، وَ اسمَع بِأُذُنٍ وَاعِيَةٍ، وَ تَأَمّل بِقَلبِكَ وَ عَقلِكَ مَا هُم فِيهِ، وَ اشكُرِ اللّاتَ وَ العُزّي وَ استِخلَافَ السّيّدِ الرّشِيدِ عَتِيقِ بنِ عَبدِ العُزّي عَلَي أُمّةِ مُحَمّدٍ وَ تَحَكّمَهُ فِي أَموَالِهِم وَ دِمَائِهِم وَ شَرِيعَتِهِم وَ أَنفُسِهِم وَ حَلَالِهِم وَ حَرَامِهِم، وَ جِبَايَاتِ الحُقُوقِ التّيِ زَعَمُوا أَنّهُم
صفحه : 290
يَجبُونَهَا لِرَبّهِم لِيُقِيمُوا بِهَا أَنصَارَهُم وَ أَعوَانَهُم،فَعَاشَ شَدِيداً رَشِيداً يَخضَعُ جَهراً وَ يَشتَدّ سِرّاً، وَ لَا يَجِدُ حِيلَةً غَيرَ مُعَاشَرَةِ القَومِ، وَ لَقَد وَثَبتُ وَثبَةً عَلَي شِهَابِ بنَيِ هَاشِمٍ الثّاقِبِ، وَ قَرنِهَا الزّاهِرِ، وَ عَلَمِهَا النّاصِرِ، وَ عِدّتِهَا وَ عُدَدِهَا المُسَمّي بِحَيدَرَةَ المُصَاهِرِ لِمُحَمّدٍ عَلَي المَرأَةِ التّيِ جَعَلُوهَا سَيّدَةَ نِسَاءِ العَالَمِينَ يُسَمّونَهَا فَاطِمَةَ، حَتّي أَتَيتُ دَارَ عَلِيّ وَ فَاطِمَةَ وَ ابنَيهِمَا الحَسَنِ وَ الحُسَينِ وَ ابنَتَيهِمَا زَينَبَ وَ أُمّ كُلثُومٍ، وَ الأَمَةِ المَدعُوّةِ بِفِضّةَ، وَ معَيِ خَالِدُ بنُ وَلِيدٍ وَ قُنفُذٌ مَولَي أَبِي بَكرٍ وَ مَن صَحِبَ مِن خَواصّنَا،فَقَرَعتُ البَابَ عَلَيهِم قَرعاً شَدِيداً،فأَجَاَبتَنيِ الأَمَةُ،فَقُلتُ لَهَا قوُليِ لعِلَيِّ دَعِ الأَبَاطِيلَ وَ لَا تَلِج نَفسَكَ إِلَي طَمَعِ الخِلَافَةِ،فَلَيسَ الأَمرُ لَكَ،الأَمرُ لِمَنِ اختَارَهُ المُسلِمُونَ وَ اجتَمَعُوا عَلَيهِ، وَ رَبّ اللّاتِ وَ العُزّي لَو كَانَ الأَمرُ وَ الرأّيُ لأِبَيِ بَكرٍ لَفَشِلَ عَنِ الوُصُولِ إِلَي مَا وَصَلَ إِلَيهِ مِن خِلَافَةِ ابنِ أَبِي كَبشَةَ،لكَنِيّ أَبدَيتُ لَهَا صفَحتَيِ، وَ أَظهَرتُ لَهَا بصَرَيِ، وَ قُلتُ لِلحَيّينِ نِزَارٍ وَ قَحطَانَ بَعدَ أَن قُلتُ لَهُم لَيسَ الخِلَافَةُ إِلّا فِي قُرَيشٍ،فَأَطِيعُوهُم مَا أَطَاعُوا اللّهَ، وَ إِنّمَا قُلتُ ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ مِنِ ابنِ أَبِي طَالِبٍ مِن وُثُوبِهِ وَ استِيثَارِهِ بِالدّمَاءِ التّيِ سَفَكَهَا فِي غَزَوَاتِ مُحَمّدٍ وَ قَضَاءِ دُيُونِهِ، وَ هيَِ ثَمَانُونَ أَلفَ دِرهَمٍ وَ إِنجَازِ عِدَاتِهِ، وَ جَمعِ القُرآنِ،فَقَضَاهَا عَلَي تَلِيدِهِ وَ طَارِفِهِ، وَ قَولِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ لَمّا قُلتُ إِنّ الإِمَامَةَ فِي قُرَيشٍ قَالُوا هُوَ الأَصلَعُ البَطِينُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ ألّذِي أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ(ص )البَيعَةَ لَهُ عَلَي أَهلِ مِلّتِهِ، وَ سَلّمنَا لَهُ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ فِي أَربَعَةِ مَوَاطِنَ، فَإِن كُنتُم نَسِيتُمُوهَا مَعشَرَ قُرَيشٍ فَمَا نَسِينَاهَا وَ لَيسَتِ البَيعَةُ وَ لَا الإِمَامَةُ وَ الخِلَافَةُ وَ الوَصِيّةُ إِلّا حَقّاً مَفرُوضاً، وَ أَمراً صَحِيحاً، لَا تَبَرّعاً وَ لَا ادّعَاءً فَكَذّبنَاهُم، وَ أَقَمتُ أَربَعِينَ رَجُلًا شَهِدُوا عَلَي مُحَمّدٍ أَنّ الإِمَامَةَ بِالِاختِيَارِ.فَعِندَ ذَلِكَ قَالَ الأَنصَارُ نَحنُ أَحَقّ مِن قُرَيشٍ،لِأَنّا آوَينَا وَ نَصَرنَا وَ هَاجَرَ
صفحه : 291
النّاسُ إِلَينَا، فَإِذَا كَانَ دَفعُ مَن كَانَ الأَمرُ لَهُ فَلَيسَ هَذَا الأَمرُ لَكُم دُونَنَا، وَ قَالَ قَومٌ مِنّا أَمِيرٌ وَ مِنكُم أَمِيرٌ.قُلنَا لَهُم قَد شَهِدُوا أَربَعُونَ رَجُلًا أَنّ الأَئِمّةَ مِن قُرَيشٍ،فَقَبِلَ قَومٌ وَ أَنكَرَ آخَرُونَ وَ تَنَازَعُوا،فَقُلتُ وَ الجَمعُ يَسمَعُونَ أَلَا أَكبَرُنَا سِنّاً وَ أَكثَرُنَا لِيناً.قَالُوا فَمَن تَقُولُ. قُلتُ أَبُو بَكرٍ ألّذِي قَدّمَهُ رَسُولُ اللّهِ(ص ) فِي الصّلَاةِ، وَ جَلَسَ مَعَهُ فِي العَرِيشِ يَومَ بَدرٍ يُشَاوِرُهُ وَ يَأخُذُ بِرَأيِهِ، وَ كَانَ صَاحِبَهُ فِي الغَارِ، وَ زَوجَ ابنَتِهِ عَائِشَةَ التّيِ سَمّاهَا أُمّ المُؤمِنِينَ،فَأَقبَلَ بَنُو هَاشِمٍ يَتَمَيّزُونَ غَيظاً، وَ عَاضَدَهُمُ الزّبَيرُ وَ سَيفُهُ مَشهُورٌ وَ قَالَ لَا يُبَايَعُ إِلّا عَلِيّ أَو لَا أَملِكُ رَقَبَةَ قَائِمَةِ سيَفيِ هَذَا،فَقُلتُ يَا زُبَيرُ صَرَخَتكَ سَكَنٌ مِن بنَيِ هَاشِمٍ،أُمّكَ صَفِيّةُ بِنتُ عَبدِ المُطّلِبِ، فَقَالَ ذَلِكَ وَ اللّهِ الشّرَفُ البَاذِخُ وَ الفَخرُ الفَاخِرُ، يَا ابنَ حَنتَمَةَ وَ يَا ابنَ صُهَاكَ اسكُت لَا أُمّ لَكَ، فَقَالَ قَولًا فَوَثَبَ أَربَعُونَ رَجُلًا مِمّن حَضَرَ سَقِيفَةَ بنَيِ سَاعِدَةَ عَلَي الزّبَيرِ،فَوَ اللّهِ مَا قَدَرنَا عَلَي أَخذِ سَيفِهِ مِن يَدِهِ حَتّي وَسّدنَاهُ الأَرضَ، وَ لَم نَرَ لَهُ عَلَينَا نَاصِراً،فَوَثَبتُ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَصَافَحتُهُ وَ عَاقَدتُهُ البَيعَةَ وَ تلَاَنيِ عُثمَانُ بنُ عَفّانَ وَ سَائِرُ مَن حَضَرَ غَيرَ الزّبَيرِ، وَ قُلنَا لَهُ بَايِع أَو نَقتُلَكَ، ثُمّ كَفَفتُ عَنهُ النّاسَ،فَقُلتُ لَهُ أَمهِلُوهُ،فَمَا غَضِبَ إِلّا نَخوَةً لبِنَيِ هَاشِمٍ، وَ أَخَذتُ أَبَا بَكرٍ بِيَدِهِ فَأَقَمتُهُ وَ هُوَ يَرتَعِدُ قَدِ اختَلَطَ عَقلُهُ،فَأَزعَجتُهُ إِلَي مِنبَرِ مُحَمّدٍ إِزعَاجاً، فَقَالَ لِي يَا أَبَا حَفصٍ أَخَافُ وَثبَةَ عَلِيّ.فَقُلتُ لَهُ إِنّ عَلِيّاً عَنكَ مَشغُولٌ، وَ أعَاَننَيِ عَلَي ذَلِكَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ كَانَ يَمُدّهُ بِيَدِهِ إِلَي المِنبَرِ وَ أَنَا أُزعِجُهُ مِن وَرَائِهِ كَالتّيسِ إِلَي شِفَارِ الجَاذِرِ،مُتَهَوّناً،فَقَامَ عَلَيهِ
صفحه : 292
مَدهُوشاً،فَقُلتُ لَهُ اخطُب فَأُغلِقَ عَلَيهِ وَ تَثَبّتَ فَدَهِشَ، وَ تَلَجلَجَ وَ غَمّضَ،فَعَضَضتُ عَلَي كفَيّ غَيظاً، وَ قُلتُ لَهُ قُل مَا سَنَحَ لَكَ،فَلَم يَأتِ خَيراً وَ لَا مَعرُوفاً،فَأَرَدتُ أَن أُحِطّهُ عَنِ المِنبَرِ وَ أَقُومَ مَقَامَهُ،فَكَرِهتُ تَكذِيبَ النّاسِ لِي بِمَا قُلتُ فِيهِ، وَ قَد سأَلَنَيِ الجُمهُورُ مِنهُم كَيفَ قُلتَ مِن فَضلِهِ مَا قُلتَ مَا ألّذِي سَمِعتَهُ مِن رَسُولِ اللّهِ(ص ) فِي أَبِي بَكرٍ فَقُلتُ لَهُم قَد قُلتُ سَمِعتُ مِن فَضلِهِ عَلَي لِسَانِ رَسُولِ اللّهِ مَا لووددت [لَوَدِدتُ]أنَيّ شَعرَةٌ فِي صَدرِهِ وَ لِي حِكَايَةٌ،فَقُلتُ قُل وَ إِلّا فَانزِل،فَتَبَيّنَهَا وَ اللّهِ فِي وجَهيِ وَ عَلِمَ أَنّهُ لَو نَزَلَ لَرَقِيتُ، وَ قُلتُ مَا لَا يهَتدَيِ إِلَي قَولِهِ، فَقَالَ بِصَوتٍ ضَعِيفٍ عَلِيلٍ وَلِيتُكُم وَ لَستُ بِخَيرِكُم وَ عَلِيّ فِيكُم، وَ اعلَمُوا أَنّ لِي شَيطَاناً يعَترَيِنيِ وَ مَا أَرَادَ بِهِ سوِاَيَ فَإِذَا زَلَلتُ فقَوَمّوُنيِ لَا أَقَع فِي شُعُورِكُم وَ أَبشَارِكُم، وَ أَستَغفِرُ اللّهَ لِي وَ لَكُم، وَ نَزَلَ فَأَخَذتُ بِيَدِهِ وَ أَعيَنُ النّاسِ تَرمُقُهُ وَ غَمَزتُ يَدَهُ غَمزاً، ثُمّ أَجلَستُهُ وَ قَدّمتُ النّاسَ إِلَي بَيعَتِهِ وَ صُحبَتِهِ لِأُرهِبَهُ، وَ كُلّ مَن يُنكِرُ بَيعَتَهُ وَ يَقُولُ مَا فَعَلَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَأَقُولُ خَلَعَهَا مِن عُنُقِهِ وَ جَعَلَهَا طَاعَةَ المُسلِمِينَ قِلّةَ خِلَافٍ عَلَيهِم فِي اختِيَارِهِم،فَصَارَ جَلِيسَ بَيتِهِ،فَبَايَعُوا وَ هُم كَارِهُونَ، فَلَمّا فَشَت بَيعَتُهُ عَلِمنَا أَنّ عَلِيّاً يَحمِلُ فَاطِمَةَ وَ الحَسَنَ وَ الحُسَينَ إِلَي دُورِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ يُذَكّرُهُم بَيعَتَهُ عَلَينَا فِي أَربَعَةِ مَوَاطِنَ،
صفحه : 293
وَ يَستَنفِرُهُم فَيَعِدُونَهُ النّصرَةَ لَيلًا وَ يَقعُدُونَ عَنهُ نَهَاراً،فَأَتَيتُ دَارَهُ مُستَيشِراً لِإِخرَاجِهِ مِنهَا،فَقَالَتِ الأَمَةُ فِضّةُ وَ قَد قُلتُ لَهَا قوُليِ لعِلَيِّ يَخرُج إِلَي بَيعَةِ أَبِي بَكرٍ فَقَدِ اجتَمَعَ عَلَيهِ المُسلِمُونَ فَقَالَت إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ( ع )مَشغُولٌ،فَقُلتُ خلَيّ عَنكِ هَذَا وَ قوُليِ لَهُ يَخرُج وَ إِلّا دَخَلنَا عَلَيهِ وَ أَخرَجنَاهُ كَرهاً،فَخَرَجَت فَاطِمَةُ فَوَقَفَت مِن وَرَاءِ البَابِ،فَقَالَت أَيّهَا الضّالّونَ المُكَذّبُونَ مَا ذَا تَقُولُونَ وَ أَيّ شَيءٍ تُرِيدُونَ.فَقُلتُ يَا فَاطِمَةُ.فَقَالَت فَاطِمَةُ مَا تَشَاءُ يَا عُمَرُ.فَقُلتُ مَا بَالُ ابنِ عَمّكِ قَد أَورَدَكِ لِلجَوَابِ وَ جَلَسَ مِن وَرَاءِ الحِجَابِ.فَقَالَت لِي طُغيَانُكَ يَا شقَيِّ أخَرجَنَيِ وَ أَلزَمَكَ الحُجّةَ، وَ كُلّ ضَالّ غوَيِّ.فَقُلتُ دعَيِ عَنكِ الأَبَاطِيلَ وَ أَسَاطِيرَ النّسَاءِ وَ قوُليِ لعِلَيِّ يَخرُج.فَقَالَت لَا حُبّ وَ لَا كَرَامَةَ أَ بِحِزبِ الشّيطَانِ تخُوَفّنُيِ يَا عُمَرُ وَ كَانَ حِزبُ الشّيطَانِ ضَعِيفاً.فَقُلتُ إِن لَم يَخرُج جِئتُ بِالحَطَبِ الجَزلِ وَ أَضرَمتُهَا نَاراً عَلَي أَهلِ هَذَا البَيتِ وَ أُحرِقُ مَن فِيهِ، أَو يُقَادَ عَلِيّ إِلَي البَيعَةِ، وَ أَخَذتُ سَوطَ قُنفُذٍ فَضَرَبتُ وَ قُلتُ لِخَالِدِ بنِ الوَلِيدِ أَنتَ وَ رِجَالُنَا هَلُمّوا فِي جَمعِ الحَطَبِ،فَقُلتُ إنِيّ مُضرِمُهَا.فَقَالَت يَا عَدُوّ اللّهِ وَ عَدُوّ رَسُولِهِ وَ عَدُوّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ،فَضَرَبَت فَاطِمَةُ يَدَيهَا مِنَ البَابِ تمَنعَنُيِ مِن فَتحِهِ فَرُمتُهُ فَتَصَعّبَ عَلَيّ فَضَرَبتُ كَفّيهَا بِالسّوطِ فَأَلّمَهَا،فَسَمِعتُ لَهَا زَفِيراً وَ بُكَاءً،فَكِدتُ أَن أَلِينَ وَ أَنقَلِبَ عَنِ البَابِ فَذَكَرتُ أَحقَادَ
صفحه : 294
عَلِيّ وَ وُلُوعَهُ فِي دِمَاءِ صَنَادِيدِ العَرَبِ، وَ كَيدَ مُحَمّدٍ وَ سِحرَهُ،فَرَكَلتُ البَابَ وَ قَد أَلصَقَت أَحشَاءَهَا بِالبَابِ تَترُسُهُ، وَ سَمِعتُهَا وَ قَد صَرَخَت صَرخَةً حَسِبتُهَا قَد جَعَلَت أَعلَي المَدِينَةِ أَسفَلَهَا، وَ قَالَت يَا أَبَتَاه يَا رَسُولَ اللّهِ هَكَذَا كَانَ يُفعَلُ بِحَبِيبَتِكَ وَ ابنَتِكَ،آهِ يَا فِضّةُ إِلَيكِ فخَذُيِنيِ فَقَد وَ اللّهِ قُتِلَ مَا فِي أحَشاَئيِ مِن حَملٍ، وَ سَمِعتُهَا تَمخَضُ وَ هيَِ مُستَنِدَةٌ إِلَي الجِدَارِ،فَدَفَعتُ البَابَ وَ دَخَلتُ فَأَقبَلَت إلِيَّ بِوَجهٍ أَغشَي بصَرَيِ،فَصَفَقتُ صَفقَةً عَلَي خَدّيهَا مِن ظَاهِرِ الخِمَارِ فَانقَطَعَ قُرطُهَا وَ تَنَاثَرَت إِلَي الأَرضِ، وَ خَرَجَ عَلِيّ، فَلَمّا أَحسَستُ بِهِ أَسرَعتُ إِلَي خَارِجِ الدّارِ وَ قُلتُ لِخَالِدٍ وَ قُنفُذٍ وَ مَن مَعَهُمَا نَجَوتُ مِن أَمرٍ عَظِيمٍ. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي قَد جَنَيتُ جِنَايَةً عَظِيمَةً لَا آمَنُ عَلَي نفَسيِ. وَ هَذَا عَلِيّ قَد بَرَزَ مِنَ البَيتِ وَ مَا لِي وَ لَكُم جَمِيعاً بِهِ طَاقَةٌ.فَخَرَجَ عَلِيّ وَ قَد ضَرَبَت يَدَيهَا إِلَي نَاصِيَتِهَا لِتَكشِفَ عَنهَا وَ تَستَغِيثَ بِاللّهِ العَظِيمِ مَا نَزَلَ بِهَا،فَأَسبَلَ عَلِيّ عَلَيهَا مُلَاءَتَهَا وَ قَالَ لَهَا يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ إِنّ اللّهَ بَعَثَ أَبَاكِ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ، وَ ايمُ اللّهِ لَئِن كَشَفتِ عَن نَاصِيَتِكِ سَائِلَةً إِلَي رَبّكِ لِيُهلِكَ هَذَا الخَلقَ لَأَجَابَكِ حَتّي لَا يبُقيَِ عَلَي الأَرضِ مِنهُم بَشَراً،لِأَنّكِ وَ أَبَاكِ أَعظَمُ عِندَ اللّهِ مِن نُوحٍ( ع ) ألّذِي غَرّقَ مِن أَجلِهِ بِالطّوفَانِ جَمِيعَ مَن عَلَي وَجهِ الأَرضِ وَ تَحتَ السّمَاءِ إِلّا مَن كَانَ فِي السّفِينَةِ، وَ أَهلَكَ قَومَ هُودٍ بِتَكذِيبِهِم لَهُ، وَ أَهلَكَ عَاداً بِرِيحٍ صَرصَرٍ، وَ أَنتِ وَ أَبُوكِ أَعظَمُ قَدراً مِن هُودٍ، وَ عَذّبَ ثَمُودَ وَ هيَِ اثنَا عَشَرَ أَلفاً بِعَقرِ النّاقَةِ وَ الفَصِيلِ،فكَوُنيِ يَا سَيّدَةَ النّسَاءِ رَحمَةً عَلَي هَذَا الخَلقِ المَنكُوسِ وَ لَا تكَوُنيِ عَذَاباً، وَ اشتَدّ بِهَا المَخَاضُ وَ دَخَلَتِ البَيتَ فَأَسقَطَت سِقطاً سَمّاهُ عَلِيّ مُحَسّناً، وَ جَمَعتُ جَمعاً كَثِيراً، لَا مُكَاثَرَةً لعِلَيِّ وَ لَكِن لِيَشُدّ بِهِم قلَبيِ وَ جِئتُ وَ هُوَ مُحَاصَرٌ فَاستَخرَجتُهُ مِن دَارِهِ
صفحه : 295
مُكرَهاً مَغصُوباً وَ سُقتُهُ إِلَي البَيعَةِ سَوقاً، وَ إنِيّ لَأَعلَمُ عِلماً يَقِيناً لَا شَكّ فِيهِ لَوِ اجتَهَدتُ أَنَا وَ جَمِيعُ مَن عَلَي الأَرضِ جَمِيعاً عَلَي قَهرِهِ مَا قَهَرنَاهُ، وَ لَكِن لِهَنَاتٍ كَانَت فِي نَفسِهِ أَعلَمُهَا وَ لَا أَقُولُهَا، فَلَمّا انتَهَيتُ إِلَي سَقِيفَةِ بنَيِ سَاعِدَةَ قَامَ أَبُو بَكرٍ وَ مَن بِحَضرَتِهِ يَستَهزِءُونَ بعِلَيِّ، فَقَالَ عَلِيّ يَا عُمَرُ أَ تُحِبّ أَن أُعَجّلَ لَكَ مَا أَخّرتُهُ سَوَاءً عَنكَ فَقُلتُ لَا، يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فسَمَعِنَيِ وَ اللّهِ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ،فَأَسرَعَ إِلَي أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ مَا لِي وَ لِعُمَرَ .. ثَلَاثاً، وَ النّاسُ يَسمَعُونَ، وَ لَمّا دَخَلَ السّقِيفَةَ صَبَا أَبُو بَكرٍ إِلَيهِ،فَقُلتُ لَهُ قَد بَايَعتَ يَا أَبَا الحَسَنِ فَانصَرِف،فَأَشهَدُ مَا بَايَعَهُ وَ لَا مَدّ يَدَهُ إِلَيهِ، وَ كَرِهتُ أَن أُطَالِبَهُ بِالبَيعَةِ فَيُعَجّلَ لِي مَا أَخّرَهُ عنَيّ، وَ وَدّ أَبُو بَكرٍ أَنّهُ لَم يَرَ عَلِيّاً فِي ذَلِكَ المَكَانِ جَزَعاً وَ خَوفاً مِنهُ، وَ رَجَعَ عَلِيّ مِنَ السّقِيفَةِ وَ سَأَلنَا عَنهُ،فَقَالُوا مَضَي إِلَي قَبرِ مُحَمّدٍ فَجَلَسَ إِلَيهِ،فَقُمتُ أَنَا وَ أَبُو بَكرٍ إِلَيهِ، وَ جِئنَا نَسعَي وَ أَبُو بَكرٍ يَقُولُ وَيلَكَ يَا عُمَرُ مَا ألّذِي صَنَعتَ بِفَاطِمَةَ، هَذَا وَ اللّهِ الخُسرَانُ المُبِينُ،فَقُلتُ إِنّ أَعظَمَ مَا عَلَيكَ أَنّهُ مَا بَايَعَنَا وَ لَا أَثِقُ أَن تَتَثَاقَلَ المُسلِمُونَ عَنهُ. فَقَالَ فَمَا تَصنَعُ.فَقُلتُ تُظهِرُ أَنّهُ قَد بَايَعَكَ عِندَ قَبرِ مُحَمّدٍ،فَأَتَينَاهُ وَ قَد جَعَلَ القَبرَ قِبلَةً،مُسنِداً كَفّهُ عَلَي تُربَتِهِ وَ حَولَهُ سَلمَانُ وَ أَبُو ذَرّ وَ المِقدَادُ وَ عَمّارٌ وَ حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ،فَجَلَسنَا بِإِزَائِهِ وَ أَوعَزتُ إِلَي أَبِي بَكرٍ أَن يَضَعَ يَدَهُ عَلَي مِثلِ مَا وَضَعَ عَلِيّ يَدَهُ وَ يُقَرّبَهَا مِن يَدِهِ،فَفَعَلَ ذَلِكَ وَ أَخَذتُ بِيَدِ أَبِي بَكرٍ لِأَمسَحَهَا عَلَي يَدِهِ، وَ أَقُولَ قَد بَايَعَ،فَقَبَضَ عَلِيّ يَدَهُ فَقُمتُ أَنَا وَ أَبُو بَكرٍ مُوَلّياً، وَ أَنَا أَقُولُ جَزَي اللّهُ عَلِيّاً خَيراً فَإِنّهُ لَم يَمنَعكَ البَيعَةَ لَمّا حَضَرتَ قَبرَ رَسُولِ اللّهِ
صفحه : 296
(ص )،فَوَثَبَ مِن دُونِ الجَمَاعَةِ أَبُو ذَرّ جُندَبُ بنُ جُنَادَةَ الغفِاَريِّ وَ هُوَ يَصِيحُ وَ يَقُولُ وَ اللّهِ يَا عَدُوّ اللّهِ مَا بَايَعَ عَلِيّ عَتِيقاً، وَ لَم يَزَل كُلّمَا لَقِينَا قَوماً وَ أَقبَلنَا عَلَي قَومٍ نُخبِرُهُم بِبَيعَتِهِ وَ أَبُو ذَرّ يُكَذّبُنَا، وَ اللّهِ مَا بَايَعَنَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكرٍ وَ لَا فِي خلِاَفتَيِ وَ لَا يُبَايِعُ لِمَن بعَديِ وَ لَا بَايَعَ مِن أَصحَابِهِ اثنَا عَشَرَ رَجُلًا لَا لأِبَيِ بَكرٍ وَ لَا لِي،فَمَن فَعَلَ يَا مُعَاوِيَةُ فعِليِ وَ استَشَارَ أَحقَادَهُ السّالِفَةَ غيَريِ. وَ أَمّا أَنتَ وَ أَبُوكَ أَبُو سُفيَانَ وَ أَخُوكَ عُتبَةُ فَأَعرِفُ مَا كَانَ مِنكُم فِي تَكذِيبِ مُحَمّدٍ(ص ) وَ كَيدِهِ، وَ إِدَارَةِ الدّوَائِرِ بِمَكّةَ وَ طَلِبَتِهِ فِي جَبَلِ حري [حِرَاءٍ]لِقَتلِهِ، وَ تَأَلّفِ الأَحزَابِ وَ جَمعِهِم عَلَيهِ، وَ رُكُوبَ أَبِيكَ الجَمَلَ وَ قَد قَادَ الأَحزَابَ، وَ قَولَ مُحَمّدٍ لَعَنَ اللّهُ الرّاكِبَ وَ القَائِدَ وَ السّائِقَ، وَ كَانَ أَبُوكَ الرّاكِبَ وَ أَخُوكَ عُتبَةُ القَائِدَ وَ أَنتَ السّائِقَ، وَ لَم أَنسَ أُمّكَ هِنداً وَ قَد بَذَلَت لوِحَشيِّ مَا بَذَلَت حَتّي تَكَمّنَ لِحَمزَةَ ألّذِي دَعَوهُ أَسَدَ الرّحمَنِ فِي أَرضِهِ وَ طَعَنَهُ بِالحَربَةِ،فَفَلَقَ فُؤَادَهُ وَ شَقّ عَنهُ وَ أَخَذَ كَبِدَهُ فَحَمَلَهُ إِلَي أُمّكَ،فَزَعَمَ مُحَمّدٌ بِسِحرِهِ أَنّهُ لَمّا أَدخَلَتهُ فَاهَا لِتَأكُلَهُ صَارَ جُلمُوداً فَلَفَظَتهُ مِن فِيهَا،فَسَمّاهَا مُحَمّدٌ وَ أَصحَابُهُ آكِلَةَ الأَكبَادِ، وَ قَولَهَا فِي شِعرِهَا لِاعتِدَاءِ[لِأَعدَاءِ] مُحَمّدٍ وَ مُقَاتِلِيهِ
نَحنُ بَنَاتُ طَارِقٍ | نمَشيِ عَلَي النّمَارِقِ |
كالدّرّ فِي المَخَانِقِ | وَ المِسكِ فِي المَفَارِقِ |
صفحه : 297
إِن يُقبِلُوا نُعَانِق | أَو يُدبِرُوا نُفَارِق |
ِرَاقَ غَيرِ وَامِقٍ |
وَ نِسوَتُهَا فِي الثّيَابِ الصّفرِ المَرئِيّةِ مُبدِيَاتٍ وُجُوهَهُنّ وَ مَعَاصِمَهُنّ وَ رُءُوسَهُنّ يَحرِصنَ عَلَي قِتَالِ مُحَمّدٍ،إِنّكُم لَم تُسَلّمُوا طَوعاً وَ إِنّمَا أَسلَمتُم كَرهاً يَومَ فَتحِ مَكّةَ فَجَعَلَكُم طُلَقَاءَ، وَ جَعَلَ أخَيِ زَيداً وَ عَقِيلًا أَخَا عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَ العَبّاسَ عَمّهُم مِثلَهُم، وَ كَانَ مِن أَبِيكَ فِي نَفسِهِ، فَقَالَ وَ اللّهِ يَا ابنَ أَبِي كَبشَةَ لَأَملَأَنّهَا عَلَيكَ خَيلًا وَ رَجِلًا وَ أَحُولُ بَينَكَ وَ بَينَ هَذِهِ الأَعدَاءِ. فَقَالَ مُحَمّدٌ وَ يُؤذِنُ لِلنّاسِ أَنّهُ عَلِمَ مَا فِي نَفسِهِ أَو يكَفيِ اللّهُ شَرّكَ يَا أَبَا سُفيَانَ وَ هُوَ يرُيِ النّاسَ أَن لَا يَعلُوَهَا أَحَدٌ غيَريِ، وَ عَلِيّ وَ مَن يَلِيهِ مِن أَهلِ بَيتِهِ فَبَطَلَ سِحرُهُ وَ خَابَ سَعيُهُ، وَ عَلَاهَا أَبُو بَكرٍ وَ عَلَوتُهَا بَعدَهُ وَ أَرجُو أَن تَكُونُوا مَعَاشِرَ بنَيِ أُمَيّةَ عِيدَانَ أَطنَابِهَا،فَمِن ذَلِكَ قَد وَلّيتُكَ وَ قَلّدتُكَ إِبَاحَةَ مُلكِهَا وَ عَرّفتُكَ فِيهَا وَ خَالَفتُ قَولَهُ فِيكُم، وَ مَا أبُاَليِ مِن تَألِيفِ شِعرِهِ وَ نَثرِهِ، أَنّهُ قَالَ يُوحَي إلِيَّ مُنَزّلٌ مِن ربَيّ فِي قَولِهِوَ الشّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِي القُرآنِفَزَعَمَ أَنّهَا أَنتُم يَا بنَيِ أُمَيّةَ،فَبَيّنَ عَدَاوَتَهُ حَيثُ مَلِكَ كَمَا لَم يَزَل هَاشِمٌ وَ بَنُوهُ أَعدَاءَ بنَيِ عَبدِ شَمسٍ، وَ أَنَا مَعَ تذَكيِريِ إِيّاكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ شرَحيِ لَكَ مَا قَد شَرَحتُهُ نَاصِحٌ لَكَ وَ مُشفِقٌ عَلَيكَ مِن ضِيقِ عَطَنِكَ وَ حَرَجِ صَدرِكَ، وَ قِلّةِ حِلمِكَ، أَن تُعَجّلَ فِيمَا وَصّيتُكَ بِهِ وَ مَكّنتُكَ مِنهُ مِن شَرِيعَةِ مُحَمّدٍ(ص ) وَ أُمّتِهِ أَن تبُديَِ لَهُم مُطَالَبَتَهُ بِطَعنٍ أَو شَمَاتَةً بِمَوتٍ أَو رَدّاً عَلَيهِ فِيمَا أَتَي بِهِ، أَو استِصغَاراً لِمَا أَتَي بِهِ فَتَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ،فَتَخفِضَ مَا رَفَعتُ وَ تَهدِمَ مَا بَنَيتُ، وَ احذَر كُلّ
صفحه : 298
الحَذَرِ حَيثُ دَخَلتَ عَلَي مُحَمّدٍ مَسجِدَهُ وَ مِنبَرَهُ وَ صَدّق مُحَمّداً فِي كُلّ مَا أَتَي بِهِ وَ أَورَدَهُ ظَاهِراً، وَ أَظهِرِ التّحَرّزَ وَ الوَاقِعَةَ فِي رَعِيّتِكَ، وَ أَوسِعهُم حِلماً، وَ أَعِمّهُم بِرَوَائِحِ العَطَايَا، وَ عَلَيكَ بِإِقَامَةِ الحُدُودِ فِيهِم وَ تَضعِيفِ الجِنَايَةِ مِنهُم لسببا[لِسَبَبِ] مُحَمّدٍ مِن مَالِكَ وَ رِزقِكَ وَ لَا تُرِهِم أَنّكَ تَدَعُ لِلّهِ حَقّاً وَ لَا تَنقُضُ فَرضاً وَ لَا تُغَيّرُ لِمُحَمّدٍ سُنّةً فَتُفسِدَ عَلَينَا الأُمّةَ،بَل خُذهُم مِن مَأمَنِهِم، وَ اقتُلهُم بِأَيدِيهِم، وَ أَبِدهُم بِسُيُوفِهِم وَ تَطَاوُلِهِم وَ لَا تُنَاجِزهُم، وَ لِن لَهُم وَ لَا تَبخَس عَلَيهِم، وَ افسَح لَهُم فِي مَجلِسِكَ، وَ شَرّفهُم فِي مَقعَدِكَ، وَ تَوَصّل إِلَي قَتلِهِم بِرَئِيسِهِم، وَ أَظهِرِ البِشرَ وَ البَشَاشَةَ بَلِ اكظِم غَيظَكَ وَ اعفُ عَنهُم يُحِبّوكَ وَ يُطِيعُوكَ،فَمَا آمَنُ عَلَينَا وَ عَلَيكَ ثَورَةَ عَلِيّ وَ شِبلَيهِ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ، فَإِن أَمكَنَكَ فِي عِدّةٍ مِنَ الأُمّةِ فَبَادِر وَ لَا تَقنَع بِصِغَارِ الأُمُورِ، وَ اقصِد بِعَظِيمِهَا وَ احفَظ وصَيِتّيِ إِلَيكَ وَ عهَديِ وَ أَخفِهِ وَ لَا تُبدِهِ، وَ امتَثِل أمَريِ وَ نهَييِ وَ انهَض بطِاَعتَيِ، وَ إِيّاكَ وَ الخِلَافَ عَلَيّ، وَ اسلُك طَرِيقَ أَسلَافِكِ، وَ اطلُب بِثَارِكَ، وَ اقتَصّ آثَارَهُم،فَقَد أَخرَجتُ إِلَيكَ بسِرِيّ وَ جهَريِ، وَ شَفَعتُ هَذَا بقِوَليِ
معُاَويَِ إِنّ القَومَ جَلّت أُمُورُهُم | بِدَعوَةِ مَن عَمّ البَرِيّةَ باِلوتَريِ |
صَبَوتُ إِلَي دَينٍ لَهُم فأَرَاَبنَيِ | فَأَبعِد بِدِينٍ قَد قَصَمتُ بِهِ ظهَريِ |
وَ إِن أَنسَ لَا أَنسَ الوَلِيدَ وَ شَيبَةَ | وَ عُتبَةَ وَ العَاصَ السّرِيعَ لَدَي بَدرٍ |
وَ تَحتَ شَغَافِ القَلبِ لَدغٌ لِفَقدِهِم | أَبُو حَكَمٍ أعَنيِ الضَئِيلَ مِنَ الفقَريِ |
صفحه : 299
أُولَئِكَ فَاطلُب يَا معُاَويَِ ثَارَهُم | بِنَصلِ سُيُوفِ الهِندِ وَ الأَسَلِ السمّريِ |
وَ صِل بِرِجَالِ الشّامِ فِي مَعشَرِهِم | هُمُ الأُسدُ وَ البَاقُونَ فِي أَكَمِ الوعَريِ |
تَوَسّل إِلَي التّخلِيطِ فِي المِلّةِ التّيِ | أَتَانَا بِهِ الماَضيِ المُسَمّوهُ باِلسحّريِ |
وَ طَالِب بِأَحقَادٍ مَضَت لَكَ مُظهِراً | لِعِلّةِ دِينٍ عَمّ كُلّ بنَيِ النّضرِ |
فَلَستَ تَنَالُ الثّارَ إِلّا بِدِينِهِم | فَتَقتُلُ بِسَيفِ القَومِ جِيدَ بنَيِ عمَريِ |
لِهَذَا لَقَد وَلّيتُكَ الشّامَ رَاجِياً | وَ أَنتَ جَدِيرٌ أَن تَئُولَ إِلَي صخَريِ |
قَالَ فَلَمّا قَرَأَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ هَذَا العَهدَ،قَامَ إِلَي يَزِيدَ فَقَبّلَ رَأسَهُ، وَ قَالَ الحَمدُ لِلّهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَي قَتلِكَ الشاّريِّ ابنَ الشاّريِّ، وَ اللّهِ مَا أَخرَجَ أَبِي إلِيَّ بِمَا أَخرَجَ إِلَي أَبِيكَ، وَ اللّهِ لَا رآَنيِ أَحَدٌ مِن رَهطِ مُحَمّدٍ بِحَيثُ يُحِبّ وَ يَرضَي،فَأَحسَنَ جَائِزَتَهُ وَ بَرّهُ، وَ رَدّهُ مُكَرّماً.فَخَرَجَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ مِن عِندِهِ ضَاحِكاً، فَقَالَ لَهُ النّاسُ مَا قَالَ لَكَ. قَالَ قَولًا صَادِقاً لَوَدِدتُ أنَيّ كُنتُ مُشَارِكَهُ فِيهِ، وَ سَارَ رَاجِعاً إِلَي المَدِينَةِ، وَ كَانَ جَوَابُهُ لِمَن يَلقَاهُ هَذَا الجَوَابَ. وَ يُروَي أَنّهُ أَخرَجَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللّهُ إِلَي عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ كِتَاباً فِيهِ عَهدُ عُثمَانَ بنِ عَفّانَ فِيهِ أَغلَظُ مِن هَذَا وَ أَدهَي وَ أَعظَمُ مِنَ العَهدِ ألّذِي كَتَبَهُ عُمَرُ لِمُعَاوِيَةَ، فَلَمّا
صفحه : 300
قَرَأَ عَبدُ اللّهِ العَهدَ الآخَرَ قَامَ فَقَبّلَ رَأسَ يَزِيدَ لَعَنَهُمَا اللّهُ، وَ قَالَ الحَمدُ لِلّهِ عَلَي قَتلِكَ الشاّريَِ ابنَ الشاّريِ، وَ اعلَم أَنّ واَلدِيِ عُمَرَ أَخرَجَ إلِيَّ مِن سِرّهِ بِمِثلِ هَذَا ألّذِي أَخرَجَهُ إِلَي أَبِيكَ مُعَاوِيَةَ، وَ لَا أَرَي أَحَداً مِن رَهطِ مُحَمّدٍ وَ أَهلِهِ وَ شِيعَتِهِ بَعدَ يوَميِ هَذَا إِلّا غَيرَ مُنطَوٍ لَهُم عَلَي خَيرٍ أَبَداً. فَقَالَ يَزِيدُ أَ فِيهِ شَرحُ الخَفَا يَا ابنَ عُمَرَ. وَ الحَمدُ لِلّهِ وَحدَهُ وَ صَلّي اللّهُ عَلَي مُحَمّدٍ وَ آلِهِ، قَالَ ابنُ عَبّاسٍ أَظهَرُوا الإِيمَانَ وَ أَسَرّوا الكُفرَ، فَلَمّا وَجَدُوا عَلَيهِ أَعوَاناً أَظهَرُوهُ.
بيان لم أجد الرواية بغير هذاالسند، و فيهاغرائب . والشائكة من الشوك .. يقال شجرة شائكة .. أي ذات شوك ، أي كانت البصائر والنيّات غيرخالصة ممّا يختلج بالبال من الشكوك والشبهات . و رجل طمطماني بالضم في لسانه عجمة. و قال الجوهري فلان واسع العطن والبلد إذا كان رحب الذّراع.
152- كِتَابُ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ عَن أَبَانٍ، قَالَ قَالَ سُلَيمٌكَتَبَ أَبُو المُختَارِ بنُ أَبِي الصّعِقِ إِلَي عُمَرَ هَذِهِ الأَبيَاتَ
صفحه : 301
أُبَلّغُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ رِسَالَةً | فَأَنتَ أَمِيرُ اللّهِ فِي المَالِ وَ الأَمرِ |
وَ أَنتَ أَمِينُ اللّهِ فِينَا وَ مَن يَكُن | أَمِيناً لِرَبّ النّاسِ يُسلِم لَهُ صدَريِ |
فَلَا تَدَعَن أَهلَ الرّسَاتِيقِ وَ القُرَي | يَخُونُونَ مَالَ اللّهِ فِي الأُدمِ وَ الخَمرِ |
وَ أَرسِل إِلَي النّعمَانِ وَ ابنِ مَعقِلٍ | وَ أَرسِل إِلَي حَزمٍ وَ أَرسِل إِلَي بِشرٍ |
وَ أَرسِل إِلَي الحَجّاجِ وَ اعلَم حِسَابَهُ | وَ ذَاكَ ألّذِي فِي السّوقِ مَولَي بنَيِ بَدرٍ |
وَ لَا تَنسَيَنّ التّابِعَينِ كِلَيهِمَا | وَ صِهرَ بنَيِ غَذوَانَ فِي القَومِ ذَا وَفرٍ |
وَ مَا عَاصِمٌ فِيهَا بِصِفرٍ عِيَابُهُ | وَ لَا ابنُ غَلَابِ مِن رُمَاةِ بنَيِ نَصرٍ |
وَ استَلّ ذَاكَ المَالَ دُونَ ابنِ مُحرِزٍ | وَ قَد كَانَ مِنهُ فِي الرّسَاتِيقِ ذَا وَفرٍ |
فَأَرسِل إِلَيهِم يُخبِرُوكَ وَ يَصدُقُوا | أَحَادِيثَ هَذَا المَالِ مَن كَانَ ذَا فِكرٍ |
وَ قَاسِمهُمُ أهَليِ فِدَاؤُكَ إِنّهُم | سَيَرضَونَ إِن قَاسَمتَهُم مِنكَ بِالشّطرِ |
وَ لَا تدَعوُنَيّ لِلشّهَادَةِ إنِنّيِ | أَغِيبُ وَ لكَنِيّ أَرَي عَجَبَ الدّهرِ |
إراء[BA]أَرَي]الخَيلَ كَالجُدرَانِ وَ البَيضَ كَالدّمَي | وَ خَطّيّةً فِي عِدّةِ النّملِ وَ القَطرِ |
وَ مِن رَيطَةٍ مَطوِيّةٍ فِي قِرَابِهَا | وَ مِن طيَّ أَبرَادٍ مُضَاعَفَةٍ صُفرٍ |
صفحه : 302
إِذَا التّاجِرُ الداّريِّ جَاءَ بِفَأرَةٍ | مِنَ المِسكِ رَاحَت فِي مَفَارِقِهِم تجَريِ |
فَقَالَ ابنُ غَلَابِ المصِريِّ
أَلَا أَبلِغ أَبَا المُختَارِ أنَيّ أَتَيتُهُ | وَ لَم أَكُ ذَا قُربَي لَدَيهِ وَ لَا صِهرٍ |
وَ مَا كَانَ عنِديِ مِن تُرَاثٍ وَرِثتُهُ | وَ لَا صَدَقَاتٍ مِن سبَيٍ وَ لَا غَدرٍ |
وَ لَكِن دَرَاكِ الرّكضَ فِي كُلّ غَارَةٍ | وَ صبَريِ إِذَا مَا لموت كَانَ وَرَا السمّريِ[BA]السّمرِ] |
بِسَابِغَةٍ يَغشَي اللّبَانَ فُضُولُهَا | أُكَفكِفُهَا عنَيّ بِأَبيَضَ ذيِ وَقرٍ |
قَالَ سُلَيمٌ فَأَغرَمَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ تِلكَ السّنَةَ جَمِيعَ عُمّالِهِ أَنصَافَ أَموَالِهِم لِشِعرِ أَبِي المُختَارِ، وَ لَم يُغرِم قُنفُذَ العدَوَيِّ شَيئاً وَ قَد كَانَ مِن عُمّالِهِ وَ رَدّ عَلَيهِ مَا أَخَذَ مِنهُ وَ هُوَ عِشرُونَ أَلفَ دِرهَمٍ وَ لَم يَأخُذ مِنهُ عُشرَهُ وَ لَا نِصفَ عُشرِهِ، وَ كَانَ مِن عُمّالِهِ الّذِينَ أُغرِمُوا أَبُو هُرَيرَةَ عَلَي البَحرَينِ فَأَحصَي مَالَهُ فَبَلَغَ أَربَعَةً وَ عِشرِينَ أَلفاً،فَأَغرَمَهُ اثنيَ عَشَرَ أَلفاً. فَقَالَ أَبَانٌ قَالَ سُلَيمٌ فَلَقِيتُ عَلِيّاً صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَسَأَلتُهُ عَمّا صَنَعَ عُمَرُ فَقَالَ هَل تدَريِ لِمَ كَفّ عَن قُنفُذٍ وَ لَم يُغرِمهُ شَيئاً. قُلتُ لَا. قَالَ لِأَنّهُ هُوَ ألّذِي ضَرَبَ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا بِالسّوطِ حِينَ جَاءَت لِتَحُولَ
صفحه : 303
بيَنيِ وَ بَينَهُم فَمَاتَت صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا، وَ إِنّ أَثَرَ السّوطِ لفَيِ عَضُدِهَا مِثلُ الدّملُجِ. قَالَ أَبَانٌ قَالَ سُلَيمٌ انتَهَيتُ إِلَي حَلقَةٍ فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَيسَ فِيهَا إِلّا هاَشمِيِّ غَيرَ سَلمَانَ وَ أَبِي ذَرّ وَ المِقدَادِ وَ مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ وَ قَيسِ بنِ سَعدِ بنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ العَبّاسُ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا تَرَي عُمَرَ مَنَعَهُ مِن أَن يُغَرّمَ قُنفُذاً كَمَا غَرّمَ جَمِيعَ عُمّالِهِ.فَنَظَرَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي مَن حَولَهُ، ثُمّ اغرَورَقَت عَينَاهُ، ثُمّ قَالَ شَكَرَ لَهُ ضَربَةً ضَرَبَهَا فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ بِالسّوطِ فَمَاتَت وَ فِي عَضُدِهَا أَثَرُهُ كَأَنّهُ الدّملُجُ. ثُمّ قَالَ( ع )العَجَبُ مِمّا أُشرِبَت قُلُوبَ هَذِهِ الأُمّةِ مِن حُبّ هَذَا الرّجُلِ وَ صَاحِبِهِ مِن قَبلِهِ، وَ التّسلِيمِ لَهُ فِي كُلّ شَيءٍ أَحدَثَهُ.لَئِن كَانَ عُمّالُهُ خَوَنَةً وَ كَانَ هَذَا المَالُ فِي أَيدِيهِم خِيَانَةً مَا كَانَ حَلّ لَهُ تَركُهُ، وَ كَانَ لَهُ أَن يَأخُذَهُ كُلّهُ،فَإِنّهُ فيَءٌ لِلمُسلِمِينَ،فَمَا بَالُهُ يَأخُذُ نِصفَهُ وَ يَترُكُ نِصفَهُ. وَ لَئِن كَانُوا غَيرَ خَوَنَةٍ فَمَا حَلّ لَهُ أَن يَأخُذَ أَموَالَهُم وَ لَا شَيئاً مِنهَا قَلِيلًا وَ لَا كَثِيراً وَ إِنّمَا أَخَذَ أَنصَافَهَا. وَ لَو كَانَت فِي أَيدِيهِم خِيَانَةً، ثُمّ لَم يُقِرّوا بِهَا وَ لَم تَقُم عَلَيهِمُ البَيّنَةُ مَا حَلّ لَهُ أَن يَأخُذَ مِنهُم قَلِيلًا وَ لَا كَثِيراً. وَ أَعجَبُ مِن ذَلِكَ إِعَادَتُهُ إِيّاهُم إِلَي أَعمَالِهِم،لَئِن كَانُوا خَوَنَةً مَا حَلّ لَهُ أَن يَستَعمِلَهُم، وَ لَئِن كَانُوا غَيرَ خَوَنَةٍ مَا حَلّت لَهُ أَموَالُهُم، ثُمّ أَقبَلَ عَلِيّ( ع ) عَلَي القَومِ فَقَالَ العَجَبُ لِقَومٍ يَرَونَ سُنّةَ نَبِيّهِم تَتَبَدّلُ وَ تَتَغَيّرُ شَيئاً شَيئاً وَ بَاباً بَاباً ثُمّ يَرضَونَ وَ لَا يُنكِرُونَ،بَل يَغضَبُونَ لَهُ وَ يَعتِبُونَ عَلَي مَن عَابَ عَلَيهِ وَ أَنكَرَهُ، ثُمّ يجَيِءُ قَومٌ
صفحه : 304
بَعدَنَا فَيَتّبِعُونَ بِدعَتَهُ وَ جَورَهُ وَ أَحدَاثَهُ وَ يَتّخِذُونَ أَحدَاثَهُ سُنّةً وَ دِيناً يَتَقَرّبُونَ بِهِمَا إِلَي اللّهِ فِي مِثلِ تَحوِيلِهِ مَقَامَ اِبرَاهِيمَ مِنَ المَوضِعِ ألّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي المَوضِعِ ألّذِي كَانَ فِيهِ فِي الجَاهِلِيّةِ ألّذِي حَوّلَهُ مِنهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ فِي تَغيِيرِهِ صَاعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مُدّهُ، وَ فِيهِمَا فَرِيضَةٌ وَ سُنّةٌ،فَمَا كَانَ زِيَادَتُهُ إِلّا سُوءً،لِأَنّ المَسَاكِينَ فِي كَفّارَةِ اليَمِينِ وَ الظّهَارِ بِهِمَا يُعطَونَ وَ مَا يَجِبُ فِي الزّرعِ، وَ قَد قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أللّهُمّ بَارِك لَنَا فِي مُدّنَا وَ صَاعِنَا، لَا يَحُولُونَ بَينَهُ وَ بَينَ ذَلِكَ،لَكِنّهُم رَضُوا وَ قَبِلُوا مَا صَنَعَ، وَ قَبضِهِ وَ صَاحِبِهِ فَدَكَ وَ هيَِ فِي يدَيَِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مَقبُوضَةٌ، قَد أَكَلَت غَلّتَهَا عَلَي عَهدِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَسَأَلَهَا البَيّنَةَ عَلَي مَا فِي يَدِهَا، وَ لَم يُصَدّقهَا وَ لَا صَدّقَ أُمّ أَيمَنَ، وَ هُوَ يَعلَمُ يَقِيناً كَمَا نَعلَمُ أَنّهَا فِي يَدِهَا، وَ لَم يَحِلّ لَهُ أَن يَسأَلَهَا البَيّنَةَ عَلَي مَا فِي يَدِهَا، وَ لَا أَن يَتّهِمَهَا، ثُمّ استَحسَنَ النّاسُ ذَلِكَ وَ حَمِدُوهُ وَ قَالُوا إِنّمَا حَمَلَهُ عَلَي ذَلِكَ الوَرَعُ وَ الفَضلُ، ثُمّ حَسّنَ قُبحَ فِعلِهِمَا أَن عَدَلَا عَنهَا فَقَالَا بِالظّنّ إِنّ فَاطِمَةَ لَن تَقُولَ إِلّا حَقّاً، وَ إِنّ عَلِيّاً لَم يَشهَد إِلّا بِحَقّ، وَ لَو كَانَت مَعَ أُمّ أَيمَنَ امرَأَةٌ أُخرَي أَمضَينَا لَهَا،فَخَطَبَا بِذَلِكَ عِندَ الجُهّالِ، وَ مَا لَهُمَا وَ مَن أَمّرَهُمَا أَن يَكُونَا حَاكِمَينِ فَيُعطِيَانِ أَو يَمنَعَانِ، وَ لَكِنّ الأُمّةَ ابتُلُوا بِهِمَا فَأَدخَلَا
صفحه : 305
نَفسَهُمَا فِيمَا لَا حَقّ لَهُمَا فِيهِ وَ لَا عِلمَ لَهُمَا فِيهِ، وَ قَد قَالَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ حِينَ أَرَادَ انتِزَاعَهَا مِنهَا، وَ هيَِ فِي يَدِهَا أَ لَيسَت فِي يدَيِ وَ فِيهَا وكَيِليِ، وَ قَد أَكَلتُ غَلّتَهَا وَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حيَّ.قَالَا بَلَي.قَالَت فَلِمَ تسَألَاَنيِ البَيّنَةَ عَلَي مَا فِي يدَيِ.قَالَا لِأَنّهَا فيَءٌ لِلمُسلِمِينَ، فَإِن قَامَت بَيّنَةٌ وَ إِلّا لَم نُمضِهَا.فَقَالَت لَهُمَا وَ النّاسُ حَولَهُمَا يَسمَعُونَ أَ فَتُرِيدَانِ أَن تَرُدّا مَا صَنَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ وَ تَحكُمَا فِينَا خَاصّةً بِمَا لَم تَحكُمَا فِي سَائِرِ المُسلِمِينَ أَيّهَا النّاسُ اسمَعُوا مَا رَكِبَاهَا. قُلتُ أَ رَأَيتُمَا إِنِ ادّعَيتُ مَا فِي أيَديِ المُسلِمِينَ مِن أَموَالِهِم تسَألَوُنيّ البَيّنَةَ أَم تَسأَلُونَهُم.قَالَا لَا،بَل نَسأَلُكَ. قُلتُ فَإِنِ ادّعَي جَمِيعُ المُسلِمِينَ مَا فِي يدَيِ تَسأَلُونَهُمُ البَيّنَةَ أَم تسَألَوُنيّ.فَغَضِبَ عُمَرُ، وَ قَالَ إِنّ هَذَا فيَءٌ لِلمُسلِمِينَ وَ أَرضُهُم وَ هيَِ فِي يدَيَ فَاطِمَةَ( ع )تَأكُلُ غَلّتَهَا، فَإِن أَقَامَت بَيّنَةً عَلَي مَا ادّعَت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَهَبَهَا لَهَا مِن بَينِ المُسلِمِينَ وَ هيَِ فَيئُهُم وَ حَقّهُم نَظَرنَا فِي ذَلِكَ. فَقَالَ أَنشُدُكُم بِاللّهِ أَ مَا سَمِعتُم رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ
صفحه : 306
إِنّ ابنتَيِ سَيّدَةُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ.قَالُوا أللّهُمّ نَعَم، قَد سَمِعنَاهَا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ.قَالَت أَ فَسَيّدَةُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ تدَعّيِ البَاطِلَ وَ تَأخُذُ مَا لَيسَ لَهَا أَ رَأَيتُم لَو أَنّ أَربَعَةً شَهِدُوا عَلَيّ بِفَاحِشَةٍ أَو رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ أَ كُنتُم مُصَدّقِينَ عَلَيّ.فَأَمّا أَبُو بَكرٍ فَسَكَتَ، وَ أَمّا عُمَرُ فَقَالَ وَ نُوقِعُ عَلَيكِ الحَدّ.فَقَالَت كَذَبتَ وَ لَؤُمتَ، إِلّا أَن تُقِرّ أَنّكَ لَستَ عَلَي دِينِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، إِنّ ألّذِي يُجِيزُ عَلَي سَيّدَةِ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ شَهَادَةً أَو يُقِيمُ عَلَيهَا حَدّاً لَمَلعُونٌ كَافِرٌ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَي مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، إِنّ مَن أَذهَبَ اللّهُ عَنهُمُ الرّجسَ أَهلَ البَيتِ وَ طَهّرَهُم تَطهِيراً، لَا يَجُوزُ عَلَيهِم شَهَادَةٌ،لِأَنّهُم مَعصُومُونَ مِن كُلّ سُوءٍ،مُطَهّرُونَ مِن كُلّ فَاحِشَةٍ،حدَثّنيِ عَن أَهلِ هَذِهِ الآيَةِ، لَو أَنّ قَوماً شَهِدُوا عَلَيهِم أَو عَلَي أَحَدٍ مِنهُم بِشِركٍ أَو كُفرٍ أَو فَاحِشَةٍ كَانَ المُسلِمُونَ يَتَبَرّءُونَ مِنهُم وَ يَحُدّونَهُم. قَالَ نَعَم، وَ مَا هُم وَ سَائِرُ النّاسِ فِي ذَلِكَ إِلّا سَوَاءً.قَالَت كَذَبتَ وَ كَفَرتَ،لِأَنّ اللّهَ عَصَمَهُم وَ أَنزَلَ عِصمَتَهُم وَ تَطهِيرَهُم وَ أَذهَبَ عَنهُمُ الرّجسَ،فَمَن صَدّقَ عَلَيهِم يُكَذّبُ اللّهَ وَ رَسُولَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَقسَمتُ عَلَيكَ يَا عُمَرُ لَمّا سَكَتّ، فَلَمّا أَن كَانَ اللّيلُ أَرسَلَ إِلَي خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ، فَقَالَ إِنّا نُرِيدُ أَن نُسِرّ إِلَيكَ أَمراً وَ نَحمِلَكَ
صفحه : 307
عَلَيهِ. فَقَالَ احملِاَنيِ عَلَي مَا شِئتُمَا فإَنِيّ طَوعُ أَيدِيكُمَا.فَقَالَا لَهُ إِنّهُ لَا يَنفَعُنَا مَا نَحنُ فِيهِ مِنَ المُلكِ وَ السّلطَانِ مَا دَامَ عَلِيّ حَيّاً، أَ مَا سَمِعتَ مَا قَالَ لَنَا وَ مَا استَقبَلَنَا بِهِ، وَ نَحنُ لَا نَأمَنُهُ أَن يَدعُوَ فِي السّرّ فَيَستَجِيبَ لَهُ قَومٌ فَيُنَاهِضَنَا فَإِنّهُ أَشجَعُ العَرَبِ، وَ قَدِ ارتَكَبنَا مِنهُم مَا رَأَيتَ وَ غَلَبنَاهُ عَلَي مُلكِ ابنِ عَمّهِ وَ لَا حَقّ لَنَا فِيهِ، وَ انتَزَعنَا فَدَكَ مِنِ امرَأَتِهِ، فَإِذَا صَلّيتُ بِالنّاسِ الغَدَاةَ،فَقُم إِلَي جَانِبِهِ وَ ليَكُن سَيفُكَ مَعَكَ، فَإِذَا صَلّيتُ وَ سَلّمتُ فَاضرِب عُنُقَهُ. فَقَالَ صَلّي خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ بجِنَبيِ مُتَقَلّدَ السّيفِ،فَقَامَ أَبُو بَكرٍ فِي الصّلَاةِ فَجَعَلَ يُؤَامِرُ نَفسَهُ وَ نَدِمَ وَ أُسقِطَ فِي يَدِهِ حَتّي كَادَتِ الشّمسُ أَن تَطلُعَ، ثُمّ قَالَ قَبلَ أَن يُسَلّمَ لَا تَفعَل يَا خَالِدُ مَا أَمَرتُكَ، ثُمّ سَلّمَ،فَقُلتُ لِخَالِدٍ مَا ذَاكَ. قَالَ قَد كَانَ أمَرَنَيِ إِذَا سَلّمَ أَضرِبُ عُنُقَكَ. قُلتُ أَ وَ كُنتَ فَاعِلًا. قَالَ إيِ وَ ربَيّ إِذاً لَفَعَلتُ. قَالَ سُلَيمٌ ثُمّ أَقبَلَ( ع ) عَلَي العَبّاسِ وَ مَن حَولَهُ ثُمّ قَالَ أَ لَا تَعجَبُونَ مِن حَبسِهِ وَ حَبسِ صَاحِبِهِ عَنّا سَهمَ ذيِ القُربَي ألّذِي فَرَضَهُ اللّهُ لَنَا فِي القُرآنِ، وَ قَد عَلِمَ اللّهُ أَنّهُم سَيَظلِمُونّا وَ يَنتَزِعُونَهُ مِنّا، فَقَالَإِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ وَ ما أَنزَلنا
صفحه : 308
عَلي عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَي الجَمعانِ. وَ العَجَبُ لِهَدمِهِ مَنزِلَ أخَيِ جَعفَرٍ وَ إِلحَاقِهِ فِي المَسجِدِ، وَ لَم يُعطِ بَنِيهِ مِن ثَمَنِهِ قَلِيلًا وَ لَا كَثِيراً، ثُمّ لَم يَعِب ذَلِكَ عَلَيهِ النّاسُ وَ لَم يُغَيّرُوهُ،فَكَأَنّمَا أَخَذَ مَنزِلَ رَجُلٍ مِنَ الدّيلَمِ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي دَارَ رَجُلٍ مِن تُركِ كَابُلَ. وَ العَجَبُ لِجَهلِهِ وَ جَهلِ الأُمّةِ أَنّهُ كَتَبَ إِلَي جَمِيعِ عُمّالِهِ أَنّ الجُنُبَ إِذَا لَم يَجِدِ المَاءَ فَلَيسَ لَهُ أَن يصُلَيَّ وَ لَيسَ لَهُ أَن يَتَيَمّمَ بِالصّعِيدِ حَتّي يَجِدَ المَاءَ، وَ إِن لَم يَجِدهُ حَتّي يَلقَي اللّهَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي وَ إِن لَم يَجِدهُ سَنَةً ثُمّ قَبِلَ النّاسُ مِنهُ وَ رَضُوا بِهِ، وَ قَد عَلِمَ وَ عَلِمَ النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد أَمَرَ عَمّاراً وَ أَمَرَ أَبَا ذَرّ أَن يَتَيَمّمَا مِنَ الجَنَابَةِ وَ يُصَلّيَا وَ شَهِدَا بِهِ عِندَهُ وَ غَيرُهُمَا فَلَم يَقبَل ذَلِكَ وَ لَم يَرفَع بِهِ رَأساً. وَ العَجَبُ لِمَا قَد خَلَطَ قَضَايَا مُختَلِفَةً فِي الجَدّ بِغَيرِ عِلمٍ تَعَسّفاً وَ جَهلًا، وَ ادّعَائِهِمَا مَا لَم يَعلَمَا جُرأَةً عَلَي اللّهِ وَ قِلّةَ وَرَعٍ،ادّعَيَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَاتَ وَ لَم يَقضِ فِي الجَدّ شَيئاً مِنهُ، وَ لَم يَدَع أَحَداً يَعلَمُ مَا لِلجَدّ مِنَ المِيرَاثِ، ثُمّ تَابَعُوهُمَا عَلَي ذَلِكَ وَ صَدّقُوهُمَا.
صفحه : 309
وَ عِتقِهِ أُمّهَاتِ الأَولَادِ،فَأَخَذَ النّاسُ بِقَولِهِ وَ تَرَكُوا أَمرَ اللّهِ وَ أَمرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. وَ مَا صَنَعَ بِنَصرِ بنِ حَجّاجٍ وَ بِجَعدِ بنِ سُلَيمٍ وَ بِابنِ وتره [وَبرَةَ]. وَ أَعجَبُ مِن ذَلِكَ أَنّ أَبَا كَيفٍ العبَديِّ أَتَاهُ، فَقَالَ إنِيّ طَلّقتُ امرأَتَيِ وَ أَنَا غَائِبٌ فَوَصَلَ إِلَيهَا الطّلَاقُ ثُمّ رَاجَعتُهَا وَ هيَِ فِي عِدّتِهَا، وَ كَتَبتُ إِلَيهَا فَلَم يَصِلِ الكِتَابُ إِلَيهَا حَتّي تَزَوّجَت،فَكَتَبَ لَهُ إِن كَانَ هَذَا ألّذِي تَزَوّجَهَا دَخَلَ بِهَا فهَيَِ امرَأَتُهُ وَ إِن كَانَ لَم يَدخُل بِهَا فهَيَِ امرَأَتُكَ، وَ كَتَبَ لَهُ ذَلِكَ وَ أَنَا شَاهِدٌ، وَ لَم يشُاَورِنيِ وَ لَم يسَألَنيِ،يَرَي استِغنَاءَهُ بِعِلمِهِ عنَيّ،فَأَرَدتُ أَن أَنهَاهُ ثُمّ قُلتُ مَا أبُاَليِ أَن يَفضَحَهُ اللّهُ ثُمّ لَم تَعِبهُ النّاسُ بَلِ استَحسَنُوهُ وَ اتّخَذُوهُ سُنّةً وَ قَبِلُوهُ عَنهُ، وَ رَأَوهُ صَوَاباً، وَ ذَلِكَ قَضَاءٌ وَ لَا يقَضيِ بِهِ مَجنُونٍ. ثُمّ تَركُهُ مِنَ الأَذَانِ(حيَّ عَلَي خَيرِ العَمَلِ)فَاتّخَذُوهُ سُنّةً وَ تَابَعُوهُ عَلَي ذَلِكَ. وَ قَضِيّتُهُ فِي المَفقُودِ أَنّ أَجَلَ امرَأَتِهِ أَربَعُ سِنِينَ ثُمّ تَتَزَوّجُ فَإِن جَاءَ زَوجُهَا خُيّرَ بَينَ امرَأَتِهِ وَ بَينَ الصّدَاقِ،فَاستَحسَنَهُ النّاسُ وَ اتّخَذُوهُ سُنّةً وَ قَبِلُوهُ عَنهُ جَهلًا وَ قِلّةَ عِلمٍ بِكِتَابِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ. وَ إِخرَاجُهُ مِنَ المَدِينَةِ كُلّ أَعمَي، وَ إِرسَالُهُ إِلَي عُمّالِهِ بِالبَصرَةِ بِحَبلِ خَمسَةِ
صفحه : 310
أَشبَارٍ، وَ قَولُهُ مَن أَخَذتُمُوهُ مِنَ الأَعَاجِمِ فَبَلَغَ طُولَ هَذَا الحَبلِ فَاضرِبُوا عُنُقَهُ. وَ رَدّهُ سَبَايَا تُستَرَ، وَ هُنّ حَبَالَي. وَ إِرسَالُهُ بِحَبلٍ مِن صِبيَانٍ سَرَقُوا بِالبَصرَةِ، وَ قَولُهُ مَن بَلَغَ طُولَ هَذَا الحَبلِ فَاقطَعُوهُ. وَ أَعجَبُ مِن ذَلِكَ أَنّ كَذّاباً رُجِمَ بِكَذّابَةٍ فَقَبِلَهَا وَ قَبِلَهَا الجُهّالُ،فَزَعَمُوا أَنّ المَلَكَ يَنطِقُ عَلَي لِسَانِهِ وَ يُلَقّنُهُ. وَ إِعتَاقُهُ سَبَايَا أَهلِ اليَمَنِ. وَ تَخَلّفُهُ وَ صَاحِبِهِ عَن جَيشِ أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ مَعَ تَسلِيمِهِمَا عَلَيهِ بِالإِمرَةِ. ثُمّ أَعجَبُ مِن ذَلِكَ أَنّهُ قَد عَلِمَ وَ عَلِمَهُ النّاسُ أَنّهُ ألّذِي صَدّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنِ الكَتِفِ ألّذِي دَعَا بِهِ ثُمّ لَم يَضُرّهُ ذَلِكَ عِندَهُم وَ لَم يَنقُصهُ. وَ أَنّهُ صَاحِبُ صَفِيّةَ حِينَ قَالَ لَهَا مَا قَالَ،فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ حَتّي قَالَ مَا قَالَ. وَ أَنّهُ ألّذِي مَرَرتُ بِهِ يَوماً فَقَالَ مَا مَثَلُ مُحَمّدٍ فِي أَهلِ بَيتِهِ إِلّا كَنَخلَةٍ نَبَتَت فِي كُنَاسَةٍ،فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَغَضِبَ وَ خَرَجَ فَأَتَي المِنبَرَ، وَ فَزِعَتِ الأَنصَارُ فَجَاءَت شَائِكَةً فِي السّلَاحِ لِمَا رَأَت مِن غَضَبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ، فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا بَالُ أَقوَامٍ يعُيَرّوُنيّ بقِرَاَبتَيِ، وَ قَد سَمِعُوا منِيّ مَا قُلتُ فِي فَضلِهِم وَ تَفضِيلِ اللّهِ إِيّاهُم، وَ مَا خَصّهُم بِهِ مِن إِذهَابِ
صفحه : 311
الرّجسِ عَنهُم وَ تَطهِيرِ اللّهِ إِيّاهُم، وَ قَد سَمِعتُم مَا قُلتُ فِي أَفضَلِ أَهلِ بيَتيِ وَ خَيرِهِم مِمّا خَصّهُ اللّهُ بِهِ وَ أَكرَمَهُ وَ فَضّلَهُ عَلَي مَن سَبَقَهُ إِلَي الإِسلَامِ وَ تَدَيّنِهِ فِيهِ وَ قَرَابَتِهِ منِيّ، وَ أَنّهُ منِيّ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي، ثُمّ تَزعُمُونَ أَنّ مثَلَيِ فِي أَهلِ بيَتيِ كَمَثَلِ نَخلَةٍ فِي كُنَاسَةٍ،أَلَا إِنّ اللّهَ خَلَقَ خَلقَهُ فَفَرّقَهُ فِرقَتَينِ فجَعَلَنَيِ فِي خَيرِ الفِرقَتَينِ، ثُمّ فَرّقَ الفِرقَةَ ثَلَاثَ فِرَقٍ،شُعُوباً، وَ قَبَائِلَ، وَ بُيُوتاً،فجَعَلَنَيِ فِي خَيرِهَا شَعباً وَ خَيرِهَا قَبِيلَةً، ثُمّ جَعَلَهُم بُيُوتاً،فجَعَلَنَيِ فِي خَيرِهَا بَيتاً،فَذَلِكَ قَولُهُإِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرّجسَ أَهلَ البَيتِ وَ يُطَهّرَكُم تَطهِيراً،فَحَصَلتُ فِي أَهلِ بيَتيِ وَ عتِرتَيِ، و أَنَا وَ أخَيِ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ( ع )،أَلَا وَ إِنّ اللّهَ نَظَرَ إِلَي أَهلِ الأَرضِ نَظرَةً فاَختاَرنَيِ مِنهُم، ثُمّ نَظَرَ نَظرَةً فَاختَارَ عَلِيّاً أخَيِ وَ وزَيِريِ وَ واَرثِيِ وَ وصَيِيّ وَ خلَيِفتَيِ فِي أمُتّيِ وَ ولَيِّ كُلّ مُؤمِنٍ بعَديِ،فبَعَثَنَيِ رَسُولًا وَ نَبِيّاً وَ دَلِيلًا، وَ أَوحَي إلِيَّ أَن أَتّخِذَ عَلِيّاً أَخاً وَ وَلِيّاً وَ وَصِيّاً وَ خَلِيفَةً فِي أمُتّيِ بعَديِ،أَلَا وَ إِنّهُ ولَيِّ كُلّ مُؤمِنٍ بعَديِ، مَن وَالَاهُ وَالَاهُ اللّهُ، وَ مَن عَادَاهُ عَادَاهُ اللّهُ، وَ مَن أَحَبّهُ أَحَبّهُ اللّهُ، وَ مَن أَبغَضَهُ أَبغَضَهُ اللّهُ، لَا يُحِبّهُ إِلّا مُؤمِنٌ، وَ لَا يُبغِضُهُ إِلّا كَافِرٌ، هُوَ رَبّ الأَرضِ بعَديِ وَ سَكَنُهَا وَ فِي نُسخَةٍ هُوَ زِرّ الأَرضِ بعَديِ وَ سَكَنُهَا وَ هُوَ كَلِمَةُ التّقوَي، وَ عُروَةُ اللّهِ الوُثقَي أَ تُرِيدُونَ أَن تُطفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفوَاهِكُموَ اللّهُ مُتِمّ نُورِهِوَ لَو كَرِهَ
صفحه : 312
المُشرِكُونَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَيوَ لَو كَرِهَ الكافِرُونَ وَ يُرِيدُ أَعدَاءُ اللّهِ أَن يُطفِئُوا نُورَ أخَيِوَ يَأبَي اللّهُ إِلّا أَن يُتِمّ نُورَهُ. يَا أَيّهَا النّاسُ لِيُبَلّغ مقَاَلتَيِ شَاهِدُهُكم غَائِبَكُم، أللّهُمّ اشهَد عَلَيهِم.أَيّهَا النّاسُ إِنّ اللّهَ نَظَرَ نَظرَةً ثَالِثَةً فَاختَارَ مِنهُم بعَديِ اثنَا عَشَرَ وَصِيّاً مِن أَهلِ بيَتيِ، وَ هُم خِيَارُ أمُتّيِ وَ فِي نُسخَةٍ أُخرَي فَجَعَلَهُم خِيَارَ أمُتّيِ مِنهُم أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً بَعدَ أخَيِ،وَاحِداً بَعدَ وَاحِدٍ،كُلّمَا هَلَكَ وَاحِدٌ قَامَ وَاحِدٌ بِهِ،مَثَلُهُم كَمَثَلِ النّجُومِ فِي السّمَاءِ كُلّمَا غَابَ نَجمٌ طَلَعَ نَجمٌ،لِأَنّهُم أَئِمّةٌ هُدَاةٌ مُهتَدُونَ، لَا يَضُرّهُم كَيدُ مَن كَادَهُم وَ لَا خِذلَانُ مَن خَذَلَهُم،بَل يَضُرّ اللّهُ بِذَلِكَ مَن كَادَهُمُ وَ خَذَلَهُم،فَهُم حُجّةُ اللّهِ فِي أَرضِهِ وَ شُهَدَاؤُهُ عَلَي خَلقِهِ، مَن أَطَاعَهُم أَطَاعَ اللّهَ وَ مَن عَصَاهُم عَصَي اللّهَ،هُم مَعَ القُرآنِ وَ القُرآنُ مَعَهُم لَا يُفَارِقُونَهُ وَ لَا يُفَارِقُهُم حَتّي يَرِدُوا عَلَيّ حوَضيِ،أَوّلُ الأَئِمّةِ عَلِيّ خَيرُهُم، ثُمّ ابنيِ الحَسَنُ ثُمّ ابنيِ الحُسَينُ( ع ) ثُمّ تِسعَةٌ مِن وُلدِ الحُسَينِ، وَ أُمّهُمُ ابنتَيِ فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم. ثُمّ مِن بَعدِهِم جَعفَرُ بنُ أَبِي طَالِبٍ ابنُ عمَيّ وَ أَخُو أخَيِ، وَ عمَيّ حَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطّلِبِ. أَنَا خَيرُ المُرسَلِينَ وَ النّبِيّينَ، وَ فَاطِمَةُ ابنتَيِ سَيّدَةُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ، وَ عَلِيّ وَ بَنُوهُ الأَوصِيَاءُ خَيرُ الوَصِيّينَ، وَ أَهلُ بيَتيِ خَيرُ أَهلِ بُيُوتَاتِ النّبِيّينَ، وَ ابناَيَ سيدي[سَيّدَا]شَبَابِ أَهلِ الجَنّةِ.أَيّهَا النّاسُ إِنّ شفَاَعتَيِ تَنَالُ عُلُوجَكُم، أَ فَتَعجِزُ عَنهَا أَهلُ بيَتيِ، مَا
صفحه : 313
أَحَدٌ وَلَدَهُ جدَيّ عَبدُ المُطّلِبِ يَلقَي اللّهَ مُوَحّداً لَا يُشرِكُ بِهِ شَيئاً إِلّا أُدخِلُهُ الجَنّةَ، وَ لَو كَانَ فِيهِ مِنَ الذّنُوبِ عَدَدُ الحَصَي وَ زَبَدُ البَحرِ.أَيّهَا النّاسُ عَظّمُوا أَهلَ بيَتيِ فِي حيَاَتيِ وَ مِن بعَديِ وَ أَكرِمُوهُم وَ فَضّلُوهُم،فَإِنّهُ لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ أَن يَقُومَ مِن مَجلِسِهِ لِأَحَدٍ إِلّا لِأَهلِ بيَتيِ وَ فِي نُسخَةٍ أُخرَي أَيّهَا النّاسُ عَظّمُوا أَهلَ بيَتيِ فِي حيَاَتيِ وَ بَعدَ موَتيِ،إنِيّ لَو قَد أَخَذتُ بِحَلقَةِ بَابِ الجَنّةِ ثُمّ تَجَلّي لِي ربَيّ فَسَجَدتُ وَ أَذِنَ لِي بِالشّفَاعَةِ لَم أُؤثِر عَلَي أَهلِ بيَتيِ أَحَداً.أَيّهَا النّاسُ انسبُوُنيِ مَن أَنَا.فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ، فَقَالَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي فَقَامَتِ الأَنصَارُ،فَقَالَت نَعُوذُ بِاللّهِ مِن غَضَبِ اللّهِ وَ مِن غَضَبِ رَسُولِهِ،أَخبِرنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنِ ألّذِي آذَاكَ فِي أَهلِ بَيتِكَ حَتّي نَضرِبَ عُنُقَهُ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي حَتّي نَقتُلَهُ وَ نُبِيرَ عِترَتَهُ. فَقَالَ انسبُوُنيِ أَنَا مُحَمّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ المُطّلِبِ بنِ هَاشِمٍ .. حَتّي انتَسَبَ إِلَي نِزَارٍ، ثُمّ مَضَي فِي نَسَبِهِ إِلَي إِسمَاعِيلَ بنِ اِبرَاهِيمَ خَلِيلِ اللّهِ. ثُمّ قَالَ إنِيّ وَ أَهلَ بيَتيِ لِطِينَةٍ مِن تَحتِ العَرشِ، إِلَي آدَمَ نِكَاحٌ غَيرُ سِفَاحٍ لَم يُخَالِطنَا نِكَاحُ الجَاهِلِيّةِ،فاَسألَوُنيِ،فَوَ اللّهِ لَا يسَألَنُيِ رَجُلٌ عَن أَبِيهِ وَ عَن أُمّهِ وَ عَن نَسَبِهِ إِلّا أَخبَرتُهُ بِهِ.فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ مَن أَبِي. فَقَالَ أَبُوكَ فُلَانٌ ألّذِي تُدعَي إِلَيهِ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ، ثُمّ قَالَ وَ اللّهِ لَو نسَبَتنَيِ إِلَي غَيرِهِ لَرَضِيتُ وَ سَلّمتُ. ثُمّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ مَن أَبِي. فَقَالَ أَبُوكَ فُلَانٌ لِغَيرِ أَبِيهِ ألّذِي يُدعَي إِلَيهِ فَارتَدّ عَنِ الإِسلَامِ، ثُمّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ أَ مِن أَهلِ الجَنّةِ أَنَا أَم مِن أَهلِ النّارِ.
صفحه : 314
فَقَالَ مِن أَهلِ الجَنّةِ، ثُمّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ أَ مِن أَهلِ الجَنّةِ أَنَا أَم مِن أَهلِ النّارِ. فَقَالَ مِن أَهلِ النّارِ. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ مُغضَبٌ مَا يَمنَعُ ألّذِي عَيّرَ أَهلَ بيَتيِ وَ أخَيِ وَ وزَيِريِ وَ وصَيِيّ وَ خلَيِفتَيِ فِي أمُتّيِ وَ ولَيِّ كُلّ مُؤمِنٍ بعَديِ أَن يَقُومَ فيَسَألَنَيِ مَن أَبُوهُ، وَ أَينَ هُوَ فِي الجَنّةِ أَم فِي النّارِ.فَقَامَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، فَقَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ مِن سَخَطِ اللّهِ وَ سَخَطِ رَسُولِهِ،أُعفُ عَنّا يَا رَسُولَ اللّهِ عَفَا اللّهُ عَنكَ،أَقِلنَا أَقَالَكَ اللّهُ،استُرنَا سَتَرَكَ اللّهُ،اصفَح عَنّا صَلّي اللّهُ عَلَيكَ .. فَاستَحَي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَفّ. وَ هُوَ صَاحِبُ العَبّاسِ ألّذِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سَاعِياً فَرَجَعَ وَ قَالَ إِنّ العَبّاسَ قَد مَنَعَ صَدَقَةَ مَالِهِ،فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي عَافَانَا أَهلَ البَيتِ مِن شَرّ مَا يُلَطّخُونّا بِهِ، إِنّ العَبّاسَ لَم يَمنَع صَدَقَةَ مَالِهِ وَ لَكِنّكَ عَجّلتَ عَلَيهِ، وَ قَد عَجّلَ زَكَاةَ سِنِينَ ثُمّ أتَاَنيِ بَعدُ يَطلُبُ أَن أمَشيَِ مَعَهُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِيَرضَي عَنهُ،فَفَعَلتُ. وَ هُوَ صَاحِبُ عَبدِ اللّهِ بنِ أَبِي سَلُولٍ حِينَ تَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ليِصُلَيَّ عَلَيهِ فَأَخَذَ بِثَوبِهِ مِن وَرَائِهِ، وَ قَالَ لَقَد نَهَاكَ اللّهُ أَن تصُلَيَّ عَلَيهِ وَ لَا يَحِلّ لَكَ أَن تصُلَيَّ عَلَيهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّمَا صَلّيتُ عَلَيهِ كَرَامَةً لِابنِهِ، وَ إنِيّ لَأَرجُو أَن يُسَلّمَ بِهِ سَبعُونَ رَجُلًا مِن بنَيِ أَبِيهِ وَ أَهلِ بَيتِهِ، وَ مَا يُدرِيكَ مَا قُلتُ،إِنّمَا دَعَوتُ اللّهَ عَلَيهِ. وَ هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَومَ الحُدَيبِيَةِ حِينَ كُتِبَ القَضِيّةُ إِذ قَالَ أَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا .. ثُمّ جَعَلَ يَطُوفُ فِي عَسكَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ
صفحه : 315
عَلَيهِ وَ آلِهِ يُحَرّضُهُم وَ يَقُولُ أَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَفرِجُوا عنَيّ، أَ تُرِيدُونَ أَن أَغدِرَ بذِمِتّيِ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي أَخرِجُوهُ عنَيّ، أَ تُرِيدُ أَن أَخفِرَ ذمِتّيِ وَ لَا أفَيَِ لَهُم بِمَا كَتَبتُ لَهُم،خُذ يَا سُهَيلُ ابنَكَ جَندَلًا،فَأَخَذَهُ فَشَدّهُ وَثَاقاً فِي الحَدِيدِ، ثُمّ جَعَلَ اللّهُ عَاقِبَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي الخَيرِ وَ الرّشدِ وَ الهُدَي وَ العِزّةِ وَ الفَضلِ. وَ هُوَ صَاحِبُ يَومِ غَدِيرِ خُمّ إِذ قَالَ هُوَ وَ صَاحِبُهُ حِينَ نصَبَنَيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لوِلَاَيتَيِ، فَقَالَ مَا يَألُو أَن تُرفَعَ خَسِيسَتُهُ، وَ قَالَ الآخَرُ مَا يَألُو رَفعَاً بِضَبعِ ابنِ عَمّهِ، وَ قَالَ لِصَاحِبِهِ وَ أَنَا مَنصُوبٌ إِنّ هَذِهِ لهَيَِ الكَرَامَةُ،فَقَطّبَ صَاحِبُهُ فِي وَجهِهِ، وَ قَالَ لَا وَ اللّهِ، مَا أَسمَعُ وَ لَا أُطِيعُ أَبَداً، ثُمّ اتّكَأَ عَلَيهِ ثُمّ تَمَطّي وَ انصَرَفَا،فَأَنزَلَ اللّهُ فِيهِفَلا صَدّقَ وَ لا صَلّي وَ لكِن كَذّبَ وَ تَوَلّي ثُمّ ذَهَبَ إِلي أَهلِهِ يَتَمَطّي أَولي لَكَ فَأَوليوَعِيداً مِنَ اللّهُ لَهُ. وَ هُوَ ألّذِي دَخَلَ عَلَيّ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يعَوُدنُيِ فِي رَهطٍ مِن أَصحَابِهِ حِينَ غَمَزَهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص )إِنّكَ قَد كُنتَ عَهِدتَ إِلَينَا فِي عَلِيّ عَهداً وَ إنِيّ لَأَرَاهُ لِمَا بِهِ، فَإِن هَلَكَ فَإِلَي مَن. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اجلِس ... فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرّاتٍ،فَأَقبَلَ عَلَيهِمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ، فَقَالَ إِنّهُ لَا يَمُوتُ فِي مَرَضِهِ هَذَا، وَ لَا يَمُوتُ حَتّي تَملَيَاهُ غَيظاً وَ تُوسِعَاهُ غَدراً وَ ظُلماً، ثُمّ تَجِدَاهُ صَابِراً قَوّاماً، وَ لَا يَمُوتُ حَتّي يَلقَي مِنكُمَا هَنَاتٍ وَ هَنَاتٍ، وَ لَا يَمُوتُ إِلّا شَهِيداً مَقتُولًا. وَ أَعظَمُ مِن ذَلِكَ كُلّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَمَعَ ثَمَانِينَ رَجُلًا،
صفحه : 316
أَربَعِينَ مِنَ العَرَبِ وَ أَربَعِينَ مِنَ العَجَمِ وَ هُمَا فِيهِم فَسَلّمُوا عَلَيّ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ، ثُمّ قَالَ أُشهِدُكُم أَنّ عَلِيّاً أخَيِ وَ وزَيِريِ وَ واَرثِيِ وَ خلَيِفتَيِ فِي أمُتّيِ وَ وصَيِيّ وَ ولَيِّ كُلّ مُؤمِنٍ مِن بعَديِ،فَاسمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا، وَ فِيهِم أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ عُثمَانُ وَ طَلحَةُ وَ الزّبَيرُ وَ سَعدٌ وَ ابنُ عَوفٍ وَ أَبُو عُبَيدَةَ وَ سَالِمٌ وَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَ رَهطٌ مِنَ الأَنصَارِ، ثُمّ قَالَ إنِيّ أُشهِدُ اللّهَ عَلَيكُم. ثُمّ أَقبَلَ عَلَي القَومِ، فَقَالَ سُبحَانَ اللّهِ مَا أُشرِبَت قُلُوبَ هَذِهِ الأُمّةِ مِن بَلِيّتِهَا وَ فِتنَتِهَا مِن عِجلِهَا وَ سَامِرِيّهَا،إِنّهُم أَقَرّوا وَ ادّعَوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَا يَجمَعُ اللّهُ لَنَا أَهلَ البَيتِ النّبُوّةَ وَ الخِلَافَةَ، وَ قَد قَالَ لِأُولَئِكَ الثّمَانِينَ رَجُلًا سَلّمُوا عَلَي عَلِيّ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ، وَ أُشهِدُكُم عَلَي مَا أَشهَدَهُم عَلَيهِ أَنّهُم أَقَرّوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يَستَخلِف أَحَداً، وَ أَنّهُم أَقَرّوا بِالشّورَي، ثُمّ أَقَرّوا أَنّهُم لَم يُشَاوِرُوا وَ أَنّ بَيعَتَهُ كَانَت فَلتَةً، وَ أَيّ ذَنبٍ أَعظَمُ مِنَ الفَلتَةِ، ثُمّ استَخلَفَ أَبُو بَكرٍ عُمَرَ وَ لَم يَقتَدِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَيَدَعَهُم بِغَيرِ استِخلَافٍ،طَعناً مِنهُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ رَغبَةً عَن رَأيِهِ، ثُمّ صَنَعَ عُمَرُ شَيئاً ثَالِثاً لَم يَدَعهُم عَلَي مَا ادّعَي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يَستَخلِف، وَ لَم يَستَخلِف كَمَا استَخلَفَ أَبُو بَكرٍ، وَ جَاءَ بشِيَءٍ ثَالِثٍ
صفحه : 317
جَعَلَهَا شُورَي بَينَ سِتّةِ نَفَرٍ، وَ أَخرَجَ مِنهَا جَمِيعَ العَرَبِ، ثُمّ حطَنّيِ بِذَلِكَ عِندَ العَامّةِ فَجَعَلَهُم مَعَ مَا أُشرِبَت قُلُوبَهُم مِنَ الفِتنَةِ وَ الضّلَالَةِ أقَراَنيِ، ثُمّ بَايَعَ ابنُ عَوفٍ عُثمَانَ فَبَايَعُوهُ، وَ قَد سَمِعُوا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ فِي عُثمَانَ مَا سَمِعُوا مِن لَعنِهِ إِيّاهُ فِي غَيرِ مَوطِنٍ،فَعُثمَانُ عَلَي مَا كَانَ عَلَيهِ خَيرٌ مِنهُمَا، وَ لَقَد قَالَ مُنذُ أَيّامٍ قَولًا رَقَقتُ لَهُ وَ أعَجبَتَنيِ مَقَالَتُهُ،بَينَمَا أَنَا قَاعِدٌ عِندَهُ فِي بَيتِهِ إِذ أَتَتهُ عَائِشَةُ وَ حَفصَةُ تَطلُبَانِ مِيرَاثَهُمَا مِن ضِيَاعِ أَموَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ التّيِ فِي يَدَيهِ، فَقَالَ وَ لَا كَرَامَةَ،لَكِن أُجِيزُ شَهَادَتَكُمَا عَلَي أَنفُسِكُمَا،فَإِنّكُمَا شَهِدتُمَا عِندَ أَبَوَيكُمَا أَنّكُمَا سَمِعتُمَا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ إِنّ النّبِيّ(ص ) لَا يُورِثُ مَا تَرَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، ثُمّ لَقّنتُمَا أَعرَابِيّاً جِلفاً يَبُولُ عَلَي عَقِبَيهِ يَتَطَهّرُ بِبَولِهِ مَالِكَ بنَ الحَرثِ بنِ الحَدَثَانِ فَشَهِدَ مَعَكُمَا، لَا مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَا مِنَ الأَنصَارِ أَحَدٌ شَهِدَ بِذَلِكَ غَيرُ أعَراَبيِّ، أَمَا وَ اللّهِ مَا أَشُكّ فِي أَنّهُ قَد كَذَبَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَذَبتُمَا عَلَيهِ مَعَهُ،فَانصَرَفَتَا مِن عِندِهِ تَبكِيَانِ وَ تَشتُمَانِهِ، فَقَالَ ارجِعَا، ثُمّ قَالَ أَ شَهِدتُمَا بِذَلِكَ عِندَ أَبِي بَكرٍ.قَالَتَا نَعَم. قَالَ فَإِن شَهِدتُمَا بِحَقّ فَلَا حَقّ لَكُمَا، وَ إِن كُنتُمَا شَهِدتُمَا بِبَاطِلٍ فَعَلَيكُمَا وَ عَلَي مَن أَجَازَ شَهَادَتَكُمَا عَلَي أَهلِ هَذَا البَيتِلَعنَةُ اللّهِ وَ المَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجمَعِينَ. قَالَ ثُمّ نَظَرَ إلِيَّ فَتَبَسّمَ وَ قَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ شَفَيتُكَ مِنهُمَا. قُلتُ نَعَم وَ اللّهِ وَ أَبلَغتَ، وَ قُلتَ حَقّاً، فَلَا يُرغِمُ اللّهُ إِلّا بِأَنفَيهِمَا،فَرَقَقتُ لِعُثمَانَ
صفحه : 318
وَ عَلِمتُ أَنّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ رضِاَيَ، وَ أَنّهُ أَقرَبُ مِنهُمَا رُحماً وَ إِن كَانَ لَا عُذرَ لَهُ وَ لَا حُجّةَ بِتَأَمّرِهِ عَلَينَا وَ ادّعَائِهِ حَقّنَا.
توضيح قال الجوهري الأُدمَةُ في الإبل البياض الشّديد،يقال بَعِيرٌ آدَمُ وناقةٌ أَدمَاءُ، والجمع أُدَمُ .. ويقال هوالأبيضُ الأسودُ المُقلَتَينِ ..، والأُدمُ الألفة والاتّفاق، و في بعض النسخ الأُدمُ الحُمرُ بالحاء المهملة بدون الواو. قوله بِصِفرٍ عِيَابُهُ .. العِيَابُ جَمعُ العَيبَةِ .. أي ليست صناديقه خالية من تلك الأموال . والبِيضُ جمع الأبيض ، والبَيضَةُ من الحديد وغيرِهِ. والدّمَي جمع الدّميَةِ بضمّها، و هوالصّنم والصّورة من العاج ونحوه . والرّمَاحُ الخَطّيّةُ مشهورة. والرّيطَةُ الثّوبُ النّاعمُ اللّيّنُ. وذكر القِرَابِ لأنّها لجودتها يجعل في مثل القراب ، و في بعض النسخ جرابها. والأَبرَادُ جمع البُردِ .. أي برود صفر طويلة.
صفحه : 319
والداّريِ العطّار. والدّرَاكُ بكسر الدال المُدَارَكَةُ .. أي مداركة إسراع الخيل والإبل في الغارات . والسّمرُ جمع الأسمر و هوالرّمح. ودرع سابغةٌ تامّة طويلة. واللّبَانُ بالفتح الصّدر أووسطه أو ما بين الثّديين .. أي حال كوني لابسا درعا طويلة تستر صدر الفرس ألذي أناراكبه فضول تلك الدرع وزوائدها. و في بعض النسخ اللّبَادُ جمع لُبدَةِ السّرجِ. ويقال كَفكَفَهُ عَنهُ .. أي صرفه ودفعه ، والضمير راجع إلي السمر. قوله صلّي اللّه عليه وآله عُلُوجُكُم .. أي من أسلم من كفّار العجم ، و فيه نسخ أخري مشتبهة، و قدمرّ أنّ في النهاية حاوكم ، و هوالصواب . قوله صلّي اللّه عليه وآله مايلطّخونا به .اللّطخ التّسويد وإفساد الكتابة واللّطخ بالعذرة.
صفحه : 320
قوله مَا يَألُو .. أي مايُقَصّرُ،يقال آلي الرّجل وألّي إذاقصّر وترك الجهد، قال تعالي لا يَألُونَكُم خَبالًا. والخسيسة والخساسة الحالة التّي يكون عليها الخسيس ،يقال رفعت خسيسته ، و من خسيسته إذافعلت به فعلا يكون فيه رفعته ،ذكره في النهاية. و قال الضّبعُ بسكون الباء وسط العضد، وقيل هو ماتحت الإبط. و قال البيضاوي يَتَمَطّي .. أي يتبختر افتخارا بذلك من المطّ، فإنّ المتبختر يمدّ خطاه فيكون أصله يتمطّط، أو من المطا و هوالظهر،فإنّه يلويه .أولي لك فأولي .. ويل لك من الولي وأصله أولاك اللّه ماتكرهه ، واللّام مزيدة كما في ردف لكم ، أوأولي لك الهلاك ، وقيل أفعل من الويل بعدالقلب كأدني من دون ، أوفعل من آل يئول بمعني عقباك النار. قوله عليه السلام عَلَي مَا أَشهَدَهُم .. أي علي نحو ماأشهدهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و في بعض النسخ وأشهدهم علي ماأشهدهم عليه .. أي كيف يدّعون علي الرسول أنّه بعد ماأمر ثمانين رجلا بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين قال ماادّعوا أنّه أشهدهم عليه وهما متناقضان ،فيكون قوله إنّهم أقرّوا .. استئناف كلام آخر لبيان التناقض في أقوالهم وأفعالهم .
صفحه : 321
أقول سيأتي تفاصيل البدع المذكورة في الخبر. ثم إنّ ظاهر صدر الخبر كون هذاالكلام في خلافة عمر، و قوله ثم صنع عمر شيئا ثالثا .. إلي آخره يدلّ علي أنّه كان في خلافة عثمان أوبعده ، ولعلّ سليما سمع هذاالكلام منه عليه السلام في مقام آخر فألحقه بهذا الكلام .
153- كِتَابُ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ عَن أَبَانٍ، عَن سُلَيمٍ، قَالَ سَمِعتُ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ قَبلَ وَقعَةِ صِفّينَ إِنّ هَؤُلَاءِ القَومَ لَن يُنِيبُوا إِلَي الحَقّ وَ لَا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَ بَينَهُم حَتّي يُرَامُونَا بِالعَسَاكِرِ تَتبَعُهَا العَسَاكِرُ، وَ حَتّي يُردِفُونَا بِالكَتَائِبِ تَتبَعُهَا الكَتَائِبُ، وَ حَتّي يَجُرّ بِبِلَادِهِمُ الخَمِيسُ تَتبَعُهَا الخَمِيسُ، وَ حَتّي تَرعَي الخُيُولُ بنِوَاَحيِ أَرضِهِم وَ تَنزِلَ عَن مَسَالِحِهِم، وَ حَتّي يُشَنّ الغَارَاتُ عَلَيهِم مِن كُلّ فَجّ، وَ حَتّي يَلقَاهُم قَومٌ صُدُقٌ صُبُرٌ لَا يَزِيدُهُم هَلَاكُ مَن هَلَكَ مِن قَتلَاهُم وَ مَوتَاهُم فِي سَبِيلِ اللّهِ إِلّا جِدّاً فِي طَاعَةِ اللّهِ، وَ اللّهِ لَقَد رَأَيتُنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ نَقتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبنَاءَنَا وَ أَخوَالَنَا وَ أَعمَامَنَا وَ أَهلَ بُيُوتِنَا ثُمّ لَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلّا إِيمَاناً وَ تَسلِيماً وَ جِدّاً فِي طَاعَةِ اللّهِ، وَ استِقلَالًا بِمُبَارَزَةِ الأَقرَانِ، وَ إِن كَانَ الرّجُلُ مِنّا وَ الرّجُلُ مِن عَدُوّنَا لَيَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الفَحلَينِ يَتَخَالَسَانِ أَنفُسَهُمَا أَيّهُمَا يسَقيِ صَاحِبَهُ كَأسَ المَوتِ،فَمَرّةً لَنَا مِن عَدُوّنَا، وَ مَرّةً لِعَدُوّنَا مِنّا، فَلَمّا رَأَي اللّهُ مِنّا صِدقاً وَ صَبراً أَنزَلَ الكِتَابَ بِحُسنِ الثّنَاءِ عَلَينَا وَ الرّضَا عَنّا، وَ أَنزَلَ عَلَينَا النّصرَ، وَ لَستُ أَقُولُ إِنّ كُلّ مَن كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صفحه : 322
صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَذَلِكَ، وَ لَقَد كَانَت مَعَنَا بِطَانَةٌ لَا يَألُونَا خَبَالًا، قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّقَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم وَ ما تخُفيِ صُدُورُهُم أَكبَرُ وَ لَقَد كَانَ مِنهُم بَعضُ مَن تُفَضّلُهُ أَنتَ وَ أَصحَابُكَ يَا ابنَ قَيسٍ،فَارّينَ، فَلَا رَمَي بِسَهمٍ، وَ لَا ضَرَبَ بِسَيفٍ، وَ لَا طَعَنَ بِرُمحٍ، إِذَا كَانَ المَوتُ وَ النّزَالُ تَوَارَي وَ اعتَلّ وَ لَاذَ كَمَا تَلُوذُ النّعجَةُ العَورَاءُ لَا يَدفَعُ يَدَ لَامِسٍ، وَ إِذَا أَلقَي العَدُوّ فَرّ وَ مَنَحَ العَدُوّ دُبُرَهُ جُبناً وَ لُؤماً، وَ إِذَا كَانَ عِندَ الرّخَاءِ وَ الغَنِيمَةِ تَكَلّمَ كَمَا قَالَ اللّهُسَلَقُوكُم بِأَلسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحّةً عَلَي الخَيرِ فَلَا يَزَالُ قَدِ استَأذَنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ فِي ضَربِ عُنُقِ الرّجُلِ ألّذِي لَيسَ يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَتلَهُ،فَأَبَي عَلَيهِ، وَ لَقَد نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَوماً وَ عَلَيهِ السّلَاحُ تَامّ،فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ قَالَ يُكَنّيهِ أَبَا فُلَانٍ اليَومُ يَومُكَ. فَقَالَ الأَشعَثُ مَا أعَلمَنَيِ مَن تعَنيِ إِنّ ذَلِكَ يَفِرّ مِنهُ الشّيطَانُ. قَالَ يَا ابنَ قَيسٍ لَا آمَنَ اللّهُ رَوعَةَ الشّيطَانِ إِذَا قَالَ. ثُمّ قَالَ وَ لَو كُنّا حِينَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ وَ قَضَينَا الشّدَائِدَ وَ الأَذَي وَ البَأسَ فَعَلنَا كَمَا تَفعَلُونَ اليَومَ لَمَا قَامَ لِلّهِ دِينٌ، وَ لَا أَعَزّ اللّهُ
صفحه : 323
الإِسلَامَ، وَ ايمُ اللّهِ لَتَحلِبُنّهَا دَماً وَ نَدَماً وَ حَيرَةً،فَاحفَظُوا مَا أَقُولُ لَكُم وَ اذكُرُوهُ،فَلَيُسَلّطَنّ عَلَيكُم شِرَارُكُم وَ الأَدعِيَاءُ مِنكُم وَ الطّلَقَاءُ وَ الطّرَدَاءُ وَ المُنَافِقُونَ فَلَيَقتُلُنّكُم، ثُمّ لَتَدعُنّ اللّهَ فَلَا يَستَجِيبُ لَكُم، وَ لَا يَدفَعُ البَلَاءَ عَنكُم حَتّي تَتُوبُوا وَ تَرجِعُوا، فَإِن تَتُوبُوا وَ تَرجِعُوا فَيَستَنقِذُكُم اللّهُ مِن فِتنَتِهِم وَ ضَلَالَتِهِم كَمَا استَنقَذَكُم مِن شِركِكُم وَ جَهَالَتِكُم، إِنّ العَجَبَ كُلّ العَجَبِ مِن جُهّالِ هَذِهِ الأُمّةِ وَ ضُلّالِهَا وَ قَادَتِهَا وَ سَاقَتِهَا إِلَي النّارِ،إِنّهُم قَد سَمِعُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ عَوداً وَ بَدءاً مَا وَلّت أُمّةٌ رَجُلًا قَطّ أَمرَهَا وَ فِيهِم أَعلَمُ مِنهُ إِلّا لَم يَزَل أَمرُهُم يَذهَبُ سَفَالًا حَتّي يَرجِعُوا إِلَي مَا تَرَكُوا،فَوَلّوا أَمرَهُم قبَليِ ثَلَاثَةَ رَهطٍ مَا مِنهُم رَجُلٌ جَمَعَ القُرآنَ، وَ لَا يدَعّيِ أَنّ لَهُ عِلماً بِكِتَابِ اللّهِ وَ لَا سُنّةِ نَبِيّهِ(ص )، وَ قَد عَلِمُوا أنَيّ أَعلَمُهُم بِكِتَابِ اللّهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَفقَهُهُم وَ أَقرَؤُهُم بِكِتَابِ اللّهِ وَ أَقضَاهُم بِحُكمِ اللّهِ، وَ أَنّهُ لَيسَ رَجُلٌ مِنَ الثّلَاثَةِ لَهُ سَابِقَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَا عَنَاءٌ مَعَهُ فِي جَمِيعِ مَشَاهِدِهِ،فَرَمَي بِسَهمٍ، وَ لَا طَعَنَ بِرُمحٍ، وَ لَا ضَرَبَ بِسَيفٍ جُبناً وَ لُؤماً وَ رَغبَةً فِي البَقَاءِ، وَ قَد عَلِمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد قَاتَلَ بِنَفسِهِ فَقَتَلَ أُبَيّ بنَ خَلَفٍ، وَ قَتَلَ مِسجَعَ بنَ عَوفٍ وَ كَانَ مِن أَشجَعِ النّاسِ وَ أَشَدّهِم لِقَاءً، وَ أَحَقّهِم بِذَلِكَ وَ قَد عَلِمُوا يَقِيناً أَنّهُ لَم يَكُن فِيهِم أَحَدٌ يَقُومُ مقَاَميِ وَ لَا يُبَارِزُ الأَبطَالَ وَ يَفتَحُ الحُصُونَ غيَريِ، وَ لَا نَزَلَت بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ شَدِيدَةٌ قَطّ وَ لَا كَرَبَهُ أَمرٌ وَ لَا ضِيقٌ وَ لَا مستضعف [مُستَصعَبٌ] مِنَ الأَمرِ إِلّا قَالَ أَينَ أخَيِ عَلِيّ أَينَ سيَفيِ أَينَ رمُحيِ أَينَ المُفَرّجُ عنَيّ عَن وجَهيِ
صفحه : 324
فيَقُدَمّنُيِ فَأَتَقَدّمُ فَأَقِيهِ بنِفَسيِ وَ يَكشِفُ اللّهُ بيِدَيَِ الكَربَ عَن وَجهِهِ، وَ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ لِرَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِذَلِكَ المَنّ وَ الطّولُ حَيثُ خصَنّيِ بِذَلِكَ وَ وفَقّنَيِ لَهُ، وَ إِنّ بَعضَ مَن قَد سَمّيتُ مَا كَانَ لَهُ بَلَاءٌ وَ لَا سَابِقَةٌ وَ لَا مُبَارَزَةُ قَرنٍ، وَ لَا فَتحٌ وَ لَا نَصرٌ غَيرَ مَرّةٍ وَاحِدَةٍ ثُمّ فَرّ وَ مَنَحَ عَدُوّهُ دُبُرَهُ وَ رَجَعَ يُجَبّنُ أَصحَابَهُ وَ يُجَبّنُونَهُ، وَ قَد فَرّ مِرَاراً، فَإِذَا كَانَ عِندَ الرّخَاءِ وَ الغَنِيمَةِ تَكَلّمَ وَ أَمَرَ وَ نَهَي، وَ لَقَد نَادَاهُ ابنُ عَبدِ وُدّ يَومَ الخَندَقِ بِاسمِهِ فَحَادَ عَنهُ وَ لَاذَ بِأَصحَابِهِ حَتّي تَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِمَا رَأَي بِهِ مِنَ الرّعبِ، وَ قَالَ أَينَ حبَيِبيِ عَلِيّ تَقَدّم يَا حبَيِبيِ يَا عَلِيّ، وَ لَقَد قَالَ لِأَصحَابِهِ الأَربَعَةِ أَصحَابِ الكِتَابِ الرأّيُ وَ اللّهِ أَن يدفع [نَدفَعَ]مُحَمّداً بِرُمّتِهِ وَ نَسلَمَ مِن ذَلِكَ حِينَ جَاءَ العَدُوّ مِن فَوقِنَا وَ مِن تَحتِنَا كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَيوَ زُلزِلُوا زِلزالًا شَدِيداًوَ تَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَاوَ إِذ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلّا غُرُوراً، فَقَالَ صَاحِبُهُ لَا،
صفحه : 325
وَ لَكِن نَتّخِذُ صَنَماً عَظِيماً نَعبُدُهُ،لِأَنّا لَا نَأمَنُ أَن يَظفَرَ ابنُ أَبِي كَبشَةَ فَيَكُونَ هَلَاكُنَا، وَ لَكِن يَكُونُ هَذَا الصّنَمُ لَنَا زُخراً، فَإِن ظَفِرَت قُرَيشٌ أَظهَرنَا عِبَادَةَ هَذَا الصّنَمِ وَ أَعلَمنَاهُم أَنّا لَن نُفَارِقَ دِينَنَا، وَ إِن رَجَعَت دَولَةُ ابنِ أَبِي كَبشَةَ كُنّا مُقِيمِينَ عَلَي عِبَادَةِ هَذَا الصّنَمِ سِرّاً،فَنَزَلَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ بِذَلِكَ، ثُمّ خبَرّنَيِ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَعدَ قتَليِ ابنَ عَبدِ وُدّ،فَدَعَاهُمَا، فَقَالَ كَم صَنَماً عَبَدتُمَا فِي الجَاهِلِيّةِ.فَقَالَا يَا مُحَمّدُ لَا تُعَيّرنَا بِمَا مَضَي فِي الجَاهِلِيّةِ. فَقَالَ فَكَم صَنَمٍ تَعبُدَانِ وَقتَكُمَا هَذَا.فَقَالَا وَ ألّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ نَبِيّاً مَا نَعبُدُ إِلّا اللّهَ مُنذُ أَظهَرنَا لَكَ مِن دِينِكَ مَا أَظهَرنَا. فَقَالَ يَا عَلِيّ خُذ هَذَا السّيفَ،فَانطَلِق إِلَي مَوضِعِ كَذَا .. وَ كَذَا فَاستَخرِجِ الصّنَمَ ألّذِي يَعبُدَانِهِ فَاهشِمهُ، فَإِن حَالَ بَينَكَ وَ بَينَهُ أَحَدٌ فَاضرِب عُنُقَهُ،فَانكَبّا عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقَالَا استُرنَا سَتَرَكَ اللّهُ.فَقُلتُ أَنَا لَهُمَا اضمَنَا لِلّهِ وَ لِرَسُولِهِ أَلّا تَعبُدَا إِلّا اللّهَ وَ لَا تُشرِكَا بِهِ شَيئاً.فَعَاهَدَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي ذَلِكَ، وَ انطَلَقتُ حَتّي استَخرَجتُ الصّنَمَ مِن مَوضِعِهِ وَ كَسَرتُ وَجهَهُ وَ يَدَيهِ وَ جَزَمتُ رِجلَيهِ، ثُمّ انصَرَفتُ إِلَي رَسُولِ
صفحه : 326
اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ،فَوَ اللّهِ لَقَد عَرَفتُ ذَلِكَ فِي وَجهِهِمَا حَتّي مَاتَا، ثُمّ انطَلَقَ هُوَ وَ أَصحَابُهُ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَخَاصَمُوا الأَنصَارَ بحِقَيّ، فَإِن كَانُوا صَدَقُوا وَ احتَجّوا بِحَقّ أَنّهُم أَولَي مِنَ الأَنصَارِ لِأَنّهُم مِن قُرَيشٍ وَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن قُرَيشٍ،فَمَن كَانَ أَولَي بِرَسُولِ اللّهِ(ص ) كَانَ أَولَي بِالأَمرِ وَ إِنّمَا ظلَمَوُنيِ حقَيّ. وَ إِن كَانُوا احتَجّوا بِبَاطِلٍ فَقَد ظَلَمُوا الأَنصَارَ حَقّهُم، وَ اللّهُ يَحكُمُ بَينَنَا وَ بَينَ مَن ظَلَمَنَا وَ حَمَلَ النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا. وَ العَجَبُ لِمَا قَد أُشرِبَت قُلُوبَ هَذِهِ الأُمّةِ مِن حُبّهِم وَ حُبّ مَن صَدّقَهُم وَ صَدّهُم عَن سَبِيلِ رَبّهِم وَ رَدّهُم عَن دِينِهِم، وَ اللّهِ لَو أَنّ هَذِهِ الأُمّةَ قَامَت عَلَي أَرجُلِهَا عَلَي التّرَابِ، وَ الرّمَادَ وَاضِعَةٌ[وَضَعَتِ الرّمَادَ] عَلَي رُءُوسِهَا، وَ تَضَرّعَت وَ دَعَت إِلَي يَومِ القِيَامَةِ عَلَي مَن أَضَلّهُم، وَ صَدّهُم عَن سَبِيلِ اللّهِ، وَ دَعَاهُم إِلَي النّارِ، وَ عَرَضَهُم لِسَخَطِ رَبّهِم، وَ أَوجَبَ عَلَيهِم عَذَابَهُ بِمَا أَجرَمُوا إِلَيهِم لَكَانُوا مُقَصّرِينَ فِي ذَلِكَ، وَ ذَلِكَ أَنّ المُحِقّ الصّادِقَ وَ العَالِمَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ يَتَخَوّفَانِ إن غَيّرَا شَيئاً مِن بِدَعِهِم وَ سُنَنِهِم وَ أَحدَاثِهِم عَادِيَةَ العَامّةِ، وَ مَتَي فَعَلَ شَاقّوهُ وَ خَالَفُوهُ وَ تَبَرّءُوا مِنهُ وَ خَذَلُوهُ وَ تَفَرّقُوا عَن حَقّهِ، وَ إِن أَخَذَ بِبِدَعِهِم وَ أَقَرّ بِهَا وَ زَيّنَهَا وَ دَانَ بِهَا أَحَبّتهُ وَ شَرّفَتهُ وَ فَضّلَتهُ، وَ اللّهِ لَو نَادَيتُ فِي عسَكرَيِ هَذَا بِالحَقّ ألّذِي أَنزَلَ اللّهُ عَلَي نَبِيّهِ وَ أَظهَرتُهُ وَ دَعَوتُ إِلَيهِ وَ شَرَحتُهُ وَ فَسّرتُهُ عَلَي مَا سَمِعتُ مِن نبَيِّ اللّهِ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ فِيهِ، مَا
صفحه : 327
بقَيَِ فِيهِ إِلّا أَقَلّهُ وَ أَذَلّهُ وَ أَرذَلُهُ، وَ لَاستَوحَشُوا مِنهُ، وَ لَتَفَرّقُوا منِيّ، وَ لَو لَا مَا عَاهَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إلِيَّ وَ سَمِعتُهُ مِنهُ، وَ تَقَدّمَ إلِيَّ فِيهِ لَفَعَلتُ، وَ لَكِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد قَالَ كُلّ مَا اضطُرّ إِلَيهِ العَبدُ فَقَد أَحَلّهُ اللّهُ لَهُ وَ أَبَاحَهُ إِيّاهُ، وَ سَمِعتُهُ يَقُولُ إِنّ التّقِيّةَ مِن دِينِ اللّهِ، وَ لَا دِينَ لِمَن لَا تَقِيّةَ لَهُ، ثُمّ أَقبَلَ عَلَيّ، فَقَالَ أَدفَعُهُم بِالرّاحِ دَفعاً عنَيّ،ثُلُثَانِ مِن حيَّ وَ ثُلُثٌ منِيّ، فَإِن عوَضّنَيِ ربَيّ فأَعذرَنَيِ.
إيضاح أقول رَوَي ابنُ مَيثَمَ بَعضَ الخُطبَةِ، وَ فِيهِ حَتّي يَرمُوا بِالمَنَاسِرِ تَتبَعُهَا العَسَاكِرُ، وَ حَتّي يَرجُمُوا بِالكَتَائِبِ تَقفُوهَا الجَلَائِبُ، وَ حَتّي يَجُرّ بِبِلَادِهِمُ الخَمِيسُ يَتلُوهُ الخَمِيسُ، وَ حَتّي تَدعَقَ الخُيُولُ فِي نوَاَحيِ أَرضِهِم وَ بِأَحنَاءِ مَشَارِبِهِم وَ مَسَارِحِهِم،
و بعد قوله في طاعة اللّه وحرصا علي لقاء اللّه. وروي في النهج أيضا بأدني اختلاف . قوله عليه السلام إِلي كَلِمَةٍ سَواءٍ.. أي عادلة أومشتركة بيننا وبينهم .
صفحه : 328
والمَنسِرُ خيل من المائة إلي المائتين ، ويقال هوالجيش مايمرّ بشيء إلّا اقتلعه . والجَلَائِبُ الإبل التّي تجلب إلي الرّجل النّازل علي الماء ليس له مايحمل عليه فيحملونه عليها، و لايبعد أن يكون بالنون . والخَمِيسُ الجيش . و قال الجوهري دُعِقَ الطّريقُ فهو مدعوق .. أي كثر عليه الوطء، ودَعَقَتهُ الدّوابّ أثّرت فيه . والأَحنَاءُ الجوانب . والمَسَارِحُ مواضع سرح الدّوابّ، والمَسَالِحُ الثّغور والمراقب .
قَولُهُ عَلَيهِ السّلَامُ لَقَد رَأَيتُنَا .. فِي النّهجِ وَ لَقَد كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ نَقتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبنَاءَنَا وَ إِخوَانَنَا وَ أَعمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلّا إِيمَاناً وَ تَسلِيماً وَ مُضِيّاً عَلَي اللّقَمِ، وَ صَبراً عَلَي مَضَضِ الأَلَمِ، وَ جِدّاً فِي جِهَادِ العَدُوّ، وَ لَقَد كَانَ الرّجُلُ مِنّا وَ الآخَرُ مِن عَدُوّنَا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الفَحلَينِ،يَتَخَالَسَانِ أَنفُسَهُمَا أَيّهُمَا يسَقيِ صَاحِبَهُ كَأسَ المَنُونِ،فَمَرّةً لَنَا مِن عَدُوّنَا، وَ مَرّةً لِعَدُوّنَا مِنّا، فَلَمّا رَأَي اللّهُ صِدقَنَا
صفحه : 329
أَنزَلَ بِعَدُوّنَا الكَبتَ، وَ أَنزَلَ عَلَينَا النّصرَ، حَتّي استَقَرّ الإِسلَامُ مُلقِياً جِرَانَهُ، وَ مُتَبَوّئاً أَوطَانَهُ، وَ لعَمَريِ لَو كُنّا نأَتيِ مَا أَتَيتُم مَا قَامَ لِلدّينِ عَمُودٌ، وَ لَا اخضَرّ لِلإِيمَانِ عُودٌ، وَ ايمُ اللّهِ لَتَحتَلِبُنّهَا دَماً وَ لَتُتبِعُنّهَا نَدَماً.
والشّنّ الصّبّ والتّفريق، وشنّ الغارات تفريقها عليهم من كلّ ناحية. واللّقَمُ منهج الطّريق. والمَضَضُ حرقة الألم . والتّصَاوُلُ أن يحمل كلّ من القرينين علي صاحبه . والتّخَالُسُ التّسالب .. أي ينتهز كلّ منهما فرصة صاحبه . والمَنُونُ الموت . والكَبتُ الإذلال والصّرف. والجِرَانُ مقدّم عنق البعير من منخره إلي مذبحه ،كناية عن استقراره في قلوب عباد اللّه كالبعير ألذي أخذ مكانه واستقرّ فيه . ويقال تَبَوّأَ وَطَنَهُ .. أي سكن فيه ،شبّه عليه السلام الإسلام بالرجل
صفحه : 330
الخائف المتزلزل ألذي استقرّ في وطنه بعدخوفه . قوله عليه السلام لتحتلبنّها .. الضمير مبهم يرجع إلي أفعالهم ،شبّهها بالناقة التي أصيب ضرعها بآفة من تفريط صاحبها فيها، ولعلّ المقصود عدم انتفاعهم بتلك الأفعال عاجلا وآجلا. والبِطَانَةُ الوليجة و هو ألّذي يعرّفه الرّجل أسراره ثقة به . لايألونا خبالا .. أي لايقصّرون لنا في الفساد، والألو التّقصير.قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم.. أي في كلامهم ،لأنّهم لايملكون من أنفسهم لفرط بغضهم ،وَ ما تخُفيِ صُدُورُهُم أَكبَرُممّا بدا،لأنّ بدوه ليس عن روية واختيار. قوله عليه السلام سَلَقُوكُم.. أي ضربوكم وآذوكم «بِأَلسِنَةٍ حِدادٍ»ذَرِبَةٍ يطلبون الغنيمة. والسّلقُ البسط بقهر باليد أوباللّسان. قوله عليه السلام يكنّيه .. أي ناداه بالكنية، فقال يا أباحفص ، فقال الأشعث أناأعرف أنّك تعني عمر، و هو ألذي قال فيه النبيّ صلّي اللّه عليه وآله إنّ الشيطان يفرّ منه ، فقال عليه السلام استهزاء وتكذيبا للخبر الموضوع ماآمن اللّه روعة الشيطان إذا كان يفرّ من مثل عمر.
صفحه : 331
ويقال كربه الغمّ .. أي اشتدّ عليه . والجَذمُ القطع . قوله عليه السلام لقد عرفت ذلك .. أي أثر البغض والعداوة لذلك الأمر.
154-كنز قَولُهُ تَعَالَيعَلِمَت نَفسٌ ما قَدّمَت وَ أَخّرَت قَالَ عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ نَزَلَت فِي الثاّنيِ،يعَنيِ مَا قَدّمَت مِن وَلَايَةِ أَبِي فُلَانٍ وَ مِن وَلَايَةِ نَفسِهِ وَ مَا أَخّرَت مِن وُلَاةِ الأَمرِ مِن بَعدِهِ ... إِلَي قَولِهِبَل تُكَذّبُونَ بِالدّينِ، قَالَ الوَلَايَةِ.
155-كنز روُيَِ عَن عُمَرَ بنِ أُذَينَةَ، عَن مَعرُوفِ بنِ خَرّبُوذَ، قَالَ قَالَ لِي أَبُو جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَا ابنَ خَرّبُوذَ أَ تدَريِ مَا تَأوِيلُ هَذِهِ الآيَةِفَيَومَئِذٍ لا يُعَذّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. قُلتُ لَا. قَالَ ذَلِكَ الثاّنيِ،
صفحه : 332
لَا يُعَذّبُ اللّهُ يَومَ القِيَامَةِ عَذَابَهُ أَحَداً.
156- كِتَابُ المُحتَضَرِ عَن أَبَانِ بنِ أَبِي عَيّاشٍ، عَن سُلَيمِ بنِ قَيسٍ الهلِاَليِّ، عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَ لَقَد قَالَ لِأَصحَابِهِ الأَربَعَةِ أَصحَابِ الكِتَابِ الرأّيُ وَ اللّهِ أَن نَدفَعَ مُحَمّداً بِرُمّتِهِ وَ نُسَلّمَ، وَ ذَلِكَ حِينَ جَاءَ العَدُوّ مِن فَوقِنَا وَ مِن تَحتِنَا، كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَيوَ زُلزِلُوا زِلزالًا شَدِيداًوَ تَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَاوَ إِذ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلّا غُرُوراً. فَقَالَ صَاحِبُهُ وَ لَكِن نَتّخِذُ صَنَماً عَظِيماً فَنَعبُدُهُ لِأَنّا لَا نَأمَنُ مِن أَن يَظفَرَ ابنُ أَبِي كَبشَةَ فَيَكُونَ هَلَاكُنَا، وَ لَكِن يَكُونُ هَذَا الصّنَمُ لَنَا زُخراً فَإِن ظَفِرَت قُرَيشٌ أَظهَرنَا عِبَادَةَ هَذَا الصّنَمِ وَ أَعلَمنَاهُم أَنّا كُنّا لَم نُفَارِق دِينَنَا، وَ إِن رَجَعَت دَولَةُ ابنِ أَبِي كَبشَةَ كُنّا مُقِيمِينَ عَلَي عِبَادَةِ هَذَا الصّنَمِ سِرّاً،فَنَزَلَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ خبَرّنَيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِهِ بَعدَ قتَليِ ابنَ عَبدِ وُدّ،فَدَعَاهُمَا، وَ قَالَ كَم صَنَماً عَبَدتُمَا فِي الجَاهِلِيّةِ.فَقَالَا يَا مُحَمّدُ لَا تُعَيّرنَا بِمَا مَضَي فِي الجَاهِلِيّةِ. فَقَالَ كَم صَنَماً تَعبُدَانِ يَومَكُمَا هَذَا.فَقَالَا وَ ألّذِي بَعَثَكَ بِالحَقّ نَبِيّاً مَا نَعبُدُ إِلّا اللّهَ مُنذُ أَظهَرنَا لَكَ مِن دِينِكَ مَا أَظهَرنَا.
صفحه : 333
فَقَالَ يَا عَلِيّ خُذ هَذَا السّيفَ فَانطَلِق إِلَي مَوضِعِ كَذَا .. وَ كَذَا فَاستَخرِجِ الصّنَمَ ألّذِي يَعبُدَانِهِ فَاهشِمهُ، فَإِن حَالَ بَينَكَ وَ بَينَهُ أَحَدٌ فَاضرِب عُنُقَهُ،فَانكَبّا عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقَالَا استُرنَا سَتَرَكَ اللّهُ.فَقُلتُ أَنَا لَهُمَا اضمَنَا لِلّهِ وَ لِرَسُولِهِ أَن لَا تَعبُدَا إِلّا اللّهَ وَ لَا تُشرِكَا بِهِ شَيئاً.فَعَاهَدَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي ذَلِكَ، وَ انطَلَقتُ حَتّي استَخرَجتُ الصّنَمَ فَكَسَرتُ وَجهَهُ وَ يَدَيهِ وَ جَزَمتُ رِجلَيهِ، ثُمّ انصَرَفتُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَوَ اللّهِ لَقَد عَرَفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمَا عَلِيّ حَتّي مَاتَا .. وَ سَاقَ الحَدِيثَ إِلَي آخِرِهِ.
157- قَالَ وَ ذَكَرَ بَعضُ العُلَمَاءِ فِي كِتَابِهِ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِّ، قَالَ إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ يَخرُجُ فِي كُلّ جُمُعَةٍ إِلَي ظَاهِرِ المَدِينَةِ وَ لَا يُعلِمُ أَحَداً أَينَ يمَضيِ، قَالَ فبَقَيَِ عَلَي ذَلِكَ بُرهَةً مِنَ الزّمَانِ، فَلَمّا كَانَ فِي بَعضِ الليّاَليِ، قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ لَا بُدّ مِن أَن أَخرُجَ وَ أُبصِرَ أَينَ يمَضيِ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ( ع )، قَالَ فَقَعَدَ لَهُ عِندَ بَابِ المَدِينَةِ حَتّي خَرَجَ وَ مَضَي عَلَي عَادَتِهِ،فَتَبِعَهُ عُمَرُ وَ كَانَ كُلّمَا وَضَعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَدَمَهُ فِي مَوضِعٍ وَضَعَ عُمَرُ رِجلَهُ مَكَانَهَا فَمَا كَانَ إِلّا قَلِيلًا حَتّي وَصَلَ إِلَي بَلدَةٍ عَظِيمَةٍ ذَاتِ نَخلٍ وَ شَجَرٍ وَ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، ثُمّ إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ دَخَلَ إِلَي حَدِيقَةٍ بِهَا مَاءٌ جَارٍ فَتَوَضّأَ وَ وَقَفَ بَينَ النّخلِ يصُلَيّ إِلَي أَن مَضَي مِنَ اللّيلِ أَكثَرُهُ، وَ أَمّا عُمَرُ فَإِنّهُ نَامَ فَلَمّا قَضَي
صفحه : 334
أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَطَرَهُ مِنَ الصّلَاةِ عَادَ وَ رَجَعَ إِلَي المَدِينَةِ حَتّي وَقَفَ خَلفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ صَلّي مَعَهُ الفَجرَ،فَانتَبَهَ عُمَرُ فَلَم يَجِد أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي مَوضِعِهِ، فَلَمّا أَصبَحَ رَأَي مَوضِعاً لَا يَعرِفُهُ وَ قَوماً لَا يَعرِفُهُم وَ لَا يَعرِفُونَهُ،فَوَقَفَ عَلَي رَجُلٍ مِنهُم، فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ مِن أَينَ أَنتَ وَ مِن أَينَ أَتَيتَ. فَقَالَ عُمَرُ مِن يَثرِبَ مَدِينَةِ رَسُولِ اللّهِ(ص ). فَقَالَ الرّجُلُ يَا شَيخُ تَأَمّل أَمرَكَ وَ أَبصِر مَا تَقُولُ. فَقَالَ هَذَا ألّذِي أَقُولُهُ لَكَ. قَالَ الرّجُلُ مَتَي خَرَجتَ مِنَ المَدِينَةِ. قَالَ البَارِحَةَ. قَالَ لَهُ اسكُت، لَا يَسمَعُ النّاسُ مِنكَ هَذَا فَتُقتَلُ أَو يَقُولُونَ هَذَا مَجنُونٌ. فَقَالَ ألّذِي أَقُولُ حَقّ. فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ حدَثّنيِ كَيفَ حَالُكَ وَ مَجِيئُكَ إِلَي هَاهُنَا. فَقَالَ عُمَرُ كَانَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فِي كُلّ لَيلَةِ جُمُعَةٍ يَخرُجُ مِنَ المَدِينَةِ وَ لَا نَعلَمُ أَينَ يمَضيِ، فَلَمّا كَانَ فِي هَذِهِ اللّيلَةِ تَبِعتُهُ وَ قُلتُ أُرِيدُ أَن أُبصِرَ أَينَ يمَضيِ،فَوَصَلنَا إِلَي هَاهُنَا،فَوَقَفَ يصُلَيّ وَ نِمتُ وَ لَا أدَريِ مَا صَنَعَ. فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ ادخُل هَذِهِ المَدِينَةَ وَ أَبصِرِ النّاسَ وَ اقطَع أَيّامَكَ إِلَي لَيلَةِ الجُمُعَةِ فَمَا لَكَ مَن يَحمِلُكَ إِلَي مَوضِعِ ألّذِي جِئتَ مِنهُ إِلّا الرّجُلُ ألّذِي جَاءَ
صفحه : 335
بِكَ،فَبَينَنَا وَ بَينَ المَدِينَةِ أَزيَدُ مِن مَسِيرَةِ سَنَتَينِ، فَإِذَا رَأَينَا مَن يَرَي المَدِينَةَ وَ رَأَي رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ نَتَبَرّكُ بِهِ وَ نَزُورُهُ، وَ فِي الأَحيَانِ نَرَي مَن أَتَي بِكَ فَنَقُولُ أَنتَ قَد جِئتَ فِي بَعضِ لَيلَةٍ مِنَ المَدِينَةِ،فَدَخَلَ عُمَرُ إِلَي المَدِينَةِ فَرَأَي النّاسَ كُلّهُم يَلعَنُونَ ظاَلمِيِ أَهلِ بَيتِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ يسموهم [يُسَمّونَهُم]بِأَسمَائِهِم وَاحِداً وَاحِداً، وَ كُلّ صَاحِبِ صِنَاعَةٍ يَقُولُ كَذَلِكَ وَ هُوَ عَلَي صِنَاعَتِهِ، فَلَمّا سَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ ضَاقَت عَلَيهِ الأَرضُ بِمَا رَحُبَت وَ طَالَت عَلَيهِ الأَيّامُ حَتّي جَاءَ لَيلَةُ الجُمُعَةِ،فَمَضَي إِلَي ذَلِكَ المَكَانِ فَوَصَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَيهِ عَادَتَهُ،فَكَانَ عُمَرُ يَتَرَقّبُهُ حَتّي مَضَي مُعظَمُ اللّيلِ وَ فَرَغَ مِن صَلَاتِهِ وَ هَمّ بِالرّجُوعِ فَتَبِعَهُ عُمَرُ حَتّي وَصَلَا الفَجرَ المَدِينَةَ،فَدَخَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ المَسجِدَ وَ صَلّي خَلفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ صَلّي عُمَرُ أَيضاً، ثُمّ التَفَتَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي عُمَرَ، فَقَالَ يَا عُمَرُ أَينَ كُنتَ أُسبُوعاً لَا نَرَاكَ عِندَنَا فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ) كَانَ مِن شأَنيِ .. كَذَا وَ كَذَا، وَ قَصّ عَلَيهِ مَا جَرَي لَهُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا تَنسَ مَا شَاهَدتَ بِنَظَرِكَ، فَلَمّا سَأَلَهُ مَن سَأَلَهُ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ نَفَذَ فِيّ سِحرُ بنَيِ هَاشِمٍ.
أقول هذاحديث غريب لم أره إلّا في الكتاب المذكور.
158-كَشفُ الحَقّ لِلعَلّامَةِ الحلِيِّ رَحِمَهُ اللّهُ رَوَي الحَافِظُ مُحَمّدُ بنُ
صفحه : 336
مُوسَي الشيّراَزيِّ فِي كِتَابِهِ ألّذِي استَخرَجَهُ مِنَ التّفَاسِيرِ الاِثنيَ عَشَرَ تَفسِيرِ أَبِي يُوسُفَ يَعقُوبَ بنِ سُفيَانَ، وَ تَفسِيرِ ابنِ جَرِيحٍ، وَ تَفسِيرِ مُقَاتِلِ بنِ سُلَيمَانَ، وَ تَفسِيرِ وَكِيعِ بنِ جَرّاحٍ، وَ تَفسِيرِ يُوسُفَ بنِ مُوسَي القَطّانِ، وَ تَفسِيرِ قَتَادَةَ، وَ تَفسِيرِ أَبِي عُبَيدَةَ القَاسِمِ بنِ سَلّامٍ، وَ تَفسِيرِ عَلِيّ بنِ حَربٍ الطاّئيِّ، وَ تَفسِيرِ السدّيّّ، وَ تَفسِيرِ مُجَاهِدٍ، وَ تَفسِيرِ مُقَاتِلِ بنِ حَيّانَ، وَ تَفسِيرِ أَبِي صَالِحٍ، وَ كُلّهُم مِنَ الجَمَاهِرَةِ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَكُنّا جُلُوساً عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَتَذَاكَرنَا رَجُلًا يصُلَيّ وَ يَصُومُ وَ يَتَصَدّقُ وَ يزُكَيّ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا أَعرِفُهُ .. فَقُلنَا يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهُ عَبَدَ اللّهَ وَ يُسَبّحُهُ وَ يُقَدّسُهُ وَ يُوَحّدُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا أَعرِفُهُ،فَبَينَا نَحنُ فِي ذِكرِ الرّجُلِ إِذ قَد طَلَعَ عَلَينَا،فَقُلنَا هُوَ ذَا،فَنَظَرَ إِلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ لأِبَيِ بَكرٍ خُذ سيَفيِ هَذَا وَ امضِ إِلَي هَذَا الرّجُلِ فَاضرِب عُنُقَهُ،فَإِنّهُ أَوّلُ مَن يَأتِيهِ مِن حِزبِ الشّيطَانِ .. فَدَخَلَ أَبُو بَكرٍ المَسجِدَ فَرَآهُ رَاكِعاً، فَقَالَ وَ اللّهِ لَا أَقتُلُهُ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ(ص )نَهَانَا عَن قَتلِ المُصَلّينَ،فَرَجَعَ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنِيّ رَأَيتُهُ يصُلَيّ.
صفحه : 337
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اجلِس،فَلَستَ بِصَاحِبِهِ،قُم يَا عُمَرُ وَ خُذ سيَفيِ مِن يَدِ أَبِي بَكرٍ وَ ادخُلِ المَسجِدَ فَاضرِب عُنُقَهُ، قَالَ عُمَرُ فَأَخَذتُ السّيفَ مِن أَبِي بَكرٍ وَ دَخَلتُ المَسجِدَ فَرَأَيتُ الرّجُلَ سَاجِداً،فَقُلتُ وَ اللّهِ لَا أَقتُلُهُ فَقَدِ استَأمَنَهُ مَن هُوَ خَيرٌ منِيّ،فَرَجَعتُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنِيّ رَأَيتُ الرّجُلَ سَاجِداً. فَقَالَ يَا عُمَرُ اجلِس فَلَستَ بِصَاحِبِهِ،قُم يَا عَلِيّ فَإِنّكَ أَنتَ قَاتِلُهُ، إِن وَجَدتَهُ فَاقتُلهُ،فَإِنّكَ إِن قَتَلتَهُ لَم يَقَع بَينَ أمُتّيِ اختِلَافٌ أَبَداً. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخَذتُ السّيفَ وَ دَخَلتُ المَسجِدَ فَلَم أَرَهُ،فَرَجَعتُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ) مَا رَأَيتُهُ. فَقَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ إِنّ أُمّةَ مُوسَي افتَرَقَت إِحدَي وَ سَبعِينَ فِرقَةً،فِرقَةٌ نَاجِيَةٌ وَ البَاقُونَ فِي النّارِ، وَ إِنّ أُمّةَ عِيسَي( ع )افتَرَقَتِ اثنَتَينِ وَ سَبعِينَ فِرقَةً،فِرقَةٌ نَاجِيَةٌ وَ البَاقُونَ فِي النّارِ، وَ إِنّ أمُتّيِ سَتَفتَرِقُ عَلَي ثَلَاثٍ وَ سَبعِينَ فِرقَةً،فِرقَةٌ نَاجِيَةٌ وَ البَاقُونَ فِي النّارِ.فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ) وَ مَا النّاجِيَةُ. فَقَالَ المُتَمَسّكُ بِمَا أَنتَ عَلَيهِ وَ أَصحَابُكَ،فَأَنزَلَ اللّهُ تَعَالَي فِي ذَلِكَ الرّجُلِثانيَِ عِطفِهِ. يَقُولُ هَذَا أَوّلُ مَن يَظهَرُ مِن أَصحَابِ البِدَعِ وَ الضّلَالَاتِ. قَالَ ابنُ عَبّاسٍ وَ اللّهِ مَا قَتَلَ ذَلِكَ الرّجُلَ إِلّا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ( ع ) يَومَ صِفّينَ،
صفحه : 338
ثُمّ قَالَلَهُ فِي الدّنيا خزِيٌ قَالَ القَتلُوَ نُذِيقُهُ يَومَ القِيامَةِ عَذابَ الحَرِيقِبِقِتَالِهِ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَ صِفّينَ.
قال العلّامة رحمه اللّه تضمّن الحديث أنّ أبابكر وعمر لم يقبلا أمر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله و لم يقبلا قوله ، واعتذرا بأنّه يصليّ ويسجد، و لم يعلما أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أعرف بما هو عليه منهما، و لو لم يكن مستحقّا للقتل لم يأمر اللّه تعالي نبيّه بذلك ، وكيف ظهر إنكار النبيّ صلّي اللّه عليه وآله علي أبي بكر بقوله لست بصاحبه ، وامتنع عمر من فعله ، و مع ذلك فإنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله حكم بأنّه لوقتل لم يقع بين أمتّي اختلاف أبدا، وكرّر الأمر بقتله ثلاث مرّات عقيب الإنكار علي الشيخين ، وحكم صلّي اللّه عليه وآله بأنّ أمّته ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة،اثنتان وسبعون منها في النار، وأصل هذابقاء ذلك الرجل ألذي أمر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله الشيخين بقتله فلم يقتلاه ،فكيف يجوز للعامي تقليد من يخالف أمر الرسول صلّي اللّه عليه وآله .
159- وَ قَالَ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الكِتَابِ المَذكُورِ وَ قَد رَوَي عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ، وَ جَابِرٌ، وَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ، وَ أَبُو وَائِلٍ، وَ القاَضيِ عَبدُ الجَبّارِ، وَ أَبُو عَلِيّ الجبُاّئيِّ،
صفحه : 339
وَ أَبُو مُسلِمٍ الأصَفهَاَنيِّ، وَ يُوسُفُ الثعّلبَيِّ، وَ الطبّرَيِّ، وَ الواَقدِيِّ، وَ الزهّريِّ، وَ البخُاَريِّ، وَ الحمَيِديِّ فِي الجَمعِ بَينَ الصّحِيحَينِ فِي مُسنَدِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ فِي حَدِيثِ الصّلحِ بَينَ سُهَيلِ بنِ عَمرٍو وَ بَينَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالحُدَيبِيَةِ، يَقُولُ فِيهِ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَأَتَيتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،فَقُلتُ لَهُ أَ لَستَ نبَيِّ اللّهِ حَقّاً. قَالَ بَلَي. قُلتُ أَ لَسنَا عَلَي الحَقّ وَ عَدُوّنَا عَلَي البَاطِلِ. قَالَ بَلَي. قُلتُ فَلِمَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا إِذاً. قَالَ إنِيّ رَسُولُ اللّهِ وَ لَستُ أَعصِيهِ وَ هُوَ ناَصرِيِ .. قُلتُ أَ وَ لَيسَ كُنتَ تُحَدّثُنَا أَنّا سنَأَتيِ البَيتَ فَنَطُوفُ بِهِ. قَالَ عُمَرُ فَأَتَيتُ أَبَا بَكرٍ،فَقُلتُ يَا أَبَا بَكرٍ أَ لَيسَ هَذَا نبَيِّ اللّهِ حَقّاً. قَالَ بَلَي. قُلتُ أَ لَسنَا عَلَي الحَقّ وَ عَدُوّنَا عَلَي البَاطِلِ. قَالَ بَلَي. قُلتُ فَلِمَ نعُطيِ هَذِهِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا إِذاً. قَالَ أَيّهَا الرّجُلُ إِنّهُ رَسُولُ اللّهِ، وَ لَا يعَصيِ لِرَبّهِ وَ هُوَ نَاصِرُهُ،فَاستَمسِك بِعُذرِهِ فَوَ اللّهِ إِنّهُ عَلَي الحَقّ.
صفحه : 340
قُلتُ أَ لَيسَ كَانَ يُحَدّثُنَا أَنّهُ سيَأَتيِ البَيتَ وَ يَطُوفُ بِهِ. قَالَ فَأَخبَرَكَ أَنّهُ يَأتِيهِ العَامَ قُلتُ لَا. قَالَ فَإِنّكَ آتِيهِ وَ تَطُوفُ بِهِ. وَ زَادَ الثعّلبَيِّ فِي تَفسِيرِهِ عِندَ ذِكرِ سُورَةِ الفَتحِ وَ غَيرُهُ مِنَ الرّوَاةِ أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ قَالَ مَا شَكَكتُ مُنذُ أَسلَمتُ إِلّا يَومَئِذٍ.
ثم قال رحمه اللّه فهذا الحديث يدلّ علي تشكيك عمر والإنكار علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فيما فعله بأمر اللّه، ثم رجوعه إلي أبي بكر حتّي أجابه بالصحيح ، وكيف استجاز عمر أن يوبّخ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله و يقول له عقيب قوله صلّي اللّه عليه وآله إنيّ رسول اللّه ولست أعصيه ، و هوناصري أ ليس كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف به .
160- ثُمّ قَالَ قُدّسَ سِرّهُ فِي الجَمعِ بَينَ الصّحِيحَينِ فِي مُسنَدِ عَائِشَةَ
صفحه : 341
مِنَ المُتّفَقِ عَلَي صِحّتِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعتَمَ بِالعِشَاءِ حَتّي نَادَاهُ عُمَرُ الصّلَاةَ نَامَ النّسَاءُ وَ الصّبيَانُ،فَخَرَجَ وَ قَالَ مَا كَانَ لَكُم أَن تُبرِزُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي الصّلَاةِ، وَ ذَلِكَ حِينَ صَاحَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وَ قَد قَالَ اللّهُ تَعَالَيلا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النّبِيّ وَ لا تَجهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أَن تَحبَطَ أَعمالُكُم وَ أَنتُم لا تَشعُرُونَفَجَعَلَ ذَلِكَ مُحبِطاً لِلعَمَلِ، وَ قَالَإِنّ الّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وَراءِ الحُجُراتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلُونَ وَ لَو أَنّهُم صَبَرُوا حَتّي تَخرُجَ إِلَيهِم لَكانَ خَيراً لَهُم.
161- وَ قَالَ رَحِمَهُ اللّهُ وَ فِي الجَمعِ بَينَ الصّحِيحَينِ للِحمَيِديِّ فِي مُسنَدِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ أَنّهُ لَمّا توُفُيَّ عَبدُ اللّهِ بنُ أَبِي سَلُولٍ جَاءَ ابنُهُ عَبدُ اللّهِ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ
صفحه : 342
ليِصُلَيَّ عَلَيهِ،فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ) أَ تصُلَيّ عَلَيهِ وَ قَد نَهَاكَ رَبّكَ أَن تصُلَيَّ عَلَيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّمَا خيَرّنَيِ اللّهُ تَعَالَي قَالَاستَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرّةً... وَ سَأَزِيدُ عَلَي السّبعِينَ. قَالَ إِنّهُ مُنَافِقٌ .. فَصَلّي عَلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. وَ هَذَا رَدّ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.
162- وَ قَالَ رَحِمَهُ اللّهُ وَ فِي الجَمعِ فِي الصّحِيحَينِ مِن مُسنَدِ عَائِشَةَ،قَالَتكَانَت أَزوَاجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تخرجن [يَخرُجنَ]لَيلًا إِلَي لَيلٍ قِبَلَ المَصَانِعِ،فَخَرَجَت سَودَةُ بِنتُ زَمعَةَ فَرَآهَا عُمَرُ وَ هُوَ فِي المَجلِسِ، فَقَالَ عَرَفتُكِ يَا سَودَةُ فَنَزَلَ آيَةُ الحِجَابِ عَقِيبَ ذَلِكَ. وَ هُوَ يَدُلّ عَلَي سُوءِ أَدَبِ عُمَرَ حَيثُ كَشَفَ سَترَ زَوجَةِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ دَلّ عَلَيهَا أَعيُنَ النّاسِ وَ أَخجَلَهَا، وَ مَا قَصَدَت بِخُرُوجِهَا لَيلًا إِلّا الِاستِتَارَ عَنِ النّاسِ وَ صِيَانَةَ نَفسِهَا، وَ أَيّ ضَرُورَةٍ لَهُ إِلَي تَخجِيلِهَا حَتّي أَوجَبَ ذَلِكَ نُزُولَ
صفحه : 343
آيَةِ الحِجَابِ.
أقول أورد قدّس اللّه روحه كثيرا من مطاعنهم تركناها اختصارا وسنعيد الكلام بذكر تفاصيل مثالبهم وإثباتها بما هومتداول بينهم اليوم من كتبهم التي لايمكنهم القدح في رواياتها وبسط القول فيهااعتراضا وجوابا ليتمّ الحجّة علي المخالفين و لايبقي لهم عذر في الدنيا و لا في يوم الدين . ونرجو من فضله تعالي أن لايحرمني أجر ذلك ،فإنّه لايضيع عنده أجر المحسنين .
163-يل البَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، قَالَبَينَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَالِساً[جَالِسٌ] فِي أَصحَابِهِ إِذ أَتَاهُ وَفدٌ مِن بنَيِ تَمِيمٍ،مِنهُم مَالِكُ بنُ نُوَيرَةَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ علَمّنيِ الإِيمَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أنَيّ رَسُولُ اللّهِ، وَ تصُلَيّ الخَمسَ، وَ تَصُومُ شَهرَ رَمَضَانَ، وَ تؤُدَيّ الزّكَاةَ، وَ تَحُجّ البَيتَ، وَ توُاَليِ وصَيِيّ هَذَا مِن بعَديِ وَ أَشَارَ إِلَي عَلِيّ( ع )بِيَدِهِ وَ لَا تَسفِكُ دَماً، وَ لَا تَسرِقُ، وَ لَا تَخُونُ، وَ لَا تَأكُلُ مَالَ اليَتِيمِ، وَ لَا تَشرَبُ الخَمرَ، وَ توُفيِ بشِرَاَئعِيِ، وَ تُحَلّلُ حلَاَليِ وَ تُحَرّمُ حرَاَميِ، وَ تعُطيِ الحَقّ مِن نَفسِكَ لِلضّعِيفِ وَ القوَيِّ وَ الكَبِيرِ وَ الصّغِيرِ .. حَتّي عَدّ عَلَيهِ شَرَائِعَ الإِسلَامِ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعِد عَلَيّ فإَنِيّ رَجُلٌ نَسّاءٌ،فَأَعَادَهَا عَلَيهِ فَعَقَدَهَا بِيَدِهِ، وَ قَامَ وَ هُوَ يَجُرّ إِزَارَهُ وَ هُوَ يَقُولُ تَعَلّمتُ الإِيمَانَ وَ رَبّ الكَعبَةِ، فَلَمّا بَعُدَ عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن أَحَبّ أَن يَنظُرَ إِلَي رَجُلٍ مِن أَهلِ الجَنّةِ فَليَنظُر إِلَي هَذَا الرّجُلِ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ إِلَي مَن تُشِيرُ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ).فَأَطرَقَ إِلَي الأَرضِ
صفحه : 344
فَاتّخَذَا فِي السّيرِ فَلَحِقَاهُ،فَقَالَا لَهُ البِشَارَةُ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ بِالجَنّةِ، فَقَالَ أَحسَنَ اللّهُ تَعَالَي بِشَارَتَكُمَا إِن كُنتُمَا مِمّن يَشهَدُ بِمَا شَهِدتُ بِهِ،فَقَد عَلِمتُمَا مَا علَمّنَيِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ إِن لَم تَكُونَا كَذَلِكَ فَلَا أَحسَنَ اللّهُ بِشَارَتَكُمَا. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لَا تَقُل ذَلِكَ فَأَنَا أَبُو عَائِشَةَ زَوجَةِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ قُلتُ ذَلِكَ فَمَا حَاجَتُكُمَا.قَالَا إِنّكَ مِن أَصحَابِ الجَنّةِ فَاستَغفِر لَنَا. فَقَالَ لَا غَفَرَ اللّهُ لَكُمَا،أَنتُمَا نَدِيمَانِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ صَاحِبِ الشّفَاعَةِ وَ تسَألَاَنيِ أَستَغفِرُ لَكُمَا فَرَجَعَا وَ الكَآبَةُ لَائِحَةٌ فِي وَجهَيهِمَا، فَلَمّا رَآهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَبَسّمَ، وَ قَالَ فِي الحَقّ مَغضَبَةٌ. فَلَمّا توُفُيَّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ رَجَعَ بَنُو تَمِيمٍ إِلَي المَدِينَةِ وَ مَعَهُم مَالِكُ بنُ نُوَيرَةَ،فَخَرَجَ لِيَنظُرَ مَن قَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَدَخَلَ يَومَ الجُمُعَةِ وَ أَبُو بَكرٍ عَلَي المِنبَرِ يَخطُبُ النّاسَ فَنَظَرَ إِلَيهِ وَ قَالُوا أَخُو تَيمٍ.قَالُوا نَعَم. قَالَ مَا فَعَلَ وصَيِّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ألّذِي أمَرَنَيِ بِمُوَالَاتِهِ.قَالُوا يَا أعَراَبيِّ الأَمرُ يَحدُثُ بَعدَ الأَمرِ الآخَرِ.
صفحه : 345
قَالَ تَاللّهِ مَا حَدَثَ شَيءٌ وَ إِنّكُم لَخُنتُمُ اللّهَ وَ رَسُولَهُ، ثُمّ تَقَدّمَ إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ قَالَ لَهُ مَن أَرقَاكَ هَذَا المِنبَرَ وَ وصَيِّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَالِسٌ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَخرِجُوا الأعَراَبيِّ البَوّالَ عَلَي عَقِبَيهِ مِن مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.فَقَامَ إِلَيهِ قُنفُذُ بنُ عُمَيرٍ وَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ فَلَم يَزَالَا يكذان [يَلكُزَانِ]عُنُقَهُ حَتّي أَخرَجَاهُ،فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَ أَنشَأَ يَقُولُ شِعراً
أَطَعنَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَانَ بَينَنَا | فَيَا قَومُ مَا شأَنيِ وَ شَأنُ أَبِي بَكرٍ إِذَا مَاتَ بَكرٌ قَامَ عَمرٌو أَمَامَهُ |
فَتِلكَ وَ بَيتِ اللّهِ قَاصِمَةُ الظّهرِ يُذَبّ وَ يَغشَاهُ العِشَارُ كَأَنّمَا | يُجَاهِدُ جَمّاً أَو يَقُومُ عَلَي قَبرٍ فَلَو طَافَ فِينَا مِن قُرَيشٍ عِصَابَةٌ |
َقَمنَا وَ لَو كَانَ القِيَامُ عَلَي جَمرٍ |
قَالَ فَلَمّا استَتَمّ الأَمرُ لأِبَيِ بَكرٍ وَجّهَ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ وَ قَالَ لَهُ قَد عَلِمتَ
صفحه : 346
مَا قَالَ عَلَي رُءُوسِ الأَشهَادِ،لَستُ آمَنُ أَن يَفتُقَ عَلَينَا فَتقاً لَا يَلتَامُ،فَاقتُلهُ،فَحِينَ أَتَاهُ خَالِدٌ رَكِبَ جَوَادَهُ وَ كَانَ فَارِساً يُعَدّ بِأَلفِ فَارِسٍ،فَخَافَ خَالِدٌ مِنهُ فَآمَنَهُ وَ أَعطَاهُ المَوَاثِيقَ ثُمّ غَدَرَ بِهِ بَعدَ أَن أَلقَي سِلَاحَهُ فَقَتَلَهُ، وَ عَرَسَ بِامرَأَتِهِ فِي لَيلَتِهِ وَ جَعَلَ رَأسَهُ فِي قِدرٍ فِيهَا لَحمُ جَزُورٍ لِوَلِيمَةِ عُرسِهِ لِامرَأَتِهِ يَنزُو عَلَيهَا نَزوَ الحِمَارِ .. وَ الحَدِيثُ طَوِيلٌ.
بيان العِشَارُ بالكسر جمعُ العُشَرَاءِ، وهي النّاقة التّي مضي لحملها عشرة أشهر. والجَمّ جمع الجَمّاءِ وهي الشّاة التّي لاقرن لها. والأَجَمّ الرّجل بلا رمح ، ولعلّ تشبيه القوم بالعشار لِمَا أكلوا من الأموال المحرّمة وطعموا من الولايات الباطلة، ونفي كونها جمّا تهديد بأنّه وقومه كاملوا الإرادة والسلاح .
صفحه : 347
164-إِرشَادُ القُلُوبِ مِن مَثَالِبِهِم لَمّاً مَا تَضَمّنَهُ خَبَرُ وَفَاةِ الزّهرَاءِ عَلَيهَا السّلَامُ قُرّةِ عَينِ الرّسُولِ وَ أَحَبّ النّاسِ إِلَيهِ مَريَمَ الكُبرَي وَ الحَورَاءِ التّيِ أُفرِغَت مِن مَاءِ الجَنّةِ مِن صُلبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،التّيِ قَالَ فِي حَقّهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّ اللّهَ يَرضَي لِرِضَاكِ وَ يَغضَبُ لِغَضَبِكِ. وَ قَالَ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ فَاطِمَةُ بَضعَةٌ منِيّ مَن آذَاهَا فَقَد آذاَنيِ. وَ روُيَِ أَنّهُ لَمّا حَضَرَتهَا الوَفَاةُ قَالَت لِأَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ إِذَا أَنَا مِتّ فاَنظرُيِ إِلَي الدّارِ فَإِذَا رَأَيتِ سِجفاً مِن سُندُسٍ مِنَ الجَنّةِ قَد ضُرِبَ فُسطَاطاً فِي جَانِبِ الدّارِ فاَحملِيِنيِ وَ زَينَبَ وَ أُمّ كُلثُومٍ فاَجعلَوُنيِ[فاَجعلَننَيِ] مِن وَرَاءِ السّجفِ وَ خَلّوا[خَلّينَ]بيَنيِ وَ بَينَ نفَسيِ، فَلَمّا تُوُفّيَت عَلَيهَا السّلَامُ وَ ظَهَرَ السّجفُ حَمَلنَاهَا وَ جَعَلنَاهَا وَرَاءَهُ،فَغُسّلَت
صفحه : 348
وَ كُفّنَت وَ حُنّطَت بِالحَنُوطِ، وَ كَانَ كَافُورٌ أَنزَلَهُ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ الجَنّةِ فِي ثَلَاثِ صُرَرٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ رَبّكَ يُقرِئُكَ السّلَامَ وَ يَقُولُ لَكَ هَذَا حَنُوطُكَ وَ حَنُوطُ ابنَتِكَ وَ حَنُوطُ أَخِيكَ عَلِيّ مَقسُومٌ أَثلَاثاً، وَ إِنّ أَكفَانَهَا وَ مَاءَهَا وَ أَوَانِيَهَا مِنَ الجَنّةِ. وَ روُيَِ أَنّهَا تُوُفّيَت عَلَيهَا السّلَامُ بَعدَ غُسلِهَا وَ تَكفِينِهَا وَ حَنُوطِهَا،لِأَنّهَا طَاهِرَةٌ لَا دَنَسَ فِيهَا، وَ أَنّهَا أَكرَمُ عَلَي اللّهِ تَعَالَي أَن يَتَوَلّي ذَلِكَ مِنهَا غَيرُهَا، وَ أَنّهُ لَم يَحضُرهَا إِلّا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ وَ زَينَبُ وَ أُمّ كُلثُومٍ وَ فِضّةُ جَارِيَتُهَا وَ أَسمَاءُ بِنتُ عُمَيسٍ، وَ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَخرَجَهَا وَ مَعَهُ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ فِي اللّيلِ وَ صَلّوا عَلَيهَا، وَ لَم يَعلَم بِهَا أَحَدٌ، وَ لَا حَضَرُوا وَفَاتَهَا وَ لَا صَلّي عَلَيهَا أَحَدٌ مِن سَائِرِ النّاسِ غَيرُهُم،لِأَنّهَا عَلَيهَا السّلَامُ أَوصَت بِذَلِكَ، وَ قَالَ[قَالَت] لَا تُصَلّ عَلَيّ أُمّةٌ نَقَضَت عَهدَ اللّهِ وَ عَهدَ أَبِي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ ظلَمَوُنيِ حقَيّ، وَ أَخَذُوا إرِثيِ، وَ خَرَقُوا صحَيِفتَيَِ التّيِ كَتَبَهَا لِي أَبِي بِمِلكِ فَدَكٍ، وَ كَذّبُوا شهُوُديِ وَ هُم وَ اللّهِ جَبرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أُمّ أَيمَنَ، وَ طُفتُ عَلَيهِم فِي بُيُوتِهِم وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يحَملِنُيِ وَ معَيَِ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ لَيلًا وَ نَهَاراً إِلَي مَنَازِلِهِم أُذَكّرُهُم بِاللّهِ وَ بِرَسُولِهِ أَلّا تَظلِمُونَا وَ لَا تَغصِبُونَا حَقّنَا ألّذِي جَعَلَهُ اللّهُ لَنَا،فَيُجِيبُونّا لَيلًا وَ يَقعُدُونَ عَن نُصرَتِنَا نَهَاراً، ثُمّ يُنفِذُونَ إِلَي دَارِنَا قُنفُذاً وَ مَعَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ لِيُخرِجُوا ابنَ عمَيّ عَلِيّاً إِلَي سَقِيفَةِ بنَيِ سَاعِدَةَ لِبَيعَتِهِمُ الخَاسِرَةِ، فَلَا يَخرُجُ إِلَيهِم مُتَشَاغِلًا بِمَا أَوصَاهُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بِأَزوَاجِهِ وَ بِتَألِيفِ القُرآنِ وَ قَضَاءِ ثَمَانِينَ أَلفَ دِرهَمٍ وَصّاهُ بِقَضَائِهَا عَنهُ عِدَاتٍ وَ دَيناً،فَجَمَعُوا الحَطَبَ الجَزلَ عَلَي بَابِنَا وَ أَتَوا بِالنّارِ لِيُحرِقُوهُ وَ يُحرِقُونَا،فَوَقَفتُ بِعَضَادَةِ البَابِ وَ نَاشَدتُهُم بِاللّهِ وَ بأِبَيِ أَن يَكُفّوا عَنّا وَ يَنصُرُونَا،فَأَخَذَ عُمَرُ السّوطَ مِن يَدِ قُنفُذٍ مَولَي أَبِي بَكرٍ فَضَرَبَ بِهِ عضَدُيِ
صفحه : 349
فَالتَوَي السّوطُ عَلَي عضَدُيِ حَتّي صَارَ كَالدّملُجِ، وَ رَكَلَ البَابَ بِرِجلِهِ فَرَدّهُ عَلَيّ وَ أَنَا حَامِلٌ فَسَقَطتُ لوِجَهيِ وَ النّارُ تَسعَرُ وَ تَسفَعُ وجَهيِ،فضَرَبَنَيِ بِيَدِهِ حَتّي انتَثَرَ قرُطيِ مِن أذُنُيِ، وَ جاَءنَيِ المَخَاضُ فَأَسقَطتُ مُحَسّناً قَتِيلًا بِغَيرِ جُرمٍ،فَهَذِهِ أُمّةٌ تصُلَيّ عَلَيّ وَ قَد تَبَرّأَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنهُم، وَ تَبَرّأتُ مِنهُم.فَعَمِلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ( ع )بِوَصِيّتِهَا وَ لَم يُعلِم أَحَداً بِهَا فَأُصنِعَ فِي البَقِيعِ لَيلَةَ دُفِنَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ أَربَعُونَ قَبراً جُدُداً. ثُمّ إِنّ المُسلِمِينَ لَمّا عَلِمُوا بِوَفَاةِ فَاطِمَةَ وَ دَفنِهَا جَاءُوا إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يُعَزّونَهُ بِهَا،فَقَالُوا يَا أَخَا رَسُولِ اللّهِ(ص ) لَو أَمَرتَ بِتَجهِيزِهَا وَ حَفرِ تُربَتِهَا. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ قَد وُرّيَت وَ لَحِقَت بِأَبِيهَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ.فَقَالُواإِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيهِ راجِعُونَ،تَمُوتُ ابنَةُ نَبِيّنَا مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَم يُخَلّف فِينَا وَلَداً غَيرَهَا، وَ لَا نصُلَيّ عَلَيهَا إِنّ هَذَا لشَيَءٌ عَظِيمٌ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ حَسبُكُم مَا جَنَيتُم عَلَي اللّهِ وَ عَلَي رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلَي أَهلِ بَيتِهِ وَ لَم أَكُن وَ اللّهِ لِأَعصِيَهَا فِي وَصِيّتِهَا التّيِ أَوصَت بِهَا فِي أَن لَا يصُلَيَّ عَلَيهَا أَحَدٌ مِنكُم، وَ لَا بَعُدَ العَهدُ فَأُعذَرَ،فَنَفَضَ القَومُ أَثوَابَهُم، وَ قَالُوا لَا بُدّ لَنَا مِنَ الصّلَاةِ عَلَي ابنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ مَضَوا مِن فَورِهِم إِلَي البَقِيعِ فَوَجَدُوا فِيهِ أَربَعِينَ قَبراً جُدُداً،فَاشتَبَهَ عَلَيهِم قَبرُهَا عَلَيهَا السّلَامُ بَينَ تِلكَ القُبُورِ فَصَحّ[فَضَجّ] النّاسُ وَ لَامَ بَعضُهُم بَعضاً، وَ قَالُوا لَم تَحضُرُوا وَفَاةَ بِنتِ نَبِيّكُم وَ لَا
صفحه : 350
الصّلَاةَ عَلَيهَا وَ لَا تَعرِفُونَ قَبرَهَا فَتَزُورُونَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ هَاتُوا مِن ثِقَاتِ المُسلِمِينَ مَن يَنبِشُ هَذِهِ القُبُورَ حَتّي تَجِدُوا قَبرَهَا فنَصُلَيَّ عَلَيهَا وَ نَزُورَهَا،فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ،فَخَرَجَ مِن دَارِهِ مُغضَباً وَ قَدِ احمَرّ وَجهُهُ وَ قَامَت عَينَاهُ وَ دَرّت أَودَاجُهُ، وَ عَلَي يَدِهِ[ عَلَيهِ]قَبَاهُ الأَصفَرُ ألّذِي لَم يَكُن يَلبَسُهُ إِلّا فِي يَومٍ كَرِيهَةٍ يَتَوَكّأُ عَلَي سَيفِهِ ذيِ الفَقَارِ حَتّي وَرَدَ البَقِيعَ،فَسَبَقَ النّاسَ النّذِيرُ، فَقَالَ لَهُم هَذَا عَلِيّ قَد أَقبَلَ كَمَا تَرَونَ يُقسِمُ بِاللّهِ لَئِن بُحِثَ مِن هَذِهِ القُبُورِ حَجَرٌ وَاحِدٌ لَأَضَعَنّ السّيفَ عَلَي غَائِرِ هَذِهِ الأُمّةِ،فَوَلّي القَومُ هَارِبِينَ قِطَعاً قِطَعاً.
ومنها مافعله الأول من التآمر علي الأمّة من غير أن أباح اللّه له ذلك و لارسوله ، ومطالبة جميعهم بالبيعة له والانقياد إلي طاعته طوعا وكرها، و كان ذلك أوّل ظلم ظهر في الإسلام بعدوفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،إذ كان هو وأولياؤه جميعا مقرّين بأنّ اللّه عزّ و جلّ ورسوله صلّي اللّه عليه وآله لم يولّياه ذلك و لاأوجبا طاعته و لاأمرا ببيعته . وطالب الناس بالخروج إليه ممّا كان يأخذه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله من الأخماس والصدقات والحقوق الواجبات . ثم تسمّي بخلافة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و قدعلم هو و من معه من الخاصّ والعامّ أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لم يستخلفه ،فقد جمع بين الظلم والمعصية والكذب علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،
وَ قَد قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّداً فَليُتَبَوّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ،
و لمّا امتنع طائفة من الناس في دفع الزكاة إليه وقالوا إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لم يأمرنا بدفع ذلك إليك ،فسمّاهم أهل الردّة، وبعث إليهم خالد بن الوليد رئيس القوم في جيش ،
صفحه : 351
فقتل مقاتلهم ، وسبي ذراريهم ، واستباح أموالهم ، وجعل ذلك فيئا للمسلمين ، وقتل خالد بن الوليد رئيس القوم مالك بن نويرة، وأخذ امرأته فوطأها من ليلته تلك واستحلّ الباقون فروج نسائهم من غيراستبراء. و قدروي أهل الحديث جميعا بغير خلاف عن القوم الّذين كانوا مع خالد أنّهم قالوا أذّن مؤذّننا وأذّن مؤذّنهم، وصلّينا وصلّوا، وتشهّدنا وتشهّدوا،فأيّ ردّة هاهنا مع مارووه أنّ عمر قال لأبي بكر كيف نقاتل قوما يشهدون أن لاإله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و قدسمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يقول أمرت أن أقاتل الناس حتّي يشهدوا أن لاإله إلّا اللّه وأنيّ رسول اللّه(ص )، فإذاقالوها حقنوا دماءهم وأموالهم . فقال لومنعوني عقالا ممّا كانوا يدفعونه إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لقاتلتهم أو قال لجاهدتهم ، و كان هذافعلا فظيعا في الإسلام وظلما عظيما،فكفي بذلك خزيا وكفرا وجهلا، وإنّما أخذ عليه عمر بسبب قتل مالك بن نويرة،لأنّه كان بين عمر و بين مالك خلّة أوجبت المعصية له من عمر. ثم رووا جميعا أنّ عمر لمّا وليّ جمع من بقي من عشيرة مالك واسترجع ماوجد عندالمسلمين من أموالهم وأولادهم ونسائهم ، وردّ ذلك جميعا عليهم . فإن كان فعل أبي بكر بهنّ خطأ فقد أطعم المسلمين الحرام من أموالهم وملّكهم العبيد الأحرار من أبنائهم ، وأوطأهم فروجا حراما من نسائهم ، و إن كان مافعله حقّا فقد أخذ عمر نساء قوم ملكوهنّ بحقّ فانتزعهنّ من أيديهم غصبا وظلما وردّهنّ إلي قوم لايستحقّونهنّ بوطئهنّ حراما من غيرمباينة وقعت و لاأثمان دفعت إلي من كنّ عنده في تملّكه،فعلي كلا الحالين قدأخطئا جميعا أوأحدهما،
صفحه : 352
لأنّهما أباحا للمسلمين فروجا حراما، وأطعماهم طعاما حراما من أموال المقتولين علي دفع الزكاة إليه ، و ليس له ذلك علي ماتقدّم ذكره . ومنها تكذيبه لفاطمة عليها السلام في دعواها فدك ، وردّ شهادة أمّ أيمن ، مع
أَنّهُم رَوَوا جَمِيعاً أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ أُمّ أَيمَنَ امرَأَةٌ مِن أَهلِ الجَنّةِ
، وردّ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام
وَ قَد رَوَوا جَمِيعاً أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ عَلِيّ مَعَ الحَقّ وَ الحَقّ مَعَ عَلِيّ يَدُورُ مَعَهُ حَيثُمَا دَارَ
، وأخبرهم أيضا بتطهير عليّ وفاطمة من الرجس عن اللّه تعالي ،فمن توهّم أنّ عليّا وفاطمة يدخلان بعد هذه الأخبار من اللّه عزّ و جلّ في شيء من الكذب والباطل فقد كذّب اللّه، و من كذّب اللّه كفر بغير خلاف . ومنها قوله في الصلاة لاتفعل خالد ماأمره ،فهذه بدعة يقارنها كفر، و ذلك أنّه أمر خالد بقتل أمير المؤمنين عليه السلام إذا هوسلّم من صلاة الفجر، فلمّا قام في الصلاة ندم علي ذلك وخشي إن فعل ماأمر به من قتل أمير المؤمنين عليه السلام أن تهيج عليه فتنة لايقومون لها. فقال لايفعلنّ خالد ماأمر .. قبل أن يسلّم، والكلام في الصلاة بدعة، والأمر بقتل عليّ كفر. ومنها أنّهم رووا بغير خلاف أنّه قال وقت وفاته ثلاث فعلتها وددت أنيّ لم أفعلها، وثلاث لم أفعلها ووددت أنيّ أفعلها، وثلاث غفلت عنها ووددت أنيّ أسأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله عنها، أمّا الثلاث التي وددت أنيّ لم أفعلها،فبعث خالد بن الوليد إلي مالك بن نويرة وقومه المسمّين بأهل الردّة، وكشف بيت فاطمة( ع ) و إن كان أغلق علي حرب .. واختلف أولياؤه في باقي الخصال فأهملنا ذكرها وذكرنا مااجتمعوا عليه .فقد دلّ قوله أنيّ لم أكشف بيت فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه
صفحه : 353
وآله .. أنّه أغضب فاطمة،
وَ قَد قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّ اللّهَ يَغضَبُ لِغَضَبِكِ وَ يَرضَي لِرِضَاكِ،
فقد أوجب بفعله هذاغضب اللّه عليه بغضب فاطمة.
وَ قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةُ بَضعَةٌ منِيّ مَن آذَاهَا فَقَد آذاَنيِ وَ مَن آذاَنيِ فَقَد آذَي اللّهَ
،فقد لزمه أن يكون قدآذي اللّه ورسوله بما لحق فاطمة عليها السلام من الأذي بكشف بيتها، و قد قال اللّه عزّ و جلّإِنّ الّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنيا وَ الآخِرَةِ، و أمّا الثلاثة التي ودّ أن يسأل رسول اللّه عنها فهي الكلالة ماهي و عن الجدّ ما له من الميراث و عن الأمر لمن بعده و من صاحبه . وكفي بهذا الإقرار علي نفسه خزيا وفضيحة،لأنّه شهّر نفسه بالجهل بأحكام الشريعة، و من كان هذه حاله كان ظالما فيما دخل فيه من الحكومة بين المسلمين بما لايعلمه وَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. و قوله ووددت أنيّ أسأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لمن الأمر بعده و من صاحبه فقد أقرّ وأشهد علي نفسه بأنّ الأمر لغيره ، و أنّه لاحقّ له فيه ،لأنّه لو كان له حقّ لكان قدعلمه من اللّه عزّ و جلّ و من رسوله صلّي اللّه عليه وآله ، فلمّا لم يكن له فيه حقّ لم يعلم لمن هوبزعمه ، و إذا لم يكن فيه حقّ و لم يعلم لمن هوفقد دخل فيما لم يكن له ، وأخذ حقّا هولغيره ، و هذايوجب الظلم والتعديّ، و قال اللّه تعالي أَلا لَعنَةُ اللّهِ عَلَي الظّالِمِينَ. و أمّا ماوافقه عليه صاحبه الثاني فمنها أنّه لمّا أمر أن يجمع ماتهيّأ له من القرآن أمر مناديا ينادي في
صفحه : 354
المدينة من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ، ثم قال لاتقبل من أحد شيئا إلّا بشاهدي عدل . و هذا منه مخالف لكتاب اللّه عزّ و جلّ إذ يقول لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَ الجِنّ عَلي أَن يَأتُوا بِمِثلِ هذَا القُرآنِ لا يَأتُونَ بِمِثلِهِفذلك غاية الجهل وقلّة الفهم ، و هذاالوجه أحسن أحوالهما، و من حلّ هذاالمحلّ لم يجز أن يكون حاكما بين المسلمين فضلا عن منزلة الإمامة، و إن كانا قدعلما ذلك من كتاب اللّه، و لم يصدّقا إخبار اللّه فيه ، و لم يثقا بحكمه في ذلك ،كانت هذه حالا توجب عليهما ما لاخفاء به علي كلّ ذي فهم ، ولكنّ الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام قالوا إنّهما قصدا بذلك عليّا عليه السلام فجعلا هذاسببا لترك قبول ما كان عليّ عليه السلام جمعه وألّفه من القرآن في مصحفه بتمام ماأنزل اللّه عزّ و جلّ علي رسوله منه ، وخشيا أن يقبلا ذلك منه ،فيظهر مايفسد عليهما عند الناس ماارتكباه من الاستيلاء علي أمورهم ، ويظهر فيه فضائح المذمومين بأسمائهم وطهارة الفاضلين المحمودين بذكرهم ،فلذلك قالا لانقبل القرآن من أحد إلّا بشاهدي عدل ، هذا مع مايلزم من يتولّاهما أنّهما لم يكونا عالمين بتنزيل القرآن ،لأنّهما لوكانا يعلمانه لمااحتاجا أن يطلباه من غيرهما ببيّنة عادلة، و إذا لم يعلما التنزيل كان محالا أن يعلما التأويل ، و من لم يعلم التنزيل و لاالتأويل كان جاهلا بأحكام الدين وبحدود ماأنزل اللّه علي رسوله ، و من كان بهذه الصفة خرج عن حدود من يصلح أن يكون حاكما بين المسلمين أوإماما لهم ، و من لم يصلح لذلك ثم دخل فيه فقد استوجب
صفحه : 355
المقت من اللّه عزّ و جلّ،لأنّ من لايعلم حدود اللّه يكون حاكما بغير ماأنزل اللّه، و قال سبحانه و تعالي وَ مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ. ومنها أنّ الأمّة مجتمعة علي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ضمّه وصاحبه مع جماعة من المهاجرين والأنصار إلي أسامة بن زيد وولّاه عليهما، وأمره بالمسير فيهم ، وأمرهم بالمسير تحت رايته ، و هو أميرعليهم إلي بلاد من الشام ، و لم يزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يقول لينفّذوا جيش أسامة .. حتي توفي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في مرضه ذلك ، وأنّهما لم ينفّذا وتأخّرا عن أسامة في طلب مااستوليا عليه من أمور الأمّة،فبايع الناس لأبي بكر وأسامة معسكر في مكانه علي حاله خارج المدينة والأمّة مجتمعة علي أنّ من عصي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وخالفه فقد عصي اللّه، و من أطاع الرّسُولَ فَقَد أَطاعَ اللّهَ،بنصّ الكتاب العزيز، والأمّة أيضا مجمعة علي أنّ معصية الرسول بعدوفاته كمعصيته في حياته ، و أنّ طاعته بعدوفاته كطاعته في حياته ، وأنّهما لم يطيعاه في الحالتين ، وتركا أمره لهما بالخروج ، و من ترك أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله متعمدا وخالفه وجب الحكم بارتداده . ومنها أنّه لماحضرته الوفاة جعل ما كان اغتصبه وظلم في الاستيلاء عليه لعمر من بعده ، وطالب الناس بالبيعة له والرضا به كره في ذلك من كره ورغب من رغب ، و قدأجمعوا في روايتهم أنّ الغالب كان من الناس يومئذ الكراهية،فلم يفكّر في ذلك وجعله الوالي عليهم علي كره منهم ، وخوّفوه من اللّه عزّ و جلّ في توليته ، فقال أباللّه تخوفّوني إذا أنالقيته قلت له استخلفت عليهم خير أهلك .فكان هذاالقول جامعا لعجائب من المنكرات القطعيّات، أرأيت لو
صفحه : 356
أجابه اللّه تعالي ، فقال و من جعل إليك ذلك و من ولّاك أنت حتي تستخلف عليهم غيرك فقد تقلّد الظلم في حياته و بعدوفاته . ثم إنّ قوله تخوفّوني باللّه .. إمّا هودليل علي استهانته بملاقاة اللّه تعالي ، أويزعم أنّه زكيّ عند اللّه بريء من كلّ ذلّة وهفوة، و هذامخالفة لقوله تعالي ،فإنّه قال فَلا تُزَكّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعلَمُ بِمَنِ اتّقي. ثم إنّه لم يكتف بذلك حتي شهد لعمر أنّه خير القوم ، و هذاممّا لايصل إليه مثله و لايعرفه . ثم إنّه ختم ذلك بالطامّة الكبري أنّه أمر وقت وفاته بالدفن مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في بيته وموضع قبره وجعل أيضا بذلك سبيلا لعمر عليه ،فإنّه فعل كمافعله ، وصيّرت العامّة ذلك منقبة لهما بقولهم ضجيعا رسول اللّه(ص )، و من عقل وميّز وفهم علم أنّهما قدجنيا علي أنفسهما جناية لايستقيلانها أبدا، وأوجبا علي أنفسهما المعصية للّه ولرسوله والظلم الظاهر الواضح ،لأنّ اللّه سبحانه قدنهي عن الدخول إلي بيوت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله إلّا بإذنه ،حيث يقول يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَدخُلُوا بُيُوتَ النّبِيّ إِلّا أَن يُؤذَنَ لَكُم والحال في ذلك بعدوفاته كالحال في حياته ، إلّا أن يخصّ اللّه عزّ و جلّ ذلك أورسوله ، فإن كان البيت ألذي فيه قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله للرسول خاصّة فقد عصيا اللّه بدخولهما إليه بغير إذن الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، وختما أعمالهما بمعصية اللّه تعالي في ذلك ، و إن كان البيت من جملة التركة،فإمّا أن يكون كمازعموا أنّه صدقة أو يكون للورثة، فإن كان صدقة فحينئذ يكون لسائر المسلمين لايجوز أن يختصّ واحد دون واحد، و لايجوز أيضا شراؤه من المسلمين و لا
صفحه : 357
استيهابه ، و إن كان ميراثا،فلم يكونا ممّن يرث الرسول صلّي اللّه عليه وآله . و إن ادّعي جاهل ميراث ابنتهما من الرسول (ص ) فإنّ نصيبهما تسعا الثمن لأنّ الرسول صلّي اللّه عليه وآله مات عن تسع نسوة و عن ولد للصلب ،فلكلّ واحدة منهما تسع الثمن ، و هذاالقدر لايبلغ مفحص قطاة. وبالجملة،فإنّهما غصبا الموضع حتي تقع القسمة علي تركة الرسول و لاقسمة مع زعمهم أنّ ماتركه صدقة. و أمّا صاحبه الثاني فقد حذا حذوه ، وزاد عليه فيما غيّر من حدود اللّه تعالي في الوضوء، والأذان والإقامة .. وسائر أحكام الدين . أمّا الوضوء،فقد قال عزّ من قائل يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمتُم إِلَي الصّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم وَ أَيدِيَكُم إِلَي المَرافِقِ وَ امسَحُوا بِرُؤُسِكُم وَ أَرجُلَكُم إِلَي الكَعبَينِفقد جعل سبحانه للوضوء حدودا أربعة،حدّان منها غسل ، وحدّان منها مسح ، فلمّا قدم الثاني بعدالأول جعل المسح علي الرجلين غسلا وأمر الناس بذلك ،فاتّبعوه إلّا الفرقة المحقّة، وأفسدوا علي من اتّبعه وضوءه وصلاته لفساد الوضوء،لأنّه علي غير ماأنزل اللّه به من حدود الوضوء، وأجاز أيضا المسح علي الخفّين من غيرأمر من اللّه تعالي ورسوله . و أمّا الأذان والإقامة،فأسقط منهما وزاد فيهما، أمّا الأذان فإنّه كان فيه علي عهد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله (حيّ علي خير العمل )بإجماع العلماء و أهل المعرفة بالأثر والخبر، فقال الثاني ينبغي لنا أن نسقط(حيّ علي خير العمل )، في الأذان والإقامة لئلّا يتّكل الناس علي الصلاة فيتركوا الجهاد،فأسقط ذلك من
صفحه : 358
الأذان والإقامة جميعا لهذه العلّة بزعمه ،فقبلوا ذلك منه وتابعوه عليه ، ويلزمهم أن يكون عمر قدأبصر من الرشد ما لم يعلمه اللّه عزّ و جلّ و لارسوله صلّي اللّه عليه وآله ،لأنّ اللّه ورسوله قدأثبتا ذلك في الأذان والإقامة و لم يخافا علي الناس ماخشيه عليهم عمر وقدّره فيهم ، و من ظنّ ذلك وجهله لزمه الكفر،فأفسد عليهم الأذان بذلك أيضا،لأنّه من تعمد الزيادة والنقيصة في فريضة أوسنّة فقد أفسدها. ثم إنّه بعدإسقاط ماأسقط من الأذان والإقامة من (حيّ علي خير العمل )،أثبت في بعض الأذان زيادة من عنده ، و ذلك أنّه زاد في أذان صلاة الفجر الصلاة خير من النوم ،فصارت هذه البدعة عند من اتّبعه من السنن الواجبة لايستحلّون تركها،فبدعة الرجل عندهم معمورة متّبعة معمول بهايطالب من تركها بالقهر عليها، وسنّة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله عندهم مهجورة مطرحة[مطروحة]يضرب من استعملها ويقتل من أقامها. وجعل أيضا الإقامة فرادي ، فقال ينبغي لنا أن نجعل بين الأذان والإقامة فرقا بيّنا، وكانت الإقامة علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله سبيلها كسبيل الأذان مثني مثني ، و كان فيها(حيّ علي خير العمل )مثني ، وكانت أنقص من الأذان بحرف واحد،لأنّ في آخر الأذان ( لاإله إلّا اللّه)مرّتين، و في آخر الإقامة مرّة واحدة، و كان هذا هوالفرق فغيّره الرجل وجعل بينهما فرقا من عنده ،فقد خالف اللّه ورسوله ، وزعم أنّه قدأبصر من الرشد في ذلك وأصاب من الحقّ ما لم يعلمه اللّه تعالي ورسوله ، و قد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله كلّ محدثة بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار، و لاشكّ أنّه كلّ من ابتدع بدعة كان عليه وزرها ووزر العامل بها إلي يوم القيامة. و أمّا الصلاة،فأفسد من حدودها ما فيه الفضيحة والهتك لمذهبهم ، و هوإنّهم رووا أنّ تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم ، و أنّ الصلاة المفروضة علي
صفحه : 359
الحاضرين الظهر أربعا، والعصر أربعا، والمغرب ثلاثا، والعشاء الآخرة أربعا، لاسلام إلّا في آخر التشهد في الرابعة، وأجمعوا علي أنّه من سلّم قبل التشهّد عامدا متعمدا فلاصلاة له ، و قدلزمه الإعادة، و أنّه من سلّم في كلّ ركعتين من هذه الصلوات الأربع عامدا غيرناس فقد أفسد صلاته و عليه الإعادة،فاستنّ الرجل لهم في التشهّد الأول والثاني ماأفسد صلاتهم وأبطل عليهم تشهّدهم،فليس منهم أحد يتشهّد في صلاته قطّ و لايصليّ من هذه الصلوات الأربع التي ذكرناها، و ذلك أنّهم يصلّون ركعتين ثم يقعدون للتشهّد الأوّل فيقولون عوضا عن التشهّد التحيّات للّه،الصلوات الطيّبات، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته ، السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين ، فإذاقالوا ذلك فقد سلّموا أتمّ السلام وأكمله ،لأنّه إذاسلّم المصليّ علي النبيّ و علي نفسه و علي عباد اللّه الصالحين لم يبق من هؤلاء من يجوز صرف التسليم إليه ، فإنّ عباد اللّه الصالحين يدخل في جملتهم الأوّلون والآخرون والجنّ والإنس والملائكة و أهل السماوات والأرضين والأنبياء والأوصياء وجميع المرسلين من الأحياء والأموات و من قدمضي و من هوآت ،فحينئذ يكون المصليّ منهم قدقطع صلاته الأربع ركعات بسلامه هذا، ثم يقول بعدأشهد أن لاإله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، والتشهّد هوالشهادتان ،فالمصليّ منهم يأتي بالشهادتين بعدالتسليم ألذي ذكرناه منهم ،فلزمهم أنّه ليس منهم أحد يتشهّد في الصلاة إذا كان التسليم موجبا للخروج من الصلاة، و لاعبرة بالتشهد بعدالصلاة. ثم أتبع ذلك بقوله آمين ، عندالفراغ من قراءة سورة الحمد،فصارت عندأوليائه سنّة واجبة، حتي أنّ من يتلقّن القرآن من الأعاجم وغيرهم وعوامّهم وجهّالهم يلعنونهم من بعدقول وَ لَا الضّالّينَآمين ،فقد زادوا آية في أمّ
صفحه : 360
الكتاب ، وصار عندهم من لم يأت بها في صلاته و غيرصلاته كأنّه قدترك آية في كتاب اللّه.
وَ قَد أَجمَعَ أَهلُ النّقلِ عَنِ الأَئِمّةِ عَلَيهِمُ السّلَامُ مِن أَهلِ البَيتِ أَنّهُم قَالُوا مَن قَالَ آمِينَ فِي صَلَاتِهِ فَقَد أَفسَدَ صَلَاتَهُ وَ عَلَيهِ الإِعَادَةُ
،لأنّها عندهم كلمة سريانيّة معناها بالعربية افعل ،كسبيل من يدعو بدعاء فيقول في آخره أللّهمّ افعل ، ثم استنّ أولياؤه وأنصاره رواية متخرّصة عن النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أنّه كان يقول ذلك بأعلي صوته في الصلاة،فأنكر أهل البيت ذلك ، و لمّا رأينا أهل البيت عليهم السلام مجتمعين علي إنكارها صحّ عندنا فساد أخبارهم فيها،لأنّ الرسول صلّي اللّه عليه وآله حكم بالإجماع أن لانضلّ ماتمسّكنا بأهل بيته عليهم السلام ،فتعيّن ضلالة من تمسّك بغيرهم . و أمّا الدليل علي خرص روايتهم أنّهم مختلفون في الرواية فمنهم من روي إذاأمّن الإمام فأمّنوا. ومنهم من يروي إذا قال الإمام «وَ لَا الضّالّينَ»فقولوا آمين . ومنهم من يروي ندب رفع الصوت بها. ومنهم من يروي الإخفات بها.فكان هذااختلافهم فيما وصفناه من هذه المعاني دليلا واضحا لمن فهم علي تخرّص روايتهم . ثم أتبع ذلك بفعل من أفعال اليهود، و ذلك عقد اليدين في الصدر إذاقاموا في الصلاة،لأنّ اليهود تفعل في صلاتها ذلك ، فلمّا رآهم الرجل يستعملون ذلك استعمله هوأيضا اقتداء بهم وأمر الناس بفعل ذلك ، و قال إنّ هذاتأويل قوله
صفحه : 361
تعالي وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَيريد بزعمه التذلّل والتواضع ،
وَ مِمّا روُيَِ عَنهُ بِالخِلَافِ أَنّهُ قَالَ لِلرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَوماً إِنّا نَسمَعُ مِنَ اليَهُودِ أَشيَاءَ نَستَحسِنُهَا مِنهُم،فَنَكتُبُ ذَلِكَ مِنهُم.فَغَضِبَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ أَ مُتَهَوّكُونَ أَنتُم يَا ابنَ الخَطّابِ، لَو كَانَ مُوسَي حَيّاً لَم يَسَعهُ إِلّا اتبّاَعيِ.
و من استحسن ذلك في حياة الرسول من قول اليهود فاستحسانه بعدفقد النبيّ أولي ، و قدأنكر أهل البيت عليهم السلام ونهوا عنه نهيا مؤكّدا، وحال أهل البيت ماشرحناه من شهادة الرسول صلّي اللّه عليه وآله لهم بإزالة الضلالة عنهم وعمّن تمسّك بهم ،فليس من بدعة ابتدعها هذا الرجل إلّا أولياؤه متحفّظون بهامواظبون عليها و علي العمل بها،طاعنون علي تاركها، و كلّ تأديب الرسول ألذي قدخالفه الرجل ببدعة فهو عندهم مطروح متروك مهجور ويطعن علي من استعمله ، وينسب عندهم إلي الأمور المنكرات ،
وَ لَقَد رَوَوا جَمِيعاً أَنّ الرّسُولَ قَالَ لَا تَبرَكُوا فِي الصّلَاةِ كَبَركِ البَعِيرِ، وَ لَا تَنقُرُوا كَنَقرِ الدّيكِ، وَ لَا تُقعُوا كَإِقعَاءِ الكَلبِ، وَ لَا تَلتَفِتُوا كَالتِفَاتِ القُرُودِ،
فهم لأكثر ذلك فاعلون ، ولقول الرسول مخالفون ، فإذاأرادوا السجود بدءوا بركبهم فيطرحونها إلي الأرض قبل أيديهم ، و ذلك منهم كبرك البعير علي ركبتيه ، ويعلّمون ذلك جهّالهم خلافا علي تأديب
صفحه : 362
الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و هذاشأنهم في سائر أحكام الدين فلانطوّل الكلام بذكرها الكتاب .
وَ لَمّا أَمَرَ اللّهُ سُبحَانَهُ نَبِيّهُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِسَدّ أَبوَابِ النّاسِ مِن مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ شريفا[تَشرِيفاً] لَهُ وَ صَوناً لَهُ عَنِ النّجَاسَةِ سِوَي بَابِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بَابِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ أَمَرَهُ أَن ينُاَديَِ فِي النّاسِ بِذَلِكَ،فَمَن أَطَاعَهُ فَازَ وَ غَنِمَ وَ مَن عَصَاهُ هَلَكَ وَ نَدِمَ،فَأَمَرَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ المنُاَديَِ فَنَادَي فِي النّاسِ الصّلَاةَ جَامِعَةً،فَأَقبَلَ النّاسُ يُهرَعُونَ، فَلَمّا تَكَامَلُوا صَعِدَ النّبِيّ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ، ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إِنّ اللّهَ سُبحَانَهُ وَ تَعَالَي قَد أمَرَنَيِ بِسَدّ أَبوَابِكُمُ المَفتُوحَةِ إِلَي المَسجِدِ بَعدَ يوَميِ، وَ أَن لَا يَدخُلَهُ جُنُبٌ وَ لَا نَجَسٌ،بِذَلِكَ أمَرَنَيِ ربَيّ جَلّ جَلَالُهُ، فَلَا يَكُونُ فِي نَفسِ أَحَدٍ مِنكُم أَمرٌ، وَ لَا تَقُولُوا لِمَ وَ كَيفَ وَ أَنّي ذَلِكَ فَتَحبَطَ أَعمَالُكُم وَ تَكُونُوا مِنَ الخَاسِرِينَ، وَ إِيّاكُم وَ المُخَالَفَةَ وَ الشّقَاقَ فَإِنّ اللّهَ تَعَالَي أَوحَي إلِيَّ أَن أُجَاهِدَ مَن عصَاَنيِ، وَ أَنّهُ لَا ذِمّةَ لَهُ فِي الإِسلَامِ، وَ قَد جَعَلتُ مسَجدِيِ طَاهِراً مِن كُلّ دَنَسٍ،مُحَرّماً عَلَي كُلّ مَن يَدخُلُ إِلَيهِ مَعَ هَذِهِ الصّفَةِ التّيِ ذَكَرتُهَا غيَريِ وَ أخَيِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ ابنتَيِ فَاطِمَةَ وَ ولَدَيَّ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ كَمَا كَانَ مَسجِدُ هَارُونَ وَ مُوسَي، فَإِنّ اللّهَ أَوحَي إِلَيهِمَا أَنِ اجعَلَا بُيُوتَكُمَا قِبلَةً لِقَومِكُمَا، وَ إنِيّ قَد أَبلَغتُكُم مَا أمَرَنَيِ بِهِ ربَيّ وَ أَمَرتُكُم بِذَلِكَ،أَلَا فَاحذَرُوا الحَسَدَ وَ النّفَاقَ وَ أَطِيعُوا اللّهَ يُوَافِق بَينَكُم سَرّكُم عَلَانِيَتَكُم،فَاتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنّ إِلّا وَ أَنتُم مُسلِمُونَ. فَقَالَ النّاسُ بِأَجمَعِهِم سَمِعنَا وَ أَطَعنَا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَا نُخَالِفُ مَا أَمَرَنَا بِهِ،
صفحه : 363
ثُمّ خَرَجُوا[خَرّبُوا][سَدّوا]أَبوَابَهُم جَمِيعاً غَيرَ بَابِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَأَظهَرَ النّاسُ الحَسَدَ وَ الكَلَامَ، فَقَالَ عُمَرُ مَا بَالُ رَسُولِ اللّهِ(ص )يُؤثِرُ ابنَ عَمّهِ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ وَ يَقُولُ عَلَي اللّهِ الكَذِبَ، وَ يُخبِرُ عَنِ اللّهِ بِمَا لَم يَقُل فِي عَلِيّ وَ إِنّمَا سَأَلَ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لعِلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وَ أَجَابَهُ إِلَي مَا يُرِيدُ،فَلَو سَأَلَ اللّهَ ذَلِكَ لَنَا لَأَجَابَهُ، وَ أَرَادَ عُمَرُ أَن يَكُونَ لَهُ بَابٌ مَفتُوحٌ إِلَي المَسجِدِ، وَ لَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَولُ عُمَرَ وَ خَوضُ النّاسِ وَ القَومِ فِي الكَلَامِ،أَمَرَ المنُاَديَِ بِالنّدَاءِ إِلَي الصّلَاةِ جَامِعَةً، فَلَمّا اجتَمَعُوا قَالَ لَهُمُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَعَاشِرَ النّاسِ قَد بلَغَنَيِ مَا خُضتُم فِيهِ وَ مَا قَالَ قَائِلُكُم، وَ إنِيّ أُقسِمُ بِاللّهِ العَظِيمِ أنَيّ لَم أَقُل عَلَي اللّهِ الكَذِبَ وَ لَا كَذَبتُ فِيمَا قُلتُ، وَ لَا أَنَا سَدَدتُ أَبوَابَكُم، وَ لَا أَنَا فَتَحتُ بَابَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ( ع )، وَ لَا أمَرَنَيِ فِي ذَلِكَ إِلّا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ ألّذِي خلَقَنَيِ وَ خَلَقَكُم أَجمَعِينَ، فَلَا تَحَاسَدُوا فَتَهلِكُوا، وَ لَا تَحسُدُوا النّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ،فَإِنّهُ يَقُولُ فِي مُحكَمِ كِتَابِهِتِلكَ الرّسُلُ فَضّلنا بَعضَهُم عَلي بَعضٍفَاتّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مِنَ الصّابِرِينَ، ثُمّ صَدّقَ اللّهُ رَسُولَهُ بِنُزُولِ الكَوكَبِ مِنَ السّمَاءِ عَلَي دَارِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ أَنزَلَ اللّهُ سُبحَانَهُ قُرآناً، وَ أَقسَمَ بِالنّجمِ تَصدِيقاً لِرَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَوَ النّجمِ إِذا هَوي ما ضَلّ صاحِبُكُم وَ ما غَوي وَ ما يَنطِقُ عَنِ الهَوي إِن هُوَ إِلّا وحَيٌ يُوحي... الآيَاتِ كُلّهَا، وَ تَلَاهَا النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَلَم يَزدَادُوا إِلّا غَضَباً وَ حَسَداً وَ نِفَاقاً وَ عُتُوّاً وَ استِكبَاراً، ثُمّ تَفَرّقُوا وَ فِي قُلُوبِهِم مِنَ الحَسَدِ وَ النّفَاقِ مَا لَا يَعلَمُهُ إِلّا اللّهُ سُبحَانَهُ. فَلَمّا كَانَ بَعدَ أَيّامٍ دَخَلَ عَلَيهِ عَمّهُ العَبّاسُ وَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَد عَلِمتَ مَا بيَنيِ وَ بَينَكَ مِنَ القَرَابَةِ وَ الرّحِمِ المَاسّةِ، وَ أَنَا مِمّن يَدِينُ اللّهَ بِطَاعَتِكَ،فَاسأَلِ اللّهَ
صفحه : 364
تَعَالَي أَن يَجعَلَ لِي بَاباً إِلَي المَسجِدِ أَتَشَرّفُ بِهَا عَلَي مَن سوِاَيَ. فَقَالَ لَهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ يَا عَمّ لَيسَ إِلَي ذَلِكَ سَبِيلٌ. فَقَالَ فَمِيزَاباً يَكُونُ مِن داَريِ إِلَي المَسجِدِ أَتَشَرّفُ بِهِ عَلَي القَرِيبِ وَ البَعِيدِ.فَسَكَتَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ كَثِيرَ الحَيَاءِ لَا يدَريِ مَا يُعِيدُ مِنَ الجَوَابِ خَوفاً مِنَ اللّهِ تَعَالَي وَ حَيَاءً مِن عَمّهِ العَبّاسِ،فَهَبَطَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الحَالِ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَد عَلِمَ اللّهُ سُبحَانَهُ مَا فِي نَفسِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن ذَلِكَ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ(ص ) إِنّ اللّهَ يَأمُرُكَ أَن تُجِيبَ سُؤَالَ عَمّكَ، وَ أَمَرَكَ أَن تَنصِبَ لَهُ مِيزَاباً إِلَي المَسجِدِ كَمَا أَرَادَ،فَقَد عَلِمتُ مَا فِي نَفسِكَ وَ قَد أَجَبتُكَ إِلَي ذَلِكَ كَرَامَةً لَكَ وَ نِعمَةً منِيّ عَلَيكَ وَ عَلَي عَمّكَ العَبّاسِ،فَكَبّرَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ أَبَي اللّهُ إِلّا إِكرَامَكُم يَا بنَيِ هَاشِمٍ وَ تَفضِيلَكُم عَلَي الخَلقِ أَجمَعِينَ، ثُمّ قَامَ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصّحَابَةِ وَ العَبّاسُ بَينَ يَدَيهِ حَتّي صَارَ عَلَي سَطحِ العَبّاسِ،فَنَصَبَ لَهُ مِيزَاباً إِلَي المَسجِدِ وَ قَالَ مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ إِنّ اللّهَ قَد شَرّفَ عمَيَّ العَبّاسَ بِهَذَا المِيزَابِ فَلَا تؤُذوُنيِ فِي عمَيّ،فَإِنّهُ بَقِيّةُ الآبَاءِ وَ الأَجدَادِ،فَلَعَنَ اللّهُ مَن آذاَنيِ فِي عمَيّ وَ بَخَسَهُ حَقّهُ أَو أَعَانَ عَلَيهِ. وَ لَم يَزَلِ المِيزَابُ عَلَي حَالِهِ مُدّةَ أَيّامِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ خِلَافَةِ أَبِي بَكرٍ وَ ثَلَاثَ سِنِينَ مِن خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، فَلَمّا كَانَ فِي بَعضِ الأَيّامِ وُعِكَ العَبّاسُ وَ مَرِضَ مَرَضاً شَدِيداً وَ صَعِدَتِ الجَارِيَةُ تَغسِلُ قَمِيصَهُ فَجَرَي المَاءُ مِنَ المِيزَابِ إِلَي صَحنِ المَسجِدِ،فَنَالَ بَعضُ المَاءِ ثَوبَ الرّجُلِ،فَغَضِبَ غَضَباً شَدِيداً وَ قَالَ لِغُلَامِهِ اصعَد وَ اقلَعِ المِيزَابَ،فَصَعِدَ الغُلَامُ فَقَلَعَهُ وَ رَمَي بِهِ إِلَي سَطحِ العَبّاسِ، وَ قَالَ وَ اللّهِ لَئِن رَدّهُ أَحَدٌ إِلَي مَكَانِهِ لَأَضرِبَنّ عُنُقَهُ،فَشَقّ ذَلِكَ عَلَي العَبّاسِ وَ دَعَا بِوَلَدَيهِ عَبدِ اللّهِ وَ عُبَيدِ اللّهِ وَ نَهَضَ يمَشيِ مُتَوَكّئاً عَلَيهِمَا وَ هُوَ يَرتَعِدُ مِن شِدّةِ المَرَضِ وَ سَارَ حَتّي دَخَلَ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، فَلَمّا نَظَرَ إِلَيهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ انزَعَجَ لِذَلِكَ، وَ قَالَ يَا عَمّ مَا جَاءَ بِكَ وَ أَنتَ عَلَي هَذِهِ
صفحه : 365
الحَالَةِ.فَقَصّ عَلَيهِ القِصّةَ وَ مَا فَعَلَ مَعَهُ عُمَرُ مِن قَلعِ المِيزَابِ وَ تَهَدّدِهِ مَن يُعِيدُهُ إِلَي مَكَانِهِ، وَ قَالَ لَهُ يَا ابنَ أخَيِ إِنّهُ كَانَ لِي عَينَانِ أَنظُرُ بِهِمَا،فَمَضَت إِحدَاهُمَا وَ هيَِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بَقِيَتِ الأُخرَي وَ هيَِ أَنتَ يَا عَلِيّ، وَ مَا أَظُنّ أَن أُظلَمَ وَ يَزُولَ مَا شرَفّنَيِ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَنتَ لِي،فَانظُر فِي أمَريِ، فَقَالَ لَهُ يَا عَمّ ارجِع إِلَي بَيتِكَ،فَسَتَرَي منِيّ مَا يَسُرّكَ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي. ثُمّ نَادَي يَا قَنبَرُ عَلَيّ بذِيِ الفَقَارِ،فَتَقَلّدَهُ ثُمّ خَرَجَ إِلَي المَسجِدِ وَ النّاسُ حَولَهُ وَ قَالَ يَا قَنبَرُ اصعَد فَرُدّ المِيزَابَ إِلَي مَكَانِهِ،فَصَعِدَ قَنبَرُ فَرَدّهُ إِلَي مَوضِعِهِ، وَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ حَقّ صَاحِبِ هَذَا القَبرِ وَ المِنبَرِ لَئِن قَلَعَهُ قَالِعٌ لَأَضرِبَنّ عُنُقَهُ وَ عُنُقَ الآمِرِ لَهُ بِذَلِكَ، وَ لَأَصلُبَنّهُمَا فِي الشّمسِ حَتّي يَتَقَدّدَا،فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ،فَنَهَضَ وَ دَخَلَ المَسجِدَ وَ نَظَرَ إِلَي المِيزَابِ، فَقَالَ لَا يُغضِبُ أحدا[أَحَدٌ] أَبَا الحَسَنِ فِيمَا فَعَلَهُ، وَ نُكَفّرُ عَنِ اليَمِينِ، فَلَمّا كَانَ مِنَ الغَدَاةِ مَضَي أَمِيرُ المُؤمِنِينَ إِلَي عَمّهِ العَبّاسِ، فَقَالَ لَهُ كَيفَ أَصبَحتَ يَا عَمّ. قَالَ بِأَفضَلِ النّعَمِ مَا دُمتَ لِي يَا ابنَ أخَيِ. فَقَالَ لَهُ يَا عَمّ طِب نَفساً وَ قَرّ عَيناً،فَوَ اللّهِ لَو خاَصمَنَيِ أَهلُ الأَرضِ فِي المِيزَابِ لَخَصَمتُهُم، ثُمّ لَقَتَلتُهُم بِحَولِ اللّهِ وَ قُوّتِهِ، وَ لَا يَنَالُكَ ضَيمٌ يَا عَمّ،فَقَامَ العَبّاسُ فَقَبّلَ مَا بَينَ عَينَيهِ، وَ قَالَ يَا ابنَ أخَيِ مَا خَابَ مَن أَنتَ نَاصِرُهُ.
فكان هذافعل عمر بالعباس عمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،
وَ قَد قَالَ فِي غَيرِ مَوطِنٍ وَصِيّةً مِنهُ فِي عَمّهِ العَبّاسِ إِنّ عمَيَّ العَبّاسَ بَقِيّةُ الآبَاءِ وَ الأَجدَادِ
صفحه : 366
فاَحفظَوُنيِ فِيهِ، كُلّ فِي كنَفَيِ، وَ أَنَا فِي كَنَفِ عمَيَّ العَبّاسِ،فَمَن آذَاهُ فَقَد آذاَنيِ، وَ مَن عَادَاهُ فَقَد عاَداَنيِ،سِلمُهُ سلِميِ، وَ حَربُهُ حرَبيِ.
و قدآذاه عمر في ثلاثة مواطن ظاهرة غيرخفيّة منها قصّة الميزاب ، و لو لاخوفه من عليّ( ع ) لم يتركه علي حاله .
وَ مِنهَا أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَبلَ الهِجرَةِ خَرَجَ يَوماً إِلَي خَارِجِ مَكّةَ وَ رَجَعَ طَالِباً مَنزِلَهُ فَاجتَازَ بِمُنَادٍ ينُاَديِ مِن بنَيِ تَمِيمٍ وَ كَانَ لَهُم سَيّدٌ يُسَمّي عَبدَ اللّهِ بنَ جُذعَانَ، وَ كَانَ يُعَدّ مِن سَادَاتِ قُرَيشٍ وَ أَشيَاخِهِم، وَ كَانَ لَهُ مُنَادِيَةٌ يُنَادُونَ فِي شِعَابِ مَكّةَ وَ أَودِيَتِهَا مَن أَرَادَ الضّيَافَةَ وَ القِرَي فَليَأتِ مَائِدَةَ عَبدِ اللّهِ بنِ جُذعَانَ، وَ كَانَ مُنَادِيهِ أَبُو قُحَافَةَ، وَ أُجرَتُهُ أَربَعَةُ دَوَانِيقَ، وَ لَهُ مُنَادٍ آخَرُ فَوقَ سَطحِ دَارِهِ،فَأَخبَرَ عَبدَ اللّهِ بنَ جُذعَانَ بِجَوَازِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي بَابِهِ،فَخَرَجَ يَسعَي حَتّي لَحِقَ بِهِ وَ قَالَ يَا مُحَمّدُ بِالبَيتِ الحَرَامِ إِلّا مَا شرَفّتنَيِ بِدُخُولِكَ إِلَي منَزلِيِ وَ تَحَرّمِكَ بزِاَديِ، وَ أَقسَمَ عَلَيهِ بِرَبّ البَيتِ وَ البَطحَاءِ وَ بِشَيبَةَ بنِ عَبدِ المُطّلِبِ،فَأَجَابَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي ذَلِكَ وَ دَخَلَ مَنزِلَهُ وَ تَحَرّمَ بِزَادِهِ، فَلَمّا خَرَجَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَرَجَ مَعَهُ ابنُ جُذعَانَ مُشَيّعاً لَهُ، فَلَمّا أَرَادَ الرّجُوعَ عَنهُ قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إنِيّ أُحِبّ أَن تَكُونَ غَداً فِي ضيِاَفتَيِ أَنتَ وَ تَيمٌ وَ أَتبَاعُهَا وَ حُلَفَاؤُهَا عِندَ طُلُوعِ الغَزَالَةِ، ثُمّ افتَرَقَا وَ مَضَي النّبِيّ إِلَي دَارِ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ وَ جَلَسَ مُتَفَكّراً فِيمَا وَعَدَهُ لِعَبدِ اللّهِ بنِ جُذعَانَ،إِذ دَخَلَت عَلَيهِ فَاطِمَةُ بِنتُ أَسَدٍ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا زَوجَةُ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ وَ كَانَت هيَِ مُرَبّيَتَهُ، وَ كَانَ يُسَمّيهَا الأُمّ فَلَمّا رَأَتهُ مَهمُوماً قَالَت فِدَاكَ أَبِي وَ أمُيّ، مَا لِي أَرَاكَ مَهمُوماً أَ عَارَضَكَ أَحَدٌ مِن
صفحه : 367
أَهلِ مَكّةَ. فَقَالَ لَا.قَالَت فبَحِقَيّ عَلَيكَ إِلّا مَا أخَبرَتنَيِ بِحَالِكَ .. فَقَصّ عَلَيهَا قِصّتَهُ مَعَ ابنِ جُذعَانَ وَ مَا قَالَهُ وَ مَا وَعَدَهُ مِنَ الضّيَافَةِ،فَقَالَت يَا ولَدَيِ لَا تَضِيقَنّ صَدرُكَ،معَيِ مُشَارُ عَسَلٍ يَقُومُ لَكَ بِكُلّ مَا تُرِيدُ،فَبَينَمَا هُمَا فِي الحَدِيثِ إِذ دَخَلَ أَبُو طَالِبٍ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ، فَقَالَ لِزَوجَتِهِ فِيمَا أَنتُمَا.فَأَعلَمَتهُ بِذَلِكَ كُلّهِ، وَ بِمَا قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِابنِ جُذعَانَ،فَضَمّهُ إِلَي صَدرِهِ وَ قَبّلَ مَا بَينَ عَينَيهِ، وَ قَالَ يَا ولَدَيِ بِاللّهِ عَلَيكَ لَا تَضِيقَنّ صَدرُكَ مِن ذَلِكَ، وَ فِي نَهَارِ غَدٍ أَقُومُ لَكَ بِجَمِيعِ مَا تَحتَاجُ إِلَيهِ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي، وَ أَصنَعُ وَلِيمَةً تَتَحَدّثُ بِهَا الرّكبَانُ فِي سَائِرِ البُلدَانِ، وَ عَزَمَ عَلَي وَلِيمَةٍ تَعُمّ سَائِرَ القَبَائِلِ، وَ قَصَدَ نَحوَ أَخِيهِ العَبّاسِ لِيَقتَرِضَ مِن مَالِهِ شَيئاً يَضُمّهُ إِلَي مَالِهِ،فَوَجَدَ بنَيِ عَبدِ المُطّلِبِ فِي الطّرِيقِ فَأَقرَضُوهُ مِنَ الجِمَالِ وَ الذّهَبِ مَا يَكفِيهِ،فَرَجَعَ عَنِ القَصدِ إِلَي أَخِيهِ العَبّاسِ، وَ آثَرَ التّخفِيفَ عَنهُ،فَبَلَغَ أَخَاهُ العَبّاسَ ذَلِكَ فَعَظُمَ عَلَيهِ رُجُوعُهُ،فَأَقبَلَ إِلَي أَخِيهِ أَبِي طَالِبٍ وَ هُوَ مَغمُومٌ كَئِيبٌ حَزِينٌ فَسَلّمَ عَلَيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ مَا لِي أَرَاكَ حَزِيناً كَئِيباً. قَالَ بلَغَنَيِ أَنّكَ قصَدَتنَيِ فِي حَاجَةٍ ثُمّ بَدَا لَكَ عَنهَا فَرَجَعتَ مِنَ الطّرِيقِ،فَمَا هَذِهِ الحَالُ.فَقَصّ عَلَيهِ القِصّةَ .. إِلَي آخِرِهَا، فَقَالَ لَهُ العَبّاسُ الأَمرُ إِلَيكَ، وَ إِنّكَ لَم تَزَل أَهلًا لِكُلّ مَكرُمَةٍ وَ مَوئِلًا لِكُلّ نَائِبَةٍ، ثُمّ جَلَسَ عِندَهُ سَاعَةً وَ قَد أَخَذَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَا يَحتَاجُ إِلَيهِ مِن آلَةِ الطّبخِ وَ غَيرِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ العَبّاسُ يَا أخَيِ لِي إِلَيكَ حَاجَةٌ. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ هيَِ مَقضِيّةٌ،فَاذكُرهَا، فَقَالَ العَبّاسُ أَقسَمتُ عَلَيكَ بِحَقّ البَيتِ وَ شَيبَةِ الحَمدِ إِلّا مَا قَضَيتَهَا، فَقَالَ
صفحه : 368
لَكَ ذَلِكَ وَ لَو سَأَلتَ فِي النّفسِ وَ الوَلَدِ، فَقَالَ تَهَبُ لِي هَذِهِ المَكرُمَةَ تشُرَفّنُيِ بِهَا. فَقَالَ قَد أَجَبتُكَ إِلَي ذَلِكَ مَعَ مَا أَصنَعُهُ أَنَا .. فَنَحَرَ العَبّاسُ الجُزُرَ وَ نَصَبَ القُدُورَ، وَ عَقَدَ الحَلَاوَاتِ، وَ شَوَي المشَويِّ، وَ أَكثَرَ مِنَ الزّادِ فَوقَ مَا يُرَادُ، وَ نَادَي سَائِرَ النّاسِ،فَاجتَمَعَ أَهلُ مَكّةَ وَ بُطُونُ قُرَيشٍ وَ سَائِرُ العَرَبِ عَلَي اختِلَافِ طَبَقَاتِهَا يُهرَعُونَ مِن كُلّ مَكَانٍ حَتّي كَأَنّهُ عِيدُ اللّهِ الأَكبَرُ، وَ نَصَبَ للِنبّيِّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَنصَباً عَالِياً، وَ زَيّنَهُ بِالدّرّ وَ اليَاقُوتِ وَ الثّيَابِ الفَاخِرَةِ، وَ بقَيَِ النّاسُ مِن حُسنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ وَقَارِهِ وَ عَقلِهِ وَ كَمَالِهِ مُتَحَيّرِينَ، وَ ضَوؤُهُ يَعلُو نُورَ الشّمسِ، وَ تَفَرّقَ النّاسُ مَسرُورِينَ وَ قَد أَخَذُوا فِي الخُطَبِ وَ الأَشعَارِ وَ مَدحِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَشِيرَتِهِ عَلَي حُسنِ ضِيَافَتِهِم. فَلَمّا بَلَغَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَشُدّهُ وَ تَزَوّجَ خَدِيجَةَ وَ أَوحَي اللّهُ إِلَيهِ وَ نَبّأَهُ وَ أَرسَلَهُ إِلَي سَائِرِ العَرَبِ وَ العَجَمِ، وَ أَظهَرَهُ عَلَي المُشرِكِينَ، وَ فَتَحَ مَكّةَ وَ دَخَلَهَا مُؤَيّداً مَنصُوراً، وَ قُتِلَ مَن قُتِلَ، وَ بَغَي مَن بَغَي،أَوحَي اللّهُ إِلَيهِ يَا مُحَمّدُ إِنّ عَمّكَ العَبّاسَ لَهُ عَلَيكَ يَدٌ سَابِقَةٌ وَ جَمِيلٌ مُتَقَدّمٌ، وَ هُوَ مَا أَنفَقَ عَلَيكَ فِي وَلِيمَةِ عَبدِ اللّهِ بنِ جُذعَانَ، وَ هُوَ سِتّونَ أَلفَ دِينَارٍ مَعَ مَا لَهُ عَلَيكَ فِي سَائِرِ الأَزمَانِ، وَ فِي نَفسِهِ شَهوَةٌ مِن سُوقِ عُكَاظٍ،فَامنَحهُ إِيّاهُ فِي مُدّةِ حَيَاتِهِ وَ لِوُلدِهِ بَعدَ وَفَاتِهِ،فَأَعطَاهُ ذَلِكَ، ثُمّ قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَلَا لَعنَةُ اللّهِ عَلَي مَن عَارَضَ عمَيّ فِي سُوقِ عُكَاظٍ وَ نَازَعَهُ فِيهِ، وَ مَن أَخَذَهُ مِنهُ فَأَنَا برَيِءٌ مِنهُ وَ عَلَيهِلَعنَةُ اللّهِ وَ المَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجمَعِينَ،فَلَم يَكتَرِث عُمَرُ بِذَلِكَ وَ حَسَدَ العَبّاسَ عَلَي دَخلِ سُوقِ عُكَاظٍ، وَ غَصَبَهُ مِنهُ،
صفحه : 369
وَ لَم يَزَلِ العَبّاسُ مُتَظَلّماً إِلَي حِينِ وَفَاتِهِ.
وَ مِنهَا أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَ جَالِساً فِي مَسجِدِهِ يَوماً وَ حَولَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصّحَابَةِ إِذ دَخَلَ عَلَيهِ عَمّهُ العَبّاسُ وَ كَانَ رَجُلًا صَبِيحاً حَسَناً حُلوَ الشّمَائِلِ فَلَمّا رَآهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَامَ إِلَيهِ وَ استَقبَلَهُ وَ قَبّلَ مَا بَينَ عَينَيهِ وَ رَحّبَ بِهِ وَ أَجلَسَهُ إِلَي جَانِبِهِ،فَأَنشَدَ العَبّاسُ أَبيَاتاً فِي مَدحِهِ(ص )، فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَزَاكَ اللّهُ يَا عَمّ خَيراً وَ مُكَافَأَتُكَ عَلَي اللّهِ تَعَالَي. ثُمّ قَالَ مَعَاشِرَ النّاسِ احفظَوُنيِ فِي عمَيَّ العَبّاسِ وَ انصُرُوهُ وَ لَا تَخذُلُوهُ. ثُمّ قَالَ يَا عَمّ اطلُب منِيّ شَيئاً أُتحِفكَ بِهِ عَلَي سَبِيلِ الهَدِيّةِ. فَقَالَ يَا ابنَ أخَيِ أُرِيدُ مِنَ الشّامِ المَلعَبَ، وَ مِنَ العِرَاقِ الحِيرَةَ، وَ مِن هَجَرٍ الخَطّ، وَ كَانَت هَذِهِ المَوَاضِعُ كَثِيرَةَ العِمَارَةِ، فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حُبّاً وَ كَرَامَةً، ثُمّ دَعَا عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ اكتُب لِعَمّكَ العَبّاسِ هَذِهِ المَوَاضِعَ،فَكَتَبَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ كِتَاباً بِذَلِكَ، وَ أَملَي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَشهَدَ الجَمَاعَةَ الحَاضِرِينَ، وَ خَتَمَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِخَاتَمِهِ وَ قَالَ يَا عَمّ إِن يَفتَحِ اللّهُ تَعَالَي هَذِهِ المَوَاضِعَ فهَيَِ لَكَ هِبَةً مِنَ اللّهِ تَعَالَي وَ رَسُولِهِ، وَ إِن فُتِحَت بَعدَ موَتيِ فإَنِيّ أوُصيِ ألّذِي يَنظُرُ بعَديِ فِي الأُمّةِ بِتَسلِيمِ هَذِهِ المَوَاضِعِ إِلَيكَ. ثُمّ قَالَ مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ إِنّ هَذِهِ المَوَاضِعَ المَذكُورَةَ لعِمَيَّ العَبّاسِ،فَعَلَي مَن يُغَيّرُ عَلَيهِ أَو يُبَدّلُهُ أَو يَمنَعُهُ أَو يَظلِمُهُ لَعنَةُ اللّهِ وَ لَعنَةُ اللّاعِنِينَ، ثُمّ نَاوَلَهُ الكِتَابَ، فَلَمّا ولُيَّ عُمَرُ وَ فُتِحَ هَذِهِ المَوَاضِعُ المَذكُورَةُ أَقبَلَ عَلَيهِ العَبّاسُ بِالكِتَابِ، فَلَمّا نَظَرَ فِيهِ دَعَا رَجُلًا مِن أَهلِ الشّامِ وَ سَأَلَهُ عَنِ المَلعَبِ، فَقَالَ يَزِيدُ ارتِفَاعُهُ عَلَي عِشرِينَ أَلفَ دِرهَمٍ، ثُمّ سَأَلَ عَنِ الآخَرَينِ،فَذَكَرَ لَهُ أَنّ ارتِفَاعَهُمَا تَقُومُ بِمَالٍ كَثِيرٍ. فَقَالَ يَا أَبَا الفَضلِ إِنّ هَذَا المَالَ كَثِيرٌ لَا يَجُوزُ لَكَ أَخذُهُ مِن دُونِ المُسلِمِينَ. فَقَالَ العَبّاسُ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَشهَدُ لِي بِذَلِكَ قَلِيلًا كَانَ أَو
صفحه : 370
كَثِيراً، فَقَالَ عُمَرُ وَ اللّهِ إِن كُنتَ تسُاَويِ المُسلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَ إِلّا فَارجِع مِن حَيثُ أَتَيتَ،فَجَرَي بَينَهُمَا كَلَامٌ كَثِيرٌ غَلِيظٌ،فَغَضِبَ عُمَرُ وَ كَانَ سَرِيعَ الغَضَبِ فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنَ العَبّاسِ وَ مَزّقَهُ وَ تَفَلَ فِيهِ وَ رَمَي بِهِ فِي وَجهِ العَبّاسِ، وَ قَالَ وَ اللّهِ لَو طَلَبتَ مِنهُ حَبّةً وَاحِدَةً مَا أَعطَيتُكَ،فَأَخَذَ العَبّاسُ بَقِيّةَ الكِتَابِ وَ عَادَ إِلَي مَنزِلِهِ حَزِيناً بَاكِياً شَاكِياً إِلَي اللّهِ تَعَالَي وَ إِلَي رَسُولِهِ،فَصَاحَ العَبّاسُ بِالمُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ،فَغَضِبُوا لِذَلِكَ وَ قَالُوا يَا عُمَرُ تَخرِقُ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ وَ تلُقيِ بِهِ فِي الأَرضِ، هَذَا شَيءٌ لَا نَصبِرُ عَلَيهِ.فَخَافَ عُمَرُ أَن يَنخَرِمَ عَلَيهِ الأَمرُ، فَقَالَ قُومُوا بِنَا إِلَي العَبّاسِ نَستَرضِيهِ وَ نَفعَلُ مَعَهُ مَا يُصلِحُهُ،فَنَهَضُوا بِأَجمَعِهِم إِلَي دَارِ العَبّاسِ فَوَجَدُوهُ مَوعُوكاً لِشِدّةِ مَا لَحِقَهُ مِنَ الفِتَنِ وَ الأَلَمِ وَ الظّلمِ، فَقَالَ نَحنُ فِي الغَدَاةِ عَائِدُوهُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي وَ مُعتَذِرُونَ إِلَيهِ مِن فِعلِنَا،فَمَضَي غَدٌ وَ بَعدَ غَدٍ وَ لَم يَعُد إِلَيهِ وَ لَا اعتَذَرَ مِنهُ، ثُمّ فَرّقَ الأَموَالَ عَلَي المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ وَ بقَيَِ كَذَلِكَ إِلَي أَن مَاتَ.
و لوأخذنا في ذكر أفعاله لطال الكتاب ، و هذاالقدر فيه عبرة لأولي الألباب . و أمّا صاحبهما الثالث ،فقد استبدّ بأخذ الأموال ظلما علي ماتقدّم به الشرح في صاحبيه ، واختصّ بها مع أهل بيته من بني أميّة دون المسلمين ،فهل يستحقّ هذا أويستجيزه مسلم . ثم إنّه ابتدع أشياء أخر منها منع المراعي من الجبال والأودية وحماها حتي أخذ عليها مالا باعها به من المسلمين .
وَ مِنهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ نَفَي الحَكَمَ بنَ العَاصِ عَمّ عُثمَانَ عَنِ المَدِينَةِ، وَ طَرَدَهُ عَن جِوَارِهِ فَلَم يَزَل طَرِيداً مِنَ المَدِينَةِ وَ مَعَهُ ابنُهُ مَروَانُ أَيّامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَيّامَ أَبِي بَكرٍ وَ أَيّامَ عُمَرَ يُسَمّي طَرِيدَ رَسُولِ اللّهِ
صفحه : 371
صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، حَتّي استَولَي عُثمَانُ فَرَدّهُ إِلَي المَدِينَةِ وَ آوَاهُ، وَ جَعَلَ ابنَهُ مَروَانَ كَاتِبَهُ وَ صَاحِبَ تَدبِيرِهِ فِي دَارِهِ،
فهل هذا منه إلّا خلافا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ومضادّة لفعله وهل يستجيز هذاالخلاف علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله والمضادّة لأفعاله إلّا خارج عن الدين بريء من المسلمين وهل يظنّ ذو فهم أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله طرد الحكم ولعنه و هومؤمن و إذا لم يكن مؤمنا فما الحال التي دعت عثمان إلي ردّه والإحسان إليه و هو رجل كافر لو لا أنّه تعصّب لرحمه و لم يفكّر في دينه ،فحقّت عليه الآية، قوله تعالي لا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَ اليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حَادّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَو كانُوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم.
وَ مِنهَا أَنّهُ جَمَعَ مَا كَانَ عِندَ المُسلِمِينَ مِن صُحُفِ القُرآنِ وَ طَبَخَهَا بِالمَاءِ عَلَي النّارِ وَ غَسَلَهَا وَ رَمَي بِهَا إِلّا مَا كَانَ عِندَ ابنِ مَسعُودٍ،فَإِنّهُ امتَنَعَ مِنَ الدّفعِ إِلَيهِ،فَأَتَي إِلَيهِ فَضَرَبَهُ حَتّي كَسَرَ لَهُ ضِلعَينِ وَ حُمِلَ مِن مَوضِعِهِ ذَلِكَ فبَقَيَِ عَلِيلًا حَتّي مَاتَ،
و هذه بدعة عظيمة،لأنّ تلك الصحف إن كان فيهازيادة عمّا في أيدي الناس ، وقصد لذهابه ومنع الناس منه ،فقد حقّ عليه قوله تعالي أَ فَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَ تَكفُرُونَ بِبَعضٍ فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلّا خزِيٌ فِي الحَياةِ الدّنيا وَ يَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلي أَشَدّ العَذابِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلُونَ. هذا، مع مايلزم أنّه لم يترك ذلك ويطرحه تعمدا إلّا و فيه ما قدكرهه ، و من كره ماأنزل اللّه في كتابه حبط جميع عمله ، كما قال اللّه تعالي ذلِكَ بِأَنّهُم كَرِهُوا ما أَنزَلَ اللّهُ فَأَحبَطَ أَعمالَهُم، و إن لم تكن في تلك الصحف زيادة عمّا في أيدي
صفحه : 372
الناس فلامعني لمافعله .
وَ مِنهَا أَنّ عَمّارَ بنَ يَاسِرٍ قَامَ يَوماً فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عُثمَانُ يَخطُبُ عَلَي المِنبَرِ فَوَبّخَ عُثمَانَ بشِيَءٍ مِن أَفعَالِهِ،فَنَزَلَ عُثمَانُ فَرَكَلَهُ بِرِجلِهِ وَ أَلقَاهُ عَلَي قَفَاهُ، وَ جَعَلَ يَدُوسُ فِي بَطنِهِ وَ يَأمُرُ أَعوَانَهُ بِذَلِكَ حَتّي غشُيَِ عَلَي عَمّارٍ، وَ هُوَ يفَترَيِ عَلَي عَمّارٍ وَ يَشتِمُهُ، وَ قَد رَوَوا جَمِيعاً أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ الحَقّ مَعَ عَمّارٍ يَدُورُ مَعَهُ حَيثُمَا دَارَ، وَ قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِذَا افتَرَقَ النّاسُ يَمِيناً وَ شِمَالًا فَانظُرُوا الفِرقَةَ التّيِ فِيهَا عَمّارٌ فَاتّبِعُوهُ،فَإِنّهُ يَدُورُ الحَقّ مَعَهُ حَيثُمَا دَارَ.
فلايخلو حال ضربه لعمّار من أمرين أحدهما، أنّه يزعم أنّ ما قال عمّار و مافعله باطل ، و فيه تكذيب
لِقَولِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَيثُ يَقُولُ الحَقّ مَعَ عَمّارٍ
،فثبت أن يكون ماقاله عمّار حقّا كرهه عثمان فضربه عليه .
وَ مِنهَا مَا فَعَلَ بأِبَيِ ذَرّ حِينَ نَفَاهُ عَنِ المَدِينَةِ إِلَي الرّبَذَةِ، مَعَ إِجمَاعِ الأُمّةِ فِي الرّوَايَةِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ مَا أَقَلّتِ الغَبرَاءُ وَ لَا أَظَلّتِ الخَضرَاءُ عَلَي ذيِ لَهجَةٍ أَصدَقَ مِن أَبِي ذَرّ، وَ رَوَوا أَنّهُ قَالَ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ أَوحَي إلِيَّ أَنّهُ يُحِبّ أَربَعَةً مِن أصَحاَبيِ وَ أمَرَنَيِ بِحُبّهِم،فَقِيلَ مَن هُم يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ). قَالَ عَلِيّ سَيّدُهُم، وَ سَلمَانُ، وَ المِقدَادُ، وَ أَبُو ذَرّ.
فحينئذ ثبت أنّ أباذرّ حَبّهُ اللّهُ وحَبّهُ رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، ومحال عندذوي الفهم أن يكون اللّه ورسوله يَحِبّان رجلا و هويجوز أن يفعل فعلا يستوجب به النفي عن حرم اللّه ورسوله ، ومحال أيضا أن يشهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لرجل أنّه ما علي وجه الأرض و لاتحت السماء أصدق منه ، ثم يقول
صفحه : 373
باطلا،فتعيّن أن يكون مافعله و ماقاله حقّا كرهه عثمان فنفاه عن الحرمين ، و من كره الحقّ و لم يحبّ الصدق فقد كره ماأنزل اللّه في كتابه ،لأنّه أمر بالكون مع الصادقِينَ، فقال يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ.
وَ مِنهَا أَنّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ لَمّا ضَرَبَ أَبُو لُؤلُؤَةَ عُمَرَ الضّربَةَ التّيِ مَاتَ فِيهَا سَمِعَ ابنُ عُمَرَ قَوماً يَقُولُونَ قَتَلَ العِلجُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ،فَقَدّرَ أَنّهُم يَعنُونَ الهُرمُزَانَ رَئِيسَ فَارِسَ وَ كَانَ قَد أَسلَمَ عَلَي يَدِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ ثُمّ أَعتَقَهُ مِن قِسمَتِهِ مِنَ الفيَءِ،فَبَادَرَ إِلَيهِ عُبَيدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ فَقَتَلَهُ قَبلَ أَن يَمُوتُ أَبُوهُ،فَقِيلَ لِعُمَرَ إِنّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ قَد قَتَلَ الهُرمُزَانَ، فَقَالَ أَخطَأَ، فَإِنّ ألّذِي ضرَبَنَيِ أَبُو لُؤلُؤَةَ، وَ مَا كَانَ لِلهُرمُزَانِ فِي أمَريِ صُنعٌ، وَ إِن عِشتُ احتَجتُ أَن أُقِيدَهُ بِهِ، فَإِنّ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ لَا يَقبَلُ مِنّا الدّيَةَ، وَ هُوَ مَولَاهُ،فَمَاتَ عُمَرُ وَ استَولَي عُثمَانُ عَلَي النّاسِ بَعدَهُ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِعُثمَانَ إِنّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ قَتَلَ موَلاَيَ الهُرمُزَانَ بِغَيرِ حَقّ، وَ أَنَا وَلِيّهُ وَ الطّالِبُ بِدَمِهِ،سَلّمهُ إلِيَّ لِأُقِيدَهُ بِهِ. فَقَالَ عُثمَانُ بِالأَمسِ قُتِلَ عُمَرُ وَ أَنَا أَقتُلُ ابنَهُ أُورِدُ عَلَي آلِ عُمَرَ مَا لَا قِوَامَ لَهُم بِهِ،فَامتَنَعَ مِن تَسلِيمِهِ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ شَفَقَةً مِنهُ بِزَعمِهِ عَلَي آلِ عُمَرَ، فَلَمّا رَجَعَ الأَمرُ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ هَرَبَ مِنهُ عُبَيدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ إِلَي الشّامِ فَصَارَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَ حَضَرَ يَومَ صِفّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ مُحَارِباً لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ فَقُتِلَ فِي مَعرَكَةِ الحَربِ وَ وُجِدَ مُتَقَلّدَ السّيفَينِ يَومَئِذٍ.
فانظروا يا أهل الفهم في أمر عثمان كيف عطّل حدّا من حدود اللّه تعالي لاشبهة فيه شفقة منه بزعمه علي آل عمر و لم يشفق علي نفسه من عقوبة تعطيل حدود اللّه تعالي ومخالفته ، وأشفق علي آل عمر في قتل من أوجب اللّه قتله وأمر به رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله .
صفحه : 374
وَ مِنهَا أَنّهُ عَمَدَ إِلَي صَلَاةِ الفَجرِ فَنَقَلَهَا مِن أَوّلِ وَقتِهَا حِينَ طُلُوعِ الفَجرِ فَجَعَلَهَا بَعدَ الإِسفَارِ وَ ظُهُورِ ضِيَاءِ النّهَارِ، وَ اتّبَعَهُ أَكثَرُ النّاسِ إِلَي يَومِنَا هَذَا، وَ زَعَمَ أَنّهُ إِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِشفَاقاً مِنهُ عَلَي نَفسِهِ فِي خُرُوجِهِ إِلَي المَسجِدِ خَوفاً أَن يُقتَلَ فِي غَلَسِ الفَجرِ كَمَا قُتِلَ عُمَرُ، وَ ذَلِكَ أَنّ عُمَرَ قَد جَعَلَ لِنَفسِهِ سَرَباً تَحتَ الأَرضِ مِن بَيتِهِ إِلَي المَسجِدِ،فَقَعَدَ أَبُو لُؤلُؤَةَ فِي السّرَبِ فَضَرَبَهُ بِخَنجَرٍ فِي بَطنِهِ، فَلَمّا ولُيَّ عُثمَانُ أَخّرَ صَلَاةَ الفَجرِ إِلَي الإِسفَارِ،فَعَطّلَ وَقتَ فَرِيضَةِ اللّهِ وَ حَمَلَ النّاسَ عَلَي صَلَاتِهَا فِي غَيرِ وَقتِهَا
،لأنّ اللّه سبحانه قال أَقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمسِ إِلي غَسَقِ اللّيلِيعني ظلمته ، ثم قال وَ قُرآنَ الفَجرِ إِنّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهُوداً، والفجر هوأوّل مايبدو من المشرق في الظلمة، وعنده تجب الصلاة، فإذاعلا في الأفق وانبسط الضياء وزالت الظلمة صار صبحا، وزال عن أن يكون فجرا، ودرج علي هذه البدعة أولياؤه ، ثم تخرّص بنو أميّة بعده أحاديث أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله غلس بالفجر وأسفر بها، و قال للناس أسفروا بهاأعظم لأجركم ،فصار المصليّ للفجر في وقتها من طلوع الفجر عندكثير من أوليائهم مبتدعا، و من اتّبع بدعة عثمان فهو علي السنّة.فما أعجب أحوالهم وأشنعها.
ثُمّ خَتَمَ بِدَعَهُ بِأَنّ أَهلَ مِصرَ شَكَوا مِن عَامِلِهِ وَ سَأَلُوهُ أَن يَصرِفَهُ عَنهُم، أَو يَبعَثَ رَجُلًا نَاظِراً بَينَهُم وَ بَينَهُ،فَوَقَعَ الِاختِيَارُ عَلَي مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ نَاظِراً وَ كَانَ مُحَمّدٌ مِمّن يُشِيرُ بِالحَقّ وَ يَنهَي عَن مُخَالَفَتِهِ فَثَقُلَ أَمرُهُ عَلَي عُثمَانَ وَ كَادُوهُ، وَ بقَيَِ حَرِيصاً عَلَي قَتلِهِ بِحِيلَةٍ، فَلَمّا وَقَعَ الِاختِيَارُ عَلَيهِ أَن يَكُونَ نَاظِراً بَينَ أَهلِ مِصرَ وَ بَينَ عَامِلِهِ خَرَجَ مَعَهُم، وَ كَتَبَ عُثمَانُ بَعدَ خُرُوجِهِ إِلَي عَامِلِهِ بِمِصرَ يَأمُرُهُ بِقَتلِ
صفحه : 375
مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ إِذَا صَارَ إِلَيهِ، وَ دَفَعَ الكِتَابَ إِلَي عَبدٍ مِن عَبِيدِهِ،فَرَكِبَ العَبدُ رَاحِلَتَهُ وَ سَارَ نَحوَ مِصرَ بِالكِتَابِ مُسرِعاً لِيَدخُلَ مِصرَ قَبلَ دُخُولِ مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ،فَقِيلَ إِنّ العَبدَ مَرّ يَركُضُ فَنَظَرَ إِلَيهِ القَومُ الّذِينَ مَعَ مُحَمّدٍ فَأَخبَرُوا مُحَمّداً بِذَلِكَ،فَبَعَثَ خَلفَهُ خَيلًا فَأَخَذُوهُ وَ ارتَابَ بِهِ مُحَمّدٌ، فَلَمّا رَدّوهُ إِلَيهِ وَجَدَ الكِتَابَ مَعَهُ،فَقَرَأَهُ وَ انصَرَفَ رَاجِعاً مَعَ القَومِ وَ العَبدُ وَ الرّاحِلَةُ مَعَهُم،فَثَارُوا عَلَي عُثمَانَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَمّا العَبدُ فعَبَديِ وَ الرّاحِلَةُ راَحلِتَيِ وَ خَتمُ الكِتَابِ ختَميِ، وَ لَيسَ الكِتَابُ كتِاَبيِ وَ لَا أَمَرتُ بِهِ، وَ كَانَ الكِتَابُ بِخَطّ مَروَانَ،فَقِيلَ لَهُ إِن كُنتَ صَادِقاً فَادفَع إِلَينَا مَروَانَ فَهَذَا خَطّهُ وَ هُوَ كَاتِبُكَ،فَامتَنَعَ عَلَيهِم،فَحَاصَرُوهُ وَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبَ قَتلِهِ.
بيان السجف بالفتح والكسر السّتر. والجزل بالفتح الكثير. و قال الجوهري سفعته النّار والسّموم إذالفحته لفحا يسيرا فغيّرت لون البشرة. والخرص والتّخرّص الكذب . والغزالة الشّمس. ومشار عسل بضم الميم من إضافة الصّفة إلي الموصوف أوبفتحها بتقدير اللّام،يقال شرت العسل .. أي اجتنيتها، والمشار بالفتح الخليّة
صفحه : 376
يشتار منها. و في القاموس الخطّ .. سيف البحرين أو كلّ سيف ، وموضع باليمامة، ومرقي السّفن بالبحرين ، ويكسر و إليه نسبت الرّماح لأنّها تباع به .أقول إنّما أوردت هذاالكلام لاشتماله علي بعض الأخبار الغريبة، و إن كان في بعض مااحتجّ به وهن أومخالفة للمشهور،فسيتّضح لك حقيقة الأمر في الأبواب الآتية، و اللّه الموفّق.
165- و قال أبوالصلاح رحمه اللّه في تقريب المعارف وممّا يقدح في عدالة الثلاثة،قصدهم أهل بيت نبيّهم عليهم السلام بالتخفيف والأذي ، والوضع من أقدارهم ، واجتناب مايستحقّونه من التعظيم ،فمن ذلك أمان كلّ معتزل بيعتهم ضررهم ، وقصدهم عليّا عليه السلام بالأذي لتخلّفه عنهم ، والإغلاظ له في الخطاب والمبالغة في الوعيد، وإحضار الحطب لتحريق منزله ، والهجوم عليه بالرجال من غيرإذنه ، والإتيان به ملبّبا، واضطرارهم بذلك زوجته وبناته ونساءه وحامته من بنات هاشم وغيرهم إلي الخروج عن بيوتهم ، وتجريد السيوف من حوله ، وتوعّده بالقتل إن امتنع من بيعتهم ، و لم يفعلوا شيئا من ذلك لسعد بن عبادة و لابالخبّاب بن المنذر .. وغيرهما ممّن تأخّر عن بيعتهم حتي مات أوطويل الزمان . و من ذلك ردّهم دعوي فاطمة عليها السلام وشهادة عليّ والحسنين عليهم
صفحه : 377
السلام وقبول شهادة جابر بن عبد اللّه في الخبيثات ، وعائشة في الحجرة والقميص والنعل ، وغيرهما. ومنها تفضيل الناس في العطاء والاقتصار بهم علي أدني المنازل . ومنها عقد الرايات والولايات لمسلميّة الفتح والمؤلّفة قلوبهم ومكيدي الإسلام من بني أميّة، وبني مخزوم ، وغيرهما، والإعراض عنهم واجتناب تأهيلهم لشيء من ذلك . ومنهم [منها]موالاة المعروفين ببغضهم وحسدهم وتقديمهم علي رقاب العالم كمعاوية، وخالد، و أبي عبيدة، والمغيرة، و أبي موسي ، ومروان ، و عبد اللّه بن أبي سرح ، و ابن كريز .. و من ضارعهم في عداوتهم ، والغضّ من المعروفين بولايتهم وقصدهم بالأذي كعمّار، وسلمان ، و أبي ذرّ، والمقداد، و أبي بن كعب ، و ابن مسعود .. و من شاركهم في التخصّص بولايتهم عليهم الصلاة و السلام ومنها قبض أيديهم عن فدك مع ثبوت استحقاقهم لها علي مابيّناه. وإباحة معاوية الشام ، و أبي موسي العراق ، و ابن كريز البصرة، و ابن أبي صرح [كذا]مصر والمغرب .. وأمثالهم من المشهورين بكيد الإسلام وأهله . وتَأَمّل هذابعين إنصاف يَكشِف لك عن شديد عداوتهم وتحاملهم عليهم كأمثاله من الأفعال الدالّة علي تميّز العدوّ من الوليّ، و لاوجه لذلك إلّا تخصّصهم بصاحب الشريعة صلوات اللّه عليه و علي آله في النسب ، وتقدّمهم لديه في
صفحه : 378
الدين ، وبذل الجهد في طاعته ، والمبالغة في نصيحته ونصرة ملّته بما لايشاركون فيه ، و في هذا ما لايخفي ما فيه علي متأمّل. ثم قال وممّا يقدح في عدالتهم ماحفظ عن وجوه الصحابة وفضلاء السابقين والتابعين من الطعن عليهم وذمّ أفعالهم والتصريح بذمّهم وتصريحهم بذلك عندالوفاة، وتحسّرهم علي مافرّط منهم ،فأمّا أقوال الصحابة والتابعين ماحفظ عن أمير المؤمنين عليه السلام من التظلّم منهم والتصريح والتلويح بتقدّمهم عليه بغير حقّ في مقام بعدمقام ،
كَقَولِهِ حِينَ أَرَادُوهُ بِالبَيعَةِ لأِبَيِ بَكرٍ وَ اللّهِ أَنَا لَا أُبَايِعُكُم وَ أَنتُم أَحَقّ بِالبَيعَةِ لِي.
وَ قَولِهِ عَلَيهِ السّلَامُ يَاابنَ أُمّ إِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ وَ كادُوا يقَتلُوُننَيِ..
ثم ذكر مامرّ من تظلّماته وشكاياته صلوات اللّه عليه .
ثُمّ قَالَ وَ مِنهُ مَا روُيَِ عَنِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ وَ رُشَيدٍ الهجَرَيِّ وَ أَبِي كُدَيبَةَ الأسَدَيِّ[كَذَا] وَ غَيرِهِم مِن أَصحَابِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِأَسَانِيدَ مُختَلِفَةٍ قَالُوا كُنّا جُلُوساً فِي المَسجِدِ إِذ خَرَجَ عَلَينَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ البَابِ الصّغِيرِ يهَويِ بِيَدِهِ عَن يَمِينِهِ يَقُولُ أَ مَا تَرَونَ مَا أَرَي.قُلنَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ مَا ألّذِي تَرَي. قَالَ أَرَي[ أَبَا زُرَيقٍ] فِي سَدَفِ النّارِ يُشِيرُ إلِيَّ بِيَدِهِ يَقُولُ استَغفِر لِي، لَا غَفَرَ اللّهُ لَهُ، وَ زَادَ أَبُو كُدَيبَةَ[كَذَا] إِنّ اللّهَ لَا يَرضَي عَنهُمَا حَتّي يرُضيِاَنيِ، وَ ايمُ اللّهِ لَا يرُضيِاَنيّ أَبَداً. وَ سُئِلَ عَنِ السّدَفِ فَقَالَ الوَهدَةُ العَظِيمَةُ.
صفحه : 379
قَالَ وَ رَوَوا عَنِ الحَارِثِ الأَعوَرِ، قَالَ دَخَلتُ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فِي بَعضِ اللّيلِ، فَقَالَ لِي مَا جَاءَ بِكَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ. قُلتُ حُبّكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ اللّهَ ... قُلتُ اللّهَ. قَالَ أَ لَا أُحَدّثُكَ بِأَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لَنَا وَ أَشَدّهِم عَدَاوَةً لِمَن أَحَبّنَا. قُلتُ بَلَي يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، أَمَا وَ اللّهِ لَقَد ظَنَنتُ ظَنّاً. قَالَ هَاتِ ظَنّكَ. قُلتُ[فُلَانٌ وَ فُلَانٌ]. قَالَ ادنُ منِيّ يَا أَعوَرُ،فَدَنَوتُ مِنهُ، فَقَالَ ابرَأ مِنهُمَا .. برَِئَ اللّهُ مِنهُمَا. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي إنِيّ لَأَتَوَهّمُ تَوَهّماً فَأَكرَهُ أَن أرَميَِ بِهِ بَرِيئاً،[فُلَانٌ وَ فُلَانٌ]. فَقَالَ إيِ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ إِنّهُمَا لَهُمَا ظلَمَاَنيِ حقَيّ وَ نغَصّاَنيِ ريِقيِ وَ حسَدَاَنيِ وَ آذيَاَنيِ، وَ إِنّهُ ليَوُذيِ أَهلَ النّارِ ضَجِيجُهُمَا وَ رَفعُ أَصوَاتِهِمَا وَ تَعيِيرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِيّاهُمَا.
قَالَ وَ رَوَوا عَن عُمَارَةَ، قَالَ كُنتُ جَالِساً عِندَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ( ع ) وَ هُوَ فِي مَيمَنَةِ مَسجِدِ الكُوفَةِ وَ عِندَهُ النّاسُ،إِذ أَقبَلَ رَجُلٌ فَسَلّمَ عَلَيهِ ثُمّ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ اللّهِ إنِيّ لَأُحِبّكَ. فَقَالَ لكَنِيّ وَ اللّهِ مَا أُحِبّكَ،كَيفَ حُبّكَ لأِبَيِ بَكرٍ وَ عُمَرَ. فَقَالَ وَ اللّهِ إنِيّ لَأُحِبّهُمَا حُبّاً شَدِيداً. قَالَ كَيفَ حُبّكَ لِعُثمَانَ. قَالَ قَد رَسَخَ حُبّهُ فِي السّوَيدَاءِ مِن قلَبيِ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنَا أَبُو الحَسَنِ ... الحَدِيثَ.
قَالَ وَ رَوَوا عَن سُفيَانَ، عَن فُضَيلِ بنِ الزّبَيرِ، عَن نَقِيعٍ، عَن أَبِي كُدَيبَةَ الأزَديِّ، قَالَقَامَ رَجُلٌ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَسَأَلَهُ عَن قَولِ اللّهِ
صفحه : 380
تَعَالَييا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدّمُوا بَينَ يدَيَِ اللّهِ وَ رَسُولِهِفِيمَن نَزَلَت. فَقَالَ مَا تُرِيدُ أَ تُرِيدُ أَن تغُريَِ بيَِ النّاسَ. قَالَ لَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَ لَكِن أُحِبّ أَن أَعلَمَ. قَالَ اجلِس،فَجَلَسَ، فَقَالَ اكتُب عَامِراً اكتُب مَعمَراً اكتُب عُمَرَ اكتُب عَمّاراً اكتُب مُعتَمِراً .. فِي أَحَدِ الخَمسَةِ نَزَلَت. قَالَ سُفيَانُ قُلتُ لِفُضَيلٍ أَ تَرَاهُ عُمَرَ. قَالَ فَمَن هُوَ غَيرُهُ.
قَالَ وَ رَوَوا عَنِ المُنذِرِ الثوّريِّ، قَالَ سَمِعتُ الحُسَينَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ يَقُولُ إِنّ أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ عَمَدَا إِلَي الأَمرِ وَ هُوَ لَنَا كُلّهُ فَجَعَلَا لَنَا فِيهِ سَهماً كَسَهمِ الجَدّةِ، أَمَا وَ اللّهِ لَيَهُمّ بِهِمَا أَنفُسُهُمَا يَومَ يَطلُبُ النّاسُ فِيهِ شَفَاعَتَنَا.
قَالَ وَ رَوَوا عَنهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَن أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ، فَقَالَ وَ اللّهِ لَقَد ضَيّعَانَا، وَ ذَهَبَا بِحَقّنَا، وَ جَلَسَا مَجلِساً كُنّا أَحَقّ بِهِ مِنهُمَا، وَ وَطِئَا عَلَي أَعنَاقِنَا، وَ حَمَلَا النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا.
قَالَ وَ رَوَوا عَن أَبِي الجَارُودِ زِيَادِ بنِ المُنذِرِ، قَالَ سُئِلَ عَلِيّ بنُ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ عَن أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ. فَقَالَ أَضغَنَا[أَضغَيَانَا]بِآبَائِنَا، وَ اضطَجَعَا بِسَبِيلِنَا، وَ حَمَلَا النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا.
وَ عَن أَبِي إِسحَاقَ، أَنّهُ قَالَ صَحِبتُ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ بَينَ مَكّةَ وَ المَدِينَةِ،فَسَأَلتُهُ عَن أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ مَا تَقُولُ فِيهِمَا. قَالَ مَا عَسَي أَن أَقُولَ فِيهِمَا.
وَ عَنِ القَاسِمِ بنِ مُسلِمٍ، قَالَكُنتُ مَعَ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ بِيَنبُعَ يدَيِ فِي يَدِهِ،فَقُلتُ مَا تَقُولُ فِي هَذَينِ الرّجُلَينِ أَ تَبرَأُ مِن عَدُوّهِمَا.فَغَضِبَ وَ رَمَي بِيَدِهِ مِن يدَيِ، ثُمّ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَيحَكَ يَا قَاسِمُ هُمَا أَوّلُ مَن أَضغَنَا[أَضغَانَا]بِآبَائِنَا، وَ اضطَجَعَا بِسَبِيلِنَا، وَ حَمَلَا النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا، وَ جَلَسَا مَجلِساً كُنّا
صفحه : 381
أَحَقّ بِهِ مِنهُمَا.
وَ عَن حَكِيمِ بنِ جُبَيرٍ، عَنهُ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَهُ، وَ ...
وَ عَن أَبِي عَلِيّ الخرُاَساَنيِّ، عَن مَولًي لعِلَيِّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَ كُنتُ مَعَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي بَعضِ خَلَوَاتِهِ،فَقُلتُ إِنّ لِي عَلَيكَ حَقّاً، أَ لَا تخُبرِنُيِ عَن هَذَينِ الرّجُلَينِ، فَقَالَ كَافِرَانِ،كَافِرٌ مَن أَحَبّهُمَا.
وَ عَن أَبِي حَمزَةَ الثمّاَليِّ، قَالَ قُلتُ لعِلَيِّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ وَ قَد خَلَا أخَبرِنيِ عَن هَذَينِ الرّجُلَينِ. قَالَ هُمَا أَوّلُ مَن ظَلَمَنَا حَقّنَا وَ أَخَذَا مِيرَاثَنَا، وَ جَلَسَا مَجلِساً كُنّا أَحَقّ بِهِ مِنهُمَا، لَا غَفَرَ اللّهُ لَهُمَا وَ لَا رَحِمَهُمَا،كَافِرَانِ،كَافِرٌ مَن تَوَلّاهُمَا.
وَ عَن حَكِيمِ بنِ جُبَيرٍ، قَالَ قَالَ عَلِيّ بنُ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ أَنتُم تُقتَلُونَ فِي عُثمَانَ مُنذُ سِتّينَ سَنَةً،فَكَيفَ لَو تَبَرّأتُم مِن صنَمَيَ قُرَيشٍ.
قَالَ وَ رَوَوا عَن سَورَةَ بنِ كُلَيبٍ، قَالَ سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ[عَنهُمَا]. قَالَ هُمَا أَوّلُ مَن ظَلَمَنَا حَقّنَا وَ حَمَلَ النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا،فَأَعَدتُ عَلَيهِ،فَأَعَادَ عَلَيّ ثَلَاثاً،فَأَعَدتُ عَلَيهِ الرّابِعَةَ، فَقَالَ
لذِيِ الحِلمِ قَبلَ اليَومِ مَا تَقرَعُ العَصَا | وَ مَا عُلّمَ الإِنسَانُ إِلّا لِيَعلَمَا |
وَ عَن كَثِيرٍ النّوّاءِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ سَأَلتُهُ[عَنهُمَا] فَقَالَ هُمَا أَوّلُ مَنِ انتَزَي عَلَي حَقّنَا وَ حَمَلَا النّاسَ عَلَي أَعنَاقِنَا وَ أَكنَافِنَا، وَ أَدخَلَا الذّلّ بُيُوتَنَا.
وَ عَنهُ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ وَ اللّهِ لَو وَجَدَ عَلَيهِمَا أَعوَاناً لَجَاهَدَهُمَا.
وَ عَن بَشِيرٍ، قَالَسَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ[عَنهُمَا]فَلَم يجُبِنيِ، ثُمّ سَأَلتُهُ فَلَم يجُبِنيِ، فَلَمّا كَانَ فِي الثّالِثَةِ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ،أخَبرِنيِ
صفحه : 382
عَنهُمَا. فَقَالَ مَا قَطَرَت قَطرَةٌ مِن دِمَائِنَا وَ لَا مِن دِمَاءِ أَحَدٍ مِنَ المُسلِمِينَ إِلّا وَ هيَِ فِي أَعنَاقِهِمَا إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.
وَ رَوَوا أَنّ ابنَ بَشِيرٍ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ النّاسَ يَزعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ أللّهُمّ أَعِزّ الإِسلَامَ بأِبَيِ جَهلٍ أَو[بِرُمَعَ]. فَقَالَ أَبُو جَعفَرٍ وَ اللّهِ مَا قَالَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَطّ،إِنّمَا أَعَزّ اللّهُ الدّينَ بِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، مَا كَانَ اللّهُ لِيُعِزّ الدّينَ بِشِرَارِ خَلقِهِ.
وَ رَوَوا عَن قُدَامَةَ بنِ سَعدٍ الثقّفَيِّ، قَالَ سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ[عَنهُمَا] فَقَالَ أَدرَكتُ أَهلَ بيَتيِ وَ هُم يَعِيبُونَهُمَا.
وَ عَن أَبِي الجَارُودِ، قَالَ كُنتُ أَنَا وَ كَثِيرٌ النّوّاءُ عِندَ أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ كَثِيرٌ يَا أَبَا جَعفَرٍ رَحِمَكَ اللّهُ، هَذَا أَبُو الجَارُودِ يَبرَأُ مِن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]،فَقُلتُ لأِبَيِ جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ كَذَبَ وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ مَا سَمِعَ ذَلِكَ منِيّ قَطّ، وَ عِندَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عَلِيّ أَخُو أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ هَلُمّ إلِيَّ،أَقبِل إلِيَّ يَا كَثِيرُ،كَانَا وَ اللّهِ أَوّلَ مَن ظَلَمَنَا حَقّنَا وَ أَضغَنَا[أَضغَانَا]بِآبَائِنَا، وَ حَمَلَا النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا، فَلَا غَفَرَ اللّهُ لَهُمَا، وَ لَا غَفَرَ لَكَ مَعَهُمَا يَا كَثِيرُ.
وَ عَن أَبِي الجَارُودِ، قَالَ سُئِلَ أَبُو جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَنهُمَا وَ أَنَا جَالِسٌ فَقَالَ هُمَا أَوّلُ مَن ظَلَمَنَا حَقّنَا، وَ حَمَلَا النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا، وَ أَخَذَا مِن فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ عَطِيّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَدَكَ بِنَوَاضِحِهَا.فَقَامَ مُيَسّرٌ، فَقَالَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنهُمَا بَرِيئَانِ. فَقَالَ أَبُو جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ
لذِيِ الحِلمِ قَبلَ اليَومِ مَا تَقرَعُ العَصَا | وَ مَا عُلّمَ الإِنسَانُ إِلّا لِيَعلَمَا |
وَ رَوَوا عَن بَشِيرِ بنِ أَرَاكَةَ النّبّالِ، قَالَسَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ[عَنهُمَا] فَقَالَ كَهَيئَةِ المُنتَهِرِ مَا تُرِيدُ مِن صنَمَيَِ العَرَبِ أَنتُم تُقتَلُونَ
صفحه : 383
عَلَي دَمِ عُثمَانَ بنِ عَفّانَ،فَكَيفَ لَو أَظهَرتُمُ البَرَاءَةَ مِنهُمَا، إِذاً لَمَا نَاظَرُوكُم طَرفَةَ عَينٍ.
وَ عَن حُجرٍ البجَلَيِّ، قَالَ شَكَكتُ فِي أَمرِ الرّجُلَينِ،فَأَتَيتُ المَدِينَةَ،فَسَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ[إِنّهُمَا]أَوّلُ مَن ظَلَمَنَا وَ ذَهَبَ بِحَقّنَا وَ حَمَلَ النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا.
وَ عَنهُ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ لَو وَجَدَ عَلِيّ أَعوَاناً لَضَرَبَ أَعنَاقَهُمَا.
وَ عَن سَلّامِ بنِ سَعِيدٍ المخَزوُميِّ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يَصعَدُ عَمَلُهُم إِلَي السّمَاءِ وَ لَا يُقبَلَ مِنهُم عَمَلٌ مَن مَاتَ وَ لَنَا أَهلَ البَيتِ فِي قَلبِهِ بُغضٌ، وَ مَن تَوَلّي عَدُوّنَا، وَ مَن تَوَلّي[فُلَاناً وَ فُلَاناً].
وَ عَن وَردِ بنِ زَيدٍ أخَيِ الكُمَيتِ، قَالَ سَأَلنَا مُحَمّدَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ[عَنهُمَا]. فَقَالَ مَن كَانَ يَعلَمُ أَنّ اللّهَ حَكَمٌ عَدلٌ برَِئَ مِنهُمَا، وَ مَا مِن مِحجَمَةِ دَمٍ يُهَرَاقُ إِلّا وَ هيَِ فِي رِقَابِهِمَا.
وَ عَنهُ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ سُئِلَ[عَنهُمَا] فَقَالَ هُمَا أَوّلُ مَن ظَلَمَنَا، وَ قَبَضَ حَقّنَا، وَ تَوَثّبَ عَلَي رِقَابِنَا، وَ فَتَحَ عَلَينَا بَاباً لَا يَسُدّهُ شَيءٌ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ، فَلَا غَفَرَ اللّهُ لَهُمَا ظُلمَهُمَا إِيّانَا.
وَ عَن سَالِمِ بنِ أَبِي حَفصَةَ، قَالَ دَخَلتُ عَلَي أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ،فَقُلتُ أَئِمّتَنَا وَ سَادَتَنَا نوُاَليِ مَن وَالَيتُم، وَ نعُاَديِ مَن عَادَيتُم، وَ نَبرَأُ مِن عَدُوّكُم. فَقَالَ بَخ بَخ يَا شَيخُ إِن كَانَ لِقَولِكَ حَقِيقَةٌ. قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ، إِنّ لَهُ حَقِيقَةً. قَالَ مَا تَقُولُ[فِيهِمَا]. قَالَ إِمَامَا عَدلٍ رَحِمَهُمَا اللّهُ. قَالَ يَا شَيخُ وَ اللّهِ لَقَد أَشرَكتَ فِي هَذَا الأَمرِ مَن لَم يَجعَلِ اللّهُ لَهُ فِيهِ نَصِيباً.
وَ عَن فُضَيلٍ الرّسّانِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ مَثَلُ[فُلَانٍ] وَ شِيعَتِهِ مَثَلُ فِرعَونَ وَ شِيعَتِهِ، وَ مَثَلُ عَلِيّ وَ شِيعَتِهِ مَثَلُ مُوسَي وَ شِيعَتِهِ.
وَ رَوَوا عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِ عَزّ وَ جَلّوَ إِذ أَسَرّ النّبِيّ إِلي
صفحه : 384
بَعضِ أَزواجِهِ حَدِيثاً...، قَالَ أَسَرّ إِلَيهِمَا أَمرَ القِبطِيّةِ، وَ أَسَرّ إِلَيهِمَا[أَنّهُمَا]يَلِيَانِ أَمرَ الأُمّةِ مِن بَعدِهِ ظَالِمَينِ فَاجِرَينِ غَادِرَينِ.
وَ رَوَوا عَن عُبَيدِ بنِ سُلَيمَانَ النخّعَيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ، عَنِ ابنِ أَخِيهِ الأَرقَطِ، قَالَ قُلتُ لِجَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ يَا عَمّاه إنِيّ أَتَخَوّفُ عَلَيّ وَ عَلَيكَ الفَوتَ أَوِ المَوتَ، وَ لَم يُفرَش لِي أَمرُ هَذَينِ الرّجُلَينِ. فَقَالَ لِي جَعفَرٌ. عَلَيهِ السّلَامُ ابرَأ مِنهُمَا،برَِئَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنهُمَا.
وَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سِنَانٍ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَ قَالَ لِي[فُلَانٌ وَ فُلَانٌ]صَنَمَا قُرَيشٍ اللّذَانِ يَعبُدُونَهُمَا.
وَ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ يَسَارٍ، عَن غَيرِ وَاحِدٍ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ[رُمَعَ]زَنّاهُ، وَ إِذَا ذَكَرَ أَبَا جَعفَرٍ الدّوَانِيقَ زَنّاهُ، وَ لَا يزُنَيّ غَيرَهُمَا.
قَالَ وَ تَنَاصَرَ الخَبَرُ عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ وَ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ وَ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمُ السّلَامُ مِن طُرُقٍ مُختَلِفَةٍ أَنّهُم قَالُوا وَ كُلّ مِنهُم ثَلَاثَةٌلا يَنظُرُ اللّهُإِلَيهِم يَومَ القِيامَةِ وَ لا يُزَكّيهِم وَ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ، مَن زَعَمَ أَنّهُ إِمَامٌ وَ لَيسَ بِإِمَامٍ، وَ مَن جَحَدَ إِمَامَةَ إِمَامٍ مِنَ اللّهِ، وَ مَن زَعَمَ أَنّ لَهُمَا فِي الإِسلَامِ نَصِيباً. وَ مِن طُرُقٍ أُخَرَ أَنّ لِلأَوّلَينِ، وَ مِن أُخَرَ لِلأَعرَابِيّينِ فِي الإِسلَامِ نَصِيباً ...
.. إلي غير ذلك من الروايات عمّن ذكرناه ، و عن أبنائهم عليهم السلام مقترنا بالمعلوم من دينهم لكلّ متأمّل حالهم ، وأنّهم يرون في المتقدّمين علي أمير المؤمنين عليه السلام و من دان بدينهم أنّهم ...، و ذلك كاف عن إيراد رواية، وإنّما ذكرنا طرفا منها استظهارا. و قدروت الخاصّة والعامّة عن جماعة من وجوه الطالبيّين مايضاهي المرويّ من ذلك عن الأئمّة عليهم السلام
صفحه : 385
فَرَوَوا عَن مَعمَرِ بنِ خَيثَمٍ، قَالَ بعَثَنَيِ زَيدُ بنُ عَلِيّ دَاعِيَةً،فَقُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ، مَا أَجَابَتنَا إِلَيهِ الشّيعَةُ،فَإِنّهَا لَا تُجِيبُنَا إِلَي وَلَايَةِ[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]. قَالَ لِي وَيحَكَ أَحَدٌ أَعلَمُ بِمَظلِمَتِهِ مِنّا، وَ اللّهِ لَئِن قُلتَ إِنّهُمَا جَارَا فِي الحُكمِ لَتُكَذّبَنّ، وَ لَئِن قُلتَ إِنّهُمَا استَأثَرَا باِلفيَءِ لَتُكَذّبَنّ، وَ لَكِنّهُمَا أَوّلُ مَن ظَلَمَنَا حَقّنَا وَ حَمَلَ النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا، وَ اللّهِ إنِيّ لَأُبغِضُ أَبنَاءَهُمَا مِن بغُضيِ آبَاءَهُمَا وَ لَكِن لَو دَعَوتُ النّاسَ إِلَي مَا تَقُولُونَ لَرَمَونَا بِقَوسٍ وَاحِدٍ.
وَ رَوَوا عَن مُحَمّدِ بنِ فُرَاتٍ الجرَميِّ، قَالَ سَمِعتُ زَيدَ بنَ عَلِيّ يَقُولُ إِنّا لنَلَتقَيِ وَ آلَ عُمَرَ فِي الحَمّامِ فَيَعلَمُونَ أَنّا لَا نُحِبّهُم وَ لَا يُحِبّونّا، وَ اللّهِ إِنّا لَنُبغِضُ الأَبنَاءَ لِبُغضِ الآبَاءِ.
وَ رَوَوا عَن فُضَيلِ بنِ الزّبَيرِ، قَالَ قُلتُ لِزَيدِ بنِ عَلِيّ( ع ) مَا تَقُولُ فِي[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]. قَالَ قُل فِيهِمَا مَا قَالَ عَلِيّ كُفّ كَمَا كَفّ لَا تُجَاوِز قَولَهُ. قُلتُ أخَبرِنيِ عَن قلَبيِ أَنَا خَلَقتُهُ. قَالَ لَا. قُلتُ فإَنِيّ أَشهَدُ عَلَي ألّذِي خَلَقَهُ أَنّهُ وَضَعَ فِي قلَبيِ بُغضَهُمَا،فَكَيفَ لِي بِإِخرَاجِ ذَلِكَ مِن قلَبيِ.فَجَلَسَ جَالِساً وَ قَالَ أَنَا وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ إنِيّ لَأُبغِضُ بَنِيهِمَا مِن بُغضِهِمَا، وَ ذَلِكَ لِأَنّهُم إِذَا سَمِعُوا سَبّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَرِحُوا.
وَ رَوَوا عَنِ العَبّاسِ بنِ الوَلِيدِ الأغَداَريِّ، قَالَ سُئِلَ زَيدُ بنُ عَلِيّ عَن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]،فَلَم يُجِب فِيهِمَا، فَلَمّا أَصَابَتهُ الرّميَةُ فَنَزَعَ الرّمحَ مِن وَجهِهِ استَقبَلَ الدّمَ بِيَدِهِ حَتّي صَارَ كَأَنّهُ كَبِدٌ، فَقَالَ أَينَ السّائِلُ عَن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]هُمَا وَ اللّهِ شُرَكَاءُ فِي هَذَا الدّمِ، ثُمّ رَمَي بِهِ وَرَاءَ ظَهرِهِ.
وَ عَن نَافِعٍ الثقّفَيِّ وَ كَانَ قَد أَدرَكَ زَيدَ بنَ عَلِيّ، قَالَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]،فَسَكَتَ فَلَم يُجِبهُ، فَلَمّا رمُيَِ قَالَ أَينَ السّائِلُ عَن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]هُمَا أوَقفَاَنيِ هَذَا المَوقِفَ.
صفحه : 386
وَ رَوَوا عَن يَعقُوبَ بنِ عدَيِّ، قَالَ سُئِلَ يَحيَي بنُ زَيدٍ عَنهُمَا وَ نَحنُ بِخُرَاسَانَ وَ قَدِ التَقَي الصّفّانِ، فَقَالَ هُمَا أَقَامَانَا هَذَا المُقَامَ، وَ اللّهِ لَقَد كَانَا لَئِيماً جَدّهُمَا، وَ لَقَد هَمّا بِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَن يَقتُلَاهُ.
وَ رَوَوا عَن قُلَيبِ بنِ حَمّادٍ، عَن مُوسَي بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ، قَالَ كُنتُ مَعَ أَبِي بِمَكّةَ،فَلَقِيتُ رَجُلًا مِن أَهلِ الطّائِفِ مَولًي لِثَقِيفٍ،فَنَالَ[مِنهُمَا]،فَأَوصَاهُ أَبِي بِتَقوَي اللّهِ، فَقَالَ الرّجُلُ يَا أَبَا مُحَمّدٍ أَسأَلُكَ بِرَبّ هَذِهِ البَنِيّةِ وَ رَبّ هَذَا البَيتِ هَل صَلّيَا عَلَي فَاطِمَةَ قَالَ أللّهُمّ لَا. قَالَ فَلَمّا مَضَي الرّجُلُ قَالَ مُوسَي سَبَبتُهُ وَ كَفّرتُهُ. فَقَالَ أَي بنُيَّ لَا تَسُبّهُ وَ لَا تُكَفّرهُ، وَ اللّهِ لَقَد فَعَلَا فِعلًا عَظِيماً. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي .. أَي بنُيَّ لَا تُكَفّرهُ،فَوَ اللّهِ مَا صَلّيَا عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَقَد مَكَثَ ثَلَاثاً مَا دَفَنُوهُ،إِنّهُ شَغَلَهُم مَا كَانَا يُبرِمَانِ.
وَ رَوَوا، أَنّهُ أتُيَِ بِزَيدِ بنِ عَلِيّ الثقّفَيِّ إِلَي عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ وَ هُوَ بِمَكّةَ، فَقَالَ أَنشُدُكَ اللّهَ أَ تَعلَمُ أَنّهُم مَنَعُوا فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ بِنتَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِيرَاثَهَا. قَالَ نَعَم. قَالَ فَأَنشُدُكَ اللّهَ أَ تَعلَمُ أَنّ فَاطِمَةَ مَاتَت وَ هيَِ لَا تُكَلّمُهُمَا وَ أَوصَت أَن لَا يُصَلّيَا عَلَيهَا. قَالَ نَعَم. قَالَ فَأَنشُدُكَ اللّهَ أَ تَعلَمُ أَنّهُم بَايَعُوا قَبلَ أَن يُدفَنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ اغتَنَمُوا شُغُلَهُم. قَالَ نَعَم. قَالَ وَ أَسأَلُكَ بِاللّهِ أَ تَعلَمُ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لَم يُبَايِع لَهُمَا حَتّي أُكرِهَ. قَالَ نَعَم.
صفحه : 387
قَالَ فَأُشهِدُكَ أنَيّ مِنهُمَا برَيِءٌ وَ أَنَا عَلَي رأَيِ عَلِيّ وَ فَاطِمَةَ عَلَيهِمَا السّلَامُ. قَالَ مُوسَي فَأَقبَلتُ عَلَيهِ، فَقَالَ أَبِي أَي بنُيَّ وَ اللّهِ لَقَد أَتَيَا أَمراً عَظِيماً.
وَ رَوَوا عَن مُخَوّلِ بنِ اِبرَاهِيمَ، قَالَ أخَبرَنَيِ مُوسَي بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ وَ ذَكَرَهُمَا، فَقَالَ قُل لِهَؤُلَاءِ نَحنُ نَأتَمّ بِفَاطِمَةَ،فَقَد جَاءَ البَيتُ عَنهَا أَنّهَا مَاتَت وَ هيَِ غَضبَي عَلَيهِمَا،فَنَحنُ نَغضَبُ لِغَضَبِهَا وَ نَرضَي لِرِضَاهَا،فَقَد جَاءَ غَضَبُهَا، فَإِذَا جَاءَ رِضَاهَا رَضِينَا. قَالَ مُخَوّلٌ وَ سَأَلتُ مُوسَي بنَ عَبدِ اللّهِ عَن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]، فَقَالَ لِي مَا أَكرَهَ ذِكرَهُ. قُلتُ لِمُخَوّلٍ قَالَ فِيهِمَا أَشَدّ مِنَ الظّلمِ وَ الفُجُورِ وَ الغَدرِ. قَالَ نَعَم. قَالَ مُخَوّلٌ وَ سَأَلتُ عَنهُمَا مَرّةً، فَقَالَ أَ تحَسبَنُيِ تبريا[بُترِيّاً] ثُمّ قَالَ فِيهِمَا قَولًا سَيّئاً.
وَ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ، قَالَ سَمِعتُ مُوسَي بنَ عَبدِ اللّهِ يَقُولُ هُمَا أَوّلُ مَن ظَلَمَنَا حَقّنَا وَ مِيرَاثَنَا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ غَصَبَانَا فَغَصَبَ النّاسُ.
وَ رَوَوا عَن يَحيَي بنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ سَأَلتُ يَحيَي بنَ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ عَن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]. فَقَالَ لِي ابرَأ مِنهُمَا.
وَ رَوَوا عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَشَهِدتُ أَبِي، مُحَمّدَ بنَ عُمَرَ، وَ مُحَمّدَ بنَ عُمَرَ بنِ الحَسَنِ وَ هُوَ ألّذِي كَانَ
صفحه : 388
مَعَ الحُسَينِ بِكَربَلَاءَ، وَ كَانَتِ الشّيعَةُ تُنَزّلُهُ بِمَنزِلَةِ أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَعرِفُونَ حَقّهُ وَ فَضلَهُ، قَالَ فَكَلّمَهُ فِي أَبِي[زُرَيقٍ]، فَقَالَ مُحَمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ لأِبَيِ اسكُت فَإِنّكَ عَاجِزٌ، وَ اللّهِ إِنّهُمَا لَشُرَكَاءُ فِي دَمِ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي عَنهُ، أَنّهُ قَالَ وَ اللّهِ لَقَد أَخرَجَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن مَسجِدِهِ وَ هُمَا يَتَطَهّرَانِ وَ أُدخِلَا وَ هُمَا جِيفَةٌ فِي بَيتِهِ.
وَ رَوَوا عَن أَبِي حُذَيفَةَ مِن أَهلِ اليَمَنِ وَ كَانَ فَاضِلًا زَاهِداً، قَالَ سَمِعتُ عَبدَ اللّهِ بنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ هُوَ يَطُوفُ بِالبَيتِ، فَقَالَ وَ رَبّ هَذَا البَيتِ، وَ رَبّ هَذَا الرّكنِ، وَ رَبّ هَذَا الحَجَرِ، مَا قَطَرَت مِنّا قَطرَةُ دَمٍ وَ لَا قَطَرَت مِن دِمَاءِ المُسلِمِينَ قَطرَةٌ إِلّا وَ هُوَ فِي أَعنَاقِهِمَا.
وَ رَوَوا عَن إِسحَاقَ بنِ أَحمَرَ، قَالَ سَأَلتُ مُحَمّدَ بنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قُلتُ أصُلَيّ خَلفَ مَن يَتَوَالَي[فُلَاناً وَ فُلَاناً]. قَالَ لَا، وَ لَا كَرَامَةً.
وَ رَوَوا عَن أَبِي الجَارُودِ، قَالَ سُئِلَ مُحَمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَن[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]. فَقَالَ قُتِلتُم مُنذُ سِتّينَ سَنَةً فِي أَن ذَكَرتُم عُثمَانَ،فَوَ اللّهِ لَو ذَكَرتُم[فُلَاناً وَ فُلَاناً]لَكَانَت دِمَاؤُكُم أَحَلّ عِندَهُم مِن دِمَاءِ السّنَانِيرِ.
وَ رَوَوا عَن أَرطَاةَ بنِ حَبِيبٍ الأسَدَيِّ، قَالَ سَمِعتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ الشّهِيدِ عَلَيهِ السّلَامُ بِفَخّ يَقُولُ هُمَا وَ اللّهِ أَقَامَانَا هَذَا المُقَامَ، وَ زَعَمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا يُورَثُ.
وَ رَوَوا عَن اِبرَاهِيمَ بنِ مَيمُونٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَ مَا رَفَعَتِ امرَأَةٌ مِنّا طَرفَهَا إِلَي السّمَاءِ فَقَطَرَت مِنهَا قَطرَةٌ إِلّا كَانَ فِي أَعنَاقِهِمَا.
وَ رَوَوا عَن قُلَيبِ بنِ حَمّادٍ، قَالَسَأَلتُ الحَسَنَ بنَ اِبرَاهِيمَ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ
صفحه : 389
زَيدِ بنِ الحَسَنِ، وَ الحُسَينَ بنَ زَيدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ عِدّةً مِن أَهلِ البَيتِ عَن رَجُلٍ مِن أَصحَابِنَا لَا يُخَالِفُنَا فِي شَيءٍ إِلّا إِذَا انتَهَي إِلَي[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ]أَوقَفَهُمَا وَ شَكّ فِي أَمرِهِمَا فَكُلّهُم قَالُوا مَن أَوقَفَهُمَا شَكّاً فِي أَمرِهِمَا فَهُوَ ضَالّ كَافِرٌ.
وَ رَوَوا عَن مُحَمّدِ بنِ الفُرَاتِ، قَالَ حدَثّتَنيِ فَاطِمَةُ الحَنَفِيّةُ، عَن فَاطِمَةَ ابنَةِ الحُسَينِ أَنّهَا كَانَت تُبغِضُ[فُلَاناً وَ فُلَاناً] وَ تَسُبّهُمَا.
وَ رَوَوا عَن عُمَرَ بنِ ثَابِتٍ، قَالَ حدَثّنَيِ عَبدُ اللّهِ بنُ مُحَمّدِ بنِ عَقِيلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ إِنّ أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ عَدَلَا فِي النّاسِ وَ ظَلَمَانَا،فَلَم تَغضَبِ النّاسُ لَنَا، وَ إِنّ عُثمَانَ ظَلَمَنَا وَ ظَلَمَ النّاسَ،فَغَضِبَتِ النّاسُ لِأَنفُسِهِم فَمَالُوا إِلَيهِ فَقَتَلُوهُ.
وَ رَوَوا عَنِ القَاسِمِ بنِ جُندَبٍ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ مَرِضَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَثَقُلَ،فَجَلَستُ عِندَ رَأسِهِ،فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مَعَهُ النّاسُ فَامتَلَأَ البَيتُ،فَقُمتُ مِن مجَلسِيِ،فَجَلَسَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَغَمَزَ أَبُو بَكرٍ عُمَرَ فَقَامَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص )،إِنّكَ كُنتَ عَهِدتَ إِلَينَا فِي هَذَا عَهداً وَ إِنّا لَا نَرَاهُ إِلّا لِمَا بِهِ، فَإِن كَانَ شَيءٌ فَإِلَي مَن.فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَلَم يُجِبهُ،فَغَمَزَهُ الثّانِيَةَ فَكَذَلِكَ، ثُمّ الثّالِثَةَ،فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ رَأسَهُ ثُمّ قَالَ إِنّ هَذَا لَا يَمُوتُ مِن وَجَعِهِ هَذَا، وَ لَا يَمُوتُ حَتّي تُملِيَاهُ غَيظاً، وَ تُوسِعَاهُ غَدراً، وَ تَجِدَاهُ صَابِراً.
وَ رَوَوا عَن يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ البكِاَليِّ،قَالَت[كَذَا]سَمِعتُ حُذَيفَةَ بنَ اليَمَانِ يَقُولُ ولُيَّ أَبُو بَكرٍ فَطَعَنَ فِي الإِسلَامِ طَعنَةً أَوهَنَهُ، ثُمّ ولُيَّ عُمَرُ فَطَعَنَ فِي الإِسلَامِ طَعنَةً مَرَقَ مِنهُ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي عَنهُ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ، قَالَ وَلِيَنَا أَبُو بَكرٍ فَطَعَنَ فِي الإِسلَامِ طَعنَةً، ثُمّ وَلِيَنَا عُمَرُ فَحَلّ الأَزرَارَ، ثُمّ وَلِيَنَا عُثمَانُ فَخَرَجَ مِنهُ عُريَاناً.
وَ رَوَوا عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ، عَنِ الحَكَمِ بنِ عُيَينَةَ، قَالَ كَانَ إِذَا ذَكَرَ عُمَرَ
صفحه : 390
أَمَضّهُ، ثُمّ قَالَ كَانَ يَدعُو ابنَ عَبّاسٍ فَيَستَفتِيهِ مُغَايَظَةً لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ.
وَ رَوَوا عَنِ الأَعمَشِ، أَنّهُ كَانَ يَقُولُ قُبِضَ نَبِيّهُم صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَلَم يَكُن لَهُم هَمّ إِلّا أَن يَقُولُوا مِنّا أَمِيرٌ وَ مِنكُم أَمِيرٌ، وَ مَا أَظُنّهُم يُفلِحُونَ.
وَ رَوَوا عَن مُعَمّرِ بنِ زَائِدَةَ الوَشّاءِ، قَالَ أَشهَدُ عَلَي الأَعمَشِ أنَيّ سَمِعتُهُ يَقُولُ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ يُجَاءُ[بِفُلَانٍ وَ فُلَانٍ]كَالثّورَينِ العَقِيرَينِ لَهُمَا فِي نَارِ جَهَنّمَ خُوَارٌ.
وَ رَوَوا عَن سُلَيمَانَ بنِ أَبِي الوَردِ، قَالَ قَالَ الأَعمَشُ فِي مَرَضِهِ ألّذِي قُبِضَ فِيهِ هُوَ بَرِيّةٌ مِنهُمَا وَ سَمّاهُمَا، قُلتُ للِمسَعوُديِّ سَمّاهُمَا. قَالَ نَعَم،[فُلَانٌ وَ فُلَانٌ].
وَ رَوَوا عَن عُمَرَ بنِ زَائِدَةَ، قَالَ كُنّا عِندَ حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ بَعضُ القَومِ أَبُو[زُرَيقٍ]أَفضَلُ مِن عَلِيّ،فَغَضِبَ حَبِيبٌ ثُمّ قَامَ قَائِماً، فَقَالَ وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ لَفِيهِمَاالظّانّينَ بِاللّهِ ظَنّ السّوءِ عَلَيهِم دائِرَةُ السّوءِ وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيهِم وَ لَعَنَهُم... الآيَةَ.
وَ رَوَوا عَن يَحيَي بنِ المُسَاوِرِ، عَن أَبِي الجَارُودِ، قَالَ إِنّ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ مَدِينَتَينِ،مَدِينَةً بِالمَشرِقِ وَ مَدِينَةً بِالمَغرِبِ لَا يَفتُرَانِ مِن لَعنِ[فُلَانٍ وَ فُلَانٍ].
وَ رَوَوا عَنِ ابنِ عَبدِ الرّحمَنِ، قَالَ سَمِعتُ شَرِيكاً يَقُولُ مَا لَهُم وَ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ وَ اللّهِ مَا جَهّزَت جَيشاً وَ لَا جَمَعَت جَمعاً، وَ اللّهِ لَقَد آذَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي قَبرِهِ.
صفحه : 391
وَ رَوَوا عَن اِبرَاهِيمَ بنِ يَحيَي الثوّريِّ، قَالَ سَمِعتُ شَرِيكاً وَ سَأَلَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ حُبّ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ سُنّةٌ. فَقَالَ يَا مُعَافَا،خُذ بِثَوبِهِ فَأَخرِجهُ وَ اعرِف وَجهَهُ وَ لَا تُدخِلهُ عَلَيّ، يَا أَحمَقُ لَو كَانَ حُبّهُمَا سُنّةً لَكَانَ وَاجِباً عَلَيكَ أَن تَذكُرَهُمَا فِي صَلَاتِكَ كَمَا تصُلَيّ عَلَي مُحَمّدٍ وَ آلِ مُحَمّدٍ.
ولنوضِح بعض مايحتاج إلي الإيضاح قوله عليه السلام الوهدة العظيمة.أقول لم أره بهذا المعني فيما عندنا من كتب اللغة، ولعلّه أطلق عليه مجازا، فإنّ السّدفة بالفتح والضم والسّدف بالتحريك الظّلمة والضّوء ضدّ، وبالضّمّ الباب ، وسدّته، وسترة تكون بالباب تقيه من المطر، وبالتحريك سواد اللّيل،ذكرها الفيروزآبادي. قوله أضغنا،لعلّ الباء زائدة أوليست الألف للتعدية بل للإظهار .. أي أظهر الضغن بآبائنا، و في بعض النسخ اضطغنا بآبائنا، و في بعضها بإنائنا. قال في القاموس اضطغنوا انطووا علي الأحقاد واضطغنه أخذه تحت حضنه . و في بعض النسخ أصغيا بإنائنا، و هوأصوب . قال في النهاية في حديث الهرة أنّه كان يصغي لها الإناء .. أي يميله
صفحه : 392
ليسهل عليه الشّرب منه .فالمعني أنّهم سهّلوا لغيرهم أخذ حقّنا. و قال الجوهري أصغيت إلي فلان إذاملت بسمعك نحوه ، وأصغيت الإناء مثله يقال فلان مصغي إناؤه إذانقص حقّه،انتهي .فالمعني إنّهم نقصوا حقّنا، ولعلّ التعبير عن نقص الحقّ بذلك لأنّه إذاأميل الإناء لايمتلي. قوله عليه السلام واضطجعا .. لعلّه كناية عن ترصّدهما للإضرار حيلة وغيلة والانتهاز للفرصة في ذلك . قوله عليه السلام لذي الحلم .. قال الجوهري وقول الشاعر
وزعمت أنّا لاحلوم لنا | إنّ العصا قرعت لذي الحلم |
أي إنّ الحليم إذانبّه انتبه ، وأصله أنّ حكما من حكّام العرب عاش حتّي أُهتِرَ، فقال لابنته إذاأنكرتِ من فهمي شيئا عندالحكم فاقرعي لي المِجَنّ بالعصا لأرتدع ، قال المتلمّس لذي الحلم ... البيت . قوله عليه السلام ما قال هذا.. يمكن حمله علي أنّه صلّي اللّه عليه وآله لم يقل هذا علي وجه السؤال والاعتقاد،بل لتنزّل الآية ويظهر للناس حالهما، أو لم يكن غرضه صلّي اللّه عليه وآله أن يعزّ الدين بهما مع كفرهما ونفاقهما،بل مع إسلامهما واقعا،فأخبر اللّه تعالي بأنّهما لايسلمان أبدا، فلاينافي الأخبار السابقة.
صفحه : 393
قوله عليه السلام زنّاه .. أي قال إنّه ولد زنا، و إن كان يستعمل في المشهور فيمن نسب غيره إلي فعل الزنا.
166-مُهَجُ الدّعَوَاتِ عَنِ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ مَن دَعَا بِهَذَا الدّعَاءِ فِي سَجدَةِ الشّكرِ كَانَ كاَلراّميِ مَعَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي بَدرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَينٍ بِأَلفِ أَلفِ سَهمٍ.
167- وَ حَكَاهَا الكفَعمَيِّ فِي الجَنّةِ[الدّعَاءُ] أللّهُمّ العَنِ الّذَينِ بَدّلَا دِينَكَ، وَ غَيّرَا نِعمَتَكَ، وَ اتّهَمَا رَسُولَكَ(ص )، وَ خَالَفَا مِلّتَكَ، وَ صَدّا عَن سَبِيلِكَ، وَ كَفَرَا آلَاءَكَ، وَ رَدّا عَلَيكَ كَلَامَكَ، وَ استَهزَءَا بِرَسُولِكَ، وَ قَتَلَا ابنَ نَبِيّكَ، وَ حَرّفَا كِتَابَكَ، وَ جَحَدَا آيَاتِكَ، وَ استَكبَرَا عَن عِبَادَتِكَ، وَ قَتَلَا أَولِيَاءَكَ، وَ جَلَسَا فِي مَجلِسٍ لَم يَكُن لَهُمَا بِحَقّ، وَ حَمَلَا النّاسَ عَلَي أَكتَافِ آلِ مُحَمّدٍ عَلَيهِ وَ عَلَيهِمُ السّلَامُ، أللّهُمّ العَنهُمَا لَعناً يَتلُو بَعضُهُ بَعضاً، وَ احشُرهُمَا وَ أَتبَاعَهُمَا إِلَي جَهَنّمَ زُرقاً، أللّهُمّ إِنّا نَتَقَرّبُ إِلَيكَ بِاللّعنَةِ لَهُمَا وَ البَرَاءَةِ مِنهُمَا فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ، أللّهُمّ العَن قَتَلَةَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ قَتَلَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ بنِ بِنتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، أللّهُمّ زِدهُمَا عَذَاباً فَوقَ العَذَابِ، وَ هَوَاناً
صفحه : 394
فَوقَ هَوَانٍ، وَ ذُلّا فَوقَ ذُلّ، وَ خِزياً فَوقَ خزِيٍ، أللّهُمّ دُعّهُمَا إِلَي النّارِ دَعّاً، وَ اركُسهُمَا فِي أَلِيمِ عَذَابِكَ رَكساً، أللّهُمّ احشُرهُمَا وَ أَتبَاعَهُمَاإِلي جَهَنّمَ زُمَراً، أللّهُمّ فَرّق جَمعَهُم، وَ شَتّت أَمرَهُم، وَ خَالِف بَينَ كَلِمَتِهِم، وَ بَدّد جَمَاعَتَهُم، وَ العَن أَئِمّتَهُم، وَ اقتُل قَادَتَهُم وَ سَادَتَهُم، وَ العَن رُؤَسَاءَهُم وَ كُبَرَاءَهُم، وَ اكسِر رَايَتَهُم، وَ أَلقِ البَأسَ بَينَهُم، وَ لَا تُبقِ مِنهُم دَيّاراً، أللّهُمّ العَن أَبَا جَهلٍ وَ الوَلِيدَ لَعناً يَتلُو بَعضُهُ بَعضاً، وَ يَتبَعُ بَعضُهُ بَعضاً، أللّهُمّ العَنهُمَا لَعناً يَلعَنُهُمَا بِهِ كُلّ مَلَكٍ مُقَرّبٍ، وَ كُلّ نبَيِّ مُرسَلٍ، وَ كُلّ مُؤمِنٍ امتَحَنتَ قَلبَهُ لِلإِيمَانِ، أللّهُمّ العَنهُمَا لَعناً يَتَعَوّذُ مِنهُ أَهلُ النّارِ، وَ مِن عَذَابِهِمَا، أللّهُمّ العَنهُمَا لَعناً لَا يَخطُرُ لِأَحَدٍ بِبَالٍ، أللّهُمّ العَنهُمَا فِي مُستَسَرّ سِرّكَ وَ ظَاهِرِ عَلَانِيَتِكَ، وَ عَذّبهُمَا عَذَاباً فِي التّقدِيرِ وَ فَوقَ التّقدِيرِ، وَ شَارِك مَعَهُمَا ابنَتَيهِمَا وَ أَشيَاعَهُمَا وَ مُحِبّيهِمَا وَ مَن شَايَعَهُمَا.
أقول وَ دُعَاءُ صنَمَيَ قُرَيشٍ مَشهُورٌ بَينَ الشّيعَةِ، وَ رَوَاهُ الكفَعمَيِّ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ يَقنُتُ بِهِ فِي صَلَاتِهِ
، وسيأتي في كتاب الصلاة إن شاء اللّه، و هومشتمل علي جميع بدعهما، ووقع فيه الاهتمام والمبالغة في لعنهما بما لامزيد عليه .
168-كا عَنِ العِدّةِ، عَن أَحمَدَ البرَقيِّ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ حَمّادٍ،
صفحه : 395
عَن عَمرِو بنِ مُصعَبٍ، عَن فُرَاتِ بنِ الأَحنَفِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ مَهمَا تَرَكتَ مِن شَيءٍ فَلَا تَترُك أَن تَقُولَ فِي كُلّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ أللّهُمّ إنِيّ أَصبَحتُ .. إِلَي آخِرِ الدّعَاءِ، وَ فِيهِ أللّهُمّ العَنِ الفِرَقَ المُختَلِفَةَ عَلَي رَسُولِكَ وَ وُلَاةِ الأَمرِ بَعدَ رَسُولِكَ وَ الأَئِمّةِ مِن بَعدِهِ وَ شِيعَتِهِم، وَ أَسأَلُكَ .. إِلَي آخِرِ مَا سيَجَيِءُ فِي كِتَابِ الصّلَاةِ، وَ كَذَا الشّيخُ رَحِمَهُ اللّهُ وَ غَيرُهُ فِي كُتُبِهِم مُرسِلًا هَذَا الدّعَاءَ بِتَغيِيرٍ يَسِيرٍ.
169-مهج بِسَنَدِهِ ألّذِي سيَجَيِءُ فِي كِتَابِ الصّلَاةِ، عَن أَبِي يَحيَي المادئني[المدَاَئنِيِّ] عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، أَنّهُ قَالَ مِن حَقّنَا عَلَي أَولِيَائِنَا وَ أَشيَاعِنَا أَن لَا يَنصَرِفَ الرّجُلُ مِن صَلَاتِهِ حَتّي يَدعُوَ بِهَذَا الدّعَاءِ، وَ هُوَ أللّهُمّ إنِيّ أَسأَلُكَ بِاسمِكَ العَظِيمِ أَن تصُلَيَّ عَلَي مُحَمّدٍ وَ آلِهِ الطّاهِرِينَ .. إِلَي قَولِهِ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ وَ ضَاعِف لَعنَتَكَ وَ بَأسَكَ وَ نَكَالَكَ وَ عَذَابَكَ عَلَي اللّذَينِ كَفَرَا نِعمَتَكَ، وَ خَوّنَا رَسُولَكَ، وَ اتّهَمَا نَبِيّكَ وَ بَايَنَاهُ، وَ حَلّا عَقدَهُ فِي وَصِيّتِهِ، وَ نَبَذَا عَهدَهُ فِي خَلِيفَتِهِ مِن بَعدِهِ، وَ ادّعَيَا مَقَامَهُ، وَ غَيّرَا أَحكَامَهُ، وَ بَدّلَا
صفحه : 396
سُنّتَهُ، وَ قَلَبَا[قَلّبَا]دِينَهُ، وَ صَغّرَا قَدرَ حُجَجِكَ، وَ بَدَءَا بِظُلمِهِم، وَ طَرّقَا طَرِيقَ الغَدرِ عَلَيهِم، وَ الخِلَافِ عَن أَمرِهِم، وَ القَتلِ لَهُم، وَ إِرهَاجِ الحُرُوبِ عَلَيهِم، وَ مَنَعَ[مَنَعَا]خَلِيفَتَكَ مِن سَدّ الثّلمِ، وَ تَقوِيمِ العِوَجِ، وَ تَثقِيفِ الأَوَدِ، وَ إِمضَاءِ الأَحكَامِ، وَ إِظهَارِ دِينِ الإِسلَامِ، وَ إِقَامَةِ حُدُودِ القُرآنِ. أللّهُمّ العَنهُمَا وَ ابنَتَيهِمَا وَ كُلّ مَن مَالَ مَيلَهُم وَ حَذَا حَذوَهُم، وَ سَلَكَ طَرِيقَتَهُم، وَ تَصَدّرَ بِبِدعَتِهِم لَعناً لَا يَخطُرُ عَلَي بَالٍ، وَ يَستَعِيذُ مِنهُ أَهلُ النّارِ، وَ العَنِ أللّهُمّ مَن دَانَ بِقَولِهِم، وَ اتّبَعَ أَمرَهُم، وَ دَعَا إِلَي وَلَايَتِهِم، وَ شَكّكَ[شَكّ] فِي كُفرِهِم مِنَ الأَوّلِينَ وَ الآخِرِينَ.
بيان في النهاية التّخوّن التّنقّص. و قال الجوهري رجل خائن .. وخوّنه نسبه إلي الخيانة. و في النهاية نبذت الشيّء أنبذه نبذا فهو منبوذ إذارميته وأبعدته . وقلبا دينه .. أي ردّا، أوبالتشديد،يقال رجل مقلّبا .. أي محتال .إرهاج الغبار إثارته .
صفحه : 397
والثّلمة الخلل في الحائط وغيره . وتثقيف الرّمح تسويتها. وأود اعوجّ.
170-يب بِإِسنَادِهِ عَنِ الحُسَينِ بنِ ثُوَيرٍ وَ أَبِي سَلَمَةَ السّرّاجِ،قَالَا سَمِعنَا أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ هُوَ يَلعَنُ فِي دُبُرِ كُلّ مَكتُوبَةٍ أَربَعَةً مِنَ الرّجَالِ وَ أَربَعاً مِنَ النّسَاءِ التيّميِّ وَ العدَوَيِّ وَ فُعلَانَ وَ مُعَاوِيَةَ .. وَ يُسَمّيهِم، وَ فُلَانَةَ وَ فُلَانَةَ وَ هِندَ وَ أُمّ الحَكَمِ أُختَ مُعَاوِيَةَ.
171-كَشفُ المَحَجّةِ،لِلسّيّدِ عَلِيّ بنِ طَاوُسٍ قَالَ بَعدَ مَا حَكَي خَبَرَ سَعدِ بنِ عَبدِ اللّهِ المُتَقَدّمَ المُشتَمِلَ عَلَي سَبَبِ إِسلَامِهِمَا وَ وَقَفتُ أَنَا فِي كِتَابِ دَانِيَالَ المُختَصَرِ مِن كِتَابِ المَلَاحِمِ مَا يَتَضَمّنُ أَنّ[فُلَاناً وَ فُلَاناً]كَانَا عَرَفَا مِن كِتَابِ دَانِيَالَ وَ كَانَ عِندَ اليَهُودِ حَدِيثُ مُلكِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ وَلَايَةِ رَجُلٍ مِن تَيمٍ وَ رَجُلٍ مِن عدَيِّ بَعدَهُ دُونَ وَصِيّهِ، وَ لَمّا رَأَيَا الصّفَةَ التّيِ كَانَ فِي الكِتَابِ فِي مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَبِعَاهُ وَ أَسلَمَا مَعَهُ طَلَباً لِلوَلَايَةِ التّيِ ذَكَرَهَا دَانِيَالُ فِي كِتَابِهِ.
صفحه : 398
172-يج عَن دَاوُدَ الرقّيّّ، قَالَ كُنتُ عِندَ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ المُفَضّلُ وَ أَبُو عَبدِ اللّهِ البلَخيِّ إِذ دَخَلَ عَلَينَا كَثِيرٌ النّوّاءُ، وَ قَالَ إِنّ أَبَا الخَطّابِ يَشتِمُ[فُلَاناً وَ فُلَاناً] وَ يُظهِرُ البَرَاءَةَ مِنهُمَا،فَالتَفَتَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي أَبِي الخَطّابِ وَ قَالَ يَا مُحَمّدُ مَا تَقُولُ. قَالَ كَذَبَ وَ اللّهِ، مَا قَد سَمِعَ قَطّ شَتمَهُمَا منِيّ. فَقَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ قَد حَلَفَ، وَ لَا يَحلِفُ كَاذِباً. فَقَالَ صَدَقَ، لَم أَسمَع أَنَا مِنهُ، وَ لَكِن حدَثّنَيِ الثّقَةُ بِهِ عَنهُ. قَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ الثّقَةَ لَا يُبَلّغُ ذَلِكَ، فَلَمّا خَرَجَ كَثِيرٌ النّوّاءُ قَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ أَمَا وَ اللّهِ لَئِن كَانَ أَبُو الخَطّابِ ذَكَرَ مَا قَالَ كَثِيرٌ لَقَد عَلِمَ مِن أَمرِهِم مَا لَم يَعلَمهُ كَثِيرٌ، وَ اللّهِ لَقَد جَلَسَا مَجلِسَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ غَصباً، فَلَا غَفَرَ اللّهُ لَهُمَا وَ لَا عَفَا عَنهُمَا.فَبُهِتَ أَبُو عَبدِ اللّهِ البلَخيِّ،فَنَظَرَ إِلَي الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ مُتَعَجّباً مِمّا قَالَ فِيهِمَا، فَقَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ أَنكَرتَ مَا سَمِعتَ فِيهِمَا. قَالَ كَانَ ذَلِكَ. فَقَالَ فَهَلّا الإِنكَارُ مِنكَ لَيلَةَ دَفَعَ إِلَيكَ فُلَانُ بنُ فُلَانٍ البلَخيِّ جَارِيَةَ فُلَانَةَ لِتَبِيعَهَا، فَلَمّا عَبَرتَ النّهَرَ افتَرَشتَهَا فِي أَصلِ شَجَرَةٍ. فَقَالَ البلَخيِّ قَد مَضَي وَ اللّهِ لِهَذَا الحَدِيثِ أَكثَرُ مِن عِشرِينَ سَنَةً، وَ لَقَد تُبتُ إِلَي اللّهِ مِن ذَلِكَ. فَقَالَ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ لَقَد تُبتَ وَ مَا تَابَ اللّهُ عَلَيكَ، وَ قَد غَضِبَ اللّهُ لِصَاحِبِ الجَارِيَةِ.
صفحه : 399
173-مصبا بِإِسنَادِهِ عَن عُقبَةَ بنِ خَالِدٍ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ فِي زِيَارَةِ عَاشُورَاءَ أللّهُمّ خُصّ أَنتَ أَوّلَ ظَالِمٍ بِاللّعنِ منِيّ وَ ابدَأ بِهِ أَوّلًا ثُمّ الثاّنيَِ ثُمّ الثّالِثَ ثُمّ الرّابِعَ، أللّهُمّ العَن يَزِيدَ بنَ مُعَاوِيَةَ خَامِساً .. إِلَي آخِرِ الزّيَارَةِ.
والزيارات مشحونة بأمثال ذلك كماسيأتي في المجلد الثاني والعشرين .
أقول الأخبار الدالّة علي كفر[فلان وفلان ] وأضرابهما وثواب لعنهم والبراءة منهم ، و مايتضمّن بدعهم أكثر من أن يذكر في هذاالمجلد أو في مجلدات شتّي، وفيما أوردنا كفاية لمن أراد اللّه هدايته إلي الصراط المستقيم .
تذنيب وتتميم اعلم ، أنّ طائفة من أهل الخلاف لمّا رأوا أنّ إنكار أهل البيت عليهم السلام علي أئمّتهم ومشايخهم حجّة قاطعة علي بطلانهم ، و لم يقدروا علي القدح في أهل البيت صلوات اللّه عليهم وردّ أخبارهم لماتواتر بينهم من فضائلهم و مانزل في الكتاب الكريم من تفضيلهم ومدحهم ، حتي صار وجوب مودّتهم وفرض ولايتهم من الضروريّات في دين الإسلام اضطرّوا إلي القول بأنّهم عليهم السلام لم يقدحوا في الخلفاء و لم يذكروهم إلّا بحسن الثناء كماذكره التفتازاني في شرح المقاصد. وربما تمسّكوا بأخبار شاذّة موضوعة رووها عن النواصب ، و لايخفي علي من له أدني مسكة من العقل أنّه لايصلح أمثال تلك الروايات المعدودة الشاذّة مع ظهور التقيّة فيهالمعارضة ماتواتر عنهم عليهم السلام وروتها خواصّ أصحابهم وبطانتهم ، و لايمكن صدور مثلها إلّا عن صميم القلب بدون الخوف
صفحه : 400
والتقيّة، و أيّ ضرورة في أن ينسبوا إلي أئمّتهم في زمان الخوف والتقيّة مايصير سببا لتضرّرهم من المخالفين ، ولتضاعف خوفهم ، ووقوع الجرائم والقتل والنهب عليهم و لم لم يمنعهم أئمّتهم من تدوين أمثال ذلك في كتبهم في مدّة مديدة تزيد علي ثلاثمائة سنة، وأكثر تلك الكتب قددوّنت في زمانهم و لم يتبرّوا منهم كماتبرّوا من الغلاة كأبي الخطاب وأضرابه وهل هذامثل أن يقال لم ير أحد من أصحاب الأئمّة الذين دوّنوا أسماءهم في رجال الشيعة أحدا من الأئمّة عليهم السلام و لم يسمعوا منه شيئا بل كانوا يفترون عليهم أويقال لم يكن جماعة موسومون بتلك الأسامي،بل وضعت الشيعة تلك الأسامي من غيرأصل وتقول اليهود والنصاري لم يبعث رجل مسمّي بمحمّد بأمثال تلك الخرافات . وبالجملة، لاريب في أنّ مذاهب الناس وعقائدهم إنّما يؤخذ من خواصّهم وأحبّائهم دون المنحرفين عنهم والمنخرطين في سلك أعدائهم ، و هذا من أجلي الواضحات . ولعمري كيف لايكذّبون أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأضرابهم فيما ينسبون إليهم ، ويكذبون أصحاب أئمّتنا عليهم السلام في ذلك . وأعجب من ذلك أنّهم يعتمدون علي أصولهم المشحونة بالأباطيل والأكاذيب المرويّة عن جماعة من المنافقين ظهر علي الناس فسقهم وكذبهم ، و لايلتفتون إلي مايرويه أفاضل الشيعة في أصولهم مع كونهم معروفين بين الفريقين بالورع والزهد والصدق والديانة وهل هذا إلالمحض العصبيّة والعناد. فَقَد رَوَي مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ،بِإِسنَادِهِ عَن عَمرِو بنِ العَاصِ، قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جِهَاراً غَيرَ سِرّ يَقُولُ أَلَا إِنّ آلَ أَبِي طَالِبٍ لَيسُوا لِي أَولِيَاءَ، وَ إِنّمَا ولَيِيَّ اللّهُ وَ صَالِحُ المُؤمِنِينَ.
صفحه : 401
و قدحكي ابن أبي الحديد، عن أبي جعفرالإسكافي و هو من مشايخ المعتزلة كلاما في المنحرفين عن عليّ عليه السلام والمبغضين له . وعدّ منهم عمرو بن العاص ،فروي الحديث ألذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما مسندا متّصلا بعمرو بن العاص ، وذكر الحديث ،فيظهر من كلامه الاعتراف بوجود الخبر في صحيح البخاري أيضا. ثم لمّا رأي بعض العامّة شناعة تلك الرواية غيّروا في كثير من النسخ لفظ أبي طالب بلفظ أبي فلان .
وَ رَوَي مُسلِمٌ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَا تَكتُبُوا عنَيّ غَيرَ القُرآنِ وَ مَن كَتَبَ عنَيّ غَيرَ القُرآنِ فَليُمحِهِ، وَ حَدّثُوا عنَيّ وَ لَا حَرَجَ، وَ مَن كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّداً فَليَتَبَوّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ.
و لاريب في أنّ تحريم الكتابة عن الرسول صلّي اللّه عليه وآله باطل باتّفاق أهل الإسلام .
وَ نَقَلَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ أَيضاً، عَنِ الإسِكاَفيِّ أَنّ مُعَاوِيَةَ وَضَعَ قَوماً مِنَ الصّحَابَةِ وَ قَوماً مِنَ التّابِعِينَ عَلَي رِوَايَةِ أَخبَارٍ قَبِيحَةٍ فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،يقَتضَيِ الطّعنَ فِيهِ وِ البَرَاءَةَ مِنهُ، وَ جَعَلَ لَهُم جُعلًا يُرغَبُ فِي مِثلِهِ،فَاختَلَقُوا مَا أَرضَاهُ،مِنهُم أَبُو هُرَيرَةَ، وَ عَمرُو بنُ العَاصِ، وَ المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ، وَ مِنَ التّابِعِينَ عُروَةُ بنُ الزّبَيرِ.
صفحه : 402
رَوَي الزهّريِّ، عَن عُروَةَ بنِ الزّبَيرِ، عَن عَائِشَةَ،قَالَت كُنتُ عِندَ رَسُولِ اللّهِ إِذ أَقبَلَ العَبّاسُ وَ عَلِيّ، فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنّ هَذَينِ يَمُوتَانِ عَلَي غَيرِ ملِتّيِ، أَو قَالَ ديِنيِ.
وَ رَوَي عَبدُ الرّزّاقِ، عَن مَعمَرٍ، قَالَ كَانَ عِندَ الزهّريِّ حَدِيثَانِ عَن عُروَةَ عَن عَائِشَةَ فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَسَأَلتُهُ عَنهُمَا يَوماً، فَقَالَ مَا تَصنَعُ بِهِمَا وَ بِحَدِيثِهِمَا اللّهُ أَعلَمُ بِهِمَا،إنِيّ لَأَتّهِمُهُمَا فِي بنَيِ هَاشِمٍ.
قال أمّا الحديث الأول فقد ذكرناه ، و
أَمّا الحَدِيثُ الثاّنيِ فَهُوَ أَنّ عُروَةَ زَعَمَ أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتهُ،قَالَت كُنتُ عِندَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِذ أَقبَلَ العَبّاسُ وَ عَلِيّ، فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِن سَرّكِ أَن تنَظرُيِ إِلَي رَجُلَينِ مِن أَهلِ النّارِ فاَنظرُيِ إِلَي هَذَينِ قَد طَلَعَا،فَنَظَرتُ فَإِذَا العَبّاسُ وَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ.انتَهَي.
و مع وجود أمثال تلك الروايات في أصولهم الفاسدة يعتمدون عليها اعتمادهم علي القرآن ، ويفرّون من روايات الشيعة المتديّنين البررةكَأَنّهُم حُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ فَرّت مِن قَسوَرَةٍ، و أيّ نصّ قاطع دلّ علي انحصار المحدّثين ورواة الأخبار في البخاري ومسلم و من يحذو حذوهما في التعصّب وإخفاء الحقّ وطرح مايخالف أهواءهم من الأخبار، كمايظهر للفطن البصير ممّا حكاه ابن الأثير، قال قال البخاري أخرجت كتابي الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث . و قال مسلم صنّفت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
صفحه : 403
و قال أبوداود كتبت عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ]خمسمائة ألف حديث ،انتخبت منها ماضمّنته هذاالكتاب يعني كتاب السنن أربعة آلاف حديث وثمانمائة. وإنّما تأخذ الشيعة أخبار دينهم عمّن تعلّق بالعروة الوثقي التّي هي متابعة أهل بيت النبوّة الذين شهد اللّه لهم بالتطهير، ونصّ عليهم الرسول صلّي اللّه عليه وآله بأنّهم سفينة النجاة، و لايأخذون شطر دينهم عن امرأة ناقصة العقل والدين مبغضة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وشطره الآخر عن أبي هريرة الدوسي الكذّاب المدنيّ، وأنس بن مالك ألذي فضحه اللّه بكتمان الحقّ وضربه ببياض لاتغطّيه العمامة ومعاوية، وعمرو بن العاص ، وزياد المعروفين عندالفريقين بخبث المولد وبغض من أخبر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله الأمين بأنّ بغضه آية النفاق .. وأضراب هؤلاء،لكنّ التعصّب أسدل أغطية الغيّ والضلال علي أبصارهم إلي يوم النشور،وَ مَن لَم يَجعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِن نُورٍ.
صفحه : 405
1-ج سُلَيمُ بنُ قَيسٍ الهلِاَليِّ، عَن سَلمَانَ الفاَرسِيِّ، قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي يَومِ بَيعَةِ أَبِي بَكرٍ لَستُ بِقَائِلٍ غَيرَ شَيءٍ وَاحِدٍ أُذَكّرُكُم بِاللّهِ أَيّهَا الأَربَعَةُ يعَنيِنيِ وَ الزّبَيرَ وَ أَبَا ذَرّ وَ المِقدَادَ أَ سَمِعتُم رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ إِنّ تَابُوتاً مِن نَارٍ فِيهِ اثنَا عَشَرَ رَجُلًا،سِتّةٌ مِنَ الأَوّلِينَ وَ سِتّةٌ مِنَ الآخِرِينَ فِي جُبّ فِي قَعرِ جَهَنّمَ فِي تَابُوتٍ مُقَفّلٍ، عَلَي ذَلِكَ الجُبّ صَخرَةٌ إِذَا أَرَادَ اللّهُ أَن يُسَعّرَ جَهَنّمَ كَشَفَ تِلكَ الصّخرَةَ عَن ذَلِكَ الجُبّ فَاستَعَاذَت جَهَنّمُ مِن وَهَجِ ذَلِكَ الجُبّ،فَسَأَلنَاهُ عَنهُم وَ أَنتُم شُهُودٌ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَمّا الأَوّلُونَ فَابنُ آدَمَ ألّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرعَونُ الفَرَاعِنَةِ، وَألّذِي حَاجّ اِبراهِيمَ فِي رَبّهِ، وَ رَجُلَانِ مِن بنَيِ إِسرَائِيلَ بَدّلَا كِتَابَهُمَا وَ غَيّرَا سُنّتَهُمَا، أَمّا أَحَدُهُمَا فَهَوّدَ
صفحه : 406
اليَهُودَ، وَ الآخَرُ نَصّرَ النّصَارَي، وَ إِبلِيسُ سَادِسُهُم، وَ الدّجّالُ فِي الآخِرِينَ، وَ هَؤُلَاءِ الخَمسَةُ أَصحَابُ الصّحِيفَةِ الّذِينَ تَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلَي عَدَاوَتِكَ يَا أخَيِ، وَ التّظَاهُرِ عَلَيكَ بعَديِ هَذَا .. وَ هَذَا حَتّي عَدّدَهُم وَ سَمّاهُم. فَقَالَ سَلمَانُ فَقُلنَا صَدَقتَ نَشهَدُ أَنّا سَمِعنَا ذَلِكَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.
2- كِتَابُ سُلَيمٍ مِثلُهُ، وَ قَد مَرّ.
3-فس قُل أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ، قَالَ الفَلَقُ جُبّ فِي جَهَنّمَ يَتَعَوّذُ أَهلُ النّارِ مِن شِدّةِ حَرّهِ،سَأَلَ اللّهَ أَن يَأذَنَ لَهُ أَن يَتَنَفّسَ فَأَذِنَ لَهُ،فَتَنَفّسَ فَأَحرَقَ جَهَنّمَ. قَالَ وَ فِي ذَلِكَ الجُبّ صُندُوقٌ مِن نَارٍ يَتَعَوّذُ أَهلُ تِلكَ الجُبّ مِن حَرّ ذَلِكَ الصّندُوقِ، وَ هُوَ التّابُوتُ، وَ فِي ذَلِكَ التّابُوتِ سِتّةٌ مِنَ الأَوّلِينَ وَ سِتّةٌ مِنَ الآخِرِينَ،فَأَمّا السّتّةُ مِنَ الأَوّلِينَ فَابنُ آدَمَ ألّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرعَونُ اِبرَاهِيمَ ألّذِي أَلقَي اِبرَاهِيمَ فِي النّارِ، وَ فِرعَونُ مُوسَي، وَ الساّمرِيِّ ألّذِي اتّخَذَ العِجلَ، وَ ألّذِي هَوّدَ اليَهُودَ، وَ ألّذِي نَصّرَ النّصَارَي، وَ أَمّا السّتَةُ مِنَ الآخِرِينَ
صفحه : 407
فَهُوَ الأَوّلُ وَ الثاّنيِ وَ الثّالِثُ وَ الرّابِعُ وَ صَاحِبُ الخَوَارِجِ وَ ابنُ مُلجَمٍ.وَ مِن شَرّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ، قَالَ ألّذِي يُلقَي فِي الجُبّ يَقِبُ فِيهِ.
4-ثو ابنُ الوَلِيدِ، عَنِ الصّفّارِ، عَن عَبّادِ بنِ سُلَيمَانَ، عَن مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ الديّلمَيِّ، عَن أَبِيهِ، عَن إِسحَاقَ بنِ عَمّارٍ، عَن مُوسَي بنِ جَعفَرٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ،حدَثّنيِ فِيهِمَا بِحَدِيثٍ،فَقَد سَمِعتُ مِن أَبِيكَ فِيهِمَا بِأَحَادِيثَ عِدّةٍ. قَالَ فَقَالَ لِي يَا إِسحَاقُ الأَوّلُ بِمَنزِلَةِ العِجلِ، وَ الثاّنيِ بِمَنزِلَةِ الساّمرِيِّ. قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ،زدِنيِ فِيهِمَا. قَالَ هُمَا وَ اللّهِ نَصّرَا وَ هَوّدَا وَ مَجّسَا، فَلَا غَفَرَ اللّهُ ذَلِكَ لَهُمَا. قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ،زدِنيِ فِيهِمَا. قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يَنظُرُ اللّهُ إِلَيهِموَ لا يُزَكّيهِم وَ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ. قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ،فَمَن هُم. قَالَ رَجُلٌ ادّعَي إِمَاماً مِن غَيرِ اللّهِ، وَ آخَرُ طَعَنَ فِي إِمَامٍ مِنَ اللّهِ، وَ آخَرُ زَعَمَ أَنّ لَهُمَا فِي الإِسلَامِ نَصِيباً. قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ،زدِنيِ فِيهِمَا. قَالَ مَا أبُاَليِ يَا إِسحَاقُ مَحَوتُ المُحكَمَ مِن كِتَابِ اللّهِ أَو جَحَدتُ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ النّبُوّةَ أَو
صفحه : 408
زَعَمتُ أَن لَيسَ فِي السّمَاءِ إِلَهٌ، أَو تَقَدّمتُ عَلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ،زدِنيِ. قَالَ فَقَالَ لِي يَا إِسحَاقُ إِنّ فِي النّارِ لَوَادِياً يُقَالُ لَهُ سَقَرُ لَم يَتَنَفّس مُنذُ خَلَقَهُ اللّهُ، لَو أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ لَهُ فِي التّنَفّسِ بِقَدرِ مَخِيطٍ لَأَحرَقَ مَا عَلَي وَجهِ الأَرضِ، وَ إِنّ أَهلَ النّارِ لَيَتَعَوّذُونَ مِن حَرّ ذَلِكَ الواَديِ وَ نَتنِهِ وَ قَذَرِهِ، وَ مَا أَعَدّ اللّهُ فِيهِ لِأَهلِهِ، وَ إِنّ فِي ذَلِكَ الواَديِ لَجَبَلًا يَتَعَوّذُ جَمِيعُ أَهلِ ذَلِكَ الواَديِ مِن حَرّ ذَلِكَ الجَبَلِ وَ نَتنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدّ اللّهُ فِيهِ لِأَهلِهِ مِنَ العَذَابِ، وَ إِنّ فِي ذَلِكَ الجَبَلِ لَشِعباً يَتَعَوّذُ جَمِيعُ أَهلِ ذَلِكَ الجَبَلِ مِن حَرّ ذَلِكَ الشّعبِ وَ نَتنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدّ اللّهُ فِيهِ لِأَهلِهِ، وَ إِنّ فِي ذَلِكَ الشّعبِ لقليب [لَقَلِيباً]يَتَعَوّذُ جَمِيعُ أَهلِ ذَلِكَ الشّعبِ مِن حَرّ ذَلِكَ القَلِيبِ وَ نَتنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدّ اللّهُ فِيهِ لِأَهلِهِ، وَ إِنّ فِي ذَلِكَ القَلِيبِ لَحَيّةً يَتَعَوّذُ أَهلُ ذَلِكَ القَلِيبِ مِن خُبثِ تِلكَ الحَيّةِ وَ نَتنِهَا وَ قَذَرِهَا وَ مَا أَعَدّ اللّهُ فِي أَنيَابِهَا مِنَ السّمّ لِأَهلِهَا، وَ إِنّ فِي جَوفِ تِلكَ الحَيّةِ لَسَبعَةَ صَنَادِيقَ فِيهَا خَمسَةٌ مِنَ الأُمَمِ السّالِفَةِ، وَ اثنَانِ مِن هَذِهِ الأُمّةِ. قَالَ قُلتُ جُعِلتُ فِدَاكَ، وَ مَنِ الخَمسَةُ وَ مَنِ الِاثنَانُ. قَالَ فَأَمّا الخَمسَةُ فَقَابِيلُ ألّذِي قَتَلَ هَابِيلَ، وَ نُمرُودُألّذِي حَاجّ اِبراهِيمَ فِي رَبّهِ، فَقَالَأَنَا أحُييِ وَ أُمِيتُ، وَ فِرعَونُ ألّذِي قَالَأَنَا رَبّكُمُ الأَعلي وَ يَهُودُ ألّذِي
صفحه : 409
هَوّدَ اليَهُودَ، وَ بُولَسُ ألّذِي نَصّرَ النّصَارَي، وَ مِن هَذِهِ الأُمّةِ أَعرَابِيّانِ.
5-ل بِهَذَا الإِسنَادِ مِن قَولِهِ يَا إِسحَاقُ إِنّ فِي النّارِ لَوَادِياً .. إِلَي آخِرِ الخَبَرِ.
بيان الأعرابيان الأول والثاني اللّذان لم يؤمنا باللّه طرفة عين .
6-ل أَبِي، عَن سَعدٍ، عَنِ ابنِ أَبِي الخَطّابِ، عَنِ الحَكَمِ بنِ مِسكِينٍ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ سَيَابَةَ، عَن جُعَيدِ هَمدَانَ، قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ فِي التّابُوتِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ سِتّةً مِنَ الأَوّلِينَ وَ سِتّةً مِنَ الآخِرِينَ،فَأَمّا السّتّةُ مِنَ الأَوّلِينَ فَابنُ آدَمَ ألّذِي قَاتَلَ أَخِيهِ، وَ فِرعَونُ الفَرَاعِنَةِ، وَ الساّمرِيِّ، وَ الدّجّالُ،كِتَابُهُ فِي الأَوّلِينَ، وَ يَخرُجُ فِي الآخِرِينَ وَ هَامَانُ، وَ قَارُونُ، وَ السّتّةُ مِنَ الآخِرِينَ فَنَعثَلُ، وَ مُعَاوِيَةُ، وَ عَمرُو بنُ العَاصِ، وَ أَبُو مُوسَي الأشَعرَيِّ .. وَ نسَيَِ المُحَدّثُ اثنَينِ.
بيان المنسيان الأعرابيان الأوّلان بشهادة ماتقدّم و ماسيأتي.
صفحه : 410
7-ثو ابنُ الوَلِيدِ، عَنِ الصّفّارِ، عَنِ ابنِ مَعرُوفٍ، عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ، عَن حَنَانِ بنِ سَدِيرٍ، قَالَ حدَثّنَيِ رَجُلٌ مِن أَصحَابِ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ سَمِعتُهُ يَقُولُ إِنّ أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَومَ القِيَامَةِ لَسَبعَةُ نَفَرٍ أَوّلُهُمُ ابنُ آدَمَ ألّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَ نُمرُودُألّذِي حَاجّ اِبراهِيمَ عَلَيهِ السّلَامُفِي رَبّهِ، وَ اثنَانِ فِي بنَيِ إِسرَائِيلَ هَوّدَا قَومَهُمَا وَ نَصّرَاهُمَا، وَ فِرعَونُ ألّذِي قَالَأَنَا رَبّكُمُ الأَعلي، وَ اثنَانِ مِن هَذِهِ الأُمّةِ أَحَدُهُمَا شَرّهُمَا فِي تَابُوتٍ مِن قَوَارِيرَ تَحتَ الفَلَقِ فِي بِحَارٍ مِن نَارٍ.
8- كِتَابُ الإِستِدرَاكِ بِإِسنَادِهِ إِلَي الأَعمَشِ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن آبَائِهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِجَهَنّمَ سَبعَةُ أَبوَابٍ وَ هيَِ الأَركَانُ لِسَبعَةِ فَرَاعِنَةَ نُمرُودُ بنُ كَنعَانَ فِرعَونُ الخَلِيلِ، وَ مُصعَبُ بنُ الوَلِيدِ فِرعَونُ مُوسَي، وَ أَبُو جَهلِ بنُ هِشَامٍ، وَ الأَوّلُ، وَ الثاّنيِ، وَ يَزِيدُ قَاتِلُ ولَدَيِ، وَ رَجُلٌ مِن وُلدِ العَبّاسِ يُلَقّبُ باِلدوّاَنيِقيِّ اسمُهُ المَنصُورُ.
أقول سيأتي في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام علي الزبير مايناسب الباب .
صفحه : 411
مَا ذَكَرَهُ أَصحَابُنَا رِضوَانُ اللّهِ عَلَيهِم أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يُوَلّ أَبَا بَكرٍ شَيئاً مِنَ الأَعمَالِ مَعَ أَنّهُ كَانَ يُوَلّيهَا غَيرَهُ، وَ لَمّا أَنفَذَهُ لِأَدَاءِ سُورَةِ بَرَاءَةَ إِلَي أَهلِ مَكّةَ عَزَلَهُ وَ بَعَثَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لِيَأخُذَهَا مِنهُ وَ يَقرَأَهَا عَلَي النّاسِ، وَ لَمّا رَجَعَ أَبُو بَكرٍ إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُ لَا يؤُدَيّ عنَيّ إِلّا أَنَا أَو رَجُلٌ منِيّ.
فمن لم يصلح لأداء سورة واحدة إلي أهل بلدة كيف يصلح للرئاسة العامّة المتضمّنة لأداء جميع الأحكام إلي عموم الرعايا في سائر البلاد وسيأتي الروايات الواردة في ذلك مع الكلام فيها علي وجه يناسب الكتاب في المجلد التاسع في باب
صفحه : 412
مفرد. و ماأجابوا به من أنّه صلّي اللّه عليه وآله ولّاه الصلاة بالناس ،فقد تقدّم القول فيه مفصّلا. و ماذكره قاضي القضاة في المغني من أنّه لوسلّم أنّه لم يولّه لمادلّ ذلك علي نقص و لا علي أنّه لايصلح للإمارة والإمامة،بل لوقيل إنّه لم يولّه لحاجته إليه بحضرته و إنّ ذلك رفعة له لكان أقرب ،سيّما و قدروي عنه صلّي اللّه عليه وآله مايدلّ علي أنّهما وزيراه ،فكان عليه السلام محتاجا إليهما و إلي رأيهما. وأجاب السيّد رضي اللّه عنه في الشافي بأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لم يكن يستشير أحدا لحاجة منه إلي رأيه وفقر إلي تعليمه وتوقيفه ،لأنّه عليه وآله السلام ،الكامل الراجح المعصوم المؤيّد بالملائكة، وإنّما كانت مشاورته أصحابه ليعلّمهم كيف يعملون في أمورهم ، و قدقيل يستخرج بذلك دخائلهم وضمائرهم . و بعد،فكيف استمرّت هذه الحاجة واتّصلت منه إليهما حتّي لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيولّيهما وهل هذا إلّا قدح في رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ونسبة له إلي أنّه كان ممّن يحتاج إلي أن يلقّن ويوقف علي كلّ شيء، و قدنزّهه اللّه تعالي عن ذلك .
صفحه : 413
فأمّا ادّعاؤه أنّ الرواية وردت بأنّهما وزيراه ،فقد كان يجب أن يصحّح ذلك قبل أن يعتمده ويحتجّ به ، فإذاندفعه عنه أشدّ دفع .انتهي كلامه قدّس سرّه.
وَ أَقُولُ الرّوَايَةُ التّيِ أَشَارَ إِلَيهَا القاَضيِ هيَِ مَا رَوَاهَا فِي المِشكَاةِ، عَنِ الترّمذِيِّ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ قَالَ مَا مِن نبَيِّ إِلّا وَ لَهُ وَزِيرَانِ مِن أَهلِ السّمَاءِ، وَ وَزِيرَانِ مِن أَهلِ الأَرضِ،فَأَمّا وزَيِراَيَ مِن أَهلِ السّمَاءِ فَجَبرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ، وَ أَمّا وزَيِراَيَ مِن أَهلِ الأَرضِ فَأَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ.
و لايخفي أنّه خبر واحد من طريق الخصم لاحجّة فيه ، ووضع الحديث عادة قديمة، و قدقدّمنا الأخبار في ذلك . وحكي في جامع الأصول أنّ بعض أهل الضلال كان يقول بعد مارجع عن ضلالته انظروا إلي هذه الأحاديث عمّن تأخذونها،فإنّا كنّا إذ رأينا
صفحه : 414
رأيا وضعنا له حديثا. و قدصنّف جماعة من العلماء كتبا في الأحاديث الموضوعة.
وَ حكُيَِ عَنِ الصغّاَنيِّ مِن عُلَمَاءِ المُخَالِفِينَ أَنّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الدّرّ المُلتَقِطِ وَ مِنَ المَوضُوعَاتِ مَا زَعَمُوا أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ قَالَ إِنّ اللّهَ يَتَجَلّي لِلخَلَائِقِ يَومَ القِيَامَةِ عَامّةً، وَ يَتَجَلّي لَكَ يَا أَبَا بَكرٍ خَاصّةً، وَ أَنّهُ قَالَ حدَثّنَيِ جَبرَئِيلُ أَنّ اللّهَ تَعَالَي لَمّا خَلَقَ الأَروَاحَ اختَارَ رُوحَ أَبِي بَكرٍ مِنَ الأَروَاحِ.
ثم قال الصنعانيّ[الصغّاَنيِّ] و أناأنتسب إلي عمر بن الخطاب وأقول فيه الحقّ
لِقَولِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ قُولُوا الحَقّوَ لَو عَلي أَنفُسِكُم أَوِ الوالِدَينِ وَ الأَقرَبِينَ.
فمن الموضوعات ماروي أَنّ أَوّلَ مَن يُعطَي كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، وَ لَهُ شُعَاعٌ كِشُعَاعِ الشّمسِ.قِيلَ فَأَينَ أَبُو بَكرٍ. قَالَ سَرَقَتهُ المَلَائِكَةُ. ومنها مَن سَبّ أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ قُتِلَ، وَ مَن سَبّ عُثمَانَ وَ عَلِيّاً جُلِدَ الحَدّ .. إلي غير ذلك من الأخبار المختلفة[المختلقة]. و من الموضوعات زُر غِبّاً تَزدَد حُبّاً.
صفحه : 415
النّظَرُ إِلَي الخُضرَةِ تَزِيدُ فِي البَصَرِ. مَن قَادَ أَعمَي أَربَعِينَ خُطوَةً غَفَرَ اللّهُ لَهُ.العِلمُ عِلمَانِ عِلمُ الأَديَانِ، وَ عِلمُ الأَبدَانِ.انتهي . وعدّ من الأحاديث الموضوعة الجَنّةُ دَارُ الأَسخِيَاءِ.طَاعَةُ النّسَاءِ نَدَامَةٌ.دفن البنات من المكرمات .اطلُبِ الخَيرَ عِندَ حِسَانِ الوُجُوهِ. لَا هَمّ إِلّا هَمّ الدّينِ وَ لَا وَجَعَ إِلّا وَجَعُ العَينِ.
صفحه : 416
المَوتُ كَفّارَةٌ لِكُلّ مُسلِمٍ. إِنّ التّجّارَ هُمُ الفُجّارُ .. إلي غير ذلك ممّا يطول ذكره . وبالجملة، قدعرفت مرارا أنّ الاحتجاج في مثل هذاإنّما يكون بالأخبار المتواترة أوالمتّفق عليه بين الفريقين لا ماذكره آحاد أحد الجانبين . ثم إنّ صاحب المغني ادّعي أنّ ولاية أبي بكر علي الموسم والحجّ قدثبت بلا خلاف بين أهل الأخبار، و لم يصحّ أنّه عزله ، و لايدلّ رجوع أبي بكر إلي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله مستفهما عن القصّة علي العزل ، ثم جعل إنكار من أنكر حجّ أبي بكر بالناس في هذه السنة كإنكار عبّاد بن سليمان وطبقته وأخذ أمير المؤمنين عليه السلام سورة براءة من أبي بكر.أقول
رَوَي ابنُ الأَثِيرِ فِي جَامِعِ الأُصُولِ بِإِسنَادِهِ عَن أَنَسٍ، قَالَ بَعَثَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بِبَرَاءَةَ مَعَ أَبِي بَكرٍ، ثُمّ دَعَاهُ فَقَالَ لَا ينَبغَيِ أَن يُبَلّغَ عنَيّ إِلّا رَجُلٌ مِن أَهلِ بيَتيِ. وَ زَادَ رَزِينٌ ثُمّ اتّفَقَا فَانطَلَقَا.
و هذايشعر بأنّه لم يثبت عنده مسير أبي بكر إلي مكة.
صفحه : 417
وَ رَوَي الطبّرسِيِّ رَحِمَهُ اللّهُ فِي مَجمَعِ البَيَانِ، عَن عُروَةَ بنِ الزّبَيرِ وَ أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ وَ أَبِي هُرَيرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَخَذَهَا مِن أَبِي بَكرٍ قَبلَ الخُرُوجِ وَ دَفَعَهَا إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ قَالَ لَا يُبَلّغُ عنَيّ إِلّا أَنَا أَو رَجُلٌ منِيّ.
وَ قَالَ وَ رَوَي أَصحَابُنَا أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَلّاهُ أَيضاً المَوسِمَ، وَ أَنّهُ حِينَ أَخَذَ البَرَاءَةَ مِن أَبِي بَكرٍ رَجَعَ أَبُو بَكرٍ.
وستعرف أنّ أكثر أخبارهم خالية عن ذكر حجّ أبي بكر وعوده إلي الموسم ، وكذا الأخبار الواردة من طرق أهل البيت عليهم السلام ،فاستعظامه ذلك ممّا لاوجه له ،بخلاف قول عبّاد بن سليمان لظهور شناعته . و قال السيّد رضي اللّه عنه لوسلّمنا أنّ ولاية الموسم لم تنسخ لكان الكلام باقيا،لأنّه إذا كان ماولي مع تطاول الأزمان إلّا هذه الولاية ثم سلب شطرها والأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلّا تنبيها علي ماذكرنا.
صفحه : 418
ثم إنّ إمامهم الرازي ترقّي في التعصّب في هذه [ هذا]الباب حتّي قال قيل قرّر أبابكر علي الموسم وبعث عليّا عليه السلام خليفة لتبليغ هذه الرسالة حتّي يصليّ خلف أبي بكر و يكون ذلك جاريا مجري تنبيه علي إمامة أبي بكر، و اللّه أعلم . قال وقرّر الجاحظ هذاالمعني ، فقال إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم بعث أبابكر أميرا علي الحاجّ وولّاه الموسم ، وبعث عليّا يقرأ علي الناس آيات من سورة براءة،فكان أبوبكر الإمام و عليّ المؤتمّ، و كان أبوبكر الخطيب و عليّ المستمع ، و كان أبوبكر الرافع بالموسم والسائق لهم ، والآمر لهم و لم يكن ذلك لعليّ عليه السلام .انتهي . وأقول الطعن في هذاالكلام من وجوه الأوّل أنّ بقاء أبي بكر علي إمارة الموسم ممنوع ، كمامرّ وسيأتي.الثاني أنّ الإمارة علي من جعله الرسول صلّي اللّه عليه وآله من أهل الموسم بنفسها لايقتضي صلاتهم خلف الأمير،فضلا عن اقتضائه فيمن لم يكن من أهل الموسم وبعثه الرسول صلّي اللّه عليه وآله أخيرا لتبليغ الآيات من اللّه سبحانه و من رسوله صلّي اللّه عليه وآله ، وخلوّ الأخبار من الصلاة ممّا لاسترة فيه .الثالث أنّ تقرير أبي بكر علي الموسم لودلّ علي الأمر بالصلاة خلفه لم يثبت له فضيلة علي مازعموه من جواز الصلاة خلف كلّ برّ وفاجر.
صفحه : 419
الرابع أنّ تفصيل إمارة الحاجّ علي قراءة الآيات علي الناس كمايشعر به كلام بعضهم باطل ،إذ قراءة الآيات علي الناس من المناصب الخاصّة بالرسول صلّي اللّه عليه وآله أو من كان منه ، كمايدلّ عليه لفظ أخبار المخالف والمؤالف ،حيث قال صلّي اللّه عليه وآله لَا يؤُدَيّ عنَيّ إِلّا أَنَا أَو رَجُلٌ منِيّ. و أمّا إمارة الحاجّ فيتولّاها كلّ برّ وفاجر، و ليس من شروطها إلّا نوع من الاطّلاع علي ما هوالأصلح في سوق الإبل والبهائم ومعرفة المياه والتجنّب عن مواضع اللصوص .. ونحو ذلك ، والفرق بين الأمرين غيرخفيّ علي عاقل لم يذهب التعصّب به مذاهب التعسّف.الخامس أنّ قوله فكان أبوبكر الإمام و عليّ المؤتمّ .. إن أراد به إمامة الصلاة فقد عرفت ما فيه ، و إن أراد الإمامة في الحجّ،فالحجّ بنفسه ممّا لايجري فيه الإمامة، و إن أراد كونه إماما من حيث إمارته علي الموسم فلانسلّم أنّ عليّا عليه السلام كان من المؤتمّين به ، ومجرّد الرفاقة لاإمامة فيها، مع أنّ عود أبي بكر إلي الحجّ بعدرجوعه في محلّ المنع ، وبقاءه علي الإمارة بعدتسليمه كذلك ، كما
صفحه : 420
عرفت .السادس أنّ إمارة الحاجّ لاتستلزم خطابة حتّي يلزم استماع المأمورين فضلا عن استماع من بعث لقراءة الآيات علي مشركي مكة.السابع لو كان غرضُ الرسول صلّي اللّه عليه وآله بيانَ فضل أبي بكر وعلوّ درجته حيث جعله سائقا لأهل الموسم ورافعا لهم لكان الأنسبَ أن يجعل عليّا عليه السلام من المأمورين بأمره أوّلا، أويبعثه أخيرا ويأمره بإطاعة أمره والانقياد له ، لا أن يقول له خذ البراءة منه حتّي يفزع الأمير ويرجع إليه صلّي اللّه عليه وآله خائفا ذعرا من أن يكون نزل فيه ما يكون سببا لفضيحته و...، كمايدلّ عليه قوله أنزل فيّ شيء وجوابه صلّي اللّه عليه وآله ، كما لايخفي علي المتأمّل.الثامن أنّ ذلك لو كان منبّها علي إمامة أبي بكر دالّا علي فضله لقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لمّا رجع جزعا فزعا يالكع أ ماعلمت أنيّ ماأردت بذلك إلّا تنويها بذكرك وتفضيلا لك علي عليّ عليه السلام وتنبيها علي إمامتك وكيف خفي ذلك علي أبي بكر مع حضوره الواقعة واطّلاعه علي القرائن الحاليّة والمقاليّة، وكذا علي أتباعه والقائلين بإمامته ، و لم يفهمه أحد سوي الرازي وأشباهه . و أمّا ماتشبّث به المخالفون في مقام الدفع والمنع فمنها إنكار عزل أبي بكر عن أداء الآيات كمافعل عبّاد بن سليمان والشارح الجديد للتجريد .. وأضرابهما. وأيّده بعضهم بأنّه لوعزل أبابكر عن التأدية قبل الوصول إلي موضعها لزم فسخ الفعل قبل وقته و هو غيرجائز.
صفحه : 421
و أنت بعدالاطّلاع علي ماسيأتي من أخبار الجانبين في ذلك لاترتاب في أنّ ذلك الإنكار ليس إلّا للجهل الكامل بالآثار، وللتعصّب المفرط المنبئ عن خلع الغدار، و قداعترف قاضي القضاة ببطلان ذلك الإنكار لإقرار الثقات من علمائهم بعزله وشهادة الأخبار به . و قال ابن أبي الحديد روي طائفة عظيمة من المحدّثين أنّه لم يدفعها إلي أبي بكر،لكن الأظهر الأكثر أنه دفعها إليه ثم أتبعه بعليّ عليه السلام فانتزعها منه .انتهي . و لم نظفر في شيء من رواياتهم بما يدلّ علي ماحكاه ، و كان الأنسب أن يصرّح بالكتاب والراوي حتّي لايظنّ به التعصّب والكذب . و أمّا حديث النسخ ،فأوّل ما فيه إنّا لانسلّم عدم جوازه ، و قدجوّزه جمهور الأشاعرة وكثير من علماء الأصول ،سلّمناه لكن لانسلّم أمره صلوات اللّه عليه أبابكر بتبليغ الآيات ، ولعلّه أمره بحملها إلي ورود أمر ثان ، أوتبليغها لو لم يرد أمر بخلافه ، و لم يرد في الروايات أمر صريح منه صلّي اللّه عليه وآله بتبليغ أبي بكر إيّاها مطلقا، وورود النهي عن التأدية لايدلّ علي سبق الأمر بهاككثير[ من ]النواهي، ولئن سلّمنا ذلك لانسلّم كون الأمر مطلقا و إن لم يذكر الشرط،لجواز كونه منويّا و إن لم تظهر الفائدة. فإن قيل فأيّ فائدة في دفع السورة إلي أبي بكر و هو لايريد أن يؤدّيها، ثم ارتجاعها وهَلّا دَفَعَهَا ابتداءً إلي عليّ عليه السلام .قلنا الفائدة ظهور فضل أمير المؤمنين عليه السلام ومزيّته، و أنّ الرجل ألذي نزعت منه السورة لايصلح له ، و قدوقع التصريح بذلك في بعض الأخبار
صفحه : 422
و إن كان يكفينا الاحتمال . ومنها مااعتذر به الجبائي، قال لمّا كانت عادة العرب أنّ سيّدا من سادات قبائلهم إذاعقد عهدا لقوم فإنّ ذلك العقد لاينحلّ إلّا أن يحلّه هو أوبعض سادات قومه ،فعدل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله عن أبي بكر إلي أمير المؤمنين عليه السلام حذرا من أن لايعتبروا نبذ العهد من أبي بكر لبعده في النسب . وتشبّث به جُلّ من تأخّر عنه ،كالفخر الرازي، والزمخشري والبيضاوي وشارح التجريد .. وغيرهم . وردّ عليهم أصحابنا بأنّ ذلك كذب صريح وافتراء علي أصحاب الجاهليّة والعرب ، و لم يعرف في زمان من الأزمنة أن يكون الرسول سيّما لنبذ العهد من سادات القوم وأقارب العاقد، وإنّما المعتبر فيه أن يكون موثوقا به ،مقبول القول و لوبانضمام قرائن الأحوال ، و لم ينقل هذه العادة من العرب أحد من أرباب السير ورواة الأخبار، و لوكانت موجودة في رواية أو كتاب لعيّنوا موضعها، كما هوالشأن في مقام الاحتجاج . و قداعترف ابن أبي الحديد بأنّ ذلك غيرمعروف عن عادة العرب ، وإنّما
صفحه : 423
هوتأويل تأوّل به متعصّبو أبي بكر لانتزاع البراءة منه ، و ليس بشيء.انتهي . وممّا يدلّ علي بطلانه ، أنّه لو كان ذلك معروفا من عادة العرب لماخفي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله حتي بعث أبابكر، و لا علي أبي بكر وعمر العارفين بسنن الجاهليّة الذين يعتقد المخالفون أنّهما كانا وزيري رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و أنّه كان لايصدر عن شيء و لايقدم علي أمر إلّا بعدمشاورتهما واستعلام رأيهما، و لو كان بعث أمير المؤمنين عليه السلام استدراكا لماصدر عنه علي الجهل بالعادة المعروفة أوالغفلة عنها،لقال اللّه له اعتذر إلي أبي بكر، وذكّره عادة الجاهليّة حتي لايرجع خائفا يترقّب نزول شيء فيه ، أو كان يعتذر إليه بنفسه صلّي اللّه عليه وآله بعدرجوعه ،بل لو كان كذلك فما غفل عنها الحاضرون من المسلمين حين بعثه والمطّلعون عليه ، و لااحتاج صلّي اللّه عليه وآله إلي الاعتذار بنزول جبرئيل لذلك من عند اللّه تعالي . و قال ابن أبي الحديد في مقام الاعتذار، بعدردّ اعتذار القوم بما عرفت لعلّ السبب في ذلك أنّ عليّا عليه السلام من بني عبدمناف ، وهم جمرة قريش بمكّة، و عليّ أيضا شجاع لايقام له ، و قدحصل في صدور قريش منه الهيبة الشديدة والمخافة العظيمة، فإذاحصل مثل هذاالشجاع البطل وحوله من بني عمّه من هم أهل العزّ والقوّة والحميّة، كان أدعي إلي نجاته من قريش وسلامة نفسه ، وبلوغ الغرض من نبذ العهد علي يده . و لايخفي عليك أنّه تعليل عليل ،إذ لو كان بعث أمير المؤمنين عليه السلام باجتهاد منه صلّي اللّه عليه وآله وسلّم، و كان الغرض سلامة من أرسل لتبليغ
صفحه : 424
الآيات ونجاته كان الأحري أن يبعث عمّه العباس أوعقيلا أوجعفرا أوغيرهم من بني هاشم ممّن لم يلتهب في صدور المشركين نائرة حقده لقتل آبائهم وأقاربهم ، لا من كانوا ينتهزون الفرصة لقتله والانتقام منه بأيّ وجه كان ، وحديث الشجاعة لاينفع في هذاالمقام ،إذ كانت آحاد قريش تجترئ عليه صلوات اللّه عليه في المعارك والحروب ،فكيف إذادخل وحده بين جمّ غفير من المشركين . و أمّا من جعله من الدافعين الذابّين عنه عليه السلام من أهل مكّة فهم كانوا أعاظم أعاديه وأكابر معانديه ، وأيضا لو كان الغرض ذلك لكان الأنسب أن يجعله أميرا علي الحاجّ كماذهب إليه قوم من أصحابنا، لا كمازعموه من أنّه لم يعزل أبابكر عن الإمارة بل جعله مأمورا بأمره ، كمامرّ.بل نقول الأليق بهذا الغرض بعث رجل حقير النفس خامل الذكر في الشجاعة من غيرالأقارب حتّي لايهمّوا بقتله ، و لايعدّوا الظفر عليه انتقاما وثأرا لدماء من قتل الرسول صلّي اللّه عليه وآله من عشيرتهم وذوي قراباتهم ، مع أنّه لم تجر العادة بقتل من بعث إلي قوم لأداء رسالة، لاسيّما إذا كان ميّتا في الأحياء، غيرمعروف إلّا بالجبن والهرب ، وكيف لم يستشعر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله بذلك ألذي ذكره حتّي أرسل أبابكر ثم عزله وكيف اجترأ أبوبكر حتّي عرّض نفسه للهلكة مع شدّة جبنه وكيف غفل عنه عمر بن الخطاب الوزير بزعمهم المشير في عظائم الأمور ودقائقها مع شدّة حبّه لأبي بكر و لو كان الباعث ذلك لأفصح عن ذلك رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أوغيره بعدرجوع أبي بكر أوقبله كماسبق التنبيه علي مثله ، هذا مع كون تلك التعليلات مخالفة لماصرّح به الصادقون ،الذين هم أعرف بمراد الرسول صلّي اللّه عليه وآله من ابن أبي الحديد والجبائي و من اقتفي أثرهما.
صفحه : 425
و قدحكي في كتاب الصراط المستقيم ، عن كتاب المفاضح أنّ جماعة قالوا لأبي بكر أنت المعزول والمنسوخ من اللّه ورسوله صلّي اللّه عليه وآله عن أمانة واحدة، و عن راية خيبر، و عن جيش العاديات ، و عن سكني المسجد، و عن الصلاة، و لم ينقل أنّه أجاب وعلّل بمثل هذه التعليلات . والعجب من هؤلاء المتعصّبين الذين يدفعون منقصة عن مثل أبي بكر بإثبات جهل أوغفلة عن عادة معروفة أومصلحة من المصالح التي لايغفل عنها آحاد الناس للرسول المختار ألذي لاينطق عن الهوي ، و ليس كلامه إلّا وحيا يوحي ، أو لايجوز عليه السهو والنسيان ،بل يثبتون ذلك له ولجميع أصحابه ،نعوذ باللّه من التورّط في ظلم الضلالة والانهماك في لجج الجهالة. وأعجب من ذلك أنّهم يجعلون تقديم أبي بكر للصلاة نصّا صريحا لخلافته مع ما قدعرفت ممّا فيه من وجوه السخافة ويتوقّفون في أن يكون مثل هذاالتخصيص والتنصيص والكرامة موجبا لفضيلة له عليه السلام ، مع أنّهم رووا أنّ جبرئيل عليه السلام قال لايؤديّ عنك إلّا أنت أو رجل منك .فإمّا أن يراد به الاختصاص التامّ ألذي كان بين الرسول صلّي اللّه عليه وآله و بين أمير المؤمنين عليه السلام كمايدلّ عليه ماسيأتي ومضي من الروايات
صفحه : 426
الواردة في أنّهما كانا من نور واحد،
وَ مَا اتّفَقَت عَلَيهِ الخَاصّةُ وَ العَامّةُ مِن أَنّهُ لَمّا وَقَعَ مِنهُ عَلَيهِ السّلَامُ مَا وَقَعَ يَومَ أُحُدٍ، قَالَ جَبرَئِيلُ يَا مُحَمّدُ إِنّ هَذِهِ لهَيَِ المُوَاسَاةُ. فَقَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّهُ منِيّ وَ أَنَا مِنهُ. فَقَالَ جَبرَئِيلُ وَ أَنَا مِنكُمَا
و لم يقل وإنّكما منيّ .. رعاية للأدب وتنبيها علي شرف منزلتهما، و قوله تعالي وَ أَنفُسَنا وَ أَنفُسَكُم في آية المباهلة
، وَ قَولُهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لبِنَيِ وَلِيعَةَ لَأَبعَثَنّ إِلَيكُم رَجُلًا كنَفَسيِ ..
و غير ذلك ممّا سيأتي. وإمّا أن يراد به الاختصاص ألذي نشأ من كونه عليه السلام من أهل بيت الرسالة، ويناسبه ماورد في بعض الروايات لاينبغي أن يبلّغ عنيّ إلّا رجل من أهل بيتي، أو مانشأ من كثرة المتابعة وإطاعة الأوامر كمافهمه بعض الأصحاب وأيّده بقوله تعالي فَمَن تبَعِنَيِ فَإِنّهُ منِيّ و علي أيّ التقادير يدلّ علي أنّ من لم يتّصف بهذه الصفة لايصلح للأداء عن الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، وكلّما كان هذاالاختصاص أبلغ في الشرف كان أكمل في إثبات الفضيلة
صفحه : 427
لأمير المؤمنين عليه السلام ، وكلّما ضايق الخصم في كماله كان أتمّ في إثبات الرذيلة لأبي بكر، فلانتربّص في ذلك إِلّا إِحدَي الحُسنَيَينِ، كماذكره بعض الأفاضل . ثم إنّ المفعول المحذوف في هذاالكلام ،إمّا أن يكون أمرا عامّا كمايناسب حذفه خرج ماخرج منه بالدليل فبقي حجّة في الباقي، أو يكون أمرا خاصّا هوتبليغ الأوامر المهمّة، أويخصّ بتبليغ تلك الآيات ، كماادّعي بعض العامّة، و علي التقادير الثلاثة يدلّ علي عدم استعداد أبي بكر لأداء الأوامر عامّة عن الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، أمّا علي الأول فظاهر، وكذا علي الثاني،لاشتمال الخلافة علي تبليغ الأوامر المهمّة، و أمّا علي الثالث فلأنّ من لم يصلح لأداء آيات خاصّة وعزل عنه بالنصّ الإلهي كيف يصلح لنيابة الرسول صلّي اللّه عليه وآله في تبليغ الأحكام عامّة، ودعوة الخلائق كافّة. ولنكتف بذلك حذرا من الإطناب ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك في أبواب فضائله عليه السلام إن شاء اللّه تعالي .
قال أصحابنا رضوان اللّه عليهم كان أبوبكر وعمر وعثمان من جيش أسامة، و قدكرّر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لمّا اشتدّ مرضه الأمر بتجهيز جيش أسامة ولعن المتخلّف عنه ،فتأخّروا عنه واشتغلوا بعقد البيعة في سقيفة بني ساعدة، وخالفوا أمره ، وشملهم اللعن ، وظهر أنّهم لايصلحون للخلافة.قالوا و لوتنزّلنا عن هذاالمقام وقلنا بما ادّعاه بعضهم من عدم كون أبي بكر
صفحه : 428
من الجيش .نقول لاخلاف في أنّ عمر منهم ، و قدمنعه أبوبكر من النفوذ معهم ، و هذاكالأوّل في كونه معصية ومخالفة للرسول صلّي اللّه عليه وآله . أمّا أنّهم كانوا من جيش أسامة، فلما ذكره السيّد الأجلّ رضي اللّه عنه في الشافي من أنّ كون أبي بكر في جيش أسامة، قدذكره أصحاب السير والتواريخ قال روي البلاذري في تاريخه و هومعروف ثقة كثير الضبط وبريء من ممالأة الشيعة أنّ أبابكر وعمر كانا معا في جيش أسامة.
وَ رَوَي سَعِيدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ مَسعُودٍ الكاَزرِاَنيِّ مِن متُعَصَبّيِ الجُمهُورِ فِي تَارِيخِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَمَرَ النّاسَ بِالتّهَيّؤِ لِغَزوِ الرّومِ لِأَربَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِن صَفَرِ سَنَةِ إِحدَي عَشرَةَ، فَلَمّا كَانَ مِنَ الغَدِ دَعَا أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ، فَقَالَ لَهُ سِر إِلَي مَوضِعِ مَقتَلِ أَبِيكَ فَأَوطِئهُمُ[مُدّ]الخَيلِ،فَقَد وَلّيتُكَ هَذَا الجَيشَ، فَلَمّا كَانَ يَومُ الأَربِعَاءِ بَدَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَحُمّ وَ صُدِعَ، فَلَمّا أَصبَحَ يَومُ الخَمِيسِ عَقَدَ لِأُسَامَةَ لِوَاءً بِيَدِهِ، ثُمّ قَالَ أُغزُ بِسمِ اللّهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ،فَقَاتِل مَن كَفَرَ بِاللّهِ.فَخَرَجَ وَ عَسكَرٌ بِالجُرفِ،فَلَم يَبقَ أَحَدٌ مِن وُجُوهِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ إِلّا
صفحه : 429
انتَدَبَ فِي تِلكَ الغَزَاةِ،فِيهِم أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقّاصٍ وَ سَعِيدُ بنُ زَيدٍ وَ أَبُو عُبَيدَةَ وَ قَتَادَةُ بنُ النّعمَانِ،فَتَكَلّمَ قَومٌ وَ قَالُوا يَستَعمِلُ هَذَا الغُلَامَ عَلَي المُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ غَضَباً شَدِيداً،فَخَرَجَ وَ قَد عَصَبَ عَلَي رَأسِهِ عِصَابَةً وَ عَلَيهِ قَطِيفَةٌ،فَصَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ، ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،أَيّهَا النّاسُ فَمَا مَقَالَةٌ بلَغَتَنيِ عَن بَعضِكُم فِي تَأمِيرِ أُسَامَةَ، وَ لَئِن طَعَنتُم فِي تأَميِريِ أُسَامَةَ فَقَد طَعَنتُم فِي تأَميِريِ أَبَاهُ مِن قَبلِهِ، وَ ايمُ اللّهِ إِنّهُ كَانَ لِلإِمَارَةِ لَخَلِيقاً، وَ إِنّ ابنَهُ مِن بَعدِهِ لَخَلِيقٌ لِلإِمَارَةِ، وَ إِن كَانَ لَمِن أَحَبّ النّاسِ إلِيَّ فَاستَوصُوا بِهِ خَيراً فَإِنّهُ مِن خِيَارِكُم. ثُمّ نَزَلَ فَدَخَلَ بَيتَهُ، وَ ذَلِكَ يَومُ السّبتِ لِعَشرٍ خَلَونَ مِن رَبِيعٍ الأَوّلِ، وَ جَاءَ المُسلِمُونَ الّذِينَ يَخرُجُونَ مَعَ أُسَامَةَ يُوَدّعُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ يَمضُونَ إِلَي العَسكَرِ بِالجُرفِ، وَ ثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَلَمّا كَانَ يَومُ الأَحَدِ اشتَدّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ،فَدَخَلَ أُسَامَةُ مِن مُعَسكَرِهِ وَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُغمًي عَلَيهِ، وَ فِي رِوَايَةٍ قَد أَصمَتَ وَ هُوَ لَا يَتَكَلّمُ فَطَأطَأَ رَأسَهُ فَقَبّلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَجَعَلَ يَرفَعُ يَدَيهِ إِلَي السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهُمَا عَلَي أُسَامَةَ. قَالَ فَعَرَفتُ أَنّهُ يَدعُو لِي، وَ رَجَعَ أُسَامَةُ إِلَي مُعَسكَرِهِ،فَأَمَرَ النّاسَ بِالرّحِيلِ،فَبَينَا هُوَ يُرِيدُ الرّكُوبَ إِذَا رَسُولُ أُمّهِ أُمّ أَيمَنَ قَد جَاءَهُ يَقُولُ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَمُوتُ .. إِلَي آخِرِ القِصّةِ.
وَ ذَكَرَ ابنُ الأَثِيرِ فِي الكَامِلِ أَنّ فِي المُحَرّمِ مِن سَنَةِ إِحدَي عَشرَةَ ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَعثاً إِلَي الشّامِ وَ أَمِيرُهُم أُسَامَةُ بنُ زَيدٍ .. وَ ذَكَرَ بَعضَ مَا مَرّ، وَ صَرّحَ بِأَنّهُ كَانَ مِنهُم أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ، قَالَ وَ هُمَا ثَبّتَا النّاسَ عَلَي الرّضَا
صفحه : 430
بِإِمَارَةِ أُسَامَةَ.
وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ النّهجِ، عَن أَحمَدَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِّ، عَن أَحمَدَ بنِ سَيّارٍ، عَن سَعِيدِ بنِ كَثِيرٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي مَرَضِ مَوتِهِ أَمَرَ أُسَامَةَ بنَ زَيدِ بنِ حَارِثَةَ عَلَي جَيشٍ فِيهِ جُلّةُ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ،مِنهُم أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ وَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوفٍ وَ طَلحَةُ وَ الزّبَيرُ، وَ أَمَرَهُ أَن يُغِيرَ عَلَي مُؤتَةَ حَيثُ قُتِلَ أَبُوهُ زَيدٌ، وَ أَن يغزوا[يَغزُوَ]واَديَِ فِلَسطِينَ،فَتَثَاقَلَ أُسَامَةُ وَ تَثَاقَلَ الجَيشُ بِتَثَاقُلِهِ، وَ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَثقُلُ وَ يَخِفّ وَ يُؤَكّدُ القَولَ فِي تَنفِيذِ ذَلِكَ البَعثِ، حَتّي قَالَ لَهُ أُسَامَةُ بأِبَيِ أَنتَ وَ أمُيّ أَ تَأذَنُ لِي أَن أَمكُثَ أَيّاماً حَتّي يَشفِيَكَ اللّهُ تَعَالَي. فَقَالَ اخرُج وَ سِر عَلَي بَرَكَةِ اللّهِ تَعَالَي. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص )إنِيّ إِن خَرَجتُ وَ أَنتَ عَلَي هَذِهِ الحَالِ خَرَجتُ وَ فِي قلَبيِ قَرحَةٌ مِنكَ. فَقَالَ سِر عَلَي النّصرِ وَ العَافِيَةِ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص )إنِيّ أَكرَهُ أَن أَسأَلَ عَنكَ الرّكبَانَ. فَقَالَ أَنفِذ لِمَا أَمَرتُكَ بِهِ .. ثُمّ أغُميَِ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ قَامَ أُسَامَةُ فَجَهّزَ لِلخُرُوجِ، فَلَمّا أَفَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سَأَلَ عَن أُسَامَةَ وَ البَعثِ،فَأُخبِرَ أَنّهُم يَتَجَهّزُونَ،فَجَعَلَ يَقُولُ أَنفِذُوا جَيشَ أُسَامَةَ،
صفحه : 431
لَعَنَ اللّهُ مَن تَخَلّفَ عَنهُ .. وَ يُكَرّرُ ذَلِكَ،فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَ اللّوَاءُ عَلَي رَأسِهِ وَ الصّحَابَةُ بَينَ يَدَيهِ، حَتّي إِذَا كَانَ بِالجُرفِ نَزَلَ وَ مَعَهُ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ أَكثَرُ المُهَاجِرِينَ، وَ مِنَ الأَنصَارِ أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ وَ بِشرُ بنُ سَعدٍ .. وَ غَيرُهُم مِنَ الوُجُوهِ،فَجَاءَهُ رَسُولُ أُمّ أَيمَنَ يَقُولُ لَهُ ادخُل فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ(ص )يَمُوتُ،فَقَامَ مِن فَورِهِ فَدَخَلَ المَدِينَةَ وَ اللّوَاءُ مَعَهُ،فَجَاءَ بِهِ حَتّي رَكَزَهُ بِبَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد مَاتَ فِي تِلكَ السّاعَةِ، قَالَ فَمَا كَانَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ يُخَاطِبَانِ أُسَامَةَ إِلَي أَن مَاتَ إِلّا بِ الأَمِيرِ.
وَ رَوَي الطبّرَيِّ فِي المُستَرشِدِ عَلَي مَا حَكَاهُ فِي الصّرَاطِ المُستَقِيمِ أَنّ جَمَاعَةً مِنَ الصّحَابَةِ كَرِهُوا إِمَارَةَ أُسَامَةَ فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ذَلِكَ فَخَطَبَ وَ أَوصَي ثُمّ دَخَلَ بَيتَهُ، وَ جَاءَ المُسلِمُونَ يُوَدّعُونَهُ فَيَلحَقُونَ بِأُسَامَةَ، وَ فِيهِم أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ، وَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ أَنفِذُوا جَيشَ أُسَامَةَ، فَلَمّا بَلَغَ الجُرفَ بَعَثَت أُمّ أُسَامَةَ وَ هيَِ أُمّ أَيمَنَ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَمُوتُ،فَاضطَرَبَ القَومُ وَ امتَنَعُوا عَلَيهِ وَ لَم يُنفِذُوا لِأَمرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ بَايَعُوا لأِبَيِ بَكرٍ قَبلَ دَفنِهِ. وَ قَالَ فِي الصّرَاطِ المُستَقِيمِ أَيضاً أَسنَدَ الجوَهرَيِّ فِي كِتَابِ السّقِيفَةِ أَنّ أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ كَانَا فِيهِ.
صفحه : 432
و قال حدّث الواقدي، عن ابن أبي الزياد، عن هشام بن عروة أنّ أباه قال كان فيهم أبوبكر. قال وحدّث أيضا مثله ، عن محمد بن عبد اللّه بن عمر. وذكره البلاذري في تاريخه ، والزهري، وهلال بن عامر، و محمد بن إسحاق ، وجابر، عن الباقر عليه السلام . و محمد بن أسامة، عن أميّة. ونقلت الرواة أنّهما كانا في حال خلافتهما يسلّمان علي أسامة بالإمرة.
وَ فِي كِتَابِ العِقدِ اختَصَمَ أُسَامَةُ وَ ابنُ عُثمَانَ فِي حَائِطٍ،فَافتَخَرَ ابنُ عُثمَانَ، فَقَالَ أُسَامَةُ أَنَا أَمِيرٌ عَلَي أَبِيكَ وَ صَاحِبَيهِ، أَ فإَيِاّيَ تُفَاخِرُ، وَ لَمّا بَعَثَ أَبُو بَكرٍ إِلَي أُسَامَةَ يُخبِرُهُ بِخِلَافَتِهِ، قَالَ أَنَا وَ مَن معَيِ مَا وَلّينَاكَ أَمرَنَا، وَ لَم يعَزلِنيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنكُمَا، وَ أَنتَ وَ صَاحِبُكَ بِغَيرِ إذِنيِ رَجَعتُمَا، وَ مَا خفَيَِ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَوضِعٌ، وَ قَد ولَاّنيِ عَلَيكُمَا وَ لَم يُوَلّكُمَا،فَهَمّ الأَوّلُ أَن يَخلَعَ نَفسَهُ فَنَهَاهُ الثاّنيِ،فَرَجَعَ أُسَامَةُ وَ وَقَفَ بِبَابِ المَسجِدِ وَ صَاحَ يَا مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ عَجَباً لِرَجُلٍ استعَملَنَيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فعَزَلَنَيِ وَ تَأَمّرَ عَلَيّ،انتَهَي كَلَامُهُ.
وَ قَالَ مُحَمّدُ بنُ عَبدِ الكَرِيمِ الشهّرسَتاَنيِّ فِي كِتَابِ المِلَلِ وَ النّحَلِ عِندَ ذِكرِ الِاختِلَافَاتِ الوَاقِعَةِ فِي مَرَضِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِالخِلَافُ الثاّنيِ أَنّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ جَهّزُوا جَيشَ أُسَامَةَ،لَعَنَ اللّهُ مَن تَخَلّفَ عَن جَيشِ
صفحه : 433
أُسَامَةَ. فَقَالَ قَومٌ يَجِبُ عَلَينَا امتِثَالُ أَمرِهِ، وَ أُسَامَةُ قَد بَرَزَ مِنَ المَدِينَةِ. وَ قَالَ قَومٌ قَدِ اشتَدّ مَرَضُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَلَا تَسَعُ قُلُوبُنَا لِمُفَارَقَتِهِ وَ الحَالُ هَذِهِ،فَنَصبِرُ حَتّي نُبصِرَ أَيّ شَيءٍ يَكُونُ مِن أَمرِهِ،انتَهَي.
وصرّح صاحب روضة الأحباب ،بأنّ أبابكر وعمر وعثمان كانوا من جيش أسامة.
وَ قَالَ الشّيخُ المُفِيدُ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ فِي كِتَابِ الإِرشَادِ لَمّا تَحَقّقَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن دُنُوّ أَجَلِهِ مَا كَانَ قَدّمَ الذّكرَ بِهِ لِأُمّتِهِ،فَجَعَلَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُومُ مَقَاماً بَعدَ مَقَامٍ فِي المُسلِمِينَ يُحَذّرُهُمُ الفِتنَةَ بَعدَهُ وَ الخِلَافَ عَلَيهِ، وَ يُؤَكّدُ وِصَاءَتَهُم بِالتّمَسّكِ بِسُنّتِهِ وَ الإِجمَاعِ عَلَيهَا وَ الوِفَاقِ، وَ يَحُثّهُم عَلَي الِاقتِدَاءِ بِعِترَتِهِ وَ الطّاعَةِ لَهُم وَ النّصرَةِ وَ الحِرَاسَةِ وَ الِاعتِصَامِ بِهِم فِي الدّينِ، وَ يَزجُرُهُم
صفحه : 434
عَنِ الِاختِلَافِ وَ الِارتِدَادِ .. وَ سَاقَ الكَلَامَ إِلَي قَولِهِ ثُمّ إِنّهُ عَقَدَ لِأُسَامَةَ بنِ زَيدٍ الإِمرَةَ، وَ أَمَرَهُ وَ نَدَبَهُ أَن يَخرُجَ بِجُمهُورِ الأُمّةِ إِلَي حَيثُ أُصِيبَ أَبُوهُ مِن بِلَادِ الرّومِ، وَ اجتَمَعَ رَأيُهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي إِخرَاجِ جَمَاعَةٍ مِن مقُدَمّيِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ فِي مُعَسكَرِهِ حَتّي لَا يَبقَي فِي المَدِينَةِ عِندَ وَفَاتِهِ مَن يَختَلِفُ فِي الرّئَاسَةِ، وَ يَطمَعُ فِي التّقَدّمِ عَلَي النّاسِ بِالإِمَارَةِ لِيَستَتِبّ الأَمرُ بَعدَهُ لِمَنِ استَخلَفَهُ مِن بَعدِهِ، وَ لَا يُنَازِعَهُ فِي حَقّهِ مُنَازِعٌ،فَعَقَدَ لَهُ الإِمرَةَ عَلَي مَا ذَكَرنَاهُ، وَ جَدّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي إِخرَاجِهِم، وَ أَمَرَ أُسَامَةَ بِالبُرُوزِ عَنِ المَدِينَةِ بِعَسكَرِهِ إِلَي الجُرفِ، وَ حَثّ النّاسَ عَلَي الخُرُوجِ إِلَيهِ، وَ المَسِيرِ مَعَهُ وَ حذوهم [حَذّرَهُم] مِنَ التّلَوّمِ وَ الإِبطَاءِ عَنهُ،فَبَينَا هُوَ فِي ذَلِكَ إِذ عَرَضَت لَهُ الشّكَاةُ التّيِ توُفُيَّ فِيهَا .. وَ سَاقَ الحَدِيثَ إِلَي قَولِهِ وَ استَمَرّ المَرَضُ بِهِ أَيّاماً وَ ثَقُلَ،فَجَاءَ بِلَالٌ عِندَ صَلَاةِ الصّبحِ وَ رَسُولُ اللّهِ مَغمُورٌ بِالمَرَضِ،فَنَادَي الصّلَاةَ يَرحَمُكُمُ اللّهُ،فَأُوذِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِنِدَائِهِ، فَقَالَ يصُلَيّ بِالنّاسِ بَعضُهُم فإَنِيّ مَشغُولٌ بنِفَسيِ،فَقَالَت عَائِشَةُ مُرُوا أَبَا بَكرٍ، وَ قَالَت حَفصَةُ مُرُوا عُمَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حِينَ سَمِعَ كَلَامَهُمَا، وَ رَأَي حِرصَ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنهُمَا عَلَي التّنوِيهِ بِأَبِيهَا، وَ افتِتَانِهِمَا بِذَلِكَ، وَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حيَّ اكفُفنَ فَإِنّكُنّ كَصُوَيحِبَاتِ يُوسُفَ،
صفحه : 435
ثُمّ قَامَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُبَادِراً خَوفاً مِن تَقَدّمِ أَحَدِ الرّجُلَينِ، وَ قَد كَانَ أَمَرَهُمَا بِالخُرُوجِ مَعَ أُسَامَةَ وَ لَم يَكُ عِندَهُ أَنّهُمَا قَد تَخَلّفَا، فَلَمّا سَمِعَ مِن عَائِشَةَ وَ حَفصَةَ مَا سَمِعَ عَلِمَ أَنّهُمَا مُتَأَخّرَانِ عَن أَمرِهِ،فَبَدَرَ لِكَفّ الفِتنَةِ وَ إِزَالَةِ الشّبهَةِ،فَقَامَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ إِنّهُ لَا يَستَقِلّ عَلَي الأَرضِ مِنَ الضّعفِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ الفَضلُ بنُ عَبّاسٍ،فَاعتَمَدَ عَلَيهِمَا وَ رِجلَاهُ يَخُطّانِ الأَرضَ مِنَ الضّعفِ، فَلَمّا خَرَجَ إِلَي المَسجِدِ وَجَدَ أَبَا بَكرٍ وَ قَد سَبَقَ إِلَي المِحرَابِ،فَأَومَأَ إِلَيهِ بِيَدِهِ أَن تَأَخّر عَنهُ[يعَنيِ المِحرَابَ]،فَتَأَخّرَ أَبُو بَكرٍ وَ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَقَامَهُ،فَقَامَ وَ كَبّرَ وَ ابتَدَأَ الصّلَاةَ التّيِ كَانَ ابتَدَأَهَا أَبُو بَكرٍ، وَ لَم يَبنِ عَلَي مَا مَضَي مِن فِعَالِهِ، فَلَمّا سَلّمَ انصَرَفَ إِلَي مَنزِلِهِ، وَ استَدعَي أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ وَ جَمَاعَةً مِمّن حَضَرَ المَسجِدَ مِنَ المُسلِمِينَ، ثُمّ قَالَ أَ لَم آمُر أَن تُنَفّذُوا جَيشَ أُسَامَةَ.فَقَالُوا بَلَي يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ). قَالَ فَلِمَ تَأَخّرتُم عَن أمَريِ. قَالَ أَبُو بَكرٍ إنِيّ خَرَجتُ ثُمّ رَجَعتُ لِأُجَدّدَ بِكَ عَهداً. وَ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص )إنِيّ لَم أَخرُج،لأِنَنّيِ لَم أُحِبّ أَن أَسأَلَ عَنكَ الرّكبَ. فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ نَفّذُوا جَيشَ أُسَامَةَ .. يُكَرّرُهَا ثَلَاثاً .. إِلَي آخِرِ مَا مَرّ فِي أَبوَابِ وَفَاةِ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ
مع أخبار أخر أوردناها هناك ، و قدتقدّم في هذاالمجلد خبر
صفحه : 436
الصحيفة المشتمل علي تلك القصّة مفصّلا. هذا مايتعلّق بكونهم في جيش أسامة وأمره (ص )بالخروج ولعنه المتخلّف. و أمّا عدم خروجهم وتخلّفهم فلاينازع أحد فيه . و أمّا أنّ في ذلك قادح في خلافتهم ،فلأنّهم كانوا مأمورين لأسامة مادام لم يتمّ غرض الرسول صلّي اللّه عليه وآله في إنفاذ الجيش ،فلم يكن لأبي بكر الحكم علي أسامة، والخلافة رئاسة عامّة تتضمّن الحكم علي الأمّة كافة بالاتّفاق،فبطل خلافة أبي بكر، و إذابطل خلافته ثبت بطلان خلافة عمر لكونها بنصّ أبي بكر، وخلافة عثمان لابتنائها علي الشوري بأمر عمر. وأيضا لو لم تبطل خلافة الأخيرين لزم خرق الإجماع المركّب، ولأنّ ردّ كلام الرسول صلّي اللّه عليه وآله في وجهه كماسبق من أبي بكر وعمر وعدم الانقياد لأمره بعدتكريره الأمر إيذاء له صلّي اللّه عليه وآله ، و قد قال اللّه عزّ و جلّإِنّ الّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنيا وَ الآخِرَةِ، و قال وَ الّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ، و ذلك مع قطع النظر عن اللعن الصريح في ذلك الأمر كمااعترف به الشهرستاني والمستحقّ للّعن من اللّه و من رسوله لايصلح للإمامة، و لوجوّزوا لعن خلفائهم صالحناهم علي ذلك واتّسع الأمر علينا. وأجاب قاضي القضاة في المغني بأنّا لانسلّم أنّ أبابكر كان في جيش
صفحه : 437
أسامة، و لم يسند منعه إلي رواية وخبر، وذكر له بعض المتعصّبين خبرا ضعيفا يدلّ بزعمه علي أنّه لم يكن فيه . و قال ابن أبي الحديد كثير من المحدّثين يقولون كان أبوبكر من الجيش ، والأمر عندي في هذاالموضع مشتبه ، والتواريخ مختلفة. والجواب أنّ وروده في رواياتهم سيّما إذا كان جلّهم قائلين به مع اتّفاق رواياتنا عليه يكفينا في الاحتجاج و لايضرّنا خلاف بعضهم . و أمّا استناد صاحب المغني في عدم كونه من الجيش بما حكاه عن أبي علي من أنّه لو كان أبوبكر من الجيش لماولّاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أمر الصلاة في مرضه مع تكريره أمر الجيش بالخروج والنفوذ،فقد عرفت ما في حكاية الصلاة من وجوه الفساد، مع أنّه لم يظهر من رواياتهم ترتيب بين الأمر بالتجهيز والأمر بالصلاة،فلعلّ الأمر بالصلاة كان قبل الأمر بالخروج ، أو كان في أثناء تلك الحال ،فلم يدلّ علي عدم كون أبي بكر من الجيش . ويؤيّده مارواه ابن أبي الحديد من أنّه لم يجاوز آخر القوم الخندق حتّي قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله . و لوبني الكلام علي مارويناه ،فبعد تسليم الدلالة علي التأخّر ينهدم به بنيان ماأسّسه،إذ يظهر منها أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لمّا سمع صوت أبي بكر، وعلم أنّه تأخّر عن أمره و لم يخرج ،خرج متحاملا وأخّره عن المحراب وابتدأ بالصلاة.
صفحه : 438
ثم أجاب صاحب المغني بعدتسليم أنّه كان من الجيش بأنّ الأمر لايقتضي الفور، فلايلزم من تأخّره أن يكون عاصيا. وردّ عليه السيّد رضي اللّه عنه في الشافي بأنّ المقصود بهذا الأمر الفور دون التراخي، أمّا من حيث مقتضي الأمر علي مذهب من يري ذلك لغة، و أمّا شرعا، من حيث وجدنا جميع الأمّة من لدن الصحابة إلي هذاالوقت يحملون أوامره صلّي اللّه عليه وآله علي الفور، ويطلبون في تراخيها الأدلّة. قال علي أنّ في قول أسامة لم أكن لأسأل عنك الركب .. أوضح
صفحه : 439
دليل علي أنّه عقل من الأمر الفور،لأنّ سؤال الركب بعدالوفاة لامعني له . و أمّا قول صاحب الكتاب أنّه لم ينكر علي أسامة تأخّره فليس بشيء، و أيّ إنكار أبلغ من تكراره الأمر، ويزداده القول في حال يشغل عن المهمّ ويقطع عن الفكر إلّا فيها، و قدينكر الآمر علي المأمور تارة بتكرّر الأمر، وأخري بغيره . وأيّده بما حكاه صاحب المغني عن أبي علي من الاستدلال علي عدم كون أبي بكر من الجيش بأمر الصلاة وابتناؤه علي كون الأمر للفور واضح . و قدارتضي صاحب المغني استدلاله .فهذا المنع مناقض له .أقول و من القرائن الواضحة علي أنّهم فهموا من هذاالأمر الفور خروجهم عن المدينة مع شدّة مرضه صلّي اللّه عليه وآله إذ العادة قاضية بأنّه لو كان لهم سبيل إلي تأخير الخروج حتّي يستعلموا مصير الأمر في مرضه صلّي اللّه عليه وآله لتوسّلوا إليه بوسعهم ،لاشتغال قلوبهم وحرصهم علي العلم ببرئه ، واستعلام حال الخلافة، ولخوفهم من وقوع الفتن في المدينة، وفيكون مااستخلفوه من الأموال والأولاد معرضا للهلكة والضياع ، و قدكانوا وتروا العرب وأورثوهم الضغائن ، ولعمري إنّهم ماخرجوا إلّا و قدضاق الخناق عليهم ، وبلغ أمره وحثّه صلّي اللّه عليه وآله لهم كلّ مبلغ ، ونال التقريع والتوبيخ منهم كلّ منال ، و ماسبق من رواية الجوهري واضح الدلالة علي أنّ المراد هوالفور والتعجيل ، و قداعترف ابن أبي الحديد بأنّ الظاهر في هذاالموضع صحّة ماذكره السيّد،لأنّ قرائن
صفحه : 440
الأحوال عند من يقرأ السّير والتواريخ يدلّ علي أنّ الرسول صلّي اللّه عليه وآله كان يحثّهم علي الخروج والمسير،انتهي . علي أنّ التراخي إنّما ينفع له إذا كان أبوبكر قدخرج في الجيش و لو بعدحين ، و لم يقل أحد بخروجه مطلقا. ثم أجاب صاحب المغني بعدتسليمه كون أبي بكر من الجيش بأنّ خطابه (ص )بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجّها إلي القائم بالأمر بعده ،لأنّه من خطاب الأئمّة، و هذايقتضي أن لا يكون المخاطب بالتنفيذ في الجملة. ثم قال و هذايدلّ علي أنّه لم يكن هناك إمام منصوص عليه ،لأنّه لو كان لأقبل بالخطاب عليه ، وخصّه بالأمر بالتنفيذ دون الجميع . ويرد عليه أنّ المخاطب في هذاالمقام إمّا الخليفة المنصوص عليه أو من يختاره الأمّة، وإمّا الجيش المأمور بالخروج ، وإمّا جميع الحاضرين الجيش وغيرهم ، وإمّا الجماعة الخارجة من الجيش بأمره صلّي اللّه عليه وآله ، و علي أيّ حال فالمأمور به إمّا إنفاذ الجيش حال حياته صلّي اللّه عليه وآله أو بعدوفاته ، أومطلقا. أمّا كون المخاطب الخليفة بقسميه مع كون المأمور به تنفيذ الجيش حال الحياة فباطل ،لورود الخطاب بلفظ الجمع ، ولأنّه لاحكم للخليفة في حياته صلّي اللّه عليه وآله من حيث الخلافة، ولأنّه لو كان المخاطب هوبعينه لأنكر الرسول صلّي اللّه عليه وآله تأخّر القوم عن الخروج عليه لا علي القوم ، والمرويّ خلافه . ويخصّ القسم الثاني بأنّه لامعني لخطاب من يختاره الأمّة بعدالوفاة بالأمر بتنفيذ الجيش حال الحياة، و هوواضح ، وكذا علي الإطلاق ، و لوخوطب بالتنفيذ بعدالوفاة فبأمر من خرج الأصحاب حال حياته صلّي اللّه عليه وآله و لماذا ينكر صلّي اللّه عليه وآله تخلّف من تخلّف ويحثّهم علي الخروج وكذا لو كان المخاطب
صفحه : 441
الإمام المنصوص . و لو كان المخاطب هوالجيش المأمور بالخروج فعلي الأقسام الثلاثة يكون الداخل فيهم عاصيا بالتخلّف حال الحياة أوبعدها أومطلقا، و قدثبت باعتراف الثقات عندهم دخول أبي بكر في الجيش ،فثبت عصيانه بالتخلّف علي أحد الوجوه ، علي أنّ هذاالكلام من صاحب المغني بعدتسليم كون أبي بكر من الجيش ولعلّه رجع عن ذلك التسليم معتمدا علي دليله هذا، و هو كماتري ، وحينئذ يكون المراد بالتنفيذ في كلامه صلّي اللّه عليه وآله أوالتجهيز علي اختلاف الروايات إتمام أمر الجيش في بلوغه إلي حيث أمر به ،فكلّ واحد منهم مكلّف بالخروج ألذي هوشرط لتحقّق المأمور به وحصول الامتثال ، وباجتماعهم في ذلك يحصل الغرض . و لايذهب عليك أنّ القسم الثاني من هذه الثلاثة و إن كان مثبتا للمطلوب إلّا أنّه باطل ،إذ لو كان المأمور به خروجهم بعدوفاته صلّي اللّه عليه وآله لماتركوه في شدّة المرض مع تعلّق القلوب باستعلام العاقبة في أمره صلّي اللّه عليه وآله وأمر الخلافة و ماخلّفوه كماسبق ، و لماأنكر صلّي اللّه عليه وآله خروج من تخلّف منهم . و لو كان المخاطب جميع من حضر فمعني التنفيذ والتجهيز أن يبذل كلّ منهم جهده في حصول المأمور به ،فالمطلوب من الجيش الخروج ، و من غيرهم تهيئة أسبابهم وحثّهم عليه ، وفعل كلّ ما هوشرط فيه ممّا يدخل تحت طاقته ويعصي كلّ بترك ماأمر به ،فمن كان داخلا في الجيش كالثلاثة بالتخلّف و من خرج بترك ماسبق . و لو كان المخاطب الجماعة التي لم تؤمر بالخروج فيهم ، كما هوالأظهر من لفظ التنفيذ مع صيغة الجمع ،فمع جريان بعض المفاسد السابقة فيه وبطلانه بأقسامه لايغني صاحب المغني،إذ هومخالف لماتعرّض لإثباته من كون الخطاب متوجّها إلي الأئمّة، و لايلزم منه خروج أبي بكر عن المأمورين أيضا، و هوممّا لم يقل به أحد.
صفحه : 442
و لوسلّمنا توجّه هذاالخطاب إلي غيرالجيش إما كان أوغيره ،نقول لاريب في أنّه متضمّن لأمر الجيش بالخروج ،فعصيان من تخلّف من الداخلين فيه لازم علي هذاالوجه ،فعلي أيّ تقدير ثبت عصيان أبي بكر واندفع كلام المجيب . و قوله لأنّه من خطاب الأئمّة .. إن أراد به أنّ الأمر بالتنفيذ لايصلح لغير الأئمّة فقد عرفت ضعفه ، و إن أراد أنّ الخطاب بصيغة الجمع لايتوجّه إلي غيرهم ،فالظاهر أنّ الأمر بالعكس ، علي أنّا لوساعدناه علي ذلك نقول إذاثبت كون من تزعمه إماما من الجيش فبعد توجّه الخطاب إليه كان مأمورا بالخروج ،عاصيا بتركه ، و يكون معني التنفيذ والتجهيز ماتقدّم، فإذا قلت بأنّ الخطاب علي هذاالوجه لايتوجّه إلّا إلي الأئمّة ويستدعي بخروج من توجّه إليه الخطاب ،فبعد ثبوت أنّ أبابكر كان من الجيش أوتسليمه كان ذلك دليلا علي أنّه لايصلح لأن يختاره الأمّة للإمامة، و أمّا توصّله بذلك إلي عدم النصّ فيتوجّه عليه أنّ كون الخطاب بصيغة الجمع محمولا علي ظاهره مع توجّهه إلي الإمام يستلزم كون الإمام جماعة، و لم يقلّ به أحد، و لوفتحت به باب التأويل وأوّلته إلي من يصير خليفة باختياركم أوّلناه إلي من جعلته خليفة نبيّكم، مع أنّ توجّه الخطاب إلي الخليفة قدعرفت بطلانه بأقسامه .أقول قدتكلّم السيّد رحمه اللّه في الشافي وغيره من الأفاضل في هذاالطعن سؤالا وجوابا ونقضا وإبراما بما لامزيد عليه ، واكتفينا بما أوردنا لئلّا نخرج عن الغرض المقصود من الكتاب ، وكفي ماذكرنا لأولي الألباب .
صفحه : 443
و قدتقدّم القول فيه مفصّلا فلانعيده .
أَنّهُ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ مَعَ كَونِهِ وَلِيّاً وَ نَاصِراً لأِبَيِ بَكرٍ كَانَت بَيعَةُ أَبِي بَكرٍ فَلتَةً وَقَي اللّهُ المُسلِمِينَ شَرّهَا،فَمَن عَادَ إِلَي مِثلِهَا فَاقتُلُوهُ
، و لايتصوّر في
صفحه : 444
التخطئة والذمّ أوكد من ذلك . وأجاب عنه قاضي القضاة في المغني لايجوز لقول محتمل ترك ماعلم ضرورة، ومعلوم من حال عمر إعظام أبي بكر والقول بإمامته والرضا ببيعته ، و ذلك يمنع ممّا ذكروه ،لأنّ المصوّب للشيء لايجوز أن يكون مخطّئا له . قال و قال أبو علي إنّ الفلتة ليست هي الزلّة والخطيئة،بل هي البغتة و ماوقع فجأة من غيررويّة و لامشاورة، واستشهد بقول الشاعر
من يأمن الحدثان مثل ضبيرة القرشيّ ماتا | سبقت منيّته المشيب و كان ميتته افتلاتا |
يعني بغتة من غيرمقدّمة، وحكي عن الرياضي إنّ العرب تسميّ آخر
صفحه : 445
يوم من شوال فلتة، من حيث إنّ كلّ من لم يدرك ثاره وطلبته فيه فاته لأنّهم كانوا إذادخلوا في الأشهر الحرم لايطلبون الثار، وذو القعدة من الأشهر الحرم ،فسمّوا ذلك اليوم فلتة،لأنّهم إذاأدركوا فيه ثارهم فقد أدركوا ماكاد يفوتهم ،فأراد عمر علي هذا أنّ بيعة أبي بكر تداركها بعد ماكادت تفوت . و قوله وقي اللّه شرّها .. دليل علي تصويب البيعة،لأنّ المراد بذلك أنّ اللّه تعالي دفع شرّ الاختلاف فيها. قال فأمّا قوله فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه ،فالمراد من عاد إلي أن يبايع من غيرمشاورة و لاعدد يثبت صحّة البيعة به و لاضرورة داعية إلي البيعة ثم بسط يده علي المسلمين ليدخلهم في البيعة قهرا فاقتلوه ، و إذااحتمل ذلك وجب حمله علي المعني ألذي ذكرنا و لم نتكلّف ذلك ،لأنّ قول عمر يطعن في بيعة أبي ذلك ،لأن قول عمر يطعن في بيعة أبي
صفحه : 446
بكر و لا أن قوله حجّة عندالمخالف ، ولكن تعلّقوا به ليوهموا أنّ بيعته غيرمتّفق عليه ، و أنّ أوّل من ذمّها من عقدها.انتهي ماذكره أبو علي . وبمثل هذاالجواب أجاب الفخر الرازي في نهاية العقول ،، وشارح المقاصد، وشارح المواقف و من يحذو حذوهم . وأورد السيّد الأجلّ رضي اللّه عنه علي صاحب المغني بأنّ ماتعلّقت به من العلم الضروري برضا عمر ببيعة أبي بكر وإمامته .. فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنّه كان راضيا بإمامته ، و ليس كلّ من رضي شيئا كان متديّنا به معتقدا لصوابه ، فإنّ كثيرا من الناس يرضون بأشياء من حيث كانت دافعة لما هوأضرّ منها و إن كانوا لايرونها صوابا، و لوملكوا الاختيار لاختاروا غيرها، و قدعلمنا أنّ معاوية كان راضيا ببيعة يزيد لعنه اللّه وولايته العهد من بعده ، و لم يكن متديّنا بذلك ومعتقدا صحّته، وإنّما رضي عمر ببيعة أبي بكر من حيث كانت حاجزة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، و لوملك الاختيار لكان مصير الأمر إليه آثر في نفسه وأقرّ لعينه . فإن ادّعي أنّ المعلوم ضرورة تديّن عمر ببيعة أبي بكر و أنّه أولي بالإمامة منه فهو مدفوع عن ذلك أشدّ دفع ، مع أنّه قد كان يندر منه أعني عمر في وقت بعدآخر مايدلّ علي ماذكرناه .
وَ قَد رَوَي الهَيثَمُ بنُ عدَيِّ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ الهمَداَنيِّ، عَن سَعِيدٍ
صفحه : 447
بنِ جُبَيرٍ، قَالَذُكِرَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ عِندَ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ كَانَا وَ اللّهِ شمَسيَ هَذِهِ الأُمّةِ وَ نُورَيهَا. فَقَالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ وَ مَا يُدرِيكَ. فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ أَ وَ لَيسَ قَدِ ائتَلَفَا. فَقَالَ ابنُ عُمَرَ بَلِ اختَلَفَا لَو كُنتُم تَعلَمُونَ، وَ أَشهَدُ أنَيّ كُنتُ عِندَ أَبِي يَوماً وَ قَد أمَرَنَيِ أَن أَحبِسَ النّاسَ عَنهُ،فَاستَأذَنَ عَلَيهِ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ عُمَرُ دُوَيبَةُ سَوءٍ وَ لَهُوَ خَيرٌ مِن أَبِيهِ،فأَوَجسَنَيِ ذَلِكَ،فَقُلتُ يَا أَبَتِ عَبدُ الرّحمَنِ خَيرٌ مِن أَبِيهِ. فَقَالَ وَ مَن لَيسَ خَيراً مِن أَبِيهِ لَا أُمّ لَكَ،ائذَن لِعَبدِ الرّحمَنِ،فَدَخَلَ عَلَيهِ فَكَلّمَهُ فِي الحُطَيئَةِ الشّاعِرِ أَن يَرضَي عَنهُ وَ كَانَ عُمَرُ قَد حَبَسَهُ فِي شِعرٍ قَالَهُ، فَقَالَ عُمَرُ إِنّ الحُطَيئَةَ لبَذَيِّ فدَعَنيِ أُقَوّمهُ بِطُولِ الحَبسِ،فَأَلَحّ عَلَيهِ عَبدُ الرّحمَنِ وَ أَبَي عُمَرُ، وَ خَرَجَ عَبدُ الرّحمَنِ فَأَقبَلَ عَلَيّ أَبِي، فَقَالَ أَ فِي غَفلَةٍ أَنتَ إِلَي يَومِكَ هَذَا عَمّا كَانَ مِن تَقَدّمِ أُحَيمِقِ بنَيِ تَيمٍ عَلَيّ وَ ظُلمِهِ لِي.فَقُلتُ يَا أَبَتِ لَا عِلمَ لِي بِمَا كَانَ مِن ذَلِكَ. فَقَالَ يَا بنُيَّ وَ مَا عَسَيتَ أَن تَعلَمَ.فَقُلتُ وَ اللّهِ لَهُوَ أَحَبّ إِلَي النّاسِ مِن ضِيَاءِ أَبصَارِهِم. قَالَ إِنّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ عَلَي زعم [رَغمِ]أَبِيكَ وَ سَخَطِهِ.فَقُلتُ يَا أَبَتِ أَ فَلَا تحَكيِ عَن فِعلِهِ بِمَوقِفٍ فِي النّاسِ تُبَيّنُ ذَلِكَ لَهُم. قَالَ وَ كَيفَ لِي بِذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرتَ أَنّهُ أَحَبّ إِلَي النّاسِ مِن ضِيَاءِ أَبصَارِهِم إِذَن يُرضَخَ رَأسَ أَبِيكَ بِالجَندَلِ.
صفحه : 448
قَالَ ابنُ عُمَرَ ثُمّ تَجَاسَرَ وَ اللّهِ فَجَسَرَ فَمَا دَارَتِ الجُمُعَةُ حَتّي قَامَ خَطِيباً فِي النّاسِ، فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّ بَيعَةَ أَبِي بَكرٍ كَانَت فَلتَةً وَقَي اللّهُ شَرّهَا فَمَن دَعَاكُم إِلَي مِثلِهَا فَاقتُلُوهُ.
وروي الهيثم بن عدي أيضا، عن مجالد بن سعيد، قال غدوت يوما إلي الشعبي وإنّما أريد أن أسأله عن شيءبلغني عن ابن مسعود أنّه كان يقول ،فأتيته في مسجد حيّة و في المسجد قوم ينتظرونه فخرج ،فتقرّبت إليه ، و قلت أصلحك اللّه كان ابن مسعود يقول ماكنت محدّثا قوما حديثا لايبلغه عقولهم إلّا كان لبعضهم فتنة. قال نعم ، قد كان ابن مسعود يقول ذلك . و كان ابن عباس يقوله أيضا، و كان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها، ويصرفها عن غيرهم فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلينا فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر،فضحك الشعبي و قال لقد كان في صدر عمر ضبّ علي أبي بكر. فقال الأزدي و اللّه مارأينا و لاسمعنا برجل قطّ كان أسلس قيادا لرجل و لاأقول بالجميل فيه من عمر في أبي بكر،فأقبل عليّ الشعبي فقال هذاممّا سألت عنه ، ثم أقبل علي الرجل فقال ياأخا الأزد كيف تصنع بالفلتة التي وقي اللّه شرّها أتري عدوّا يقول في عدوّ يريد أن يهدم مابني لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر. فقال الرجل سبحان اللّه يا أباعمرو و أنت تقول ذلك . فقال الشعبي أناأقوله ،قاله عمر بن الخطاب علي رءوس الأشهاد،فلمه أودع فنهض الرجل مغضبا و هويهمهم بشيء لم أفهمه ، فقال مجالد
صفحه : 449
فقلت للشعبي ماأحسب هذا الرجل إلّا سينقل عنك هذاالكلام إلي الناس ويبثّه فيهم .. قال إذا و اللّه لاأحفل به ، و شيء لم يحفل به عمر بن الخطاب حين قام علي رءوس المهاجرين والأنصار أحفل به أنا وأنتم أيضا فأذيعوه عنيّ مابدا لكم .
وَ رَوَي شَرِيكُ بنُ عَبدِ اللّهِ النخّعَيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَمرِو بنِ مُرّةَ، عَن أَبِيهِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سَلَمَةَ، عَن أَبِي مُوسَي الأشَعرَيِّ، قَالَحَجَجتُ مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، فَلَمّا نَزَلنَا وَ عَظُمَ النّاسُ،خَرَجتُ مِن رحَليِ أُرِيدُ عُمَرَ فلَقَيِنَيِ مُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ فرَاَفقَنَيِ، ثُمّ قَالَ أَينَ تُرِيدُ.فَقُلتُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عُمَرَ،فَهَل لَكَ. قَالَ نَعَم، قَالَ فَانطَلَقنَا نُرِيدُ رَحلَ عُمَرَ،فَإِنّا لفَيِ طَرِيقِنَا إِذ ذَكَرنَا توَلَيَّ عُمَرَ، وَ قِيَامَهُ بِمَا هُوَ فِيهِ، وَ حِيَاطَتَهُ عَلَي الإِسلَامِ، وَ نُهُوضَهُ بِمَا قَبِلَهُ مِن ذَلِكَ، ثُمّ خَرَجنَا إِلَي ذِكرِ أَبِي بَكرٍ،فَقُلتُ لِلمُغِيرَةِ، يَا لَكَ الخَيرُ لَقَد كَانَ أَبُو بَكرٍ مُسَدّداً فِي عُمَرَ كَأَنّهُ يَنظُرُ إِلَي قِيَامِهِ مِن بَعدِهِ وَ جِدّهِ وَ اجتِهَادِهِ وَ عَنَائِهِ فِي الإِسلَامِ. فَقَالَ المُغِيرَةُ لَقَد كَانَ ذَلِكَ، وَ إِن كَانَ قَومٌ كَرِهُوا وَلَايَةَ عُمَرَ لِيَزوُوهَا عَنهُ، وَ مَا كَانَ لَهُم فِي ذَلِكَ مِن حَظّ.فَقُلتُ لَهُ لَا أَبَا لَكَ وَ مَنِ القَومُ الّذِينَ كَرِهُوا ذَلِكَ مِن
صفحه : 450
عُمَرَ. فَقَالَ لِيَ المُغِيرَةُ لِلّهِ أَنتَ كَأَنّكَ فِي غَفلَةٍ لَا تَعرِفُ هَذَا الحيَّ مِن قُرَيشٍ، وَ مَا قَد خُصّوا بِهِ مِنَ الحَسَدِ.فَوَ اللّهِ لَو كَانَ هَذَا الحَسَدُ يُدرَكُ بِحِسَابٍ لَكَانَ لِقُرَيشٍ تِسعَةُ أَعشَارِ الحَسَدِ وَ لِلنّاسِ كُلّهِم عُشرٌ.فَقُلتُ مَه يَا مُغِيرَةُ فَإِنّ قُرَيشاً بَانَت بِفَضلِهَا عَلَي النّاسِ .. وَ لَم نَزَل فِي مِثلِ ذَلِكَ حَتّي انتَهَينَا إِلَي رَحلِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ فَلَم نَجِدهُ،فَسَأَلنَا عَنهُ،فَقِيلَ خَرَجَ آنِفاً،فَمَضَينَا نقفوا[نَقفُو]أَثَرَهُ حَتّي دَخَلنَا المَسجِدَ، فَإِذَا عُمَرُ يَطُوفُ بِالبَيتِ،فَطُفنَا مَعَهُ، فَلَمّا فَرَغَ دَخَلَ بيَنيِ وَ بَينَ المُغِيرَةِ فَتَوَكّأَ عَلَي المُغِيرَةِ، وَ قَالَ مِن أَينَ جِئتُمَا.فَقُلنَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ خَرَجنَا نُرِيدُكَ فَأَتَينَا رَحلَكَ فَقِيلَ لَنَا خَرَجَ يُرِيدُ المَسجِدَ فَاتّبَعنَاكَ. قَالَ تَبِعَكُمَا الخَيرُ، ثُمّ إِنّ المُغِيرَةَ نَظَرَ إلِيَّ وَ تَبَسّمَ،فَنَظَرَ إِلَيهِ عُمَرُ فَقَالَ مِمّ تَبَسّمتَ أَيّهَا العَبدُ. فَقَالَ مِن حَدِيثٍ كُنتُ أَنَا وَ أَبُو مُوسَي فِيهِ آنِفاً فِي طَرِيقِنَا إِلَيكَ. فَقَالَ وَ مَا ذَاكَ الحَدِيثُ .. فَقَصَصنَا عَلَيهِ الخَبَرَ حَتّي بَلَغنَا ذِكرَ حَسَدِ قُرَيشٍ وَ ذِكرَ مَن أَرَادَ صَرفَ أَبِي بَكرٍ عَنِ استِخلَافِهِ،فَتَنَفّسَ الصّعَدَاءَ، ثُمّ قَالَ ثَكِلَتكَ أُمّكَ يَا مُغِيرَةُ، وَ مَا تِسعَةُ أَعشَارِ الحَسَدِ إِنّ فِيهَا لَتِسعَةُ أَعشَارِ الحَسَدِ كَمَا ذَكَرتَ وَ تِسعَةُ أَعشَارِ العُشرِ، وَ فِي النّاسِ عُشرُ العُشرِ، وَ قُرَيشٌ شُرَكَاؤُهُم فِي عُشرِ العُشرِ أَيضاً، ثُمّ سَكَتَ مَلِيّاً وَ هُوَ يَتَهَادَي بَينَنَا، ثُمّ قَالَ أَ لَا أُخبِرُكُمَا بِأَحسَدِ قُرَيشٍ
صفحه : 451
كُلّهَا.قُلنَا بَلَي يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ أَ وَ عَلَيكُمَا ثِيَابُكُمَا.قُلنَا نَعَم. قَالَ وَ كَيفَ بِذَلِكَ وَ أَنتُمَا مُلبَسَانِ ثِيَابَكُمَا.قُلنَا لَهُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ مَا بَالُ الثّيَابِ. قَالَ خَوفُ الإِذَاعَةِ مِنَ الثّيَابِ.فَقُلتُ لَهُ أَ تَخَافُ الإِذَاعَةَ مِنَ الثّيَابِ،فَأَنتَ وَ اللّهِ مِن ملُبسَيِ الثّيَابِ أَخوَفُ، وَ مَا الثّيَابَ أَرَدتَ. قَالَ هُوَ ذَلِكَ،فَانطَلَقَ وَ انطَلَقنَا مَعَهُ حَتّي انتَهَينَا إِلَي رَحلِهِ فَخَلّي أَيدِيَنَا مِن يَدِهِ، ثُمّ قَالَ لَا تَرِيمَا .. ثُمّ دَخَلَ،فَقُلتُ لِلمُغِيرَةِ لَا أَبَا لَكَ لَقَد عَثَرنَا بِكَلَامِنَا مَعَهُ وَ مَا كُنّا فِيهِ وَ مَا رآه [نَرَاهُ]حَبَسَنَا إِلّا لِيُذَاكِرَنَا إِيّاهَا. قَالَ فَإِنّا لَكَذَلِكَ إِذ خَرَجَ إِلَينَا آذِنُهُ، فَقَالَ ادخُلَا،فَدَخَلنَا، فَإِذَا عُمَرُ مُستَلقٍ عَلَي بَرذَعَةِ الرّحلِ، فَلَمّا دَخَلنَا أَنشَأَ يَتَمَثّلُ بِبَيتِ كَعبِ بنِ زُهَيرٍ
لَا تُفشِ سِرّكَ إِلّا عِندَ ذيِ ثِقَةٍ | أَولَي وَ أَفضَلَ مَا استَودَعتَ أَسرَاراً |
صَدراً رَحِيباً وَ قَلباً وَاسِعاً ضَمِنَا | لَا تَخشَ مِنهُ إِذَا أَودَعتَ إِظهَاراً |
فَعَلِمنَا أَنّهُ يُرِيدُ أَن نَضمَنَ لَهُ كِتمَانَ حَدِيثِهِ،فَقُلتُ أَنَا لَهُ يَا أَمِيرَ
صفحه : 452
المُؤمِنِينَ أَكرِمنَا وَ خُصّنَا وَ صِلنَا. فَقَالَ بِمَا ذَا يَا أَخَا الأَشعَرِيّينِ. قُلتُ بِإِفشَاءِ سِرّكَ إِلَينَا وَ إِشرَاكِنَا فِي هَمّكَ،فَنِعمَ المُستَسَرّانِ نَحنُ لَكَ. فَقَالَ إِنّكُمَا لَكَذَلِكَ،فَاسأَلَا عَمّا بَدَا لَكُمَا ثُمّ قَالَ فَقَامَ إِلَي البَابِ لِيُغلِقَهُ، فَإِذَا آذِنُهُ ألّذِي أَذِنَ لَنَا عَلَيهِ فِي الحُجرَةِ، فَقَالَ امضِ عَنّا لَا أُمّ لَكَ،فَخَرَجَ وَ أَغلَقَ البَابَ خَلفَهُ ثُمّ جَلَسَ وَ أَقبَلَ عَلَينَا، وَ قَالَ سَلَا تُخبَرَا.قُلنَا نُرِيدُ أَن تُخبِرَنَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ بِأَحسَدِ قُرَيشٍ ألّذِي لَم تَأمَن ثِيَابَنَا عَلَي ذِكرِهِ لَنَا. فَقَالَ سَأَلتُمَا عَن مُعضِلَةٍ وَ سَأُخبِرُكُمَا،فَليَكُن عِندَكُمَا فِي ذِمّةٍ مَنِيعَةٍ وَ حِرزٍ مَا بَقِيتُ، فَإِذَا مِتّ فَشَأنَكُمَا وَ مَا أَحبَبتُمَا مِن إِظهَارٍ أَو كِتمَانٍ.قُلنَا فَإِنّ لَكَ عِندَنَا ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُوسَي وَ أَنَا أَقُولُ فِي نفَسيِ مَا أَظُنّهُ يُرِيدُ إِلّا الّذِينَ كَرِهُوا استِخلَافَ أَبِي بَكرٍ لَهُ كَطَلحَةَ وَ غَيرِهِ،فَإِنّهُم قَالُوا لَا يَستَخلِفُ عَلَينَا فَظّاً غَلِيظاً، وَ إِذَا هُوَ يَذهَبُ إِلَي غَيرِ مَا فِي نفَسيِ.فَعَادَ إِلَي التّنَفّسِ، فَقَالَ مَن تَرَيَانِهِ.
صفحه : 453
قُلنَا وَ اللّهِ مَا ندَريِ إِلّا ظَنّاً. قَالَ وَ مَن تَظُنّانِ.قُلنَا عَسَاكَ تُرِيدُ القَومَ الّذِينَ أَرَادُوا أَبَا بَكرٍ عَلَي صَرفِ هَذَا الأَمرِ عَنكَ. قَالَ كَلّا وَ اللّهِ،بَل كَانَ أَبُو بَكرٍ أَعَقّ وَ أَظلَمَ، هُوَ ألّذِي سَأَلتُمَا عَنهُ، كَانَ وَ اللّهِ أَحسَدَ قُرَيشٍ كُلّهَا، ثُمّ أَطرَقَ طَوِيلًا فَنَظَرَ إلِيَّ المُغِيرَةُ وَ نَظَرتُ إِلَيهِ، وَ أَطرَقنَا مَلِيّاً لِإِطرَاقِهِ، وَ طَالَ السّكُوتُ مِنّا وَ مِنهُ حَتّي ظَنَنّا أَنّهُ قَد نَدِمَ عَلَي مَا بَدَا مِنهُ، ثُمّ قَالَ وَا لَهفَاه عَلَي ضَئِيلِ بنَيِ تَمِيمِ بنِ مُرّةَ،لَقَد تقَدَمّنَيِ ظَالِماً وَ خَرَجَ إلِيَّ مِنهَا آثِماً. فَقَالَ لَهُ المُغِيرَةُ أَمّا تَقَدّمُهُ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ظَالِماً فَقَد عَرَفنَاهُ،فَكَيفَ خَرَجَ إِلَيكَ مِنهَا آثِماً. قَالَ ذَلِكَ لِأَنّهُ لَم يَخرُج إلِيَّ مِنهَا إِلّا بَعدَ يَأسٍ مِنهَا، أَمَا وَ اللّهِ لَو كُنتُ أَطَعتُ زَيدَ بنَ الخَطّابِ وَ أَصحَابَهُ لَم يَتَلَمّظ مِن حَلَاوَتِهَا بشِيَءٍ أَبَداً، وَ لكَنِيّ قَدّمتُ وَ أَخّرتُ، وَ صَعِدتُ وَ صَوّبتُ، وَ نَقَضتُ وَ أَبرَمتُ،فَلَم أَجِد إِلّا الإِغضَاءَ عَلَي مَا نَشِبَ بِهِ مِنهَا وَ التّلَهّفَ عَلَي نفَسيِ، وَ أَمّلتُ إِنَابَتَهُ وَ رُجُوعَهُ،فَوَ اللّهِ مَا فَعَلَ حَتّي فَرَغَ مِنهَا بَشِيماً.
صفحه : 454
قَالَ المُغِيرَةُ فَمَا مَنَعَكَ مِنهَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ قَد عَرَضَهَا عَلَيكَ يَومَ السّقِيفَةِ بِدُعَائِكَ إِلَيهَا. ثُمّ أَنتَ الآنَ تَنقِمُ وَ تَتَأَسّفُ. فَقَالَ ثَكِلَتكَ أُمّكَ يَا مُغِيرَةُ إنِيّ كُنتُ لَأَعُدّكَ مِن دُهَاةِ العَرَبِ،كَأَنّكَ كُنتَ غَائِباً عَمّا هُنَاكَ، إِنّ الرّجُلَ كاَدنَيِ فَكِدتُهُ، وَ ماَكرَنَيِ فَمَاكَرتُهُ، وَ ألَفاَنيِ أَحذَرَ مِن قَطَاةٍ،إِنّهُ لَمّا رَأَي شَغَفَ النّاسِ بِهِ وَ إِقبَالَهُم بِوُجُوهِهِم عَلَيهِ،أَيقَنَ أَنّهُم لَا يُرِيدُونَ بِهِ بَدَلًا،فَأَحَبّ لَمّا رَأَي مِن حِرصِ النّاسِ عَلَيهِ وَ شَغَفِهِم بِهِ أَن يَعلَمَ مَا عنِديِ، وَ هَل تنُاَزعِنُيِ نفَسيِ إِلَيهَا، وَ أَحَبّ أَن يبَلوُنَيِ بإِطِماَعيِ فِيهَا وَ التّعرِيضِ لِي بِهَا، وَ قَد عَلِمَ وَ عَلِمتُ لَو قَبِلتُ مَا عَرَضَهُ عَلَيّ لَم يُجِبِ النّاسُ إِلَي ذَلِكَ،فأَلَفاَنيِ قَائِماً عَلَي أخَمصَيِ مُستَوفِزاً حَذِراً وَ لَو أَجَبتُهُ إِلَي قَبُولِهَا لَم يُسَلّمِ النّاسُ إِلَي ذَلِكَ، وَ اختَبَأَهَا ضَغَناً عَلَيّ فِي قَلبِهِ، وَ لَم آمَن غَائِلَتَهُ وَ لَو بَعدَ حِينٍ، مَعَ مَا بَدَا لِي مِن كَرَاهَةِ النّاسِ لِي، أَ مَا سَمِعتَ نِدَاءَهُم مِن كُلّ نَاحِيَةٍ عِندَ عَرضِهَا عَلَيّ لَا نُرِيدُ سِوَاكَ يَا أَبَا بَكرٍ، أَنتَ لَهَا،فَرَدَدتُهَا إِلَيهِ فَعِندَ ذَلِكَ رَأَيتُهُ وَ قَدِ التَمَعَ وَجهُهُ لِذَلِكَ سُرُوراً، وَ لَقَد عاَتبَنَيِ
صفحه : 455
مَرّةً عَلَي كَلَامٍ بَلَغَهُ عنَيّ، وَ ذَلِكَ لَمّا قُدّمَ عَلَيهِ بِالأَشعَثِ أَسِيراً فَمَنّ عَلَيهِ وَ أَطلَقَهُ وَ زَوّجَهُ أُختَهُ أُمّ فَروَةَ بِنتَ أَبِي قُحَافَةَ،فَقُلتُ لِلأَشعَثِ وَ هُوَ قَاعِدٌ بَينَ يَدَيهِ يَا عَدُوّ اللّهِ أَ كَفَرتَ بَعدَ إِسلَامِكَ، وَ ارتَدَدتَ نَاكِصاً عَلَي عَقِبَيكَ،فَنَظَرَ إلِيَّ الأَشعَثُ نَظَراً شَزراً عَلِمتُ أَنّهُ يُرِيدُ أَن يكُلَمّنَيِ بِكَلَامٍ فِي نفَسيِ، ثُمّ لقَيِنَيِ بَعدَ ذَلِكَ فِي بَعضِ سِكَكِ المَدِينَةِ فرَاَفقَنَيِ، ثُمّ قَالَ لِي أَنتَ صَاحِبُ الكَلَامِ يَا ابنَ الخَطّابِ.فَقُلتُ نَعَم يَا عَدُوّ اللّهِ، وَ لَكَ عنِديِ شَرّ مِن ذَلِكَ. فَقَالَ بِئسَ الجَزَاءُ هَذَا لِي مِنكَ.فَقُلتُ عَلَامَ تُرِيدُ منِيّ حُسنَ الجَزَاءِ. قَالَ لأِنَفَتَيِ لَكَ مِنِ اتّبَاعِ هَذَا الرّجُلِ يُرِيدُ أَبَا بَكرٍ، وَ اللّهِ مَا جرَأّنَيِ عَلَي الخِلَافِ عَلَيهِ إِلّا تَقَدّمُهُ عَلَيكَ، وَ لَو كُنتَ صَاحِبَهَا لَمَا رَأَيتَ منِيّ خِلَافاً عَلَيكَ. قُلتُ وَ لَقَد كَانَ ذَلِكَ فَمَا تَأمُرُ الآنَ. قَالَ إِنّهُ لَيسَ بِوَقتِ أَمرٍ،بَل وَقتُ صَبرٍ، وَ مَضَي وَ مَضَيتُ، وَ لقَيَِ الأَشعَثُ الزّبرِقَانَ بنَ بَدرٍ السعّديِّ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَي بيَنيِ وَ بَينَهُ،فَنَقَلَ الزّبرِقَانُ ذَلِكَ إِلَي أَبِي بَكرٍ،فَأَرسَلَ إلِيَّ فَأَتَيتُهُ،فَذَكَرَ ذَلِكَ لِي، ثُمّ قَالَ إِنّكَ لَتَشَوّقُ إِلَيهَا يَا ابنَ الخَطّابِ.فَقُلتُ وَ مَا يمَنعَنُيِ الشّوقَ إِلَي مَا كُنتُ أَحَقّ
صفحه : 456
بِهِ مِمّن غلَبَنَيِ عَلَيهِ أَمَا وَ اللّهِ لَتَكُفّنّ أَو لَأُكَلّمَنّ كَلِمَةً بَالِغَةً بيِ وَ بِكَ فِي النّاسِ تَحمِلُهَا الرّكبَانُ حَيثُ سَارُوا، وَ إِن شِئتَ استَدَمنَا مَا نَحنُ فِيهِ عَفواً. فَقَالَ بَل تَستَدِيمُهُ[نَستَدِيمُهُ] وَ إِنّهَا لَصَائِرَةٌ إِلَيكَ بَعدَ أَيّامٍ،فَمَا ظَنَنتُ أَنّهُ يأَتيِ عَلَيهِ جُمُعَةٌ حَتّي يَرُدّهَا عَلَيّ،فَتَغَافَلَ وَ اللّهِ،فَمَا ذكَرَنَيِ بَعدَ ذَلِكَ المَجلِسِ حَرفاً حَتّي هَلَكَ، وَ لَقَد مَدّ فِي أَمَدِهَا عَاضّاً عَلَي نَوَاجِذِهِ حَتّي حَضَرَهُ المَوتُ،فَأَيِسَ مِنهَا فَكَانَ مِنهُ مَا رَأَيتُمَا،فَاكتُمَا مَا قُلتُ لَكُمَا عَنِ النّاسِ كَافّةً وَ عَن بنَيِ هَاشِمٍ خَاصّةً، وَ ليَكُن مِنكُمَا بِحَيثُ أَمَرتُكُمَا إِذَا شِئتُمَا عَلَي بَرَكَةِ اللّهِ،فَمَضَينَا وَ نَحنُ نَعجَبُ مِن قَولِهِ،فَوَ اللّهِ مَا أَفشَينَا سِرّهُ حَتّي هَلَكَ.
ثم قال السيّد رضي اللّه عنه فكأنيّ بهم عندسماع هذه الروايات يستغرقون ضحكا تعجّبا واستبعادا وإنكارا ويقولون كيف يصغي إلي هذه الأخبار، ومعلوم ضرورة تعظيم عمر لأبي بكر ووفاقه له وتصويبه لإمامته وكيف يطعن عمر في إمامة أبي بكر وهي أصل لإمامته وقاعدة لولايته و ليس هذابمنكر ممّن طمست العصبية علي قلبه وعينيه ،فهو لايري و لايسمع إلّا مايوافق اعتقادات مبتدأة قداعتقدها، ومذاهب فاسدة قدانتحلها،فما بال هذه الضرورة تخصّهم و لاتعمّ من خالفهم ، ونحن نقسم باللّه علي أنّا لانعلم مايدعونه ، ونزيد علي ذلك بأنّا نعتقد أنّ الأمر بخلافه ، و ليس في طعن عمر علي بيعة أبي
صفحه : 457
بكر مايؤديّ إلي فساد إمامته ،لأنّه يمكن أن يكون ذهب إلي أنّ إمامته نفسه لم تثبت بالنصّ عليه ، وإنّما تثبت بالإجماع من الأمّة والرضا،فقد ذهب إلي ذلك جماعة من الناس ، ويري أنّ إمامته أولي من حيث لم تقع بغتة و لافجأة، و لااختلف الناس في أصلها، وامتنع كثير منهم من الدخول فيها حتّي أكرهوا وتهدّدوا وخوّفوا. و أمّا الفلتة، و إن كانت محتملة للبغتة علي ماحكاه صاحب الكتاب والزلّة، والخطيئة،فالذي يخصّصها بالمعني ألذي ذكرناه قوله وقي اللّه شرّها فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه ، و هذاالكلام لايليق بالمدح و هوبالذمّ أشبه ،فيجب أن يكون محمولا علي معناه . و قوله إنّ المراد بقوله وقي اللّه شرّها .. إنّه دفع شرّ الاختلاف فيهاعدول عن الظاهر،لأنّ الشرّ في ظاهر الكلام مضاف إليها دون غيرها. وأبعد من هذاالتأويل قوله إنّ المراد من عاد إلي مثلها من غيرضرورة وأكره المسلمين عليها فاقتلوه ،لأنّ ماجري هذاالمجري لا يكون مثلا لبيعة أبي بكر عندهم ،لأنّ كلّ ذلك ماجري فيها علي مذاهبهم ، و قد كان يجب علي هذا أن يقول من عاد إلي خلافها فاقتلوه ، و ليس له أن يقول إنّما أراد بالتمثيل وجها واحدا، و هووقوعها من غيرمشاورة لأنّ ذلك إنّما تمّ في أبي بكر خاصّة،لظهور أمره واشتهار فضله ، ولأنّهم بادروا إلي العقد خوفا من الفتنة، و ذلك لأنّه غيرمنكر أن يتّفق من ظهور فضل غير أبي بكر واشتهار أمره ، وخوف الفتنة مااتّفق
صفحه : 458
لأبي بكر، فلايستحقّ قتلا و لاذمّا، علي أنّ قوله مثلها .. يقتضي وقوعها علي الوجه ألذي وقعت عليه ، وكيف يكون ماوقع من غيرمشاورة لضرورة داعية وأسباب موجبة مثلا لماوقع بلا مشاورة، و من غيرضرورة و لاأسباب . و ألذي رواه عن أهل اللغة من أنّ آخر يوم من شوّال يسمّي فلتة، من حيث إنّ كلّ من لم يدرك فيه ثاره فقد فاته .. فإنّا لانعرفه ، و ألذي نعرفه أنّهم يسمّون الليلة التي ينقضي بهاأحد الشهور الحرم ويتمّ فلتة، وهي آخر ليلة من ليالي الشهر،لأنّه ربّما رأي قوم الهلال لتسع وعشرين و لم يبصره الباقون فيغيّر هؤلاء علي أولئك وهم غارّون،فلهذا سمّيت هذه الليلة فلتة، علي أنّا قدبيّنا أنّ مجموع الكلام يقتضي ماذكرنا من المعني ، و لوسلّم له مارواه عن أهل اللغة في احتمال هذه اللفظة. و قوله في أول الكلام ليست الفلتة الزلّة والخطيئة .. إن أراد أنّها لاتختصّ بذلك فصحيح ، و إن أراد أنّها لاتحتمله فهو ظاهر الخطإ،لأنّ صاحب العين قدذكر في كتابه أنّ الفلتة من الأمر ألذي يقع علي غيرإحكام . و بعد،فلو كان عمر لم يرد بقوله توهين بيعة أبي بكر بل أراد ماظنّه المخالفون ،لكان ذلك عائدا عليه بالنقص ،لأنّه وضع كلامه في غيرموضعه ،
صفحه : 459
وأراد شيئا فعبّر عن خلافه ،فليس يخرج هذاالخبر من أن يكون طعنا علي أبي بكر إلّا بأن يكون طعنا علي عمر.انتهي . ولنوضح بعض ماتقدّم في كلام السيّد، و ماأورده من الروايات قوله قد كان يندر من عمر .. أي يسقط ويقع . قال في النهاية في حديث عمر« إنّ رجلا ندر في مجلسه فأمر القوم كلّهم بالتّطهير لئلّا يخجل الرّجل». قال معناه أنّه ضرط كأنّها ندرت منه من غيراختيار. ودويبة سوء بفتح السين بالإضافة، و فيه دلالة علي غباوة عبدالرحمن للتصغير و علي حمقه لكون اللفظة تصغير الدابة، و علي خبث طينته للإضافة إلي السوء. والوجس كالوعد الفزع ، وأوجسني .. أي أفزعني. والبذاء بالمدّ الفحش والكلام القبيح ، ويقال فلان بذيّ كغنيّ وبذيّ اللّسان. ويرضح رأس أبيك .. أي يكسر ويدقّ، من الرضح بالراء والضاد المعجمة والحاء المهملة أوبالخاء المعجمة. والجندل كجعفر الحجارة.
صفحه : 460
وتجاسر فجسر .. أي اجترأ فأقدم علي إظهار ما كان في ضميره . والضّبّ بالفتح الحقد والغيظ، و لاأحفل به .. أي لاأبالي. وبالك الخير بالباء .. أي قلبك وشأنك ، ويحتمل الياء،حرف النداء بحذف المنادي أي يا هذا لك الخير أو يا من لك الخير، و في بعض النسخ ما لك الخير. والصّعداء بضمّ الصاد وفتح العين والمدّ تنفّس ممدود. وسكت مليّا .. أي طائفة من الزّمان. ويتهادي بيننا .. أي يمشي بيننا معتمدا علينا. والإذاعة الإفشاء. و لاتريما .. أي لاتبرحا،يقال رام يريم إذابرح وزال عن مكانه . والعثرة الزّلّة، وعثرنا بكلامنا .. أي أخطأنا في حكاية كلامنا. وبرذعة الرّحل الكساء ألذي يلقي تحت الرّحل علي رحل البعير. ووا لهفاه كلمة يتحسّر بها.
صفحه : 461
والضّئيل الحقير السّخيف. وخرج إليّ منها .. أي تركها لي وسلّمها إليّ. والتّلمّظ تتّبع بقيّة الطّعام في الفم باللّسان، والمعني لم يذق من حلاوتها أبدا. والتّصوّب النّزول، والمراد قلبت هذاالأمر ظهرا لبطن ، وتفكّرت في جميع شقوقه . والإغضاء في الأصل إدناء الجفون . ونشب .. أي علق ، والمعني لم أجد بدّا من الصبر علي الشدّة كمايصبر الإنسان علي قذي في عينه أوشجا في حلقه . قوله حتي فرغ منها .. في بعض النسخ فغربها .. أي فتح فاه . والبشم بالباء الموحّدة والشين المعجمة التّخمة. والسّئام .. أي لم يسلّمها إليّ إلّا بعداستيفاء الحظّ والسأم منها. ونقم .. أي كره كراهة بالغة حدّ السخط. والدّهاء النّكر وجودة الرأّي. والشغف بالغين المعجمة والمهملة شدّة الحبّ.
صفحه : 462
ويبلوني .. أي يمتحنني ويختبرني. والأخمص ما لم يصب الأرض من القدم . والوفز العجلة، والمستوفز ألّذي يقعد قعودا منتصبا غيرمطمئنّ .. أي أوجدني متهيّئا للإقدام والنهوض منتظرا للفرصة غيرغافل . واختباها .. أي ادّخرها. والغائلة الدّاهية. والنّظر الشّزر النّظر بمؤخّر العين . والأنفة الاستنكاف وكراهة الشيّء للحمية ولغيره . وأمد الشيّء غايته . والنّواجذ أقاصي الأسنان ، والعضّ عليها كناية عن شدّة التّعلّق والتّمسّك بالشيّء. ثم اعلم أنّ ابن أبي الحديد بعد ماذكر كلام السيّد رضي اللّه عنه
صفحه : 463
قال ماحاصله إنّه لايبعد أن يقال إنّ الرضا والسخط والحبّ والبغض و ماشاكل ذلك من الأخلاق النفسانيّة و إن كانت أمورا باطنة فإنّها قدتعلم وتضطرّ الحاضرون إلي حصولها بقرائن أحوال يفيدهم العلم الضروريّ، كمايعلم خوف الخائف وسرور المبتهج ... فغير منكر أن يقول قاضي القضاة إنّ المعلوم ضرورة من حال عمر تعظيم أبي بكر ورضاه بخلافته وتديّنه بذلك ،فالذي اعترضه السيّد به غيروارد عليه ، و أمّا الأخبار التي رواها عن عمر فأخبار غريبة مارأيناها في الكتب المدوّنة إلّا في كتاب المرتضي و كتاب المستبشر لمحمد بن جرير الطبري ألذي هو من رجال الشيعة .. و أنت تعلم حال الأخبار الغريبة التي لاتوجد في الكتب المدوّنة،كيف هي. وأورد عليه أنّ الأمور الباطنة والصفات النفسانيّة لاريب في أنّها قدتظهر أحيانا بظهور آثارها وشهادة القرائن عليها،لكن الاطّلاع عليها سيّما علي وجه العلم بها والجزم بحصولها أمر متعسّر،سيّما إذاقامت الدواعي إلي إخفائها وتعلّق الغرض بسترها، وأكثر مايظنّ به العلم في هذاالباب فهو من قبيل الظن ،بل من قبيل الوهم ، وجميعها و إن اشتركت في تعسّر العلم بها إلّا أنّه في بعضها سيّما في بعض الأشخاص ، و في بعض الأحوال أشدّ وكثيرا مايظنّ المخالطون لرجل وخواصّه وبطانته في دهر طويل أنّه يتديّن بدين أويحبّ أحدا أويبغضه ثم يظهر خلافه ، والدواعي إلي إخفاء عمر بغضّ أبي بكر أوعدم التديّن بخلافته أمر واضح لاسترة به ،فإنّه كان أساسا لخلافته واصلا لإمارته ، و مع ذلك كانت
صفحه : 464
خلافة أبي بكر وسيلة إلي ما هومقصدهم الأقصي ، وقرّة عيونهم من دفع أهل البيت عليهم السلام عن هذاالمقام ،فكان قدح عمر في أبي بكر تخريبا لهذا الأساس ومناقضا لذلك الغرض ، و لم يكن كارها لخلافة أبي بكر إلّا لأنّه كانت خلافة نفسه أحبّ إليه وأقرّ لعينه كمايظهر من كلام السيّد رضي اللّه عنه و من رواياته . و من نظر بعين الإنصاف علم أنّ تعظيم عمر لأبي بكر وإظهاره الرضا بإمارته مع كونها وسيلة لانتقال الأمر إليه وصرفه عن أهل البيت لادلالة فيه بوجه من الوجوه علي تديّنه بإمامة أبي بكر، وكونها أحبّ إليه من خلافة نفسه ، و إنّ ماادّعوا من العلم الضروري في ذلك ليس إلّا عتوّا في التعصّب وعلوّا في التعسّف. لايقال إذاكانت خلافة أبي بكر أساسا لخلافة عمر وسببا لدفع عليّ عليه السلام عنها فكيف كان عمر مع شدّة حيلته ودهائه يقول علي رءوس الأشهاد كانت بيعة أبي بكر فلتة بالمعني ألذي زعمتموه وكيف يظهر مكنون ضميره لأبي موسي والمغيرة وغيرهما كمايدلّ عليه الروايات المذكورة.لأنّا نقول أمّا إفشاؤه ماأسرّ في نفسه إلي أبي موسي والمغيرة و ابن عمر فلم يكن مظنّة للخوف علي ذهاب الخلافة،إذ كان يعرفهم بحبّهم له وثيق بأنّهم لايظهرون ذلك إلّا لأهله ، و لوأظهروه لأنكر عليهم عامّة الناس ،فلم يبال بإفشائه إليهم . و أمّا حكاية الفلتة،فكانت بعداستقرار خلافته وتمكّن رعبه وهيبته في قلوب الناس ، و قددعاه إليها أنّه سمع أنّ عمّار بن ياسر كان يقول لو قدمات عمر لبايعت عليّا عليه السلام كمااعترف به الجاحظ، وحكاه عنه ابن أبي
صفحه : 465
الحديد قال و قال غيره .. إنّ المعزوم علي بيعته لومات عمر كان طلحة ابن عبيد اللّه، ويدلّ علي أنّ قصّة الفلتة كانت لمثل ذلك ما في رواية طويلة رواها البخاري وغيره من قول عمر في خطبته أنّه بلغني أنّ قائلا منكم يقول لومات أمير المؤمنين لبايعت فلانا، فلايغرّنّ امرأ أن يقول إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وتمّت،فلقد كان كذلك ، ولكن وقي اللّه شرّها.فخاف من بطلان مامهّدوه وعقدوا عليه العهود والمواثيق من بذل الجهد واستفراغ الوسع في صرف الأمر عن أمير المؤمنين عليه السلام ومنعه عنه ، و مع ذلك هاج الضغن الكامن في صدره فلم يقدر علي إخفائه والصبر عليه ،فظهر منه مثل هذاالكلام . و أمّا ماذكره من أنّ الأخبار التي رواها السيّد رضي اللّه عنه غيرموجودة في الكتب ،فليس غرضه من إيرادها إلّا نوع تأييد لماذكره من أنّ ادّعاءهم العلم الضروريّ من قبيل المجازفة، و من راعي جانب الإنصاف وجانب الاعتساف علم أنّ الأمر كماذكره . ثم قال ابن أبي الحديد اعلم أنّ هذه اللفظة وأمثالها كان عمر يقولها بمقتضي ماجبله اللّه تعالي عليه من غلظ الطينة وجفاء الطبيعة، و لاحيلة له فيها،لأنّه مجبول عليها لايستطيع تغييرها. و لاريب عندنا أنّه كان يتعاطي أن
صفحه : 466
يتكلّف و أن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة،فينزع به الطبع الجاسي والغريزة الغليظة إلي أمثال هذه اللفظات ، و لايقصد بهاسوءا و لايريد بهاتخطئة و لاذمّا، كماقدّمناه في اللفظة التي قالها في مرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، وكاللفظات التي قالها عام الحديبيّة .. و غير ذلك ، و اللّه تعالي لايجازي المكلّف إلّا بما نواه ، ولقد كانت نيّته من أظهر النيّات وأخلصها للّه سبحانه والمسلمين ، و من أنصف علم أنّ هذاالكلام حقّ. ويرد عليه أنّ اقتضاء الطبيعة واستدعاء الغريزة التّي جعله معذّرة له إن أراد أنّه بلغ إلي حيث لم يبق لعمر معه قدرة علي إمساك لسانه عن التكلّم بخلاف ما في ضميره ،بل كان يصدر عنه الذّم في مقام يريد المدح ، والشتم في موضع يريد الإكرام ، ويخرج بذلك عن حدّ التكليف ، فلامناقشة في ذلك ،لكن مثل هذا الرجل يعدّه العقلاء في زمرة المجانين ، و لاخلاف في أنّ العقل من شروط الإمامة. و إن أراد أنّه يبقي مع ذلك ما هومناط التكليف فذلك ممّالا يُسمِنُ وَ لا يغُنيِ مِن جُوعٍ، فإنّ إبليس استكبر علي آدم بمقتضي الجبلّة الناريّة و مع ذلك استحقّ النار وشملته اللعنة إلي يوم الدين ، والزاني إنّما يزني بمقتضي الشهوة التي جبله اللّه عليها و لاحيلة له فيها، و مع ذلك يرجم و لايرحم . ونعم ماتمسّك به في إصلاح هذه الكلمة من قول عمر في مرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله إنّ الرجل ليهذو، أو إنّ الرجل ليهجر، وردّه علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله حسبنا كتاب اللّه، كماسيأتي
صفحه : 467
إن شاء اللّه تعالي . و هذا في الحقيقة تسليم لماذكره السيّد رضي اللّه عنه من أنّه لايخرج هذاالكلام من أن يكون طعنا علي أبي بكر إلّا بأن يكون طعنا علي عمر. ثم قال ابن أبي الحديد وقول المرتضي قديتّفق من ظهور فضل غير أبي بكر، وخوف الفتنة مااتّفق لأبي بكر فلايستحقّ القتل ، فإنّ لقائل أن يقول إنّ عمر لم يخاطب بهذا إلّا أهل عصره ، و كان يذهب إلي أنّه ليس فيهم كأبي بكر، و لا من يحتمل له أن يبايع فلتة كمااحتمل ذلك لأبي بكر، فإن اتّفق أن يكون في عصر آخر بعدعصره من يظهر فضله ، و يكون في زمانه كأبي بكر في زمانه فهو غيرداخل في نهي عمر وتحريمه . ويرد عليه ظاهر مثل هذاالخطاب عمومه لما بعدعصر الخطاب ، ولذلك لم يخصّص أحد ماورد في الأخبار من الأوامر والنواهي بزمان دون آخر. و لوفرضنا اختصاص الحكم بأهل ذلك العصر نقول من أين كان يعلم عمر أنّ مدّة خلافته والعياذ باللّه لايمتدّ حينا من الدهر يظهر للناس من فضل رجل من أهل ذلك العصر مثل ماظهر لأبي بكر حتّي لايستحقّ من دعا إلي بيعته القتل ، فإنّ ظهور الفضل ألذي زعمه لأبي بكر لم يكن ثابتا له في جميع عمره ،بل إنّما توهّمه فيه من توهّم بعدحين وزمان ، و لم يكن عمر خطب بهذه الخطبة عندعلمه بموته حتّي يعلم أنّه ليس في أهل العصر من تمدّ إليه الأعناق مثل أبي بكر فإنّه خطب بهاأوّل جمعة دخل المدينة بعدانصرافه من الحجّ، و لم يكن طعنه أبولؤلؤة حتّي يعلم أنّه سيموت و لايبقي زمانا يمكن فيه ظهور فضل رجل من أهل العصر فكان اللائق أن يقيّد كلامه ببعض القيود و لايهمل ذكر الشروط.
صفحه : 468
و لايخفي أنّ ماجعله ابن أبي الحديد عذرا لعمر من أنّه ليس فيهم كأبي بكر باطل علي مذهبه ،فإنّه يري أمير المؤمنين عليه السلام أفضل من أبي بكر، علي أنّ اشتراط بلوغ الفضل إلي مابلغه أبوبكر لوسلّم له فضل باطل من أصله ،إذ لايشترط في الإمام علي رأي من شرط أفضليّة الإمام إلّا كونه أفضل أهل زمانه لاكونه مثل من كان إماما في زمان من الأزمان ، وبطلان القول بأنّه لم يكن في جملة المخاطبين حينئذ و إن فرض تخصيص الخطاب بأهل ذلك العصر من سبق غيره إلي الخيرات ،أظهر من أن يخفي علي أحد. و قال في جامع الأصول في تفسير الفلتة الفجأة، و ذلك أنّهم لم ينتظروا ببيعة أبي بكر عامّة الصحابة، وإنّما ابتدرها عمر و من تابعه . قال وقيل الفلتة آخر ليلة من الأشهر الحرم فيختلفون فيهاأمن الحلّ هي أم من الحرام فيسارع الموتور إلي درك الثار فيكثر الفساد ويسفك الدماء،فشبّه أيّام رسول اللّه(ص )بالأشهر الحرم ، و يوم موته بالفلتة في وقوع الشرّ من ارتداد العرب ، وتخلّف الأنصار عن الطاعة، ومنع من منع الزكاة، والجري علي عادة العرب في أن لايسود القبيلة إلّا رجل منها. ويجوز أن يريد بالفلتة الخلسة،يعني أنّ الإمامة يوم السقيفة مالت إلي تولّيها الأنفس ولذلك كثر فيهاالتشاجر،فما قلّدها أبوبكر إلّا انتزاعا من الأيدي
صفحه : 469
واختلاسا، ومثل هذه البيعة جديرة أن تكون مهيّجة للفتن ،فعصم اللّه من ذلك ووقي شرّها، وذكر مثل ذلك في النهاية. وأقول إن سلّمنا أنّ لفظة الفلتة لاتدلّ علي الذمّ، و أنّه إنّما أراد بهامحض حقيقتها في اللغة، و هوالأمر ألّذي يعمل فجأة من غيرتردّد و لاتدبّر و كان مظنّة للشرّ والفساد،ففي قوله وقي اللّه شرّها، وأمره بقتل من دعا إلي مثلها،دلالة علي أنّه زلّة قبيحة وخطيئة فاحشة،فالمستفاد من اللفظة بمجرّدها و إن كان أعمّ من الزلّة والخطيئة إلّا أنّه حمل عليها،بل علي أخصّ منها، لما هو في قوّة المخصّصة له ،فليس كلّ زلة وخطيئة يستحقّ فاعلها القتل ، و من له أدني معرفة بأساليب الكلام يعلم أنّهم يكتفون في حمل اللفظ علي أحد المعاني في صورة الاشتراك بأقلّ ممّا في هذاالكلام ، وقول عمر من دعاكم إلي مثلها فاقتلوه .. و من عاد إلي مثلها فاقتلوه .. .. و إن لم يكن موجودا فيما حكاه في جامع الأصول عن البخاري إلّا أنّ كونه من تتمّة كلامه من المسلّمات عندالفريقين ، واعترف به ابن أبي الحديد، و لايريب عاقل في أنّه لووجد المتعصّبون منهم كقاضي القضاة والفخر الرازي وصاحب المواقف وشارحه وصاحب المقاصد وشارحه وغيرهم سبيلا إلي إنكاره لمافاتهم ذلك ، و لااحتاجوا إلي التأويلات الركيكة
صفحه : 470
الباردة. و من تتبّع كتاب البخاري علم أنّ عادته في الروايات المشتملة علي ماينافي آراءهم الفاسدة إسقاطه من الرواية أوالتعبير بلفظ الكناية تلبيسا علي الجاهلين ،بل يترك الروايات المنافية لعقائدهم رأسا، و قد قال ابن خلكان في ترجمة البخاري أنّه قال صنّفت كتابي الصحيح من ستمائة ألف حديث ، ونحوه قال في جامع الأصول ، وروي عن مسلم أنّه أخرج صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة، و عن أبي داود أنّه انتخب ماأورده في كتابه من خمسمائة ألف حديث . و من سنّة القوم تسمية مايخالف عقائدهم بغير الصحيح ، و لمّا كان اهتمام البخاري في هذاالمعني أكثر من سائر من زعموا أنّ أخبارهم من صحاح الأخبار،فلذلك رفض المخالفون أكثر كتبهم في الأخبار، وعظّموا كتاب البخاري مع رداءته في ترتيب الأبواب وركاكته في عنوانها غاية التعظيم ، وقدّموه علي باقي الكتب ، و مع ذلك بحمد اللّه لايشتبه علي من أمعن النظر فيه و في غيره من كتبهم أنّها مملوّة من الفضائح ، ومشحونة بالاعتراف بالقبائح . و أمّا ماذكره في تفسير الفلتة بآخر الأشهر الحرم وتوجيهه في ذلك ،فقد عرفت ما فيه ، و ماذكره من تفسيره بالخلسة فهو تفسير صحيح ، إلّا أنّ الحقّ أنّها خلسة وسرقة عن ذي الحق لا عن النفوس التي مالت إلي توليّ الإمامة،فإنّهم كانوا أيضا من السارقين ، والأخذ من السارق لايسمّي اختلاسا، و هوواضح .
صفحه : 471
أَنّهُ تَرَكَ إِقَامَةَ الحَدّ وَ القَوَدِ فِي خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ وَ قَد قَتَلَ مَالِكَ بنَ نُوَيرَةَ وَ ضَاجَعَ امرَأَتَهُ مِن لَيلَتِهِ، وَ أَشَارَ إِلَيهِ عُمَرُ بِقَتلِهِ وَ عَزَلَهُ، فَقَالَ إِنّهُ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللّهِ سَلّهُ اللّهُ عَلَي أَعدَائِهِ. وَ قَالَ عُمَرُ مُخَاطِباً لِخَالِدٍ لَئِن وُلّيتُ الأَمرَ لَأَقِيدَنّكَ لَهُ.
و قال القاضي في المغني ناقلا عن أبي عليّ إِنّ الردّة قدظهرت من مالك ،لأنّ في الأخبار أنّه ردّ صدقات قومه عليهم لمّا بلغه موت رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] كمافعله سائر أهل الردّة،فاستحقّ القتل . قال أبو علي وإنّما قتله لأنّه ذكر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فقال صاحبك ، وأوهم بذلك أنّه ليس بصاحب له ، و كان عنده أنّ ذلك ردّة، وعلم
صفحه : 472
عندالمشاهدة المقصد و هو أميرالقوم فجاز أن يقتله ، و إن كان الأولي أن لايستعجل و أن يكشف الأمر في ردّته حتّي يتّضح،فلهذا لم يقتله . وبهذين الوجهين أجاب الفخر الرازي في نهاية العقول وشارح المواقف وشارح المقاصد. ثم قال قاضي القضاة فإن قال قائل فقد كان مالك يصليّ قيل له وكذلك سائر أهل الردّة، وإنّما كفروا بالامتناع من الزكاة واعتقادهم إسقاط وجوبها دون غيره . فإن قيل فلم أنكر عمر.قيل كان الأمر إلي أبي بكر فلاوجه لإنكار عمر، و قديجوز أن يعلم أبوبكر من الحال مايخفي علي عمر. فإن قيل فما معني ماروي عن أبي بكر من أنّ خالدا تأوّل فأخطأ.قيل أراد تأوّل في عجلته عليه بالقتل ،فكان الواجب عنده علي خالد
صفحه : 473
أن يتوقّف للشبهة. واستدلّ أبو علي علي ردّة مالك بأنّ أخاه متمّم بن نويرة لمّا أنشد عمر مرثية أخيه قال له عمر وددت أنيّ أقول الشعر فأرثي زيدا كمارثيت أخاك . فقال له متمّم لوقتل أخي علي مثل ماقتل عليه أخوك لمارثيته . فقال له عمر ماعزاّني أحد كتعزيتك ،فدلّ هذا علي أنّه لم يقتل علي الإسلام . ثم أجاب عن تزويجه بامرأته بأنّه إذاقتل علي الردّة في دار الكفر جاز ذلك عندكثير من أهل العلم و إن كان لايجوز أن يطأها إلّا بعدالاستبراء،فأمّا وطئه لامرأته فلم يثبت عنده ، و لايجوز أن يجعل طعنا في هذاالباب . واعترض عليه السيّد المرتضي رضي اللّه عنه في الشافي بقول أمّا صنيع خالد في قتل مالك بن نويرة واستباحة ماله وزوجته لنسبته إلي الردّة التي لم تظهر،بل كان الظاهر خلافها من الإسلام فعظيم ، ويجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره و لم يقم فيه حكم اللّه تعالي وأقرّه علي الخطإ ألذي شهد هو به علي نفسه ، ويجري مجراهما من أمكنه أن يعلم الحال فأهملها و لم يتصفّح ما
صفحه : 474
روي من الأخبار في هذاالباب ، وتعصّب لأسلافه ومذهبه ، وكيف يجوز عندخصومنا علي مالك وأصحابه جحد الزكاة مع المقام علي الصلاة، وهما جميعا في قرن لأنّ العلم الضروري بأنّهما من دينه صلّي اللّه عليه وآله وشريعته علي حدّ واحد، وهل نسبة مالك إلي الردّة بعد ماذكرناه إلّا قدح في الأصول ونقض لماتضمّنته من أنّ الزكاة معلومة ضرورة من دينه صلّي اللّه عليه وآله . وأعجب من كلّ عجيب قوله وكذلك سائر أهل الرّدة يعني أنّهم كانوا يصلّون ويجحدون الزكاة لأنّا قدبيّنا أنّ ذلك مستحيل غيرممكن ، وكيف يصحّ ذلك و قدروي جميع أهل النقل أنّ أبابكر وصّي الجيش الذين أنفذهم بأن يؤذّنوا ويقيموا، فإن أذّن القوم بأذانهم وأقاموا كفّوا عنهم ، و إن لم يفعلوا أغاروا عليهم فجعل إمارة الإسلام والبراءة من الردّة الأذان والإقامة، وكيف يطلق في سائر أهل الردّة مايطلقه من أنّهم كانوا يصلّون و قدعلمنا أنّ أصحاب مسيلمة وطليحة وغيرهما ممّن ادّعي النبوّة وخلع الشريعة ماكانوا يصلّون و لاشيئا ممّا جاءت به شريعتنا، وقصّة مالك معروفة عند من تأمّلها من كتب النقل والسيرة، و أنّه قد كان علي صدقات قومه بني يربوع واليا من قبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، فلمّا بلغته وفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أمسك عن أخذ
صفحه : 475
الصدقة من قومه ، و قال لهم تربّصوا بها حتي يقوم قائم بعد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله وننظر ما يكون من أمره ، و قدصرّح بذلك في شعره حيث يقول
وقالت رجال سدّد اليوم مالك | و قال رجال ،مالك لم يسدّد |
فقلت دعوني لا أبالأبيكم | فلم أخط وأيا في المقال و لااليد. |
و قلت خذوا أموالكم غيرخائف | و لاناظر فيما يجيء به غدي |
فدونكموها إنّما هي مالك | مصرّرة أخلافها لم تجدّد |
سأجعل نفسي دون ماتحذرونه | وأرهنكم يوما بما قلته يدي |
فإن قام بالأمر المجدّد قائم | أطعنا وقلنا الدين دين محمّد |
فصرّح كماتري أنّه استبقي الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم وتقرّبا إليهم إلي أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه .
وَ قَد رَوَي جَمَاعَةٌ مِن أَهلِ السّيَرِ وَ ذَكَرَهُ الطبّرَيِّ فِي تَارِيخِهِ أَنّ مَالِكاً نَهَي قَومَهُ عَنِ الِاجتِمَاعِ عَلَي مَنعِ الصّدَقَاتِ وَ فَرّقَهُم، وَ قَالَ يَا بنَيِ يَربُوعٍ إِن كُنّا قَد عَصَينَا أُمَرَاءَنَا إِذ دَعَونَا إِلَي هَذَا الدّينِ، وَ بَطّأنَا النّاسَ عَلَيهِ فَلَم نُفلِح وَ لَم نُنجِح، وَ إنِيّ قَد نَظَرتُ فِي هَذَا الأَمرِ فَوَجَدتُ الأَمرَ يَتَأَتّي لَهُم بِغَيرِ سِيَاسَةٍ، وَ إِذِ الأَمرُ لَا يَسُوسُهُ النّاسُ فَإِيّاكُم وَ مُعَادَاةَ قَومٍ يُصَنّعُ لَهُم،فَتَفَرّقُوا عَلَي ذَلِكَ إِلَي أَموَالِهِم،
صفحه : 476
وَ رَجَعَ مَالِكٌ إِلَي مَنزِلِهِ، فَلَمّا قَدِمَ خَالِدٌ البِطَاحَ بَثّ السّرَايَا وَ أَمَرَهُم بِدَاعِيَةِ الإِسلَامِ، وَ أَن يَأتُوهُ بِكُلّ مَن لَم يُجِب، وَ أَمَرَهُم إِنِ امتَنَعَ أَن يُقَاتِلُوهُ،فَجَاءَتهُ الخَيلُ بِمَالِكِ بنِ نُوَيرَةَ فِي نَفَرٍ مِن بنَيِ يَربُوعٍ، وَ اختَلَفَتِ السّرِيّةُ فِي أَمرِهِم، وَ فِي السّرِيّةِ أَبُو قَتَادَةَ الحَرثُ بنُ ربِعيِّ،فَكَانَ مِمّن شَهِدَ أَنّهُم قَد أَذّنُوا وَ أَقَامُوا وَ صَلّوا، فَلَمّا اختَلَفُوا فِيهِم أَمَرَ بِهِم خَالِدٌ فَحُبِسُوا، وَ كَانَت لَيلَةٌ بَارِدَةٌ لَا يَقُومُ لَهَا شَيءٌ،فَأَمَرَ خَالِدٌ مُنَادِياً ينُاَديِ أَدفِئُوا أُسَرَاءَكُم،فَظَنّوا أَنّهُ أَمَرَهُم بِقَتلِهِم،لِأَنّ هَذِهِ اللّفظَةَ تُستَعمَلُ فِي لُغَةِ كِنَانَةَ لِلقَتلِ،فَقَتَلَ ضِرَارُ بنُ الأَزوَدِ مَالِكاً، وَ تَزَوّجَ خَالِدٌ زَوجَتَهُ أُمّ تَمِيمٍ بِنتَ المِنهَالِ.
وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنّ السّرِيّةَ التّيِ بُعِثَ بِهَا خَالِدٌ لَمّا غَشِيَتِ القَومَ تَحتَ اللّيلِ رَاعُوهُم فَأَخَذَ القَومُ السّلَاحَ، قَالَ فَقُلنَا إِنّا لَمُسلِمُونَ.فَقَالُوا وَ نَحنُ المُسلِمُونَ.قُلنَا فَمَا بَالُ السّلَاحِ.قَالُوا لَنَا فَمَا بَالُ السّلَاحِ مَعَكُم.قُلنَا فَضَعُوا السّلَاحَ. فَلَمّا وَضَعُوا رُبِطُوا أُسَارَي،فَأُتُوا بِهِم خَالِداً،فَحَدّثَ أَبُو قَتَادَةَ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ بِأَنّ القَومَ نَادَوا بِالإِسلَامِ وَ أَنّ لَهُم أَمَاناً،فَلَم يَلتَفِت خَالِدٌ إِلَي
صفحه : 477
قَولِهِ وَ أَمَرَ بِقَتلِهِم وَ قَسّمَ سَبيَهُم،فَحَلَفَ أَبُو قَتَادَةَ أَن لَا يَسِيرَ تَحتَ لِوَاءِ خَالِدٍ فِي جَيشٍ أَبَداً، وَ رَكِبَ فَرَسَهُ شَادّاً[ أَي مُسرِعاً] إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ أَخبَرَهُ بِالقِصّةِ، وَ قَالَ لَهُ إنِيّ نَهَيتُ خَالِداً عَن قَتلِهِ فَلَم يَقبَل قوَليِ، وَ أَخَذَ بِشَهَادَةِ الأَعرَابِ الّذِينَ غَرَضُهُمُ الغَنَائِمُ، وَ أَنّ عُمَرَ لَمّا سَمِعَ ذَلِكَ تَكَلّمَ فِيهِ عِندَ أَبِي بَكرٍ فَأَكثَرَ، وَ قَالَ إِنّ القِصَاصَ قَد وَجَبَ عَلَيهِ، فَلَمّا أَقبَلَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ قَافِلًا دَخَلَ المَسجِدَ وَ عَلَيهِ قَبَاءٌ لَهُ عَلَيهِ صَدَأُ الحَدِيدِ،مُعتَجِراً بِعِمَامَةٍ لَهُ قَد غَرَزَ فِي عِمَامَتِهِ أَسهُماً، فَلَمّا دَخَلَ المَسجِدَ قَامَ إِلَيهِ عُمَرُ فَنَزَعَ الأَسهُمَ عَن رَأسِهِ فَحَطَمَهَا، ثُمّ قَالَ يَا عدُيَّ نَفسِهِ أَ عَدَوتَ عَلَي امرِئٍ مُسلِمٍ فَقَتَلتَهُ ثُمّ نَزَوتَ عَلَي امرَأَتِهِ، وَ اللّهِ لَنَرجُمَنّكَ بِأَحجَارِكَ .. وَ خَالِدٌ لَا يُكَلّمُهُ وَ لَا يَظُنّ إِلّا أَنّ رأَيَ أَبِي بَكرٍ مِثلُ مَا رَأَي عُمَرُ فِيهِ، حَتّي دَخَلَ إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ اعتَذَرَ إِلَيهِ فَعَذّرَهُ وَ تَجَاوَزَ عَنهُ،فَخَرَجَ خَالِدٌ وَ عُمَرُ جَالِسٌ فِي المَسجِدِ فَقَالَ هَلُمّ إلِيَّ يَا ابنَ أُمّ شَملَةَ،فَعَرَفَ عُمَرُ أَنّ أَبَا
صفحه : 478
بَكرٍ قَد رضَيَِ عَنهُ فَلَم يُكَلّمهُ وَ دَخَلَ بَيتَهُ.
وَ قَد رَوَي أَيضاً أَنّ عُمَرَ لَمّا ولُيَّ جَمَعَ مِن عَشِيرَةِ مَالِكِ بنِ نُوَيرَةَ مَن وَجَدَهُ مِنهُم وَ استَرجَعَ مَا وَجَدَ عِندَ المُسلِمِينَ مِن أَموَالِهِم وَ نِسَائِهِم وَ أَولَادِهِم فَرَدّ ذَلِكَ جَمِيعاً عَلَيهِم مَعَ نَصِيبِهِ كَانَ فِيهِم. وَ قِيلَ إِنّهُ ارتَجَعَ بَعضَ نِسَائِهِم مِن نوَاَحيِ دِمَشقَ وَ بَعضُهُنّ حَوَامِلُ فَرَدّهُنّ عَلَي أَزوَاجِهِنّ.
فالأمر ظاهر في خطإ خالد وخطإ من تجاوز عنه ، وقول صاحب المغني إنّه يجوز أن يخفي علي عمر مايظهر لأبي بكر ليس بشيء،لأنّ الأمر في قصّة خالد لم يكن مشتبها،بل كان مشاهدا معلوما لكلّ من حضر، و ماتأوّل به في القتل لايعذر لأجله ، و مارأينا أبابكر حكم فيه بحكم المتأوّل و لاغيره ، و لاتلافي خطأه وزلله ، وكونه سيفا من سيوف اللّه علي ماادّعاه لايسقط عنه الأحكام ، و لايبرّئه من الآثام .فأمّا قول متمّم لوقتل أخي علي ماقتل عليه أخوك لمارثيته .. فإنّه لايدلّ علي أنّه كان مرتدّا، وكيف يظنّ عاقل أنّ متمّما يعترف بردّة أخيه و هو
صفحه : 479
يطالب أبابكر بدمه والاقتصاص من قاتله وردّ سبيه ،فإنّما أراد في الجملة التقرّب إلي عمر بتقريظ أخيه . ثم لو كان ظاهر القول كباطنه لكان إنّما يفيد تفضيل قتلة زيد علي قتلة مالك ، والحال في ذلك أظهر،لأنّ زيدا قتل في بعث المسلمين ذابّا عن وجوههم ، ومالك قتل علي شبهة، و بين الأمرين فرق .فأمّا قوله في النبيّ صلّي اللّه عليه وآله صاحبك .. فقد قال أهل العلم إنّه أراد القرشية،لأنّ خالدا قرشيّ، و بعدفليس في ظاهر إضافته إليه دلالة علي نفيه له عن نفسه ، و لو كان علم من مقصده الاستخفاف والإهانة علي ماادّعاه صاحب المغني لوجب أن يعتذر خالد بذلك عند أبي بكر وعمر، ويعتذر به أبوبكر لمّا طالبه عمر بقتله ، فإنّ عمر ما كان يمنع من قتل قادح في نبوّة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و إن كان الأمر علي ذلك فأيّ معني لقول أبي بكر تأوّل فأخطأ، وإنّما تأوّل فأصاب ، إن كان الأمر علي ماذكر. وأورد عليه ابن أبي الحديد بأنّه لاملازمة بين القول بوجوب الصلاة و بين القول بوجوب الزكاة،لأنّه لاتلازم بين العبادتين في الوجود، وكونهما متشاركين في العلم بهما من الدين ضرورة لايقتضي امتناع سقوط أحدهما بشبهة،فإنّهم قالوا
صفحه : 480
إنّ اللّه تعالي قال لرسوله صلّي اللّه عليه وآله خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهّرُهُم... الآية.قالوا فوصف اللّه الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله الناس ويزكّيهم بأخذها منهم ، ثم عقّب ذلك بأنّ فرض عليه مع أخذ الزكاة منهم أن يصليّ عليهم صلاة تكون سكنا لهم .قالوا و هذه صفات لاتتحقّق في غيره ،لأنّ غيره لايطهّر الناس و لايزكّيهم بأخذ الصدقة، و لا إذاصلّي علي النّاس كان صلاته سكنا لهم ،فلم يجب علينا دفع الزكاة إلي غيره . والجواب إنّ كلام قاضي القضاة صريح في أنّ مالكا وأصحابه كفروا بالامتناع من الزكاة، واعتقادهم إسقاط وجوبها، و لو كان الحال كماذكره من أنّهم اعتقدوا سقوطها لشبهة و لم ينكروا وجوبها مطلقا لم يلزم كفرهم لإنكار أمر معلوم من الدين ضرورة، و في كلام ابن أبي الحديد اعتراف بذلك ،حيث قال إنّهم ماجحدوا وجوبها، ولكنّهم قالوا إنّه وجوب مشروط، و ليس يعلم بالضرورة انتفاء كونها مشروطة، وإنّما يعلم ذلك بنظر وتأويل .فبطل جواب القاضي ويتوجّه إيراد السيد عليه . و قدصرّح غير ابن أبي الحديد من أهل الخلاف بأنّ مالكا وأصحابه لم يكفروا بمنعهم الزكاة،حكي شارح صحيح مسلم في المنهاج في كتاب الإيمان
صفحه : 481
كلاما استحسنه عن الخطاّبي، و هذالفظه ، قال بعدتقسيم أهل الرّدة إلي ثلاثة أقسام فأمّا مانعو الزكاة منهم المقيمون علي أصل الدين فإنّهم أهل بغي، و لم يسمّوا علي الانفراد منهم كفّارا و إن كانت الردّة قدأضيفت إليهم لمشاركتهم المرتدّين في منع بعض مامنعوه من حقوق الدين ، و ذلك أنّ اسم الردّة اسم لغويّ، و كلّ من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه فقد ارتدّ عنه ، و قدوجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الحقّ وانقطع عنهم اسم الثناء والمدح بالدين ، وعلّق بهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقّا. ثم قال بعدكلام في تقسيم خطاب اللّه فإن قيل كيف تأوّلت أمر الطائفة التي منعت الزكاة علي الوجه ألذي ذهبت إليه وجعلتهم أهل بغي وهل إذاأنكرت طائفة من المسلمين في زماننا فرض الصلاة والزكاة وامتنعوا من أدائها يكون حكمهم حكم أهل البغي.قلنا لا، فإنّ من أنكر فرض الزكاة في هذاالزمان كان كافرا بإجماع المسلمين ، والفرق بين هؤلاء وأولئك أنّهم إنّما عذروا لأسباب وأمور لايحدث مثلها في هذاالزمان ،منها قرب العهد بزمان الشريعة ألذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنسخ ، ومنها إنّ القوم كانوا جهّالا بأمور الدين و كان عهدهم بالإسلام قريبا فدخلتهم الشبهة فعذروا،فأمّا اليوم و قدشاع دين الإسلام
صفحه : 482
واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتّي عرفها الخاصّ والعامّ واشترك فيهم العالم والجاهل ، فلايعذر أحد بتأويل يتأوّله في إنكارها، وكذلك الأمر في كلّ من أنكر شيئا ممّا أجمعت الأمّة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام ، إلّا أن يكون رجلا حديث عهد بالإسلام و لايعرف حدوده ،فإنّه إذاأنكر شيئا منها جهلا به لم يكفر و كان سبيله سبيل أولئك القوم في صدق اسم الدين عليه ،فأمّا ما كان الإجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصّة كتحريم نكاح المرأة علي عمّتها وخالتها، و إنّ القاتل عمدا لايرث ، و إنّ للجدّة السدس .. و ماأشبه ذلك من الأحكام ، فإنّ من أنكرها لايكفر بل يعذر فيهالعدم استفاضة علمها في العامّة ونحوه . قال في شرح الوجيز في أوّل كتاب الجنايات و أمّا التلازم بين العبادتين في الوجود فأمر لم يدّعه السيد و لاحاجة له إلي ادّعائها، وإنّما ادّعي الملازمة بين اعتقاد وجوب الصلاة و بين التصديق بوجوب الزكاة علي الوجه ألذي علم من الدين ضرورة، وخرج منكره عن الإسلام . والظاهر إنّ غرضه أنّ منكر الضروري إنّما يحكم بكفره لكون إنكاره ذلك كاشفا عن تكذيب الرسول صلّي اللّه عليه وآله وإنكار نبوّته، لا أنّ ذلك الإنكار في نفسه علّة للحكم بالكفر، ولذلك لايحكم بكفر من ادّعي شبهة محتملة، و لودلّ دليل علي كفر من أنكر ضروريا من الدين مخصوصا مطلقا لم يحكم
صفحه : 483
بكفره ،لكون ذلك الإنكار من أفراد هذاالأمر الكليّ،بل لقيام ذلك الدليل بخصوصه ، والظاهر أنّ من أنكر ضروريّا من الدين لالشبهة قادته إلي الإنكار لم ينفكّ إنكاره ذلك عن إنكار سائر الضروريات ، وتكذيب الرسول صلّي اللّه عليه وآله . و مايشاهد في بعض الناس من نفي بعض الضروريات كحدوث العالم والمعاد الجسماني ونحو ذلك مع الإقرار في الظاهر بنبوّة نبيّنا صلّي اللّه عليه وآله واعترافهم بسائر الضروريات و ماجاء به النبيّ صلّي اللّه عليه وآله فذلك لأحد الأمرين إمّا لكونهم ضالّين لشبهة اعترتهم فيما زعموه كتوهّمهم كون أباطيل بعض الفلاسفة وسائر الزنادقة برهانا يوجب تأويل الأدلّة السمعية ونحو ذلك ، أولكونهم منكرين للنبوّة في الباطن ولكن لخوف القتل والمضارّ الدنيويّة لايتجرّءون علي إنكار غير ماكشفوا عن إنكاره من الضروريات ، و أمّا إظهارهم إنكار ذلك البعض فلارتفاع الخوف في إظهاره لاختلاط عقائد الفلاسفة وغيرهم بعقائد المسلمين بحيث لاتتميّز إحداهما عن الأخري إلّا عند من عصمه اللّه سبحانه ،فمن دخل منهم تحت القسم الأول يشكل الحكم بخروجهم عن الإسلام ،لكون ماأنكروه غيرضروريّ في حقّهم و إن صدق عليه عنوان الضرورة بالنسبة إلي غيرهم ، و لاينافي ذلك أن يكونوا من أهل الضلال معاقبين علي إنكارهم لاستناده إلي تقصير منهم في طلب الحقّ. و أمّا القسم الثاني فخروجهم عن الإسلام لإنكار النبوّة،فظهر أنّ إنكار أمر ضروريّ علي وجه يوجب الكفر لاينفكّ عن إنكار النبوّة المستلزم لإنكار سائر الضروريات . فإن قيل من أين يعلم أنّ مالكا وأصحابه لم يكونوا من القسم الثاني،فلعلّهم لم ينكروا الصلاة في الظاهر لأمر دنيوي.
صفحه : 484
قلنا أوّلا هذاخلاف مااعترف به ابن أبي الحديد وقاضي القضاة والخطابي .. وغيرهم . وثانيا إنّ مالكا وأصحابه لوكانوا مشفقين من أهل الإسلام أوبقي لهم مطمع فيهم لماأعلنوا بالعداوة، و لم يريدوا قتال المسلمين كمازعمه الجمهور، علي أنّه لانزاع في إسلامهم قبل ذلك الامتناع ،فقد كان عاملا من قبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله علي صدقات قومه كمارواه أرباب السير منهم ، و إذاثبت إسلامهم وأقرّوا في الظاهر بسائر الضروريات لم يحكم بكفرهم بمجرّد ذلك الامتناع المحتمل للأمرين ،بل لأمر ثالث و هو أن يكون منعهم مستندا إلي الشحّ والبخل ،فلم يلزم كفرهم كماادّعاه قاضي القضاة وغيرهم ، و لم يجز سبي ذراريهم ونسائهم وأخذ أموالهم كمافعلوا و إن جاز قتالهم لأخذ الزكاة لوأصرّوا علي منعها علي الوجه الأخير، بعد أن يكون المتصديّ للأخذ مستحقّا له . و أمّا إذااستند المنع إلي الشبهة فكان الواجب علي من تصدّي للأخذ وأراد القتال أن يبدأ بإزالة شبهتهم ، كماصرّح به فقهاؤهم في جمهور أهل البغي. قال في شرح الوجيز في بحث البغاة من كتاب الجنايات لايبدءون بالقتال حتّي يبدءوا وليبعث الإمام أمينا ناصحا يسألهم ماينقمون ، فإن علّلوا امتناعهم بمظلمة أزالها، و إن ذكروا شبهة كشفها لهم ، و إن لم يذكروا شيئا نصحهم ووعظهم وأمرهم بالعود إلي الطاعة، فإن أصرّوا آذنهم بالقتال .. إلي آخر ما قال .
صفحه : 485
فكان علي خالد أن يسألهم أولا عن شبهتهم ويبيّن لهم بطلانها، ثم إن أصرّوا علي الامتناع والخروج عن الطاعة قاتلهم ، و لم ينقل أحد أنّ خالدا وأصحابه أزاح لهم علّة أوأبطل لهم شبهة، و لاأنّهم أصرّوا علي العصيان ،بل قدسبق في القصّة التي رواها السيّد وصدّقه ابن أبي الحديد أنّهم قالوا نحن مسلمون ،فأمرهم أصحاب خالد بوضع السلاح ، و لمّا وضعوا أسلحتهم ربطوهم أساري ، و كان علي أبي بكر أن ينكر علي خالد ويوضّح سوء صنيعه للناس ، لا أن يلقاه بوجه يخرج من عنده ويستهزئ بعمر و يقول له هلمّ إليّ يا ابن أمّ شملة. و قدروي كثير من مؤرّخيهم منهم صاحب روضة الأحباب أنّه قبض علي قائمة سيفه و قال لعمر ذلك . و لايذهب علي من له نصيب من الفهم أنّه لوشمّ من أبي بكر رائحة من الكراهة أوالتهديد لمااجترأ علي عمر بالسخرية والاستهزاء، والأمر في ذلك أوضح من أن يحتاج إلي الكشف والإفصاح ، هذا مع أنّه قداعترف أبوبكر بخطإ خالد كما
رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ حَيثُ قَالَ لَمّا قَتَلَ خَالِدٌ مَالِكَ بنَ نُوَيرَةَ وَ نَكَحَ امرَأَتَهُ كَانَ فِي عَسكَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الأنَصاَريِّ،فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَ التَحَقَ بأِبَيِ بَكرٍ، وَ حَلَفَ أَن لَا يَسِيرَ فِي جَيشٍ تَحتَ لِوَاءِ خَالِدٍ أَبَداً،فَقَصّ عَلَي أَبِي بَكرٍ القِصّةَ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لَقَد فَتَنَتِ الغَنَائِمُ العَرَبَ، وَ تَرَكَ خَالِدٌ مَا أَمَرتُهُ. فَقَالَ عُمَرُ إِنّ عَلَيكَ أَن تُقَيّدَهُ بِمَالِكٍ،فَسَكَتَ أَبُو بَكرٍ، وَ قَدِمَ خَالِدٌ فَدَخَلَ المَسجِدَ وَ عَلَيهِ ثِيَابٌ قَد صُدِئَت مِنَ الحَدِيدِ، وَ فِي عِمَامَتِهِ ثَلَاثَةُ أَسهُمٍ، فَلَمّا رَآهُ عُمَرُ قَالَ أَ رِيَاءً يَا عَدُوّ اللّهِ،عَدَوتَ عَلَي رَجُلٍ مِنَ المُسلِمِينَ فَقَتَلتَهُ وَ نَكَحتَ امرَأَتَهُ، أَمَا وَ اللّهِ إِن أمَكنَنَيَِ اللّهُ
صفحه : 486
لَأَرجُمَنّكَ، ثُمّ تَنَاوَلَ الأَسهُمَ مِن عِمَامَتِهِ فَكَسَرَهَا، وَ خَالِدٌ سَاكِتٌ لَا يَرُدّ عَلَيهِ ظَنّاً أَنّ ذَلِكَ عَن أَمرِ أَبِي بَكرٍ وَ رَأيِهِ، فَلَمّا دَخَلَ عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ حَدّثَهُ صَدّقَهُ فِيمَا حَكَاهُ وَ قَبِلَ عُذرَهُ،فَكَانَ عُمَرُ يَحرِصُ أَبَا بَكرٍ عَلَي خَالِدٍ وَ يُشِيرُ عَلَيهِ أَن يَقتَصّ مِنهُ بِدَمِ مَالِكٍ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إِيهاً يَا عُمَرُ مَا هُوَ بِأَوّلِ مَن أَخطَأَ فَارفَع لِسَانَكَ عَنهُ ثُمّ وَدَي مَالِكاً مِن بَيتِ مَالِ المُسلِمِينَ،انتَهَي.
فقوله ما هوبأوّل من أخطأ .. صريح في أنّه كان مخطئا في زعمه أيضا، و أمّا تصديقه وقبول عذره فكان للأغراض الدنيويّة، و إلّا فالتنافي بينه و بين قوله ما هوبأوّل من أخطأ، وأداء دية مالك من بيت المال واضح . وبالجملة، لم ينقل أحد من أرباب السير أنّ أبابكر أنكر خطأ خالد، وإنّما ذكروا أنّه قال لاأغمد سيفا سلّه اللّه علي الكفّار،قيل و ذلك علي تقدير صحّته ليس إلّا تمسّكا بخبر موضوع رووه مرسلا عن أبي هريرة الكذّاب أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله قال نعم عبد اللّه،خالد سيف من سيوف اللّه. وروي ذلك في خبر طويل يلوح من صدره إلي عجزه آثار الوضع ، والأظهر أنّه ليس غرضه التمسّك بالخبر،بل إنّما جعله سيفا سلّه اللّه علي الكفّار لمعاونته له علي التسلّط علي الأخيار.
صفحه : 487
و قدذكر ابن الأثير في الكامل تبرّي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله من صنيع خالد، و أنّه صلّي اللّه عليه وآله وبّخه لكلامه لعبد الرحمن بن عوف ، و أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أرسل أمير المؤمنين عليه السلام لإصلاح ماأفسده كمامرّ وسيأتي في أبواب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام . و قداعترف ابن أبي الحديد بأنّ خالدا كان جبّارا فاتكا لايراقب الدّين فيما يحمله عليه غضبه وهوي نفسه .
وَ قَالَ ابنُ عَبدِ البِرّ فِي الإِستِيعَابِ فِي تَرجَمَةِ مَالِكِ بنِ نُوَيرَةَ قَالَ الطبّرَيِّبَعَثَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَالِكَ بنَ نُوَيرَةَ عَلَي صَدَقَةِ بنَيِ يَربُوعٍ وَ كَانَ قَد أَسلَمَ هُوَ وَ أَخُوهُ مُتَمّمٌ الشّاعِرُ فَقَتَلَ خَالِدٌ مَالِكاً بِظَنّ أَنّهُ ارتَدّ حِينَ وَجّهَهُ أَبُو بَكرٍ لِقِتَالِ أَهلِ الرّدّةِ، وَ قَدِ اختُلِفَ فِيهِ هَل قَتَلَهُ مُسلِماً أَو
صفحه : 488
مُرتَدّاً وَ اللّهُ أَعلَمُ قَتَلَهُ خَطَأً، وَ أَمّا مُتَمّمٌ فَلَا شَكّ فِي إِسلَامِهِ،انتَهَي.
وممّا يدلّ علي سوء صنيع خالد أنّ عمر لمّا نزع الأسهم من رأسه و قال ما قال ، لم يردّ عليه و لم ينكره ، وظاهر للمصنف أنّه لو كان له عذر، و لم يكن خائفا لخيانته لأبدي عذره ، و لماصبر علي المذلّة.
وَ قَد رَوَي أَصحَابُنَا أَنّ مَالِكاً إِنّمَا مَنَعَ أَبَا بَكرٍ الزّكَاةَ لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَهُ لَمّا سَأَلَ أَن يُعَلّمَهُ الإِيمَانَ هَذَا وصَيِيّ مِن بعَديِ وَ أَشَارَ إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ فَلَمّا توُفُيَّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ رَجَعَ فِي بنَيِ تَمِيمٍ إِلَي المَدِينَةِ فَرَأَي أَبَا بَكرٍ عَلَي مِنبَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَتَقَدّمَ إِلَيهِ، وَ قَالَ مَن أَرقَاكَ هَذَا المِنبَرَ وَ قَد جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ وَصِيّهُ، وَ أمَرَنَيِ بِمُوَالَاتِهِ.فَأَمَرَ أَبُو بَكرٍ بِإِخرَاجِهِ مِنَ المَسجِدِ،فَأَخرَجَهُ قُنفُذُ بنُ عُمَيرٍ وَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ، ثُمّ وَجّهَ أَبُو بَكرٍ خَالِداً وَ قَالَ لَهُ لَقَد عَلِمتَ مَا قَالَ، وَ لَستُ آمَنُ أَن يَفتُقَ عَلَينَا فَتقاً لَا يَلتَئِمُ فَاقتُلهُ،فَقَتَلَهُ خَالِدٌ وَ تَزَوّجَ بِامرَأَتِهِ فِي لَيلَتِهِ.
و لوتنزّلنا عن ذلك وفرضنا أنّ مالكا وأصحابه كفروا بمنع الزكاة، فلاريب في إسلام النساء والذراري، و ليس ارتداد الرجال بمنعهم الزكاة موجبا لكفر النساء والذراريوَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخري،فما العذر في سبي خالد
صفحه : 489
وإغماض أبي بكر عن غصب الفروج والزنا حتي ردّ عمر بن الخطاب الأموال والنساء الحوامل إلي أزواجهنّ.
وَ سيَأَتيِ فِي بَابِ أَحوَالِ أَولَادِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ لَمّا سُبِيَتِ الحَنَفِيّةُ فِيمَن سبُيَِ وَ نَظَرَت إِلَي جَمعِ النّاسِ،عَدَلَت إِلَي تُربَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَرَنّت رَنّةً، وَ زَفَرَت زَفرَةً وَ أَعلَنَت بِالبُكَاءِ وَ النّحِيبِ، ثُمّ نَادَت السّلَامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيكَ وَ عَلَي أَهلِ بَيتِكَ مِن بَعدِكَ،هَؤُلَاءِ أُمّتُكَ سبونا[سَبَتنَا]سبَيَ النّوبِ وَ الدّيلَمِ، وَ اللّهِ مَا كَانَ لَنَا إِلَيهِم مِن ذَنبٍ إِلّا المَيلُ إِلَي أَهلِ بَيتِكَ،فَجَعَلَتِ الحَسَنَةَ سَيّئَةً وَ السّيّئَةَ حَسَنَةً،فسبينا[فَسَبَتنَا]، ثُمّ انعَطَفَت إِلَي النّاسِ وَ قَالَت لِمَ سَبَيتُمُونَا وَ قَد أَقرَرنَا بِشَهَادَةِ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ(ص ).قَالُوا أمنعتمونا[مَنَعتُمُونَا]الزّكَاةَ.قَالَت هَؤُلَاءِ الرّجَالُ مَنَعُوكُم،فَمَا بَالُ النّسَاءِ.فَسَكَتَ المُتَكَلّمُ كَأَنّمَا أُلقِمَ حَجَراً.
وَ قَد روُيَِ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا أَخَذَهَا بَعَثَهَا إِلَي أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ حَتّي جَاءَ أَخُوهَا فَتَزَوّجَهَا،
ويظهر بذلك بطلان ماتمسّك به بعضهم من أنّه لو كان السبي ظلما لماأخذ أمير المؤمنين عليه السلام من سبيهم ، و لو كان أمير
صفحه : 490
المؤمنين عليه السلام تزوّجها لكونها من السبي لردّها عمر فيمن ردّ. و من نظر في القصّة حقّ النظر علم أنّ ماصنعه خالد لم يكن إلّا لأخذ الغنيمة والطمع في النساء والذراري وأحقاد الجاهليّة. و قدروي مؤلّف روضة الأحباب أنّه لمّا أحضر مالك للقتل جاءت زوجته أمّ تميم بنت المنهال وكانت من أجمل نساء زمانها فألقت نفسها عليه ، فقال لها اعزبي عنيّ،فما قتلني غيرك . و قال الزمخشري في أساس البلاغة أقتله وعرضه للقتل كما قال مالك بن نويرة لامرأته حين رآه خالد بن الوليد أقتلتني بامرأة يعني سيقتلني خالد بن الوليد من أجلك . و قال ابن الأثير في النهاية في حديث خالد إنّ مالك بن نويرة قال لامرأته يَومَ قَتلِهِ خَالِدٌ أقَتلَتنِيِ .. أي عرضّتني للقتل بوجوب الدّفع عنك والمحاماة عليك وكانت جميلة تزوّجها خالد بعدقتله . ثم إنّ ابن أبي الحديد روي عن الطبري عذرا لخالد، وساق الرواية
صفحه : 491
إلي قوله فلمّا اختلفوا فيهم أمر بهم خالد فحبسوا وكانت ليلة باردة لايقوم لها شيءفأمر خالد مناديا ينادي أدفئوا أسراءكم .. فظنّوا أنّه أمر بقتلهم ،لأنّ هذه اللّفظة تستعمل في لغة كنانة في القتل ،فقتل ضرار بن الأزور مالكا .. و أنّ خالد لمّا سمع الواعية،خرج و قدفرغوا منهم ، فقال إذاأراد اللّه أمرا أصابه ..، وتزوّج خالد زوجته ، و إنّ أباقتادة فارقه و قال هذاعملك ،فغضب عليه أبوبكر و لم يرض إلّا أن يرجع إلي خالد. ويتوجّه عليه أنّه يدلّ علي بطلانه مارواه الطبري و ابن الأثير وغيرهما من أرباب السير أنّ خالدا كان يعتذر عن قتل مالك بأنّه كان يقول و هويراجع الكلام ماأخال صاحبكم إلّا قال .. كذا. و قدحكي قاضي القضاة عن أبي علي أنّه قتل خالد مالكا لأنّه أوهم بقوله ذلك أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ليس صاحبا له ،فلو كان قتله ضرار عن غيرأمر خالد فأيّ حاجة له إلي هذاالاعتذار،فالتعارض بين الاعتذارين واضح ،فتساقطا. ويدلّ علي بطلانهما أنّ عمر لمّا عاتبه وكسر أسهمه لم يعتذر بأنيّ لم أقتل مالكا بل قتله ضرار عن غيرأمري، أوبأنّه ارتدّ عن الدين لقوله صاحبك .. فلاموضع لإبداء العذر أليق من ذلك ، وهل يجوّز عاقل أن يكون لخالد عذر يري نفسه به بريئا من الإثم والخيانة، ثم يصبر مع جرأته وتهتّكه علي ماأصابه عن
صفحه : 492
عمر من الإهانة والأذي . ويدلّ علي أنّ القتل كان بأمر خالد، أو كان هوالقاتل ،قول أبي بكر تأوّل فأخطأ.
قَالَ ابنُ الأَثِيرِ فِي الكَامِلِ، قَالَ عُمَرُ لأِبَيِ بَكرٍ إِنّ سَيفَ خَالِدٍ فِيهِ رَهقٌ وَ أَكثَرَ عَلَيهِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ يَا عُمَرُ تَأَوّلَ فَأَخطَأَ،فَارفَع لِسَانَكَ عَن خَالِدٍ،فإَنِيّ لَا أَشِيمُ سَيفاً سَلّهُ اللّهُ عَلَي الكَافِرِينَ، وَ وَدَي مَالِكاً وَ كَتَبَ إِلَي خَالِدٍ أَن يَقدَمَ عَلَيهِ فَفَعَلَ، وَ دَخَلَ المَسجِدَ وَ عَلَيهِ قَبَاءٌ وَ قَد غَرَزَ فِي عِمَامَتِهِ أَسهُماً،فَقَامَ إِلَيهِ عُمَرُ فَانتَزَعَهَا فَحَطَمَهَا، وَ قَالَ لَهُ قَتَلتَ امرَأً مُسلِماً ثُمّ نَزَوتَ عَلَي امرَأَتِهِ، وَ اللّهِ لَأَرجُمَنّكَ بِأَحجَارِكَ .. وَ خَالِدٌ لَا يُكَلّمُهُ يَظُنّ أَنّ رأَيَ أَبِي بَكرٍ مِثلُهُ، وَ دَخَلَ عَلَي أَبِي بَكرٍ فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ وَ اعتَذَرَ إِلَيهِ فَعَذّرَهُ وَ تَجَاوَزَ عَنهُ، وَ عَنّفَهُ فِي التّزوِيجِ للِذّيِ كَانَت عَلَيهِ العَرَبُ مِن كَرَاهَةِ أَيّامِ الحَربِ،فَخَرَجَ خَالِدٌ وَ عُمَرُ جَالِسٌ. فَقَالَ هَلُمّ إلِيَّ يَا ابنَ أُمّ شَملَةَ،فَعَرَفَ عُمَرُ أَنّ أَبَا بَكرٍ قَد رضَيَِ عَنهُ فَلَم يُكَلّمهُ،انتَهَي.
فلو كان القاتل ضرارا لم يكن خالد متأوّلا و لامخطئا،بل كان ضرارا هوالمتأوّل المخطئ في فهم النداء ألذي أمر به خالد من قوله ادفئوا أسراءكم ، و لايخفي أنّ هذاالاعتذار لو كان صحيحا لصار الأمر في تزويج زوجة مالك أفحش ،إذ لو كان حبسه لاختلاف الجيش في أنّه وقوم يصلّون أم لا، و لم يثبت كفره ،
صفحه : 493
و قد كان إسلامه سابقا مستصحبا إلي أن يتحقّق مايزيله و لو كان قتله لخطإ ضرار في فهم نداء خالد فزوجته في حكم زوجات سائر المسلمين المتوفي عنهنّ أزواجهنّ، و لايجوز تزوّجها إلّا بعدانقضاء عدّتها،فظهر شناعة الجواب ألذي حكاه قاضي القضاة عن أبي علي أوأجاب به من عندنفسه ، و هو أنّه إذاقتل الرجل علي الردّة في دار الكفر جاز التزويج بامرأته عندكثير من أهل العلم و إن كان لايجوز وطؤها إلّا بعدالاستبراء. علي أنّ التزوّج بامرأته فجور علي أيّ حال ،لكون المرأة مسلمة وارتداد الزوج لايصير سببا لحلّ التزوّج بامرأته ، و لالكون الدار دار الكفر،سيّما إذا كان ارتداده لمااعتذروا به من قوله صاحبك .. فإنّ ذلك ارتداد لايسري إلي غيره من زوجته وأصحابه . و من الغرائب أنّ الشارح الجديد للتجريد ادّعي أنّ امرأة مالك كانت مطلّقة منه و قدانقضت عدّتها. و لاعجب ممّن غلب عليه الشقاء، وسلب اللّه منه الحياء أن يعتمد في رفع هذاالطعن الفاحش عن إمامه الغويّ و عن خالد الشقيّ بإبداء هذاالاحتمال ألذي لم يذكره أحد ممّن تقدّمه، و لم يذكر في خبر ورواية، و لم يعتذر به خالد في جواب تشنيع عمر وطعنه عليه بأنّه نزا علي زوجة خالد وتهديده بالرجم للزنا. ثم أعلن أنّ معاتبة عمر وغيظه علي خالد في قتل مالك لم يكن مراقبة
صفحه : 494
للدين ورعاية لشريعة سيّد المرسلين صلّي اللّه عليه وآله ، وإنّما تألّم من قتله لأنّه كان حليفا له في الجاهليّة، و قدعفا عن خالد لمّا علم أنّه هوقاتل سعد بن عبادة.
روُيَِ عَن بَعضِ أَصحَابِنَا، عَن أَهلِ البَيتِ عَلَيهِمُ السّلَامَ أَنّ عُمَرَ استَقبَلَ فِي خِلَافَتِهِ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ يَوماً فِي بَعضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ يَا خَالِدُ أَنتَ ألّذِي قَتَلَ مَالِكاً. فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِن كُنتُ قَتَلتُ مَالِكَ بنَ نُوَيرَةَ لِهَنَاتٍ كَانَت بيَنيِ وَ بَينَهُ فَقَد قَتَلتُ لَكُم سَعدَ بنَ عُبَادَةَ لِهَنَاتٍ كَانَت بَينَكُم وَ بَينَهُ،فَأَعجَبَ عُمَرَ قَولُهُ وَ ضَمّهُ إِلَي صَدرِهِ، وَ قَالَ لَهُ أَنتَ سَيفُ اللّهِ وَ سَيفُ رَسُولِهِ(ص ).
وَ جُملَةُ القِصّةِ، أَنّ سَعدَ بنَ عُبَادَةَ لَمّا امتَنَعَ مِن بَيعَةِ أَبِي بَكرٍ يَومَ السّقِيفَةِ وَ أَرَادَ المُبَايِعُونَ لأِبَيِ بَكرٍ أَن يُطَالِبُوهُ بِالبَيعَةِ، قَالَ لَهُم قَيسُ بنُ سَعدٍ إنِيّ نَاصِحٌ لَكُم فَاقبَلُوا منِيّ.قَالُوا وَ مَا ذَاكَ. قَالَ إِنّ سَعداً قَد حَلَفَ أَن لَا يُبَايِعَكُم، وَ هُوَ إِذَا حَلَفَ فَعَلَ، وَ لَن يُبَايِعَكُم حَتّي يُقتَلَ، وَ لَن يُقتَلَ حَتّي يُقتَلَ مَعَهُ وُلدُهُ وَ أَهلُ بَيتِهِ، وَ لَن يُقتَلُوا حَتّي يُقتَلَ الأَوسُ كُلّهَا، وَ لَن يُقتَلُوا حَتّي يُقتَلَ الخَزرَجُ، وَ لَن يُقتَلَ الأَوسُ وَ الخَزرَجُ حَتّي يُقتَلَ اليَمَنُ، فَلَا تُفسِدُوا عَلَيكُم أَمراً قَد كَمَلَ وَ استَتَمّ لَكُم،فَقَبِلُوا مِنهُ وَ لَم يَتَعَرّضُوا لِسَعدٍ. ثُمّ إِن سَعداً خَرَجَ مِنَ المَدِينَةِ إِلَي الشّامِ،فَنَزَلَ فِي قُرَي غَسّانَ مِن بِلَادِ دِمَشقَ وَ كَانَ غَسّانُ مِن عَشِيرَتِهِ، وَ كَانَ خَالِدٌ يَومَئِذٍ بِالشّامِ، وَ كَانَ مِمّن يُعرَفُ بِجَودَةِ الرمّيِ، وَ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ مَوصُوفٌ بِجَودَةِ الرمّيِ فَاتّفَقَا عَلَي قَتلِ سَعدِ بنِ عُبَادَةَ لِامتِنَاعِهِ مِنَ البَيعَةِ لِقُرَيشٍ،فَاستَتَرَا لَيلَةً بَينَ شَجَرٍ وَ كَرمٍ، فَلَمّا مَرّ بِهِمَا فِي مَسِيرِهِ رَمَيَاهُ بِسَهمَينِ، وَ أَنشَدَا بَيتَينِ مِنَ الشّعرِ وَ نَسَبَاهُمَا إِلَي الجِنّ
صفحه : 495
نَحنُ قَتَلنَا سَيّدَ الخَزرَجِ سَعدَ بنَ عُبَادَةَ | وَ رَمَينَاهُ بِسَهمَينِ فَلَم نُخطِ فُؤَادَهُ |
فظنّت العامّة أنّ الجنّ قتلوه ،فكان قول خالد لعمر كشفا لمااستتر علي الناس في تلك الواقعة، ومثل هذه الرواية إن لم تنهض بانفرادها حجّة علي المخالفين لكونها من روايات أصحابنا إلّا أنّ سكوت عمر عن خالد أيّام خلافته وترك الاقتصاص منه مع قوله في خلافة أبي بكر لئن وليت الأمر لأقيدنّك به ،قرينة واضحة علي صحّتها، و مع قطع النظر عن تلك الرواية فلاريب في المناقضة بين هذاالسكوت و ذلك القول ،فظهر أنّ له أيضا من قداح هذاالقدح سهم ، و من نصال هذاالطعن نصيب .
إنّ أبابكر قال مخبرا عن نفسه إنّ لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني و إن زغت فقومّوني ...
صفحه : 496
و لايصلح للإرشاد من يطلب الرشاد. و قال أقيلوني فلست بخيركم .. و لايحلّ للإمام الاستقالة من البيعة. وأجاب قاضي القضاة في المغني ناقلا عن شيخه أبي علي أنّ إخباره عن نفسه بما أخبر لو كان نقصا فيه لكان قوله تعالي في آدم وحوّاءفَوَسوَسَ لَهُمَا الشّيطانُ، و قوله فَأَزَلّهُمَا الشّيطانُ، و قوله تعالي وَ ما أَرسَلنا مِن
قَبلِكَ مِن رَسُولٍ وَ لا نبَيِّ إِلّا إِذا تَمَنّي... الآية،يوجب النقص في الأنبياء عليهم السلام ، و إذا لم يجب ذلك فكذلك ماوصف به أبوبكر نفسه ، وإنّما أراد أنّ عندالغضب يشفق من المعصية ويحذر منها، ويخاف أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال فيوسوس إليه ، و ذلك منه علي طريق الزجر لنفسه عن المعاصي.
وَ قَد روُيَِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ تَرَكَ مُخَاصَمَةَ النّاسِ فِي حُقُوقِهِ إِشفَاقاً مِنَ المَعصِيَةِ، وَ كَانَ يوُلَيّ ذَلِكَ عَقِيلًا، فَلَمّا أَسَنّ عَقِيلٌ كَانَ يُوَلّيهَا عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ رَحِمَهُ اللّهُ.
قال فأمّا ماروي في إقالة البيعة فهو خبر ضعيف ، و إن صحّ فالمراد به التنبيه علي أنّه لايبالي لأمر يرجع إليه أن يقيله الناس البيعة، وإنّما يضرّون بذلك أنفسهم ،فكأنّه نبّه بذلك علي أنّه غيرمكره لهم ، و أنّه قدخلّاهم و مايريدون إلّا أن يعرض مايوجب خلافه
، وَ قَد روُيَِ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَقَالَ عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ البَيعَةَ حِينَ استَقَالَهُ
، والمراد بذلك علي أنّه تركه و مايختاره و لم يكرهه .
وَ أَورَدَ عَلَيهِ السّيّدُ المُرتَضَي رضَيَِ اللّهُ عَنهُ فِي الشاّفيِبِأَنّ قَولَ أَبِي بَكرٍ وَلِيتُكُم وَ لَستُ بِخَيرِكُم، فَإِنِ استَقَمتُ فاَتبّعِوُنيِ، وَ إِنِ اعوَجَجتُ فقَوَمّوُنيِ، فَإِنّ
صفحه : 498
لِي شَيطَاناً يعَترَيِنيِ عِندَ غضَبَيِ، فَإِذَا رأَيَتمُوُنيِ مُغضَباً فاَجتنَبِوُنيِ لَا أُوثَر فِي أَشعَارِكُم وَ لَا أَبشَارِكُم ..
يدلّ علي أنّه لايصلح للإمامة من وجهين أحدهما أنّ هذه صفة من ليس بمعصوم و لايأمن الغلط علي نفسه ، و من يحتاج إلي تقويم رعيّته له إذاواقع المعصية، و قدبيّنا أنّ الإمام لابدّ أن يكون معصوما مسدّدا موفّقا. والوجه الآخر أنّ هذه صفة من لايملك نفسه ، و لايضبط غضبه ، و من هو في نهاية الطيش والحدّة، والخرق والعجلة، و لاخلاف في أنّ الإمام يجب أن يكون منزّها عن هذه الأوصاف غيرحاصل عليها، و ليس يشبه قول أبي بكر ماتلاه من الآيات كلّها،لأنّ أبابكر خبّر عن نفسه بطاعة الشيطان عندالغضب ، و أنّ عادته بذلك جارية، و ليس هذابمنزلة من يوسوس له الشيطان و لايطيعه ، ويزيّن له القبيح فلايأتيه ، و ليس وسوسة الشيطان قبحا بعيب علي الموسوس له إذا لم يستزلّه ذلك عن الصواب ،بل هوزيادة في التكليف ووجه يتضاعف معه الثواب . و قوله تعالي أَلقَي الشّيطانُ فِي أُمنِيّتِهِقيل معناه في تلاوته ، وقيل في فكرته علي سبيل الخاطر، و أيّ الأمرين كان فلاعار في ذلك علي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله و لانقص ، وإنّما العار والنقص علي من يطيع الشيطان ويتّبع مايدعو
صفحه : 499
إليه ، و ليس لأحد أن يقول هذا إن سلّم لكم في جميع الآيات لم يسلّم لكم في قوله تعالي فَأَزَلّهُمَا الشّيطانُلأنّه قدخبّر عن تأثير غوايته ووسوسته بما كان منهما من الفعل ، و ذلك لأنّ المعني الصحيح في هذه الآية أنّ آدم وحوّاء كانا مندوبين إلي اجتناب الشجرة وترك التناول منها، و لم يكن ذلك عليهما واجبا لازما،لأنّ الأنبياء عليهم السلام لايخلّون بالواجب ،فوسوس لهما الشيطان حتّي تناولا من الشجرة فتركا مندوبا إليه ، وحرّما بذلك أنفسهما الثواب وسمّاه إزلالا،لأنّه حطّ لهما عن درجة الثواب ، وفعل الأفضل . و قوله تعالي في موضع آخروَ عَصي آدَمُ رَبّهُ فَغَوي لاينافي هذاالمعني ،لأنّ المعصية قديسمّي بها من أخلّ بالواجب والندب ، و قوله فَغَوي.. أي خاب من حيث لم يستحقّ الثواب علي ماندب إليه ، علي أنّ صاحب المغني يقول إنّ هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لايستحقّ بهاعقابا و لاذمّا،فعلي مذهبه أيضا يكون المفارقة بينه و بين أبي بكر ظاهرة،لأنّ أبابكر خبّر عن نفسه أنّ الشيطان يعتريه حتّي يؤثر في الأشعار والأبشار، ويأتي مايستحقّ به التقويم ،فأين هذا من ذنب صغير لاذمّ و لاعقاب عليه و هويجري من وجه من الوجوه مجري المباح ،لأنّه لايؤثّر في أحوال فاعله وحطّ رتبته ، و ليس يجوز أن يكون ذلك منه علي سبيل الخشية والإشفاق علي ماظنّ،لأنّ مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك ، أ لاتري أنّه قال إنّ لي شيطانا يعتريني، و هذاقول من قدعرف عادته ، و لو كان علي سبيل الإشفاق والخوف لخرّج غير هذاالمخرج ، ولكان يقول
صفحه : 500
فإنيّ لاآمن من كذا .. وإنيّ لمشفق منه .فأمّا ترك أمير المؤمنين عليه السلام مخاصمة الناس ،فإنّما كان تنزّها وتكرّما، و أيّ شبه بين ذلك و بين من صرّح وشهد علي نفسه بما لايليق بالأئمّة. و أمّا خبر استقالة البيعة وتضعيف صاحب المغني له فهو أبدا يضعّف ما لايوافقه من غيرحجّة يعتمدها في تضعيفه . و قوله إنّه مااستقالها علي التحقيق وإنّما نبّه علي أنّه لايبالي بخروج الأمر عنه ، وإنّه غيرمكره لهم عليه .. فبعيد عن الصواب ،لأنّ ظاهر قوله أقيلوني .. أمر بالإقالة، وأقلّ أحواله أن يكون عرضا لها أوبذلا، وكلا الأمرين قبيح . و لوأراد ماظنّه لكان له في غير هذاالقول مندوحة، ولكان يقول إنيّ ماأكرهتكم و لاحمّلتكم علي مبايعتي، و ماكنت أبالي أن لا يكون هذاالأمر فيّ، و لاإليّ، و إنّ مفارقته لتسرنّي لو لا ماألزمنيه الدخول فيه من التمسّك به ، ومتي عدلنا عن ظواهر الكلام بلا دليل جرّ ذلك علينا ما لاقبل لنا به .فأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فإنّه لم يقل ابن عمر البيعة بعددخوله فيها، وإنّما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداء فأعفاه ،علما بأنّ إمامته لاتثبت بمبايعة من يبايعه عليها،فأين هذا من استقالة بيعة قدتقدّمت واستقرّت،انتهي كلامه رفع اللّه مقامه .
صفحه : 501
وأورد عليه ابن أبي الحديد .. بأنّ أبابكر كان حديدا ولكن لايخلّ ذلك بالإمامة،لأنّ المخلّ بالإمامة من ذلك مايخرج به الإنسان عن العقل ،فأمّا مادون ذلك فلا، و قوله فاجتنبوني لاأوثر في أشعاركم وأبشاركم .. محمول علي البلاغة في وصف القوّة الغضبيّة لا علي ظاهره ،لأنّه لم ينقل أنّه قام إلي رجل فضربه بيده ومزّق شعره ... و أمّا قول شيخنا أبي عليّ إنّ كلام أبي بكر خرج مخرج الإشفاق والحذر .. فجيّد. واعتراض المرتضي غيرلازم ،لأنّ في هذه عادة العرب يعبّرون عن الأمر بما هو منه بسبيل ،كقولهم لاتدن من الأسد فيأكلك ، ليس أنّهم قطعوا علي الأكل عندالدنوّ.فأمّا الكلام في قوله أقيلوني .. فلو صحّ الخبر لم يكن فيه مطعن عليه ،لأنّه إنّما أراد في اليوم الثاني اختبار حالهم في البيعة التي وقعت في اليوم الأوّل ليعلم وليّه من عدوّه منهم .. علي أنّا لوسلّمنا أنّه استقالهم البيعة حقيقة،فلم قال المرتضي إنّ ذلك لايجوز. أ ليس يجوز للقاضي أن يستقيل من القضاء بعدتولّيه إيّاه ودخوله فيه فكذلك يجوز للإمام أن يستقيل من الإمامة إذاآنس من نفسه ضعفا عنها، أوآنس من رعيّته نبوة عنه أوأحسّ بفساد ينشأ في الأرض من جهة ولايته علي الناس ، و من يذهب إلي أنّ الإمامة تكون بالاختيار كيف
صفحه : 502
يمنع من جواز استقالة الإمام وطلبه إلي الأمّة أن يختاروا غيره لعذر يعلمه من حال نفسه وإنّما يمتنع من ذلك المرتضي وأصحابه القائلون بأنّ الإمامة بالنصّ ..، علي أنّه إذاجاز عندهم ترك الإمام الإمامة في الظاهر كمافعله الحسن عليه السلام ، والأئمّة بعد الحسين عليهم السلام جاز للإمام علي مذهب أصحاب الاختيار أن يترك الإمامة ظاهرا وباطنا لعذر يعلمه . والجواب ، أنّ الكلّ اتّفقوا علي اشتراط العدالة في الإمام ، و لاريب في أنّه يكون من الحدّة والطيش ما لايضبط الإنسان نفسه عندهيجانه فيقدم علي المعصية، و لايدخل بذلك عرفا في زمرة المجانين ، و لايخرج عن حدّ التكليف ، و قوله فاجتنبوني لاأوثر في أشعاركم وأبشاركم .. اعتراف باتّصافه بفرد بالغ من هذاالنوع ، و لاخلاف في كونه قادحا في الإمامة، وادّعاؤه أنّه لم ينقل أنّه فعل ذلك برجل ،فقد روي نفسه مايكذّبه،حيث
روُيَِ عَن مُحَمّدِ بنِ جَرِيرٍ الطبّرَيِّ أَنّ الأَنصَارَ بَعَثُوا عُمَرَ إِلَي أَبِي بَكرٍ يَسأَلُهُ أَن يوُلَيَّ أَمرَهُم رَجُلًا أَقدَمَ سِنّاً مِن أُسَامَةَ،فَوَثَبَ أَبُو بَكرٍ وَ كَانَ جَالِساً فَأَخَذَ بِلِحيَةِ عُمَرَ، وَ قَالَ ثَكِلَتكَ أُمّكَ يَا ابنَ الخَطّابِ استَعمَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ تأَمرُنُيِ أَن أَنزِعَهُ.فَخَرَجَ عُمَرُ إِلَي النّاسِ،فَقَالُوا مَا صَنَعتَ. قَالَ امضُوا ثَكِلَتكُم أُمّهَاتُكُم، مَا لَقِيتُ فِي سَبَبِكُمُ اليَومَ مِن خَلِيفَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ .. إِلَي آخِرِ مَا رَوَاهُ.
ووثوبه علي عمر بن الخطاب وأخذه بلحيته وشتمه مع كونه معظّما مبجّلا عنده في أوّل خلافته ، والمقام لم يكن مقام الخفّة والطيش يدلّ علي أنّ ذلك الصنيع لم يخرج منه مخرج الندرة والافتلات ،بل كان ذلك من الفعل المعتاد، و مع الإغماض عنه نقول إنّ ذلك الشهادة من قبيل الرجم بالغيب ، و من ألذي
صفحه : 503
أحصي أفعال أبي بكر حتّي علم أنّه لم يفعل ذلك بأحد من معاشريه وخواصّه و أهل بيته و بعدتسليم أنّه لم يقدم قطّ علي جرح الأبشار ونتف الأشعار،نقول إذابلغ الطيش والحدّة في الشدّة إلي حدّ يخاف صاحبه علي نفسه الوثوب علي الناس فلايشكّ في أنّه يصدر عنه عندالغضب من الشتم والبذاء وأصناف الأذي قولا وفعلا مايخرجه عن حدّ العدالة المشترطة في الإمامة، و لوقصر الغضب عن القيام بما يخل بالعدالة و لوبالإصرار علي ما كان من هذاالنوع من قبيل الصغائر لم يعبّر عنه بهذا النوع من الكلام . وبالجملة،حمل كلام أبي بكر علي المبالغة لاينفعهم و لايضرّنا، وكذا التمسّك بقولهم لاتدن من الأسد .. لاينفعهم ،إذ لايقال ذلك إلّا إذاجرت عادته بأكل من دني منه ،فكذلك لاموقع لكلام أبي بكر ما لم تجر عادته بأن يؤثر غضبه في أشعار الناس وأبشارهم ، أويؤذيهم بالشتم والبذاء .. ونحو ذلك ممّا كنّي عنه بقوله لاأوثر في أشعاركم وأبشاركم ، ومثل هذاالطيش والحدّة لاريب في كونه مخرجا عن العدالة،قادحا في صلوح صاحبه للإمامة،فخروج الكلام مخرج الإشفاق والحذر علي هذاالوجه لاينفع في دفع الطعن . و أمّا ماأشار إليه تبعا للقاضي من منع صحّة الخبر في استقالة أبي بكر فممّا لاوقع له ،لاستفاضة الخبر واشتهاره في كلّ عصر وزمان ، وكونه مسلّما عندكثير من أهل الخلاف ، ولذا لمن يمنع الرازي في نهاية العقول صحّته مع ماعلم من حاله من كثرة التشكيك والاهتمام بإيراد الأجوبة العديدة، و إن كانت سخيفة ضعيفة. و قدرواه أبوعبيد القاسم بن سلام علي ماحكاه بعض الثقات من الأصحاب .
صفحه : 504
وَ قَالَ مُؤَلّفُ كِتَابِ الصّرَاطِ المُستَقِيمِ ذَكَرَهُ الطبّرَيِّ فِي تَارِيخِهِ، وَ البلَاذرُيِّ فِي أَنسَابِ الأَشرَافِ، وَ السمّعاَنيِّ فِي الفَضَائِلِ، وَ أَبُو عُبَيدَةَ قَولَ أَبِي بَكرٍ عَلَي المِنبَرِ بَعدَ مَا بُويِعَ أقَيِلوُنيِ فَلَستُ بِخَيرِكُم وَ عَلِيّ فِيكُم. وَ قَد أَشَارَ إِلَيهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الخُطبَةِ الشّقشِقِيّةِ بِقَولِهِ فَيَا عَجَباً بَينَا هُوَ يَستَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعدَ وَفَاتِهِ ..
وصحّة الخطبة مسلّمة عند ابن أبي الحديد وقاضي القضاة وغيرهما كماعرفت . و أمّا عدم رواية أصحاب أصولهم قصّة الاستقالة فلاحجّة فيه ،لأنّهم لايروون ما لاتتعلّق أغراضهم بروايته ،بل تعلّق غرضهم بانمحاء ذكره . ويدلّ علي بطلان مازعمه من أنّ أبابكر أراد اختبار حال الناس في اليوم الثاني من بيعته ليعلم وليّه من عدوّه،قول أمير المؤمنين عليه السلام بينا هويستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعدوفاته .. إذ لو كان المراد ماتوهّمه لم يكن عقده لآخر بعدالوفاة مع الاستقالة في الحياة موضعا للعجب ، وإنّما التعجّب من صرفها عن أمير المؤمنين عليه السلام عندالوفاة وعقدها لغيره مع الاستقالة منها
صفحه : 505
في الحياة،لعلمه بأنّه كان حقّا لأمير المؤمنين عليه السلام و هوواضح ، ولعلّهم لاينكرون أنّ فهم أمير المؤمنين عليه السلام مقدّم علي فهمهم . و قدظهر ممّا ذكرناه ضعف ماأجاب به الفخر الرازي في نهاية العقول من أنّه ذكر ذلك علي سبيل التواضع وهضم النفس ، كما
قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَا تفُضَلّوُنيِ عَلَي يُونُسَ بنِ مَتّي ..
والفرق بين استقالة أبي بكر والخبر ألذي رواه علي تقدير صحّته واضح ، و لوأراد مجرّد الاستشهاد علي ورود الكلام للتواضع وهضم النفس و هوأمر لاينازع فيه لكن لايلزم منه صحّة حمل كلّ كلام عليه . و أمّا ماذكره من جواز الاستقالة تشبيها بالقضاء،فيرد عليه ، أنّه إذاجازت الاستقالة من الإمام و لم يتعيّن عليه القيام بالأمر فلم لم يرض عثمان بالخلع مع أنّ القوم حصروه وتواعدوه بالقتل ، فقال لاأخلع قميصا قمّصنيه اللّه عزّ و جلّ، وأصرّ علي ذلك حتّي قتل ، و قدجاز بلا خلاف إظهار كلمة الشرك وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير عندالخوف علي النفس ،فدلّ ذلك الإصرار منه علي أنّ الخلع أعظم من إظهار كلمة الكفر وغيره من الكبائر، و أنّ ماأتي به أبوبكر كان أعظم ممّا ذكر علي مذهب عثمان ،فما دفع به الطعن عن أبي بكر يوجب قدحا شنيعا في عثمان ، فإنّ تعريض النفس للقتل لأمر مباح لم يقل بجوازه أحد. و قدأشار إلي ذلك الشيخ المفيد قدّس اللّه روحه ،حيث قال علي أنّ
صفحه : 506
الاختيار إن كان للأمّة و كان إليها الخلع والعزل لم يكن لدعائها عثمان إلي أن يخلع نفسه معني يعقل ،لأنّه كان لها أن تخلعه و إن لم يجبها إلي ذلك ، و إن كان الخلع إلي الإمام فلامعني لقول أبي بكر أقيلوني .. و قد كان يجب لمّا كره الأمر أن يخلع هونفسه ... و هذاأيضا تناقض آخر يبيّن عن بطلان الاختيار وتخليط القوم . و أنت أرشدك اللّه إذاتأمّلت قول أمير المؤمنين عليه السلام فيا عجبا بينا هويستقيلها .. إلي آخره ،وجدته عجبا، وعرفت من المغزي كان من الرجل في القوم وبان خلاف الباطن منه ، وتيقّنت الحيلة التي أوقعها والتلبيس ، وعثرت به علي الضلال وقلّة الدين ، و اللّه نسأل التوفيق ،انتهي . و أمّا ماذكره من قياس خلع الخليفة نفسه اختيارا بما صدر عن أئمّتنا عليهم السلام تقيّة واضطرارا فهو أظهر فسادا من أن يفتقر إلي البيان ، مع أنّه يظهر ممّا مرّ جوابه وسيأتي بعض القول في ذلك ،وَ اللّهُ المُستَعانُ.
أنّه كان جاهلا بكثير من أحكام الدين ،
فَقَد قَالَ فِي الكَلَالَةِ أَقُولُ فِيهَا
صفحه : 507
برِأَييِ، فَإِن كَانَ صَوَاباً فَمِنَ اللّهِ وَ إِن يَكُن خَطَأً فمَنِيّ
وَ لَم يَعرِف مِيرَاثَ الجَدّةِ
فَقَالَ لِجَدّةٍ سَأَلَتهُ عَن إِرثِهَا لَا أَجِدُ لَكِ شَيئاً فِي كِتَابِ اللّهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ
صفحه : 508
صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،فَأَخبَرَهُ المُغِيرَةُ وَ مُحَمّدُ بنُ مَسلَمَةَ أَنّ الرّسُولَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعطَاهَا السّدُسَ، وَ قَالَ أَطعِمُوا الجَدّاتِ السّدُسَ
، وقطع يسار السارق ، وأحرق فجاءة بالنار، و لم يعرف ميراث العمّة والخالة .. إلي غير ذلك .
صفحه : 509
وَ قِصّةُ فُجَاءَةَ عَلَي مَا ذَكَرَهُ ابنُ الأَثِيرِ فِي الكَامِلِ هيَِ أَنّهُ جَاءَ فُجَاءَةُ السلّمَيِّ وَ اسمُهُ إِيَاسُ بنُ عَبدِ اللّهِ يَالِيلَ إِلَي أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ لَهُ أعَنِيّ بِسِلَاحٍ أُقَاتِل أَهلَ الرّدّةِ،فَأَعطَاهُ سِلَاحاً وَ أَمَرَهُ أَمرَهُ فَخَالَفَ إِلَي المُسلِمِينَ، وَ خَرَجَ حَتّي نَزَلَ بِالجِوَاءِ، وَ بَعَثَ نَجِيّةَ وَ أَمَرَهُ بِالمُسلِمِينَ،فَشَنّ الغَارَةَ عَلَي كُلّ مُسلِمٍ فِي سُلَيمٍ وَ عَامِرٍ وَ هَوَازِنَ،فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَكرٍ،فَأَرسَلَ إِلَي طَرِيفَةَ بنِ حاَشيِ[الحاَشيِ]فَأَمَرَهُ أَن يَجمَعَ لَهُ وَ يَسِيرَ إِلَيهِ، وَ بَعَثَ إِلَيهِ عَبدَ اللّهِ بنَ قَيسٍ الحاَشيِ عَوناً،فَنَهَضَ إِلَيهِ وَ طَلَبَاهُ،فَلَاذَ مِنهُمَا، ثُمّ لَقِيَاهُ عَلَي الجِوَاءِ فَاقتَتَلُوا فَقُتِلَ نَجِيّةُ وَ هَرَبَ الفُجَاءَةُ،فَلَحِقَهُ طَرِيفَةُ فَأَسَرَهُ، ثُمّ بَعَثَ بِهِ إِلَي أَبِي بَكرٍ، فَلَمّا قَدِمَ أَمَرَ أَبُو بَكرٍ أَن
صفحه : 510
يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فِي مُصَلّي المَدِينَةِ، ثُمّ رَمَي بِهِ فِيهَا مَقمُوطاً أَي مَشدُودَ اليَدَينِ وَ الرّجلَينِ.
و قدروي القصّة كثير من أرباب السير. وأجاب صاحب المواقف وشارحه بأنّ الأصل و هوكون الإمام عالما بجميع الأحكام ممنوع ، وإنّما الواجب الاجتهاد، و لايقتضي كون جميع الأحكام حاضرة عنده بحيث لايحتاج المجتهد فيها إلي نظر وتأمّل، و أبوبكر مجتهد،إذ ما من مسألة في الغالب إلّا و له فيه قول مشهور عند أهل العلم ، وإحراق فجاءة إنّما كان لاجتهاده وعدم قبول توبته لأنّه زنديق ، و لاتقبل توبة الزنديق في الأصح . و أمّا قطع يسار السارق ،فلعلّه من غلط الجلّاد، أورآه في المرّة الثالثة من السرقة، و هورأي الأكثر من العلماء. ووقوفه في مسألة الجدّة ورجوعه إلي الصحابة في ذلك لأنّه غيربدع من المجتهد البحث عن مدارك الأحكام ،انتهي . وأجيب بأنّه قدثبت أنّ من شرائط الإمامة العلم بجميع الأحكام ، و قدظهر من أبي بكر الاعتراف علي نفسه بأنّه لم يعرف الحكم فيها، وعدم تعرّض من تصدّي للجواب لمنع صحّة ماذكر اعتراف بصحّته. ثم إنّ الكلالة علي مارواه الأصحاب عن أئمّتنا عليهم السلام أولاد
صفحه : 511
الأب والأم ، وهم الإخوة من الطرفين أو من أحدهما، و قددلّت آية الميراث في أوّل سورة النساء علي حكم من كان من قبل الأمّ منهم ، و في آخر السورة علي حكم من كان من قبل الأب والأم أو من قبل الأب ،سمّيت كلالة لإحاطتها بالرجل كالإكليل بالرأس و هو مايزيّن بالجوهر شبه العصابة، أولأنّها مأخوذة من الكلّ لكونها ثقلا علي الرجل ، و ألذي رواه قوم من المفسّرين عن أبي بكر وعمر و ابن عباس في أحد الروايتين عنه أنّها من عدا الوالد والولد. و في الرواية الأخري عن ابن عباس أنّها من عدا الولد.أقول يرد هنا آخر علي أبي بكر،بل علي صاحبه ، و هوأنّهما فسّرا القرآن برأيهم كماصرّح به أبوبكر ورووا في صحاحهم المنع من ذلك ،
صفحه : 512
و من فسّر القرآن برأيه فقد كفر،
وَ رَوَي فِي المِشكَاةِ وَ المَصَابِيحِ، عَنِ الترّمذِيِّ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ مَن قَالَ فِي القُرآنِ بِرَأيِهِ فَليَتَبَوّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ.
وَ فِي رِوَايَةٍ مَن قَالَ فِي القُرآنِ بِغَيرِ عِلمٍ فَليَتَبَوّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ.
وَ عَنِ الترّمذِيِّ وَ أَبِي دَاوُدَ، عَن جُندَبٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مَن قَالَ فِي القُرآنِ بِرَأيِهِ فَأَصَابَ فَقَد أَخطَأَ.
وَ عَن أَحمَدَ وَ ابنِ مَاجَةَ بِإِسنَادِهِمَا عَن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ، قَالَسَمِعَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]قَوماً يَتَدَارَءُونَ فِي القُرآنِ، فَقَالَ
صفحه : 513
إِنّمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم بِهَذَا،ضَرَبُوا كِتَابَ اللّهِ بَعضَهُ بِبَعضٍ، وَ إِنّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللّهِ يُصَدّقُ بَعضُهُ بَعضاً، فَلَا تُكَذّبُوا بَعضَهُ بِبَعضٍ،فَمَا عَلِمتُم مِنهُ فَقُولُوا، وَ مَا جَهِلتُم فَكِلُوهُ إِلَي عَالِمِهِ.
والأخبار في ذلك كثيرة. و قال الفخر الرازي اختار أبوبكر أنّ الكلالة عبارة عن سوي الوالدين والولد، و هذا هوالمختار، و أمّا عمر فإنّه كان يقول الكلالة ماسوي الولد،
وَ روُيَِ أَنّهُ لَمّا طَعَنَ قَالَ كُنتُ أَرَي الكَلَالَةَ مَن لَا وَلَدَ لَهُ وَ أَنَا أسَتحَييِ أَن أُخَالِفَ أَبَا بَكرٍ.
وَ عَن عُمَرَ فِيهِ رِوَايَةٌ أُخرَي وَ هُوَ التّوَقّفُ، وَ كَانَ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ لَأَن يَكُونَ بَيّنَهَا الرّسُولُص لَنَا أَحَبّ إلِيَّ مِنَ الدّنيَا وَ مَا فِيهَا،الكَلَالَةُ، وَ الخِلَافَةُ، وَ الرّبَا.انتَهَي.
و لايشتبه علي الفطن الناظر في مثل هذه الروايات أنّ آراءهم لم يتفرّع عن أصل وليست إلّا اتّباعا للأهواء وقولا في أحكام اللّه بغير علم و لاهدي من اللّه، و لو كان مارآه عمر في الكلالة اجتهادا منه كمازعموا لماجاز له الحكم بخلافه استحياء من خلاف أبي بكر، و اللّه ورسوله أحقّ بأن يستحي منهما، و من لايستحي من أن يقول لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله إنّ الرجل ليهجر،فاللائق
صفحه : 514
بحاله أن لايستحي من أحد، وتمنّيه أن يكون الرسول صلّي اللّه عليه وآله بيّن لهم الخلافة دليل واضح علي شكّه في خلافة أبي بكر و في خلافته ، كماسبق مايدلّ علي الشكّ عن أبي بكر، و ماجعله دليلا علي اجتهاد أبي بكر من أنّ له في المسائل أقوالا مشهورة عند أهل العلم فأوّل ما فيه أنّه افتراء علي أبي بكر، وأين هذه الأقوال المشهورة التي لم يسمعها أحد و من لم يرو عن النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في مدة البعثة، و قد كان بزعمهم الفاسد أوّل الناس إسلاما، و كان من بطانته وصاحبا له في الغار غيرمفارق عنه في الأسفار إلّا مائة واثنين وأربعين حديثا، مع ماوضعه في ميراث الأنبياء لحرمان أهل البيت عليهم السلام ودفنهم حيث يموتون لأن يدفن النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في بيت عائشة ويسهّل ماأوصي به من دفنه مع الرسول صلّي اللّه عليه وآله و غير ذلك لأغراض أخر،فمبلغ علمه وكثرة أقواله ظاهر لأولي الألباب . ثم لوسلّمت كثرة أقواله فليس مجرّد القول دليلا علي الاجتهاد والقوّة في العلم ، و من تتبّع آثارهم وأخبارهم علم أنّه ليس فيها مايدلّ علي دقّة النظر وجودة الاستنباط،بل فيها مايستدلّ به علي دناءة الفطرة وركاكة الفهم ، كما لايخفي علي المتتبّع. و أمّا قطع يسار السارق في المرّة الأولي فهو خلاف الإجماع ، و قداعترف به الفخر الرازي في تفسير آية السرقة، و لو كان من غلط الجلّاد لأنكره عليه أبوبكر وبحث عن الحال ،هل كان عن تعمّد من الجلّاد فيقاصّه بفعله أو علي السهو والخطإ فيعمل بمقتضاه وكون القطع في المرّة الثالثة خلاف المنقول ، و لم يبد هذاالاحتمال أحد غيرالفخر الرازي وتبعه المتأخّرون عنه .
صفحه : 515
و أمّا الاجتهاد في إحراق فجاءة السلمي فهو من قبيل الاجتهاد في مقابلة النصّ، و قدقامت الأدلّة علي بطلانه ، و ماذكره من عدم قبول توبته لأنّه زنديق فاسد،إذ لم ينقل أحد عن فجاءة إلّا الإغارة علي قوم من المسلمين ، ومجرّد ذلك ليس زندقة حتّي لاتقبل توبته ، و قدذكر في المواقف في الطعن أنّه كان يقول أنامسلم .. و لم يمنعه في مقام الجواب . واعلم أنّ الرواية الدالّة علي عدم التعذيب بالنار من الروايات الصحيحة عندالعامّة، ورواه البخاري في باب لايعذّب بعذاب اللّه من كتاب الجهاد عن أبي هريرة و عن ابن عباس . ورواه ابن أبي الحديد أيضا.
وَ ألّذِي رَوَاهُ أَصحَابُنَا مَا روُيَِ فِي الفَقِيهِ وَ غَيرِهِ، عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ نَهَي أَن يُحرَقَ شَيءٌ مِنَ الحَيَوَانِ بِالنّارِ
،لكن في بعض أخبارنا ماينافي هذاالعموم ، وسيأتي الكلام فيه في كتاب المناهي إن شاء اللّه تعالي ، و لايضرّ ذلك في الطعن ،لأنّ بناءه علي الإلزام لاعتراف العامّة بصحّتها. و ماروي من فعل أمير المؤمنين عليه السلام فهو عندنا استناد إلي نصّ خاصّ ورثه عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و عندالعامّة استناد إلي الاجتهاد،
صفحه : 516
فلامطعن فيه بالاتّفاق.
صفحه : 517
قال المخالفون كان مولده بمكة بعدالفيل بسنتين وأربعة أشهر إلّا أيّاما، واسمه عبد اللّه بن عثمان بن أبي قحافة بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وقيل اسمه عتيق ، وقيل كان اسمه عبدربّ الكعبة،فسمّاه النبيّ صلّي اللّه عليه وآله عبد اللّه، وأمّه أمّ الخير سلمي بنت صخر بن عامر بن كعب .غصب الخلافة ثاني يوم مات فيه النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، ومات بالمدينة ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة بين المغرب والعشاء و له ثلاث وستون سنة، وقيل خمس وستون ، والأول أشهر. وكانت مدّة خلافته المغصوبة سنتين وأربعة أشهر.
صفحه : 518
و قال في الاختصاص مات و هو ابن ثلاث وستين سنة، وولي الأمر سنتين وستة أشهر. ثم اعلم أنّه لم يكن له نسب شريف و لاحسب منيف ، و كان في الإسلام خيّاطا، و في الجاهليّة معلّم الصبيان ، ونعم ماقيل
كفي للمرء نقصا أن يقال بأنّه | معلّم أطفال و إن كان فاضلا |
و كان أبوه سيّئ الحال ضعيفا، و كان كسبه أكثر عمره من صيد القماري والدباسي لايقدر علي غيره ، فلمّا عمي وعجز ابنه عن القيام به التجأ إلي عبد اللّه ابن جدعان من رؤساء مكة فنصبه ينادي علي مائدته كلّ يوم لإحضار الأضياف ، وجعل له علي ذلك مايعونه من الطعام ،ذكر ذلك جماعة منهم الكلبي في كتاب المثالب علي ماأورده في الصراط المستقيم ولذا قال أبوسفيان لعليّ عليه السلام بعد ماغصب الخلافة أرضيتم يابني عبدمناف أن يلي عليكم تيميّ رذل ، و قال أبوقحافة مارواه ابن حجر في صواعقه حيث قال وأخرج الحاكم أنّ أباقحافة لمّا سمع بولاية ابنه قال هل رضي بذلك بنو عبدمناف وبنو المغيرة.قالوا نعم . قال أللّهمّ لاواضع لمارفعت و لارافع لماوضعت .
صفحه : 519
وَ قَالَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ فِي بَعضِ كَلِمَاتِهَا إِنّهُ مِن أَعجَازِ قُرَيشٍ وَ أَذنَابِهَا
. و قال بعض الظرفاء بل من ذوي أذنابها. و قال صاحب إلزام النواصب أجمع النسّابون أنّ أباقحافة كان حبرا لليهود يعلّم أولادهم . والعجب أنّهم مع ذلك يدّعون أنّ اللّه تعالي أغني النبيّ صلّي اللّه عليه وآله بمال أبي بكر. وعقد الخلافة عندموته لعمر،فحمل أثقاله مع أثقاله ، وأضاف وباله إلي وباله .
وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي كَيفِيّةِ ذَلِكَ أَنّهُ أَحضَرَ أَبُو بَكرٍ عُثمَانَ وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفسِهِ فَأَمَرَ أَن يَكتُبَ عَهداً، وَ قَالَ اكتُببِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ بِهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عُثمَانَ إِلَي المُسلِمِينَ أَمّا بَعدَ،.. ثُمّ أغُميَِ عَلَيهِ،فَكَتَبَ عُثمَانُ قَدِ استَخلَفتُ عَلَيكُمُ ابنَ الخَطّابِ، وَ أَفَاقَ أَبُو بَكرٍ، فَقَالَ اقرَأ فَقَرَأَهُ،فَكَبّرَ أَبُو بَكرٍ، وَ قَالَ أَرَاكَ خِفتَ أَن يَختَلِفَ النّاسُ إِن مِتّ فِي غشَيتَيِ
صفحه : 520
قَالَ نَعَم. قَالَ جَزَاكَ اللّهُ خَيراً عَنِ الإِسلَامِ وَ أَهلِهِ، ثُمّ أَتَمّ العَهدَ وَ أَمَرَهُ أَن يَقرَأَ عَلَي النّاسِ فَقَرَأَ، ثُمّ أَوصَي إِلَي عُمَرَ بِوَصَايَا.
قَالَ وَ رَوَي كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ أَنّ أَبَا بَكرٍ لَمّا نَزَلَ بِهِ المَوتُ دَعَا عَبدَ الرّحمَنِ بنَ عَوفٍ، فَقَالَ أخَبرِنيِ عَن عُمَرَ، فَقَالَ إِنّهُ أَفضَلُ مَن رَأَيتُهُ إِلّا أَنّ فِيهِ غِلظَةً. فَقَالَ ذَاكَ لِأَنّهُ يرَاَنيِ رَفِيقاً وَ لَو قَد أَفضَي الأَمرُ إِلَيهِ لَتَرَكَ كَثِيراً مِمّا هُوَ عَلَيهِ، وَ قَد رَمَقتُهُ إِذَا أَنَا غَضِبتُ عَلَي رَجُلٍ أرَاَنيِ الرّضَا عَنهُ، وَ إِذَا لِنتُ أرَاَنيِ الشّدّةَ عَلَيهِ، ثُمّ دَعَا عُثمَانَ، فَقَالَ أخَبرِنيِ عَن عُمَرَ. فَقَالَ سَرِيرَتُهُ خَيرٌ مِن عَلَانِيَتِهِ، وَ لَيسَ فِينَا مِثلُهُ. فَقَالَ لَهُمَا لَا تَذكُرَا مِمّا قُلتُ لَكُمَا شَيئاً، وَ لَو تَرَكتُ عُمَرَ مَا عَدَوتُكَ يَا عُثمَانُ، وَ الخِيَرَةُ لَكَ أَن لَا تلَيَِ مِن أُمُورِهِم شَيئاً، وَ لَوَدِدتُ أنَيّ كُنتُ مِن أُمُورِكُم خِلواً، وَ كُنتُ فِيمَن مَضَي مِن سَلَفِكُم. وَ دَخَلَ طَلحَةُ عَلَي أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ إِنّهُ بلَغَنَيِ أَنّكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ(ص )استَخلَفتَ عَلَي النّاسِ عُمَرَ، وَ قَد رَأَيتَ مَا يَلقَي النّاسُ مِنهُ وَ أَنتَ مَعَهُ،فَكَيفَ إِذَا خَلَا بِهِم وَ أَنتَ غَداً لَاقٍ رَبّكَ فَسَائِلُكَ عَن رَعِيّتِكَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أجَلسِوُنيِ .. أجَلسِوُنيِ، ثُمّ قَالَ أَ بِاللّهِ تخُوَفّنُيِ، إِذَا لَقِيتُ ربَيّ فسَاَءلَنَيِ، قُلتُ استَخلَفتُ عَلَيهِم خَيرَ أَهلِكَ. فَقَالَ طَلحَةُ أَ عُمَرُ خَيرُ النّاسِ
صفحه : 521
يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ.فَاشتَدّ غَضَبُهُ وَ قَالَ إيِ وَ اللّهِ، هُوَ خَيرُهُم وَ أَنتَ شَرّهُم، أَمَا وَ اللّهِ لَو وَلّيتُكَ لَجَعَلتَ أَنفَكَ فِي قَفَاكَ، وَ لَرَفَعتَ نَفسَكَ فَوقَ قَدرِهَا حَتّي يَكُونَ اللّهُ هُوَ ألّذِي يَضَعُهَا،أتَيَتنَيِ وَ قَد دَلَكتَ عَينَيكَ تُرِيدُ أَن تفَتنِنَيِ عَن ديِنيِ، وَ تزُيِلنَيِ عَن رأَييِ،قُم لَا أَقَامَ اللّهُ رِجلَيكَ، أَمَا وَ اللّهِ لَئِن عِشتُ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَ بلَغَنَيِ أَنّكَ غَمّضتَهُ فِيهَا أَو ذَكَرتُهُ بِسُوءٍ لَأَلحَقَنّكَ بِخَمصَاتِ قُنّةَ حَيثُ كُنتُم تُسقَونَ وَ لَا تَروَونَ، وَ تُرعَونَ وَ لَا تَشبَعُونَ، وَ أَنتُم بِذَلِكَ مُبتَهِجُونَ رَاضُونَ.فَقَامَ طَلحَةُ فَخَرَجَ.
قال وتوفيّ ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخرة من سنة ثلاث عشرة.انتهي . و قال في الإستيعاب قول الأكثر أنّه توفيّ عشيّة يوم الثلاثاء المذكور. وقيل ليلته . وقيل عشيّة يوم الإثنين . قال ومكث في خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلّا خمس ليال . وقيل سنتين
صفحه : 522
وثلاثة أشهر وسبع ليال . و قال ابن إسحاق توفيّ علي رأس اثنتين وثلاثة أشهر واثني عشر يوما من متوفّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله . وقيل وعشرة أيّام. وقيل وعشرين يوما. قال واختلف في السبب ألذي مات منه ،فذكر الواقدي أنّه اغتسل في يوم بارد فحمّ ومرض خمسة عشر يوما، و قال الزبير بن بكّار كان به طرف من السل ، وروي عن سلام بن أبي مطيع إنّه سمّ. قال وأوصي بغسله أسماء بنت أبي عميس زوجته فغسّلته، وصلّي عليه عمر بن الخطاب ونزل في قبره عمر وعثمان وطلحة و عبد اللّه بن أبي بكر، ودفن ليلا في بيت عائشة.أقول انظروا بعين الإنصاف إلي الخلافة الكبري ورئاسة الدين والدنيا كيف صارت لعبة للجهّال وخلسة لأهل الغيّ والضلال ،بحيث يلهم بهاالفاسق الفاجر اللئيم عثمان ويكتبها برأيه بدون مصلحة الخليفة الخوّان، ثم يمدحه هذاالشقيّ ويشكره ويجزيه خيرا عن الإسلام وأهله ، و لا يقول له لم اجترأت علي هذاالأمر الكبير والخطب الخطير ألذي يترتّب عليه عظائم الأمور بمحض رأيك وهواك ، مع أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله كان لايجترئ أن يخبر بأدني حكم بدون
صفحه : 523
الوحي الإلهي. ويلزم علي زعمهم أن يكون أبوبكر وعثمان أشفق علي أهل الإسلام والإيمان من الرسول ألذي أرسله الرحمن لهداية الإنس والجان ،لأنّه صلّي اللّه عليه وآله بزعمهم أهمل أمر الأمّة و لم يوص لهم بشيء، وهما أشفقا علي الأمّة حذرا من ضلالتهم فعيّنا لهم جاهلا شقيّا فظّا غليظا ليدعو الناس إلي نصبهم وغباوتهم ، ويصرفهم عن أهل بيت نبيّهم صلوات اللّه عليه [كذا]. والعجب من عمر كيف لم يقل لأبي بكر في تلك الحالة التي يغمي عليه فيهاساعة ويفيق أخري إنّه ليهجر، ويمنعه من الوصيّة كمامنع نبيّه صلّي اللّه عليه وآله ونسبه إلي الهجر. وكيف اجترأ أبوبكر علي ربّه في تلك الحالة التي كان يفارق الدنيا ويرد علي ربّه تعالي فحكم بكون عمر أفضل الصحابة مع كون أمير المؤمنين عليه السلام بينهم ، و قال فيه نبيّهم أللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك .. وسائر مارووه في صحاحهم فيه عليه السلام ، وأنزله اللّه فيه صلوات اللّه عليه . وهل يريب لبيب في أنّ تلك الأمور المتناقضة، والحيل الفاضحة الواضحة لم تكن إلّا لتتميم ماأسّسوه في الصحيفة الملعونة من منع أهل البيت عليهم السلام عن الخلافة والإمامة، وحطّهم عن رتبة الرئاسة والزعامة،جزاهم اللّه عن الإسلام وأهله شرّ الجزاء، وتواتر عليهم لعن ملائكة الأرض والسماء.أقول و قدمرّ في باب ماأظهر من الندامة عندالوفاة مايناسب هذه الخاتمة.
صفحه : 527
و أمّا افتخارهم بدفنه في جوار النبيّ صلّي اللّه عليه وآله فسيأتي فيه .
وَ رَوَي فِي الصّرَاطِ المُستَقِيمِ بِإِسنَادِهِ عَن عَاصِمِ بنِ حُمَيدٍ، عَن صَفوَانَ، عَنِ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُمَا لَم يَبِيتَا مَعَهُ إِلّا لَيلَةً ثُمّ نُقِلَا إِلَي وَادٍ فِي جَهَنّمَ يُقَالُ لَهَا واد[واَديِ]الدّودِ.
صفحه : 529
مَا رَوَتهُ العَامّةُ وَ الخَاصّةُ أَنّهُ أَرَادَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي مَرَضِهِ أَن يَكتُبَ لِأُمّتِهِ كِتَاباً لِئَلّا يَضِلّوا بَعدَهُ وَ لَا يَختَلِفُوا،فَطَلَبَ دَوَاةً وَ كَتِفاً أَو نَحوَ ذَلِكَ،فَمَنَعَ عُمَرُ مِن إِحضَارِ ذَلِكَ وَ قَالَ إِنّهُ لَيَهجُرُ، أَو مَا يؤُدَيّ هَذَا المَعنَي،
و قدوصفه اللّه سبحانه بأنّه لاينطق عن الهوي ، و أنّ كلامه ليس إلّا وحيا يوحي ، وكثر اختلافهم وارتفعت أصواتهم حتّي تسأّم وتزجّر. فقال بعضهم أحضروا ماطلب . و قال بعضهم القول ما قال عمر، و قد قال اللّه سبحانه وَ ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَ لا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَي اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَ مَن يَعصِ
اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَد ضَلّ ضَلالًا مُبِيناً، و قال تعالي فَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّي يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ وَ يُسَلّمُوا تَسلِيماً، و قدقدّمنا في باب وصيّة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في ذلك أخبارا كثيرة من طرق الخاصّ والعامّ ولنذكر هنا زائدا علي ماتقدّم مايؤيّد تلك الأخبار من الجانبين .فأمّا الروايات العاميّة
فَرَوَي البخُاَريِّ فِي بَابِ إِخرَاجِ اليَهُودِ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ مِن كِتَابِ الجِهَادِ وَ السّيَرِ، وَ مُسلِمٌ فِي كِتَابِ الوَصَايَا، عَن سُفيَانَ، عَن سُلَيمَانَ الأَحوَلِ، عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ، أَنّهُ سَمِعَ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ يَومُ الخَمِيسِ وَ مَا يَومُ الخَمِيسِ ثُمّ بَكَي حَتّي بَلّ دَمعُهُ الحَصَي، قُلتُ يَا ابنَ عَبّاسٍ مَا يَومُ الخَمِيسِ. قَالَ اشتَدّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ، فَقَالَ ائتوُنيِ بِكَتِفٍ أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَا تَضِلّوا بَعدَهُ أَبَداً،فَتَنَازَعُوا وَ لَا ينَبغَيِ عِندَ نبَيِّ تَنَازُعٌ،فَقَالُوا مَا لَهُ أَهجَرَ استَفهِمُوهُ. فَقَالَ ذرَوُنيِ فاَلذّيِ أَنَا فِيهِ خَيرٌ مِمّا تدَعوُنيّ إِلَيهِ.فَأَمَرَهُم بِثَلَاثٍ، قَالَ أَخرِجُوا المُشرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَ أَجِيزُوا الوَفدَ بِنَحوِ مَا كُنتُ أُجِيزُهُم، وَ الثّالِثَةَ إِمّا أَن سَكَتَ عَنهَا وَ إِمّا أَن قَالَهَا فَنَسِيتُهَا،
صفحه : 531
قَالَ قَالَ سُفيَانُ هَذَا مِن قَولِ سُلَيمَانَ.
وَ فِي بَابِ جَوَائِزِ الوَفدِ مِنَ الكِتَابِ المَذكُورِ، عَن سُلَيمَانَ الأَحوَلِ، عَنِ ابنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ قَالَ يَومُ الخَمِيسِ وَ مَا يَومُ الخَمِيسِ ثُمّ بَكَي حَتّي خَضَبَ دَمعُهُ الحَصبَاءَ، فَقَالَ اشتَدّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَجَعُهُ يَومَ الخَمِيسِ، فَقَالَ ائتوُنيِ بِكِتَابٍ أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أَبَداً،فَتَنَازَعُوا وَ لَا ينَبغَيِ عِندَ نبَيِّ تَنَازُعٌ،فَقَالُوا هَجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ دعَوُنيِ فاَلذّيِ أَنَا فِيهِ خَيرٌ مِمّا تدَعوُننَيِ إِلَيهِ، وَ أَوصَي عِندَ مَوتِهِ بِثَلَاثٍ أَخرِجُوا المُشرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَ أَجِيزُوا الوَفدَ بِنَحوِ مَا كُنتُ أُجِيزُهُم، وَ نَسِيتُ الثّالِثَةَ.
وَ رَوَي البخُاَريِّ فِي بَابِ كِتَابَةِ العِلمِ مِن كِتَابِ العِلمِ، عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبدِ اللّهِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ لَمّا اشتَدّ باِلنبّيِّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]وَجَعَهُ، قَالَ ائتوُنيِ بِكِتَابٍ أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَا تَضِلّوا بَعدَهُ. قَالَ عُمَرُ إِنّ النّبِيّ غَلَبَهُ الوَجَعُ وَ عِندَنَا كِتَابُ اللّهِ .. حَسبُنَا،فَاختَلَفُوا وَ كَثُرَ اللّغَطُ، فَقَالَ قُومُوا عنَيّ وَ لَا ينَبغَيِ عنِديَِ التّنَازُعُ،فَخَرَجَ ابنُ عَبّاسٍ يَقُولُ إِنّ الرّزِيّةَ كُلّ الرّزِيّةِ مَا حَالَ بَينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ بَينَ كِتَابِهِ.
صفحه : 532
و في باب مرض النبيّ صلّي اللّه عليه وآله مثل الرواية الأولي .
وَ فِي هَذَا البَابِ، عَنِ الزهّريِّ، عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُتبَةَ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ لَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ فِي البَيتِ رِجَالٌ فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]هَلُمّوا أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَا تَضِلّوا بَعدَهُ. فَقَالَ بَعضُهُم إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَد غَلَبَهُ الوَجَعُ وَ عِندَكُمُ القُرآنُ،حَسبُنَا كِتَابُ اللّهِ،فَاختَلَفَ أَهلُ البَيتِ وَ اختَصَمُوا،فَمِنهُم مَن يَقُولُ قَرّبُوا يَكتُب لَكُم كِتَاباً لَا تَضِلّوا بَعدَهُ، وَ مِنهُم مَن يَقُولُ غَيرَ ذَلِكَ، فَلَمّا أَكثَرُوا اللّغوَ وَ الِاختِلَافَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]قُومُوا. قَالَ عُبَيدُ اللّهِ فَكَانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقُولُ إِنّ الرّزِيّةَ كُلّ الرّزِيّةِ مَا حَالَ بَينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ بَينَ أَن يَكتُبَ لَهُم ذَلِكَ الكِتَابَ،لِاختِلَافِهِم وَ لَغَطِهِم.
وروي البخاري أيضا في باب قول المريض قوموا عنيّ، من كتاب المرضي .
صفحه : 533
وَ مُسلِمٌ فِي كِتَابِ الوَصَايَا، عَنِ الزهّريِّ، عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبدِ اللّهِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ لَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ فِي البَيتِ رِجَالٌ فِيهِم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] هَلُمّ أَكتُب لَكُم كِتَاباً .. وَ سَاقَ الحَدِيثَ مِثلَ مَا مَرّ آنِفاً.
وَ رَوَي مُسلِمٌ فِي الكِتَابِ المَذكُورِ، عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ قَالَ يَومُ الخَمِيسِ وَ مَا يَومُ الخَمِيسِ، ثُمّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ حَتّي رَأَيتُ عَلَي خَدّيهِ كَأَنّهَا نِظَامُ اللّؤلُؤِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]ائتوُنيِ بِالكَتِفِ وَ الدّوَاةِ أَوِ اللّوحِ وَ الدّوَاةِ أَكتُب كِتَاباً لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أَبَداً.فَقَالُوا إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]يَهجُرُ.
و قدحكي في جامع الأصول الأخبار في هذاالمعني ، عن البخاري ومسلم .
وَ رَوَي السّيّدُ بنُ طَاوُسٍ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ فِي كِتَابِ كَشفِ اليَقِينِ مِن كِتَابِ الجَمعِ بَينَ الصّحِيحَينِ جَمَعَ الحَافِظُ مُحَمّدُ بنُ أَبِي نَصرِ بنِ عَبدِ اللّهِ
صفحه : 534
الحمَيِديِّ مِن نُسخَةٍ عَلَيهَا عِدّةُ سَمَاعَاتٍ وَ إِجَازَاتٍ تَارِيخُ بَعضِهَا سَنَةُ إِحدَي وَ أَربَعِينَ وَ خَمسِمِائَةٍ مَا هَذَا لَفظُهُ قَالَ قَالَ ابنُ عَبّاسٍ يَومُ الخَمِيسِ وَ مَا يَومُ الخَمِيسِ فِي رِوَايَةٍ ثُمّ بَكَي حَتّي بَلّ دَمعُهُ الحَصَي،فَقُلتُ يَا ابنَ عَبّاسٍ وَ مَا يَومُ الخَمِيسِ. قَالَ اشتَدّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]وَجَعُهُ، فَقَالَ ائتوُنيِ بِكَتِفِ أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَا تَضِلّوا بَعدَهُ أَبَداً.فَتَنَازَعُوا وَ لَا ينَبغَيِ عِندَ نبَيِّ تَنَازُعٌ.فَقَالُوا مَا شَأنُهُ،هَجَرَ استَفهِمُوهُ.فَذَهَبُوا يُرَدّدُونَ عَلَيهِ، فَقَالَ ذرَوُنيِ .. دعَوُنيِ،فاَلذّيِ أَنَا فِيهِ خَيرٌ مِمّا تدَعوُننَيِ إِلَيهِ.
وَ فِي رِوَايَةٍ مِنَ الحَدِيثِ الرّابِعِ مِنَ الصّحِيحَينِ فَكَانَ ابنُ عَبّاسٍ يَقُولُ إِنّ الرّزِيّةَ كُلّ الرّزِيّةِ مَا حَالَ بَينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ بَينَ كِتَابِهِ.
وَ رَوَي حَدِيثَ الكِتَابِ ألّذِي أَرَادَ أَن يَكتُبَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِأُمّتِهِ لِأَمَانِهِم مِنَ الضّلَالَةِ عَن رِسَالَتِهِ جَابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِّ فِي المُتّفَقِ عَلَيهِ مِن صَحِيحِ مُسلِمٍ فَقَالَ فِي الحَدِيثِ السّادِسِ وَ التّسعِينَ مِن أَفرَادِ مُسلِمٍ مِن مُسنَدِ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ مَا هَذَا لَفظُهُ قَالَ وَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بِصَحِيفَةٍ عِندَ مَوتِهِ فَأَرَادَ أَن يَكتُبَ لَهُم كِتَاباً لَا يَضِلّونَ بَعدَهُ، وَ كَثُرَ اللّغَطُ وَ تَكَلّمَ عُمَرُ،فَرَفَضَهَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ].
و قال رضي اللّه عنه في كتاب الطرائف من أعظم طرائف المسلمين أنّهم شهدوا جميعا أنّ نبيّهم أراد عندوفاته أن يكتب لهم كتابا لايضلّون بعده أبدا و أنّ
صفحه : 535
عمر بن الخطاب كان سبب منعه من ذلك الكتاب وسبب ضلال من ضلّ من أمّته، وسبب اختلافهم وسفك الدماء بينهم ، وتلف الأموال ، واختلاف الشريعة، وهلاك اثنتين وسبعين فرقة من أصل فرق الإسلام ، وسبب خلود من يخلد في النار منهم ، و مع هذاكلّه فإنّ أكثرهم أطاع عمر بن الخطاب ، ألذي قدشهدوا عليه بهذه الأحوال في الخلافة وعظّموه وكفّروا بعد ذلك من يطعن فيه وهم من جملة الطاعنين وضلّلوا من يذمّه وهم من جملة الذامّين وتبرّءوا ممّن يقبّح ذكره وهم من جملة المقبّحين .. فمن روايتهم في ذلك
مَا ذَكَرَهُ الحمُيَديِّ فِي الجَمعِ بَينَ الصّحِيحَينِ فِي الحَدِيثِ الرّابِعِ مِنَ المُتّفَقِ عَلَيهِ فِي صِحّتِهِ مِن مُسنَدِ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ قَالَ لَمّا احتُضِرَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ فِي بَيتِهِ رِجَالٌ فِيهِم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ هَلُمّوا أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أَبَداً. فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ إِنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد غَلَبَهُ الوَجَعُ وَ عِندَكُمُ القُرآنُ،حَسبُكُم كِتَابُ رَبّكُم.
وَ فِي رِوَايَةِ ابنِ عُمَرَ مِن غَيرِ كِتَابِ الحمُيَديِّ، قَالَ عُمَرُ إِنّ الرّجُلَ لَيَهجُرُ. وَ فِي كِتَابِ الحمُيَديِّ قَالُوا مَا شَأنُهُ،هَجَرَ.
صفحه : 536
وَ فِي المُجَلّدِ الثاّنيِ مِن صَحِيحِ مُسلِمٍ فَقَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]يَهجُرُ ....
قَالَ الحمُيَديِّ فَاختَلَفَ الحَاضِرُونَ عِندَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَبَعضُهُم يَقُولُ القَولُ مَا قَالَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقَرّبُوا إِلَيهِ كِتَاباً يَكتُب لَكُم، وَ مِنهُم مَن يَقُولُ القَولُ مَا قَالَهُ عُمَرُ، فَلَمّا أَكثَرُوا اللّغَطَ وَ الِاختِلَاطَ، قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قُومُوا عنَيّ فَلَا ينَبغَيِ عنِديَِ التّنَازُعُ،فَكَانَ ابنُ عَبّاسٍ يبَكيِ حَتّي تَبُلّ دُمُوعُهُ الحَصَي، وَ يَقُولُ يَومُ الخَمِيسِ وَ مَا يَومُ الخَمِيسِ. قَالَ راَويِ الحَدِيثِ فَقُلتُ يَا ابنَ عَبّاسٍ وَ مَا يَومُ الخَمِيسِ.فَذَكَرَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ يَومَ مُنِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن ذَلِكَ الكِتَابِ، وَ كَانَ يَقُولُ الرّزِيّةُ كُلّ الرّزِيّةِ مَا حَالَ بَينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بَينَ كِتَابِهِ.
أقول الهجر الهذيان . قال في جامع الأصول في شرح غريب الميم الهجر بالفتح الهذيان ، و هوالنطق بما لايفهم ،يقال هجر فلان إذاهذي ، وأهجر نطق بالفحش ، والهجر بالضم النطق بالفحش . و في القاموس هجر في نومه ومرضه هجرا بالضم .. هذي ، و في الصحاح الهجر .. الهذيان ، و قدهجر المريض يهجر هجرا فهو هاجر
صفحه : 537
والكلام مهجور. قال أبوعبيد يروي عن ابراهيم مايثبّت هذاالقول في قوله تعالي إِنّ قوَميِ اتّخَذُوا هذَا القُرآنَ مَهجُوراً قال قالوا فيه غيرالحقّ، أ لم تر إلي المريض إذاهجر قال غيرالحقّ. و عن مجاهد نحوه .فظهر أنّ إنكار بعضهم كون الهجر بمعني الهذيان من أفحش الهذيان . و قداعترف ابن حجر مع شدّة تعصّبه بأنّه بمعني الهذيان ، في مقدمة شرحه لصحيح البخاري. واللغط بالتسكين والتحريك الصّوت والجلبة أوأصوات مبهمة لاتفهم . والرّزِيّةُ المصيبةُ. ثم اعلم أنّ قاضي القضاة في المغني لم يتعرّض لدفع هذاالطعن عن عمر بن الخطاب ، وكذلك كثير من العامّة كشارح المقاصد وغيره ، و لم يذكره السيد
صفحه : 538
الأجلّ رضي اللّه عنه في الشافي لكون نظره فيه مقصورا علي دفع كلام صاحب المغني، و قدتصدّي القاضي عياض المالكي في كتابه الموسوم ب الشفاء لدفعه وتوجيه الاختلاف الصادر عن الأصحاب بوجوه نذكرها مع مايرد علي كلامه ، قال أولا فإن قلت قدتقرّرت عصمة النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم في أقواله في جميع أحواله ، و أنّه لايصحّ منه فيهاخلف و لااضطراب في عمد و لاسهو، و لاصحّة و لامرض ، و لاجدّ و لامزاح ، و لارضي و لاغضب ،فما معني
الحَدِيثُ فِي وَصِيّتِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ ألّذِي حَدّثَنَا بِهِ القاَضيِ أَبُو عَلِيّ، عَن أَبِي الوَلِيدِ، عَن أَبِي ذَرّ، عَن أَبِي مُحَمّدٍ وَ أَبِي الهَيثَمِ وَ أَبِي إِسحَاقَ جَمِيعاً، عَن مُحَمّدِ بنِ يُوسُفَ، عَن مُحَمّدِ بنِ إِسمَاعِيلَ، عَن عَلِيّ بنِ عَبدِ اللّهِ، عَن عَبدِ الرّزّاقِ، عَن مُعَمّرٍ، عَنِ الزهّريِّ، عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ عَبدِ اللّهِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ لَمّا احتُضِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ وَ فِي البَيتِ رِجَالٌ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ هَلُمّوا أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَن تَضِلّوا بَعدَهُ. فَقَالَ بَعضُهُم إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ غَلَبَهُ الوَجَعُ .. الحَدِيثَ.
وَ فِي رِوَايَةٍ ائتوُنيِ أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَن تَضِلّوا بعَديِ أَبَداً،فَتَنَازَعُوا،فَقَالُوا مَا لَهُ أَهَجَرَ استَفهِمُوهُ. فَقَالَ دعَوُنيِ فَإِنّ ألّذِي أَنَا فِيهِ خَيرٌ.
و في بعض طرقه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم هجر، و في رواية هجر، ويروي أهجر، ويروي أهجرا، و فيه
فَقَالَ عُمَرُ إِنّ النّبِيّ(ص ) قَدِ اشتَدّ بِهِ الوَجَعُ، وَ عِندَنَا كِتَابُ اللّهِ حَسبُنَا، وَ كَثُرَتِ اللّغَطُ. فَقَالَ قُومُوا عنَيّ.
وَ فِي رِوَايَةٍ وَ اختَلَفَ أَهلُ البَيتِ
صفحه : 539
وَ اختَصَمُوا،فَمِنهُم مَن يَقُولُ قَرّبُوا يَكتُب لَكُم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ كِتَاباً، وَ مِنهُم مَن يَقُولُ القَولُ مَا قَالَ عُمَرُ
، قال أئمّتنا في هذاالحديث النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم غيرمعصوم من الأمراض ، ما يكون من عوارضها من شدّة وجع وغشي .. ونحوه ممّا يطرأ علي جسمه ،معصوم أن يكون منه من القول أثناء ذلك مايطعن في معجزته ، ويؤديّ إلي فساد في شريعته من هذيان واختلال في كلام ، و علي هذا لايصحّ ظاهر رواية من روي في الحديث هجرا إذ معناه هذي ،يقال هجر هجرا إذاهذي ، وأهجر هجرا إذاأفحش ، وأهجر تعدية هجر، وإنّما الأصحّ والأولي أهجر علي طريق الإنكار، علي من قال لايكتب ، وهكذا روايتنا فيه في صحيح البخاري من رواية جميع الرواة، و في حديث الزهري المتقدّم و في حديث محمد بن سلام ، عن ابن عيينة و قدتحمل عليه رواية من رواه هجر علي حذف ألف الاستفهام والتقدير أهجرا، و أن يحمل قول القائل هجرا وأهجر علي دهشة من قائل ذلك وحيرة لعظم ماشاهد من حال الرسول صلّي اللّه عليه [ وآله ] وشدّة وجعه ، وهول المقام ألذي اختلف فيه عليه ، والأمر ألذي همّ بالكتاب فيه حقّ لم يضبط هذاالقائل لفظه ، وأجري الهجر مجري شدّة الوجع ، لا أنّه اعتقد أنّه يجوز عليه الهجر كماحملهم
صفحه : 540
الإشفاق علي حراسته ، و اللّه تعالي يقول وَ اللّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ ونحو هذا، و أمّا علي رواية أهجرا فقد يكون هذاراجعا إلي المختلفين عنده صلّي اللّه عليه وآله ومخاطبة لهم من بعضهم ، أي جئتم باختلافكم علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و بين يديه هجرا ومنكرا من القول ، والهجر بضم الهاء الفحش في المنطق . و قداختلف العلماء في معني هذاالحديث ، وكيف اختلفوا بعدأمره لهم أن يأتوه بالكتاب ، فقال بعضهم أوامر النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ]يفهم إيجابها من ندبها وندبها من إباحتها بقرائن ،فلعلّه قدظهر من قرائن قوله صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم لبعضهم مافهموا أنّه لم يكن منه عزمة بل ردّه إلي اختيارهم ، وبعضهم لم يفهم ذلك . فقال استفهموه فلمّا اختلفوا كفّ عنه إذ لم يكن عزمة، و لمّا رأوه من صواب رأي عمر، ثم هؤلاء قالوا و يكون امتناع عمر إمّا إشفاقا علي النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم من تكلّفه في تلك الحال إملاء الكتاب ، و أن تدخل عليه مشقّة من ذلك كما قال إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم اشتدّ به الوجع . وقيل خشي عمر أن يكتب أمورا يعجزون عنها فيحصلون في الحرج والعصيان بالمخالفة، ورأي أنّ الأوفق بالأمّة في تلك الأمور سعة الاجتهاد وحكم النظر، وطلب الثواب ،فيكون المخطئ والمصيب مأجورا. و قدعلم عمر تقرّر
صفحه : 541
الشرع وتأسّس الملّة، و أنّ اللّه تعالي قال اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم، و قوله صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم أُوصِيكُم بِكِتَابِ اللّهِ وَ عتِرتَيِ. وقول عمر حسبنا كتاب اللّه،ردّ علي من نازعه لا علي أمر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله . و قدقيل إنّ عمر قدخشي تطرّق المنافقين و من في قلبه مرض و لمّا كتب في ذلك الكتاب في الخلوة و أن يتقوّلوا في ذلك الأقاويل ،كادّعاء الرافضة الوصيّة و غير ذلك . وقيل إنّه كان من النبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم علي طريق المشورة والاختبار،هل يتّفقون علي ذلك أم يختلفون فلمّا اختلفوا تركه . وقالت طائفة أخري إنّ معني الحديث أنّ النبي صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم كان مجيبا في هذاالكتاب لماطلب منه لا أنّه ابتداء بالأمر به بل اقتضاه منه بعض أصحابه فأجاب رغبتهم وكره ذلك غيرهم للعلل التي ذكرناها، واستدلّ في مثل هذه القصّة بقول العباس لعليّ( ع )انطلق بنا إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم فإن كان الأمر فينا علمناه ، وكراهة عليّ( ع ) هذا، و قوله و اللّه لاأفعل واستدلّ بقوله (ص )دعَوُنيِ فاَلذّيِ أَنَا فِيهِ خَيرٌ .. أي ألذي أنا فيه خير من إرسال الأمر وترككم كتاب اللّه و أن تدعوني من ألذي طلبتم ، وذكر أنّ ألذي طلب كتابة أمر الخلافة بعده وتعيين ذلك .انتهي كلامه . ويرد علي ماذكره أولا، و مانقله عن القوم ثانيا وجوه من الإيراد فأمّا مااختاره في تفسير الهجر وتوجيهه فهو هجر تبع فيه إمامه ، فإنّ مارواه
صفحه : 542
البخاري في باب العلم صريح في أنّ عمر نسب إلي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أنّه قدغلبه الوجع ، و لايلزمنا إجابته في إحضار الكتاب ، وظاهر أنّ قائل ما له أهجر استفهموه ، هوقائل قدغلبه الوجع ، و إنّ مفاد العبارتين واحد، ومعلوم من سياق مجموع الأخبار أنّ اللغط والاختلاف لم يحصلا إلّا من قول عمر، و أنّ ترك النبيّ صلّي اللّه عليه وآله الكتابة لم يكن إلّا من جهته ، و أنّه آذاه وأغاظه . و أمّا الاعتذار بأنّه صدر منه هذاالكلام من الدهشة فهو باطل ،لأنّه لو كان كذلك لكان يلزمه أن يتدارك ذلك بما يظهر للناس أنّه لايستخفّ بشأنه صلّي اللّه عليه وآله . وأيضا لو كان في هذه الدرجة من المحبّة له صلّي اللّه عليه وآله بحيث يضطرب بسماع ما هومظنّة وفاته صلّي اللّه عليه وآله إلي حدّ يختلّ نظام كلامه لكان تلك الحالة أشدّ بعدتحقّق الوفاة، و لو كان كذلك لم يبادر إلي السقيفة قبل تجهيزه صلّي اللّه عليه وآله وغسله ودفنه ، و لوسلّم ذلك فهو لاينفعه ،لأنّ مناط الطعن مخالفة أمر الرسول صلّي اللّه عليه وآله وممانعته فيما يوجب صلاح عامّة المسلمين إلي يوم القيامة، والسهو في خصوص عبارة لاينفع في ذلك . و أمّا مانقله عن القوم في ذلك فالاعتراض عليه من وجوه الأول أنّ ماذكره أولا من أنّ فهم البعض أنّ أمره صلّي اللّه عليه وآله بإحضار ماطلب كان مردودا إلي اختيارهم ظاهر الفساد، فإنّ الأمر مع أنّه ظاهر في الوجوب كماحرّر في محله قداقترن به في المقام مايمنع من أن يراد به الندب أوالإباحة، فإنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله علّل الكتاب بأن لايضلّوا بعده ، وظاهر أنّ الأمر ألذي يكون في تركه ضلال الأمّة لا يكون مباحا و لامندوبا، و ليس مناط الوجوب إلّا قوّة المصلحة وشدّة المفسدة، و قدعلّل من منع الإحضار بأنّه صلّي اللّه عليه وآله يهجر، كماصرّحت به الرواية الثانية المتقدّمة، أو أنّه قدغلبه الوجع ، وظاهر أنّ هذاالكلام لاارتباط له بفهم الإباحة أوالندب . ويؤيّده قول ابن عباس مع اعتراف الجمهور له بجودة الفهم وإصابة النظر
صفحه : 543
أنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ماحال بين رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و بين الكتابة، وهل يسمّي فوت أمر مباح أومندوب رزيّة كلّ الرزيّة، ويبكي عليه حتّي يبلّ الدمع الحصي . و لاينكر من له أدني ألفة بكلام العرب أنّهم يكتفون في فهم المعاني المجازية ونفي الحقائق بقرائن أخفي من هذا،فكيف بالمعني الحقيقي إذااقترن بمثل تلك القرينة علي أنّ اشتغال الرسول صلّي اللّه عليه وآله في حال المرض وشدّة الوجع ، ودنوّ الرحيل ، وفراق الأمّة التي بعثه اللّه تعالي بشيرا ونذيرا لهم بكتابة ما كان نسبة الخير والشرّ إليه علي حدّ سواء، حتّي يكون ردّه وقبوله مفوّضا إليهم ومرجوعا إلي اختيارهم ،ممّا لا يقول به إلّا من بلغ الغاية في السفه والنوك ،فبقي أن يكون من الأمور المستحسنة، و إن كان علي وجه الندب فظاهر أنّ ردّ مااستحسنه له الرسول صلّي اللّه عليه وآله وحكم به و لو علي وجه الندب وظنّ أنّ الصواب في خلافه ، وعدّه من الهذيان تقبيح قبيح لرأي من لاينطق عن الهوي ، وتجهيل وتضليل لمن لايضلّ و لايغوي ، و ليس كلامه إلّا وحيا يوحي ، و هو في معني الردّ علي اللّه سبحانه ، و علي حدّ الشرك باللّه. ولعلّ المجوّزين للاجتهاد في مقابلة النصّ و لو علي وجه الاستحباب لايقولون بجواز الردّ عليه علي هذاالوجه المشتمل علي إساءة الأدب وتسفيه الرأي. فإن قيل إذا كان أمره صلّي اللّه عليه وآله بإحضار ماطلب علي وجه الإيجاب والإلزام للخوف في ترك الكتابة من ترتّب مفسدة عظيمة هي ضلال الأمّة فكيف تركها رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و لم يصرّ علي المطلب وهل هذا إلّا تقصير في هداية الأمّة واللطف بهم .قلنا لعلّه صلّي اللّه عليه وآله لمّا رأي من حال الحاضرين أمارة العصيان ، وشاهد منهم إثارة الفتنة وتهييج الشرّ خاف من أن يكون في الوصية وتأكيد
صفحه : 544
التنصيص علي من عيّنه للإمامة وجعله أولي بالناس من أنفسهم تعجيل للفتنة بين المسلمين وتفريق كلمتهم ،فيتسلّط بذلك الكفّار و أهل الردّة عليهم ، وينهدم أساس الإسلام ، وينقلع دعائم الدين ، و ذلك لأنّ الراغبين في الإمامة والطامعين في الملك والخلافة قدعلموا من مرضه صلّي اللّه عليه وآله وإخباره تصريحا وتلويحا في غيرموقف بأنّه قددني أجله و لايبرأ من مرضه ،فوطّنوا أنفسهم لإلقاء الشبهة بين المسلمين لوكتب الكتاب وأكّد الوصية،بأنّه كان علي وجه الهجر والهذيان ،فيصدّقهم الذين في قلوبهم مرض ، ويكذّبهم المؤمنون بأنّ كلامه ليس إلّا وحيا يوحي ،فيقوم فيهم المحاربة والقتال وينتهي الحال إلي استيصال أهل الإيمان وظهور أهل الشرك والطغيان ،فاكتفي صلّي اللّه عليه وآله بنصّه يوم الغدير وغيره ، و قدبلّغ الحكم وأدّي رسالة ربّه كماأمره بقوله يا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبّكَ وَ إِن لَم تَفعَل فَما بَلّغتَ رِسالَتَهُفلم يكن في ترك الكتابة تقصير في التبليغ والرسالة، وإنّما منعت الطائفة من الأمّة لشقاوتهم ذلك الفعل ، وسدّوا باب الرحمة،فضلّوا عن سواء الصراط وأضلّوا كثيراوَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَالثاني أنّ مايظهر كلامه من أنّ استفهامهم كان لاستعلام أنّ الأمر علي وجه العزم ، أوردّ الأمر إلي اختيارهم مردود،بأنّ قولهم ماشأنه أهجر استفهموه لايفهم منه من له أدني فطانة، إلّا أنّ هذاالاستفهام عبارة عن استعلام أنّ كلامه ذلك كان من الهجر وكلام المرضي والهذيان ، أو هوكلام صحيح ، لا أنّ أمره كان علي وجه العزم أوالردّ إلي الاختيار، و هوواضح . و أمّا ماعلّل به الكفّ من صواب رأي عمر،ففيه أنّه ليس في الكلام مايدلّ علي تصويب رأي عمر، فإنّ قوله صلّي اللّه عليه وآله في الرواية الثالثة من
صفحه : 545
روايات البخاري قُومُوا عنَيّ وَ لَا ينَبغَيِ عنِديِ التّنَازُعُ .. صريح في الغيظ والتأذيّ بتلك المخالفة، وهل يجوّز عاقل أن ينطق بمثل هذاالكلام في مقام تصويب الرأي من وصفه اللّه سبحانه بالخلق العظيم ، وبعثه رحمة للعالمين وكيف لم يأمر صلّي اللّه عليه وآله من كان يؤذيه بطول الجلوس في بيته بالقيام والخروج ويستحي من إظهار ذلك ، حتّي نزل قوله يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تَدخُلُوا بُيُوتَ النّبِيّ إِلّا أَن يُؤذَنَ لَكُم إِلي طَعامٍ غَيرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِن إِذا دُعِيتُم فَادخُلُوا فَإِذا طَعِمتُم فَانتَشِرُوا وَ لا مُستَأنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنّ ذلِكُم كانَ يؤُذيِ النّبِيّ فيَسَتحَييِ مِنكُم وَ اللّهُ لا يسَتحَييِ مِنَ الحَقّ،فكيف استحيا من الأمر بقيام من كان يؤذيه وأمر به من اهتدي إلي الصواب في مثل ذلك الأمر ألذي يعمّ نفعه الأمّة طرّا ويعظم بلواه ، و مع قطع النظر عن ذلك فسقم هذاالرأي ممّا لاريب فيه ، فإنّ قوله حسبنا كتاب اللّه .. يدلّ علي أنّه لاخوف علي الأمّة من الضلال بعد كتاب اللّه في حكم من الأحكام ، و إلّا لم يصحّ الاستناد إليه في منع كتابة ماأراده النبيّ صلّي اللّه عليه وآله و لم يصرّح بتعيينه ، والآيات التي يستنبط منها الأحكام كماذكروا خمسمائة آية أوقريب منها، وظاهر أنّها ليست في الظاهر مدركا لكثير من الأحكام ، و ليس دلالتها علي وجه يقدر علي استنباط الحكم منها كلّ أحد، و لايقع في فهمه اختلاف بين الناس حتّي ينسدّ باب الضلال ، و من راجع كلام المفسّرين أدني مراجعة علم أنّه ليس آية إلّا و قداختلفوا في فهمها واستخراج الأحكام منها علي أقوال متضادّة ووجوه مختلفة، والكتاب الكريم مشتمل علي ناسخ ومنسوخ ، ومحكم ومتشابه ، وظاهر ومؤوّل، وعامّ وخاصّ، ومطلق ومقيّد .. و غير ذلك ممّا لايصيب في فهمه إلّاالرّاسِخُونَ فِي العِلمِالمعصومون من الزيغ والضلال ، و من ذلك يعلم أنّه لم يكن غرضه صلّي اللّه عليه وآله إلّا تعيين الأوصياء إلي يوم القيامة،لأنّه إذا كان كتاب اللّه عزّ و جلّ بطوله
صفحه : 546
وتفصيله لم يرفع الاختلاف بين الأمّة،فكيف يتصوّر في مثل هذاالوقت منه صلّي اللّه عليه وآله إملاء كتاب يشتمل علي أسطر قلائل يرفع الاختلاف في جميع الأمور عن الأمّة، إلّا بأن يعيّن في كلّ عصر من يرجعون إليه عندالاختلاف ، ويرشدهم إلي جميع مصالح الدين والدنيا، ويفسّر القرآن المجيد لهم بحيث لايقع منهم اختلاف فيه . وينطق بما ذكرنا
قَولُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنَا كَلَامُ اللّهِ النّاطِقُ وَ هَذَا كَلَامُ اللّهِ الصّامِتُ.
و قدقيل إنّ قوله هذاكقول المريض لاحاجة لنا إلي الطبيب لوجود كتب الطبّ بين أظهرنا، وظاهر أنّها أشمل للفروع الطبيّة من الكتاب الكريم لتفاصيل الأحكام الشرعيّة،فاتّضح أنّ المنع عن كتابة مايمنع عن الضلال عين الضلال والإضلال ، وكثرة الخلاف بين الأمّة وتشتّت طرقه مع وجود كتاب اللّه بينهم دليل قاطع علي ماذكرنا.الثالث أنّ ماذكره من أنّ عمر أشفق علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله من تحمّل مشقّة الكتابة مع شدّة الوجع فاسد، فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لم تجر عادته في أيّام صحّته بأن يكتب الكتاب بيده ، وإنّما كان يملي علي الكاتب مايريد،إمّا لكونه أميّا لايقرأ و لايكتب ، أولغير ذلك ، و لم يكن ذلك مستورا علي عمر،فكيف أشفق عليه من الكتابة. و أمّا الإملاء،فمن أين علم أنّه لايمكن للرسول صلّي اللّه عليه وآله التعبير عمّا يريد بلفظ مختصر وعبارة وجيزة لم يكن في إلقائها إلي الكاتب مشقّة لايقدر علي تحمّلها، علي أنّه تحمّله صلّي اللّه عليه وآله للمشاقّ في هداية الأمّة لم
صفحه : 547
تكن هذه الكتابة مبدأه ،فكيف لم يشفق عمر في شيء من المواضع إلّا فيما فهم فيه أنّ المراد تأكيد النصّ في أمير المؤمنين عليه السلام كماسيجيء تصريحه بذلك إن شاء اللّه. و لاريب في أنّه صلّي اللّه عليه وآله كان أشفق علي نفسه وأعلم بحاله من عمر بن الخطاب . وبالجملة،برودة مثل هذاالاعتذار ممّا لايرتاب فيه ذو فطنة. و أمّا اشتداد الوجع ،فإنّما استند إليه عمر لإثبات كلامه أنّ كلامه صلّي اللّه عليه وآله ليس ممّا يجب الإصغاء إليه ،لكونه ناشئا من اختلال العقل لغلبة الوجع وشدّة المرض كمايظهر من قولهم في الروايات السابقة ماشأنه هجر أوإنّه ليهجر لا لمازعمه هذاالقائل ، و هوواضح .الرابع أنّ ماذكره من الاعتلال بأنّ عمر رأي أنّ الأوفق بالأمّة ترك البيان ليكون المخطئ أيضا مأجورا، و أنّه خاف من أن يكتب أمورا يعجزون عنها فيحصلون في الحرج والعصيان بالمخالفة يرد عليه ، أنّه لوصحّ الأول لجاز للناس منع الرسول صلّي اللّه عليه وآله عن تبليغ الأحكام ، و كان الأخري أن لايبعث اللّه الرسل إلي الخلق ويكلّفهم المشاقّ واحتمال الأذي في تبليغ الأحكام ، ويترك الناس حتّي يجتهدوا ويصيبوا الأجر،مصيبين أومخطئين ، و لايري المصلحة في خلاف ماحكم الرسول صلّي اللّه عليه وآله بأنّ في تركه خوف الضلال علي الأمّة إلّا من خرج عن ربقة الإيمان ، و قد قال تعالي فَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّي يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ وَ يُسَلّمُوا
تَسلِيماً، و قال سبحانه وَ ما كانَ لِمُؤمِنٍ وَ لا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَي اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَ مَن يَعصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَد ضَلّ ضَلالًا مُبِيناً. و أمّا الخوف من أن يكتب أمرا يعجز الناس عنه ،فلو أريد به الخوف من أن يكلّفهم فوق الطاقة فقد بان له ولغيره بدلالة العقل ، و قوله تعالي لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفساً إِلّا وُسعَها وبغيره من الأدلّة النقليّة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لايكلّف أمّته إلّا دون طاقتهم ، و لوأريد الخوف من تكليفهم بما فيه مشقّة فلم لم يمنع عمر وغيره رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله عن فرض الحجّ والجهاد والنهي عن وطء امرأة جميلة تأبي عن النكاح أو كان لها بعل مع شدّة العزوبة وميل النفس ، وظاهر أنّ كثيرا من الناس يعصون اللّه في الأوامر الشاقّة ويخالفون الرسول صلّي اللّه عليه وآله . و أمّا المشقّة البالغة التي تعدّ في العرف حرجا وضيقا و إن كان دون الطاقة فقد نفاه اللّه تعالي بقوله يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ، و
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بُعِثتُ إِلَيكُم بِالحَنَفِيّةِ السّمحَةِ السّهلَةِ البَيضَاءِ.
وكيف فهم من قوله أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي .. إنّه أراد أن يكتب لهم مايعجزون عن القيام به ، و أيّ ارتباط لهذا الاعتذار بقوله إنّه قدغلبه الوجع ، أوإنّه ليهجر. وبالجملة، لم يكن عمر بن الخطاب و لاغيره أعلم بشأن الأمّة و مايصلحهم
صفحه : 549
ممّن تواتر عليه الوحي الإلهي وأيّده اللّه بروح القدس ، و لاأشفق عليهم وأرأف بهم ممّن أرسله رحمة للعالمين .الخامس أنّ ماذكره من أنّ عمر علم تقرّر الشرع والملّة بقوله تعالي اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم...، و
قَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أُوصِيكُم بِكِتَابِ اللّهِ وَ عتِرتَيِ ..
يرد عليه أنّه لو كان المراد بكمال الدين مافهمه لزم غناء الناس عن الرسول صلّي اللّه عليه وآله وعدم احتياجهم إليه بعدنزول الآية في حكم من الأحكام ، و أمّا
قَولُهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أُوصِيكُم بِكِتَابِ اللّهِ وَ عتِرتَيِ.
.فليس فيه دلالة علي أنّه لم يبق أمر مهمّ للأمّة أصلا حتي تكون الكتابة التي أراد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لغوا عبثا، ويصحّ منعه عنها و قد كان المراد من الكتابة تأكيد الأمر باتّباع الكتاب والعترة الطاهرة الحافظة له والعالمة بما فيه علي وجهه خوفا من ترك الأمّة الاعتصام بهما فيتورّطوا في أودية الهلاك ، ويضلّوا كمافعل كثير منهم وَ ضَلّوا عَن سَواءِ السّبِيلِ، و لوفرضنا أنّ مراده صلّي اللّه عليه وآله كان أمرا وراء ذلك ،فليس هذاالاعتذار إلّا التزاما للمفسدة وقولا بأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله حاول أن يكتب عبثا لافائدة فيه أصلا، و كان قوله لاتضلّوا بعده .. هجرا من القول وهذيانا محضا، و لو كان الغناء بهذه الوصية فلم لم يتمسّك عمر بعد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله بالعترة المطهّرة و لارآهم أهلا للخلافة و لاللمشورة فيهافترك الرسول صلّي اللّه عليه وآله والعترة صلوات اللّه عليهم وسارع إلي السقيفة لعقد الخلافة لحليفه وصديقه و لم لم يرتدع و لم يرجع عمّا فعل بعد مارأي من سيّد العترة إنكاره لخلافة أبي بكر وعدم الانقياد له و قدمضي من صحاح أخبارهم مايدلّ علي أنّه عليه السلام وسائر بني هاشم لم يبايعوا ستة أشهر، و لم لم يقل في مقام المنع عن إحضار ماطلبه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله حسبنا كتاب اللّه وعترة الرسول صلّي اللّه عليه وآله .
صفحه : 550
و لايذهب علي ذي البصيرة أنّ ذكر العترة في هذاالمقام ممّا أجراه اللّه تعالي علي لسان هذاالمعتذر تفظيعا لشأنه وإظهارا لضلال إمامه .السادس أنّ قوله ، وقول عمر حسبنا كتاب اللّه .. ردّ علي من نازعه لا علي أمر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله .. كلام ظاهر الفساد، فإنّ الرواية التي رواها البخاري في باب كتابة العلم صريحة في أنّه ردّ علي قول النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و أنّ الاختلاف من الحاضرين إنّما وقع بعد قوله ذلك ، وكذلك روايته في باب قول المريض قوموا عنيّ .. و لوسلّمنا أنّه لم يواجه بكلامه ذلك رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله بل أحد المنازعين فالرواية الأخيرة للبخاري تضمّنت أنّ أحد الفرقتين المتخاصمتين كانوا يقولون قرّبوا .. يكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده .. والآخرون يقولون ما قال عمر،فلم يبق إلّا أن يكون كلامه ردّا عليه صلّي اللّه عليه وآله و إن واجه به المنازعين ، و هومثل الأول في استلزام الإنكار والكفر، و إن كانت المواجهة أبلغ في سوء الأدب وترك الحياء.السابع أنّ ماذكره من أنّ عمر قدخشي تطرّق المنافقين و من في قلبه مرض لمّا كتب ذلك الكتاب في الخلوة و أن يتقوّلوا في ذلك الأقاويل كادّعاء الرفضة الوصيّة .. يرد عليه أوّلا أنّ كون الكتابة في الخلوة كذب مخالف للمشهور، فإنّ المشهور اجتماع بني هاشم ووجوه المهاجرين والأنصار عند النبيّ صلّي اللّه عليه وآله يومئذ، ويؤيّده قول ابن عباس في الروايات السابقة و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب .. و قوله وكثر اللغط وأكثروا اللغو والاختلاف .. وثانيا أنّه لو كان عمر خائفا من ذلك لما قال حسبنا كتاب اللّه .. و أنّ
صفحه : 551
النبيّ صلّي اللّه عليه وآله قدغلبه الوجع .. وإنّه ليهجر .. و كان المناسب أن يعرض علي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أنّه ينبغي إحضار طائفة ممّن يثق الناس بهم وتكون شهادتهم حجّة عندالعامّة ليشهدوا الكتابة، ويقيموا الشهادة،دفعا لاختلاف الناس . وثالثا أنّ غاية مايلزم من تطرّق المنافقين أن يقع فيهاالاختلاف فلايعمل بعض الناس بها، و ليس ذلك بأبلغ في الضرر من منع الكتابة حتّي لايعمل بهاأحد، و أمّا الخوف من وقوع الفتنة بين المسلمين فهو موجود في صورة ترك الكتابة والوصية،بل هوأحري وأقرب بوقوع الفتنة وثوران الشرور. ورابعا أنّه لوأراد بتطرّق المنافقين مجرّد قدحهم في الوصيّة من دون أن يلحق الإسلام والمسلمين ضرر وتزلزل فليس به بأس ، و لاينقطع به طعنهم وقدحهم بها و لابعدمها. و لوأراد به لحوق الضرر .. ففساده ظاهر،كيف و لوكانت جهة الفساد فيهاأغلب لماأرادها من هوأعلم بأمّته وأرأف بهم من كلّ رءوف عليم ، و لماعلّلها بعدم ضلالهم . و أمّا الاجتهاد بخلاف قوله .. فقد تبيّن بطلانه في محلّه وسيأتي، علي أنّ دفع هذاالضرر ألذي توهّموه بنسبة الهجر والهذيان إلي الرسول صلّي اللّه عليه وآله وتقبيح رأيه ، والردّ عليه بأنّ كتاب اللّه حسبنا دفع للفاسد بمثله . وخامسا أنّ تشبيهه ادّعاء الرافضة بتطرّق المنافقين في غاية الركاكة والبرودة، فإنّ الظاهر منهم أنّه زعم أنّ ادّعاء الرافضة أعظم من الفساد من تطرّق المنافقين وتقوّلهم الأقاويل أومثله ، وظاهر أنّ هذاالادّعاء إنّما لزم من منع الكتابة لا من كتابة ماأراده النبيّ صلّي اللّه عليه وآله بزعمهم ، و
قَد رَوَوا عَن عَائِشَةَ أَنّهُ
صفحه : 552
قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي مَرَضِهِ ادعيِ لِي أَبَاكِ وَ أَخَاكِ حَتّي أَكتُبَ كِتَاباً، وَ إنِيّ أَخَافُ أَن يَتَمَنّي مُتَمَنّ، وَ يَقُولَ قَائِلٌ ..
فلولا منع عمر بن الخطاب لانسدّ باب ادّعاء الرافضة. وبالجملة، لاريب في أنّ ترك الوصية والكتابة أولي بتقوّل الأقاويل وادّعاء الأباطيل ، و اللّه لقد تطرّق المنافقون و من في قلبه مرض في أوّل الأمر، فقال أحدهم إنّه قدغلبه الوجع .. وحسبنا كتاب اللّه .. وصدقه الآخرون ، وقالوا القول ما قال عمر،فثلموا في الإسلام وهدموا الإيمان ، كماأفصح عن ذلك
ابنُ عَبّاسٍ بِقَولِهِ إِنّ الرّزِيّةَ كُلّ الرّزِيّةِ مَا حَالَ بَينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بَينَ أَن يَكتُبَ لَهُم ذَلِكَ الكِتَابَ.
الثامن أنّ ماحكاه من قول طائفة أخري أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في هذاالكتاب كان مجيبا لماطلب عنه فأجاب رغبتهم وكره ذلك غيرهم للعلل التي ذكرناها يرد عليه أنّه لافرق باتّفاق المسلمين فيما حكم اللّه ورسوله به بين ما كان ابتداء و بين ماطلبه أحد فنصّ عليه وجري الحكم به ، و كما أنّ إنكار الأول وردّه ردّ علي اللّه ورسوله صلّي اللّه عليه وآله و في حكم الشرك باللّه كذلك الثاني، و قدسبقت الدلالة علي أنّ الأمر لم يكن مردودا إلي اختيار القوم ،بل كان علي وجه الحتم والإيجاب ، و أمّا كراهة من كره الكتابة للعلل المذكورة ففسادها يظهر لك ممّا عرفت من فساد العلل .التاسع أنّ مااستدلّ به من كراهة عليّ عليه السلام لسؤال الخلافة ورغبة العباس وطلبه .يرد عليه أنّه لانزاع في وقوع الخلاف في كثير من الأمور بين الصحابة وغيرهم ، و ذلك ممّا لاحاجة له إلي شاهد،بل لانزاع في وقوع الخلاف فيما حكم
صفحه : 553
به الرسول صلّي اللّه عليه وآله أيضا، ولكنّ الكلام في أنّ خلاف الرسول والردّ عليه في معني الكفر و هذاالدليل لاتعلّق له بنفي ذلك ، علي أنّ الرواية في كلام عليّ عليه السلام والعباس في طلب الخلافة والسؤال عنها ممّا وضعوه وتمسّكوا به في إبطال النصّ، كماعرفت .العاشر أنّ ماتمسّك به في إثبات كون النبيّ صلّي اللّه عليه وآله مجيبا إلي ماسألوه من كتابة الوصيّة
مِن قَولِهِ دعَوُنيِ فاَلذّيِ أَنَا فِيهِ خَيرٌ ..
يرد عليه أنّ المخاطب بقوله صلّي اللّه عليه وآله دعوني .. إمّا جميع الحاضرين من الطالبين للكتابة والمانعين عنها أوبعضهم . فإن كان الأول ، كان المراد بقوله صلّي اللّه عليه وآله ماتدعونني إليه استماعه لمشاجرتهم ومنازعتهم ، ويؤيّد ذلك أمره صلّي اللّه عليه وآله إيّاهم بأجمعهم بالخروج بقوله قوموا عنيّ .. وزجرهم بقوله لاينبغي عندي التنازع .. علي ماسبق في بعض الروايات السابقة، وحينئذ فسقوط الاحتجاج به واضح . و إن كان الثاني، لم يجز أن يكون المخاطب من طلب الكتابة،بل من منع عنها، و إلّا لناقض كلامه أخيرا أمره بالإحضار ليكتب لهم ما لايضلّوا بعده ، وحيث تنقلب الحجّة عليهم و يكون المراد بما كانوا يدعون إليه ترك الكتابة، و يكون الأفضليّة المستفادة من قوله صلّي اللّه عليه وآله فالذي أنا فيه خير .. مثلها في قوله تعالي قُل أَ ذلِكَ خَيرٌ أَم جَنّةُ الخُلدِ التّيِ وُعِدَ المُتّقُونَ. و لوسلّمنا أنّ المراد بما تدعونني إليه طلب الكتاب ،نقول يجب أن يحمل الردع عن الكتابة علي أنّها صارت مكروهة له صلّي اللّه عليه وآله لممانعة المانعين وظهور إثارة الفتنة من المعاندين و إلّا لزم التناقض في كلامه (ص ) كماعرفت ،
صفحه : 554
فالتمسّك بهذا الكلام علي أيّ وجه كان لايجديهم نفعا. و أمّا ماذكره من أنّ المطلوب منه (ص ) كان تعيين الخليفة و كتاب الوصيّة في ذلك فهو و إن كان باطلا من حيث إنّ إرادة الرسول صلّي اللّه عليه وآله للكتابة كان ابتداء منه ، لاإجابة لرغبة أحد، كما هوالظاهر من خلوّ الروايات بأجمعها عن ذلك الطلب ، إلّا أنّه لاشكّ في أنّ مراده صلّي اللّه عليه وآله كان الوصية في أمر الخلافة وتأكيد النصّ في عليّ عليه السلام . وممّا يدلّ علي ذلك
مَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي الجُزءِ الثاّنيَِ عَشَرَ مِن شَرحِهِ عَلَي النّهجِ فِي سِلكِ الأَخبَارِ التّيِ رَوَاهَا عَن عُمَرَ، قَالَ رَوَي ابنُ عَبّاسٍ، قَالَخَرَجتُ مَعَ عُمَرَ إِلَي الشّامِ،فَانفَرَدَ يَوماً يَسِيرُ عَلَي بَعِيرٍ فَاتّبَعتُهُ، فَقَالَ لِي يَا ابنَ عَبّاسٍ أَشكُوا إِلَيكَ ابنَ عَمّكَ،سَأَلتُهُ أَن يَخرُجَ معَيِ فَلَم يَفعَل، وَ لَا أَزَالُ أَرَاهُ وَاجِداً،فِيمَا تَظُنّ مَوجِدَتُهُ قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّكَ لَتَعلَمُ، قَالَ أَظُنّهُ لَا يَزَالُ كَئِيباً لِفَوتِ الخِلَافَةِ قُلتُ هُوَ ذَاكَ،إِنّهُ يَزعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ(ص )أَرَادَ الأَمرَ لَهُ. فَقَالَ يَا ابنَ عَبّاسٍ وَ أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]الأَمرَ لَهُ فَكَانَ مَا ذَا إِذَا لَم يُرِدِ اللّهُ تَعَالَي ذَلِكَ، إِنّ رَسُولَ اللّهِ(ص )أَرَادَ أَمراً وَ أَرَادَ اللّهُ غَيرَهُ،فَنَفَذَ مُرَادُ اللّهِ وَ لَم يَنفُذ مُرَادُ رَسُولِ اللّهِ، أَ وَ كُلّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَ إِنّهُ أَرَادَ إِسلَامَ عَمّهِ وَ لَم يُرِدهُ اللّهُ تَعَالَي فَلَم يُسلِم.
صفحه : 555
قَالَ وَ قَد روُيَِ مَعنَي هَذَا الخَبَرِ بِغَيرِ هَذَا اللّفظِ، وَ هُوَ قَولُهُ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَرَادَ أَن يُذَكّرَهُ لِلأَمرِ فِي مَرَضِهِ،فَصَدَدتُهُ عَنهُ خَوفاً مِنَ الفِتنَةِ وَ انتِشَارِ أَمرِ الإِسلَامِ،فَعَلِمَ رَسُولُ اللّهِ(ص ) مَا فِي نفَسيِ وَ أَمسَكَ، وَ أَبَي اللّهُ إِلّا إِمضَاءَ مَا حُتِمَ.
وَ رَوَي أَيضاً فِي المَوضِعِ المَذكُورِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَدَخَلتُ عَلَي عُمَرَ فِي أَوّلِ خِلَافَتِهِ وَ قَد ألُقيَِ لَهُ صَاعٌ مِن تَمرٍ عَلَي خَصَفَةٍ،فدَعَاَنيِ إِلَي الأَكلِ،فَأَكَلتُ تَمرَةً وَاحِدَةً وَ أَقبَلَ يَأكُلُ حَتّي أَتَي عَلَيهِ، ثُمّ شَرِبَ مِن جَرّةٍ كَانَت عِندَهُ، وَ استَلقَي عَلَي مِرفَقَةٍ لَهُ وَ طَفِقَ يَحمَدُ اللّهَ .. يُكَرّرُ ذَلِكَ، ثُمّ قَالَ مِن أَينَ جِئتَ يَا عَبدَ اللّهِ. قُلتُ مِنَ المَسجِدِ. قَالَ كَيفَ خَلّفتَ ابنَ عَمّكَ.فَظَنَنتُهُ يعَنيِ عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ، قُلتُ خَلّفتُهُ يَلعَبُ مَعَ أَترَابِهِ. قَالَ لَم أَعنِ ذَلِكَ،إِنّمَا عَنَيتُ عَظِيمَكُم أَهلَ البَيتِ. قُلتُ خَلّفتُهُ يَمتَحُ بِالغَربِ عَلَي نَخِيلَاتٍ مِن فُلَانٍ وَ يَقرَأُ القُرآنَ. قَالَ يَا عَبدَ اللّهِ عَلَيكَ دِمَاءُ البُدنِ إِن كَتَمتَنِيهَا،هَل بقَيَِ فِي نَفسِهِ شَيءٌ مِن أَمرِ الخِلَافَةِ. قُلتُ نَعَم. قَالَ أَ يَزعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]نَصّ عَلَيهِ. قُلتُ نَعَم، وَ أَزِيدُكَ،سَأَلتُ أَبِي عَمّا يَدّعِيهِ، فَقَالَ صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ لَقَد كَانَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فِي أَمرِهِ ذَرءٌ مِن قَولٍ لَا يُثبِتُ
صفحه : 556
حُجّةً وَ لَا يَقطَعُ عُذراً، وَ لَقَد كَانَ يَزِيغُ فِي أَمرِهِ وَقتاً مَا، وَ لَقَد أَرَادَ فِي مَرَضِهِ أَن يُصَرّحَ بِاسمِهِ فَمَنَعتُهُ مِن ذَلِكَ إِشفَاقاً وَ حِيطَةً عَلَي الإِسلَامِ، لَا وَ رَبّ هَذَا[ هَذَهِ]البَنِيّةِ لَا تَجتَمِعُ عَلَيهِ قُرَيشٌ أَبَداً، وَ لَو وَلِيَهَا لَا انتَقَضَت عَلَيهِ العَرَبُ مِن أَقطَارِهَا،فَعَلِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]أنَيّ عَلِمتُ مَا فِي نَفسِهِ فَأَمسَكَ، وَ أَبَي اللّهُ إِلّا إِمضَاءَ مَا حُتِمَ.
قال ابن أبي الحديد ذكر هذاالخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسندا. قوله علي خصفة هي بالتّحريك الجلّة من الخوص تعمل للتّمر. وعليك دماء البدن قسم بوجوب نحر البدن لوكتم ماسأله من أمر الخلافة. وذرء من قول .. أي طرف منه و لم يتكامل ، والمراد القول غيرالصريح ، وذرء من خير بالهمزة بمعني شيء منه . والزّيغ بالزاي والياء المثناة من تحت والغين المعجمة الجور والميل عن الحقّ، والضمير في أمره راجع إلي عليّ عليه السلام ، أي كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يخرج عن الحقّ في أمر عليّ عليه السلام لحبّه إيّاه أو إليه صلّي اللّه عليه وآله ، والمراد الاعتذار عن صرفه عمّا أراد بأنّه كان يقع في الباطل أحيانا.
صفحه : 557
والإشفاق الخوف . والحيطة الحفظ والصّيانة. قال الجوهري مع فلان حيطة لك ، و لاتقل عليك .. أي تحنّن. واستدلّ بعض الأصحاب علي ذلك بما سبق في رواياتهم من تحسّر ابن عباس وتحزّنه عندتذكّر تلك الواقعة وبكائه حتّي بلّ دمعه الحصي ،إذ من الظاهر أنّه لم يقع بعد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله رزيّة ومصيبة توجب هذاالنوع من الحزن والأسف ، و لم تصب الأمّة عامّة وبني هاشم خاصّة آفة إلّا خلافة ابن أبي قحافة. ويؤيّد ذلك أنّه لاشكّ في اقتضاء المقام والحال أن يكون مراده عليه السلام كتابة الوصية في أمر الخلافة والإمامة،إذ العادة قدجرت قديما وحديثا في كلّ من ظهر له أمارة الارتحال من بين قومه وظنّ بدنوّ موته وحضور أجله بأن يوصي فيهم ويفوّض أمرهم إلي من يحميهم عن الفتن والآفات ، و يكون مرجعا لهم في نوائبهم ، ويدفع عنهم شرّ الأعداء، وكلّما تكثّرت جهات المنافع وتشتتّت وجوه المضار كانت الوصية أوجب وتركها أقبح ، و لاريب في أنّ الأمّة يخاف عليهم بتركهم سدي من غيرراع يقيمهم وهاد يهديهم أنواع الضرر في الدنيا والآخرة،فهل يظنّ عاقل بمن أرسله اللّه رحمة للعالمين أنّه لايهتمّ بأمر الإسلام والمسلمين و لايوصي فيهم و لاينصب لهم واليا يدفع عنهم شرّ أعدائهم ويهديهم إلي مايصلحهم ، و يكون خيرا لهم في آخرتهم ودنياهم مع أنّه قدأمر أمّته بالوصيّة ورغّبهم فيها. و إذاظهر أنّ مراده صلّي اللّه عليه وآله كان تعيين الخليفة كمااعترف به هذاالقائل أيضا فإن كان مقصوده صلّي اللّه عليه وآله تأكيد نصّ الغدير وغيره في أمير المؤمنين عليه السلام ، وتجديد ماعهد إلي الأمّة فيه ،ثبت المدّعي، وتمّ الطعن .
صفحه : 558
و إن كان المراد الوصية لأبي بكر كمارووه عن عائشة فكيف يتصوّر من عمر بن الخطاب الممانعة في إحضار ما كان وسيلة إلي استخلافه مع شدّة رغبته فيه . و قد قال شارح المقاصد في قصّة الفلتة كيف يتصوّر من عمر القدح في إمامة أبي بكر مع ماعلم من مبالغته في تعظيمه وانعقاد البيعة له ، و من صيرورته خليفة باستخلافه .
وَ روُيَِ أَنّهُ لَمّا كَتَبَ أَبُو بَكرٍ وَصِيّتَهُ فِي عُمَرَ وَ أَرسَلَهُ بِيَدِ رَجُلَينِ ليقرأه [لِيَقرَءَاهُ] عَلَي النّاسِ،قَالَا لِلنّاسِ هَذَا مَا كَتَبَهُ أَبُو بَكرٍ، فَإِن قَبِلتُمُوهُ نَقرَأهُ وَ إِلّا نَرُدّهُ. فَقَالَ طَلحَةُ اقرأه [اقرَءَاهُ] وَ إِن كَانَ فِيهِ عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مِن أَينَ عَرَفتَ ذكِريِ فِيهِ. فَقَالَ طَلحَةُ وَلّيتَهُ بِالأَمسِ وَ وَلّاكَ اليَومَ.
علي أنّه لاحاجة في مقام الطعن إلي إثبات خصوص ما كان مرادا له صلّي اللّه عليه وآله ، فإنّ الردّ عليه وظنّ أنّ الصواب في خلاف ماقضي به في معني الشرك باللّه، و لو كان في استخلاف أبي بكر أوعمر.لكن كان الغرض التنبيه علي فساد ماذكره بعض المتعصّبين من أنّ القول بأنّه صلّي اللّه عليه وآله أراد أن يؤكّد النصّ علي خلافة عليّ عليه السلام من باب الإخبار بالغيب ، و لم لايريد أن ينصّ بخلافة أبي بكر و قدوافق هذا ماروينا عن عائشة أنّه قال ادعي لي أبابكر أباك حتّي أكتب له كتابا. و من تأمّل بعين البصيرة فيما سبق مع ماسبق من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يوم الغدير وغيره ظهر له أنّ المراد كان تأكيد النصّ بالكتاب ، و ليس الفهم من القرائن والدلائل من الإخبار بالغيب .
صفحه : 559
ثم إنّ ابن أبي الحديد في شرح الخطبة الشقشقيّة تصدّي للاعتذار عن قول عمر، فقال قد كان في أخلاق عمر فظاظة وعنجهيّة ظاهرة بحسب السامع لكلماته إن أراد بها ما لم يكن قدأراد، ويتوّهم من يحكي له أنّه قصد بها ما لم يقصده ،فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ]، ومعاذ اللّه أن يقصد بهاظاهرها، ولكنّه أرسلها علي مقتضي خشونة غريزيّة و لم يتحفّظ منها، و كان الأحسن أن يقول مغمور أومغلوب بالمرض ، وحاشاه أن يعني بها غير ذلك ، ولجفاة الأعراب من هذاالفنّ كثير،سمع سليمان بن عبدالملك أعرابيّا يقول في سنة قحط
ربّ العباد مالنا و مالكا | قدكنت تستقينا فما بدا لكا |
نزل علينا القطر لا أبالكا |
فقال سليمان أشهد أنّه لاأب له و لاصاحبة و لاولد،فأخرجه أحسن مخرج . و علي نحو هذايحمل
كَلَامُهُ فِي صُلحِ الحُدَيبِيَةِ لَمّا قَالَ للِنبّيِّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَ لَم تَقُل لَنَا سَتَدخُلُونَهَا .. فِي أَلفَاظٍ نَكرَهُ حِكَايَتَهُاَ، حَتّي شَكَاهُ النّبِيّ صَلّي
صفحه : 560
اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي أَبِي بَكرٍ، وَ حَتّي قَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ الزَم بِغَرزِهِ،فَوَ اللّهِ إِنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ.انتَهَي.
ويرد عليه أوّلا أنّه لاوجه لحمل الكلام علي المحامل البعيدة وإخراجه عن ظاهره من غيردليل ، وظاهر الكلام تقبيح لرأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وردّ لقوله علي أقبح وجه ، و لم يقم برهان علي عدم جواز الخطإ والارتداد علي عمر بن الخطاب حتّي يأوّل كلامه بالتأويلات البعيدة، و مارووه في فضله من الأخبار فمع أنّه من موضوعاتهم و لاحجّة فيها علي الخصم لتفردّهم بروايتها فأكثرها لادلالة فيها علي مايجديهم في هذاالمقام ، والعجب أنّهم يثبتون أنواع الخطايا والذنوب للأنبياء عليهم السلام لظواهر الآيات الواردة فيهم وينكروه علينا حملها علي ترك الأولي وغيره من الوجوه كماسبق ذكر كثير منها في المجلد الخامس مع قيام الأدلّة العقلية والنقلية علي عصمتهم وجلالة قدرهم عمّا يظنّون بهم ، و لايرضون بمثله في عمر بن الخطاب مع عدم دليل علي عصمته واشتمال كتبهم ورواياتهم علي ماتسمع من مطاعنه و لوجانبوا الاعتساف لم يجعلوه أجلّ قدرا من أنبياء اللّه عليهم السلام . وثانيا أنّ الطعن ليس مقصورا علي سوء الأدب والتعبير بالعبارة الشنيعة،بل به وبالردّ لقول الرسول صلّي اللّه عليه وآله والإنكار عليه ، و هو في معني الردّ علي اللّه عزّ و جلّ والشرك به ، و إن كان بأحسن الألفاظ وأطيب العبارات ، و ما
صفحه : 561
ذكره لوتمّ فإنّما ينفع في دفع الأول دون الثاني. و أمّا قصّة صلح الحديبيّة التي أشار إليها فليس الطعن فيهابلفظ يشتمل علي سوء الأدب حتّي يجري فيه تأويل ،بل بالإنكار لقول الرسول صلّي اللّه عليه وآله وعدم تصديقه بعد
قَولِهِ أَنَا رَسُولُ اللّهِ(ص )،أَفعَلُ مَا يأَمرُنُيِ بِهِ ..
و هوإمّا تكذيب صريح للرسول صلّي اللّه عليه وآله لو لم يصدّقه في قوله ذلك ، أوتقبيح صريح لماقضي اللّه به لوصدّق الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و
قدذكر الموجه نفسه شَرحَ هَذِهِ القِصّةِ فِي الجُزءِ الثاّنيَِ عَشَرَ فِي سِلكِ الأَخبَارِ التّيِ رَوَاهَا عَن عُمَرَ، قَالَ لَمّا كَتَبَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] كِتَابَ الصّلحِ فِي الحُدَيبِيَةِ بَينَهُ وَ بَينَ سُهَيلِ بنِ عَمرٍو، وَ كَانَ فِي الكِتَابِ أَنّ مَن خَرَجَ مِنَ المُسلِمِينَ إِلَي قُرَيشٍ لَا يُرَدّ وَ مَن خَرَجَ مِنَ المُشرِكِينَ إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]يُرَدّ إِلَيهِم،غَضِبَ عُمَرُ وَ قَالَ لأِبَيِ بَكرٍ مَا هَذَا يَا أَبَا بَكرٍ أَ يُرَدّ المُسلِمُونَ إِلَي المُشرِكِينَ، ثُمّ جَاءَ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَجَلَسَ بَينَ يَدَيهِ، وَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ لَستَ رَسُولَ اللّهِ حَقّاً. قَالَ بَلَي. قَالَ وَ نَحنُ المُسلِمُونَ حَقّاً. قَالَ نَعَم. قَالَ وَ هُمُ الكَافِرُونَ. قَالَ نَعَم. قَالَ فَعَلَامَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنَا رَسُولُ اللّهِ(ص )أَفعَلُ مَا يأَمرُنُيِ بِهِ وَ لَن يضُيَعّنَيِ،فَقَامَ عُمَرُ مُغضَباً، وَ قَالَ وَ اللّهِ لَو أَجِدُ أَعوَاناً مَا أَعطَيتُ الدّنِيّةَ أَبَداً، وَ جَاءَ إِلَي أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَكرٍ أَ لَم يَكُن وَعَدَنَا، أَنّا سَنَدخُلُ مَكّةَ،فَأَينَ مَا وَعَدَنَا بِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَ قَالَ لَكَ إِنّ العَامَ نَدخُلُهَا. قَالَ لَا. قَالَ فَسَنَدخُلُهَا. قَالَ فَمَا هَذِهِ الصّحِيفَةُ التّيِ كُتِبَت وَ كَيفَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي
صفحه : 562
أَنفُسِنَا. فَقَالَ يَا هَذَا الزَم غَرزَهُ فَوَ اللّهِ إِنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ، إِنّ اللّهَ لَا يُضَيّعُهُ، فَلَمّا كَانَ يَومُ الفَتحِ وَ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِفتَاحَ الكَعبَةِ، قَالَ ادعُوا لِي عُمَرَ،فَجَاءَ، فَقَالَ هَذَا ألّذِي كُنتُ وَعَدتُ بِهِ.
وَ رَوَي البخُاَريِّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الشّرُوطِ فِي الجِهَادِ وَ المُصَالَحَةِ مَعَ أَهلِ الحُرُوبِ، عَنِ الزهّريِّ، عَن عُروَةَ بنِ الزّهَيرِ، عَنِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ وَ مَروَانَ يُصَدّقُ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ قَالَاخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مِنَ الحُدَيبِيَةِ .. وَ سَاقَ الحَدِيثَ .. إِلَي أَن قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَأَتَيتُ نبَيِّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،فَقُلتُ أَ لَستَ نبَيِّ اللّهِ حَقّاً. قَالَ بَلَي. قُلتُ أَ لَسنَا عَلَي الحَقّ، وَ عَدُوّنَا عَلَي البَاطِلِ. قَالَ بَلَي. قُلتُ فَلِمَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا إِذاً. قَالَ إنِيّ رَسُولُ اللّهِ وَ لَستُ أَعصِيهِ، وَ هُوَ ناَصرِيِ. قُلتُ أَ وَ لَستَ كُنتَ تُحَدّثُنَا أَنّا سنَأَتيِ البَيتَ فَنَطُوفُ بِهِ. قَالَ بَلَي،فَأَخبَرتُكَ أَنّا نَأتِيهِ العَامَ. قُلتُ لَا. قَالَ فَإِنّكَ آتِيهِ وَ تَطُوفُ بِهِ. قَالَ فَأَتَيتُ أَبَا بَكرٍ،فَقُلتُ يَا أَبَا بَكرٍ أَ لَيسَ هَذَا نبَيِّ اللّهِ حَقّاً. قَالَ بَلَي. قُلتُ أَ لَسنَا عَلَي الحَقّ وَ عَدُوّنَا عَلَي البَاطِلِ. قَالَ بَلَي. قُلتُ فَلِمَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا إِذاً. قَالَ أَيّهَا الرّجُلُ إِنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ لَيسَ يعَصيِ رَبّهُ وَ هُوَ نَاصِرُهُ،فَاستَمسِك بِغَرزِهِ،فَوَ اللّهِ إِنّهُ عَلَي الحَقّ. قُلتُ أَ لَيسَ كَانَ يُحَدّثُنَا أَنّا سنَأَتيِ البَيتَ
صفحه : 563
وَ نَطُوفُ بِهِ. قَالَ بَلَي، أَ فَأَخبَرَكَ أَنّكَ تَأتِيهِ العَامَ. قُلتُ لَا. قَالَ فَإِنّكَ آتِيهِ وَ تَطُوفُ بِهِ. قَالَ الزهّريِّ قَالَ عُمَرُ فَعَمِلتُ لِذَلِكَ أَعمَالًا.
وَ رَوَي البخُاَريِّ فِي تَفسِيرِ سُورَةِ الفَتحِ مِن كِتَابِ تَفسِيرِ القُرآنِ، وَ مُسلِمٍ فِي كِتَابِ القَضَاءِ، عَن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ أَتَيتُ أَبَا وَائِلٍ أَسأَلُهُ، فَقَالَ كُنّا بِصِفّينَ، فَقَالَ رَجُلٌأَ لَم تَرَ إِلَي الّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتابِ يُدعَونَ إِلي كِتابِ اللّهِ... فَقَالَ عَلِيّ[ عَلَيهِ السّلَامُ]نَعَم، فَقَالَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ اتّهِمُوا أَنفُسَكُم فَلَقَد رَأَيتَنَا يَومَ الحُدَيبِيَةِ يعَنيِ الصّلحَ ألّذِي كَانَ بَينَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ المُشرِكِينَ وَ لَو نَرَي قِتَالًا لَقَاتَلنَا،فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ أَ لَسنَا عَلَي الحَقّ وَ هُم عَلَي البَاطِلِ أَ لَيسَ قَتلَانَا فِي الجَنّةِ وَ قَتلَاهُم فِي النّارِ. قَالَ بَلَي. قَالَ فَفِيمَ نعُطيِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا وَ نَرجِعُ وَ لِمَا يَحكُمُ اللّهُ بَينَنَا. فَقَالَ يَا ابنَ الخَطّابِ إنِيّ رَسُولُ اللّهِ(ص ) وَ لَن يضُيِعّنَيَِ اللّهُ أَبَداً.فَرَجَعَ مُتَغَيّظاً فَلَم يَصبِر حَتّي جَاءَ إِلَي أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكرٍ أَ لَسنَا عَلَي الحَقّ وَ هُم عَلَي البَاطِلِ. قَالَ يَا ابنَ الخَطّابِ إِنّهُ رَسُولُ اللّهِ(ص ) وَ لَن يُضَيّعَهُ اللّهُ أَبَداً ..،فَنَزَلَت سُورَةُ الفَتحِ
وَ فِي رِوَايَةِ مُسلِمٍ بَعدَ قَولِهِ وَ لَن يُضَيّعَهُ اللّهُ أَبَداً نَزَلَ القُرآنُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بِالفَتحِ،فَأَرسَلَ إِلَي عُمَرَ فَأَقرَأَهُ إِيّاهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ
صفحه : 564
(ص ) أَ وَ فَتحٌ هُوَ. فَقَالَ نَعَم.فَطَابَت نَفسُهُ وَ رَجَعَ.
و قدذكر الروايات في جامع الأصول في كتاب الغزوات من حرف الغين .
وَ رَوَي الشّيخُ الطبّرسِيِّ رضَيَِ اللّهُ عَنهُ فِي مَجمَعِ البَيَانِ قِصّةَ الحُدَيبِيَةِ بِنَحوٍ مِمّا سَبَقَ، وَ فِيهِ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وَ اللّهِ مَا شَكَكتُ مُنذُ أَسلَمتُ إِلّا يَومَئِذٍ،فَأَتَيتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقُلتُ أَ لَستَ نبَيِّ اللّهِ .. إِلَي آخِرِ الخَبَرِ.
و من نظر في هذه الأخبار لم يشكّ في أنّه لم يرض بقول النبيّ صلّي اللّه عليه وآله و كان في صدره حرج ممّا قضي به الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و قد قال اللّه عزّ و جلّفَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّي يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ وَ يُسَلّمُوا تَسلِيماً، وظنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في وعده كاذبا، و إلّا فلامعني لقيامه مغضبا متغيّظا غيرصابر حتّي جاء إلي أبي بكر، و قوله لووجدت أعوانا ماأعطيت الدنيّة أبدا، وإعادته كلامه في معرض الإنكار لأبي بكر بعدقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله إنيّ رسول اللّه(ص ) ولست أعصيه ، أو أنا رسول اللّه(ص )أفعل مايأمرني به .. علي اختلاف ألفاظ الروايات السابقة، وكذلك يدلّ علي ظنّه الكذب برسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله قوله له هذا ألذي كنت وعدت به .. بعدأخذ مفتاح الكعبة وإرساله إليه ليقرأ عليه آية الفتح . ويدلّ علي شدّة غضبه صلّي اللّه عليه وآله وغيظه علي عمر
مَا رَوَاهُ البخُاَريِّ فِي بَابِ غَزوَةِ الحُدَيبِيَةِ مِن كِتَابِ المغَاَزيِ، عَن زَيدِ بنِ أَسلَمَ، عَن أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] كَانَ يَسِيرُ فِي بَعضِ أَسفَارِهِ وَ عُمَرُ بنُ
صفحه : 565
الخَطّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيلًا،فَسَأَلَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عَن شَيءٍ فَلَم يُجِبهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، ثُمّ سَأَلَهُ فَلَم يُجِبهُ بشِيَءٍ، ثُمّ سَأَلَهُ فَلَم يُجِبهُ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ثَكَلَتكَ أُمّكَ يَا عُمَرُ نَزَرتَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]ثَلَاثَ مَرّاتٍ كُلّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ فَحَرّكتُ بعَيِريِ ثُمّ تَقَدّمتُ أَمَامَ المُسلِمِينَ وَ خَشِيتُ أَن يَنزِلَ فِيّ قُرآنٌ،فَمَا نَسِيتُ أَن سَمِعتُ صَارِخاً يَصرُخُ بيِ. قَالَ فَقُلتُ لَقَد خَشِيتُ أَن يَنزِلَ فِيّ قُرآنٌ وَ جِئتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،فَسَلّمتُ عَلَيهِ، فَقَالَ لَقَد أُنزِلَت عَلَيّ اللّيلَةَ سُورَةٌ لهَيَِ أَحَبّ إلِيَّ مِمّا طَلَعَت عَلَيهِ الشّمسُ، ثُمّ قَرَأَإِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُبِيناً.
وَ قَالَ فِي النّهَايَةِ حَدِيثُ عُمَرَ « أَنّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ(ص ) عَن شَيءٍ مِرَاراً فَلَم يُجِبهُ فَقَالَ لِنَفسِهِ ثَكَلَتكَ أُمّكَ إِنّكَ يَا عُمَرُ نَزَرتَ رَسُولَ اللّهِ(ص )مِرَاراً لَا يُجِيبُكَ»،..
أي ألححت عليه في المسألة إلحاحا أدّبك بسكوته عن جوابك ،يقال فلان لايعطي حتّي ينزر .. أي يلحّ عليه .انتهي . و لايخفي علي ذي بصيرة أنّ ماظهر من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله من الغضب والغيظ عليه في الحديبيّة و في مرضه صلّي اللّه عليه وآله ،حيث أمره بالخروج من البيت مع المتنازعين لم يظهر بالنسبة إلي أحد من الصحابة، وكذلك ماظهر عنه [كذا] من سوء الأدب لم يظهر عن غيره ، و لاشكّ أنّ ظهور ذلك الغيظ منه صلّي اللّه عليه وآله مع خلقه العظيم ، وعفوه الكريم ، وخوفه في الفظاظة والغلظة من انفضاضهم ، كما قال سبحانه وَ لَو كُنتَ فَظّا غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ لم يكن إلّا لشدّة تفاحشه في ترك الأدب والوقاحة،
صفحه : 566
وبلوغ تأذيّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله إلي الغاية، و قد قال اللّه تعالي وَ الّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ، و قال سبحانه و تعالي إِنّ الّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنيا وَ الآخِرَةِ وَ أَعَدّ لَهُم عَذاباً مُهِيناً و قد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يصبر علي كثير من الأذي ويستحي من زجرهم ، كمايدلّ عليه قوله تعالي مشيرا إلي دخولهم بيوت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله من دون الإذن وغيره إِنّ ذلِكُم كانَ يؤُذيِ النّبِيّ فيَسَتحَييِ مِنكُم وَ اللّهُ لا يسَتحَييِ مِنَ الحَقّ كماسبق . هذا مع أنّ أتباع عمر بن الخطاب وحزبه قدستروا كثيرا من كلماته الشنيعة و ما قال فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، كمايظهر من قول ابن أبي الحديد في ألفاظ نكره حكايتها حتي شكاه النبيّ صلّي اللّه عليه وآله إلي أبي بكر. ويؤيّد هذاالمعني أنّ قصّة منع الكتابة لم يروها أحد ممّن حضرها إلّا ابن عباس ، و قدصرّحت الرواية بأنّه كان في البيت رجال ، وقالوا بعضهم قرّبوا يكتب لكم ، وبعضه قال ما قال عمر، وكثر لغطهم وارتفعت أصواتهم . وثالثا أنّ مااعتذر به من أنّ عمر كان يرسل في تلك الألفاظ علي مقتضي غريزته وخشونة جبلّته و لم يكن يقصد بهاظواهرها فيه اعتراف بأنّه كان لايملك لسانه حتي يتكلّم بما يحكم به عقله ، وظاهر أنّ رجلا لم يقدر علي ضبط لسانه في مخاطبة مثل النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في علوّ شأنه في الدنيا والآخرة معدود عندالعقلاء في المجانين ، ومثله لايصلح للرئاسة العامّة وخلافة من
صفحه : 567
اصطفاه اللّه علي العالمين ، و من رضي بإمامة من يكره حكاية ألفاظه كمامرّ من كلام الموجّه فقد بلغ الغاية في السفاهة وفاز بالقدح المعلّي من الحماقة. و أمّا من استشهد الشارح بشعره من الأعراب فهو ممّن قال اللّه تعالي فيه الأَعرابُ أَشَدّ كُفراً وَ نِفاقاً وَ أَجدَرُ أَلّا يَعلَمُوا حُدُودَ ما أَنزَلَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ، ومثله أحري بأن يعدّ من البهائم ، و لم يقل أحد بأنّ مثله يصلح للإمامة حتي يقاس بفعله فعل من ادّعي الإمامة. و ماذكره من أنّ الأحسن كان أن يقول مغمور أومغلوب بالمرض فهو هذيان كقول إمامه ،إذ الكلام في أنّه لايجوز الردّ علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله وإنكار قوله صلّي اللّه عليه وآله مطلقا،سواء كان في حال المرض أوغيره ،للآيات والأخبار الدالّة علي وجوب الانقياد لأوامره ونواهيه ، و أنّه لاينطق عن الهوي و لا يقول إلّا حقّا، والهجر وغلبة المرض و إن كان أمرا شائعا في أكثر البشر إلّا أنّه لااستبعاد في براءة من اصطفاه اللّه علي العالمين عنه ، كما أنّ غلبة النوم يعمّ سائر الخلق .
وَ قَد رَوَي الخَاصّ وَ العَامّ أَنّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَ لَا يَنَامُ قَلبُهُ إِذَا
صفحه : 568
نَامَت عَينَاهُ
، و قداعترف النووي علي مانقله عنه الكرماني في شرح صحيح البخاري بأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله كان معصوما من الكذب و من تغيير الأحكام الشرعيّة في حال الصحّة والمرض . و من الغرائب أنّهم يستدلّون علي خلافة عمر بن الخطاب بما نصّ عليه أبوبكر في مرضه وكتب له ، و لم يجوّز أحد فيه أن يكون هجرا وناشئا من غلبة المرض ، مع أنّه أغمي عليه في أثناء كتابته العهد كما
رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي كَيفِيّةِ عَقدِهِ الخِلَافَةَ لِعُمَرَ مِن أَنّهُ كَانَ يَجُودُ بِنَفسِهِ فَأَمَرَ عُثمَانَ أَن يُكتَبَ عَهداً، وَ قَالَ اكتُببِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ بِهِ عَبدُ اللّهِ بنُ عُثمَانَ إِلَي المُسلِمِينَ، أَمّا بَعدُ .. ثُمّ أغُميَِ عَلَيهِ،فَكَتَبَ عُثمَانُ قَدِ استَخلَفتُ عَلَيكُمُ ابنَ الخَطّابِ .. وَ أَفَاقَ أَبُو بَكرٍ، فَقَالَ اقرَأ،فَقَرَأَهُ،فَكَبّرَ أَبُو بَكرٍ وَ قَالَ أَرَاكَ خِفتَ أَن يَختَلِفَ النّاسُ إِن مِتّ فِي غشَيتَيِ. قَالَ نَعَم. قَالَ جَزَاكَ اللّهُ خَيراً عَنِ الإِسلَامِ وَ أَهلِهِ، ثُمّ أَتَمّ العَهدَ وَ أَمَرَهُ أَن يَقرَأَ عَلَي النّاسِ.
وجوّزوا في رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أن يكون عهده هجرا وهذيانا، و قد كان في كتاب أبي بكر ووصيّته علي ماذكره شارح المقاصد وغيره نوع من التردّد في شأن عمر،حيث قال إنيّ استخلفت عمر بن الخطاب فإن عدل فذاك ظنيّ به ورأيي فيه ، و إن بدل وجار فلكلّ امرئ مااكتسب ، والخير أردت و لاأعلم الغيب ،وَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ و كان
قَولُهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ائتوُنيِ بِكِتَابٍ[كَذَا]أَكتُب لَكُم كِتَاباً لَا تَضِلّوا بَعدَهُ ..
خاليا من
صفحه : 569
التردّد صريحا في بعدهم عن الضلال بعدالكتاب ،فكتاب أبي بكر من حيث المتن أولي بالشكّ، كما أنّ احتمال الهجر وغلبة المرض في شأنه كان أظهر، و لم يدلّ دليل من العقل والنقل علي براءته من الهذيان ، و كان كتاب اللّه بين أظهرهم ،فكان اللائق بديانة عمر بن الخطاب أن لايرضي بذلك الكتاب و يقول حسب الناس كتاب اللّه، و كان الأنسب لأشياعه الذين يجوّزون الهذيان علي سيّد الأنام صلّي اللّه عليه وآله تصحيحا لقول عمر بن الخطاب أن يتردّدوا في إمامته و لايستندوا إلي وصيّة أبي بكر في شأنه . ثم إنّ في قول عمر بن الخطاب في مقام الردّ علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله حسبنا كتاب اللّه .. يدلّ علي أنّه لاحاجة إلي الخليفة مطلقا،فكيف سارع إلي السقيفة لعقد البيعة وجعله أهمّ من دفن سيّد البريّة عليه وآله أكمل الصلاة والتحيّة. والحاصل ، أنّ من لم يطبع اللّه علي قلبه لم يشكّ في أنّهم لم يهتمّوا إلّا بنيل حطام الدنيا وزخارفها، وصرف الإمارة والخلافة عن أهاليها ومعادنها. واعلم أنّهم عدّوا من فضائل عمر بن الخطاب أنّه كان يرد علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في كثير من المواطن ، و كان يرجع إلي قوله ويترك ماحكم به .فمن ذلك
مَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي أَخبَارِ عُمَرَ فِي الجُزءِ الثاّنيَِ عَشَرَ، وَ رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَكُنّا قُعُوداً حَولَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ مَعَنَا أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ فِي نَفَرٍ،فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ
صفحه : 570
عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مِن بَينِ أَظهُرِنَا فَأَبطَأَ عَلَينَا،فَخَشِينَا أَن يُقطَعَ دُونَنَا وَ فَزِعنَا وَ قُمنَا،فَكُنتُ أَوّلَ مَن فَزِعَ،فَخَرَجتُ أبَتغَيِ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] حَتّي أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنصَارِ لِقَومٍ مِن بنَيِ النّجّارِ فَلَم أَجِد لَهُ بَاباً، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدخُلُ فِي جَوفِ حَائِطٍ مِن بِئرٍ خَارِجَةٍ[بِئرِ خَارِجَةَ] وَ الرّبِيعُ الجَدوَلُ فَاحتَفَزتُ فَدَخَلتُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ.فَقُلتُ نَعَم يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ مَا شَأنُكَ. قُلتُ كُنتَ بَينَ أَظهُرِنَا فَقُمتَ فَأَبطَأتَ عَلَينَا،فَخَشِينَا أَن تُقطَعَ دُونَنَا،فَفَزِعنَا فَكُنتُ أَوّلَ مَن فَزِعَ فَأَتَيتُ هَذَا الحَائِطَ فَاحتَفَزتُ كَمَا تَحتَفِزُ الثّعلَبُ وَ هَؤُلَاءِ النّاسُ ورَاَئيِ، فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيرَةَ وَ أعَطاَنيِ نَعلَيهِ، قَالَ اذهَب بنِعَليَّ هَاتَينِ فَمَن لَقِيتَ مِن وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ مُستَيقِناً بِهَا قَلبُهُ فَبَشّرهُ بِالجَنّةِ،فَكَانَ أَوّلُ مَن لَقِيتُ عُمَرَ، فَقَالَ مَا هَاتَانِ النّعلَانِ يَا أَبَا هُرَيرَةَ. قُلتُ هَاتَانِ نَعلَا رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بعَثَنَيِ بِهِمَا مَن لَقِيتُ يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ مُستَيقِناً بِهَا قَلبُهُ بَشّرتُهُ بِالجَنّةِ،فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَينَ ثدَييَّ فَخَرَرتُ لاِستيِ، فَقَالَ ارجِع يَا أَبَا هُرَيرَةَ.فَرَجَعتُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَأَجهَشتُ بِبُكَاءٍ وَ ركَبِنَيِ عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَي أثَرَيِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صفحه : 571
صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيرَةَ. قُلتُ لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخبَرتُهُ باِلذّيِ بعَثَتنَيِ بِهِ،فَضَرَبَ بَينَ ثدَييَّ ضَربَةً خَرَرتُ لاِستيِ، قَالَ ارجِع. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مَا حَمَلَكَ عَلَي مَا فَعَلتَ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ بأِبَيِ أَنتَ وَ أمُيّ، أَ بَعَثتَ أَبَا هُرَيرَةَ بِنَعلَيكَ مَن لقَيَِ يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ مُستَيقِناً بِهَا قَلبُهُ بَشّرَهُ بِالجَنّةِ. قَالَ نَعَم. قَالَ فَلَا تَفعَل،فإَنِيّ أَخشَي أَن يَتّكِلَ النّاسُ عَلَيهَا فَخَلّهِم يَعمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ(ص )فَخَلّهِم.
قوله من بين أظهرنا .. أي من بيننا. ويقطع دوننا .. أي يصاب بمكروه من عدوّ وغيره . وبئر خارجة علي التوصيف .. أي قليب خارجة عن البستان ، وقيل البئر هوالبستان ،كقولهم بئر أريس ، وبئر بضاعة، وقيل الخارجة اسم رجل فيكون علي الإضافة.
صفحه : 572
واحتفزت بالزاي .. أي تضاممت ليسعني المدخل كمايفعل الثعلب ، وقيل بالراء.
وَ رَوَي البخُاَريِّ فِي تَفسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةَ مِن كِتَابِ تَفسِيرِ القُرآنِ، وَ رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي بَابِ فَضَائِلِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ لَمّا توُفُيَّ عَبدُ اللّهِ بنُ أُبَيّ جَاءَ ابنُهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبدِ اللّهِ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،فَسَأَلَهُ أَن يُعطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعطَاهُ، ثُمّ سَأَلَهُ أَن يصُلَيَّ عَلَيهِ،فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ليِصُلَيَّ عَلَيهِ،فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ تصُلَيّ عَلَيهِ وَ قَد نَهَاكَ رَبّكَ أَن تصُلَيَّ عَلَيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]إِنّمَا خيَرّنَيَِ اللّهُ، فَقَالَاستَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرّةً... وَ سَأَزِيدُ عَلَي السّبعِينَ، فَقَالَ إِنّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ فَصَلّي عَلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،فَأَنزَلَ اللّهُ تَعَالَيوَ لا تُصَلّ عَلي أَحَدٍ مِنهُم ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُم عَلي قَبرِهِ إِنّهُم كَفَرُوا بِاللّهِ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي لَهُ عَن عُمَرَ أَنّهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]أَخّر عنَيّ يَا عُمَرُ فَلَمّا أَكثَرتُ عَلَيهِ قَالَ إنِيّ خُيّرتُ فَاختَرتُ، لَو أَعلَمُ إِن زِدتُ عَلَي السّبعِينَ يُغفَر لَهُ لَزِدتُ عَلَيهَا، قَالَ فَصَلّي عَلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ
صفحه : 573
[ وَ آلِهِ] ثُمّ انصَرَفَ،فَلَم يَمكُث إِلّا يَسِيراً حَتّي نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِن بَرَاءَةَ ... قَالَ فَعَجِبتُ بَعدُ مِن جرُأتَيِ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَعلَمُ.
وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي أَخبَارِ عُمَرَ قَرِيباً مِنَ الرّوَايَةِ الأُولَي، وَ فِيهَا فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] بَينَ يدَيَِ الصّفّ،فَجَاءَ عُمَرُ فَجَذَبَهُ مِن خَلفِهِ، وَ قَالَ أَ لَم يَنهَكَ اللّهُ عَنِ الصّلَاةِ عَلَي المُنَافِقِينَ .. قَالَ فَعَجِبَ النّاسُ مِن جُرأَةِ عُمَرَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ].
و لايذهب عليك أنّ الرواية الأولي مع أنّ راويها أبوهريرة الكذّاب ينادي ببطلانها سخافة أسلوبها، وبعث أبي هريرة مبشّرا للناس ، وجعل النعلين علامة لصدقه ، و قدأرسل اللّه تعالي رسوله صلّي اللّه عليه وآله مبشّرا ونذيرا للناس ، وأمره بأن يبلّغ ماأنزل إليه من ربّه، و لم يجعل أباهريرة نائبا له في ذلك ، و لم يكن القوم المبعوث إليهم أبوهريرة غائبين عنه صلّي اللّه عليه وآله حتّي يتعذّر عليه أن يبشّرهم بنفسه ، و كان الأحري تبليغ تلك البشارة في المسجد و عنداجتماع الناس لا بعدقيامه من بين القوم وغيبته عنهم واستتاره بالحائط، و لم تكن هذه البشارة ممّا يفوت وقته بالتأخير إلي حضور الصلاة واجتماع الناس ، أورجوعه صلّي اللّه عليه وآله عن الحائط، وكيف جعل النعلين علامة لصدق أبي هريرة مع أنّه يتوقّف علي العلم بأنّهما نعلا رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و قدجاز أن لايعلم ذلك من يلقاه أبوهريرة فيبشّره، و إذا كان ممّن يظنّ الكذب بأبي هريرة أمكن أن يظنّ أنّه سرق نعلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فلايعتمد علي قوله ، و لوفرضنا
صفحه : 574
صدق أوّل الخبر أمكن أن يكون مارواه أخيرا من رجوعه صلّي اللّه عليه وآله إلي قول عمر من أكاذيبه . ويؤيّده
مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي المَوضِعِ المَذكُورِ وَ رَوَاهُ غَيرُهُ فِي عِدّةِ رِوَايَاتٍ أَنّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَشّرَ النّاسَ بِأَنّهُ مَن مَاتَ وَ هُوَ يَعلَمُ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ دَخَلَ الجَنّةَ
، و قدروي أبوهريرة نفسه مايقرب من هذاالمعني . ثم لوسلّمنا صدق الخبر إلي آخره فلاشكّ في أنّه يتضمّن أنّ عمر ردّ قول النبيّ صلّي اللّه عليه وآله علي أخشن الوجوه وأقبحها كما هودأب الطغام والأجلاف ، و مع قطع النظر عمّا عرفت وستعرف من عدم جواز الاجتهاد في مقابلة النصّ، و أنّ الردّ عليه صلّي اللّه عليه وآله ردّ علي اللّه و علي حدّ الشرك باللّه،كيف يجوز هذاالنوع من سوء الأدب والغلظة في مقام الردّ علي المجتهد و لو كان مخطئا و هومأجور في خطئه ، و قدأمكنه أن يردّ أباهريرة برفق ويناظر برسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ويوقفه علي خطئه . ثم من أين استحقّ أبوهريرة أن يضرب علي صدره حتّي يقع علي استه و لم يقدم علي أمر سوي طاعة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وطاعة اللّه، و قدأمر اللّه تعالي بها في زهاء عشرين موضعا من كتابه بقوله أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرّسُولَ.
صفحه : 575
و أمّا رجوعه صلّي اللّه عليه وآله عن الأمر بتبشير الناس فعلي تقدير صحّته لادلالة فيه علي اجتهاده صلّي اللّه عليه وآله وخطئه في رأيه ، و لاينفي الشناعة عن فعل عمر،لجواز أن يكون الرجوع من قبيل النسخ بالوحي لمصلحة يعلمها اللّه تعالي ، ويمكن أن تكون مصلحة تأليف قلب هذاالفظّ الغليظ، كماأمر اللّه سبحانه بذلك في سائر المنافقين لئلّا ينفضّوا عن رسوله صلّي اللّه عليه وآله فيلحق الإسلام ضرر أعظم من فوت المصلحة بترك التبشير في ذلك الوقت ، و لايخفي أنّ الاجتهاد المذكور ممّا لم يجوّزه كثير من العامّة،لكون المسألة ممّا يتعلّق بأمور الدين لاالحروب وأمور الدنيا، و قدصرّح بذلك شارح صحيح مسلم في شرح هذاالخبر، و قال عدم جواز الخطإ عليه صلّي اللّه عليه [ وآله ] في الأمور الدينيّة مذهب المحقّقين، وحكي عن شيخه أبي عمرو بن الصلاح توجيه النافين للاجتهاد المذكور بأنّه كان لوحي ناسخ للوحي السابق . و أمّا الرواية الثانية فسوء الأدب فيهابالأخذ بالثوب وجذبه صلّي اللّه عليه وآله من خلفه واضح ، وكذلك الإنكار علي قول الرسول صلّي اللّه عليه وآله كمايظهر من قوله إنّه منافق بعد قوله صلّي اللّه عليه وآله إنيّ خيّرت و قوله فلمّا أكثرت عليه .. بعد قوله صلّي اللّه عليه وآله أخّر عنيّ، ونزول الآية، والنهي
صفحه : 576
عن الصلاة علي المنافقين لايدلّ علي تصويبه كمامرّ، ويمكن أن تكون المصلحة في اختياره صلّي اللّه عليه وآله الصلاة ونزول النهي أن يظهر للمنافقين أوغيرهم أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لم يتنفّر عنهم لمايعود إلي البشريّة والطبع بل لمحض الاتّباع لماأمره اللّه سبحانه ، و في ذلك نوع من الاستمالة وتأليف القلوب . ثم إنّهم رووا في أخبارهم من إنكاره وردّه علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله ما لايتضمّن الرجوع .
رَوَي البخُاَريِّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي المُتَأَوّلِينَ مِن كِتَابِهِ استِتَابَةِ المُرتَدّينَ عَن سَعِيدِ بنِ عُبَيدَةَ، قَالَتَنَازَعَ أَبُو عَبدِ الرّحمَنِ وَ حِبّانُ بنُ عَطِيّةَ، فَقَالَ أَبُو عَبدِ الرّحمَنِ لِحِبّانَ لَقَد عَلِمتُ مَا ألّذِي جَرّأَ صَاحِبَكَ عَلَي الدّمَاءِ يعَنيِ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ مَا هُوَ لَا أَبَا لَكَ. قَالَ شَيءٌ سَمِعتُهُ يَقُولُهُ. قَالَ مَا هُوَ. قَالَ بعَثَنَيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ الزّبَيرَ وَ أَبَا مَرثَدٍ وَ كُلّنَا فَارِسٌ، فَقَالَ انطَلِقُوا حَتّي تَأتُوا رَوضَةَ حَاجٍ ...، فَإِنّ فِيهَا امرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِن حَاطِبِ بنِ أَبِي بَلتَعَةَ إِلَي المُشرِكِينَ فأَتوُنيِ بِهَا،فَانطَلَقنَا عَلَي أَفرَاسِنَا حَتّي أَدرَكنَاهَا حَيثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَسِيرُ عَلَي بَعِيرٍ لَهَا، وَ كَانَ كَتَبَ إِلَي أَهلِ مَكّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]إِلَيهِم،فَقُلنَا أَينَ الكِتَابُ ألّذِي مَعَكِ.قَالَت مَا معَيِ كِتَابٌ،فَأَنَخنَا بِهَا بَعِيرَهَا،فَابتَغَينَا فِي رَحلِهَا فَمَا وَجَدنَا شَيئاً، فَقَالَ صاَحبِاَيَ مَا نَرَي مَعَهَا كِتَاباً. قَالَ فَقُلتُ لَقَد عَلِمنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] ثُمّ حَلَفَ عَلِيّ وَ ألّذِي يُحلَفُ بِهِ لَتُخرِجِنّ الكِتَابَ أَو لَأُجَرّدَنّكِ،فَأَهوَت إِلَي حُجزَتِهَا وَ هيَِ مُحتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخرَجَتِ الصّحِيفَةَ،فَأَتَوا بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَد خَانَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ المُؤمِنِينَ،دعَنيِ فَأَضرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ
صفحه : 577
[ وَ آلِهِ] يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَي مَا صَنَعتَ. قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا بيِ أَن لَا أَكُونَ مُؤمِناً بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ لكَنِيّ أَرَدتُ أَن تَكُونَ لِي عِندَ القَومِ يَدٌ يَدفَعُ اللّهُ بِهَا عَن أهَليِ وَ ماَليِ، وَ لَيسَ مِن أَصحَابِكَ أَحَدٌ إِلّا وَ لَهُ هُنَاكَ مِن قَومِهِ مَن يَدفَعُ اللّهُ بِهِ عَن أَهلِهِ وَ مَالِهِ، قَالَ صَدَقَ، لَا تَقُولُوا لَهُ إِلّا خَيراً، قَالَ فَعَادَ عُمَرُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَد خَانَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ المُؤمِنِينَ،دعَنيِ فَلأَضرِب عُنُقَهُ. قَالَ أَ وَ لَيسَ مِن أَهلِ بَدرٍ، وَ مَا يُدرِيكَ لَعَلّ اللّهَ اطّلَعَ عَلَيهِم، فَقَالَ اعمَلُوا مَا شِئتُم فَقَد أَوجَبتُ لَكُمُ الجَنّةَ،فَاغرَورَقَت عَينَاهُ، فَقَالَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَعلَمُ.
قال أبو عبد اللّه خاخ يعني بخاءين معجمتين أصحّ، ولكن كذا قال أبوعوانة حاج بالحاء المهملة ثم الجيم و هوتصحيف ، و هوموضع .
وَ رَوَي البخُاَريِّ فِي بَابِ فَضلِ مَن شَهِدَ بَدراً مِن كِتَابِ المغَاَزيِ، عَن أَبِي عَبدِ الرّحمَنِ السلّمَيِّ، عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَهُ بِتَغيِيرٍ فِي اللّفظِ.
قوله فأهوت إلي حجزتها .. الحجزة بضم الحاء المهملة ثم الجيم الساكنة ثم الزاي معقد الإزار، وحجزة السّراويل تكّتها. واغرورقت عيناه .. أي دمعتا. و أبو عبد اللّه هوالبخاري. و قال الواقدي روضة خاخ بالمعجمتين قريب من ذي الحليفة علي بريد
صفحه : 578
من المدينة.أقول ما في هذه الرواية من عود عمر إلي قوله قدخان اللّه ورسوله .. دعني فلأضرب عنقه ، بعداعتذار حاطب وتصديق الرسول صلّي اللّه عليه وآله إيّاه، و قوله لاتقولوا له إلّا خيرا .. ردّ صريح لقول الرسول صلّي اللّه عليه وآله وارتكاب لنهيه . واعتذار بعض المتعصّبين بأنّه ظنّ أنّ صدقه في عذره لايدفع عنه مايجب عليه من القتل في غاية السخافة، فإنّ قوله (ص ) لاتقولوا له إلّا خيرا، بعد قوله صدق ،يهدم أساس هذه الأوهام ، و لاريب في أنّ من ردّ علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله في وجهه أحري بضرب العنق ممّن تلقّي الرسول صلّي اللّه عليه وآله عذره بالقبول ، ونهي الناس عن تقريعه وتوبيخه . وممّا يدلّ علي أنّ عمر كان يخالف صريحا قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله
مَا حَكَاهُ فِي كِتَابِ فَتحِ الباَريِ فِي شَرحِ صَحِيحِ البخُاَريِّ فِي بَابِ مَن تَرَكَ قِتَالَ الخَوَارِجِ لِلتّألِيفِ قَالَ أَخرَجَ أَحمَدُ بِسَنَدٍ جَيّدٍ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ، قَالَجَاءَ أَبُو بَكرٍ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنِيّ مَرَرتُ بوِاَديِ .. كَذَا فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الهَيئَةِ مُتَخَشّعٌ يصُلَيّ فِيهِ، فَقَالَ اذهَب إِلَيهِ فَاقتُلهُ، قَالَ فَذَهَبَ إِلَيهِ أَبُو بَكرٍ فَلَمّا رَآهُ يصُلَيّ كَرِهَ أَن يَقتُلَهُ،فَرَجَعَ. فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ لِعُمَرَ اذهَب فَاقتُلهُ،فَذَهَبَ فَرَآهُ
صفحه : 579
فِي تِلكَ الحَالَةِ،فَرَجَعَ. فَقَالَ يَا عَلِيّ اذهَب إِلَيهِ فَاقتُلهُ،فَذَهَبَ عَلِيّ[ عَلَيهِ السّلَامُ]فَلَم يَرَهُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ إِنّ هَذَا وَ أَصحَابَهُ يَقرَءُونَ القُرآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم يَمرُقُونَ مِنَ الدّينِ كَمَا يَمرُقُ السّهمُ مِنَ الرّمِيّةِ، لَا يَعُودُونَ فِيهِ،فَاقتُلُوهُم فَهُم شَرّ البَرِيّةِ.
قال و له شاهد من حديث جابر أخرجه أبويعلي ورجاله ثقات .
وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي الجُزءِ الثاّنيِ فِي شَرحِ خُطبَتِهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي تَخوِيفِ أَهلِ النّهَرِ. قَالَ فِي بَعضِ الصّحَاحِ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لأِبَيِ بَكرٍ، وَ قَد غَابَ الرّجُلُ يعَنيِ ذَا الخُوَيصِرَةِ عَن عَينِهِ قُم إِلَي هَذَا فَاقتُلهُ،فَقَامَ ثُمّ عَادَ، وَ قَالَ وَجَدتُهُ يصُلَيّ، فَقَالَ لِعُمَرَ مِثلَ ذَلِكَ،فَعَادَ وَ قَالَ وَجَدتُهُ يصُلَيّ، فَقَالَ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَ ذَلِكَ،فَعَادَ فَقَالَ لَم أَجِدهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَو قُتِلَ هَذَا لَكَانَ أَوّلَ الفِتنَةِ وَ آخِرَهَا، أَمَا إِنّهُ سَيَخرُجُ مِن ضِئضِئِ هَذَا قَومٌ يَمرُقُونَ مِنَ الدّينِ كَمَا يَمرُقُ السّهمُ مِنَ الرّمِيّةِ .. الحَدِيثَ.
و قال الجزري، في حديث الخوارج «يخرج من ضئضئ هذاقوم ... يمرقون من الدّين كمايمرق السّهم من الرّميّة»،الضّئضئ الأصل يقال
صفحه : 580
ضئضئ صدق وضؤضؤ صدق ، وحكي بعضهم ضئضيء بوزن قنديل يريد أنّه يخرج من نسله وعقبه ، ورواه بعضهم بالصّاد المهملة و هوبمعناه .يمرقون من الدّين .. أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدّونه كمايمرق السّهم الشيّء المرميّ به ويخرج منه ، وستأتي الأخبار في ذلك مشروحة في باب كفر الخوارج .
وَ قَالَ فِي الصّرَاطِ المُستَقِيمِ ذَكَرَ الموَصلِيِّ فِي مُسنَدِهِ، وَ أَبُو نَعِيمٍ فِي حِليَتِهِ، وَ ابنُ عَبدِ رَبّهِ فِي عِقدِهِ، وَ أَبُو حَاتِمٍ فِي زِينَتِهِ، وَ الشيّراَزيِّ فِي تَفسِيرِهِ المُستَخرَجِ مِنَ الاِثنيَ عَشَرَ تَفسِيراً أَنّ الصّحَابَةَ مَدَحُوا رَجُلًا بِكَثرَةِ العِبَادَةِ فَدَفَعَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]سَيفَهُ إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ أَمَرَهُ بِقَتلِهِ،فَدَخَلَ فَرَآهُ يصُلَيّ فَرَجَعَ،فَدَفَعَهُ إِلَي عُمَرَ وَ أَمَرَهُ بِقَتلِهِ،فَدَخَلَ فَرَجَعَ،فَدَفَعَهُ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَدَخَلَ فَلَم يَجِدهُ، فَقَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] لَو قُتِلَ لَم يَقَع بَينَ أمُتّيِ اختِلَافٌ أَبَداً. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي لَكَانَ أَوّلَ الفِتنَةِ وَ آخِرَهَا.
فما أقدم عليه أبوبكر من الرجوع من دون أن يقتله لكونه يصليّ لاريب في أنّه مخالفة ظاهرة للرسول صلّي اللّه عليه وآله ، فإنّ أمره بقتله كان بعد أن وصفه أبوبكر بالصلاة والخشوع ،فلم يكن صلاته شبهة توهم دفع القتل ،بل هوتقبيح صريح لأمر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله بقتله ، وتكذيب لمايتضمّنه ذلك من وجوب قتله ، وأفحش منه رجوع عمر بن الخطاب معتذرا بعين ذلك الاعتذار ألذي ظهر بطلانه ثانيا أيضا بأمره بالقتل بعدرجوع أبي بكر، واعتذاره ولزمهما بتلك المخالفة الشركة في آثام من خرج من ضئضئ هذا الرجل من الخوارج إلي
صفحه : 581
يوم القيامة. و من أمعن النظر فيما سبق من الأخبار وغيرها علم أنّ ردّ عمر علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله وسلوكه مسلك الجفاء، وخلعه جلباب الحياء لم يكن مخصوصا بما أقدم عليه في مرضه (ص )، ومنعه عن الوصيّة لم يكن بدعا منه ،بل كان ذلك عادة له ، و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يصفح عنه و عن غيره من المنافقين وغيرهم خوفا علي الإسلام وإشفاقا من أن ينفضّوا عنه لوقابلهم بمقتضي خشونتهم ، وكافاهم بسوء صنيعهم .
صفحه : 582
و قدتبيّن من تفاسيرهم وصحاحهم أنّ عمر كان داخلا فيمن أريد بقوله تعالي وَ لَو كُنتَ فَظّا غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَفيكون من الذين قال اللّه تعالي وَ مِنَ النّاسِ مَن يَعبُدُ اللّهَ عَلي حَرفٍ فَإِن أَصابَهُ خَيرٌ اطمَأَنّ بِهِ وَ إِن أَصابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلي وَجهِهِ خَسِرَ الدّنيا وَ الآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبِينُ، و قدعلم أيضا ممّا سبق أنّ الصحابة إلّا الأصفياء منهم لم يقدروا رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله حقّ قدره ، ولذلك مال طائفة إلي قول عمر وطائفة إلي قوله صلّي اللّه عليه وآله ، وسوّوا بينه و بين عمر، وجعلوه كواحد من المجتهدين والقائلين برأيهم ماشاءوا فجوّزوا ردّ ماقضي به والإنكار لقوله صلّي اللّه عليه وآله .
و لاخلاف في أنّ عمر بن الخطاب كان من الجيش ، و قدلعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله المتخلّف عنه . و قدسبق في مطاعن أبي بكر ما فيه كفاية في هذاالمعني ، و لايجري هاهنا ماسبق من الأجوبة الباطلة في منع الدخول في الجيش ،فتوجّه الطعن علي عمر أظهر.
أنّه بلغ في الجهل إلي حيث لم يعلم بأنّ كلّ نفس ذائقة الموت ، و أنّه يجوز الموت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و أنّه أسوة الأنبياء في ذلك ،
فَقَالَ وَ اللّهِ
صفحه : 583
مَا مَاتَ حَتّي يَقطَعَ أيَديِ رِجَالٍ وَ أَرجُلَهُم، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ أَ مَا سَمِعتَ قَولَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّإِنّكَ مَيّتٌ وَ إِنّهُم مَيّتُونَ، وَ قَولَهُ تَعَالَيوَ ما مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرّسُلُ أَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلي أَعقابِكُم قَالَ فَلَمّا سَمِعتُ ذَلِكَ أَيقَنتُ بِوَفَاتِهِ، وَ سَقَطتُ إِلَي الأَرضِ، وَ عَلِمتُ أَنّهُ قَد مَاتَ.
أقول ويؤيّد ذلك ماذكره ابن الأثير في النهاية حيث قال أسن الماء يأسن فهو آسن إذاتغيّرت ريحه ، و
مِنهُ حَدِيثُ العَبّاسِ فِي مَوتِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ، قَالَ لِعُمَرَ خَلّ بَينَنَا وَ بَينَ صَاحِبِنَا،فَإِنّهُ يَأسَنُ كَمَا يَأسَنُ النّاسُ .. أَي يَتَغَيّرُ، وَ ذَلِكَ أَنّ عُمَرَ كَانَ قَد قَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ لَم يَمُت وَ لَكِنّهُ صَعِقَ كَمَا صَعِقَ مُوسَي وَ مَنَعَهُم عَن دَفنِهِ.
وأجاب عنه قاضي القضاة بأنّه
قَد روُيَِ عَن عُمَرَ أَنّهُ قَالَكَيفَ
صفحه : 584
يَمُوتُ وَ قَد قَالَ اللّهُ تَعَالَيلِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلّهِ، وَ قَالَوَ لَيُبَدّلَنّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً
فلذلك نفي موته صلّي اللّه عليه وآله ،لأنّه حمل الآية علي أنّه خبّر عن ذلك في حال حياته حتي قال له أبوبكر إنّ اللّه وعد بذلك وسيفعله ، وتلا عليه فأيقن عند ذلك بموته ، وإنّما ظنّ أنّ موته متأخّر عن ذلك الوقت ، لا أنّه منع من موته . ثم قال فإن قيل فلم قال لأبي بكر عندسماع الآية كأنيّ لم أسمعها، ووصف نفسه بأنّه أيقن بالوفاة.قلنا لمّا كان الوجه في ظنّه ماأزال الشبهة أبوبكر فيه جاز أن يتيقّن. ثم سأل نفسه عن سبب يقينه في ما لايعلم إلّا بالمشاهدة، وأجاب بأنّ قرينة الحال عندسماع الخبر أفادته اليقين ، و لو لم يكن في ذلك إلّا خبر أبي بكر وادّعاؤه لذلك و الناس مجتمعون لحصل اليقين . و قوله كأنيّ لم أسمع بهذه الآية و لم أقرأها .. تنبيه علي ذهابه عن
صفحه : 585
الاستدلال بها، لا أنّه علي الحقيقة لم يقرأها و لم يسمعها، و لايجب فيمن ذهب عن بعض أحكام الكتاب أن يكون لايعرف القرآن ،لأنّ ذلك لودلّ لوجب أن لايحفظ القرآن إلّا من يعرف جميع أحكامه . وأجاب بنحو ذلك الرازي في نهاية العقول ، وبمثله أجاب صاحب المقاصد. وأجاب السيد رضي اللّه عنه في الشافي عن جواب القاضي بأنّه ليس يخلو خلاف عمر في وفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله من أن يكون علي سبيل الإنكار لموته (ص ) علي كلّ حال ، والاعتقاد لأنّ الموت لايجوز عليه أو يكون منكرا لموته في تلك الحال من حيث لم يظهر دينه علي الدين كلّه .. و ماأشبه ذلك ممّا قال صاحب الكتاب أنّها كانت شبهة في تأخّر موته عن تلك الحال . فإن كان الوجه الأول ،فهو ممّا لايجوز خلاف العقلاء فيه ، والعلم بجواز الموت علي سائر البشر لايشكّ فيه عاقل ، والعلم من دينه صلّي اللّه عليه وآله بأنّه
صفحه : 586
سيموت كمافات من قبله ضروريّ، و لايحتاج في مثل هذا إلي الآيات التي تلاها أبوبكر من قوله تعالي إِنّكَ مَيّتٌ وَ إِنّهُم مَيّتُونَ و ماأشبهه . و إن كان خلافه علي الوجه الثاني،فأوّل ما فيه أنّ هذاالخلاف لايليق بما احتجّ به أبوبكر من قوله تعالي إِنّكَ مَيّتٌ وَ إِنّهُم مَيّتُونَلأنّه لم ينكر علي هذاجواز الموت ، وإنّما خالف في تقدّمه و إن كان يجب أن يقول و أيّ حجّة في هذه الآيات علي من جوّز عليه صلّي اللّه عليه وآله الموت في المستقبل وأنكره في هذه الحال . و بعد،فكيف دخلت الشبهة البعيدة علي عمر من بين سائر الخلق و من أين زعم أنّه لايموت حتّي يقطع أيدي رجال وأرجلهم وكيف حمل معني قوله تعالي لِيُظهِرَهُ عَلَي الدّينِ كُلّهِ، و قوله تعالي وَ لَيُبَدّلَنّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً يعَبدُوُننَيِ لا يُشرِكُونَ بيِ شَيئاً، علي أنّ ذلك لا يكون في المستقبل و بعدالوفاة، وكيف لم يخطر هذا إلّا لعمر وحده ومعلوم أنّ ضعف الشبهة إنّما يكون من ضعف الفكرة وقلّة التأمّل والبصيرة، وكيف لم يوقن بموته لمّا رأي عليه أهل الإسلام من اعتقاد موته و ماركبهم من الحزن والكآبة لفقده وهلّا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد فلم يحتج إلي موقف ومعرف ، و قد كان يجب إن كانت هذه شبهة أن يقول في حال مرض رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و قدرأي جزع أهله وأصحابه وخوفهم عليه الوفاة، حتي يقول أسامة بن زيد معتذرا من تباطئه عن
صفحه : 587
الخروج في الجيش ألذي كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يكرّر ويردّد الأمر بتنفيذه لم أكن لأسأل عنك الركب ما هذاالجزع والهلع و قدأمّنكم اللّه من موته .. بكذا، و من وجه .. كذا، و ليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لايعرفها علي ماظنّه صاحب الكتاب ،انتهي كلامه قدّس اللّه روحه . وأقول وأعجب من قول عمر قول من يتوجّه لتوجيه كلامه و أيّ أمر أفحش من إنكار مثل هذاالأمر عن مثل عمر مع اطّلاعه علي مرض النبيّ صلّي اللّه عليه وآله منذ حدث إلي أوان اشتداده ، وانتهاء حاله إلي حيث انتهي وكانت ابنته زوجة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله و من ممرّضاته، و قدرجع عن جيش أسامة بعدأمر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله له بالخروج في الخارجين خوفا من أن يحضره الوفاة فينقل الأمر إلي من لايطيب نفسه به ، و كان النبيّ صلّي اللّه عليه وآله قد بيّن للناس في مجالس عديدة دنوّ أجله وحضور موته ، وأوصي للأنصار وأمر الناس باستيفاء حقوقهم كما هودأب من حضره الموت ، كماروي مفصّلا في صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي و كتاب جامع الأصول وكامل ابن الأثير وغيرها من كتب السير والأخبار.
صفحه : 588
وَ قَد رَوَي مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَن زَيدِ بنِ أَرقَمَ أَنّهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَوماً فِينَا خَطِيباً بِمَاءٍ يُدعَي خُمّاً بَينَ مَكّةَ وَ المَدِينَةِ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ وَعَظَ وَ ذَكَرَ، ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،أَلَا أَيّهَا النّاسُ إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَن يأَتيِنَيِ رَسُولُ ربَيّ فَأُجِيبَ، وَ أَنَا تَارِكٌ فِيكُمُ الثّقَلَينِ،أَوّلُهُمَا كِتَابُ اللّهِ فِيهِ الهُدَي وَ النّورُ،فَخُذُوا بِكِتَابِ اللّهِ وَ استَمسِكُوا بِهِ .. فَحَثّ عَلَي كِتَابِ اللّهِ وَ رَغّبَ فِيهِ، ثُمّ قَالَ وَ أَهلُ بيَتيِ،أُذَكّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهلِ بيَتيِ .. أُذَكّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهلِ بيَتيِ ...
وَ قَد روُيَِ مُتَوَاتِراً مِنَ الطّرِيقَينِ قَولُهُ لعِلَيِّ عَلَيهِ السّلَامُ سَتُقَاتِلُ بعَديَِ النّاكِثِينَ وَ القَاسِطِينَ وَ المَارِقِينَ.
وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، أَنّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ عَلِيّ ولَيِّ كُلّ مُؤمِنٍ بعَديِ.
صفحه : 589
وَ قَد رَوَوا فِي المُفتَرَيَاتِ اقتَدُوا بِاللّذَينِ مِن بعَديِ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ.
و قد كان كثير ممّا ذكر ممّا خطب به صلّي اللّه عليه وآله علي رءوس الأشهاد،فهل يجوّز عاقل أن لايقرع شيء من ذلك سمع عمر مع شدّة ملازمته للرسول صلّي اللّه عليه وآله و من شكّ في مثل ذلك هل يجوّز من شمّ رائحة من العقل أن يفوّض إليه أمر بهيمة فضلا عن أن يفوّض إليه أمر جميع المسلمين ، ويرجع إليه في جميع أحكام الدين . و أمّا اعتذار ابن أبي الحديد بأنّه لم ينكر ذلك عمر علي وجه الاعتقاد،بل علي الاستصلاح ، وللخوف من ثوران الفتنة قبل مجيء أبي بكر، فلمّا جاء أبوبكر قوي به جأشه فسكت عن هذاالدعوي ،لأنّه قدأمن بحضوره من خطب يحدث أوفساد يتجدّد.فيرد عليه أوّلا أنّه لو كان إنكاره ذلك إيقاعا للشبهة في قلوب الناس حتّي يحضر أبوبكر لسكت عن دعواه عندحضوره . و قدروي ابن الأثير في الكامل أنّ أبابكر أمره بالسكوت فأبي ، وأقبل أبوبكر علي الناس ، فلمّا سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر. وثانيا أنّه لو كان الأمر كماذكر لاقتصر علي إنكار واحد بعدحضور أبي
صفحه : 590
بكر، و قداعترف ابن أبي الحديد بتكرّر الإنكار بعدالحضور أيضا. وثالثا
أَنّهُ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ رَوَي جَمِيعُ أَربَابِ السّيرَةِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَمّا توُفُيَّ كَانَ أَبُو بَكرٍ فِي مَنزِلِهِ بِالسّنُحِ،فَقَامَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَقَالَ مَا مَاتَ رَسُولُ اللّهِ(ص ) وَ لَا يَمُوتُ حَتّي يَظهَرَ دِينُهُ عَلَي الدّينِ كُلّهِ، وَ لَيَرجِعَنّ فَلَيُقَطّعَنّ أيَديَِ رِجَالٍ وَ أَرجُلَهُم مِمّن أَرجَفَ بِمَوتِهِ، وَ لَا أَسمَعُ رَجُلًا يَقُولُ مَاتَ رَسُولُ اللّهِ(ص ) إِلّا ضَرَبتُهُ بسِيَفيِ،فَجَاءَ أَبُو بَكرٍ وَ كَشَفَ عَن وَجهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ بأِبَيِ وَ أمُيّ طِبتَ حَيّاً وَ مَيّتاً، وَ اللّهِ لَا يُذِيقُكَ اللّهُ المَوتَتَينِ أَبَداً، ثُمّ خَرَجَ وَ النّاسُ حَولَ عُمَرَ وَ هُوَ يَقُولُ لَهُم إِنّهُ لَم يَمُت، وَ يَحلِفُ، فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الحَالِفُ عَلَي رَسلِكَ، ثُمّ قَالَ مَن كَانَ يَعبُدُ مُحَمّداً فَإِنّ مُحَمّداً قَد مَاتَ، وَ مَن كَانَ يَعبُدُ اللّهَ، فَإِنّ اللّهَ حيَّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللّهُ تَعَالَيإِنّكَ مَيّتٌ وَ إِنّهُم مَيّتُونَ، وَ قَالَأَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلي أَعقابِكُم، قَالَ عُمَرُ فَوَ اللّهِ مَا مَلَكتُ نفَسيِ حَيثُ سَمِعتُهَا أَن سَقَطتُ إِلَي الأَرضِ، وَ قَد عَلِمتُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد مَاتَ.
صفحه : 591
وَ قَد رَوَي البخُاَريِّ فِي صَحِيحِهِ، عَن عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]مَاتَ وَ أَبُو بَكرٍ بِالسّنُحِ، قَالَ قَالَ إِسمَاعِيلُ تعَنيِ بِالعَالِيَةِ،فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ وَ اللّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللّهِ(ص ).قَالَت وَ قَالَ عُمَرُ وَ اللّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نفَسيِ إِلّا ذَاكَ، وَ لَيَبعَثَنّهُ اللّهُ فَلَيُقَطّعَنّ أيَديَِ رِجَالٍ وَ أَرجُلَهُم،فَجَاءَ أَبُو بَكرٍ فَكَشَفَ عَن وَجهِ رَسُولِ اللّهِ(ص )فَقَبّلَهُ، وَ قَالَ بأِبَيِ أَنتَ وَ أمُيّ طِبتَ حَيّاً وَ مَيّتاً، وَ ألّذِي نفَسيِ بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللّهُ المَوتَتَينِ أَبَداً، ثُمّ خَرَجَ فَقَالَ أَيّهَا الحَالِفُ عَلَي رَسلِكَ، فَلَمّا تَكَلّمَ أَبُو بَكرٍ جَلَسَ عُمَرُ،فَحَمِدَ اللّهَ أَبُو بَكرٍ وَ أَثنَي عَلَيهِ، وَ قَالَ أَلَا مَن كَانَ يَعبُدُ مُحَمّداً ... الخَبَرَ.
فقوله في رواية عائشة و اللّه ما كان يقع في نفسي إلّا ذاك .. صريح في نفي ماذكره ،إذ ظاهر أنّه حكاية كلام عمر بعدتلك الواقعة مؤكّدا بالحلف عليه ،بل لايرتاب ذو فطنة في أنّ قوله فو اللّه ماملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلي الأرض وعلمت أنّ رسول اللّه قدمات .. ممّا قاله عمر بعد ذلك اليوم وحكاية لماجري فيه ،فلو كان للمصلحة لا علي وجه الاعتقاد لبيّن ذلك للناس بعدمجيء أبي بكر، أو بعد ذلك اليوم وزوال الخوف ، و لم ينقل أحد من نقلة الأخبار ذلك ،بل رووا مايدلّ علي خلافه .
قَالَ المُفِيدُ قَدّسَ اللّهُ رُوحَهُ فِي المَجَالِسِ روُيَِ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسحَاقَ،
صفحه : 592
عَنِ الزهّريِّ، عَن أَنَسٍ أَنّهُ لَمّا بُويِعَ أَبُو بَكرٍ فِي السّقِيفَةِ وَ كَانَ الغَدُ جَلَسَ أَبُو بَكرٍ عَلَي المِنبَرِ،فَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلّمَ قَبلَ أَبِي بَكرٍ،فَحَمِدَ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ وَ أَثنَي عَلَيهِ وَ قَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنِيّ كُنتُ قُلتُ لَكُم بِالأَمسِ مَقَالَةً مَا كَانَت إِلّا عَن رأَيٍ، وَ مَا وَجَدتُهَا فِي كِتَابِ اللّهِ، وَ لَا كَانَت لِعَهدٍ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَكِن قَد كُنتُ أَرَي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُستَدبِرُ أَمرِنَا حَتّي يَكُونَ آخِرَنَا مَوتاً.
قَالَ وَ رَوَي عِكرِمَةُ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ وَ اللّهِ إنِيّ لأَمَشيِ مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ وَ مَا مَعَهُ غيَريِ، وَ هُوَ يُحَدّثُ نَفسَهُ وَ يَضرِبُ قَدَمَيهِ بِدِرّتِهِ إِذِ التَفَتَ إلِيَّ، فَقَالَ يَا ابنَ عَبّاسٍ هَل تدَريِ مَا حمَلَنَيِ عَلَي مقَاَلتَيَِ التّيِ قُلتُ حِينَ توُفُيَّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ قُلتُ لَا أدَريِ، أَنتَ أَعلَمُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، قَالَ فَإِنّهُ وَ اللّهِ مَا حمَلَنَيِ عَلَي ذَلِكَ إِلّا أنَيّ كُنتُ أَقرَأُ هَذِهِ الآيَةَوَ كَذلِكَ جَعَلناكُم أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَي النّاسِ وَ يَكُونَ الرّسُولُ عَلَيكُم شَهِيداً،فَكُنتُ أَظُنّ أَنّهُ سَيَبقَي بَعدَ أُمّتِهِ حَتّي يَشهَدَ عَلَيهَا بِآخِرِ أَعمَالِهَا،فَإِنّهُ ألّذِي حمَلَنَيِ عَلَي أَن قُلتُ مَا قُلتُ.
والظاهر أنّه جعل المخاطب بقوله تعالي وَ كَذلِكَ جَعَلناكُم أُمّةً ..
صفحه : 593
جميع الأمّة،فيلزم علي مافهم من دلالة الشهادة علي البقاء وتأخّر الموت أن يعتقد تأخّر موت كلّ واحد من الأمّة عن الناس ،فكان عليه أن لايذعن بموت أحد من الأمّة، و لوسامحنا في كون المراد بعض الأمّة لانهدم أساس إنكاره ،إذ لاشكّ في تأخّر موته صلّي اللّه عليه وآله عن بعض أمّته، و أنّه قدمات قبله كثير من أمّته، و لو كان المراد ب(البعض )الصحابة لزمه أن لايذعن بموت أحد منهم ، و لم يتعينّ ذلك البعض بوجه آخر حتي يزعم تأخّر موته صلّي اللّه عليه وآله عنهم . وبالجملة،سوء الفهم وسخافة الرأي في مثل هذاالاستنباط ممّا لايريب فيه عاقل ، والظاهر أنّ هذاالاعتلال ممّا تفطّن به بعدحال الإنكار فدفع به بزعمه شناعة إنكاره . ثم إنّه أجاب شارح المقاصد بوجه آخر، و هو أنّ ذلك الاشتباه كان لتشوّش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن جليّات الأحوال . وحكي شارح كشف الحقّ عن بعضهم أنّه قال كان هذاالحال من غلبة المحبّة، وشدّة المصيبة، و إنّ قلبه كان لايأذن له أن يحكم بموت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله .. و هذاأمر كان قدعمّ جميع المؤمنين بعد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله حتّي جنّ بعضهم ، وأغمي علي بعضهم من كثرة الهمّ، واختبل بعضهم ،فغلب عمر شدّة حال المصيبة،فخرج عن حال العلم والمعرفة وتكلّم بعدم موته و أنّه ذهب إلي مناجاة ربّه .. وأمثال هذا لا يكون طعنا. ويرد عليه أنّه من الضروريات العادية أنّ من عظمت عليه المصيبة وجلّت الرزيّة بفقد حبيبه حتي اشتبهت عليه الأمور الضروريّة لايترك تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، و لايسرع إلي السقيفة لعقد البيعة والطمع في الخلافة
صفحه : 594
والإمارة و لم لم يتكلّم في ذلك المجلس من شدّة الحزن والوجد ماينافي غرضه و لايلائم في تدبيره الميشوم ، و لم يأت في أمر الرئاسة وغصب الخلافة بهجر و لاهذيان ، و لم يتخلّل من الزمان مايسع لاندمال الجرح ونسيان المصيبة وكيف لم يأذن قلبه في الحكم بموته صلّي اللّه عليه وآله مع أنّه لم يضق صدره بأن يقول في وجهه الكريم إنّه ليهجر، ويمنعه من إحضار ماطلب ، و يقول حسبنا كتاب اللّه، ألذي هو في قوّة قوله لاحاجة لنا بعدموتك إلي كتاب تكتبه لنا و من بلغ به الحبّ إلي حيث يخرجه من حدّ العقل لايجبه حبيبه بمثل هذاالقول الشنيع ، و لايرفع صوته في الردّ عليه ، ومنازعة المنازعين من حدّ العقل إلي حدّ يخرجه الحبيب وإيّاهم عن البيت و يقول اعزبوا عنيّ و لاينبغي التنازع عندي، و لاينكر ذلك إلّا متعنّت لم يشم رائحة الإنصاف ، و ماذكره من جنون بعض الصحابة، وإغماء بعضهم ، وخبل الآخرين فشيء لم نسمعه إلي الآن ،نعم ، لوعدّ ماأتوا به من ترك جسده المطهّر والمسارعة إلي السقيفة طمعا في الرئاسة وشوقا إلي الإمارة من فنون الجنون وضروب الخبل لكان له وجه .
و لم يكن له أن يشرّع في الأحكام وينسخ ماأمر به سيّد الأنام صلّي اللّه عليه وآله ، ويجعل اتّباع نفسه أولي من اتّباع من لاينطق عن الهوي ، وتفصيل القول
صفحه : 595
في ذلك أنّ متعة النساء لاخلاف بين الأمّة قاطبة في أصل شرعيّتها و إن اختلفوا في نسخها ودوام حكمها، و فيهانزلت قوله تعالي فَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً علي أكثر التفاسير وأصّحها.
صفحه : 596
و قدأجمع أهل البيت عليهم السلام علي دوام شرعيّتها، كماورد في الأخبار المتواترة. و قال الفخر الرازي في التفسير اتّفقت الأمّة علي أنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام ، قال
وَ روُيَِ عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ أَنّهُ لَمّا قَدِمَ مَكّةَ فِي عُمرَتِهِ تَزَيّنَ نِسَاءُ مَكّةَ،فَشَكَا أَصحَابُ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ طُولَ العُزبَةِ، فَقَالَ استَمتِعُوا مِن هَذِهِ النّسَاءِ.
و قدصرّح بهذا الاتّفاق كثير من فقهاء الإسلام .
وَ رَوَي مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَ ابنُ الأَثِيرِ فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَن قَيسٍ، قَالَ سَمِعتُ عَبدَ اللّهِ يَقُولُكُنّا نَغزُو مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]
صفحه : 597
لَيسَ لَنَا نِسَاءٌ،فَقُلنَا أَ لَا نسَتخَصيِ فَنَهَانَا عَن ذَلِكَ، ثُمّ رَخّصَ لَنَا أَن نَستَمتِعَ،فَكَانَ أَحَدُنَا يَنكِحُ المَرأَةَ بِالثّوبِ إِلَي أَجَلٍ، ثُمّ قَرَأَ عَبدُ اللّهِيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرّمُوا طَيّباتِ ما أَحَلّ اللّهُ لَكُم وَ لا تَعتَدُوا إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ المُعتَدِينَ.
و قدروي هذاالخبر في المشكاة وعدّه من المتّفق عليه .
وَ رَوَي البخُاَريِّ وَ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا[صَحِيحَيهِمَا]، وَ ابنُ الأَثِيرِ فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَن سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ وَ عَن جَابِرٍ،قَالَا خَرَجَ عَلَينَا منُاَديِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فَقَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَد أَذِنَ لَكُم أَن تَستَمتِعُوا فَاستَمتِعُوا .. يعَنيِ مُتعَةَ النّسَاءِ.
وَ عَنهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]أَتَانَا فَأَذِنَ لَنَا فِي المُتعَةِ.
صفحه : 598
وَ رَوَي مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَن عَطَاءٍ، قَالَ قَدِمَ جَابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ مُعتَمِراً فَجِئنَاهُ فِي مَنزِلِهِ،فَسَأَلَهُ القَومُ عَن أَشيَاءَ ثُمّ ذَكَرُوا المُتعَةَ، فَقَالَ نَعَم استَمتَعنَا عَلَي عَهدِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ.
وَ رَوَي مُسلِمٌ أَيضاً وَ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَن أَبِي الزّبَيرِ، قَالَ سَمِعتُ جَابِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ يَقُولُ كُنّا نَستَمتِعُ بِالقَبضَةِ مِنَ التّمرِ وَ الدّقِيقِ الأَيّامَ عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ حَتّي نَهَي عَنهُ عُمَرُ فِي شَأنِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ.
وَ عَن أَبِي نَضرَةَ قَالَكُنتُ عِندَ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ إِنّ ابنَ عَبّاسٍ وَ ابنَ الزّبَيرِ اختَلَفَا فِي المُتعَتَينِ، فَقَالَ جَابِرٌ فَعَلنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي
صفحه : 599
اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، ثُمّ نَهَانَا عُمَرُ عَنهُمَا فَلَم نَعُد لَهُمَا.
وَ رَوَي مُسلِمٌ، عَن قَتَادَةَ، عَن أَبِي نَضرَةَ، قَالَ كَانَ ابنُ عَبّاسٍ يَأمُرُ بِالمُتعَةِ وَ كَانَ ابنُ الزّبَيرِ يَنهَي عَنهَا، قَالَ فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ، فَقَالَ عَلَي يدَيَّ دَارَ الحَدِيثُ،تَمَتّعنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَلَمّا قَامَ عُمَرُ قَالَ إِنّ اللّهَ كَانَ يُحِلّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَ إِنّ القُرآنَ قَد نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمّوا الحَجّ وَ العُمرَةَ لِلّهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ وَ اثبوا[أَبِتّوا]نِكَاحَ هَذِهِ النّسَاءِ فَلَن أُوتَي بِرَجُلٍ نَكَحَ امرَأَةً إِلَي أَجَلٍ إِلّا رَجَمتُهُ بِالحِجَارَةِ.
صفحه : 600
وَ رَوَي الترّمذِيِّ فِي صَحِيحِهِ عَلَي مَا حَكَاهُ الشّهِيدُ الثاّنيِ، وَ العَلّامَةُ رَحِمَهُمَا اللّهُ أَنّ رَجُلًا مِن أَهلِ الشّامِ سَأَلَ ابنَ عُمَرَ عَن مُتعَةِ النّسَاءِ. فَقَالَ هيَِ حَلَالٌ. فَقَالَ إِنّ أَبَاكَ قَد نَهَي عَنهَا. فَقَالَ ابنُ عُمَرَ أَ رَأَيتَ إِن كَانَ أَبِي نَهَي عَنهَا،وَضَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، أَ نَترُكُ السّنّةَ وَ نَتّبِعُ قَولَ أَبِي.
وَ رَوَي شُعبَةُ، عَنِ الحَكَمِ بنِ عُتَيبَةَ، قَالَسَأَلتُهُ عَن هَذِهِ الآيَةِفَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنّ... أَ مَنسُوخَةٌ هيَِ. فَقَالَ لَا، ثُمّ قَالَ الحَكَمُ قَالَ عَلِيّ
صفحه : 601
بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ لَو لَا أَنّ عُمَرَ نَهَي عَنِ المُتعَةِ مَا زَنَي إِلّا شَفاً[شقَيِّ].
وَ قَالَ ابنُ الأَثِيرِ فِي النّهَايَةِ فِي حَدِيثِ ابنِ عَبّاسٍ « مَا كَانَتِ المُتعَةُ إِلّا رَحمَةً رَحِمَ اللّهُ بِهَا أُمّةَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ لَو لَا نَهيُهُ عَنهَا مَا احتَاجَ إِلَي الزّنَا إِلّا شَفاً»
.. أي إلّا قليل من النّاس، من قولهم غابت الشّمس إلّا شفا .. أي إلّا قليلا من ضوئها عندغروبها. قال و قال الأزهري قوله إلّا شفا .. أي إلّا أن يشفي،يعني يشرف علي الزّنا و لايواقعه ،فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقي، و هوالإشفاء علي الشيّء، وحرف كلّ شيءشفاه .
وَ حَكَي الفَخرُ الراّزيِّ فِي تَفسِيرِ آيَةِ المُتعَةِ، عَن مُحَمّدِ بنِ جَرِيرٍ الطبّرَيِّ، قَالَ قَالَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ لَو لَا أَنّ عُمَرَ نَهَي عَنِ المُتعَةِ مَا زَنَي إِلّا شقَيِّ.
صفحه : 602
وَ عَن عِمرَانَ بنِ الحُصَينِ، أَنّهُ قَالَ نَزَلَت هَذِهِ المُتعَةُ فِي كِتَابِ اللّهِ لَم تَنزِل بَعدَهَا آيَةٌ تَنسَخُهَا، وَ أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ تَمَتّعنَا بِهَا وَ مَاتَ وَ لَم يَنهَنَا عَنهُ ثُمّ قَالَ رَجُلٌ بِرَأيِهِ مَا شَاءَ.
وسيأتي في خبر طويل رواه المفضّل، عن الصادق ( عليه السلام )أوردناه في المجلد الثالث عشر و هومشتمل علي سبب تحريمه المتعة، و أنّه كان لمكان أخته عفراء.
صفحه : 603
و أمّا متعة الحجّ فلاخلاف بين المسلمين في شرعيّتها وبقاء حكمها. واختلف فقهاء العامّة في أنّه هل هي أفضل أنواع الحجّ أم لا فقال الشافعي في أحد قوليه ومالك إنّ التمتّع أفضل ، و قال الشافعي في قوله الآخر إنّ أفضلها الإفراد ثم التمتّع ثم القران . ويدلّ علي شرعيّتها قوله تعالي فَمَن تَمَتّعَ بِالعُمرَةِ إِلَي الحَجّ فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهدَيِ.
وَ مِنَ الأَخبَارِ الوَارِدَةِ فِيهَا مَا رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِأَربَعَةِ أَسَانِيدَ،
صفحه : 604
وَ أَورَدَهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ أَيضاً، قَالَ وَ أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِطُولِهِ، وَ أَخرَجَ النسّاَئيِّ أَطرَافاً مُتَفَرّقَةً مِنهُ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِيهِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، قَالَدَخَلتُ عَلَي جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِّ فَسَأَلَ عَنِ القَومِ حَتّي انتَهَي إلِيَّ،فَقُلتُ أَنَا مُحَمّدُ بنُ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ،فَأَهوَي بِيَدِهِ إِلَي رأَسيِ،فَنَزَعَ زرِيَّ الأَعلَي، ثُمّ نَزَعَ زرِيَّ الأَسفَلَ ثُمّ وَضَعَ كَفّهُ بَينَ ثدَييَّ وَ أَنَا يَومَئِذٍ غُلَامٌ شَابّ فَقَالَ مَرحَباً بِكَ يَا ابنَ أخَيِ،سَل عَمّا شِئتَ.فَسَأَلتُهُ وَ هُوَ أَعمَي وَ قَد حَضَرَ وَقتُ الصّلَاةِ،فَقَامَ فِي نِسَاجِهِ مُلتَحِفاً بِهَا،كُلّمَا وَضَعَهَا عَلَي مَنكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيهِ مِن صِغَرِهَا، وَ رِدَاؤُهُ إِلَي جَنبِهِ عَلَي المِشجَبِ فَصَلّي بِنَا فَقُلتُ أخَبرِنيِ عَن حَجّةِ
صفحه : 605
رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]. فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسعاً، فَقَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]مَكَثَ تِسعَ سِنِينَ لَم يَحُجّ، ثُمّ أُذّنَ فِي النّاسِ فِي العَاشِرَةِ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]حَاجّ فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلّهُم يَلتَمِسُ أَن يَأتَمّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ يَعمَلَ مِثلَ عَمَلِهِ،فَخَرَجنَا مَعَهُ حَتّي إِذَا أَتَينَا ذَا الحُلَيفَةِ،فَوَلَدَت أَسمَاءُ بِنتُ عُمَيسٍ مُحَمّدَ بنَ أَبِي بَكرٍ،فَأَرسَلَت إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]كَيفَ أَصنَعُ. قَالَ اغتسَلِيِ وَ استشَفرِيِ بِثَوبٍ وَ أحَرمِيِ،فَصَلّي رَسُولُ اللّهِ(ص ) فِي المَسجِدِ فَرَكِبَ القَصوَاءَ حَتّي إِذَا استَوَت بِهِ نَاقَتُهُ إِلَي البَيدَاءِ،نَظَرتُ إِلَي مَدّ بصَرَيِ بَينَ يَدَيهِ مِن رَاكِبٍ وَ مَاشٍ، وَ عَن يَمِينِهِ مِثلُ ذَلِكَ، وَ عَن يَسَارِهِ مِثلُ ذَلِكَ، وَ مِن خَلفِهِ مِثلُ ذَلِكَ، وَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] بَينَ أَظهُرِنَا وَ عَلَيهِ يَنزِلُ القُرآنُ وَ هُوَ يَعرِفُ تَأوِيلَهُ وَ مَا عَمِلَ بِهِ مِن شَيءٍ عَمِلنَا بِهِ،فَأَهَلّ بِالتّوحِيدِ«لَبّيكَ أللّهُمّ لَبّيكَ لَبّيكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبّيكَ إِنّ الحَمدَ وَ النّعمَةَ لَكَ وَ المُلكَ لَا شَرِيكَ لَكَ»، وَ أَهَلّ النّاسُ بِهَذَا ألّذِي يُهِلّ بِهِ،فَلَم يَزِد رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]شَيئاً
صفحه : 606
مِنهُم وَ لَزِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]تَلبِيَتَهُ، قَالَ جَابِرٌ لَسنَا ننَويِ إِلّا الحَجّ،لَسنَا نَعرِفُ العُمرَةَ حَتّي إِذَا أَتَينَا البَيتَ مَعَهُ استَلَمَ الرّكنَ فَرَمَلَ ثَلَاثاً وَ مَشَي أَربَعاً، ثُمّ نَفَذَ إِلَي مَقَامِ اِبرَاهِيمَ( ع )،فَقَرَأَوَ اتّخِذُوا مِن مَقامِ اِبراهِيمَ مُصَلّي،فَجَعَلَ المَقَامَ بَينَهُ وَ بَينَ البَيتِ، وَ كَانَ أَبِي يَقُولُ وَ لَا أَعلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلّا عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] كَانَ يَقرَأُ فِي الرّكعَتَينِقُل هُوَ اللّهُ أَحَدٌ وَقُل يا أَيّهَا الكافِرُونَ، ثُمّ رَجَعَ إِلَي الرّكنِ فَاستَلَمَهُ ثُمّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إِلَي الصّفَا، فَلَمّا دَنَا مِنَ الصّفَا قَرَأَإِنّ الصّفا وَ المَروَةَ مِن شَعائِرِ اللّهِابدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللّهُ بِهِ،فَبَدَأَ بِالصّفَا فَرَقَي عَلَيهِ حَتّي رَأَي البَيتَ فَاستَقبَلَ القِبلَةَ،فَوَحّدَ اللّهَ وَ كَبّرَهُ، وَ قَالَ« لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَ لَهُ الحَمدُ وَ هُوَ عَلَي كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ أَنجَزَ وَعدَهُ، وَ نَصَرَ عَبدَهُ، وَ هَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ»، ثُمّ دَعَا بَينَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرّاتٍ، ثُمّ نَزَلَ إِلَي المَروَةِ حَتّي إِذَا انصَبّت قَدَمَاهُ فِي بَطنِ الواَديِ،رَمَلَ حَتّي إِذَا صَعِدنَا مَشَي حَتّي أَتَي المَروَةَ .. فَفَعَلَ عَلَي المَروَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَي الصّفَا، حَتّي إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَي
صفحه : 607
المَروَةِ قَالَ لَو أنَيّ استَقبَلتُ مِن أمَريِ مَا استَدبَرتُ لَم أَسُقِ الهدَيَ وَ جَعَلتُهَا عُمرَةً،فَمَن كَانَ مِنكُم لَيسَ مَعَهُ هدَيٌ فَليُحِلّ وَ ليَجعَلهَا عُمرَةً،فَقَامَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعشُمٍ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ لِعَامِنَا هَذَا أَم لِلأَبَدِ.فَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الأُخرَي، وَ قَالَ دَخَلَتِ العُمرَةُ فِي الحَجّ هَكَذَا .. مَرّتَينِ، لَا،بَل لِأَبَدِ أَبَدٍ. وَ قَدِمَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ اليَمَنِ بِبُدنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَوَجَدَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مِمّن حَلّ وَ لَبِسَت ثِيَاباً صَبِيغاً وَ اكتَحَلَت،فَأَنكَرَ ذَلِكَ عَلَيهَا،فَقَالَت إِنّ أَبِي أمَرَنَيِ بِهَذَا. قَالَ فكأن [ وَ كَانَ] عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ بِالعِرَاقِ فَذَهَبتُ إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مُحَرّشاً عَلَي فَاطِمَةَ للِذّيِ صَنَعَت مُستَفتِياً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فِيمَا ذَكَرَت عَنهُ فَأَخبَرتُهُ أنَيّ أَنكَرتُ ذَلِكَ عَلَيهَا، فَقَالَ صَدَقَت .. صَدَقَت، مَا ذَا قُلتَ حِينَ إِذَا فَرَضتَ الحَجّ. قَالَ قُلتُ أللّهُمّ إنِيّ أُهِلّ بِمَا أَهَلّ بِهِ رَسُولُكَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]. فَقَالَ فَإِنّ معَيَِ الهدَيَ فَلَا تُحِلّ. قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الهدَيِ ألّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ اليَمَنِ وَ ألّذِي أَتَي بِهِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]مِائَةً، قَالَ فَحَلّ النّاسُ كُلّهُم وَ قَصّرُوا إِلّا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ مَن كَانَ مَعَهُ هدَيٌ، فَلَمّا كَانَ يَومُ التّروِيَةِ تَوَجّهُوا إِلَي مِنًي فَأَهَلّوا بِالحَجّ .. وَ سَاقَ الحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَي قَولِهِ ثُمّ انصَرَفَ إِلَي المَنحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثاً وَ سِتّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمّ أَعطَي عَلِيّاً فَنَحَرَ مَا بقَيَِ وَ أَشرَكَهُ فِي هَديِهِ، ثُمّ أَمَرَ مِن كُلّ بَدَنَةٍ بِبَضعَةٍ فَجُعِلَت فِي قِدرٍ فَطُبِخَت فَأَكَلَا مِن لَحمِهَا وَ شَرِبَا مِن مَرَقِهَا، ثُمّ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]
صفحه : 608
فَأَفَاضَ إِلَي البَيتِ فَصَلّي بِمَكّةَ الظّهرَ،فَأَتَي بنَيِ عَبدِ المُطّلِبِ يَسقُونَ عَلَي زَمزَمَ، فَقَالَ انزِعُوا بنَيِ عَبدِ المُطّلِبِ،فَلَو لَا أَن يَغلِبَكُمُ النّاسُ عَلَي سِقَايَتِكُم لَنَزَعتُ مَعَكُم،فَنَاوَلُوهُ دَلواً فَشَرِبَ مِنهُ.
قال في النهاية في حديث جابر فقام في نساجة ملتحفا بهاهي ضرب من الملاحف منسوجة كأنّها سمّيت بالمصدر،يقال نسجت أنسج نسجا ونساجة. و قال في حديث جابر فقام وثوبه علي المشجب هوبكسر الميم عيدان تضمّ رءوسها ويفرّج بين قوائمها وتوضع عليها الثّياب، و قديعلّق عليها الأسقية لتبريد الماء، و هو من تشاجب الأمر إذااختلط.
وَ رَوَي البخُاَريِّ فِي صَحِيحِهِ، عَن جَابِرٍ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] أَهَلّ وَ أَصحَابَهُ بِالحَجّ وَ لَيسَ مَعَ أَحَدٍ مِنهُم هدَيٌ غَيرَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ طَلحَةَ، وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَدِمَ مِنَ اليَمَنِ وَ مَعَهُ الهدَيُ، فَقَالَ أَهلَلتُ بِمَا أَهَلّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، وَ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَذِنَ لِأَصحَابِهِ أَن يَجعَلُوهَا عُمرَةً يَطُوفُوا بِالبَيتِ ثُمّ يُقَصّرُوا وَ يُحِلّوا إِلّا مَن مَعَهُ الهدَيُ،فَقَالُوا أَ نَنطَلِقُ إِلَي مِنًي وَ ذَكَرُ أَحَدِنَا يَقطُرُ،فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ لَوِ استَقبَلتُ مِن أمَريِ مَا استَدبَرتُ مَا هَدَيتُ، وَ لَو لَا أَنّ معَيَِ الهدَيَ
صفحه : 609
لَأَحلَلتُ .. وَ سَاقَ الحَدِيثَ إِلَي قَولِهِ وَ إِنّ سُرَاقَةَ بنَ مَالِكِ بنِ جُعثُمٍ لقَيَِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ هُوَ بِالعَقَبَةِ وَ هُوَ يَرمِيهَا، فَقَالَ أَ لَكُم هَذِهِ خَاصّةً يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ لِلأَبَدِ.
وَ قَد رَوَي البخُاَريِّ وَ مُسلِمٌ وَ النسّاَئيِّ وَ أَبُو دَاوُدَ قَرِيباً مِن هَذِهِ الرّوَايَةِ بِأَسَانِيدَ مُتَكَثّرةٍ وَ أَلفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ عَن جَابِرٍ، وَ هيَِ مَذكُورَةٌ فِي جَامِعِ الأُصُولِ.
وَ رَوَي البخُاَريِّ، عَن أَبِي مُوسَي الأشَعرَيِّ، قَالَ قَدِمتُ عَلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بِالبَطحَاءِ وَ هُوَ مُنِيحٌ فَقَالَ أَ حَجَجتَ. قُلتُ نَعَم. قَالَ بِمَا أَهلَلتَ. قُلتُ لَبّيكَ بِإِهلَالِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]. قَالَ أَحسَنتَ،طُف بِالبَيتِ وَ بِالصّفَا وَ المَروَةِ ثُمّ أَحِلّ،فَطُفتُ بِالبَيتِ وَ بِالصّفَا وَ المَروَةِ ثُمّ أَتَيتُ امرَأَةً مِن قَيسٍ،فقلت [فَفَلَت]رأَسيِ، ثُمّ أَهلَلتُ بِالحَجّ،فَكُنتُ أفُتيِ بِهِ حَتّي كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ إِن أَخَذنَا بِكِتَابِ اللّهِ فَإِنّهُ يَأمُرُنَا بِالتّمَامِ، وَ إِن أَخَذنَا بِقَولِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَإِنّهُ لَم يُحِلّحَتّي يَبلُغَ الهدَيُ مَحِلّهُ.
صفحه : 610
ومثله روي في موضع آخر بأدني تغيير.
وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَنِ النسّاَئيِّ مِثلَهُ.
وَ رَوَي البخُاَريِّ أَيضاً، عَن عَائِشَةَ،قَالَت خَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]لِخَمسٍ بَقِينَ مِن ذيِ القَعدَةِ لَا نَرَي إِلّا الحَجّ، فَلَمّا دَنَونَا مِن مَكّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مَن لَم يَكُن مَعَهُ هدَيٌ إِذَا طَافَ وَ سَعَي بَينَ الصّفَا وَ المَروَةِ أَن يُحِلّ، قَالَ فَدَخَلَ عَلَينَا يَومَ النّحرِ بِلَحمِ بَقَرٍ،فَقُلتُ مَا هَذَا.فَقِيلَ ذَبَحَ رَسُولُ اللّهِ عَن أَزوَاجِهِ.
وَ قَد حَكَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَنِ البخُاَريِّ وَ مُسلِمٍ وَ أَبِي دَاوُدَ وَ المُوَطّإِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ عَن عَائِشَةَ تؤُدَيّ مُؤَدّي هَذِهِ الرّوَايَةِ. *
صفحه : 611
وَ رَوَي البخُاَريِّ أَيضاً، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، أَنّهُ سُئِلَ عَن مُتعَةِ الحَجّ، فَقَالَ أَهَلّ المُهَاجِرُونَ وَ الأَنصَارُ وَ أَزوَاجُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فِي حَجّةِ الوَدَاعِ وَ أَهلَلنَا، فَلَمّا قَدِمنَا مَكّةَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]اجعَلُوا إِهلَالَكُم بِالحَجّ عُمرَةً إِلّا مَن قَلّدَ الهدَيَ،طُفنَا بِالبَيتِ وَ بِالصّفَا وَ المَروَةِ وَ أَتَينَا النّسَاءَ وَ لَبِسنَا الثّيَابَ، وَ قَالَ مَن قَلّدَ الهدَيَ فَإِنّهُ لَا يُحِلّ حَتّي يَبلُغَ الهدَيُ مَحِلّهُ، ثُمّ أَمَرَنَا عَشِيّةَ التّروِيَةِ أَن نُهِلّ بِالحَجّ، فَإِذَا فَرَغنَا مِنَ المَنَاسِكِ جِئنَا فَطُفنَا بِالبَيتِ وَ بِالصّفَا وَ المَروَةِ فَقَد تَمّ حَجّنَا وَ عَلَينَا الهدَيُ، كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَيفَمَن تَمَتّعَ بِالعُمرَةِ إِلَي الحَجّ فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهدَيِ فَمَن لَم يَجِد فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الحَجّ وَ سَبعَةٍ إِذا رَجَعتُم إِلَي أَمصَارِكُم الشّاةُ تجُزيِ،فَجَمَعُوا نُسُكَينِ فِي عَامٍ بَينَ الحَجّ وَ العُمرَةِ، فَإِنّ اللّهَ أَنزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ أَبَاحَهُ نَاسٌ غَيرَ أَهلِ مَكّةَ، قَالَ اللّهُذلِكَ لِمَن لَم يَكُن أَهلُهُ حاضرِيِ المَسجِدِ الحَرامِ وَ أَشهُرُ الحَجّ ألّذِي ذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ شَوّالٌ، وَ ذُو القَعدَةِ، وَ ذُو الحِجّةِ،فَمَن تَمَتّعَ فِي هَذِهِ الأَشهُرِ فَعَلَيهِ دَمٌ أَو صَومٌ،
والرفث الجماع ، والفسوق المعاصي، والجدال المراء.
وَ عَن أَبِي حَمزَةَ، قَالَسَأَلتُ ابنَ عَبّاسٍ عَنِ المُتعَةِ،فأَمَرَنَيِ بِهَا، وَ سَأَلتُهُ
صفحه : 612
عَنِ الهدَيِ، فَقَالَ جَزُورٌ أَو بَقَرَةٌ أَو شَاةٌ أَو شَركٌ فِي دَمٍ، قَالَ وَ كَانَ نَاسٌ كَرِهُوهَا،فَنِمتُ فَرَأَيتُ فِي المَنَامِ كَأَنّ إِنسَاناً ينُاَديِ حَجّ مَبرُورٌ وَ عُمرَةٌ مُتَقَبّلَةٌ،فَأَتَيتُ ابنَ عَبّاسٍ فَحَدّثتُهُ، فَقَالَ اللّهُ أَكبَرُ سُنّةُ أَبِي القَاسِمِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ].
وَ رَوَي مُسلِمٌ قَرِيباً مِنهَا.
وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَن مُسلِمٍ وَ النسّاَئيِّ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] هَذِهِ عُمرَةٌ استَمتَعنَا بِهَا،فَمَن لَم يَكُن مَعَهُ الهدَيُ فَليُحِلّ الحِلّ كُلّهُ، فَإِنّ العُمرَةَ قَد دَخَلَت فِي الحَجّ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.
صفحه : 613
وَ رَوَي البخُاَريِّ أَيضاً، عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، قَالَ اختَلَفَ عَلِيّ وَ عُثمَانُ وَ هُم بِعُسفَانَ فِي المُتعَةِ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا تُرِيدُ إِلّا أَن تَنهَي عَن أَمرٍ فَعَلَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فَلَمّا رَأَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ ذَلِكَ أَهَلّ بِهِمَا جَمِيعاً.
وَ رَوَي البخُاَريِّ وَ مُسلِمٌ، عَن مَروَانَ بنِ الحَكَمِ، أَنّهُ شَهِدَ عَلِيّاً وَ عُثمَانَ بَينَ مَكّةَ وَ المَدِينَةِ، وَ عُثمَانُ يَنهَي عَنِ المُتعَةِ وَ أَن يُجمَعَ بَينَهُمَا، فَلَمّا رَأَي ذَلِكَ عَلِيّ أَهَلّ بِهِمَا لَبّيكَ بِعُمرَةٍ وَ حَجّةٍ، فَقَالَ عُثمَانُ ترَاَنيِ أَنهَي النّاسَ وَ أَنتَ تَفعَلُهُ فَقَالَ مَا كُنتُ لِأَدَعَ سُنّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]لِقَولِ أَحَدٍ.
وَ رَوَي النسّاَئيِّ رِوَايَتَينِ فِي هَذَا المَعنَي. d
وَ رَوَي مُسلِمٌ رِوَايَاتٍ فِي هَذَا المَعنَي. d
وَ رَوَي البخُاَريِّ، عَن عِمرَانَ، قَالَ تَمَتّعنَا عَلَي عَهدِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ نَزَلَ القُرآنُ، وَ قَالَ رَجُلٌ بِرَأيِهِ مَا شَاءَ.
صفحه : 614
وَ رَوَي مُسلِمٌ، عَن مُطَرّفٍ، قَالَ قَالَ لِي عِمرَانُ بنُ الحُصَينِ إنِيّ لَأُحَدّثُكَ بِالحَدِيثِ اليَومَ يَنفَعُكَ اللّهُ بِهِ بَعدَ اليَومِ،اعلَم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَد أَعمَرَ طَائِفَةً مِن أَهلِهِ فِي العَشرِ فَلَم تَنزِل آيَةٌ تَنسَخُ ذَلِكَ، وَ لَم يَنهَ عَنهُ حَتّي مَضَي لِوَجهِهِ،ارتَأَي كُلّ امرِئٍ بَعدُ مَا شَاءَ أَن يرَتئَيَِ.
قَالَ مُسلِمٌ وَ حَدّثَنَا إِسحَاقُ بنُ اِبرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بنُ حَاتِمٍ كِلَاهُمَا، عَن وَكِيعٍ، عَن سُفيَانَ، عَنِ الجرَيِريِّ بِهَذَا الإِسنَادِ.
و قال ابن حاتم في روايته ارتأي رجل برأيه ماشاء يعني عمر، وروي بستة أسانيد عن عمران مايؤديّ هذاالمعني . وحكي في جامع الأصول ثلاث روايات في هذاالمعني عن عمران .منها
أَنّهُ قَالَ أُنزِلَت آيَةُ المُتعَةِ فِي كِتَابِ اللّهِ فَفَعَلنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ لَم يَنزِل قُرآنٌ يُحَرّمُهُ وَ لَم يَنهَ عَنهَا حَتّي مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأيِهِ مَا شَاءَ. ثُمّ قَالَ قَالَ البخُاَريِّ يُقَالُ إِنّهُ عُمَرُ.
صفحه : 615
وحكي عن النسائي أيضا روايتين في هذاالمعني .
وَ عَن مُسلِمٍ بِإِسنَادِهِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] هَذِهِ عُمرَةٌ استَمتَعنَا بِهَا فَمَن لَم يَكُن عِندَهُ الهدَيُ فَليُحلِلِ الحِلّ كُلّهُ، فَإِنّ العُمرَةَ قَد دَخَلَت فِي الحَجّ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.
وَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ طَاوُسٍ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَكَانُوا يَرَونَ أَنّ العُمرَةَ فِي أَشهُرِ الحَجّ مِن أَفجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرضِ وَ يَجعَلُونَ المُحَرّمَ صَفَراً وَ يَقُولُونَ إِذَا بَرَأَ الدّبَرُ، وَ عَفَا الأَثَرُ، وَ انسَلَخَ صَفَرٌ حَلّتِ العُمرَةُ لِمَنِ اعتَمَرَ،
صفحه : 616
قَدِمَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ أَصحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلّينَ بِالحَجّ فَأَمَرَهُم أَن يَجعَلُوهَا عُمرَةً،فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِندَهُم،فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّ الحِلّ. قَالَ الحِلّ كُلّهُ.
وَ قَد رَوَي هَذِهِ الرّوَايَةَ البخُاَريِّ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، وَ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ وَ النسّاَئيِّ وَ أَورَدَهَا فِي جَامِعِ الأُصُولِ، قَالَ وَ أَخرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي، أَنّهُ قَالَ وَ اللّهِ مَا أَعمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]عَائِشَةَ فِي ذيِ الحِجّةِ إِلّا لِيَقطَعَ بِذَلِكَ أَمرَ أَهلِ الشّركِ، فَإِنّ هَذَا الحيَّ مِن قُرَيشٍ وَ مَن دَانَ بِدِينِهِم كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا عَفَا الأَثَرُ، وَ بَرَأَ الدّبَرُ، وَ دَخَلَ صَفَرٌ فَقَد حَلّتِ العُمرَةُ
صفحه : 617
لِمَنِ اعتَمَرَ،فَكَانُوا يُحَرّمُونَ العُمرَةَ حَتّي يَنسَلِخَ ذُو الحِجّةِ وَ المُحَرّمُ.
وَ رَوَي مُسلِمٌ، عَن اِبرَاهِيمَ، عَن أَبِي مُوسَي أَنّهُ كَانَ يفُتيِ بِالمُتعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ رُوَيدَكَ بَعضَ فُتيَاكَ،فَإِنّكَ لَا تدَريِ مَا أَحدَثَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ فِي النّسُكِ بَعدُ حَتّي لَقِيَهُ بَعدُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ قَد عَلِمتُ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَد فَعَلَهُ هُوَ وَ أَصحَابُهُ، وَ لَكِن كَرِهتُ أَن يَظَلّوا مُعرِسِينَ بِهِنّ فِي الأَرَاكِ يَرُوحُونَ فِي الحَجّ يَقطُرُ رُءُوسُهُم.
وَ رَوَي مُسلِمٌ، عَن اِبرَاهِيمَ، عَن أَبِي مُوسَي هَذَا الخَبَرَ أَبسَطَ مِن ذَلِكَ وَ سَاقَهُ .. إِلَي أَن قَالَفَكُنتُ أفُتيِ النّاسَ بِذَلِكَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكرٍ وَ إِمَارَةِ عُمَرَ، وَ إنِيّ لَقَائِمٌ بِالمَوسِمِ إِذ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنّكَ لَا تدَريِ مَا أَحدَثَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ فِي شَأنِ النّسُكِ.فَقُلتُ أَيّهَا النّاسُ مَن كُنّا أَفتَينَاهُ بشِيَءٍ فَليَتّئِد،فَهَذَا أَمِيرُ
صفحه : 618
المُؤمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيكُم فِيهِ فَائتَمّوا، فَلَمّا قَدِمَ قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا هَذَا ألّذِي أَحدَثتَ فِي شَأنِ النّسُكِ. قَالَ أَن نَأخُذَ بِكِتَابِ اللّهِ، فَإِنّ اللّهَ يَقُولُوَ أَتِمّوا الحَجّ وَ العُمرَةَ لِلّهِ، وَ أَن تأخذ[نَأخُذَ]بِسُنّةِ نَبِيّنَا فَإِنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] لَم يَحِلّ حَتّي نَحَرَ الهدَيَ.
وَ عَن عَائِشَةَ،قَالَت قَدِمَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]لِأَربَعٍ مَضَينَ مِن ذيِ الحِجّةِ أَو خَمسٍ،فَدَخَلَ عَلَيّ وَ هُوَ غَضبَانُ،فَقُلتُ مَا أَغضَبَكَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَدخَلَهُ اللّهُ النّارَ. قَالَ أَ وَ مَا شَعَرتِ أنَيّ أَمَرتُ النّاسَ بِأَمرٍ فَإِذَا هُم يَتَرَدّدُونَ، وَ لَوِ استَقبَلتُ مِن أمَريِ مَا استَدبَرتُ مَا سُقتُ الهدَيَ معَيِ حَتّي أَشتَرِيَهُ، ثُمّ أُحِلّ كَمَا أَحَلّوا.
صفحه : 619
وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ، عَن مُحَمّدِ بنِ جَرِيرٍ الطبّرَيِّ، قَالَ رَوَي عَبدُ الرّحمَنِ بنُ أَبِي زَيدٍ، عَن عُمَرَ بنِ زَيدٍ، عَن عِمرَانَ بنِ سَوَادَةَ الليّثيِّ، قَالَصَلّيتُ الصّبحَ مَعَ عُمَرَ فَقَرَأَ«سُبحَانَ» وَ سُورَةً مَعَهَا، ثُمّ انصَرَفَ،فَقُمتُ مَعَهُ، فَقَالَ أَ حَاجَةٌ. قُلتُ حَاجَةٌ. قَالَ فَالحَق.فَلَحِقتُ، فَلَمّا دَخَلَ أَذِنَ، فَإِذَا هُوَ عَلَي ومال [رِمَالِ]سَرِيرٍ لَيسَ فَوقَهُ شَيءٌ،فَقُلتُ نَصِيحَةً. قَالَ مَرحَباً بِالنّاصِحِ غُدُوّاً وَ عَشِيّاً. قُلتُ عَابَت أُمّتُكَ أَو قَالَ رَعِيّتُكَ عَلَيكَ أَربَعاً،فَوَضَعَ عُودَ الدّرّةِ ثُمّ ذَقَنَ عَلَيهَا هَكَذَا رَوَي ابنُ قُتَيبَةَ وَ قَالَ أَبُو جَعفَرٍ فَوَضَعَ رَأسَ دِرّتِهِ فِي ذَقَنِهِ، وَ وَضَعَ أَسفَلَهَا عَلَي فَخِذِهِ، وَ قَالَ هَاتِ. قَالَ ذَكَرُوا أَنّكَ حَرّمتَ المُتعَةَ فِي أَشهُرِ الحَجّ وَ زَادَ أَبُو جَعفَرٍ وَ هيَِ حَلَالٌ وَ لَم يُحَرّمهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ لَا أَبُو بَكرٍ، فَقَالَ أَجَل إِنّكُم إِذَا اعتَمَرتُم فِي أَشهُرِ حَجّكُم رَأَيتُمُوهَا مُجزِئَةً مِن حَجّكُم،فَقَرِعَ حَجّكُم، وَ كَانَ قَائِبَةَ قُوبٍ عَامَهَا، وَ الحَجّ بَهَاءٌ مِن بَهَاءِ اللّهِ،
صفحه : 620
وَ قَد أَصَبتَ. قَالَ وَ ذَكَرُوا أَنّكَ حَرّمتَ مُتعَةَ النّسَاءِ، وَ قَد كَانَت رُخصَةً مِنَ اللّهِ يُستَمتَعُ بِقُبضَةٍ وَ يُفَارَقُ مِن ثَلَاثٍ. قَالَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]أَحَلّهَا فِي زَمَانِ ضَرُورَةٍ، وَ رَجَعَ النّاسُ إِلَي السّعَةِ، ثُمّ لَم أَجِد أَحَداً مِنَ المُسلِمِينَ عَادَ إِلَيهَا وَ لَا عَمِلَ بِهَا،فَالآنَ مَن شَاءَ نَكَحَ بِقُبضَةٍ وَ فَارَقَهُ عَن طَلَاقٍ بِثَلَاثٍ، وَ قَد أَصَبتَ. قَالَ وَ ذَكَرُوا أَنّكَ أَعتَقتَ الأَمَةَ إِن وَضَعَت ذَا بَطنِهَا بِغَيرِ عَتَاقَةِ سَيّدِهَا. قَالَ أَلحَقتُ حُرمَتَهُ[حُرمَةً]بِحُرمَةٍ، وَ مَا أَرَدتُ إِلّا الخَيرَ، وَ أَستَغفِرُ اللّهَ. قَالَ وَ شَكَوا مِنكَ عُنفَ السّيَاقِ وَ نَهرَ الرّعِيّةِ. قَالَ فَنَزَعَ الدّرّةَ ثُمّ مَسَحَهَا حَتّي أَتَي عَلَي سُيُورِهَا، وَ قَالَ وَ أَنَا زَمِيلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فِي غَزَاةِ قَرقَرَةِ الكُدرِ، ثُمّ فَوَ اللّهِ إنِيّ لَأُرتِعُ فَأُشبِعُ، وَ أَسقِي فأَرُويِ، وَ أَضرِبُ العَرُوضَ، وَ أَزجُرُ العَجُولَ، وَ أُؤَدّبُ قدَريِ، وَ أَسُوقُ خطَوتَيِ، وَ أَرُدّ
صفحه : 621
اللّفُوتَ، وَ أَضُمّ العَنُودَ، وَ أُكثِرُ الزّجرَ، وَ أُقِلّ الضّربَ، وَ أَشهَرُ بِالعَصَا، وَ أَدفَعُ بِاليَدِ، وَ لَو لَا ذَلِكَ لَأَعذَرتُ. قَالَ أَبُو جَعفَرٍ وَ كَانَ مُعَاوِيَةُ إِذَا حَدّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ يَقُولُ كَانَ وَ اللّهِ عَالِماً بِرَعِيّتِهِ.
قال ابن قتيبة رملت السّرير وأرملته إذانسجته بشريط من خوص أوليف . وذقن عليها .. أي وضع عليها ذقنه يستمع الحديث . و قوله فقرع حجّكم .. أي خلت أيّام الحجّ من الناس ، وكانوا يتعوّذون من قرع الفناء و ذلك ألّا يكون فيه أهل . والقائبة قشر البيضة إذاخرج منها الفرخ . والقوب الفرخ .. قوله إنيّ لأرتع وأشبع وأسقي فأروي .. مثل مستعار من رعيّة الإبل ،.. أي إذاأرتعت الإبل .. أي أرسلتها ترعي ،تركتها حتّي تشبع ، و إذاسقيتها تركتها حتّي تروي . و قوله أضرب العروض .. فالعروض النّاقة تأخذ يمينا وشمالا و لا
صفحه : 622
تلزم الحجّة يقول أضربها حتّي يعود إلي الطريق ، ومثله قوله وأضمّ العنود. والعجول البعير يندّ عن الإبل ويركب رأسه عجلا ويستقبلها. و قوله وأؤدّب قدري .. أي قدر طاقتي. و قوله وأسوق خطوتي .. أي قدر خطوتي. واللّفوت البعير يلتفت يمينا وشمالا ويروغ . و قوله وأكثر الزّجر وأقلّ الضرب .. أي إنّه يقتصر من التأديب في السياسة علي مايكتفي به حتّي يضطرّ إلي ما هوأشدّ منه وأغلظ. و قوله وأشهر بالعصا وأدفع باليد .. يريد أنّه يرفع العصاء يرعب بها و لايستعملها ولكنّه يدفع بيده . و قوله و لو لا ذلك لأعذرت .. أي لو لا هذاالتدبير والسياسة لخلفت بعض ماأسوق ،تقول أعذر الراعي الشاة أوالنّاقة .. إذاتركها، والشاة العذيرة، وعذرت هي .. إذاتخلّفت عن الغنم ،انتهي . و قدذكر ابن الأثير في النهاية كثيرا من ألفاظ هذه الرواية وفسّرها. قال في حديث عمر إنّ عمران بن سوادة قال له أربع خصال
صفحه : 623
عاتبتك عليها رعيّتك،فوضع عود الدّرّة ثمّ ذقّن عليها و قال هات .يقال ذقن علي يده و علي عصاه بالتّشديد والتّخفيف إذاوضعه تحت ذقنه واتّكأ عليها. و قال في قوب منه .. حديث عمر إن اعتمرتم في أشهر الحجّ رأيتموها مجزية من حجّتكم فكانت قائبة قوب عامها.ضرب هذامثلا لخلوّ مكّة من المعتمرين في باقي السّنة،يقال قيبت البيضة إذاانفلقت عن فرخها وإنّما قيل لها قائبة، وهي مقوبة علي تقدير ذات قوب .. أي ذات فرخ ، والمعني أنّ الفرخ إذافارق بيضته لم يعد إليها وكذا إذااعتمروا في أشهر الحجّ لم يعودوا إلي مكّة. و قال في العنود و في حديث عمر ويذكر سيرته « وأضمّ العنود» و هو من الإبل ألّذي لايخالطها و لايزال منفردا عنها، وأراد من خرج عن الجماعة أعدته إليها وعطفته عليها.
وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ وَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، أَنّهُ قَالَ فِي مُتعَةِ الحَجّ قَد عَلِمتُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَعَلَهَا وَ أَصحَابَهُ وَ لَكِن كَرِهتُ أَن يَظَلّوا بِهِنّ مُعرِسِينَ تَحتَ الأَرَاكِ، ثُمّ يُلَبّونَ بِالحَجّ يَقطُرُ رُءُوسُهُم
، قال المعرس ألذي
صفحه : 624
يغشي امرأته . قال كره أن يحلّ الرجل من عمرته ثم يأتي النساء، ثم يهلّ بالحجّ. و قال في النهاية في الأعراس و منه حديث عمر نهي عن متعة الحجّ، و قال قدعلمت أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم فعله ولكن كرهت أن يظلّوا بهامعرسين أي ملمّين بنسائهم .
وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَنِ الترّمذِيِّ، عَن سَالِمِ بنِ عَبدِ اللّهِ، أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِن أَهلِ الشّامِ وَ هُوَ يَسأَلُ عَبدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ عَنِ التّمَتّعِ بِالعُمرَةِ إِلَي الحَجّ، فَقَالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ أَ رَأَيتَ إِن كَانَ أَبِي يَنهَي عَنهَا وَ صَنَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،أَمرُ أَبِي يُتّبَعُ أَم أَمرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]. فَقَالَ الرّجُلُ بَل أَمرُ رَسُولِ اللّهِ(ص )، فَقَالَ لَقَد صَنَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ].
صفحه : 625
وَ رَوَي مُسلِمٌ، عَن سَعدِ بنِ أَبِي وَقّاصٍ، قَالَ لَقَد تَمَتّعنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، وَ هَذَا يعَنيِ مُعَاوِيَةَ كَافِرٌ بِالعُرُشِ يعَنيِ بِالعُرُشِ .. بُيُوتَ مَكّةَ فِي الجَاهِلِيّةِ.
قَالَ فِي جَامِعِ الأُصُولِ بَعدَ حِكَايَتِهَا عَن مُسلِمٍ وَ فِي رِوَايَةِ المُوَطّإِ وَ الترّمذِيِّ وَ النسّاَئيِّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنَ الحَارِثِ، أَنّهُ سَمِعَ سَعدَ بنَ أَبِي وَقّاصٍ وَ الضّحّاكَ بنَ قَيسٍ عَامَ حَجّ مُعَاوِيَةُ يَذكُرَانِ التّمَتّعَ بِالعُمرَةِ إِلَي الحَجّ، فَقَالَ الضّحّاكُ لَا يَصنَعُ ذَلِكَ إِلّا مَن جَهِلَ أَمرَ اللّهِ. فَقَالَ لَهُ سَعدٌ بِئسَمَا قُلتَ يَا ابنَ أخَيِ. فَقَالَ الضّحّاكُ إِنّ عُمَرَ قَد نَهَي عَن ذَلِكَ. فَقَالَ سَعدٌ قَد صَنَعنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بِأَمرِهِ، وَ صَنَعَهَا هُوَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ.
صفحه : 626
قَالَ لَيسَ عِندَ الترّمذِيِّ عَامَ حَجّ مُعَاوِيَةُ.
وَ رَوَي فِي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَ فِي جَامِعِ الأُصُولِ وَ فِي المِشكَاةِ عَن عَطَاءٍ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ، قَالَأَهلَلنَا أَصحَابَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بِالحَجّ خَالِصاً وَحدَهُ،فَقَدِمَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]صُبحَ رَابِعَةٍ مَضَت مِن ذيِ الحِجّةِ فَأَمَرَنَا أَن نُحِلّ، قَالَ عَطَا قَالَ أَحِلّوا وَ أَصِيبُوا النّسَاءَ، وَ لَم يَعزِم عَلَيهِم وَ لَكِن أَحَلّهُنّ لَهُم.فَقُلنَا لَمّا لَم يَكُن بَينَنَا وَ بَينَ عَرَفَةَ إِلّا خَمسٌ أَمَرَنَا أَن نفُضيَِ إِلَي نِسَائِنَا فنَأَتيَِ عَرَفَةَ يَقطُرُ مَذَاكِيرُنَا المنَيِّ. قَالَ جَابِرٌ بِيَدِهِ كأَنَيّ أَنظُرُ إِلَي قَولِهِ بِيَدِهِ يُحَرّكُهَا. قَالَ فَقَامَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فِينَا فَقَالَ قَد عَلِمتُم أنَيّ أَتقَاكُم لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ أَصدَقُكُم وَ أَبَرّكُم، وَ لَو لَا هدَيٌ لَحَلَلتُ كَمَا تُحِلّونَ، وَ لَوِ استَقبَلتُ مِن أمَريِ مَا استَدبَرتُ لَم أَسُقِ الهدَيَ،فَحِلّوا،فَحَلَلنَا وَ سَمِعنَا وَ أَطَعنَا .. إِلَي هُنَا
صفحه : 627
رواية البخاري.
وَ فِي رِوَايَةِ مُسلِمٍ، قَالَ جَابِرٌ فَقَدِمَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مِن سِعَايَتِهِ، فَقَالَ بِمَا أَهلَلتَ. قَالَ بِمَا أَهَلّ بِهِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَأَهدِ وَ امكُث حَرَاماً، وَ أَهدَي لَهُ عَلِيّ( عَلَيهِ السّلَامُ)هَدياً، فَقَالَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعشُمٍ يَا رَسُولَ اللّهِ لِعَامِنَا هَذَا أَم لِأَبَدٍ. قَالَ بَل لِأَبَدٍ.
صفحه : 628
فهذه جملة من الأخبار العاميّة. وأخبار الخاصّة في ذلك أكثر من أن يمكن إيرادها هنا، وسيأتي بعضها في كتاب الحجّ، وكتب أخبارنا مشحونة بها. وأجاب المخالفون أمّا عن متعة النساء،فبأنّها كانت علي عهد الرسول صلّي اللّه عليه وآله ثمّ نسخت ، وعوّلوا في ذلك علي روايات متناقضة أوردوها في كتبهم تركناها مخافة الإطناب ، وأجيب عنها بوجوه الأول أنّ تناقض تلك الروايات تدلّ علي كونها موضوعة،إذ بعضها يدلّ علي أنّها نسخت يوم خيبر، وبعضها يدلّ علي أنّ الإباحة والتحريم كانا في مكة قبل الخروج منها بعدالفتح ، وبعضها يدلّ علي أنّهم شكوا العزوبة في حجّة الوداع فأذن لهم في المتعة، وبعضها يدلّ أنّها ماحلّت إلّا في عمرة القضاء، وكانت بعدفتح خيبر، و قددلّ بعض رواياتهم علي أنّها نسخت يوم خيبر كماعرفت ، وبعضها علي أنّها نسخت في غزوة تبوك ، وبعضها علي أنّها كانت مباحة في أول الإسلام حتّي نسخت بقوله تعالي إِلّا عَلي أَزواجِهِم أَو ما مَلَكَت أَيمانُهُم. و لاريب في أنّه لايعبّر عن عام حجّة الوداع والفتح وخيبر وتبوك بأوّل الإسلام ، علي أنّ هذه الآية التي تدلّ روايتهم عن ابن عباس علي نسخ المتعة
صفحه : 629
بهاتكرّرت في سورتين سورة المعارج ، وسورة المؤمنون ، وهما مكيّتان كماذكره المفسّرون،فكيف كان الإذن بها والنهي عنها في حجّة الوداع ، وعام الفتح ، وغيرهما ولهذا الاختلاف الفاحش التجئوا إلي التشبّث بوجوه فاسدة سخيفة في الجمع بينها،كالقول بتكرّر الإباحة والتحريم ، وحمل التحريم في بعضها علي التأبيد، و في بعضها علي التأكيد، وذكروا وجوها سخيفة أخري لانسوّد الكتاب بذكرها، و مارووه عن الحسن أنّه ماحلّت إلّا في عمرة القضاء ظاهر المناقضة لتلك الوجوه . وبالجملة، هذاالنوع من الاختلاف في الرواية دليل واضح علي كذب الراوي.الثاني أنّ ماسبق من روايات جابر وغيرها صريح في أنّ العمل بإباحة المتعة كان مستمرا إلي منع عمر بن الخطاب عنها. والقول بأنّ جابر أوغيره من الصحابة لم يبلغهم النسخ إلي زمان عمر .. ظاهر الفساد، وهل يجوّز عاقل أن يبعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله مناديه ينادي بإباحة المتعة بين الناس كمامرّ ويبوح بإباحتها ويتلو الآية الدالّة علي حلّها، ثم لمّا نسخ الحكم يخفيه عن طائفة من أصحابه و لايعلن به بحيث لم يبلغ نسخ الحكم مثل جابر مع شدّة ملازمته
صفحه : 630
للرسول صلّي اللّه عليه وآله في السفر والحضر حتّي كانوا يداومون علي منكر شنيع يري عمر رجم من ارتكبه ، كمارواه مالك في الموطأ. وبالجملة،دعوي كون الحكم في نسخ مثل هذاالحكم بحيث يخفي علي مثل جابر و ابن مسعود و ابن عباس وأضرابهم ،بل علي أكثر الصحابة علي ما هوالظاهر من قول جابر كنّا نستمتع علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و أبي بكر وعمر دعوي واضح الفساد.الثالث
أَنّ الرّوَايَةَ المَشهُورَةَ بَينَ الفَرِيقَينِ مِن أَنّهُ قَالَ فِي خُطبَتِهِ مُتعَتَانِ كَانَتَا عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ أَنَا أَنهَي عَنهُمَا وَ أُعَاقِبُ عَلَيهِمَا ..
صريحة في دوام الحكم بحلّها إلي ذلك الزمان ، وكذلك يشهد بعدم
صفحه : 631
نسخها عدم اعتذار عمر بالنسخ في الرواية السابقة، واعتذاره بأنّ حلّها كان في زمان ضرورة، وهل يجوّز عاقل أنّه كان عالما بنسخها ونهي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله عنها و مع ذلك يعتذر بمثل هذاالعذر الظاهر الفساد فإنّ إباحة حكم في زمان لايقتضي تقييد الإباحة بها، وترك عمل الصحابة بأمر مباح علي تقدير تسليمه لايدلّ علي عدم إباحته ، علي أنّ ذلك شهادة نفي في أمر محصور، ويكذّبه قول جابر وغيره كنّا نستمتع .. إلي زمن نهيه ، و لو كان مستنده عدم اطّلاعه علي عمل الصحابة بها بعدزمان الضرورة فبطلانه أوضح .الرابع أنّ المتعة لوكانت منسوخة لماخفي ذلك علي أهل بيته صلّي اللّه عليه وآله وهم أعلم بما في البيت و قدأجمعوا علي حلّها، وإجماعهم حجّة، وإنكار قولهم بذلك مكابرة واضحة. و أمّا متعة الحجّ،فقد عوّلوا في دفع الطعن فيها علي أنّه نهي عنه عمر وكذلك عثمان كماسبق علي وجه التنزيه ،لكون الإفراد أفضل لا علي وجه التحريم ، و فيه نظر من وجوه الأول أنّ قول عمر أناأحرّمهما .. ظاهر في التحريم ، و لوسلّمنا كون بعض الروايات أناأنهي عنهما وأعاقب عليهما .. فمع أنّ الظاهر من لفظ
صفحه : 632
النهي أيضا التحريم ، قدقرن بالتحريم والنهي قوله أعاقب عليهما، و لاريب في أنّ المعاقبة تنافي التنزيه .الثاني أنّه لو كان نهيه عن متعة الحجّ للتنزيه لكان نهيه عن متعة النساء أيضا كذلك ،للتعبير عنهما بلفظ واحد، و لم يقل أحد بأنّه نهي عن متعة النساء تنزيها، مع أنّه قدمرّ أنّه أوعد عليها بالرجم ، و قدسبق في رواية عائشة أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله دخل عليها غضبان لذلك ، وكيف يغضب صلّي اللّه عليه وآله لعدول الناس في عبادة ربّهم إلي الأفضل أولتردّدهم فيه ،بل لايشكّ منصف في أنّ ماتضافرت به الروايات من
قَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَوِ استَقبَلتُ مِن أمَريِ مَا استَدبَرتُ لَمَا سُقتُ الهدَيَ، وَ لَو لَا أَنّ معَيَِ الهدَيَ لَأَحلَلتُ ..
دليل قاطع علي بطلان أفضليّة الإفراد كمازعموه . وبالجملة،القول بأنّ أمره صلّي اللّه عليه وآله بالإحلال والعدول إلي التمتّع كان أمرا بالمرجوح لبيان الجواز،ظاهر الفساد.الثالث أنّ رواية عمران بن سوادة الليثي واضحة الدلالة علي أنّ نهيه عنها كان علي وجه التحريم ، كما لايخفي علي من تأمّل فيها، و لو كان نهيه علي وجه التنزيه لقال إنيّ ماحرّمتها عليهم ولكنيّ أمرتهم بأفضل الأفراد، و قدتقدّم في رواية ابن حصين قوله لم ينزل قرآن يحرّمه و لم ينه عنها حتّي مات . قال رجل برأيه ماشاء. و قال البخاري يقال إنّه عمر، و من تأمّل في الأخبار لايشكّ في أنّه لم يكن الكلام في أفضليّة التمتّع أوالإفراد،بل في جواز التمتّع أوحرمته .الرابع أنّه لو كان نهي عمر وعثمان عن المتعة أمرا بالأفضل فلما ذا كان أمير
صفحه : 633
المؤمنين عليه السلام ينازع عثمان ، وعثمان ينازعه ، كمامرّ.
وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَنِ المُوَطّإِ بِإِسنَادِهِ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِيهِ[عَلَيهِمَا السّلَامُ] أَنّهُ قَالَ إِنّ المِقدَادَ بنَ الأَسوَدِ دَخَلَ عَلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ[ عَلَيهِ السّلَامُ]بِالسّقيَا، وَ هُوَ يَنجَعُ بَكَرَاتٍ لَهُ دَقِيقاً وَ خَبَطاً. فَقَالَ هَذَا عُثمَانُ بنُ عَفّانَ يَنهَي أَن يُقرَنَ بَينَ الحَجّ وَ العُمرَةِ،فَخَرَجَ عَلِيّ[ عَلَيهِ السّلَامُ] وَ عَلَي يَدَيهِ أَثَرُ الدّقِيقِ وَ الخَبَطِ،فَمَا أَنسَي الخَبَطَ وَ الدّقِيقَ عَلَي ذِرَاعَيهِ حَتّي دَخَلَ عَلَي عُثمَانَ بنِ عَفّانَ، فَقَالَ أَنتَ تَنهَي عَن أَن يُقرَنَ بَينَ الحَجّ وَ العُمرَةِ. فَقَالَ عُثمَانُ ذَلِكَ رأَيٌ.فَخَرَجَ عَلِيّ[ عَلَيهِ السّلَامُ]مُغضَباً وَ هُوَ يَقُولُ لَبّيكَ أللّهُمّ بِحَجّةٍ وَ عُمرَةٍ مَعاً.
ومعلوم من سيرته عليه السلام أنّه كان لايجاهر الخلفاء بالخلاف و لايعارضهم إلّا في عظائم الأمور،بل كان يداريهم ويتقّي شرّهم مااستطاع ، و لايظهر الخلاف إلّا في البدع الشنيعة، وهل يجوّز عاقل أن يأمر عثمان بطاعة اللّه تعالي بما هوأرضي عنده ثم يقول أمير المؤمنين عليه السلام ماتريد إلّا أن تنهي عن أمر فعله النبيّ صلّي اللّه عليه وآله . ويرفع صوته بين الناس بما نهي عنه مع علمه بأنّ ذلك يثمر العداوة ويثير الفتنة. والبكرة الفتية من الإبل .
صفحه : 634
والخبط بالتحريك الورق السّاقط من الشّجر، و هو من علف الإبل . وينجع .. أي يعلفها النّجوع، والنّجيع و هو أن يخلط العلف من الخبط والدّقيق بالماء ثمّ تسقي الإبل . والسّقيا بالضم منزل بين مكّة والمدينة.تذييل اعلم ، أنّه لايشكّ عاقل بعدالتأمّل
فِيمَا رَوَتِ الخَاصّةُ وَ العَامّةُ فِي تِلكَ القِصّةِ أَنّ هَذَا الشقّيِّ جَبَهَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالرّدّ حِينَ أَدّي عَنِ اللّهِ تَعَالَي حُكمَ التّمَتّعِ بِالعُمرَةِ إِلَي الحَجّ، وَ وَاجَهَهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِأَلفَاظٍ رَكِيكَةٍ، بَعدَ قَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ هَذَا جَبرَئِيلُ يأَمرُنُيِ أَن آمُرَ مَن لَم يَسُق هَدياً أَن يُحِلّ .. وَ لَجّ فِي ذَلِكَ حَتّي أَغضَبَهُ وَ أَحزَنَهُ كَمَا مَرّ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ وَ قَالَ إِنّكَ لَم تُؤمِن بِهَذَا أَبَداً،
كماورد في روايات أهل البيت عليهم السلام . ثم لمّا لم يمكنه رفع هذاالخبر أضمر في نفسه الخبيثة ذلك إلي أن استولي علي الأمر وتمكّن،فقام خطيبا وصرّح بأنّه يحرّم ماأحلّه النبيّ صلّي اللّه عليه وآله وحثّ عليه ، وأحيا سنّة أهل الشرك والجاهليّة، وشنع عليه صلّي اللّه عليه وآله بالوجوه الركيكة التي ذكرها اعتذارا من ذلك ،فكيف يكون مثل هذامؤمنا و قد قال عزّ و جلّفَلا وَ رَبّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّي يُحَكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمّ لا يَجِدُوا
فِي أَنفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ وَ يُسَلّمُوا تَسلِيماً.تتميم أجاب الفخر الرازي في تفسيره عن الطعن بنهيه عن متعة الحجّ بوجه آخر،حيث قال التمتّع بالعمرة إلي الحجّ هو أن يقدم مكة فيعتمر في أشهر الحجّ ثم يقيم حلالا بمكة حتي ينشئ منها الحجّ فيحجّ في عامه ذلك ..، و هذاصحيح و لاكراهة فيه ، وهاهنا نوع آخر مكروه ، و هو ألذي خطب به عمر، و هو أن يجمع بين الإحرامين ثم يفسخ الحجّ إلي العمرة فيتمتّع بها إلي الحجّ. وروي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم أذن لأصحابه في ذلك ، ثم نسخ . و هوباطل بوجوه الأول أنّ هذاالمعني لايفهم من التمتّع عندالإطلاق ، وإنّما يفهم منه المعني المعروف عندفقهاء الفريقين ، و لاريب في أنّ الناس قديما وحديثا لم يفهموا
صفحه : 636
من المتعة ومنعها غيرالمعني المعروف ، وإنّما ذلك معني تكلّفه المتعصّبون لضيق الخناق .الثاني أنّ روايات عمران بن حصين في أنّ مانهي عنه الرجل و قال فيه برأيه ماشاء، هوالمعني المعروف ، وإيقاع العمرة في أشهر الحجّ، وظاهر أنّ النهي عن المتعة والقول بالرأي فيها لم يكن من غيرعمر، ولذا لم يصرّح عمران به تقيّة.الثالث أنّه قدمرّ في رواية أبي موسي ، أنّه علّل عمر ماأحدثه في شأن النسك بقوله ،كرهت أن يظلّوا معرسين .. وظاهر أن هذاالتعليل يقتضي المنع عن المتعة بالمعني المعروف ، والرواية صريحة في أنّ أبا موسي كان يفتي بالمتعة فحذّره الرجل عن مخالفة عمر.الرابع أنّ رواية عمران بن سوادة صريحة في اعتراف عمر بأنّه حرّم المتعة في أشهر الحجّ معلّلا بما ذكر فيها، وكذا رواية الترمذي عن ابن عمر صريحة في أنّه نهي عن التمتّع بالعمرة إلي الحجّ، وكذا غيرهما ممّا سبق من الروايات .الخامس أنّه لو كان مانهي عنه وحرّمه عمر أمرا منسوخا في زمن الرسول (ص )لأنكر علي عمران بن سوادة قوله لم يحرّمهما رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و لا أبوبكر، و قدصدّقه وعلّل التحريم بما سبق . وبالجملة، لامجال للشكّ في أنّ ماحرمه عمر هوالتمتّع بالعمرة إلي الحجّ ألذي صرّحت روايات الفريقين بأنّه حكمه باق إلي يوم القيامة، و أنّه للأبد،
صفحه : 637
وأبد الأبد،بل إنّه نهي عن أعمّ منه و هوالاعتمار في أشهر الحجّ. ولنعم ماحكي الشهيد الثاني، قال وجدت في بعض كتب الجمهور أنّ رجلا كان يتمتّع بالنساء،فقيل له عمّن أخذت حلّها. قال عن عمر.قيل له كيف ذلك وعمر هو ألذي نهي عنها وعاقب عليها. فقال
لِقَولِهِمُتعَتَانِ كَانَتَا عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا أُحَرّمُهُمَا وَ أُعَاقِبُ عَلَيهِمَا،مُتعَةُ
صفحه : 638
الحَجّ وَ مُتعَةُ النّسَاءِ
،فأنا أقبل روايته في شرعيّتها علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله و لاأقبل نهيه من قبل نفسه .
صفحه : 639
إنّه عطّل حدّ اللّه في المغيرة بن شعبة لمّا شهدوا عليه بالزنا، ولقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة اتّباعا لهواه ، فلمّا فعل ذلك عاد إلي الشهود وفضحهم وحدّهم،فتجنّب أن يفضح المغيرة و هوواحد و كان آثما وفضح الثلاثة، وعطّل حدّ اللّه ووضعه في غيرموضعه .
قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ رَوَي الطبّرَيِّ فِي تَارِيخِهِ، عَن مُحَمّدِ بنِ يَعقُوبَ بنِ عُتبَةَ، عَن أَبِيهِ، قَالَ كَانَ المُغِيرَةُ يَختَلِفُ إِلَي أُمّ جَمِيلٍ امرَأَةٍ مِن بنَيِ هِلَالِ بنِ عَامِرٍ وَ كَانَ لَهَا زَوجٌ مِن ثَقِيفٍ هَلَكَ قَبلَ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ الحَجّاجُ بنُ عُبَيدٍ، وَ كَانَ المُغِيرَةُ وَ هُوَ أَمِيرُ البَصرَةِ يَختَلِفُ إِلَيهَا سِرّاً،فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهلَ البَصرَةِ فَأَعظَمُوا،فَخَرَجَ المُغِيرَةُ يَوماً مِنَ الأَيّامِ فَدَخَلَ عَلَيهَا وَ قَد وَضَعُوا عَلَيهِمَا الرّصَدَ فَانطَلَقَ القَومُ الّذِينَ شَهِدُوا عِندَ عُمَرَ فَكَشَفُوا السّترَ فَرَأَوهُ قَد وَاقَعَهَا،فَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَي عُمَرَ، وَ أَوفَدُوا إِلَيهِ بِالكِتَابِ أَبَا بَكرَةَ،فَانتَهَي أَبُو بَكرَةَ إِلَي المَدِينَةِ، وَ جَاءَ إِلَي بَابِ عُمَرَ فَسَمِعَ صَوتَهُ وَ بَينَهُ وَ بَينَهُ حِجَابٌ، فَقَالَ أَبُو بَكرَةَ. فَقَالَ نَعَم. قَالَ لَقَد جِئتَ لِشَرّ. قَالَ إِنّمَا جَاءَ بِهِ المُغِيرَةُ .. ثُمّ قَصّ عَلَيهِ القِصّةَ وَ عَرَضَ عَلَيهِ الكِتَابَ،فَبَعَثَ أَبَا مُوسَي عَامِلًا وَ أَمَرَهُ أَن يَبعَثَ إِلَيهِ المُغِيرَةَ، فَلَمّا دَخَلَ أَبُو مُوسَي البَصرَةَ وَ قَعَدَ فِي الإِمَارَةِ أَهدَي إِلَيهِ المُغِيرَةُ عَقِيلَةَ، وَ قَالَ وَ إنِنّيِ قَد رَضِيتُهَا
صفحه : 640
لَكَ،فَبَعَثَ أَبُو مُوسَي بِالمُغِيرَةِ إِلَي عُمَرَ.
قَالَ الطبّرَيِّ وَ رَوَي الواَقدِيِّ، عَن مَالِكِ بنِ أَوسٍ، قَالَ قَدِمَ المُغِيرَةُ عَلَي عُمَرَ فَتَزَوّجَ فِي طَرِيقِهِ امرَأَةً مِن بنَيِ مُرّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إِنّكَ لَفَارِغُ القَلبِ شَدِيدٌ الشّبَقِ،طَوِيلُ العزمول [الغُرمُولِ]. ثُمّ سَأَلَ عَنِ المَرأَةِ فَقِيلَ لَهُ يُقَالُ لَهَا الرّقطَاءُ، كَانَ زَوجُهَا مِن ثَقِيفٍ، وَ هيَِ مِن بنَيِ هِلَالٍ.
قَالَ الطبّرَيِّ وَ كَتَبَ إلِيَّ السرّيِّ، عَن شُعَيبٍ، عَن سَيفٍ أَنّ المُغِيرَةَ كَانَ يُبغِضُ أَبَا بَكرَةَ، وَ كَانَ أَبُو بَكرَةَ يُبغِضُهُ، وَ ينُاَغيِ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا صَاحِبَهُ وَ يُنَافِرُهُ عِندَ كُلّ مَا يَكُونُ مِنهُ، وَ كَانَا مُتَجَاوِرَينِ بِالبَصرَةِ بَينَهُمَا طَرِيقٌ، وَ هُمَا فِي مَشرَبَتَينِ مُتَقَابِلَتَينِ،فَهُمَا فِي دَارَيهِمَا فِي كُلّ وَاحِدَةٍ مِنهُمَا كُوّةٌ مُقَابِلَةُ الأُخرَي،فَاجتَمَعَ إِلَي أَبِي بَكرَةَ نَفَرٌ يَتَحَدّثُونَ فِي مَشرَبَتِهِ،فَهَبّت رِيحٌ فَفَتَحَت بَابَ الكُوّةِ،فَقَامَ أَبُو بَكرَةَ لِيَصفِقَهُ فَبَصُرَ بِالمُغِيرَةِ وَ قَد فَتَحَ الرّيحُ بِالكُوّةِ التّيِ فِي مَشرَبَتِهِ، وَ هُوَ بَينَ رجِليَِ امرَأَةٍ، فَقَالَ لِلنّفَرِ قُومُوا فَانظُرُوا،فَقَامُوا فَنَظَرُوا، ثُمّ قَالَ اشهَدُوا،قَالُوا وَ مَن هَذِهِ. قَالَ أُمّ جَمِيلٍ بِنتُ الأَفقَمِ، وَ كَانَت أُمّ جَمِيلٍ إِحدَي بنَيِ عَامِرِ
صفحه : 641
بنِ صَعصَعَةَ،فَقَالُوا إِنّمَا رَأَينَا أَعجَازاً وَ لَا ندَريِ مَا الوُجُوهُ. فَلَمّا قَامَت صَمّمُوا، وَ خَرَجَ المُغِيرَةُ إِلَي الصّلَاةِ،فَحَالَ أَبُو بَكرَةَ بَينَهُ وَ بَينَ الصّلَاةِ، وَ قَالَ لَا تُصَلّ بِنَا، وَ كَتَبُوا إِلَي عُمَرَ بِذَلِكَ، وَ كَتَبَ المُغِيرَةُ إِلَيهِ أَيضاً،فَأَرسَلَ عُمَرُ إِلَي أَبِي مُوسَي، فَقَالَ يَا أَبَا مُوسَي إنِيّ مُستَعمِلُكَ، وَ إنِيّ بَاعِثُكَ إِلَي أَرضٍ قَد بَاضَ فِيهَا الشّيطَانُ وَ فَرّخَ،فَالزَم مَا تَعرِفُ، وَ لَا تَستَبدِل فَيَستَبدِلَ اللّهُ بِكَ. فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أعَنِيّ بِعِدّةٍ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ،فإَنِيّ وَجَدتُهُم فِي هَذِهِ الأُمّةِ وَ هَذِهِ الأَعمَالِ كَالمِلحِ لَا يَصلُحُ الطّعَامُ إِلّا بِهِ. قَالَ فَاستَعِن بِمَن أَحبَبتَ،فَاستَعَانَ بِتِسعَةٍ وَ عِشرِينَ رَجُلًا مِنهُم أَنَسُ بنُ مَالِكٍ وَ عَمّارُ بنُ حُصَينٍ وَ هِشَامُ بنُ عَامِرٍ .. وَ خَرَجَ أَبُو مُوسَي بِهِم حَتّي أَنَاخَ بِالبَصرَةِ فِي المِربَدِ، وَ بَلَغَ المُغِيرَةَ أَنّ أَبَا مُوسَي قَد أَنَاخَ بِالمِربَدِ، فَقَالَ وَ اللّهِ مَا جَاءَ أَبُو مُوسَي تَاجِراً وَ لَا زَائِراً وَ لَكِنّهُ جَاءَ أَمِيراً، وَ إِنّهُم لفَيِ ذَلِكَ إِذ جَاءَ أَبُو مُوسَي حَتّي دَخَلَ عَلَيهِم،فَدَفَعَ إِلَي المُغِيرَةِ كِتَاباً مِن عُمَرَ إِنّهُ لَأَزجَرُ كِتَابٍ كَتَبَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ النّاسِ أَربَعَ كَلِمٍ عَزَلَ فِيهَا وَ عَاتَبَ وَ استَحَثّ وَ أَمّرَ أَمّا بَعدُ،فَإِنّهُ بلَغَنَيِ نَبَأٌ عَظِيمٌ فَبَعَثتُ أَبَا مُوسَي فَسَلّم مَا فِي يَدَيكَ إِلَيهِ وَ العَجَلَ. وَ كَتَبَ إِلَي
صفحه : 642
أَهلِ البَصرَةِ أَمّا بَعدُ،فإَنِيّ قَد بَعَثتُ أَبَا مُوسَي أَمِيراً عَلَيكُم لِيَأخُذَ لِضَعِيفِكُم مِن قَوِيّكُم، وَ لِيُقَاتِلَ بِكُم عَدُوّكُم، وَ لِيَدفَعَ عَن ذِمّتِكُم، وَ ليِجَبيَِ لَكُم فَيئَكُم، وَ لِيُقَسّمَ فِيكُم، وَ ليِحَميَِ لَكُم طُرُقَكُم.فَأَهدَي إِلَيهِ المُغِيرَةُ وَلِيدَةً مِن مُوَلّدَاتِ الطّائِفِ تُدعَي عَقِيلَةَ، فَقَالَ إنِيّ قَد رَضِيتُهَا لَكَ وَ كَانَت فَارِهَةً، وَ ارتَحَلَ المُغِيرَةُ وَ أَبُو بَكرَةَ وَ نَافِعُ بنُ كَلَدَةَ وَ زِيَادٌ وَ شِبلُ بنُ مَعبَدٍ البجَلَيِّ حَتّي قَدِمُوا عَلَي عُمَرَ،فَجَمَعَ بَينَهُم وَ بَينَ المُغِيرَةِ، فَقَالَ المُغِيرَةُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ سَل هَؤُلَاءِ الأَعبُدَ كَيفَ رأَوَنيِ مُستَقبِلَهُم أَم مُستَدبِرَهُم فَكَيفَ رَأَوُا المَرأَةَ وَ عَرَفُوهَا فَإِن كَانُوا مسُتقَبلِيِّ فَكَيفَ لَم أَستَتِر وَ إِن كَانُوا مسُتدَبرِيِّ فبَأِيَّ شَيءٍ استَحَلّوا النّظَرَ إلِيَّ فِي منَزلِيِ عَلَي امرأَتَيِ وَ اللّهِ مَا أَتَيتُ إِلّا امرأَتَيِ،فَبَدَأَ بأِبَيِ بَكرَةَ فَشَهِدَ عَلَيهِ أَنّهُ رَآهُ بَينَ رجِليَ أُمّ جَمِيلٍ، وَ هُوَ يُدخِلُهُ وَ يُخرِجُهُ، قَالَ عُمَرُ كَيفَ رَأَيتَهُمَا. قَالَ مُستَدبِرَهُمَا. قَالَ كَيفَ استَبَنتَ[استَثبَتّ]رَأسَهَا. قَالَ تَخَافَيتُ[تَجَافَيتُ].فَدَعَا بِشِبلِ بنِ مَعبَدٍ فَشَهِدَ مِثلَ ذَلِكَ، وَ قَالَ استَقبَلتُهُمَا وَ استَدبَرتُهُمَا، وَ شَهِدَ نَافِعٌ بِمِثلِ شَهَادَةِ أَبِي بَكرَةَ، وَ لَم يَشهَد زِيَادٌ بِمِثلِ شَهَادَتِهِم، قَالَ رَأَيتُهُ جَالِساً بَينَ رجِليَِ امرَأَةٍ، وَ رَأَيتُ قَدَمَينِ مَرفُوعَينِ يَخفِقَانِ، وَ استَينِ
صفحه : 643
مَكشُوفَينِ، وَ سَمِعتُ حَفزاً شَدِيداً، قَالَ عُمَرُ فَهَل رَأَيتَهُ فِيهَا كَالمِيلِ فِي المُكحُلَةِ. قَالَ لَا. قَالَ فَهَل تَعرِفُ المَرأَةَ. قَالَ لَا، وَ لَكِن أُشَبّهُهَا .. فَأَمَرَ عُمَرُ بِالثّلَاثَةِ الحَدّ وَ قَرَأَفَإِذ لَم يَأتُوا بِالشّهَداءِ فَأُولئِكَ عِندَ اللّهِ هُمُ الكاذِبُونَ، فَقَالَ المُغِيرَةُ الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي أَخزَاكُم،فَصَاحَ بِهِ عُمَرُ اسكُت .. أَسكَتَ اللّهُ نَأمَتَكَ، أَمَا وَ اللّهِ لَو تَمّتِ الشّهَادَةُ لَرَجَمتُكَ بِأَحجَارِكَ،فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الطبّرَيِّ.
رَوَي مِن كِتَابِ الأغَاَنيِ لأِبَيِ الفَرَجِ الأصَفهَاَنيِّ رِوَايَاتٍ مُختَلِفَةٍ تؤُدَيّ مُؤَدّي تِلكَ الرّوَايَةِ .. إِلَي أَن قَالَ قَالَ أَبُو الفَرَجِ قَالَ أَبُو زَيدٍ عُمَرُ بنُ شَيبَةَفَجَلَسَ لَهُ عُمَرُ وَ دَعَا بِهِ وَ بِالشّهُودِ،فَتَقَدّمَ أَبُو بَكرَةَ، فَقَالَ أَ رَأَيتَهُ بَينَ فَخِذَيهَا. قَالَ نَعَم، وَ اللّهِ لكَأَنَيّ أَنظُرُ إِلَي تَشرِيمِ جدُرَيِّ بِفَخِذَيهَا.
صفحه : 644
فَقَالَ المُغِيرَةُ لَقَد أَلطَفتَ النّظَرَ. قَالَ لَم آلُ أَن أُثبِتَ مَا يُخزِيكَ اللّهُ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ لَا وَ اللّهِ حَتّي تَشهَدَ،لَقَد رَأَيتَهُ يَلِجُ فِيهَا كَمَا يَلِجُ المِروَدُ فِي المُكحُلَةِ. قَالَ نَعَم،أَشهَدُ عَلَي ذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ أَذهَبَ عَنكَ،مُغِيرَةُ ذَهَبَ رُبُعُكَ. قَالَ أَبُو الفَرَجِ وَ يُقَالُ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ هُوَ قَائِلُ هَذَا القَولِ، ثُمّ دَعَا نَافِعاً، فَقَالَ عَلَي مَا تَشهَدُ. قَالَ عَلَي مِثلِ شَهَادَةِ أَبِي بَكرَةَ. فَقَالَ عُمَرُ لَا، حَتّي تَشهَدَ أَنّكَ رَأَيتَهُ يَلِجُ فِيهَا وُلُوجَ المِروَدِ فِي المُكحُلَةِ. قَالَ نَعَم، حَتّي بَلَغَ قُذَذَهُ. فَقَالَ أَذهَبَ عَنكَ،مُغِيرَةُ ذَهَبَ نِصفُكَ، ثُمّ دَعَا الثّالِثَ وَ هُوَ شِبلُ بنُ مَعبَدٍ فَقَالَ عَلَي مَا ذَا تَشهَدُ. قَالَ عَلَي مِثلِ شَهَادَةِ صاَحبِيَّ. فَقَالَ أَذهَبَ عَنكَ،مُغِيرَةُ ذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَربَاعِكَ. قَالَ فَجَعَلَ المُغِيرَةُ يبَكيِ إِلَي المُهَاجِرِينَ فَبَكَوا مَعَهُ، وَ بَكَي إِلَي أُمّهَاتِ المُؤمِنِينَ حَتّي بَكَينَ مَعَهُ، قَالَ وَ لَم يَكُن زِيَادٌ حَضَرَ ذَلِكَ المَجلِسَ،فَأَمَرَ عُمَرُ أَن يُنَحّي الشّهُودُ الثّلَاثَةُ وَ أَن لَا يُجَالِسَهُم أَحَدٌ مِن أَهلِ المَدِينَةِ، وَ انتَظَرَ قُدُومَ زِيَادٍ، فَلَمّا قَدِمَ جَلَسَ لَهُ فِي المَسجِدِ وَ اجتَمَعَ رُءُوسُ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ، قَالَ المُغِيرَةُ وَ كُنتُ قَد أَعدَدتُ كَلِمَةً أَقُولُهَا فَلَمّا رَأَي عُمَرُ زِيَاداً مُقبِلًا قَالَ إنِيّ لَأَرَي رَجُلًا لَن يخُزيَِ اللّهُ عَلَي لِسَانِهِ رَجُلًا مِنَ المُهَاجِرِينَ.
صفحه : 645
قَالَ أَبُو الفَرَجِ وَ فِي حَدِيثِ أَبِي زَيدٍ، عَنِ السرّيِّ، عَن عَبدِ الكَرِيمِ بنِ رُشَيدٍ، عَن أَبِي عُثمَانَ النهّديِّ أَنّهُ لَمّا شَهِدَ الشّاهِدُ الأَوّلُ عِندَ عُمَرَ تَغَيّرَ لَونُ عُمَرَ، ثُمّ جَاءَ الثاّنيِ فَشَهِدَ فَانكَسَرَ لِذَلِكَ انكِسَاراً شَدِيداً، ثُمّ جَاءَ الثّالِثُ فَشَهِدَ فَكَأَنّ الرّمَادَ نُثِرَ عَلَي وَجهِ عُمَرَ، فَلَمّا جَاءَ زِيَادٌ جَاءَ شَابّ يَخطِرُ بِيَدَيهِ،فَرَفَعَ عُمَرُ رَأسَهُ إِلَيهِ وَ قَالَ مَا عِندَكَ أَنتَ يَا سَلحَ العُقَابِ وَ صَاحَ أَبُو عُثمَانَ النهّديِّ صَيحَةً يحَكيِ صَيحَةَ عُمَرَ، قَالَ عَبدُ الكَرِيمِ لَقَد كِدتُ أَن يُغشَي عَلَيّ لِصَيحَتِهِ. قَالَ أَبُو الفَرَجِ فَكَانَ المُغِيرَةُ يُحَدّثُ، قَالَ فَقُمتُ إِلَي زِيَادٍ،فَقُلتُ لَا مَخبَأَ لِعِطرٍ بَعدَ عَرُوسٍ، يَا زِيَادُ أُذَكّرُكَ اللّهَ وَ أُذَكّرُكَ مَوقِفَ القِيَامَةِ وَ كِتَابَهُ وَ رَسُولَهُ أَن
صفحه : 646
تَتَجَاوَزَ إِلَي مَا لَم تَرَ، ثُمّ صِحتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّ هَؤُلَاءِ قَدِ احتَقَنُوا دمَيِ،فَاللّهَ اللّهَ فِي دمَيِ، قَالَ فَرَتَقَت[فَتَرَنّقَت]عَينَا زِيَادٍ وَ احمَرّ وَجهُهُ، وَ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَمّا أَن أَحُقّ مَا حَقّ القَومُ فَلَيسَ عنِديِ، وَ لكَنِيّ رَأَيتُ مَجلِساً قَبِيحاً، وَ سَمِعتُ نَفَساً حَثِيثاً وَ انتِهَاراً، وَ رَأَيتُهُ مُتَبَطّنَهَا. فَقَالَ عُمَرُ رَأَيتُهُ يُدخِلُ فِي فَرجِهَا كَالمِيلِ فِي المُكحُلَةِ. قَالَ لَا. قَالَ أَبُو الفَرَجِ وَ رَوَي كَثِيرٌ مِنَ الرّوَاةِ أَنّهُ قَالَ رَأَيتُهُ رَافِعاً رِجلَيهَا، وَ رَأَيتُ خُصيَيهِ مُتَرَدّدَينِ بَينَ فَخِذَيهَا، وَ رَأَيتُ حَفزاً شَدِيداً، وَ سَمِعتُ نَفَساً عَالِياً، فَقَالَ عُمَرُ رَأَيتَهُ يُدخِلُهُ وَ يُخرِجُهُ كَالمِيلِ فِي المُكحُلَةِ. قَالَ لَا. قَالَ عُمَرُ اللّهُ أَكبَرُ،قُم يَا مُغِيرَةُ إِلَيهِم فَاضرِبهُم،فَقَامَ المُغِيرَةُ إِلَي أَبِي بَكرَةَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَ ضَرَبَ
صفحه : 647
البَاقِينَ. وَ رَوَي قَومٌ أَنّ الضّارِبَ لَهُمُ الحَدّ لَم يَكُنِ المُغِيرَةَ. قَالَ وَ أَعجَبَ عُمَرَ قَولُ زِيَادٍ وَ دَرَأَ الحَدّ عَنِ المُغِيرَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكرَةَ بَعدَ أَن ضُرِبَ أَشهَدُ أَنّ المُغِيرَةَ فَعَلَ كَذَا .. وَ كَذَا،فَهَمّ عُمَرُ بِضَربِهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِن ضَرَبتَهُ رَجَمتُ صَاحِبَكَ، وَ نَهَاهُ عَن ذَلِكَ. قَالَ أَبُو الفَرَجِ يعَنيِ إِن ضَرَبَهُ يَصِيرُ شَهَادَتُهُ شَهَادَتَينِ فَيُوجِبُ بِذَلِكَ الرّجمَ عَلَي المُغِيرَةِ. قَالَ وَ استَتَابَ عُمَرُ أَبَا بَكرَةَ، قَالَ إِنّمَا تسَتتَيِبنُيِ لِتَقبَلَ شهَاَدتَيِ. قَالَ أَجَل. قَالَ فإَنِيّ لَا أَشهَدُ بَينَ اثنَينِ مَا بَقِيتُ فِي الدّنيَا. قَالَ فَلَمّا ضُرِبُوا الحَدّ، قَالَ المُغِيرَةُ اللّهُ أَكبَرُ الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي أَخزَاكُم. فَقَالَ عُمَرُ اسكُت أَخزَي اللّهُ مَكَاناً رَأَوكَ فِيهِ. قَالَ وَ قَامَ أَبُو بَكرَةَ عَلَي قَولِهِ، وَ كَانَ يَقُولُ وَ اللّهِ مَا أَنسَي قَطّ فَخِذَيهَا، وَ تَابَ الِاثنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا، وَ كَانَ أَبُو بَكرَةَ بَعدَ ذَلِكَ إِذَا طُلِبَ إِلَي شَهَادَةٍ يَقُولُ اطلُبُوا غيَريِ، فَإِنّ زِيَاداً أَفسَدَ عَلَيّ شهَاَدتَيِ .. قَالَ أَبُو الفَرَجِ وَ حَجّ عُمَرُ بَعدَ ذَلِكَ مَرّةً فَوَافَقَ الرّقطَاءَ بِالمَوسِمِ،فَرَآهَا وَ كَانَتِ المُغِيرَةُ يَومَئِذٍ هُنَاكَ فَقَالَ عُمَرُ لِلمُغِيرَةِ وَيحَكَ أَ تَتَجَاهَلُ عَلَيّ، وَ اللّهِ مَا أَظُنّ أَبَا بَكرَةَ كَذَبَ عَلَيكَ، وَ مَا رَأَيتُكَ إِلّا خِفتُ أَن أُرمَي بِحِجَارَةٍ مِن السّمَاءِ.
صفحه : 648
قَالَ وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بَعدَ ذَلِكَ يَقُولُ إِن ظَفِرتُ بِالمُغِيرَةِ لَأَتبَعتُهُ أَحجَارَهُ.
قال ابن أبي الحديد بعدإيراد تلك الأخبار وغيرها فهذه الأخبار كماتراها تدلّ متأمّلها علي أنّ الرجل زني بالمرأة لامحالة، و كلّ كتب التواريخ والسير يشهد بذلك ، وإنّما اقتصرنا نحن منها علي ما في هذين الكتابين .
وَ قَد رَوَي المدَاَئنِيِّ أَنّ المُغِيرَةَ كَانَ أَزنَي النّاسِ فِي الجَاهِلِيّةِ، فَلَمّا دَخَلَ فِي الإِسلَامِ قَيّدَهُ الإِسلَامُ، وَ بَقِيَت عِندَهُ مِنهُ بَقِيّةٌ ظَهَرَت فِي أَيّامِ وِلَايَتِهِ بِالبَصرَةِ،
ثم أورد في ذلك روايات أخر تركناها اختصارا. و قال الشيخ قدّس اللّه روحه في تلخيص الشافي فإن قالوا لم يعطّل الحدّ وإنّما لم يتكامل الشهادة، وإرادة الرابع لأن يشهد لاتكمل بهاالبيّنة وإنّما تكمل بإقامتها .. و قوله أري وجه رجل لايفضح اللّه علي يده رجلا .. سائغ صحيح ،فجري مجري
مَا روُيَِ عَنهُ(ص ) مِن أَنّهُ أتُيَِ بِسَارِقٍ فَقَالَ لَهُ لَا تُقِرّ.
وَ قَالَ لِصَفوَانَ بنِ أُمَيّةَ لَمّا أَتَاهُ بِالسّارِقِ وَ أَمَرَ بِقَطعِهِ فَقَالَ هيَِ لَهُ يعَنيِ مَا سَرَقَ هَلّا قَبلَ أَن تأَتيِنَيِ بِهِ
، فلايمتنع أن يجب أن لاتكمل الشهادة، وينبّه الشاهد علي
صفحه : 649
أن لايشهد، وجلد الثلاثة من حيث صاروا قذفة،قالوا ليس حالهم و قدشهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة عليه ،لأنّ الحيلة في إزالة الحدّ عنه و لمّا تكاملت الشهادة ممكنة بتلقين وتنبيه وغيره ، و لاحيلة فيما قدوقع من الشهادة،فلذلك حدّهم، و ليس في إقامة الحدّ عليهم من الفضيحة ما في تكامل الشهادة علي المغيرة،لأنّه يتصوّر بأنّه زان ويحكم بذلك فيه ، و ليس كذلك حال الشهود،لأنّهم لايتصوّرون بذلك و إن وجب في الحكم أن يجعلوا في حكم القذفة، علي أنّه قيل إنّ القذف منهم كان تقدّم بالبصرة،لأنّهم صاحوا به في نواحي المسجد بأنّا نشهد بأنّك زان ،فلو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدّهم لامحالة،فلم يمكن في إزالة الحدّ عنهم ماأمكن في المغيرة، و ماروي من أنّ عمر إذارآه كان يقول لقد خفت أن يرميني اللّه بحجارة من السماء ..، غيرصحيح ، و لوصحّ لكان تأويله التخويف وإظهار قوّة الظنّ بصدق القوم لماشهدوا عليه ردعا له ، و غيرممتنع أن يحب أن لايفتضح لما كان متولّيا للبصرة من قبله ، وسكوت زياد عن إقامة الشهادة لايوجب تفسيقه ،لأنّا علمنا بالشرع أنّ له السكوت ، و لو كان فسقا لماولّاه أمير المؤمنين عليه السلام فارس ، و لماائتمنه علي أموال المسلمين ودمائهم .قيل لهم إنّما نسب عمر إلي تعطيل الحدّ من حيث كان في حكم
صفحه : 650
الثابت ، وإنّما بتلقينه لم تكمل الشهادة،لأنّ زيادا ماحضر إلّا ليشهد بما شهد به أصحابه ، و قدصرّح بذلك كماصرّحوا قبل حضورهم ، و لو لم يكن هذاهكذا لماشهد القوم قبله وهم لايعلمون هل حال زياد في ذلك كحالهم ،لكنّه أحجم في الشهادة لمارأي كراهيّة متوليّ الأمر لكمالها، وتصريحه بأنّه لايريد أن يعمل بموجبها. و من العجائب أن يطلب الحيلة في دفع الحدّ عن واحد و هو لايندفع إلّا بانصرافه إلي ثلاثة، فإن كان درأ الحدّ والاحتيال في دفعه من السنن المتّبعة،فدرؤه عن ثلاثة أولي من درئه عن واحد. وقولهم إن درء الحدّ عن المغيرة ممكن ، ودرؤه عن الثلاثة و قدشهدوا غيرممكن طريف ،لأنّه لو لم يلقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة لاندفع عن الثلاثة الحدّ،فكيف لاتكون الحيلة ممكنة فيما ذكروه ،بل لوأمسك عن الاحتيال جملة لمالحق الثلاثة حدّ. وقولهم إنّ المغيرة يتصوّر بصورة زان لوتكاملت الشهادة، و في هذا من الفضيحة ما ليس في حدّ الثلاثة .. غيرصحيح لأنّ الحكم في الأمرين واحد،لأنّ الثلاثة إذاحدّوا يظنّ بهم الكذب و إن جوّز أن يكونوا صادقين ، والمغيرة لوكملت الشهادة عليه بالزنا ظنّ ذلك به مع التجويز لأن يكون الشهود كذبة،فليس في أحد الأمرين إلّا ما في الآخر.
صفحه : 651
و ما
روُيَِ عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن أَنّهُ أتُيَِ بِسَارِقٍ فَقَالَ لَهُ لَا تُقِرّ
إن كان صحيحا لايشبه مانحن فيه ،لأنّه ليس في دفع الحدّ عن السارق ،إيقاع غيره في المكروه ، وقصّة المغيرة تخالف ذلك ، لماذكرناه . و أمّا
قَولُهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِصَفوَانَ هَلّا قَبلَ أَن تأَتيِنَيِ بِهِ ..
فلايشبه مانحن فيه ،لأنّه بيّن أنّ ذلك القول كان يسقط الحدّ لوتقدّم، و ليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحدود. و أمّا قولهم إنّ القذف منهم كان قدتقدّم فغير معروف ، والمرويّ خلافه ، والظاهر أنّه إنّما حدّهم عندنكول زياد عن الشهادة، و أنّ ذلك كان السبب في إيقاع الحدّ بهم . وتأويلهم لقول عمر لقد خفت أن يرميني اللّه بحجارة .. لايليق بما قالوه ،لأنّه يقتضي التندّم والتأسّف علي تفريط وقع ، و لم يخاف أن يرمي بالحجارة و هو لم يدرأ الحدّ عن مستحقّ له ، و لوأراد الردع والتخويف لمغيرة لأتي بكلام يليق بذلك و لايقتضي إضافة التفريط إلي نفسه ، وكونه واليا من قبله لايقتضي أن يدرأ الحدّ عنه ويعدل به إلي غيره . و أمّا قولهم إنّا ماكنّا نعلم أنّ زيادا كان يتمّم الشهادة .. فقد بينا أنّ ذلك كان معلوما بالظاهر، و من قرأ ماروي في هذه القصّة علم بلا شكّ أنّ
صفحه : 652
حال زياد كحال الثلاثة في أنّه إنّما حضر للشهادة، وإنّما عدل عنها لكلام عمر. وقولهم إنّ الشرع يبيحه السكوت . ليس بصحيح ،لأنّ الشرع قدحظر كتمان الشهادة. وقولهم لم يفسق زياد لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولّاه فارس .. فليس بشيء يعتمد،لأنّه لايمتنع أن يكون تاب بعد ذلك وأظهر توبته له عليه السلام ،فجاز أن يولّيه. و كان بعض أصحابنا يقول في قصّة المغيرة شيئا طيّبا و هومعتمد في باب الحجّة و هو أنّ زيادا إنّما امتنع من التصريح بالشهادة المطلوبة في الزنا، و قدشهد بأنّه شاهده بين شعبها الأربع وسمع نفسا عاليا،فقد صحّ علي المغيرة بشهادة الأربعة جلوسه منها جلوس مجلس الفاحشة .. إلي غير ذلك من مقدمات الزنا وأسبابه ،فألّا ضمّ إلي جلد الثلاثة تعزير هذا ألذي صحّ عنده بشهادة الأربعة ماصحّ من الفاحشة مثل تعريك أذنه أو ماجري مجراه من خفيف التعزير ويسيره ، وهل في العدول عن ذلك حين عدل عن لومه وتوبيخه والاستخفاف به إلّا ماذكروه من السبب ألذي يشهد الحال به ،انتهي كلامه رفع اللّه مقامه . وأقول اعترض ابن أبي الحديد وغيره علي هذاالكلام بوجوه سخيفة لاطائل في التعرّض لها لوهنها.
صفحه : 653
و قال ابن أبي الحديد في تضاعيف كلامه ورد في الخبر أنّ عمر قال للمغيرة ماأظنّ أبابكرة كذب عليك .. و قال تقديره أظنّه لم يكذب عليك ،انتهي . و لايخفي أنّ هذاإسناد معصيته إلي عمر،إذ لو لم يكن ذلك قذفا صريحا يوجب الحدّ فلاأقلّ يكون تعريضا يوجب التعزير،بل كذلك قوله مارأيتك إلّا خفت أن يرميني اللّه بحجارة من السماء وهل يقال مثل ذلك لمن ندب اللّه إلي درء الحدّ عنه وسمّي في كتابه من رماه بالفجور كاذبا، و لوأراد عمر أن يعظ المغيرة أمكنه أن يذكّره عذاب اللّه ويأمره بالاجتناب عن ارتكاب مساخطه علي وجه لايوجب قذفا، و لايتضمّن تعريضا. ثم إنّ ماذكروه أنّ سبب حبّه للمغيرة أنّه كان واليا من قبله فلاوجه له ،بل لايخفي علي من تتبّع أحوالهما أنّه لم يكن الباعث علي الحبّ و علي جعله واليا إلّا الاتّفاق في النفاق والاشتراك في بغض أمير المؤمنين عليه السلام .
صفحه : 654
كماروي أنّه كان من أصحاب الصحيفة الملعونة التي كتبوها لإخراج الخلافة عن أهل البيت عليهم السلام ، و لو لم يكن يحبّه حبّا شديدا فلم كان يتغيّر عندشهادة كلّ شاهد علي الوجه المتقدّم، مع أنّ المغيرة لم يكن ذا سابقة في الإسلام ، و من أهل الورع والاجتهاد حتي يتوهّم أنّه كان مثل ذلك سببا لحبّه، وبغض المغيرة لأمير المؤمنين عليه السلام كان أظهر من الشمس ، و قداعترف ابن أبي الحديد بذلك حيث قال قال أصحابنا البغداديّون من كان إسلامه علي هذاالوجه أي علي الخوف والمصلحة وكانت خاتمته ماتواتر الخبر به من لعن عليّ عليه السلام علي المنابر إلي أن مات علي هذاالفعل ، و كان المتوسط من عمره الزّنا، وإعطاء البطن والفرج سؤالهما، وممالاة الفاسقين ، وصرف الوقت إلي غيرطاعة اللّه،كيف نتولّاه و أيّ عذر لنا في الإمساك عنه و أن لانكشف للناس فسقه ... وذكر أخبارا كثيرة في أنّه لعنه اللّه كان يلعن عليّا عليه السلام علي المنبر ويأمر بذلك ، وكذا اشتهاره بالزنا في الجاهليّة والإسلام ممّا اعترف به ابن أبي الحديد،فكفي طعنا لعمر حبّه لمثل هذا الرجل مثل هذاالحبّ، وهل يظنّ أحد بعمر أنّه لم يكن يعلم بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام ، و قد كان سمع
النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لَا يُحِبّ عَلِيّاً إِلّا مُؤمِنٌ وَ لَا يُبغِضُهُ إِلّا كَافِرٌ مُنَافِقٌ.
صفحه : 655
، وَ قَالَ مَن غَالَي فِي مَهرِ ابنَتِهِ أَجعَلهُ فِي بَيتِ مَالِ المُسلِمِينَ،لِشُبهَةِ أَنّهُ رَأَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ زَوّجَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ بِخَمسِمِائَةِ دِرهَمٍ،فَقَامَت إِلَيهِ امرَأَةٌ وَ نَبّهَتهُ بِقَولِهِ تَعَالَي ...وَ آتَيتُم إِحداهُنّ قِنطاراً فَلا تَأخُذُوا مِنهُ شَيئاً عَلَي جَوَازِ المُغَالَاةِ، فَقَالَ كُلّ النّاسِ أَفقَهُ مِن عُمَرَ حَتّي المُخَدّرَاتِ فِي البُيُوتِ.
صفحه : 657
وأجيب بأنّه لم ينه نهي تحريم بل نهي تنزيه ، و قوله كلّ الناس أفقه من عمر .. علي طريق التواضع وكسر النفس . وأجاب السيد المرتضي رضي اللّه عنه بأنّ المرويّ أنّه منع من ذلك وحظره حتّي قالت له المرأة ماقالت ، و لو كان غيرحاظر للمغالاة لما كان في الآية حجّة عليه ، و لا كان لكلام المرأة موقع ، و لا كان يعترف لها بأنّها أفقه منه ،
صفحه : 658
بل كان الواجب عليه أن يردّ عليها ويوبّخها ويعرّفها أنّه ماحظر ذلك وإنّما تكون الآية حجّة عليه لو كان حاظرا مانعا. و أمّا التواضع فلايقتضي إظهار القبيح وتصويب الخطإ،إذ لو كان الأمر علي ماتوهّمه المجيب لكان هوالمصيب والمرأة مخطئة، وكيف يتواضع بكلام يوهم أنّه المخطئ وهي المصيبة انتهي .أقول وممّا يدلّ علي بطلان كون هذاالأمر للاستحباب
مَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ نَهجِ البَلَاغَةِ أَنّهُ خَطَبَ فَقَالَ لَا يبَلغُنُيِ أَنّ امرَأَةً تَجَاوَزَ صَدَاقُهَا صَدَاقَ زَوجَاتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] إِلّا ارتَجَعتُ ذَلِكَ مِنهَا،فَقَامَت إِلَيهِ امرَأَةٌ فَقَالَت وَ اللّهِ مَا جَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ لَكَ،إِنّهُ تَعَالَي يَقُولُوَ آتَيتُم إِحداهُنّ قِنطاراً فَلا تَأخُذُوا مِنهُ شَيئاً...، فَقَالَ عُمَرُ لَا تَعجَبُونَ مِن إِمَامٍ أَخطَأَ وَ امرَأَةٍ أَصَابَت،نَاضَلَت إِمَامَكُم فَنَضَلَتهُ.
والمناضلة المغالبة في الرمّي، ونضلته .. أي غلبته فيه ، فإنّ كراهة
صفحه : 659
المغالاة لايقتضي جواز الارتجاع ،بل استلزام الحرمة له أيضا محلّ تأمّل.
وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ أَيضاً فِي شَرحِ غَرِيبِ أَلفَاظِ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ أَنّهُ خَطَبَ، فَقَالَ أَلَا لَا تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النّسَاءِ، فَإِنّ الرّجُلَ يغُاَليِ بِصَدَاقِ المَرأَةِ حَتّي يَكُونُ ذَلِكَ لَهَا فِي قَلبِهِ عَدَاوَةٌ، يَقُولُ جَشِمتُ إِلَيكِ عَرَقَ القِربَةِ.
قال أبوعبيدة معناه تكلّفت لك حتي عرقت عرق القربة، وعرقها سيلان مائها.
وَ قَالَ الفَخرُ الراّزيِّ فِي تَفسِيرِهِ روُيَِ أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ قَالَ عَلَي المِنبَرِأَلَا لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ نِسَائِكُم،فَقَامَتِ امرَأَةٌ فَقَالَت يَا ابنَ الخَطّابِ اللّهُ يُعطِينَا وَ أَنتَ تَمنَعُنَا، وَ تَلَت قَولَهُ تَعَالَيوَ آتَيتُم إِحداهُنّ قِنطاراً...
صفحه : 660
الآيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ كُلّ النّاسِ أَفقَهُ مِنكَ يَا عُمَرُ، وَ رَجَعَ عَن كَرَاهَةِ المُغَالَاةِ.
ثم قال وعندي أنّ الآية لادلالة فيها علي جواز المغالاة،لأنّه لايلزم من جعل الشيء شرطا لآخر كون ذلك الشرط جائز الوقوع في نفسه ، كما يقول الرجل لو كان الإله جسما لكان محدثا،انتهي . والظاهر أنّه حذف منها ارتجاع المهر دفعا للطعن بذلك ، وليتمكّن من حملها علي الكراهة، إلّا أنّه مع قطع النظر عنه لايدفع الطعن ، فإنّ الآية بعدتسليم دلالتها علي جواز إيتاء القنطار لاشكّ في عدم دلالتها علي نفي كراهة المغالاة،فرجوع عمر عن القول بالكراهة كمااعترف به واعترافه بالخطإ بما تلت عليه المرأة دليل واضح علي جهله ، و لوحمل منعه علي التحريم لم يظهر جهله بتلك المثابة، و إن كان أفحش في مخالفته الشرع ،فظهر أنّ الحمل علي الكراهةلا يُسمِنُ وَ لا يغُنيِ مِن جُوعٍ. والظاهر من رواية ابن أبي الحديد أنّه منع من المغالاة علي سبيل الاجتهاد،لظنّه أنّه مثمر للعداوة في قلب الزوج ،فرجوعه عن ذلك القول بعدسماع الآية كمادلّت عليه الروايات يدلّ علي جواز الاجتهاد في مقابلة النصّ، و إلّا لمااعترف بالخطإ و لم يرجع عن قوله ، و لوجاز فرجوعه عن اجتهاده بسماع الآية دليل واضح علي جهله ،فظهر توجّه الطعن سواء كانت المغالاة مباحة أومحرّمة أومكروهة.
صفحه : 661
مَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ وَ غَيرُهُ أَنّ عُمَرَ كَانَ يَعُسّ لَيلَةً فَمَرّ بِدَارٍ سَمِعَ فِيهَا صَوتاً فَارتَابَ وَ تَسَوّرَ فَوَجَدَ رَجُلًا عِندَهُ امرَأَةٌ وَ زِقّ خَمرٍ، فَقَالَ يَا عَدُوّ اللّهِ أَ ظَنَنتَ أَنّ اللّهَ يَستُرُكَ وَ أَنتَ عَلَي مَعصِيَتِهِ. فَقَالَ لَا تَعجَل يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِن كُنتُ أَخطَأتُ فِي وَاحِدَةٍ فَقَد أَخطَأتَ فِي ثَلَاثٍ، قَالَ اللّهُوَ لا تَجَسّسُوا وَ تَجَسّستَ، وَ قَالَوَ أتُوا البُيُوتَ مِن أَبوابِها وَ قَد تَسَوّرتَ،
صفحه : 662
وَ قَالَفَإِذا دَخَلتُم بُيُوتاً فَسَلّمُوا وَ مَا سَلّمتَ. قَالَ فَهَل عِندَكَ مِن خَيرٍ إِن عَفَوتُ عَنكَ. قَالَ نَعَم وَ اللّهِ لَا أَعُودُ. فَقَالَ اذهَب فَقَد عَفَوتُ عَنكَ. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي فَلَحِقَهُ الخجل .
و قدحكي تلك القصّة في الصراط المستقيم ، عن الطبري، والرازي، والثعلبي، والقزويني، والبصري، و عن الراغب في محاضراته ، والغزالي في الإحياء، والمالكي في قوت القلوب . و قال الشيخ الطبرسي رحمه اللّه في مجمع البيان
وَ روُيَِ عَن أَبِي قِلَابَةَ أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ حُدّثَ أَنّ أَبَا مِحجَنٍ الثقّفَيِّ يَشرَبُ الخَمرَ فِي بَيتِهِ هُوَ وَ أَصحَابُهُ،فَانطَلَقَ عُمَرُ حَتّي دَخَلَ عَلَيهِ، فَإِذَا لَيسَ عِندَهُ إِلّا رَجُلٌ، فَقَالَ أَبُو المِحجَنِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّ هَذَا لَا يَحِلّ لَكَ، قَد نَهَاكَ اللّهُ عَنِ التّجَسّسِ. فَقَالَ عُمَرُ مَا يَقُولُ هَذَا. فَقَالَ زَيدُ بنُ ثَابِتٍ وَ عَبدُ اللّهِ بنُ الأَرقَمِ صَدَقَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ فَخَرَجَ عُمَرُ وَ تَرَكَهُ، وَ خَرَجَ مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ أَيضاً عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوفٍ فَتَبَيّنَت لَهُمَا نَارٌ فَأَتَيَا وَ استَأذَنَا فَفُتِحَ البَابُ فَدَخَلَا، فَإِذَا رَجُلٌ وَ امرَأَةٌ تغُنَيّ وَ عَلَي يَدِ الرّجُلِ قَدَحٌ، فَقَالَ عُمَرُ مَن هَذِهِ مِنكَ. قَالَ امرأَتَيِ. قَالَ وَ مَا فِي هَذَا القَدَحِ. قَالَ المَاءُ، فَقَالَ لِلمَرأَةِ مَا ألّذِي تُغَنّينَ،قَالَت أَقُولُ
صفحه : 663
تَطَاوَلَ هَذَا اللّيلُ وَ اسوَدّ جَانِبُهُ | وَ أرَقّنَيِ إِلّا حَبِيبٌ أُلَاعِبُهُ |
فَوَ اللّهِ لَو لَا خَشيَةُ اللّهِ وَ التّقَي | لَزُعزِعَ مِن هَذَا السّرِيرِ جَوَانِبُهُ |
وَ لَكِنّ عقَليِ وَ الهَوَاءَ يكَفُنّيِ | وَ أُكرِمُ بعَليِ أَن تُنَالَ مَرَاكِبُهُ |
فَقَالَ الرّجُلُ مَا بِهَذَا أُمِرنَا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ اللّهُ تَعَالَيوَ لا تَجَسّسُوا، فَقَالَ عُمَرُ صَدَقتَ، وَ انصَرَفَ.
صفحه : 664
وأجيب بأنّ للإمام أن يجتهد في إزالة المنكر بهذا الجنس من الفعل ، وإنّما لحقه الخجل .. لأنّه لم يصادف الأمر علي ماألقي إليه في إقدامهم علي المنكر. وأجاب السيد المرتضي رضوان اللّه عليه ب أنّ التجسّس محظور بالقرآن والسنّة، و ليس للإمام أن يجتهد فيما يؤديّ إلي مخالفة الكتاب والسنة، و قد كان يجب إن كان هذاعذرا صحيحا أن يعتذر به إلي من خطّأه في وجهه ، و قال له إنّك أخطأت السنّة من وجوه ،فإنّه بمعاذير نفسه أعلم من غيره ، وتلك الحال حال تدعو إلي الاحتجاج وإقامة العذر، و كلّ هذاتلزيق وتلفيق .انتهي . و لايخفي أنّ قولهم إنّما لحقه الخجل لعدم مصادفته الأمر علي ماألقي إليه .. مخالف لمارواه ابن أبي الحديد وغيره كماعرفت .
صفحه : 665
ثم إنّهم عدّوا من فضائل عمر أنّه أوّل من عسّ في عمله نفسه ،لزعمهم أنّ ذلك أحري بسياسة الرعيّة، و قدظهر من مخالفته لصريح الآية أنّه من جملة مطاعنه ، و لو كان خيرا لماتركه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، ولكان اللّه تعالي يأمر بذلك ،فعدّهم ذلك من فضائله ترجيح لرأي عمر علي ماقضي اللّه ورسوله به ، وهل هذا إلّا كفر صريح .
ماورد في جميع صحاحهم و إن لم يتعرّض له أكثر أصحابنا، و هوعندي من أفحش مطاعنه وأثبتها و هو أنّه ترك الصلاة لفقد الماء، وأمر من أجنب و لم يجد الماء أن لايصليّ من غيراستناد إلي شبهة، كما
رَوَي البخُاَريِّ وَ مُسلِمٌ وَ أَبُو دَاوُدَ وَ النسّاَئيِّ وَ صَاحِبُ جَامِعِ الأُصُولِ، عَن شَقِيقٍ قَالَكُنتُ جَالِساً مَعَ عَبدِ اللّهِ وَ أَبِي مُوسَي الأشَعرَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَي لَو أَنّ رَجُلًا أَجنَبَ وَ لَم يَجِدِ المَاءَ شَهراً أَ مَا كَانَ يَتَيَمّمُ وَ يصُلَيّ وَ كَيفَ تَصنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ
صفحه : 666
المَائِدَةِفَلَم تَجِدُوا ماءً فَتَيَمّمُوا صَعِيداً طَيّباً، فَقَالَ عَبدُ اللّهِ لَو رُخّصَ لَهُم فِي هَذَا لَأَوشَكُوا إِذَا بَرُدَ عَلَيهِمُ المَاءُ أَن يَتَيَمّمُوا الصّعِيدَ. قُلتُ وَ إِنّمَا كَرِهتُم هَذَا لِذَا. قَالَ نَعَم. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَي أَ لَم تَسمَع قَولَ عَمّارٍ لِعُمَرَ بعَثَنَيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فِي حَاجَةٍ فَأَجنَبتُ فَلَم أَجِدِ المَاءَ فَتَمَرّغتُ فِي الصّعِيدِ كَمَا يَتَمَرّغُ الدّابّةُ،فَذَكَرتُ ذَلِكَ للِنبّيِّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ إِنّمَا كَانَ يَكفِيكَ أَن تَصنَعَ هَكَذَا .. فَضَرَبَ بِكَفّهِ ضَربَةً عَلَي الأَرضِ ثُمّ نَفَضَهَا ثُمّ مَسَحَ ظَهرَ كَفّهِ بِشِمَالِهِ، أَو ظَهرَ شِمَالِهِ بِكَفّهِ، ثُمّ مَسَحَ بِهِمَا وَجهَهُ، فَقَالَ عَبدُ اللّهِ أَ لَم تَرَ عُمَرَ لَم يَقنَع بِقَولِ عَمّارٍ.
قَالَ البخُاَريِّ وَ زَادَ يَعلَي، عَنِ الأَعمَشِ، عَن شَقِيقٍ، قَالَكُنتُ مَعَ عَبدِ اللّهِ وَ أَبِي مُوسَي، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَي أَ لَم تَسمَع قَولَ عَمّارٍ لِعُمَرَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بعَثَنَيِ أَنَا وَ أَنتَ،فَأَجنَبتُ،فَتَمَعّكتُ فِي الصّعِيدِ فَأَتَينَا
صفحه : 667
رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَأَخبَرنَاهُ، فَقَالَ إِنّمَا يَكفِيكَ هَكَذَا .. وَ مَسَحَ وَجهَهُ وَ كَفّيهِ وَاحِدَةً.
وَ رَوَي البخُاَريِّ أَيضاً فِي مَوضِعٍ آخَرَ، عَن شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ كُنتُ عِندَ عَبدِ اللّهِ وَ أَبِي مُوسَي، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَي أَ رَأَيتَ يَا أَبَا عَبدِ الرّحمَنِ إِذَا أَجنَبَ فَلَم يَجِد مَاءً كَيفَ يَصنَعُ. فَقَالَ عَبدُ اللّهِ لَا يصُلَيّ حَتّي يَجِدَ المَاءَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَي كَيفَ تَصنَعُ بِقَولِ عَمّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] كَانَ يَكفِيكَ .. قَالَ أَ لَم تَرَ عُمَرَ لَم يَقنَع بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو مُوسَي فَدَعنَا مِن قَولِ عَمّارٍ،كَيفَ تَصنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ،فَمَا دَرَي عَبدُ اللّهِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ إِنّا لَو رَخّصنَا لَهُم فِي هَذَا لَأَوشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَي أَحَدِهِمُ المَاءُ أَن يَدَعَهُ وَ يَتَيَمّمَ، قَالَ الأَعمَشُ فَقُلتُ لِشَقِيقٍ فَإِنّهَا كَرِهَ عَبدُ اللّهِ لِهَذَا. قَالَ نَعَم.
وَ رَوَي البخُاَريِّ أَيضاً، عَن أَبِي وَابِلٍ، قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَي لِعَبدِ اللّهِ بنِ مَسعُودٍ إِذَا لَم يَجِدِ المَاءَ لَا يصُلَيّ. قَالَ عَبدُ اللّهِ لَو رَخّصتُ لَهُم فِي هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ البَردَ قَالَ هَكَذَا يعَنيِ تَيَمّمَ وَ صَلّي، قَالَ قُلتُ فَأَينَ قَولُ عَمّارٍ لِعُمَرَ. قَالَ إنِيّ لَم أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَولِ عَمّارٍ.
وَ رَوَي أَيضاً، عَن سَعِيدِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَن أَبِيهِ، قَالَجَاءَ رَجُلٌ إِلَي
صفحه : 668
عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، فَقَالَ إنِيّ أَجنَبتُ فَلَم أُصِبِ المَاءَ. فَقَالَ عُمَرُ لَا تُصَلّ. فَقَالَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ أَ مَا تَذكُرُ أَنّا كُنّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَ أَنتَ،فَأَمّا أَنتَ فَلَم تُصَلّ، وَ أَمّا أَنَا فَتَمَعّكتُ فَصَلّيتُ،فَذَكَرتُ للِنبّيِّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، فَقَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]إِنّمَا كَانَ يَكفِيكَ هَكَذَا .. فَضَرَبَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]بِكَفّيهِ الأَرضَ وَ نَفَخَ فِيهِمَا، ثُمّ مَسَحَ بِهِمَا وَجهَهُ وَ كَفّيهِ.
وَ رَوَي مُسلِمٌ بِالإِسنَادِ المَذكُورِ إِلَي قَولِهِ ثُمّ تَمسَحُ بِهِمَا وَجهَكَ وَ كَفّيكَ، فَقَالَ عُمَرُ اتّقِ اللّهَ يَا عَمّارُ. فَقَالَ إِن شِئتَ لَم أُحَدّث بِهِ. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي لِمُسلِمٍ، فَقَالَ عُمَرُ نُوَلّيكَ مَا تَوَلّيتَ. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي لَهُ، قَالَ عَمّارٌ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِن شِئتَ لِمَا جَعَلَ اللّهُ عَلَيّ مِن حَقّكَ أَلّا أُحَدّثَ بِهِ أَحَداً.
صفحه : 669
وَ قَالَ فِي جَامِعِ الأُصُولِ بَعدَ حِكَايَةِ رِوَايَةِ البخُاَريِّ وَ مُسلِمٍ وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنّهُ قَالَ كُنتُ عِندَ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ إِنّا نَكُونُ بِالمَكَانِ الشّهرَ وَ الشّهرَينِ، فَقَالَ عُمَرُ أَمّا أَنَا فَلَم أَكُن أصُلَيّ حَتّي أَجِدَ المَاءَ. قَالَ فَقَالَ عَمّارٌ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَ مَا تَذكُرُ إِذ كُنتُ أَنَا وَ أَنتَ فِي الإِبِلِ فَأَصَابَتنَا جَنَابَةٌ،فَأَمّا أَنَا فَتَمَعّكتُ فَأَتَيتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَذَكَرتُ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنّمَا يَكُونُ يَكفِيكَ أَن تَقُولُ هَكَذَا .. وَ ضَرَبَ بِيَدَيهِ الأَرضَ ثُمّ نَفَخَهُمَا ثُمّ مَسَحَ بِهِمَا وَجهَهُ وَ يَدَيهِ إِلَي نِصفِ الذّرَاعِ. فَقَالَ عُمَرُ يَا عَمّارُ اتّقِ اللّهَ. فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِن شِئتَ وَ اللّهِ لَم أَذكُرهُ أَبَداً. فَقَالَ عُمَرُ كَلّا وَ اللّهِ لَنُوَلّيَنّكَ مِن ذَلِكَ مَا تَوَلّيتَ ..
ثم ذكر أربع روايات في ذلك عن أبي داود. وروي عن النسائي أيضا أخبار قريبة المضامين من الأخبار الأخيرة. والتمعّك التمرّغ.
صفحه : 670
و قال في جامع الأصول في قوله نولّيك ماتولّيت .. أي نكلك إلي ما قلت ، ونرد إليك ماولّيته نفسك ورضيت لها به . فإذاوقفت علي هذه الأخبار التي لايتطرّق للمخالفين فيهاسبيل إلي الإنكار فنقول لاتخلو الحال من أن يكون عمر حين أمر السائل بترك الصلاة لفقدان الماء وعدم إذعانه لقول عمّار، و قوله أمّا أنافلم أكن أصليّ حتّي أجد الماء .. عالما بشرعيّة التيمّم ووجوب الصلاة علي فاقد الماء،متذكّرا للآية وأمر النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أوجاهلا بذلك غيرمتذكّر للكتاب والسنّة. فإن كان الأول كما هوالظاهر كان إنكاره التيمّم ردّا صريحا علي اللّه و علي رسوله صلّي اللّه عليه وآله و ليس تخصيصا أوتقييدا للنصّ بالاجتهاد،بل رفعا لحكمه رأسا لظنّ استلزامه الفساد، و هوإسناد للأمر بالقبيح إلي اللّه عزّ و جلّ وتجهيل له ، تعالي عن ذلك علوّا كبيرا، و ذلك كفر صريح . و إن كان الثاني، كان ذلك دليلا واضحا علي غاية جهله وعدم صلوحه للإمامة، فإنّ من لم يعلم في أزيد من عشرين سنة مثل هذاالحكم ألذي تعمّ بلواه و لايخفي علي العوامّ، و كان مصرّحا به في موضعين من كتاب اللّه عزّ و جلّ، ولعلّه لعمله تعالي بإنكار هذااللعين كرّره في الكتاب المبين وأمر به رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في غيرموطن ، كمايظهر بالرجوع إلي رواياتهم المنقولة في جامع الأصول وسائر كتبهم ، واستمرّ عليه عمل الأمّة في تلك المدّة مع تكرّر وقوعه ،كيف يكون أهلا للإمامة صالحا للرئاسة العامّة لاسيّما و في القوم صادق مصدّق
يَقُولُسلَوُنيِ قَبلَ أَن تفَقدِوُنيِ فَلَأَنَا بِطُرُقِ السّمَاءِ أَعلَمُ منِيّ بِطُرُقِ
صفحه : 671
الأَرضِ.
صفحه : 672
وَ يَقُولُ لَو ثُنِيَت لِيَ الوِسَادَةُ لَحَكَمتُ بَينَ أَهلِ التّورَاةِ بِتَورَاتِهِم، وَ بَينَ أَهلِ الإِنجِيلِ بِإِنجِيلِهِم، وَ بَينَ أَهلِ الفُرقَانِ بِفُرقَانِهِم، حَتّي يَزهَرَ كُلّ إِلَي رَبّهِ وَ يَقُولَ إِنّ عَلِيّاً قَضَي فِينَا بِقَضَائِكَ،
وَ يَقُولُ علَمّنَيِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَلفَ بَابٍ يُفتَحُ مِن كُلّ بَابٍ أَلفُ بَابٍ.
وَ يَشهَدُ لَهُ الرّسُولُ الأَمِينُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِأَنّهُ بَابُ مَدِينَةِ العِلمِ، وَ أَقضَي الأُمّةِ.
والعجب أنّه ... لم يكن يجوّز خلافة عبد اللّه ابنه عندموته معتلا بأنّه لم يعرف كيف يطلق امرأته ، و من يجهل مثل ذلك لايصلح للإمامة فكيف يجوّز اتّباعه وإمامته مع جهله مثل هذاالحكم البيّن المنصوص عليه بالكتاب والسنّة. و لايخفي علي المتأمّل الفرق بين الأمرين من وجوه شتّي
صفحه : 673
منها أنّ الطلاق أمر نادر الوقوع ، والصلاة بالتيمّم أكثر وقوعا. ومنها أنّ الصلاة أدخل في الدين من النكاح والطلاق . ومنها أنّ بطلان هذاالنوع من الطلاق لم يظهر من الكتاب والسنّة ظهور وجوب التيمّم. ومنها أنّ فعل ابنه كان في زمن الرسول صلّي اللّه عليه وآله وبدو نزول الحكم ، وإنكاره كان بعدظهور الإسلام وانتشار الأحكام . ومنها أنّ جهل ابنه ارتفع بالتنبيه ، و هو قدأصرّ بعدالتذكير والإعلام . و في الفرق وجوه أخر تركناها للمتدبّر. والحقّ أنّ ادّعاء الجهل منه في مثل تلك المسألة الضروريّة المتكرّرة الوقوع ليس من ادّعاء الشبهة المحتملة،بل يجب الحكم بكفره بمجرّد ذلك الإنكار، ويدلّ علي أنّ إنكاره لم يكن للجهل ،بل كان ردّا علي اللّه سبحانه و تعالي وتقبيحا لحكمه ،إنّه لو كان للجهل لسأل غيره من الصحابة حتي يظهر له صدق ماذكره عمّار أوكذبه ،فيحكم بعد ذلك بما كان يظهر له ، فإنّ ترك الخوض في تحقيق الحكم مع كون الخطب فيه جليلا لإفضائه إلي ترك الصلاة التي هي أعظم أركان الدين ، مع قرب العهد وسهولة تحقيق الحال ليس إلّا تخريبا للشريعة وإفسادا في الدين . و قال بعض الأفاضل يمكن أن يستدلّ به [ عليه ]بوجه أخصّ، و هو أنّه لاخلاف في أنّ من استحلّ ترك الصلاة فهو كافر، و لاريب في أنّ قوله أمّا أنافلم أكن أصليّ حتّي أجد الماء، بعدقول الرجل السائل إنّا نكون بالمكان الشهر والشهرين .. ونهيه السائل عن الصلاة كما في الروايات الأخر استحلال لترك الصلاة مع فقد الماء، و هوداخل في عموم
قَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن تَرَكَ
صفحه : 674
الصّلَاةَ مُتَعَمّداً فَقَد كَفَرَ ..
و لم يخصّصه أحدا إلّا بالمستحلّ.
صفحه : 675
اعلم أنّه يظهر من تلك الواقعة ضعف مايتشبّث به المخالفون في كثير من المواضع من ترك النكير، فإنّ بطلان هذاالحكم ومخالفته للإجماع أمر واضح ، و لم ينقل عن أحد من الصحابة إنكار ذلك عليه ، و قد قال عمّار بعدتذكيره بأمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله إن شئت لم أحدّث به أحدا .. خوفا من أن يلحقه ضرر بالردّ عليه والإنكار لفتياه ، و لم يكن عمّار في شكّ من روايته حتي يكون تركه الإنكار لفتياه ، و لم يكن عمّار في شكّ من روايته حتي يكون تركه الإنكار تصويبا لرأي عمر وتصديقا له ، و إذا كان ترك الإنكار في أمر التيمّم مع عدم تعلّق الأغراض الدنيويّة به للخوف أو غير ذلك ممّا لايدلّ علي التصويب ،فأمور الخلافة والسلطنة أحري بأن لا يكون ترك الإنكار فيهاحجّة علي صوابها.
إِنّهُ أَمَرَ بِرَجمِ حَامِلٍ حَتّي نَبّهَهُ مُعَاذٌ، وَ قَالَ إِن يَكُن لَكَ سَبِيلٌ عَلَيهَا فَلَا سَبِيلِ لَكَ عَلَي مَا فِي بَطنِهَا،فَرَجَعَ عَن حُكمِهِ، وَ قَالَ لَو لَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ.
صفحه : 676
و من جهل هذاالقدر لايجوز أن يكون إماما،لأنّه يجري مجري أصول الشرائع ،بل العقل يدلّ عليه ،لأنّ الرجم عقوبة، و لايجوز أن يعاقب من لايستحقّ. وأجاب عنه قاضي القضاة بأنّه ليس في الخبر أنّه أمر برجمها مع علمه بأنّها حامل ،لأنّه ليس ممّن يخفي عليه هذاالقدر و هو أنّ الحامل لاترجم حتي تضع وإنّما ثبت عنده زناها فأمر برجمها علي الظاهر، وإنّما قال ما قال في معاذ لأنّه نبّهه علي أنّها حامل . قال فإن قيل إذا لم يكن منه معصية فكيف يهلك لو لامعاذ.قلنا لم يرد الهلك من جهة العذاب ، وإنّما أراد أن يجري بقوله قتل من لايستحقّ القتل ، كمايقال للرجل هلك من الفقر، وصار سبب القتل خطأ. ويجوز أن يريد بذلك تقصيره في تعرّف حالها،لأنّ ذلك لايمتنع أن
صفحه : 677
يكون خطيئة و إن صغرت . وأورد عليه السيد المرتضي رضوان اللّه عليه بأنّه لو كان الأمر علي ماظنّه لم يكن تنبيه معاذ علي هذاالوجه ،بل كان يجب أن ينبّهه بأن يقول هي حامل ، و لا يقول له إن كان لك عليها سبيل فلاسبيل لك علي ما في بطنها،لأنّ ذلك قول من عنده أنّه يرجمها مع العلم بحالها، وأقلّ مايجب لو كان الأمر كماظنّه أن يقول لمعاذ ماذهب عليّ أنّ الحامل لاترجم ، وإنّما أمرت برجمها لفقد علمي بحملها،فكان ينفي بهذا القول عن نفسه الشبهة. و في إمساكه عنه مع شدّة الحاجة إليه دليل علي صحّة قولنا، و قد كان يجب أيضا أن يسأل عن الحمل لأنّه أحد الموانع من الرجم ، فإذاعلم انتفاؤه أمر بالرجم ، وصاحب الكتاب قداعترف بأنّ ترك المسألة عن ذلك تقصير وخطيئة، وادّعي أنّهما صغيرة، و من أين له ذلك و لادليل عنده يدلّ في غيرالأنبياء عليهم السلام أنّ معصيته بعينها صغيرة.
صفحه : 678
فأمّا إقراره بالهلاك لو لاتنبيه معاذ .. فهو يقتضي التفخيم والتعظيم لشأن الفعل ، و لايليق ذلك إلّا بالتقصير الواقع ،إمّا في الأمر برجمها مع العلم بأنّها حامل ، أوترك البحث عن ذلك والمسألة عنه ، و أيّ لوم في أن يجري بقوله قتل من لايستحقّ القتل إذا لم يكن ذلك عن تفريط و لاتقصير.انتهي كلامه رفع اللّه مقامه .
وَ مِمّا يُؤَيّدُهُ هَذِهِ القِصّةُ، مَا رَوَاهُ الشّيخُ المُفِيدُ رَحِمَهُ اللّهُ فِي الإِرشَادِ أَنّهُ أتُيَِ عُمَرُ بِحَامِلٍ قَد زَنَت فَأَمَرَ بِرَجمِهَا، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ هَب أَنّ لَكَ سَبِيلًا عَلَيهَا، أَيّ سَبِيلٍ لَكَ عَلَي مَا فِي بَطنِهَا وَ اللّهُ تَعَالَي يَقُولُوَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخري. فَقَالَ عُمَرُ لَا عِشتُ لِمُعضِلَةٍ لَا يَكُونُ لَهَا أَبُو الحَسَنِ.
صفحه : 679
وَ حَكَي فِي كَشفِ الغُمّةِ مِن مَنَاقِبِ الخوُاَرزِميِّ أَنّهُ قَالَ أتُيَِ عُمَرُ فِي وِلَايَتِهِ بِامرَأَةٍ حَامِلَةٍ فَسَأَلَهَا عُمَرُ فَاعتَرَفَت بِالفُجُورِ،فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَن تُرجَمَ،فَلَقِيَهَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ مَا بَالُ هَذِهِ.فَقَالُوا أَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَن تُرجَمَ،فَرَدّهَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ أَمَرتَ بِهَا أَن تُرجَمَ. فَقَالَ نَعَم،اعتَرَفَت عنِديِ بِالفُجُورِ. فَقَالَ هَذَا سُلطَانُكَ عَلَيهَا،فَمَا سُلطَانُكَ عَلَي مَا فِي بَطنِهَا. ثُمّ قَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَلَعَلّكَ انتَهَرتَهَا أَو أَخَفتَهَا. فَقَالَ قَد كَانَ ذَاكَ. قَالَ أَ وَ مَا سَمِعتَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لَا حَدّ عَلَي مُعتَرِفٍ بَعدَ بَلَاءٍ،إِنّهُ مَن قَيّدتَ أَو حَبَستَ أَو تَهَدّدتَ فَلَا إِقرَارَ لَهُ.فَخَلّي عُمَرُ سَبِيلَهَا،. ثُمّ قَالَ عَجَزَتِ النّسَاءُ أَن يَلِدنَ مِثلَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ( ع )، لَو لَا عَلِيّ لَهَلَكَ عُمَرُ.
صفحه : 680
وستأتي الأخبار في ذلك في باب قضاياه عليه السلام .
أَنّهُ أَمَرَ بِرَجمِ المَجنُونَةِ فَنَبّهَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ إِنّ القَلَمَ مَرفُوعٌ عَنِ المَجنُونِ حَتّي يُفِيقَ. فَقَالَ لَو لَا عَلِيّ لَهَلَكَ عُمَرُ.
صفحه : 681
و هذايدلّ علي أنّه لم يكن يعرف الظاهر من الشريعة. و قداعترف قاضي القضاة و ابن أبي الحديد وسائر من تصدّي للجواب عنه بصحّته.
وَ قَد حَكَي فِي كَشفِ الغُمّةِ مِن مَنَاقِبِ الخوُاَرزِميِّ مَرفُوعاً عَنِ الحَسَنِ، أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ أتُيَِ بِامرَأَةٍ مَجنُونَةٍ قَد زَنَت،فَأَرَادَ أَن يَرجُمَهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا عُمَرُ أَ مَا سَمِعتَ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ وَ مَا قَالَ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ عَنِ المَجنُونِ حَتّي يَبرَأَ، وَ عَنِ الغُلَامِ حَتّي يُدرِكَ، وَ عَنِ النّائِمِ حَتّي يَستَيقِظَ. قَالَ فَخَلّي عَنهَا.
وَ حَكَي فِي الطّرَائِفِ، عَن أَحمَدَ بنِ حَنبَلٍ فِي مُسنَدِهِ، عَنِ الحَسَنِ، مِثلَهُ.
قَالَ وَ ذَكَرَ أَحمَدُ فِي مُسنَدِهِ، عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، قَالَ كَانَ يَتَعَوّذُ بِاللّهِ
صفحه : 682
مِن مُعضِلَةٍ لَم يَكُن لَهَا أَبُو حَسَنٍ.
وحكاه العلّامة رحمه اللّه في كشف الحقّ من مسند أحمد. وأجاب عنه قاضي القضاة بأنّه ليس في الخبر أنّه عرف جنونها،فيجوز أن يكون ألذي نبّه عليه أمير المؤمنين عليه السلام هوجنونها دون الحكم ،لأنّه كان يعلم أنّ الحدّ لايقام في حال الجنون ، وإنّما قال لو لا عليّ لهلك عمر، لا من جهة المعصية والإثم ،لكن من جهة أنّ حكمه لونفذ لعظم غمّه، ويقال في شدّة الغمّ أنّه هلاك ، كمايقال في الفقر وغيره ، و ذلك مبالغة منه لما كان يلحقه من الغمّ ألذي زال بهذا التنبيه ، علي أنّ هذاالوجه ممّا لايمتنع في الشرع أن يكون صحيحا، و أن يقال إذاكانت مستحقّة للحدّ فإقامته عليها صحيحة و إن لم يكن لها عقل ،لأنّه لايخرج الحدّ من أن يكون واقعا موقعه ، و يكون قوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاثة .. يراد به زوال التكليف عنهم دون زوال
صفحه : 683
إجراء الحكم عليهم ، و ما هذه حاله لايمتنع أن يكون مشتبها فيرجع فيه إلي غيره ، فلا يكون الخطأ فيه ممّا يعظم فيمنع من صحّة الإمامة. وأورد عليه السيد المرتضي رضوان اللّه عليه بأنّه لو كان أمر برجم المجنونة من غيرعلم بجنونها لما قال له أمير المؤمنين عليه السلام أ ماعلمت أنّ القلم مرفوع عن المجنون حتّي يفيق بل كان يقول له بدلا عن ذلك هي مجنونة، و كان ينبغي أن يكون عمر لمّا سمع من التنبيه له علي مايقتضي الاعتقاد فيه أنّه أمر برجمها مع العلم بجنونها، يقول متبرّئا من الشبهة ماعلمت بجنونها، ولست ممّن يذهب عليه أنّ المجنون لايرجم ، فلمّا رأيناه استعظم ماأمر به و قال لو لا عليّ لهلك عمر .. دلّنا علي أنّه كان تأثّم وتحرّج بوقوع الأمر بالرجم ، و أنّه ممّا لايجوز و لايحلّ، و إلّا فلامعني لهذا الكلام . و أمّا ماذكره من الغمّ ألذي كان يلحقه .. فأيّ غمّ يلحقه إذافعل ما له أن يفعله ، و لم يكن منه تفريط و لاتقصير.لأنّه إذا كان جنونها لم يعلم به ، وكانت المسألة عن حالها والبحث لايجبان عليه ،فأيّ وجه لتأمّله وتوجّعه
صفحه : 684
واستعظامه لمافعله وهل هذا إلّا كرجم المشهود عليه بالزنا في أنّه لوظهر للإمام بعد ذلك براءة ساحته لم يجب أن يندم علي فعله ويستعظمه ،لأنّه وقع صوابا مستحقّا. و أمّا قوله إن كان لايمتنع في الشرع أن يقام الحدّ علي المجنون وتأوّله الخبر المرويّ علي أنّه يقتضي زوال التكليف دون الأحكام .. فإن أراد أنّه لايمتنع في العقل أن يقام علي المجنون ما هو من جنس الحدّ بغير استخفاف و لاإهانة فذلك صحيح كمايقام علي التأديب ، و أمّا الحدّ في الحقيقة و هو ألذي يضامه الاستخفاف والإهانة فلايقام إلّا علي المكلّفين ومستحقيّ العقاب ، وبالجنون قدزال التكليف فزال استحقاق العقاب ألذي يتبعه الحدّ. و قوله لايمتنع أن يرجع فيما هذاحاله من المشتبه إلي غيره .. فليس هذا من المشتبه الغامض ،بل يجب أن يعرفه العوام فضلا عن العلماء، علي أنّا قدبيّنا أنّه لايجوز أن يرجع الإمام في جلي و لامشتبه من أحكام الدين إلي غيره .
صفحه : 685
و قوله إنّ الخطأ في ذلك لايعظم فيمنع من صحّة الإمامة .. اقتراح بغير حجّة،لأنّه إذااعترف بالخطإ فلاسبيل للقطع علي أنّه صغير.انتهي كلامه قدّس سرّه.أقول ويرد علي ماذكره من أنّ الأمر في حدّ المجنون مقام الاشتباه فلاطعن في جهل عمر به ، و أن يرجع فيه إلي غيره .. أنّه لوكانت الشبهة لعمر ماذكره ،لكانت القصّة دليلا علي جهله من وجه آخر، و هو أنّه إذازعم عمر أنّ رفع القلم إنّما يستلزم زوال التكليف دون إجراء الحكم كماصرّح به كيف يكون تذكير أمير المؤمنين عليه السلام إيّاه بالحديث النبويّ دافعا للشبهة، وإنّما النزاع حينئذ في دلالة الخبر علي عدم جواز إجراء الحدّ عليه ،فرجوع عمر عندسماعه عمّا زعمه دليل واضح علي غاية جهله ، فإن ذكر الرواية حينئذ ليس إلّا من قبيل إعادة المدّعي. ثم اعلم أنّ الظاهر من كلام القاضي وغيره في هذاالمقام عدم تجويز الخطإ الفاحش علي الإمام و إن جوّزوا عليه الخطأ في الاجتهاد، ولعلّهم لم يجوّزوا ذلك لكونه كاشفا عن عدم أهليّة صاحبه للاجتهاد،إذ ليس أهليّة الاجتهاد غالبا ممّا يقوم عليه دليل سوي الآثار الدالّة عليها، وظاهر أنّ الأوهام الفاضحة كاشفة عن عدم تلك الأهليّة،فهي معارضة لمايستدلّ به عليها، ولذا تشبّث القاضي في مقام الجواب بكون الأمر في رجم المجنونة مشتبها، واستند إلي عدم دلالة
قَولِهِ عَلَيهِ السّلَامُ رُفِعَ القَلَمُ عَنِ المَجنُونِ ..
علي عدم إجراء الحكم ،إذ يمكن أن يكون المراد به زوال التكليف فقط، و قدعرفت أنّ ذلك لايصلح منشأ للاشتباه ،لكون
صفحه : 686
الخطأ حينئذ بالانتهاء عندسماع الخبر من دون إقامة دليل علي وجه الدلالة فيه أفحش ،فظهر أنّه لايمكنهم الجواب في هذاالمقام بأنّه إنّما كان خطأ عمر من قبيل خطإ المجتهد، و ليس يلحقه بذلك ذنب صغيرا وكبيرا، ولذلك طووا كشحا عمّا هومعقلهم الحصين بزعمهم من حديث الاجتهاد، وسلّموا علي تقدير علم عمر بجنونها كون الأمر بالرجم خطيئة.فظهر ضعف ماأجاب به شارح المقاصد عن الطعن برجم الحامل والمجنونة ومنع المغالاة في الصداق من أنّ الخطأ في مسألة وأكثر لاينافي الاجتهاد، و لايقدح في الإمامة، والاعتراف بالنقصان هضم النفس ودليل علي الكمال .. و ذلك لأنّا لوتنزّلنا عن اشتراط العصمة في الإمام وجوّزنا له الاجتهاد في الأحكام ، فلاريب في أنّ الخطأ الفاحش والغلط الفاضح مانع عن الإمامة، وإنّما لايقدح علي فرض الجواز ما لايدلّ علي الغباوة الكاملة والبلادة البالغة، وعدم استيهال صاحبه لفهم المسائل واستنباط الأحكام وردّ الفروع إلي الأصول ، فإذاتواتر الخبط وترادفت الزلّة لاسيّما في الأمور الظاهرة والأحكام الواضحة فهل يبقي مجال للشكّ في منعه عن استيهال الاجتهاد وصلوح الإمامة وليت شعري، من أين هذااليقين الكامل والاعتقاد الجازم لهؤلاء القوم باجتهاد إمامهم وبلوغه في العلم حدّ الكمال ، مع مايرون ويروون في كتبهم من خطبه وخطأه واعترافه بالزلّة، والعجز موطنا بعدموطن ، ومقاما بعدمقام ، و قدبذلوا مجهودهم في
صفحه : 687
إظهار فضله فلم يظفروا له علي استنباط لطيف واستخراج دقيق في مسألة واحدة يدلّ علي جودة قريحته وذكاء فطرته ، و ليس مارووا عنه إلّا من محاورات العوام ومحاضرات الأوغاد والطغام .
مَا رَوَاهُ البخُاَريِّ وَ مُسلِمٌ وَ غَيرُهُمَا بِعِدّةِ طُرُقٍ، عَن عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ وَ أَبِي مُوسَي الأشَعرَيِّ، قَالَاستَأذَنَ أَبُو مُوسَي عَلَي عُمَرَ فَكَأَنّهُ وَجَدَهُ مَشغُولًا فَرَجَعَ، فَقَالَ عُمَرُ أَ لَم تَسمَع صَوتَ عَبدِ اللّهِ بنِ قَيسٍ،ائذَنُوا لَهُ،فدَعُيَِ لَهُ، فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَي مَا صَنَعتَ. فَقَالَ إِنّا كُنّا نُؤمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ فاَئتنِيِ عَلَي هَذَا بِبَيّنَةٍ أَو لَأَفعَلَنّ بِكَ،فَانطَلَقَ إِلَي مَجلِسٍ مِنَ الأَنصَارِ،فَقَالُوا لَا يَشهَدُ لَكَ إِلّا أَصَاغِرُنَا،فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الخدُريِّ فَقَالَ قَد كُنّا نُؤمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ
صفحه : 688
خفَيَِ عَلَيّ هَذَا مِن أَمرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،ألَهاَنيِ الصّفقُ بِالأَسوَاقِ.
وَ لَا خَفَاءَ فِي أَنّ مَا خفَيَِ عَلَي عُمَرَ مِن ذَلِكَ أَمرٌ مُتَكَرّرُ الوُقُوعِ مِنَ العَادَةِ وَ السّنَنِ التّيِ كَانَ يَعلَمُهَا المُعَاشِرُونَ لَهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَكَيفَ خفَيَِ عَلَي هَذَا الرّجُلِ ألّذِي يَدّعُونَ أَنّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَ يُشَاوِرُهُ فِي الأُمُورِ وَ يَستَمِدّ بِتَدبِيرِهِ،فَلَيسَ هَذَا إِلّا مِن فَرطِ غَبَاوَتِهِ، أَو قِلّةِ اعتِنَائِهِ بِأُمُورِ الدّينِ، أَوِ إِنكَارِهِ لِأُمُورِ الشّرعِ مُخَالَفَةً لِسَيّدِ المُرسَلِينَ.
مَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِّ، قَالَحَجَجنَا مَعَ عُمَرَ أَوّلَ حَجّةٍ حَجّهَا فِي خِلَافَتِهِ، فَلَمّا دَخَلَ المَسجِدَ الحَرَامَ،دَنَا مِنَ الحَجَرِ الأَسوَدِ فَقَبّلَهُ وَ استَلَمَهُ، فَقَالَ إنِيّ لَأَعلَمُ أَنّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرّ وَ لَا تَنفَعُ، وَ لَو لَا أنَيّ رَأَيتُ
صفحه : 689
رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]قَبّلَكَ وَ استَلَمَكَ لَمَا قَبّلتُكَ وَ لَا استَلَمتُكَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بَلَي يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّهُ لَيَضُرّ وَ يَنفَعُ، وَ لَو عَلِمتَ تَأوِيلَ ذَلِكَ مِن كِتَابِ اللّهِ لَعَلِمتَ أَنّ ألّذِي أَقُولُ لَكَ كَمَا أَقُولُ، قَالَ اللّهُ تَعَالَيوَ إِذ أَخَذَ رَبّكَ مِن بنَيِ آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرّيّتَهُم وَ أَشهَدَهُم عَلي أَنفُسِهِم
صفحه : 690
أَ لَستُ بِرَبّكُم قالُوا بَلي، فَلَمّا أَشهَدَهُم وَ أَقَرّوا لَهُ بِأَنّهُ الرّبّ عَزّ وَ جَلّ وَ أَنّهُمُ العَبِيدُ،كَتَبَ مِيثَاقَهُم فِي رَقّ ثُمّ أَلقَمَهُ هَذَا الحَجَرَ، وَ إِنّ لَهُ لَعَينَينِ وَ لِساناً وَ شَفَتَينِ،يَشهَدُ بِالمُوَافَاةِ،فَهُوَ أَمِينُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ فِي هَذَا المَكَانِ. فَقَالَ عُمَرُ لَا أبَقاَنيَِ اللّهُ بِأَرضٍ لَستَ بِهَا يَا أَبَا الحَسَنِ.
وَ رَوَاهُ الغزَاَليِّ فِي كِتَابِ إِحيَاءِ العُلُومِ. d
وَ رَوَي البخُاَريِّ وَ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا وَ لَم يَذكُرَا تَنبِيهَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِيّاهُ.
وَ اعتَذَرَ عَنهُ فِي المِنهَاجِ بِأَنّهُ إِنّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلّا يَغتَرّ بَعضُ قرَيِبيِ العَهدِ بِالإِسلَامِ ألّذِي قَد أَلِفُوا عِبَادَةَ الأَحجَارِ وَ تَعظِيمَهَا رَجَاءَ نَفعِهَا وَ خَوفَ
صفحه : 691
ضَرَرِهَا. وَ مَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ يُبطِلُ هَذَا الِاعتِذَارَ،إِذ لَو كَانَ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَبَيّنَ عُذرَهُ وَ لَم يَقُل لَا أبَقاَنيَِ اللّهُ بِأَرضٍ لَستَ بِهَا،إِذ ظَاهِرٌ أَنّ هَذَا كَلَامُ المُقِرّ بِالجَهلِ المُعتَرِفِ بِالخَطَإِ، وَ إِنّمَا حَذَفُوا التّتِمّةَ لِيَتَمَكّنُوا مِن مِثلِ هَذَا الِاعتِذَارِ.
أشياء كثيرة وأحكام غزيرة تحيّر فيها وهداه غيره إلي الصواب فيها.. و هذايدلّ علي غاية جهله وعدم استئهاله للإمامة، وسنورد أكثرها في أبواب علم أمير المؤمنين عليه السلام وقضاياه في المجلد التاسع ، وبعضها في كتاب القضاء، و كتاب الحدود. ولنورد هاهنا قليلا منها من كتب المخالفين فمنها
مَا رَوَاهُ البخُاَريِّ فِي صَحِيحِهِ، عَن أَنَسٍ، قَالَ كُنّا عِندَ عُمَرَ، فَقَالَ نَهَانَا عَنِ التّكَلّفِ.
وَ قَالَ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرحِهِ ذَكَرَ الحمَيِديِّ، عَن ثَابِتٍ، عَن أَنَسٍ أَنّ
صفحه : 692
عُمَرَ قَرَأَوَ فاكِهَةً وَ أَبّا، فَقَالَ مَا الأَبّ. ثُمّ قَالَ مَا كُلّفنَا أَو قَالَ مَا أُمِرنَا بِهَذَا. ثُمّ قَالَ ابنُ حَجَرٍ قُلتُ هُوَ عِندَ الإسِماَعيِليِّ مِن رِوَايَةِ هِشَامٍ، عَن ثَابِتٍ أَنّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ عَن قَولِهِوَ فاكِهَةً وَ أَبّا، مَا الأَبّ. فَقَالَ عُمَرُ نُهِينَا عَنِ التّعَمّقِ وَ التّكَلّفِ ..
و هذاأولي أن يكمل به الحديث ألذي أخرجه البخاري، وأولي منه
مَا أَخرَجَهُ أَبُو نُعَيمٍ ..، عَن أَنَسٍ، قَالَ كُنّا عِندَ عُمَرَ وَ عَلَيهِ قَمِيصٌ فِي ظَهرِهِ أَربَعُ رِقَاعٍ يَقرَأُوَ فاكِهَةً وَ أَبّا، فَقَالَ هَذِهِ الفَاكِهَةُ قَد عَرَفنَاهَا،فَمَا الأَبّ. ثُمّ قَالَ مَه نُهِينَا عَنِ التّكَلّفِ.
وَ قَد أَخرَجَهُ عَبدُ بنُ حُمَيدٍ فِي تَفسِيرِهِ، عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَ قَالَ بَعدَ قَولِهِ فَمَا الأَبّ ثُمّ قَالَ يَا ابنَ أُمّ عُمَرَ إِنّ هَذَا هُوَ التّكَلّفُ، وَ مَا عَلَيكَ أَن
صفحه : 693
لَا تدَريَِ مَا الأَبّ.
وَ عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ يَزِيدَ أَنّ رَجُلًا سَأَلَ عُمَرَ عَنفاكِهَةً وَ أَبّا، فَلَمّا رَآهُم عُمَرُ يَقُولُونَ،أَقبَلَ عَلَيهِم بِالدّرّةِ.
وَ مِن وَجهٍ آخَرَ، عَن اِبرَاهِيمَ النخّعَيِّ، قَالَ قَرَأَ أَبُو بَكرٍ الصّدّيقُوَ فاكِهَةً وَ أَبّا،فَقِيلَ مَا الأَبّ.فَقِيلَ كَذَا .. وَ كَذَا، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إِنّ هَذَا هُوَ التّكَلّفُ، أَيّ أَرضٍ تقُلِنّيِ وَ أَيّ سَمَاءٍ تظُلِنّيِ إِذَا قُلتُ فِي كِتَابِ اللّهِ مَا لَا أَعلَمُ.
و من طريق ابراهيم التميمي نحوه .انتهي مختصر كلام ابن حجر. و قدظهر ممّا رواه أنّ تفسير«الأبّ» كان عندالشيخين معضلة لم يوفّقا للعلم به مع أنّه يعرفها كلّ، وقولهما إنّ هذا هوالتكلّف .. لايخلوا عن منافرة لقوله تعالي أَ فَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ أَم عَلي قُلُوبٍ أَقفالُها، و في حذف البخاري حكاية الجهل بالأب دلالة علي تعصّبه و أنّه لايذكر في أكثر المواضع ما فيه فضيحة للخلفاء. ومنها
مَا رَوَاهُ البخُاَريِّ وَ مُسلِمٌ وَ أَبُو دَاوُدَ وَ الترّمذِيِّ
صفحه : 694
وَ النسّاَئيِّ وَ صَاحِبُ جَامِعِ الأُصُولِ بِأَسَانِيدِهِم، عَنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ، قَالَ سُئِلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ عَن إِملَاصِ المَرأَةِ وَ هيَِ التّيِ تُضرَبُ بَطنُهَا فَيُلقَي جَنِينُهَا، فَقَالَ أَيّكُم سَمِعَ مِنَ النّبِيّ(ص ) فِيهِ شَيئاً. قَالَ فَقُلتُ أَنَا. قَالَ مَا هُوَ. قُلتُ سَمِعتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَقُولُ فِيهِ غُرّةُ عَبدٍ أَو أَمَةٍ، قَالَ لَا تَبرَح حَتّي تجَيِئنَيِ بِالمُخرِجِ مِمّا قُلتَ.فَخَرَجتُ فَوَجَدتُ مُحَمّدَ بنَ سَلَمَةَ فَجِئتُ بِهِ فَشَهِدَ معَيِ أَنّهُ سَمِعَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَقُولُ فِيهِ غُرّةُ عَبدٍ أَو أَمَةٍ.
هذه رواية البخاري ومسلم ، وباقي الروايات علي ماأورده في جامع الأصول قريبة منها. ومنها
مَا رَوَاهُ فِي نَهجِ البَلَاغَةِ أَنّهُ ذُكِرَ عِندَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ حلُيِّ الكَعبَةِ وَ كَثرَتُهُ، فَقَالَ قَومٌ لَو أَخَذتَ فَجَهّزتَ بِهِ جُيُوشَ المُسلِمِينَ كَانَ أَعظَمَ لِلأَجرِ، وَ مَا تَصنَعُ الكَعبَةُ باِلحلُيِّ.فَهَمّ عُمَرُ بِذَلِكَ وَ سَأَلَ عَنهُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ إِنّ القُرآنَ أُنزِلَ عَلَي مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ الأَموَالُ الأَربَعَةُ[أَربَعَةٌ]أَموَالُ
صفحه : 695
المُسلِمِينَ فَقَسَمَهَا بَينَ الوَرَثَةِ فِي الفَرِيضَةِ، وَ الفيَءُ فَقَسَمَهُ عَلَي مُستَحِقّهِ، وَ الخُمُسُ فَوَضَعَهُ اللّهُ حَيثُ وَضَعَهُ، وَ الصّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اللّهُ حَيثُ جَعَلَهَا، وَ كَانَ حلُيِّ الكَعبَةِ فِيهَا يَومَئِذٍ فَتَرَكَهُ اللّهُ عَلَي حَالِهِ، وَ لَم يَترُكهُ نِسيَاناً، وَ لَم يَخفَ عَلَيهِ مَكَانٌ،فَأَقِرّهُ حَيثُ أَقَرّهُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ. فَقَالَ عُمَرُ لَولَاكَ لَافتَضَحنَا، وَ تَرَكَ الحلُيِّ بِحَالِهِ.
وَ رَوَي البخُاَريِّ،بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي وَائِلٍ، قَالَ جَلَستُ مَعَ شَيبَةَ عَلَي الكرُسيِّ فِي الكَعبَةِ، فَقَالَ لَقَد جَلَسَ هَذَا المَجلِسَ عُمَرُ، فَقَالَ لَقَد هَمَمتُ أَن لَا أَدَعَ فِيهَا صَفرَاءَ وَ لَا بَيضَاءَ إِلّا قَسَمتُهُ. قُلتُ إِنّ صَاحِبَيكَ لَم يَفعَلَا. قَالَ هُمَا المَرءَانِ أقَتدَيِ بِهِمَا.
وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَن شَقِيقٍ، قَالَ إِنّ شَيبَةَ بنَ عُثمَانَ قَالَ لَهُ قَعَدَ عُمَرُ مَقعَدَكَ ألّذِي أَنتَ فِيهِ. فَقَالَ لَا أَخرُجُ حَتّي أَقسِمَ مَالَ الكَعبَةِ. قُلتُ مَا أَنتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ بَلَي،لَأَفعَلَنّ. قُلتُ مَا أَنتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ لِمَ. قُلتُ مَضَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ أَبُو بَكرٍ وَ هُمَا أَحوَجُ مِنكَ إِلَي المَالِ فَلَم يُخرِجَاهُ،فَقَامَ وَ خَرَجَ. قَالَ أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
صفحه : 696
مَا رَوَاهُ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ، قَالَمَرّ عُمَرُ بِشَابّ مِنَ الأَنصَارِ وَ هُوَ ظَمآنُ فَاستَسقَاهُ فَمَاصَ لَهُ عَسَلًا،فَرَدّهُ وَ لَم يَشرَب، وَ قَالَ إنِيّ سَمِعتُ اللّهَ سُبحَانَهُ يَقُولُأَذهَبتُم طَيّباتِكُم فِي حَياتِكُمُ الدّنيا وَ استَمتَعتُم بِها. وَ قَالَ الفَتَي إِنّهَا وَ اللّهِ لَيسَت لَكَ،اقرَأ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ مَا قَبلَهَا
صفحه : 697
..وَ يَومَ يُعرَضُ الّذِينَ كَفَرُوا عَلَي النّارِ أَذهَبتُم طَيّباتِكُم فِي حَياتِكُمُ الدّنيافَنَحنُ مِنهُم فَشَرِبَ، وَ قَالَ كُلّ النّاسِ أَفقَهُ مِن عُمَرَ.
أقول لعلّه كان في رجوعه أبين خطأ من ابتدائه ،فتدبّر. والأخبار في ذلك كثيرة في كتبنا وكتبهم لانطيل الكلام بإيرادها.
صفحه : 703
وسيأتي بعضها في أبواب علم أمير المؤمنين عليه السلام . و من أعجب العجب أنّ أتباعه مع نقلهم تلك الروايات يدّعون تقدّمه في العلم والفضل ، مع أنّه ليس أمرا يمكن أن يدّعي فيه البداهة، و لم يقم دليل من العقل والنقل علي أنّه يجب أن يكون عمر من العلماء، وإنّما يعلم علم مثله وجهله بما يؤثر عنه ويظهر من فتاواه وأحكامه وسائر أخباره ، و لم يكن عمر في أيّام كفره من المشتغلين بتحصيل العلوم ومدارسة المسائل ،بل كان تارة من رعاة الإبل ، وتارة حطّابا، وأحيانا مبرطسا وأجيرا لوليد بن المغيرة ونحوه في الأسفار لخدمة الإبل وغيرها، و لم يكن من أحبار اليهود وأساقفة النصاري وعلماء المشركين ، و في الإسلام أيضا لم يكن من المشتغلين بمدارسة المسائل ، وأكثر
صفحه : 704
اشتغاله كان بالبرطسة والصفق بالأسواق ، و قدحصروا مرويّاته مع طول صحبته ، واهتمام أتباعه برواية مايؤثر عنه في خمسمائة وتسعة وثلاثين ،منها ستة وعشرون من المتّفق عليه ، وأربعة وثلاثون من إفراد البخاري، وأحد وعشرون من إفراد مسلم ، و قدرووا عن أبي هريرة في أقلّ من السنتين من الصحبة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا، و عن ابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين ، و عن عائشة وأنس قريبا من ذلك ، و ليس في مرويّاته مسألة دقيقة يستنبط منها علمه وفضله ، وكذلك ماحكي عنه من أخباره وسيره ، و لم ينقلوا عنه مناظرة لعالم من
صفحه : 705
علماء الملل و لالعلماء الإسلام غلب عليهم فيها،بل كتبهم مشحونة بعثراته وزلّاته، واعترافه بالجهل كماأفصح عنه قول أمير المؤمنين عليه السلام ويكثر العثار والاعتذار منها.