صفحه : 1

الجزء التاسع والعشرون

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار تأليف العلم العلّامة الحجّة فخر الأمّة المولي الشيخ محمّد باقر المجلسي‌‌«قدّس اللّه سرّه»


صفحه : 3

تتمة كتاب الفتن والمحن

5- باب احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام علي أبي بكر وغيره في أمر البيعة

ل القَطّانُ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ مُحَمّدٍ الحسَنَيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ حَفصٍ الخثَعمَيِ‌ّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبدِ الوَاحِدِ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ الثعّلبَيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ الحَمِيدِ، عَن حَفصِ بنِ مَنصُورٍ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الوَرّاقِ، عَن أَبِيهِ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَ لَمّا كَانَ مِن أَمرِ أَبِي بَكرٍ وَ بَيعَةِ النّاسِ لَهُ، وَ فِعلِهِم بعِلَيِ‌ّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ مَا كَانَ، لَم يَزَل أَبُو بَكرٍ يُظهِرُ لَهُ الِانبِسَاطَ وَ يَرَي مِنهُ انقِبَاضاً،فَكَبُرَ


صفحه : 4

ذَلِكَ عَلَي أَبِي بَكرٍ،فَأَحَبّ لِقَاءَهُ وَ استِخرَاجَ مَا عِندَهُ، وَ المَعذِرَةَ إِلَيهِ مِمّا اجتَمَعَ النّاسُ عَلَيهِ، وَ تَقلِيدِهِم إِيّاهُ أَمرَ الأُمّةِ وَ قِلّةِ رَغبَتِهِ فِي ذَلِكَ وَ زُهدِهِ فِيهِ.أَتَاهُ فِي وَقتِ غَفلَةٍ وَ طَلَبَ مِنهُ الخَلوَةَ، وَ قَالَ لَهُ وَ اللّهِ يَا أَبَا الحَسَنِ مَا كَانَ هَذَا الأَمرُ مُوَاطَاةً منِيّ‌، وَ لَا رَغبَةً فِيمَا وَقَعتُ فِيهِ، وَ لَا حِرصاً عَلَيهِ، وَ لَا ثِقَةً بنِفَسيِ‌ فِيمَا تَحتَاجُ إِلَيهِ الأُمّةُ، وَ لَا قُوّةً لِي بِمَالٍ، وَ لَا كَثرَةِ العَشِيرَةِ، وَ لَا استِئثَارٍ بِهِ دُونَ غيَريِ‌،فَمَا لَكَ تُضمِرُ عَلَيّ مَا لَم أَستَحِقّهُ مِنكَ، وَ تُظهِرُ لِيَ الكَرَاهَةَ فِيمَا صِرتُ إِلَيهِ، وَ تَنظُرُ إلِيَ‌ّ بِعَينِ السّآمَةِ منِيّ‌ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فَمَا حَمَلَكَ عَلَيهِ إِذ لَم تَرغَب فِيهِ، وَ لَا حَرَصتَ عَلَيهِ، وَ لَا وَثِقتَ بِنَفسِكَ فِي القِيَامِ بِهِ وَ بِمَا يَحتَاجُ مِنكَ فِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ حَدِيثٌ سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّ اللّهَ لَا يَجمَعُ أمُتّيِ‌ عَلَي ضَلَالٍ، وَ لَمّا رَأَيتُ اجتِمَاعَهُم اتّبَعتُ حَدِيثَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَحَلتُ أَن يَكُونَ اجتِمَاعُهُم عَلَي خِلَافِ الهُدَي،فَأَعطَيتُهُم قَوَدَ الإِجَابَةِ، وَ لَو عَلِمتُ أَنّ أَحَداً يَتَخَلّفُ لَامتَنَعتُ قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن حَدِيثِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّ اللّهَ لَا يَجمَعُ أمُتّيِ‌ عَلَي ضَلَالٍ، أَ فَكُنتُ مِنَ الأُمّةِ أَو لَم أَكُن قَالَ بَلَي. قَالَ وَ كَذَلِكَ العِصَابَةُ المُمتَنِعَةُ عَلَيكَ مِن سَلمَانَ وَ عَمّارٍ وَ أَبِي ذَرّ وَ المِقدَادِ


صفحه : 5

وَ ابنِ عُبَادَةَ وَ مَن مَعَهُ مِنَ الأَنصَارِ قَالَ كُلّ مِنَ الأُمّةِ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَكَيفَ تَحتَجّ بِحَدِيثِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَمثَالُ هَؤُلَاءِ قَد تَخَلّفُوا عَنكَ، وَ لَيسَ لِلأُمّةِ فِيهِم طَعنٌ، وَ لَا فِي صُحبَةِ الرّسُولِ وَ نَصِيحَتِهِ مِنهُم تَقصِيرٌ قَالَ مَا عَلِمتُ بِتَخَلّفِهِم إِلّا مِن بَعدِ إِبرَامِ الأَمرِ، وَ خِفتُ إِن دَفَعتُ عنَيّ‌ الأَمرَ أَن يَتَفَاقَمَ إِلَي أَن يَرجِعَ النّاسُ مُرتَدّينَ عَنِ الدّينِ، وَ كَانَ مُمَارَسَتُكُم إِلَي أَن أَجَبتُم أَهوَنَ مَؤُنَةً عَلَي الدّينِ وَ أَبقَي لَهُ مِن ضَربِ النّاسِ بَعضَهُم بِبَعضٍ فَيَرجِعُوا كُفّاراً، وَ عَلِمتُ أَنّكَ لَستَ بدِوُنيِ‌ فِي الإِبقَاءِ عَلَيهِم وَ عَلَي أَديَانِهِم. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَجَل، وَ لَكِن أخَبرِنيِ‌ عَنِ ألّذِي يَستَحِقّ هَذَا الأَمرَ،بِمَا يَستَحِقّهُ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ بِالنّصِيحَةِ، وَ الوَفَاءِ، وَ دَفعِ المُدَاهَنَةِ، وَ المُحَابَاةِ، وَ حُسنِ السّيرَةِ، وَ إِظهَارِ العَدلِ، وَ العِلمِ بِالكِتَابِ وَ السّنّةِ وَ فَصلِ الخِطَابِ، مَعَ الزّهدِ فِي الدّنيَا وَ قِلّةِ الرّغبَةِ فِيهَا، وَ إِنصَافِ المَظلُومِ مِنَ الظّالِمِ لِلقَرِيبِ وَ البَعِيدِ .. ثُمّ سَكَتَ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ السّابِقَةِ وَ القَرَابَةِ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ وَ السّابِقَةِ وَ القَرَابَةِ. قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنشُدُكَ بِاللّهِ يَا أَبَا بَكرٍ أَ فِي نَفسِكَ تَجِدُ


صفحه : 6

هَذِهِ الخِصَالَ، أَو فِيّ قَالَ أَبُو بَكرٍ بَل فِيكَ يَا أَبَا الحَسَنِ. قَالَ أَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا المُجِيبُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ قَبلَ ذُكرَانِ المُسلِمِينَ،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا الأَذَانُ لِأَهلِ المَوسِمِ وَ لِجَمِيعِ الأُمّةِ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ،أَم أَنتَ


صفحه : 7

قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا وَقَيتُ رَسُولَ اللّهِ بنِفَسيِ‌ يَومَ الغَارِ،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَ لِيَ الوَلَايَةُ مِنَ اللّهِ مَعَ وَلَايَةِ رَسُولِهِ فِي آيَةِ زَكَاةِ الخَاتَمِ،أَم لَكَ


صفحه : 8

قَالَ بَل لَكَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا المَولَي لَكَ وَ لِكُلّ مُسلِمٍ بِحَدِيثِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَومَ الغَدِيرِ،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَ لِيَ الوِزَارَةُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ المَثَلُ مِن هَارُونَ وَ مُوسَي،أَم لَكَ قَالَ بَل لَكَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَ بيِ‌ بَرَزَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بِأَهلِ بيَتيِ‌


صفحه : 9

وَ ولُديِ‌ فِي مُبَاهَلَةِ المُشرِكِينَ مِنَ النّصَارَي،أَم بِكَ وَ بِأَهلِكَ وَ وُلدِكَ قَالَ بِكُم. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَ لِي وَ لأِهَليِ‌ وَ ولُديِ‌ آيَةُ التّطهِيرِ مِنَ الرّجسِ،أَم لَكَ وَ لِأَهلِ بَيتِكَ قَالَ بَل لَكَ وَ لِأَهلِ بَيتِكَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا صَاحِبُ دَعوَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أهَليِ‌ وَ ولُديِ‌ يَومَ الكِسَاءِ أللّهُمّ هَؤُلَاءِ أهَليِ‌ إِلَيكَ لَا إِلَي النّارِ،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ وَ أَهلُكَ وَ وُلدُكَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا صَاحِبُ الآيَةِيُوفُونَ بِالنّذرِ وَ يَخافُونَ يَوماً كانَ شَرّهُ مُستَطِيراً،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ الفَتَي ألّذِي نوُديِ‌َ مِنَ السّمَاءِ لَا سَيفَ إِلّا ذُو


صفحه : 10

الفَقَارِ وَ لَا فَتَي إِلّا عَلِيّ،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي رُدّت لَهُ الشّمسُ لِوَقتِ صَلَاتِهِ فَصَلّاهَا ثُمّ تَوَارَت،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي حَبَاكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِرَايَتِهِ يَومَ خَيبَرَ فَفَتَحَ اللّهُ لَهُ،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي نَفّستَ عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كُربَتَهُ


صفحه : 11

وَ عَنِ المُسلِمِينَ بِقَتلِ عَمرِو بنِ عَبدِ وُدّ، أَو أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي ائتَمَنَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي رِسَالَتِهِ إِلَي الجِنّ فَأَجَابَت،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي طَهّرَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنَ السّفَاحِ مِن آدَمَ إِلَي أَبِيكَ بِقَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنَا وَ أَنتَ مِن نِكَاحٍ لَا مِن سِفَاحٍ، مِن آدَمَ إِلَي عَبدِ المُطّلِبِ،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا ألّذِي اختاَرنَيِ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ زوَجّنَيِ‌ ابنَتَهُ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ وَ قَالَ اللّهُ زَوّجَكَ،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا وَالِدُ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ رَيحَانَتَيهِ اللّذَينِ قَالَ فِيهِمَا هَذَانِ سَيّدَا


صفحه : 12

شَبَابِ أَهلِ الجَنّةِ وَ أَبُوهُمَا خَيرٌ مِنهُمَا،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَخُوكَ المُزَيّنُ بِجَنَاحَينِ فِي الجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ المَلَائِكَةِ،أَم أخَيِ‌ قَالَ بَل أَخُوكَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا ضَمِنتُ دَينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ نَادَيتُ فِي المَوَاسِمِ بِإِنجَازِ مَوعِدِهِ،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا ألّذِي دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِطَيرٍ عِندَهُ يُرِيدُ أَكلَهُ، فَقَالَ أللّهُمّ ائتنِيِ‌ بِأَحَبّ خَلقِكَ إِلَيكَ بعَديِ‌،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا ألّذِي بشَرّنَيِ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِقَتلِ النّاكِثِينَ وَ القَاسِطِينَ وَ المَارِقِينَ عَلَي تَأوِيلِ القُرآنِ،أَم أَنتَ


صفحه : 13

قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا ألّذِي شَهِدتُ آخِرَ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ وَلِيتُ غُسلَهُ وَ دَفنَهُ،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنَا ألّذِي دَلّ عَلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِعِلمِ القَضَاءِ بِقَولِهِ‌« عَلِيّ أَقضَاكُم»،أَم أَنتَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ اللّهَ أَنَا ألّذِي أَمَرَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَصحَابَهُ بِالسّلَامِ عَلَيّ بِالإِمرَةِ فِي حَيَاتِهِ،أَم أَنتَ


صفحه : 14

قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي سَبَقَت لَهُ القَرَابَةُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ،أَم أَنَا. قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي حَبَاكَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ بِدِينَارٍ عِندَ حَاجَتِهِ، وَ بَاعَكَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ أَضَفتَ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَضَفتَ وُلدَهُ أَم أَنَا قَالَ فَبَكَي أَبُو بَكرٍ[ وَ] قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي حَمَلَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي كَتِفِهِ فِي طَرحِ صَنَمِ الكَعبَةِ وَ كَسرِهِ حَتّي لَو شَاءَ أَن يَنَالَ أُفُقَ السّمَاءِ لَنَالَهَا،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنتَ صَاحِبُ لوِاَئيِ‌ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ،أَم أَنَا


صفحه : 15

قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي أُمِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِفَتحِ بَابِهِ فِي مَسجِدِهِ حِينَ أُمِرَ بِسَدّ جَمِيعِ بَابِهِ[أَبوَابِ أَصحَابِهِ وَ أَهلِ بَيتِهِ] وَ أَحَلّ لَهُ فِيهِ مَا أَحَلّهُ اللّهُ لَهُ،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي قَدّمَ بَينَ يدَيَ‌ نَجوَاهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ صَدَقَةً فَنَاجَاهُ،أَم أَنَا إِذ عَاتَبَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ قَوماً فَقَالَأَ أَشفَقتُم أَن تُقَدّمُوا بَينَ يدَيَ‌ نَجواكُم صَدَقاتٍالآيَةَ قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِفَاطِمَةَ


صفحه : 16

زَوجُكِ أَوّلُ النّاسِ إِيمَاناً وَ أَرجَحُهُم إِسلَاماً. فِي كَلَامٍ لَهُ،أَم أَنَا. قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ فَأَنشُدُكَ بِاللّهِ أَنتَ ألّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الحَقّ مَعَ عَلِيّ وَ عَلِيّ مَعَ الحَقّ، لَا يَفتَرِقَانِ حَتّي يَرِدَا عَلَيّ الحَوضَ،أَم أَنَا قَالَ بَل أَنتَ. قَالَ .. فَلَم يَزَل عَلَيهِ السّلَامُ يَعُدّ عَلَيهِ مَنَاقِبَهُ التّيِ‌ جَعَلَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ لَهُ دُونَهُ وَ دُونَ غَيرِهِ. وَ يَقُولُ لَهُ أَبُو بَكرٍ بَل أَنتَ. قَالَ فَبِهَذَا وَ شِبهِهِ يُستَحَقّ القِيَامُ بِأُمُورِ أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَمَا ألّذِي غَرّكَ عَنِ اللّهِ وَ عَن رَسُولِهِ وَ عَن دِينِهِ وَ أَنتَ


صفحه : 17

خِلوٌ مِمّا يَحتَاجُ إِلَيهِ أَهلُ دِينِهِ قَالَ فَبَكَي أَبُو بَكرٍ وَ قَالَ صَدَقتَ يَا أَبَا الحَسَنِ،أنَظرِنيِ‌ يوَميِ‌ هَذَا فَأُدَبّرَ مَا أَنَا فِيهِ وَ مَا سَمِعتُ مِنكَ. قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَكَ ذَلِكَ يَا أَبَا بَكرٍ.فَرَجَعَ مِن عِندِهِ وَ خَلَا بِنَفسِهِ يَومَهُ وَ لَم يَأذَن لِأَحَدٍ إِلَي اللّيلِ، وَ عُمَرُ يَتَرَدّدُ فِي النّاسِ لَمّا بَلَغَهُ مِن خَلوَتِهِ بعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ.فَبَاتَ فِي لَيلَتِهِ،فَرَأَي رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي مَنَامِهِ مُمَثّلًا لَهُ فِي مَجلِسِهِ،فَقَامَ إِلَيهِ أَبُو بِكرٍ لِيُسَلّمَ عَلَيهِ،فَوَلّي وَجهَهُ،فَصَارَ مُقَابِلَ وَجهِهِ،فَسَلّمَ عَلَيهِ فَوَلّي عَنهُ وَجهَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ هَل أَمَرتَ بِأَمرٍ فَلَم أَفعَل فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَرُدّ السّلَامَ عَلَيكَ وَ قَد عَادَيتَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ عَادَيتَ مَن وَالَاهُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ رُدّ الحَقّ إِلَي أَهلِهِ. قَالَ فَقُلتُ مَن أَهلُهُ قَالَ مَن عَاتَبَكَ عَلَيهِ، وَ هُوَ عَلِيّ. قَالَ فَقَد رَدَدتُ عَلَيهِ يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَمرِكَ. قَالَ فَأَصبَحَ وَ بَكَي، وَ قَالَ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ ابسُط يَدَكَ،فَبَايَعَهُ وَ سَلّمَ إِلَيهِ الأَمرَ. وَ قَالَ لَهُ أَخرُجُ إِلَي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأُخبِرُ النّاسَ بِمَا رَأَيتُ فِي ليَلتَيِ‌ وَ مَا جَرَي بيَنيِ‌ وَ بَينَكَ،فَأُخرِجُ نفَسيِ‌ مِن هَذَا الأَمرِ وَ أُسَلّمُ عَلَيكَ


صفحه : 18

بِالإِمرَةِ قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ نَعَم.فَخَرَجَ مِن عِندِهِ مُتَغَيّراً لَونُهُ عَالِياً نَفَسُهُ،فَصَادَفَهُ عُمَرُ وَ هُوَ فِي طَلَبِهِ. فَقَالَ مَا حَالُكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ .. فَأَخبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنهُ وَ مَا رَأَي وَ مَا جَرَي بَينَهُ وَ بَينَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ. فَقَالَ عُمَرُ أَنشُدُكَ بِاللّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ أَن تَغتَرّ بِسِحرِ بنَيِ‌ هَاشِمٍ فَلَيسَ هَذَا بِأَوّلِ سِحرٍ مِنهُم .. فَمَا زَالَ بِهِ حَتّي رَدّهُ عَن رَأيِهِ وَ صَرَفَهُ عَن عَزمِهِ، وَ رَغّبَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، وَ أَمَرَهُ بِالثّبَاتِ[ عَلَيهِ] وَ القِيَامِ بِهِ. قَالَ فَأَتَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ المَسجِدَ لِلمِيعَادِ،فَلَم يَرَ فِيهِ مِنهُم أَحَداً،فَأَحَسّ بِالشّرّ مِنهُم،فَقَعَدَ إِلَي قَبرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَمَرّ بِهِ عُمَرُ فَقَالَ يَا عَلِيّ دُونَ مَا تَرُومُ خَرطُ القَتَادِ،فَعَلِمَ بِالأَمرِ وَ قَامَ وَ رَجَعَ إِلَي بَيتِهِ.

ج وَ رَوَي مُرسَلًا مِثلَهُ.

بيان قوله و لاابتزاز .. الابتزاز الاستلاب والأخذ بالغلبة. و في بعض النسخ و لااستيثار به ،يقال استأثر فلان بالشي‌ء أي


صفحه : 19

استبدّ به . قوله بعين السآمة مني‌ .. في الإحتجاج قوله بعين الشتاءة لي ..، أي العداوة. والقتاد شجر له شوك كثير، وخرطه هو أن تمرّ يدك من أعلاه إلي أسفله حتّي ينتشر شوكه ، و هذامثل يضرب للأمر الشّاقّ.

فس أَحمَدُ بنُ إِدرِيسَ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ، عَنِ الحَسَنِ ابنِ العَبّاسِ بنِ الجَرِيشِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي المَسجِدِ وَ النّاسُ مُجتَمِعُونَ بِصَوتٍ عَالٍالّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدّوا عَن سَبِيلِ اللّهِ أَضَلّ أَعمالَهُم.


صفحه : 20

فَقَالَ ابنُ عَبّاسٍ يَا أَبَا الحَسَنِ لِمَ قُلتَ مَا قُلتَ قَالَ قَرَأتُ شَيئاً مِنَ القُرآنِ. قَالَ لَقَد قُلتَهُ لِأَمرٍ قَالَ نَعَم، إِنّ اللّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِوَ ما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوا،فَتَشهَدُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ استَخلَفَ أَبَا بَكرٍ قَالَ مَا سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَوصَي إِلّا إِلَيكَ. قَالَ فَهَلّا باَيعَتنَيِ‌ قَالَ اجتَمَعَ النّاسُ عَلَي أَبِي بَكرٍ فَكُنتُ مِنهُم. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ كَمَا اجتَمَعَ أَهلُ العِجلِ عَلَي العِجلِ،هَاهُنَا فُتِنتُم، وَ مَثَلُكُمكَمَثَلِ ألّذِي استَوقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَت ما حَولَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِم وَ تَرَكَهُم فِي ظُلُماتٍ لا يُبصِرُونَ صُمّ بُكمٌ عمُي‌ٌ فَهُم لا يَرجِعُونَ.

ير مُحَمّدُ بنُ عِيسَي، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ وَ عَلِيّ بنِ الحَكَمِ، عَنِ الحَكَمِ بنِ مِسكِينٍ، عَن أَبِي عُمَارَةَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ.


صفحه : 21

وَ عُثمَانُ بنُ عِيسَي، عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لقَيِ‌َ أَبَا بَكرٍ،فَاحتَجّ عَلَيهِ. ثُمّ قَالَ لَهُ أَ مَا تَرضَي بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بيَنيِ‌ وَ بَينَكَ قَالَ وَ كَيفَ لِي بِهِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَ أَتَي مَسجِدَ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِيهِ،فَقَضَي عَلَي أَبِي بَكرٍ.فَرَجَعَ أَبُو بَكرٍ مَذعُوراً،فلَقَيِ‌َ عُمَرَ فَأَخبَرَهُ، فَقَالَ مَا لَكَ أَ مَا عَلِمتَ سِحرَ بنَيِ‌ هَاشِمٍ.

يج سَعدٌ، عَن مُحَمّدِ بنِ عِيسَي، مِثلَهُ.

6،7-ختص ،ير بَعضُ أَصحَابِنَا، عَن مُحَمّدِ بنِ حَمّادٍ،


صفحه : 22

عَن أَخِيهِ أَحمَدَ، عَن أَحمَدَ بنِ مُوسَي، عَن زِيَادِ بنِ المُنذِرِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَلقَيِ‌َ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَبَا بَكرٍ فِي بَعضِ سِكَكِ المَدِينَةِ. فَقَالَ ظَلَمتَ وَ فَعَلتَ. فَقَالَ وَ مَن يَعلَمُ ذَلِكَ قَالَ يَعلَمُهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ وَ كَيفَ لِي بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ حَتّي يعُلمِنَيِ‌ ذَلِكَ لَو أتَاَنيِ‌ فِي المَنَامِ فأَخَبرَنَيِ‌ لَقَبِلتُ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَنَا أُدخِلُكَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،[فَأَدخَلَهُ]مَسجِدَ قُبَا، فَإِذَا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي مَسجِدِ قُبَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اعتَزِل عَن ظُلمِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.فَخَرَجَ مِن عِندِهِ،فَلَقِيَهُ عُمَرُ،فَأَخبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ اسكُت


صفحه : 23

أَ مَا عَرَفتَ سِحرَ بنَيِ‌ عَبدِ المُطّلِبِ ...

يرالحَجّالُ، عَنِ اللؤّلؤُيِ‌ّ، عَنِ ابنِ سِنَانٍ، عَنِ البطَاَئنِيِ‌ّ، عَن عِمرَانَ الحلَبَيِ‌ّ، عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لقَيِ‌َ أَبَا بَكرٍ. فَقَالَ يَا أَبَا بَكرٍ مَا تَعلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَمَرَكَ أَن تُسَلّمَ عَلَيّ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ، وَ أَمَرَكَ باِتبّاَعيِ‌ قَالَ فَأَقبَلَ يُتَوَهّمُ عَلَيهِ. فَقَالَ لَهُ اجعَل بيَنيِ‌ وَ بَينَكَ حَكَماً. قَالَ قَد رَضِيتُ فَاجعَل مَن شِئتَ. قَالَ أَجعَلُ بيَنيِ‌ وَ بَينَكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ فَاغتَنَمَهَا الآخَرُ وَ قَالَ قَد رَضِيتُ. قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَذَهَبَ إِلَي مَسجِدِ قُبَا. قَالَ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَاعِدٌ فِي مَوضِعِ المِحرَابِ. فَقَالَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا أَبَا بَكرٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ يَا أَبَا بَكرٍ أَ لَم آمُركَ بِالتّسلِيمِ لعِلَيِ‌ّ وَ اتّبَاعِهِ قَالَ بَلَي يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.


صفحه : 24

قَالَ فَادفَعِ الأَمرَ إِلَيهِ. قَالَ نَعَم يَا رَسُولَ اللّهِ.فَجَاءَ وَ لَيسَ هِمّتُهُ إِلّا ذَلِكَ، وَ هُوَ كَئِيبٌ. قَالَ فلَقَيِ‌َ عُمَرُ، قَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا بَكرٍ قَالَ لَقِيتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أمَرَنَيِ‌ بِدَفعِ هَذِهِ الأُمُورِ إِلَي عَلِيّ. فَقَالَ أَ مَا تَعرِفُ سِحرَ بنَيِ‌ هَاشِمٍ هَذَا سِحرٌ. قَالَ فَقَلَبَ الأَمرَ عَلَي مَا كَانَ.

يج عَنِ الصّفّارِ، مِثلَهُ.

بيان يتوهّم عليه .. أي يلقي‌ الشكوك ويدفع حججه عليه السلام بالأوهام ، و في الخرائج يتشكك عليه .

ير أَحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ، عَن بَعضِ أَصحَابِنَا، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمّدٍ عَن إِسحَاقَ بنِ اِبرَاهِيمَ، عَن هَارُونَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لأِبَيِ‌ بَكرٍ هَل أَجعَلُ بيَنيِ‌ وَ بَينَكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي


صفحه : 25

اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ نَعَم.فَخَرَجَا إِلَي مَسجِدِ قُبَا،فَصَلّي أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ رَكعَتَينِ، فَإِذَا هُوَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ يَا أَبَا بَكرٍ عَلَي هَذَا عَاهَدتُكَ،فَصِرتَ بِهِ فَرَجَعَ وَ هُوَ يَقُولُ وَ اللّهِ لَا أَجلِسُ هَذَا المَجلِسَ.فلَقَيِ‌َ عُمَرَ، فَقَالَ مَا لَكَ قَالَ قَد وَ اللّهِ ذَهَبَ بيِ‌ فأَرَاَنيِ‌ رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ عُمَرُ أَ مَا تَذكُرُ يَوماً كُنّا مَعَهُ،فَأَمَرَ شَجَرَتَينِ فَالتَقَتَا،فَقَضَي حَاجَتَهُ خَلفَهُمَا، ثُمّ أَمَرَهُمَا فَتَفَرّقَتَا قَالَ أَبُو بِكرٍ أَمّا إِذَا قُلتَ ذَا،فإَنِيّ‌ دَخَلتُ أَنَا وَ هُوَ فِي الغَارِ فَقَالَ بِيَدِهِ فَمَسَحَهَا عَلَيهِ فَعَادَ يَنسِجُ العَنكَبُوتَ كَمَا كَانَ، ثُمّ قَالَ أَ لَا أُرِيكَ جَعفَراً وَ أَصحَابَهُ تَعُومُ بِهِم سَفِينَتُهُم فِي البَحرِ قُلتُ بَلَي، قَالَ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَي وجَهيِ‌،فَرَأَيتُ جَعفَراً وَ أَصحَابَهُ تَعُومُ بِهِم سَفِينَتُهُم فِي البَحرِ،فَيَومَئِذٍ عَرَفتُ أَنّهُ


صفحه : 26

سَاحِرٌ،فَرَجَعَ إِلَي مَكَانِهِ.

11،12-ختص ،ير عَبّادُ بنُ سُلَيمَانَ، عَن مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ، عَن أَبِيهِ سُلَيمَانَ، عَن عَيثَمِ بنِ أَسلَمَ، عَن مُعَاوِيَةَ الدهّنيِ‌ّ قَالَدَخَلَ أَبُو بَكرٍ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ لَهُ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا تَحَدّثَ إِلَينَا فِي أَمرِكَ حَدِيثاً بَعدَ يَومِ الوَلَايَةِ، وَ أَنَا أَشهَدُ أَنّكَ موَلاَي‌َ،مُقِرّ لَكَ بِذَلِكِ، وَ قَد سَلّمتُ عَلَيكَ عَلَي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ، وَ أَخبَرَنَا رَسُولُ اللّهِ أَنّكَ وَصِيّهُ وَ وَارِثُهُ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أَهلِهِ وَ نِسَائِهِ، وَ لَم يَحُل بَينَكَ وَ بَينَ ذَلِكَ، وَ صَارَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَيكَ وَ أَمرُ نِسَائِهِ، وَ لَم يُخبِرنَا بِأَنّكَ خَلِيفَتُهُ مِن بَعدِهِ، وَ لَا جُرمَ لَنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا بَينَنَا


صفحه : 27

وَ بَينَكَ، وَ لَا ذَنبَ بَينَنَا وَ بَينَكَ وَ بَينَ اللّهِ تَعَالَي. قَالَ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِن أَرَيتُكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي يُخبِرَكَ أنَيّ‌ أَولَي بِالأَمرِ ألّذِي أَنتَ فِيهِ مِنكَ وَ مِن غَيرِكَ وَ إِن لَم تَرجِع عَمّا أَنتَ فِيهِ فَتَكُونَ كَافِراً. قَالَ أَبُو بَكرٍ إِن رَأَيتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ، حَتّي يخُبرِنَيِ‌ بِبَعضِ هَذَا لَاكتَفَيتُ بِهِ. قَالَ فوَاَفنِيِ‌ إِذَا صَلّيتَ المَغرِبَ. قَالَ فَرَجَعَ إِلَيهِ بَعدَ المَغرِبِ،فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَ خَرَجَ بِهِ إِلَي مَسجِدِ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَالِسٌ فِي القِبلَةِ.


صفحه : 28

فَقَالَ يَا عَتِيقُ وَثَبتَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ جَلَستَ مَجلِسَ النّبُوّةِ، وَ قَد تَقَدّمتُ إِلَيكَ فِي ذَلِكَ،فَانزِع هَذَا السّربَالَ ألّذِي تَسَربَلتَهُ،فَخَلّهِ لعِلَيِ‌ّ وَ إِلّا فَمَوعِدُكَ النّارُ. قَالَ ثُمّ أَخَذَ بِيَدَيهِ فَأَخرَجَهُ،فَقَامَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مَشَي عَنهُمَا. قَالَ فَانطَلَقَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي سَلمَانَ فَقَالَ يَا سَلمَانُ أَ مَا عَلِمتَ أَنّهُ كَانَ مِنَ الأَمرِ كَذَا وَ كَذَا. فَقَالَ لَيَشهَرَنّ بِكَ، وَ لَيَأتِيَنّ صَاحِبَهُ، وَ لَيُخبِرَنّهُ بِالخَبَرِ. قَالَ فَضَحِكَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ إمّا أَن يُخبِرَ صَاحِبَهُ


صفحه : 29

فَيَفعَلَ ثُمّ لَا وَ اللّهِ لَا يَذّكّرُ أَبَداً إِلَي يَومِ القِيَامَةِ،هُمَا أَنظَرُ لِأَنفُسِهِمَا مِن ذَلِكَ. قَالَ فلَقَيِ‌َ أَبُو بَكرٍ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ أرَاَنيِ‌ عَلِيّ .. كَذَا وَ كَذَا، وَ صَنَعَ كَذَا وَ كَذَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَيلَكَ مَا أَقَلّ عَقلَكَ،فَوَ اللّهِ مَا أَنتَ فِيهِ السّاعَةَ لَيسَ إِلّا مِن بَعضِ سِحرِ ابنِ أَبِي كَبشَةَ، قَد نَسِيتَ سِحرَ بنَيِ‌ هَاشِمٍ، وَ مِن أَينَ يَرجِعُ مُحَمّدٌ وَ لَا يَرجِعُ مَن مَاتَ، إِنّ مَا أَنتَ فِيهِ أَعظَمُ مِن سِحرِ بنَيِ‌ هَاشِمٍ،فَتَقَلّدَ هَذَا السّربَالَ وَ مَرّ فِيهِ.


صفحه : 30

يج عَنِ الصّفّارِ ،مِثلَهُ.

ير أَحمَدُ بنُ إِسحَاقَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبّاسِ بنِ جَرِيشٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَسَأَلَ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ رَجُلٌ مِن أَهلِ بَيتِهِ عَن سُورَةِإِنّا أَنزَلناهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ. فَقَالَ وَيلَكَ سَأَلتَ عَن عَظِيمٍ،إِيّاكَ وَ السّؤَالَ عَن مِثلِ هَذَا،فَقَامَ الرّجُلُ. قَالَ فَأَتَيتُهُ يَوماً،فَأَقبَلتُ عَلَيهِ فَسَأَلتُهُ، فَقَالَإِنّا أَنزَلناهُنُورٌ عِندَ الأَنبِيَاءِ وَ الأَوصِيَاءِ، لَا يُرِيدُونَ حَاجَةً مِنَ السّمَاءِ وَ لَا مِنَ الأَرضِ إِلّا ذَكَرُوهَا لِذَلِكَ النّورِ فَأَتَاهُم بِهَا. وَ إِنّ مِمّا ذَكَرَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ لَهُ مِنَ الحَوَائِجِ أَنّهُ قَالَ لأِبَيِ‌ بَكرٍ يَوماًلا تَحسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبّهِم... فَأَشهَدُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَاتَ شَهِيداً،فَإِيّاكَ أَن تَقُولَ إِنّهُ مَيّتٌ، وَ اللّهِ لَيَأتِيَنّكَ،فَاتّقِ اللّهَ إِذَا جَاءَكَ الشّيطَانُ غَيرَ مُتَمَثّلٍ بِهِ.فَعَجِبَ بِهِ أَبُو بَكرٍ فَقَالَ إِن جاَءنَيِ‌ وَ اللّهِ أَطَعتُهُ وَ خَرَجتُ مِمّا أَنَا فِيهِ. قَالَ فَذَكَرَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ لِذَلِكَ النّورَ،فَعَرَجَ إِلَي أَروَاحِ النّبِيّينَ، فَإِذَا مُحَمّدٌ


صفحه : 31

صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد أُلبِسَ وَجهُهُ ذَلِكَ النّورَ، وَ أَتَي وَ هُوَ يَقُولُ يَا أَبَا بَكرٍ آمِن بعِلَيِ‌ّ وَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِن وُلدِهِ،إِنّهُم مثِليِ‌ إِلّا النّبُوّةَ، وَ تُب إِلَي اللّهِ بِرَدّ مَا فِي يَدَيكَ إِلَيهِم،فَإِنّهُ لَا حَقّ لَكَ فِيهِ. قَالَ ثُمّ ذَهَبَ فَلَم يُرَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَجمَعُ النّاسَ فَأَخطُبُهُم بِمَا رَأَيتُ، وَ أَبرَأُ إِلَي اللّهِ مِمّا أَنَا فِيهِ إِلَيكَ يَا عَلِيّ، عَلَي أَن تؤُمنِنَيِ‌ قَالَ مَا أَنتَ بِفَاعِلٍ، وَ لَو لَا أَنّكَ تَنسَي مَا رَأَيتَ لَفَعَلتَ. قَالَ فَانطَلَقَ أَبُو بَكرٍ إِلَي عُمَرَ، وَ رَجَعَ نُورُإِنّا أَنزَلناهُ إِلَي عَلِيّ، فَقَالَ لَهُ قَدِ اجتَمَعَ أَبُو بَكرٍ مَعَ عُمَرَ.فَقُلتُ أَ وَ عَلِمَ النّورُ قَالَ إِنّ لَهُ لِسَاناً نَاطِقاً وَ بَصَراً نَافِذاً يَتَجَسّسُ الأَخبَارَ لِلأَوصِيَاءِ عَلَيهِمُ السّلَامُ، وَ يَستَمِعُ الأَسرَارَ، وَ يَأتِيهِم بِتَفسِيرِ كُلّ أَمرٍ يَكتَتِمُ بِهِ أَعدَاؤُهُم. فَلَمّا أَخبَرَ أَبُو بَكرٍ الخَبَرَ عُمَرَ، قَالَ سَحَرَكَ، وَ إِنّهَا لفَيِ‌ بنَيِ‌ هَاشِمٍ لَقَدِيمَةٌ. قَالَ ثُمّ قَامَا يُخبِرَانِ النّاسَ،فَمَا دَرَيَا مَا يَقُولَانِ. قُلتُ لِمَا ذَا قَالَ لِأَنّهُمَا قَد نَسِيَاهُ. وَ جَاءَ النّورُ فَأَخبَرَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ خَبَرَهُمَا، فَقَالَ بُعداً لَهُمَا كَمَا بَعِدَت ثَمُودُ.بَيَانٌ لَعَلّ المُرَادَ بِنُورِإِنّا أَنزَلناهُالرّوحُ المَذكُورُ فِي تِلكَ السّورَةِ الكَرِيمَةِ.

يج روُيِ‌َ عَن سَلمَانَ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ بَلَغَهُ عَن عُمَرَ ذِكرُ


صفحه : 32

شِيعَتِهِ،فَاستَقبَلَهُ فِي بَعضِ طُرُقَاتِ بَسَاتِينِ المَدِينَةِ، وَ فِي يَدِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَوسٌ عَرَبِيّةٌ. فَقَالَ يَا عُمَرُ،بلَغَنَيِ‌ عَنكَ ذِكرُكَ لشِيِعتَيِ‌. فَقَالَ اربَع عَلَي ظَلعِكَ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّكَ لَهَاهُنَا، ثُمّ رَمَي بِالقَوسِ عَلَي الأَرضِ فَإِذَا هيِ‌َ ثُعبَانٌ كَالبَعِيرِ فَاغِرٌ فَاهُ وَ قَد أَقبَلَ نَحوَ عُمَرَ لِيَبتَلِعَهُ.فَصَاحَ عُمَرُ اللّهَ اللّهَ يَا أَبَا الحَسَنِ، لَا عُدتُ بَعدَهَا فِي شَيءٍ، وَ جَعَلَ يَتَضَرّعُ إِلَيهِ،فَضَرَبَ يَدَهُ إِلَي الثّعبَانِ،فَعَادَتِ القَوسُ كَمَا كَانَت،فَمَرّ عُمَرُ إِلَي بَيتِهِ مَرعُوباً. قَالَ سَلمَانُ فَلَمّا كَانَ فِي اللّيلِ دعَاَنيِ‌ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ صِر إِلَي عُمَرَ،فَإِنّهُ حُمِلَ إِلَيهِ مَالٌ مِن نَاحِيَةِ المَشرِقِ وَ لَم يَعلَم بِهِ أَحَدٌ، وَ قَد عَزَمَ أَن يَحتَبِسَهُ،فَقُل لَهُ يَقُولُ لَكَ عَلِيّ أُخرِجَ إِلَيكَ مَالٌ مِن نَاحِيَةِ المَشرِقِ،فَفَرّقهُ عَلَي مَن


صفحه : 33

جُعِلَ لَهُم، وَ لَا تَحبِسهُ فَأَفضَحَكَ. قَالَ سَلمَانُ فَأَدّيتُ إِلَيهِ الرّسَالَةَ. فَقَالَ حيَرّنَيِ‌ أَمرُ صَاحِبِكَ، مِن أَينَ عَلِمَ بِهِ فَقُلتُ وَ هَل يَخفَي عَلَيهِ مِثلُ هَذَا فَقَالَ لِسَلمَانَ اقبَل منِيّ‌ أَقُولُ لَكَ، مَا عَلِيّ إِلّا سَاحِرٌ، وَ إنِيّ‌ لَمُشفِقٌ عَلَيكَ مِنهُ، وَ الصّوَابُ أَن تُفَارِقَهُ وَ تَصِيرَ فِي جُملَتِنَا. قُلتُ بِئسَ مَا قُلتَ،لَكِنّ عَلِيّاً وَرِثَ مِن أَسرَارِ النّبُوّةِ مَا قَد رَأَيتُ مِنهُ وَ مَا هُوَ أَكبَرُ مِنهُ. قَالَ ارجِع إِلَيهِ فَقُل لَهُ السّمعَ وَ الطّاعَةَ لِأَمرِكَ.فَرَجَعتُ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ أُحَدّثُكَ بِمَا جَرَي بَينَكُمَا فَقُلتُ أَنتَ أَعلَمُ بِهِ منِيّ‌.فَتَكَلّمَ بِكُلّ مَا جَرَي بَينَنَا، ثُمّ قَالَ إِنّ رُعبَ الثّعبَانِ فِي قَلبِهِ إِلَي أَن يَمُوتَ.بَيَانٌ قَالَ الجوَهرَيِ‌ّ رَبِعَ الرّجُلُ يَربَعُ إِذَا وَقَفَ وَ تَحَبّسَ، وَ مِنهُ قَولُهُم اربَع عَلَي نَفسِكَ وَ اربَع عَلَي ظَلعِكَ، أَي ارفُق بِنَفسِكَ وَ كُفّ وَ لَا تَحمِل عَلَيهَا أَكثَرَ مِمّا تُطِيقُ.

قب عَبدُ اللّهِ بنُ سُلَيمَانَ وَ زِيَادُ بنُ المُنذِرِ وَ الحَسَنُ بنُ العَبّاسِ


صفحه : 34

ابنُ جَرِيشٍ،كُلّهُم عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ. وَ أَبَانُ بنُ تَغلِبَ وَ مُعَاوِيَةُ بنُ عَمّارٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ المكُاَريِ‌،كُلّهُم عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لقَيِ‌َ الأَوّلَ فَاحتَجّ عَلَيهِ. ثُمّ قَالَ أَ تَرضَي بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بيَنيِ‌ وَ بَينَكَ فَقَالَ وَ كَيفَ لِي بِذَلِكَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَتَي بِهِ مَسجِدَ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ فِيهِ،فَقَضَي لَهُ عَلَي الأَوّلِ .. القِصّةَ.

كشف عَن عَبدِ خَيرٍ، قَالَ اجتَمَعَ عِندَ عُمَرَ جَمَاعَةٌ مِن قُرَيشٍ،فِيهِم عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ،فَتَذَاكَرُوا الشّرَفَ، وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ سَاكِتٌ، فَقَالَ عُمَرُ مَا لَكَ يَا أَبَا الحَسَنِ سَاكِتاً وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ كَرِهَ الكَلَامَ، فَقَالَ عُمَرُ لَتَقُولَنّ يَا أَبَا الحَسَنِ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ


اللّهُ أَكرَمَنَا بِنَصرِ نَبِيّهِ   وَ بِنَا أَعَزّ شَرَائِعَ الإِسلَامِ

فِي كُلّ مُعتَرَكٍ تُزِيلُ سُيُوفُنَا   فِيهِ الجَمَاجِمَ عَن فِرَاخِ الهَامِ

وَ يَزُورُنَا جِبرِيلُ فِي أَبيَاتِنَا   بِفَرَائِضِ الإِسلَامِ وَ الأَحكَامِ

فَنَكُونُ أَوّلَ مُستَحِلّ حِلّهُ   وَ مُحَرّمٍ لِلّهِ كُلّ حَرَامٍ

نَحنُ الخِيَارُ مِنَ البَرّيّةِ كُلّهَا   وَ نِظَامُهَا وَ زِمَامُ كُلّ زِمَامٍ

إِنّا لَنَمنَعُ مَن أَرَدنَا مَنعَهُ   وَ نُقِيمُ رَأسَ الأَصيَدِ القَمقَامِ

وَ تَرُدّ عَادِيَةُ الخَمِيسِ سُيُوفَنَا   فَالحَمدُ لِلرّحمَنِ ذيِ‌ الإِنعَامِ

بيان قال الفيروزآبادي‌ الفرخ مقدّم الدّماغ.


صفحه : 35

و قال الجوهري‌ وقول الفرزدق


و يوم جعلنا البيض فيه لعامر   مصمّمة تفأي فراخ الجماجم

يعني به الدّماغ. والزّمام ككتاب مايجعل في أنف البعير فينقاد به ، ولعلّ المراد زمام كلّ ذي‌ زمام . و قال الفيروزآبادي‌ الأصيد الملك ، ورافع رأسه كبرا. و قال القمقام ويضمّ السّيّد. والخميس الجيش .

إِرشَادُ القُلُوبِ روُيِ‌َ عَنِ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ أَبَا بَكرٍ لقَيِ‌َ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي سِكّةِ بنَيِ‌ النّجّارِ،فَسَلّمَ عَلَيهِ وَ صَافَحَهُ وَ قَالَ


صفحه : 36

لَهُ يَا أَبَا الحَسَنِ أَ فِي نَفسِكَ شَيءٌ مِنِ استِخلَافِ النّاسِ إيِاّي‌َ، وَ مَا كَانَ مِن يَومِ السّقِيفَةِ، وَ كَرَاهِيَتِكَ البَيعَةَ وَ اللّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِن إرِاَدتَيِ‌، إِلّا أَنّ المُسلِمِينَ اجتَمَعُوا عَلَي أَمرٍ لَم يَكُن لِي أَن أُخَالِفَ عَلَيهِم فِيهِ،لِأَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَا تَجتَمِعُ أمُتّيِ‌ عَلَي الضّلَالِ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَبَا بَكرٍ،أُمّتُهُ الّذِينَ أَطَاعُوهُ فِي عَهدِهِ مِن بَعدِهِ، وَ أَخَذُوا بِهُدَاهُ، وَ أَوفُوا بِمَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيهِ، وَ لَم يُبَدّلُوا وَ لَم يُغَيّرُوا. قَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ وَ اللّهِ يَا عَلِيّ لَو شَهِدَ عنِديِ‌ السّاعَةَ مَن أَثِقُ بِهِ أَنّكَ أَحَقّ بِهَذَا الأَمرِ سَلّمتُهُ إِلَيكَ،رضَيِ‌َ مَن رضَيِ‌َ وَ سَخِطَ مَن سَخِطَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَبَا بَكرٍ فَهَل تَعلَمُ أَحَداً أَوثَقَ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ قَد أَخَذَ بيَعتَيِ‌ عَلَيكَ فِي أَربَعَةِ مَوَاطِنَ وَ عَلَي جَمَاعَةٍ مَعَكَ فِيهِم عُمَرُ وَ عُثمَانُ فِي يَومِ الدّارِ، وَ فِي بَيعَةِ الرّضوَانِ تَحتَ الشّجَرَةِ، وَ يَومَ جُلُوسِهِ فِي بَيتِ أُمّ سَلَمَةَ، وَ فِي يَومِ الغَدِيرِ بَعدَ رُجُوعِهِ مِن حَجّةِ الوَدَاعِ فَقُلتُم بِأَجمَعِكُم سَمِعنَا وَ أَطَعنَا اللّهَ وَ رَسُولَهُ.


صفحه : 37

فَقَالَ لَكُم اللّهُ وَ رَسُولُهُ عَلَيكُم مِنَ الشّاهِدِينَ.فَقُلتُم بِأَجمَعِكُم اللّهُ وَ رَسُولُهُ عَلَينَا مِنَ الشّاهِدِينَ. فَقَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَليَشهَد بَعضُكُم عَلَي بَعضٍ، وَ ليُبَلّغ شَاهِدُكُم غَائِبَكُم، وَ مَن سَمِعَ مِنكُم فَليُسمِع مَن لَم يَسمَع.فَقُلتُم نَعَم يَا رَسُولَ اللّهِ، وَ قُمتُم بِأَجمَعِكُم تَهنُونَ رَسُولَ اللّهِ وَ تهَنوُنيِ‌ بِكَرَامَةِ اللّهِ لَنَا،فَدَنَا عُمَرُ وَ ضَرَبَ عَلَي كتَفِيِ‌ وَ قَالَ بِحَضرَتِكُم بَخ بَخ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ أَصبَحتَ مَولَانَا وَ مَولَي المُؤمِنِينَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لَقَد ذكَرّتنَيِ‌ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَمراً، لَو يَكُونُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ شَاهِداً فَأَسمَعُهُ مِنهُ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ عَلَيكَ مِنَ الشّاهِدِينَ، يَا أَبَا بَكرٍ إِذَا رَأَيتَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَيّاً وَ يَقُولُ لَكَ إِنّكَ ظَالِمٌ لِي فِي أَخذِ حقَيّ‌َ ألّذِي جَعَلَهُ اللّهُ لِي وَ رَسُولُهُ دُونَكَ وَ دُونَ المُسلِمِينَ


صفحه : 38

أَ تُسَلّمُ هَذَا الأَمرَ إلِيَ‌ّ وَ تَخلَعُ نَفسَكَ مِنهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَا أَبَا الحَسَنِ وَ هَذَا يَكُونُ أَرَي رَسُولَ اللّهِ حَيّاً بَعدَ مَوتِهِ وَ يَقُولُ لِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ نَعَم يَا أَبَا بَكرٍ. قَالَ فأَرَنِيِ‌ ذَلِكَ إِن كَانَ حَقّاً. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ عَلَيكَ مِنَ الشّاهِدِينَ إِنّكَ تفَيِ‌ بِمَا قُلتَ قَالَ أَبُو بَكرٍ نَعَم.فَضَرَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي يَدِهِ وَ قَالَ تَسعَي معَيِ‌ نَحوَ مَسجِدِ قُبَا، فَلَمّا وَرَدَاهُ تَقَدّمَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَدَخَلَ المَسجِدَ وَ أَبُو بَكرٍ مِن وَرَائِهِ، فَإِذَا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي قِبلَةِ المَسجِدِ، فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكرٍ سَقَطَ لِوَجهِهِ كاَلمغَشيِ‌ّ عَلَيهِ.فَنَادَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ارفَع رَأسَكَ أَيّهَا الضّلِيلُ المَفتُونُ.فَرَفَعَ أَبُو بَكرٍ رَأسَهُ وَ قَالَ لَبّيكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، أَ حَيَاةٌ بَعدَ المَوتِ يَا رَسُولَ اللّهِ


صفحه : 39

فَقَالَ وَيلَكَ يَا أَبَا بَكرٍإِنّ ألّذِي أَحياها لمَحُي‌ِ المَوتي إِنّهُ عَلي كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ. قَالَ فَسَكَتَ أَبُو بَكرٍ وَ شَخَصَت عَينَاهُ نَحوَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ لَهُ وَيلَكَ يَا أَبَا بَكرٍ نَسِيتَ مَا عَاهَدتَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ عَلَيكَ فِي المَوَاطِنِ الأَربَعَةِ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ مَا أَنسَاهَا يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ مَا بَالُكَ اليَومَ تُنَاشِدُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ عَلَيهَا، وَ يُذَكّرُكَ وَ تَقُولُ نَسِيتُ .. وَ قَصّ عَلَيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا جَرَي بَينَهُ وَ بَينَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ .. إِلَي آخِرِهِ،فَمَا نَقَصَ مِنهُ كَلِمَةً وَ لَا زَادَ فِيهِ كَلِمَةً. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ فَهَل مِن تَوبَةٍ وَ هَل يَعفُو اللّهُ عنَيّ‌ إِذَا سَلّمتُ هَذَا الأَمرَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ قَالَ نَعَم يَا أَبَا بَكرٍ، وَ أَنَا الضّامِنُ لَكَ عَلَي اللّهِ ذَلِكَ إِن وَفَيتَ. قَالَ وَ غَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَنهُمَا،فَتَشَبّثَ أَبُو بَكرٍ بِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ اللّهَ اللّهَ فِيّ يَا عَلِيّ،صِر معَيِ‌ إِلَي مِنبَرِ رَسُولِ اللّهِ


صفحه : 40

حَتّي أَعلُوَ المِنبَرَ فَأَقُصّ عَلَي النّاسِ مَا شَاهَدتُ وَ مَا رَأَيتُ مِن رَسُولِ اللّهِ وَ مَا قَالَ لِي وَ مَا قُلتُ لَهُ وَ مَا أمَرَنَيِ‌ بِهِ، وَ أَخلَعَ نفَسيِ‌ عَن هَذَا الأَمرِ وَ أُسَلّمَهُ إِلَيكَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنَا مَعَكَ إِن تَرَكَكَ شَيطَانُكَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إِن لَم يتَركُنيِ‌ تَرَكتُهُ وَ عَصَيتُهُ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِذاً تُطِيعَهُ وَ لَا تَعصِيَهُ، وَ إِنّمَا رَأَيتَ مَا رَأَيتَ لِتَأكِيدِ الحُجّةِ عَلَيكَ. وَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَ خَرَجَا مِن مَسجِدِ قُبَا يُرِيدَانِ مَسجِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَبُو بَكرٍ يَتَلَوّنُ أَلوَاناً، وَ النّاسُ يَنظُرُونَ إِلَيهِ وَ لَا يَدرُونَ مَا ألّذِي كَانَ. حَتّي لَقِيَهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ مَا شَأنُكَ، وَ مَا ألّذِي دَهَاكَ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ خَلّ عنَيّ‌ يَا عُمَرُ،فَوَ اللّهِ لَا سَمِعتُ لَكَ قَولًا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَ أَينَ تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أُرِيدُ المَسجِدَ وَ المِنبَرَ. فَقَالَ هَذَا لَيسَ وَقتَ صَلَاةٍ وَ مِنبَرٍ. قَالَ خَلّ عنَيّ‌ وَ لَا حَاجَةَ لِي فِي كَلَامِكَ. فَقَالَ عُمَرُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ أَ فَلَا تَدخُلُ قَبلَ المَسجِدِ مَنزِلَكَ فَتُسبِغَ


صفحه : 41

الوُضُوءَ قَالَ بَلَي، ثُمّ التَفَتَ أَبُو بَكرٍ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا الحَسَنِ تَجلِسُ إِلَي جَانِبِ المِنبَرِ حَتّي أَخرُجَ إِلَيكَ.فَتَبَسّمَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، ثُمّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا بَكرٍ، قَد قُلتُ لَكَ إِنّ شَيطَانَكَ لَا يَدَعُكَ أَو يُردِيَكَ، وَ مَضَي أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ جَلَسَ بِجَانِبِ المِنبَرِ.فَدَخَلَ أَبُو بَكرٍ مَنزِلَهُ، وَ مَعَهُ عُمَرُ، فَقَالَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ لِمَ لَا تنُبئِنُيِ‌ بِأَمرِكَ، وَ تحُدَثّنُيِ‌ بِمَا دَهَاكَ بِهِ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ وَيحَكَ يَا عُمَرُ يَرجِعُ رَسُولُ اللّهِ بَعدَ مَوتِهِ حَيّاً فيَخُاَطبِنُيِ‌ فِي ظلُميِ‌ لعِلَيِ‌ّ،بِرَدّ حَقّهِ عَلَيهِ وَ خَلعِ نفَسيِ‌ مِن هَذَا الأَمرِ. فَقَالَ عُمَرُ قُصّ عَلَيّ قِصّتَكَ مِن أَوّلِهَا إِلَي آخِرِهَا. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ وَيحَكَ يَا عُمَرُ قَد قَالَ لِي عَلِيّ إِنّكَ لَا تدَعَنُيِ‌ أَخرُجُ مِن هَذِهِ المَظلِمَةِ، وَ إِنّكَ شيَطاَنيِ‌،فدَعَنيِ‌ عَنكَ،فَلَم يَزَل يَرقُبُهُ إِلَي أَن حَدّثَهُ بِحَدِيثِهِ كُلّهِ.


صفحه : 42

فَقَالَ لَهُ بِاللّهِ عَلَيكَ يَا أَبَا بَكرٍ، أَ نَسِيتَ شِعرَكَ[ فِي]أَوّلِ شَهرِ رَمَضَانَ ألّذِي فُرِضَ عَلَينَا صِيَامُهُ،حَيثُ جَاءَكَ حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ وَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ وَ نُعمَانُ الأزَديِ‌ّ وَ خُزَيمَةُ بنُ ثَابِتٍ فِي يَومِ جُمُعَةٍ إِلَي دَارِكَ ليقضين [لِيَتَقَاضَوكَ]دَينَكَ عَلَيكَ، فَلَمّا انتَهَوا إِلَي بَابِ الدّارِ سَمِعُوا لَكَ صَلصَلَةً فِي الدّارِ،فَوَقَفُوا بِالبَابِ وَ لَم يَستَأذِنُوا عَلَيكَ،فَسَمِعُوا أُمّ بَكرٍ زَوجَتَكَ تُنَاشِدُكَ وَ تَقُولُ قَد عَمِلَ حَرّ الشّمسِ بَينَ كَتِفَيكَ،قُم إِلَي دَاخِلِ البَيتِ وَ أَبعِد مِنَ البَابِ لَا يَسمَعكَ بَعضُ أَصحَابِ مُحَمّدٍ فَيُهدِرُوا دَمَكَ،فَقَد عَلِمتَ أَنّ مُحَمّداً أَهدَرَ دَمَ مَن أَفطَرَ يَوماً مِن شَهرِ رَمَضَانَ مِن غَيرِ سَفَرٍ وَ لَا مَرَضٍ خِلَافاً عَلَي اللّهِ وَ عَلَي مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ.فَقُلتَ لَهَا هَاتِ لَا أُمّ لَكِ فَضلَ طعَاَميِ‌ مِنَ اللّيلِ، وَ أتَرعِيِ‌ الكَأسَ مِنَ الخَمرِ، وَ حُذَيفَةُ وَ مَن مَعَهُ بِالبَابِ يَسمَعُونَ مُحَاوَرَتَكُمَا،فَجَاءَت بِصَحفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ مِنَ اللّيلِ وَ قصب [قَعبٌ]مَملُوءٌ خَمراً،فَأَكَلتَ مِنَ الصّحفَةِ وَ كَرَعتَ الخَمرَ،


صفحه : 43

فَأَضحَي النّهَارُ وَ قَد قُلتَ لِزَوجَتِكَ


ذرَيِنيِ‌ أَصطَبِح يَا أُمّ بَكرٍ   فَإِنّ المَوتَ نَفّثَ عَن هِشَامٍ

إِلَي أَنِ انتَهَيتَ فِي قَولِكَ


يَقُولُ لَنَا ابنُ كَبشَةَ سَوفَ نُحيَا   وَ كَيفَ حَيَاةُ أَشلَاءٍ وَ هَامٍ

وَ لَكِن بَاطِلًا قَد قَالَ هَذَا   وَ إِفكاً مِن زَخَارِيفِ الكَلَامِ

أَلَا هَل مُبلِغُ الرّحمَنِ عنَيّ‌   بأِنَيّ‌ تَارِكٌ شَهرَ الصّيَامِ

وَ تَارِكُ كُلّ مَا أَوحَي إِلَينَا   مُحَمّدٌ مِن أَسَاطِيرِ الكَلَامِ

فَقُل لِلّهِ يمَنعَنُيِ‌ شرَاَبيِ‌   وَ قُل لِلّهِ يمَنعَنُيِ‌ طعَاَميِ‌

وَ لَكِنّ الحَكِيمَ رَأَي حَمِيراً   فَأَلجَمَهَا فَتَاهَت بِاللّجَامِ

فَلَمّا سَمِعَكَ حُذَيفَةُ وَ مَن مَعَهُ تَهجُو مُحَمّداً،قَحَمُوا عَلَيكَ فِي دَارِكَ،فَوَجَدُوكَ وَ قَعبُ الخَمرِ فِي يَدَيكَ، وَ أَنتَ تَكرَعُهَا،فَقَالُوا لَكَ يَا عَدُوّ اللّهِ خَالَفتَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ، وَ حَمَلُوكَ كَهَيئَتِكَ إِلَي مَجمَعِ النّاسِ بِبَابِ رَسُولِ اللّهِ، وَ قَصّوا عَلَيهِ قِصّتَكَ، وَ أَعَادُوا شِعرَكَ،فَدَنَوتُ مِنكَ وَ سَارَرتُكَ وَ قُلتُ لَكَ فِي ضَجِيجِ النّاسِ قُل إنِيّ‌ شَرِبتُ الخَمرَ لَيلًا،فَثَمِلتُ فَزَالَ عقَليِ‌،فَأَتَيتُ مَا أَتَيتُهُ نَهَاراً،


صفحه : 44

وَ لَا عِلمَ لِي بِذَلِكَ،فَعَسَي أَن يُدرَأَ عَنكَ الحَدّ. وَ خَرَجَ مُحَمّدٌ وَ نَظَرَ إِلَيكَ، فَقَالَ أَيقِظُوهُ،فَقُلنَ[فَقُلتُ]رَأَينَاهُ وَ هُوَ ثَمِلٌ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا يَعقِلُ، فَقَالَ وَيحَكُم الخَمرُ يُزِيلُ العَقلَ،تَعلَمُونَ هَذَا مِن أَنفُسِكُم وَ أَنتُم تَشرَبُونَهَا فَقُلنَا يَا رَسُولَ اللّهِ وَ قَد قَالَ فِيهَا إِمرُؤُ القَيسِ شِعراً


شَرِبتُ الخَمرَ حَتّي زَالَ عقَليِ‌   كَذَاكَ[BA]الخَمرُ يَفعَلُ]بِالعُقُولِ

ثُمّ قَالَ مُحَمّدٌ أَنظِرُوهُ إِلَي إِفَاقَتِهِ مِن سَكرَتِهِ.فَأَمهَلُوكَ حَتّي أَرَيتَهُم أَنّكَ قَد صَحَوتَ،فَسَاءَلَكَ مُحَمّدٌ،فَأَخبَرتَهُ بِمَا أَوعَزتُهُ إِلَيكَ مِن شُربِكَ بِهَا بِاللّيلِ.فَمَا بَالُكَ اليَومَ تُؤمِنُ بِمُحَمّدٍ وَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَ هُوَ عِندَنَا سَاحِرٌ كَذّابٌ. فَقَالَ وَيحَكَ يَا أَبَا حَفصٍ لَا شَكّ عنِديِ‌ فِيمَا قَصَصتَهُ عَلَيّ،فَاخرُج إِلَي ابنِ أَبِي طَالِبٍ فَاصرِفهُ عَنِ المِنبَرِ. قَالَ فَخَرَجَ عُمَرُ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ جَالِسٌ تَحتَ المِنبَرِ فَقَالَ مَا


صفحه : 45

بَالُكَ يَا عَلِيّ قَد تَصَدّيتَ لَهَا هَيهَاتَ هَيهَاتَ، وَ اللّهِ دُونَ مَا تَرُومُ مِن عُلُوّ هَذَا المِنبَرِ خَرطُ القَتَادِ.فَتَبَسّمَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ حَتّي بَدَت نَوَاجِدُهُ، ثُمّ قَالَ وَيلَكَ مِنهَا وَ اللّهِ يَا عُمَرُ إِذَا أُفضِيَت إِلَيكَ، وَ الوَيلُ لِلأُمّةِ مِن بَلَائِكَ فَقَالَ عُمَرُ هَذِهِ بُشرَي يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ،صَدَقَت ظُنُونُكَ وَ حَقّ قَولُكَ. وَ انصَرَفَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي مَنزِلِهِ، وَ كَانَ هَذَا مِن دَلَائِلِهِ عَلَيهِ السّلَامُ

بيان الصّلصَلَةُ الصّوت. قوله نَفَثَ عن هشام ،لعلّ المعني نفخ عن جود النفس ، قال الفيروزآبادي‌ الهشام ككتاب الجود، و في بعض النسخ نقب بالقاف والباء الموحّدة،فلعلّه جمع هشيم ، أي يوضح عن العظام المتكسّرة.


صفحه : 46

وأشلاء الإنسان أعضاؤه بعدالبلي والتّفرّق وأوعزت إليه في كذا أي تقدّمت.أقول أوردت هذاالخبر و لاأعتمد عليه كلّ الاعتماد لموافقته في بعض المضامين لسائر الآثار، و اللّه أعلم بحقائق الأخبار.

وَ روُيِ‌َ أَيضاً فِي الإِرشَادِ بِحَذفِ الإِسنَادِ،مَرفُوعاً إِلَي جَابِرٍ الجعُفيِ‌ّ قَالَقَلّدَ أَبُو بَكرٍ الصّدَقَاتِ بِقُرَي المَدِينَةِ وَ ضِيَاعِ فَدَكَ رَجُلًا مِن ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ الأَشجَعُ بنُ مُزَاحِمٍ الثقّفَيِ‌ّ وَ كَانَ شُجَاعاً، وَ كَانَ لَهُ أَخٌ قَتَلَهُ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فِي وَقعَةِ هَوَازِنَ وَ ثَقِيفٍ فَلَمّا خَرَجَ الرّجُلُ عَنِ المَدِينَةِ جَعَلَ أَوّلَ قَصدِهِ ضَيعَةً مِن ضِيَاعِ أَهلِ البَيتِ تُعرَفُ بِبَانِقيَا،فَجَاءَ بَغتَةً وَ احتَوَي عَلَيهَا وَ عَلَي صَدَقَاتٍ كَانَت لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَتَوَكّلَ بِهَا وَ تَغَطرَسَ عَلَي أَهلِهَا، وَ كَانَ الرّجُلُ زِندِيقاً مُنَافِقاً.


صفحه : 47

فَابتَدَرَ أَهلُ القَريَةِ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِرَسُولٍ يُعلِمُونَهُ مَا فُرّطَ مِنَ الرّجُلِ.فَدَعَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِدَابّةٍ لَهُ تُسَمّي السّابِحَ وَ كَانَ أَهدَاهُ إِلَيهِ ابنُ عَمّ لِسَيفِ بنِ ذيِ‌ يَزَنَ وَ تَعَمّمَ بِعِمَامَةٍ سَودَاءَ، وَ تَقَلّدَ بِسَيفَينِ، وَ أَجنَبَ دَابّتَهُ المُرتَجِزَ، وَ أَصحَبَ مَعَهُ الحُسَينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ عَمّارَ بنَ يَاسِرٍ وَ الفَضلَ بنَ العَبّاسِ وَ عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ وَ عَبدَ اللّهِ بنَ العَبّاسِ، حَتّي وَافَي القَريَةَ،فَأَنزَلَهُ عَظِيمُ القَريَةِ فِي مَسجِدٍ يُعرَفُ بِمَسجِدِ القَضَاءِ، ثُمّ وَجّهَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ الحُسَينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَسأَلُهُ المَصِيرَ إِلَيهِ.فَصَارَ إِلَيهِ الحُسَينُ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ أَجِب أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَقَالَ وَ مَن أَمِيرُ المُؤمِنِينَ. فَقَالَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ أَبُو بِكرٍ خَلّفتُهُ بِالمَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ الحُسَينُ عَلَيهِ السّلَامُ أَجِب عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ أَنَا سُلطَانٌ وَ هُوَ مِنَ العَوَامّ، وَ الحَاجَةُ لَهُ،فَليَصِر هُوَ إلِيَ‌ّ.


صفحه : 48

فَقَالَ لَهُ الحُسَينُ وَيلَكَ أَ يَكُونُ مِثلُ واَلدِيِ‌ مِنَ العَوَامّ، وَ مِثلُكَ يَكُونُ السّلطَانَ فَقَالَ أَجَل،لِأَنّ وَالِدَكَ لَم يَدخُل فِي بَيعَةِ أَبِي بَكرٍ إِلّا كُرهاً، وَ بَايَعنَاهُ.طَائِعِينَ، وَ كُنّا لَهُ غَيرَ كَارِهِينَ،فَشَتّانَ بَينَنَا وَ بَينَهُ.فَصَارَ الحُسَينُ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَعلَمَهُ مَا كَانَ مِن قَولِ الرّجُلِ.فَالتَفَتَ إِلَي عَمّارٍ فَقَالَ يَا أَبَا اليَقظَانِ صِر إِلَيهِ وَ الطُف لَهُ فِي القَولِ، وَ اسأَلهُ أَن يَصِيرَ إِلَينَا،فَإِنّهُ لَا يَجِبُ لوِصَيِ‌ّ مِنَ الأَوصِيَاءِ أَن يَصِيرَ إِلَي أَهلِ الضّلَالَةِ،فَنَحنُ مِثلُ بَيتِ اللّهِ يُؤتَي وَ لَا يأَتيِ‌.فَصَارَ إِلَيهِ عَمّارٌ، وَ قَالَ مَرحَباً يَا أَخَا ثَقِيفٍ، مَا ألّذِي أَقدَمَكَ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ فِي حِيَازَتِهِ، وَ حَمَلَكَ عَلَي الدّخُولِ فِي مَسَاءَتِهِ،فَصِر إِلَيهِ، وَ أَفصِح عَن حُجّتِكَ.فَانتَهَرَ عَمّاراً، وَ أَفحَشَ لَهُ فِي الكَلَامِ، وَ كَانَ عَمّارٌ شَدِيدَ الغَضَبِ،


صفحه : 49

فَوَضَعَ حَمَائِلَ سَيفِهِ فِي عُنُقِهِ،فَمَدّ يَدَهُ إِلَي السّيفِ.فَقِيلَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ الحَق عَمّاراً،فَالسّاعَةَ يَقطَعُونَهُ،فَوَجّهَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ الجَمعَ، فَقَالَ لَهُم لَا تُهَابُوهُ وَ صَيّرُوا بِهِ إلِيَ‌ّ. وَ كَانَ مَعَ الرّجُلِ ثَلَاثُونَ فَارِساً مِن خِيَارِ قَومِهِ،فَقَالُوا لَهُ وَيلَكَ هَذَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ قَتَلَكَ وَ قَتلُ أَصحَابِكَ عِندَهُ دُونَ النّطفَةِ،فَسَكَتَ القَومُ جَزَعاً مِن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ،فَسُحِبَ الأَشجَعُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي حُرّ وَجهِهِ سَحباً. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ دَعُوهُ وَ لَا تَعجَلُوا، فَإِنّ العَجَلَةَ وَ الطّيشَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَجُ اللّهِ وَ بَرَاهِينُهُ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَيلَكَ بِمَا استَحلَلتَ مَا أَخَذتَ مِن أَموَالِ أَهلِ البَيتِ وَ مَا حُجّتُكَ عَلَي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ وَ أَنتَ فَبِمَ استَحلَلتَ قَتلَ هَذَا الخَلقِ فِي كُلّ حَقّ وَ بَاطِلٍ، وَ أَنّ مَرضَاةَ صاَحبِيِ‌ لهَيِ‌َ أَحَبّ إلِيَ‌ّ مِنِ اتّبَاعِ مُوَافَقَتِكَ.


صفحه : 50

فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَيهاً عَلَيكَ مَا أَعرِفُ مِن نفَسيِ‌ إِلَيكَ ذَنباً إِلّا قَتلَ أَخِيكَ يَومَ هَوَازِنَ، وَ لَيسَ بِمِثلِ هَذَا القَتلِ تُطلَبُ الثّارَاتُ،فَقَبّحَكَ اللّهُ وَ تَرّحَكَ. فَقَالَ لَهُ الأَشجَعُ بَل قَبّحَكَ اللّهُ وَ بَتَرَ عُمُرَكَ أَو قَالَ تَرّحَكَ فَإِنّ حَسَدَكَ لِلخُلَفَاءِ لَا يَزَالُ بِكَ حَتّي يُورِدَكَ مَوَارِدَ الهَلَكَةِ وَ المَعَاطِبِ، وَ بَغيُكَ عَلَيهِم يَقصُرُ بِكَ عَن مُرَادِكَ.فَغَضِبَ الفَضلُ بنُ العَبّاسِ مِن قَولِهِ، ثُمّ تَمَطّي عَلَيهِ بِسَيفِهِ فَحَلّ عُنُقَهُ وَ رَمَاهُ عَن جَسَدِهِ بِسَاعِدِهِ اليُمنَي،فَاجتَمَعَ أَصحَابُهُ عَلَي الفَضلِ،فَسَلّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ سَيفَهُ ذَا الفَقَارِ، فَلَمّا نَظَرَ القَومُ إِلَي بَرِيقِ عيَنيَ‌ِ الإِمَامِ وَ لَمَعَانِ ذيِ‌ الفَقَارِ فِي كَفّهِ رَمَوا سِلَاحَهُم وَ قَالُوا الطّاعَةَ الطّاعَةَ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أُفّ لَكُم،انصَرِفُوا بِرَأسِ صَاحِبِكُم هَذَا الأَصغَرِ إِلَي صَاحِبِكُمُ الأَكبَرِ،فَمَا بِمِثلِ قَتلِكُم يُطلَبُ الثّارُ، وَ لَا تنَقضَيِ‌ الأَوتَارُ


صفحه : 51

فَانصَرَفُوا وَ مَعَهُم رَأسُ صَاحِبِهِم، حَتّي أَلقَوهُ بَينَ يدَيَ‌ أَبِي بِكرٍ.فَجَمَعَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارَ، وَ قَالَ يَا مَعَاشِرَ النّاسِ، إِنّ أَخَاكُم الثقّفَيِ‌ّ أَطَاعَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أوُليِ‌ الأَمرِ مِنكُم،فَقَلّدتُهُ صَدَقَاتِ المَدِينَةِ وَ مَا يَلِيهَا،فَفَاقَصَهُ ابنُ أَبِي طَالِبٍ،فَقَتَلَهُ أَخبَثَ قَتلَةٍ، وَ مَثّلَ بِهِ أَخبَثَ مُثلَةٍ، وَ قَد خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِن أَصحَابِهِ إِلَي قُرَي الحِجَازِ،فَليَخرُج إِلَيهِ مِن شُجعَانِكُم وَ ليَرُدّوهُ عَن سُنّتِهِ، وَ استَعِدّوا لَهُ مِنَ الخَيلِ وَ السّلَاحِ وَ مَا يَتَهَيّأُ لَكُم، وَ هُوَ مَن تَعرِفُونَهُ الدّاءُ ألّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ، وَ الفَارِسُ ألّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ. قَالَ فَسَكَتَ القَومُ مَلِيّاً كَأَنّ الطّيرَ عَلَي رُءُوسِهِم. فَقَالَ أَ خُرسٌ أَنتُم أَم ذَوُو أَلسُنٍ فَالتَفَتَ إِلَيهِ رَجُلٌ مِنَ الأَعرَابِ يُقَالُ لَهُ الحَجّاجُ بنُ الصّخرِ، فَقَالَ لَهُ إِن صِرتَ إِلَيهِ سِرنَا مَعَكَ،فَأَمّا لَو سَارَ جَيشُكَ هَذَا لَيَنحَرَنّهُم عَن آخِرِهِم كَنَحرِ البُدنِ. ثُمّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ أَ تَعلَمُ إِلَي مَن تُوَجّهُنَا إِنّكَ تُوَجّهُنَا إِلَي الجَزّارِ


صفحه : 52

الأَعظَمِ ألّذِي يَختَطِفُ الأَروَاحَ بِسَيفِهِ خَطفاً، وَ اللّهِ إِنّ لِقَاءَ مَلَكِ المَوتِ أَسهَلُ عَلَينَا مِن لِقَاءِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ لَا جُزِيتُم مِن قَومٍ عَن إِمَامِكُم خَيراً، إِذَا ذُكِرَ لَكُم عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ دَارَت أَعيُنُكُم فِي وُجُوهِكُم، وَ أَخَذَتكُم سَكرَةُ المَوتِ، أَ هَكَذَا يُقَالُ لمِثِليِ‌ قَالَ فَالتَفَتَ إِلَيهِ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَقَالَ لَيسَ لَهُ إِلّا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ.فَالتَفَتَ إِلَيهِ أَبُو بَكرٍ فَقَالَ يَا أَبَا سُلَيمَانَ، أَنتَ اليَومَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللّهِ، وَ رُكنٌ مِن أَركَانِهِ، وَ حَتفُ اللّهِ عَلَي أَعدَائِهِ، وَ قَد شَقّ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَصَا هَذِهِ الأُمّةِ، وَ خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِن أَصحَابِهِ إِلَي ضِيَاعِ الحِجَازِ، وَ قَد قَتَلَ مِن شِيعَتِنَا لَيثاً صَئُولًا وَ كَهفاً مَنِيعاً،فَصِر إِلَيهِ فِي كَثِيفٍ مِن قَومِكَ وَ سَلهُ أَن يَدخُلَ الحَضرَةَ،فَقَد عَفَونَا عَنهُ، فَإِن نَابَذَكَ الحَربَ فَجِئنَا بِهِ أَسِيراً.فَخَرَجَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ فِي خَمسِمِائَةِ فَارِسٍ مِن أَبطَالِ قَومِهِ، قَد أَشخَنُوا


صفحه : 53

سِلَاحاً، حَتّي قَدِمُوا عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ فَنَظَرَ الفَضلُ بنُ العَبّاسِ إِلَي غَبَرَةِ الخَيلِ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَد وَجّهَ إِلَيكَ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ بِقَسطَلٍ يَدُقّونَ الأَرضَ بِحَوَافِرِ الخَيلِ دَقّاً. فَقَالَ يَا ابنَ العَبّاسِ هَوّن عَلَيكَ،فَلَو كَانَ صَنَادِيدَ قُرَيشٍ وَ قَبَائِلَ حُنَينٍ وَ فُرسَانَ هَوَازِنَ لَمَا استَوحَشتُ إِلّا مِن ضَلَالَتِهِم. ثُمّ قَامَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَشَدّ مِحزَمَ الدّابّةِ، ثُمّ استَلقَي عَلَي قَفَاهُ نَائِماً تَهَاوُناً بِخَالِدٍ، حَتّي وَافَاهُ،فَانتَبَهَ لِصَهِيلِ الخَيلِ. فَقَالَ يَا أَبَا سُلَيمَانَ مَا ألّذِي عَدَلَ بِكَ إلِيَ‌ّ فَقَالَ عَدَلَ بيِ‌ إِلَيكَ مَن أَنتَ أَعلَمُ بِهِ منِيّ‌. فَقَالَ فَأَسمِعنَا الآنَ. فَقَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ أَنتَ فَهِمٌ غَيرُ مُفَهّمٍ، وَ عَالِمٌ غَيرُ مُعَلّمٍ،فَمَا هَذِهِ اللّوثَةُ التّيِ‌ بَدَرَت مِنكَ، وَ النّبوَةُ التّيِ‌ قَد ظَهَرَت فِيكَ، إِن كُنتَ كَرِهتَ


صفحه : 54

هَذَا الرّجُلَ فَلَيسَ يَكرَهُكَ، وَ لَا تَكُونَنّ وَلَايَتُهُ ثِقلًا عَلَي كَاهِلِكَ، وَ لَا شَجاً فِي حَلقِكَ،فَلَيسَ بَعدَ الهِجرَةِ بَينَكَ وَ بَينَهُ خِلَافٌ، وَ دَعِ النّاسَ وَ مَا تَوَلّوهُ،ضَلّ مَن ضَلّ، وَ هَدَي مَن هَدَي، وَ لَا تُفَرّق بَينَ كَلِمَةٍ مُجتَمِعَةٍ، وَ لَا تُضرِمِ النّارَ بَعدَ خُمُودِهَا،فَإِنّكَ إِن فَعَلتَ ذَلِكَ وَجَدتَ غِبّهُ غَيرَ مَحمُودٍ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَ تهُدَدّنُيِ‌ يَا خَالِدُ بِنَفسِكَ وَ بِابنِ أَبِي قُحَافَةَ فَمَا بِمِثلِكَ وَ مِثلِهِ تَهدِيدٌ،فَدَع عَنكَ تُرّهَاتِكَ التّيِ‌ أَعرِفُهَا مِنكَ وَ اقصِد نَحوَ مَا وُجّهتَ لَهُ. قَالَ فَإِنّهُ قَد تَقَدّمَ إلِيَ‌ّ إِن رَجَعتَ عَن سَنَنِكَ كُنتَ مَخصُوصاً بِالكَرَامَةِ وَ الحَبوِ، وَ إِن أَقَمتَ عَلَي مَا أَنتَ عَلَيهِ مِن خِلَافِ الحَقّ حَمَلتُكَ إِلَيهِ أَسِيراً.


صفحه : 55

فَقَالَ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ يَا ابنَ اللّخنَاءِ، وَ أَنتَ تَعرِفُ الحَقّ مِنَ البَاطِلِ، وَ مِثلُكَ يَحمِلُ مثِليِ‌ أَسِيراً، يَا ابنَ الرّادّةِ عَنِ الإِسلَامِ، أَ تحَسبَنُيِ‌ وَيلَكَ مَالِكَ بنَ نُوَيرَةَ حَيثُ قَتَلتَهُ وَ نَكَحتَ امرَأَتَهُ، يَا خَالِدُ جئِتنَيِ‌ بِرِقّةِ عَقلِكَ وَ اكفِهرَارِ وَجهِكَ وَ تَشَمّخِ أَنفِكَ، وَ اللّهِ لَئِن تَمَطّيتُ بسِيَفيِ‌ هَذَا عَلَيكَ وَ عَلَي أَوغَارِكَ لَأُشبِعَنّ مِن لُحُومِكُم جُوعَ الضّبَاعِ وَ طِلسَ الذّئَابِ، وَ لبست [لَستَ]وَيلَكَ مِمّن يقَتلُنُيِ‌ أَنتَ وَ لَا صَاحِبُكَ، وَ إنِيّ‌ لَأَعرِفُ


صفحه : 56

قاَتلِيِ‌، وَ أَطلُبُ منَيِتّيِ‌ صَبَاحاً وَ مَسَاءً، وَ مَا مِثلُكَ يَحمِلُ مثِليِ‌ أَسِيراً، وَ لَو أَرَدتَ ذَلِكَ لَقَتَلتُكَ فِي فَنَاءِ هَذَا المَسجِدِ.فَغَضِبَ خَالِدٌ وَ قَالَ تُوَعّدُ وَعِيدَ الأَسَدِ وَ تَرُوغُ رَوَغَانَ الثّعَالِبِ، مَا أَعدَاكَ فِي المَقَالِ، وَ مَا مِثلُكَ إِلّا مَنِ اتّبَعَ قَولَهُ بِفِعلِهِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِذَا كَانَ هَذَا قَولَكَ فَشَأنَكَ، وَ سَلّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي خَالِدٍ ذَا الفَقَارِ، وَ خَفَقَ عَلَيهِ. فَلَمّا نَظَرَ خَالِدٌ إِلَي بَرِيقِ عيَنيَ‌ِ الإِمَامِ، وَ بَرِيقِ ذيِ‌ الفَقَارِ فِي يَدِهِ، وَ تَصَمّمِهِ عَلَيهِ،نَظَرَ إِلَي المَوتِ عِيَاناً، وَ قَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ لَم نُرِد هَذَا.فَضَرَبَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِقَفَارِ رَأسِ ذيِ‌ الفَقَارِ عَلَي ظَهرِهِ،فَنَكَسَهُ عَن دَابّتِهِ، وَ لَم يَكُن أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لِيَرُدّ يَدَهُ إِذَا رَفَعَهَا،لِئَلّا يُنسَبَ إِلَي الجُبنِ.


صفحه : 57

فَلَحِقَ أَصحَابَ خَالِدٍ مِن فِعلِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ هَولٌ عَجِيبٌ وَ خَوفٌ عَنِيفٌ. ثُمّ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا لَكُم لَا تُكَافِحُونَ عَن سَيّدِكُم وَ اللّهِ لَو كَانَ أَمرُكُم إلِيَ‌ّ لَتَرَكتُ رُءُوسَكُم، وَ هُوَ أَخَفّ عَلَي يدَيِ‌ مِن جَنَي الهَبِيدِ عَلَي أيَديِ‌ العَبِيدِ، وَ عَلَي هَذَا السّبِيلِ تَقضِمُونَ مَالَ الفيَ‌ءِ أُفّ لَكُم.فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ مِنَ القَومِ يُقَالُ لَهُ المُثَنّي بنُ الصّيّاحِ وَ كَانَ عَاقِلًا فَقَالَ وَ اللّهِ مَا جِئنَاكَ لِعَدَاوَةٍ بَينَنَا وَ بَينَكَ، أَو عَن غَيرِ مَعرِفَةٍ بِكَ، وَ إِنّا لَنَعرِفُكَ كَبِيراً وَ صَغِيراً، وَ أَنتَ أَسَدُ اللّهِ فِي أَرضِهِ، وَ سَيفُ نَقِمَتِهِ عَلَي أَعدَائِهِ، وَ مَا مِثلُنَا مَن جَهِلَ مِثلَكَ، وَ نَحنُ أَتبَاعٌ مَأمُورُونَ، وَ جُندٌ مُوَازِرُونَ، وَ أَطوَاعٌ غَيرُ مُخَالِفِينَ،فَتَبّاً لِمَن وَجّهَ بِنَا إِلَيكَ أَ مَا كَانَ لَهُ مَعرِفَةٌ بِيَومِ بَدرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَينٍ فَاستَحَي أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مِن قَولِ الرّجُلِ، وَ تَرَكَ الجَمِيعَ، وَ جَعَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يُمَازِحُ خَالِداً لِمَا بِهِ مِن أَلَمِ الضّربَةِ، وَ هُوَ سَاكِتٌ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَيلَكَ يَا خَالِدُ مَا أَطوَعَكَ


صفحه : 58

لِلخَائِنِينَ النّاكِثِينَ أَ مَا كَانَ لَكَ بِيَومِ الغَدِيرِ مَقنَعٌ إِذ بَدَرَ إِلَيكَ صَاحِبُكَ فِي المَسجِدِ حَتّي كَانَ مِنكَ مَا كَانَ،فَوَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ لَو كَانَ مِمّا رُمتَهُ أَنتَ وَ صَاحِبَاكَ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ ابنُ صُهَاكَ شَيءٌ لَكَانَا هُمَا أَوّلَ مَقتُولِينَ بسِيَفيِ‌ هَذَا، وَ أَنتَ مَعَهُمَا،وَ يَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ. وَ لَا يَزَالُ يَحمِلُكَ عَلَي إِفسَادِ حَالَتِكَ عنِديِ‌،فَقَد تَرَكتَ الحَقّ عَلَي مَعرِفَةٍ وَ جئِتنَيِ‌ تَجُوبُ مَفَاوِزَ البَسَابِسِ،لتِحَملِنَيِ‌ إِلَي ابنِ أَبِي قُحَافَةَ أَسِيراً، بَعدَ مَعرِفَتِكَ أنَيّ‌ قَاتِلُ عَمرِو بنِ عَبدِ وُدّ وَ مَرحَبٍ، وَ قَالِعُ بَابِ خَيبَرَ، وَ إنِيّ‌ لمَسُتحَييِ‌ مِنكُم وَ مِن قِلّةِ عُقُولِكُم. أَ وَ تَزعُمُ أَنّهُ قَد خفَيِ‌َ عَلَيّ مَا تَقَدّمَ بِهِ إِلَيكَ صَاحِبُكَ حِينَ أَخرَجَكَ إلِيَ‌ّ، وَ أَنتَ تَذكُرُ مَا كَانَ منِيّ‌ إِلَي عَمرِو بنِ مَعدِيكَرِبَ وَ إِلَي أصيد بنِ سَلَمَةَ المخَزوُميِ‌ّ، فَقَالَ لَكَ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ لَا تَزَالُ تَذكُرُ لَهُ ذَلِكَ،إِنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِن دُعَاءِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ قَد ذَهَبَ ذَلِكَ كُلّهُ، وَ هُوَ الآنَ أَقَلّ مِن ذَلِكَ، أَ لَيسَ كَذَلِكَ يَا خَالِدُ فَلَو لَا مَا تَقَدّمَ بِهِ إلِيَ‌ّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَكَانَ منِيّ‌ إِلَيهِمَا مَا هُمَا أَعلَمُ بِهِ مِنكَ. يَا خَالِدُ أَينَ كَانَ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ أَنتَ تَخُوضُ معَيِ‌ المَنَايَا فِي لُجَجِ المَوتِ


صفحه : 59

خَوضاً، وَ قَومُكَ بَادُونَ فِي الِانصِرَافِ كَالنّعجَةِ القَودَاءِ وَ الدّيكِ النّافِشِ،فَاتّقِ اللّهَ يَا خَالِدُ،وَ لا تَكُن لِلخائِنِينَ خَصِيماً، وَ لَا لِلظّالِمِينَ ظَهِيراً. فَقَالَ خَالِدٌ يَا أَبَا الحَسَنِ إنِيّ‌ أَعرِفُ مَا تَقُولُ، وَ مَا عَدَلَتِ العَرَبُ وَ الجَمَاهِيرُ عَنكَ إِلّا طَلَبَ ذُحُولِ آبَائِهِم قَدِيماً، وَ تَنَكّلِ رُءُوسِهِم قَرِيباً،فَرَاغَت عَنكَ كَرَوَغَانِ الثّعلَبِ فِيمَا بَينَ الفِجَاجِ وَ الدّكَادِكِ، وَ صُعُوبَةِ إِخرَاجِ ملك [المُلكِ] مِن يَدِكَ، وَ هَرباً مِن سَيفِكَ، وَ مَا دَعَاهُم إِلَي بَيعَةِ أَبِي بَكرٍ إِلّا استِلَانَةُ جَانِبِهِ، وَ لِينُ عَرِيكَتِهِ، وَ أَمنُ جَانِبِهِ، وَ أَخذُهُمُ الأَموَالَ فَوقَ استِحقَاقِهِم، وَ لَقَلّ اليَومَ مَن يَمِيلُ إِلَي الحَقّ، وَ أَنتَ قَد بِعتَ الدّنيَا بِالآخِرَةِ، وَ لَوِ اجتَمَعَت أَخلَاقُهُم إِلَي أَخلَاقِكَ لَمَا خَالَفَكَ خَالِدٌ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ اللّهِ مَا أَتَي خَالِدٌ إِلّا مِن


صفحه : 60

جِهَةِ هَذَا الخَئُونِ الظّلُومِ المُفَتّنِ ابنِ صُهَاكَ،فَإِنّهُ لَا يَزَالُ يُؤَلّبُ عَلَي القَبَائِلِ وَ يُفزِعُهُم منِيّ‌ وَ يُؤيِسُهُم مِن عَطَايَاهُم، وَ يُذَكّرُهُم مَا أَنسَاهُمُ الدّهرُ، وَ سَيَعلَمُ غِبّ أَمرِهِ إِذَا فَاضَت نَفسُهُ. فَقَالَ خَالِدٌ يَا أَبَا الحَسَنِ بِحَقّ أَخِيكَ لَمّا قَطَعتَ هَذَا مِن نَفسِكَ، وَ صِرتَ إِلَي مَنزِلِكَ مُكَرّماً، إِذَا كَانَ القَومُ رَضُوا بِالكَفَافِ مِنكَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ لَا جَزَاهُمُ اللّهُ عَن أَنفُسِهِم وَ لَا عَنِ المُسلِمِينَ خَيراً. قَالَ ثُمّ دَعَا عَلَيهِ السّلَامُ بِدَابّتِهِ فَاتّبَعَهُ أَصحَابُهُ، وَ خَالِدٌ يُحَدّثُهُ وَ يُضَاحِكُهُ، حَتّي دَخَلَ المَدِينَةَ،فَبَادَرَ خَالِدٌ إِلَي أَبِي بِكرٍ فَحَدّثَهُ بِمَا كَانَ مِنهُ.فَصَارَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي قَبرِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ صَارَ إِلَي الرّوضَةِ فَصَلّي أَربَعَ رَكَعَاتٍ وَ دَعَا، وَ قَامَ يُرِيدُ الِانصِرَافَ إِلَي مَنزِلِهِ، وَ كَانَ أَبُو بَكرٍ جَالِساً فِي المَسجِدِ وَ العَبّاسُ جَالِسٌ إِلَي جَنبِهِ.فَأَقبَلَ أَبُو بَكرٍ عَلَي العَبّاسِ فَقَالَ يَا أَبَا الفَضلِ ادعُ لِي ابنَ أَخِيكَ عَلِيّاً لِأُعَاتِبَهُ عَلَي مَا كَانَ مِنهُ إِلَي الأَشجَعِ. فَقَالَ لَهُ العَبّاسُ أَ وَ لَيسَ قَد تَقَدّمَ إِلَيكَ صَاحِبُكَ بِتَركِ مُعَاتَبَتِهِ وَ إنِيّ‌ أَخَافُ عَلَيكَ مِنهُ إِذَا عَاتَبتَهُ أَن لَا تَنتَصِرَ مِنهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إنِيّ‌ أَرَاكَ يَا أَبَا الفَضلِ تخُوَفّنُيِ‌ مِنهُ،دعَنيِ‌ وَ إِيّاهُ،فَأَمّا مَا كلَمّنَيِ‌ خَالِدٌ بِتَركِ مُعَاتَبَتِهِ فَقَد رَأَيتُهُ يكُلَمّنُيِ‌ بِكَلَامٍ خِلَافَ ألّذِي خَرَجَ بِهِ إِلَيهِ، وَ لَا أَشُكّ إِلّا أَنّهُ قَد كَانَ مِنهُ إِلَيهِ شَيءٌ أَفزَعَهُ.


صفحه : 61

فَقَالَ لَهُ العَبّاسُ أَنتَ وَ ذَاكَ يَا ابنَ أَبِي قُحَافَةَ.فَدَعَاهُ العَبّاسُ،فَجَاءَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَجَلَسَ إِلَي جَنبِ العَبّاسِ. فَقَالَ لَهُ العَبّاسُ إِنّ أَبَا بَكرٍ استَبطَأَكَ، وَ هُوَ يُرِيدُ أَن يَسأَلَكَ بِمَا جَرَي. فَقَالَ يَا عَمّ، لَو دعَاَنيِ‌ لَمَا أَتَيتُهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ يَا أَبَا الحَسَنِ مَا أَرضَي لِمِثلِكَ هَذَا الفِعَالَ. قَالَ وَ أَيّ فِعلٍ قَالَ قَتلَكَ مُسلِماً بِغَيرِ حَقّ،فَمَا تَمَلّ مِنَ القَتلِ قَد جَعَلتَهُ شِعَارَكَ وَ دِثَارَكَ.فَالتَفَتَ إِلَيهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ أَمّا عِتَابُكَ عَلَيّ فِي قَتلِ مُسلِمٍ فَمَعَاذَ اللّهِ أَن أَقتُلَ مُسلِماً بِغَيرِ حَقّ،لِأَنّ مَن وَجَبَ عَلَيهِ القَتلُ رُفِعَ عَنهُ اسمُ الإِسلَامِ. وَ أَمّا قتَليِ‌ الأَشجَعَ، فَإِن كَانَ إِسلَامُكَ كَإِسلَامِهِ فَقَد فُزتُ فَوزاً عَظِيماً أَقُولُ وَ مَا عذُريِ‌ إِلّا مِنَ اللّهِ، وَ مَا قَتَلتُهُ إِلّا عَن بَيّنَةٍ مِن ربَيّ‌، وَ مَا أَنتَ أَعلَمُ بِالحَلَالِ وَ الحَرَامِ منِيّ‌، وَ مَا كَانَ الرّجُلُ إِلّا زِندِيقاً مُنَافِقاً، وَ إِنّ فِي مَنزِلِهِ صَنَماً مِن رُخَامٍ يَتَمَسّحُ بِهِ ثُمّ يَصِيرُ إِلَيكَ، وَ مَا كَانَ مِن عَدلِ اللّهِ أَن يؤُاَخذِنَيِ‌ بِقَتلِ عَبَدَةِ الأَوثَانِ وَ الزّنَادِقَةِ. وَ افتَتَحَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِالكَلَامِ،فَحَجَزَ بَينَهُمَا المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ


صفحه : 62

وَ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ، وَ أَقسَمُوا عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَسَكَتَ، وَ عَلَي أَبِي بَكرٍ فَأَمسَكَ. ثُمّ أَقبَلَ أَبُو بَكرٍ عَلَي الفَضلِ بنِ العَبّاسِ وَ قَالَ لَو قُدتُكَ بِالأَشجَعِ لَمَا فَعَلتَ مِثلَهَا، ثُمّ قَالَ كَيفَ أُقِيدُكَ بِمِثلِهِ وَ أَنتَ ابنُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ غَاسِلُهُ فَالتَفَتَ إِلَيهِ العَبّاسُ فَقَالَ دَعُونَا وَ نَحنُ حُكَمَاءُ أَبلَغُ مِن شَأنَكِ،إِنّكَ تَتَعَرّضُ بوِلَدَيِ‌ وَ ابنِ أخَيِ‌، وَ أَنتَ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ بنِ مُرّةَ وَ نَحنُ بَنُو عَبدِ المُطّلِبِ ابنِ هَاشِمٍ أَهلُ بَيتِ النّبُوّةِ، وَ أُولُو الخِلَافَةِ،تَسَمّيتُم بِأَسمَائِنَا، وَ وَثَبتُم عَلَينَا فِي سُلطَانِنَا، وَ قَطَعتُم أَرحَامَنَا، وَ مَنَعتُم مِيرَاثَنَا، ثُمّ أَنتُم تَزعُمُونَ أَن لَا إِرثَ لَنَا، وَ أَنتُم أَحَقّ وَ أَولَي بِهَذَا الأَمرِ مِنّا،فَبُعداً وَ سُحقاً لَكُم أَنّي تُؤفَكُونَ. ثُمّ انصَرَفَ القَومُ، وَ أَخَذَ العَبّاسُ بِيَدِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ جَعَلَ عَلِيّ يَقُولُ أَقسَمتُ عَلَيكَ يَا عَمّ لَا تَتَكَلّم، وَ إِن تَكَلّمتَ لَا تَتَكَلّم إِلّا بِمَا يَسَرَ، وَ لَيسَ لَهُم عنِديِ‌ إِلّا الصّبرُ، كَمَا أمَرَنَيِ‌ نبَيِ‌ّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،دَعهُم وَ مَا كَانَ لَهُم يَا عَمّ بِيَومِ الغَدِيرِ مَقنَعٌ،دَعهُم يَستَضعِفُونَا جُهدَهُم، فَإِنّ اللّهَ مَولَانَا وَ هُوَ خَيرُ الحَاكِمِينَ. فَقَالَ لَهُ العَبّاسُ يَا ابنَ أخَيِ‌، أَ لَيسَ قَد كَفَيتُكَ، وَ إِن شِئتَ أَعُودُ إِلَيهِ


صفحه : 63

فَأُعَرّفُهُ مَكَانَهُ، وَ أَنزِعُ عَنهُ سُلطَانَهُ.فَأَقسَمَ عَلَيهِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَسكَتَهُ.

بيان قال الجوهري‌ الغطريس الظّالم المتكبّر، و قدتغطرس فهو متغطرس . و قال ترّحه تتريحا أحزنه . و قال التمّطي‌ّ التّبختر ومدّ اليدين في المشي‌. و قال غافصت الرّجل أخذته علي غرّة. و قال الميداني‌ شقّ فلان عصا المسلمين إذافرّق جمعهم ، قال أبوعبيد معناه فرّق جماعتهم ، قال والأصل في العصا الاجتماع والائتلاف ، و ذلك أنّها لاتدعي عصا حتّي تكون جميعا، فإذاانشقّت لم تدع عصا، و من ذلك قولهم للرّجل إذاقام بالمكان واطمأنّ به واجتمع له فيه أمره قدألقي عصاه ،قالوا وأصل هذا أنّ الحاديين يكونان في رفقة، فإذافرّقهم الطّريق شقّت العصا التّي‌ معهما،فأخذ هذانصفها وذا نصفها،فضرب مثلا لكلّ فرقة. والقسطل الغبار، و هوكناية عن الجمّ الغفير.


صفحه : 64

واللّوثَةُ بالضّمّ الاسترخاء والبطء، ومسّ الجنون . ويقال نبا الشيّ‌ء عني‌ّ ينبو أي تجافي وتباعد، وأنبيته أنا أي دفعته عن نفسي‌، والنّبوة الرّفعة. قوله عُرج الضّبُعُ، قال الفيروزآبادي‌ عُرج وعِرَاج معرفتين ممنوعتين الضّباع يجعلونها بمنزلة القبيلة، والعَرجَاء الضّبع. و في بعض النسخ جُوّع جمع جائع كرُكّع. والذباب في بعض النسخ بالهمزة، و في بعضها بالباء الموحدة. و في القاموس الطّلسُ العدد الكثير، أو هوخلق كثير النّسل كالذّباب والنّمل والهوامّ، أوكثرة كلّ شيء. و قال خفق فلانا بالسّيف ضربه ضربة خفيفة، وأخفق الرّجل بثوبه لمع به . والهَبِيدُ الحنظل أوحبّه. والبسبس القفر الخالي‌.


صفحه : 65

وبدا القوم خرجوا إلي البادية. والقوداء الطّويل الظّهر، و في بعض النسخ بالعين المهملة أي المسنّة. و قدمرّ تفسير النافش . والتّأليب التّحريض. و لم نبالغ في تفسير هذاالحديث وشرحه ،لعدم اعتمادنا عليه لما فيه مما يخالف السير وسائر الأخبار.

ختص مُحَمّدُ بنُ الحُسَينِ بنِ أَبِي الخَطّابِ، عَنِ الحَكَمِ بنِ مِسكِينٍ، عَن أَبِي سَعِيدٍ المكُاَريِ‌، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لقَيِ‌َ أَبَا بَكرٍ فَقَالَ لَهُ أَ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَن تُطِيعَ لِي قَالَ لَا، وَ لَو أمَرَنَيِ‌ لَفَعَلتُ.


صفحه : 66

فَقَالَ سُبحَانَ اللّهِ أَ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ أَن تُطِيعَ لِي فَقَالَ لَا، وَ لَو أمَرَنَيِ‌ لَفَعَلتُ. قَالَ فَامضِ بِنَا إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَانطَلَقَ بِهِ إِلَي مَسجِدِ قُبَا، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يصُلَيّ‌، فَلَمّا انصَرَفَ قَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنِيّ‌ قُلتُ لأِبَيِ‌ بَكرٍ أَ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَن تطُيِعنَيِ‌، فَقَالَ لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ قَد أَمَرتُكَ فَأَطِعهُ. قَالَ فَخَرَجَ وَ لقَيِ‌َ عُمَرَ، وَ هُوَ ذَعِرٌ،فَقَامَ عُمَرُ وَ قَالَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ لَهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ كَذَا ... وَ كَذَا. فَقَالَ عُمَرُ تَبّاً لِأُمّةٍ وَلّوكَ أَمرَهُم أَ مَا تَعرِفُ سِحرَ بنَيِ‌ هَاشِمٍ.


صفحه : 67

6- باب منازعة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه العباس في الميراث

ج عَن مُحَمّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي رَافِعٍ قَالَ قَالَ،إنِيّ‌ لَعِندَ أَبِي بَكرٍ إِذِ اطّلَعَ عَلِيّ وَ العَبّاسُ يَتَدَافَعَانِ وَ يَختَصِمَانِ فِي مِيرَاثِ النّبِيّ(ص ). فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَكفِيكُمُ القَصِيرُ الطّوِيلَ،يعَنيِ‌ بِالقَصِيرِ عَلِيّاً، وَ بِالطّوِيلِ العَبّاسَ. فَقَالَ العَبّاسُ أَنَا عَمّ النّبِيّ وَ وَارِثُهُ، وَ قَد حَالَ عَلِيّ بيَنيِ‌ وَ بَينَ تَرِكَتِهِ. قَالَ أَبُو بَكرٍ فَأَينَ كُنتَ يَا عَبّاسُ حِينَ جَمَعَ النّبِيّ بنَيِ‌ عَبدِ المُطّلِبِ وَ أَنتَ أَحَدُهُم، فَقَالَ أَيّكُم يوُاَزرِنُيِ‌ وَ يَكُونُ وصَيِيّ‌ وَ خلَيِفتَيِ‌ فِي أهَليِ‌،يُنجِزُ عدِتَيِ‌، وَ يقَضيِ‌ ديَنيِ‌،فَأَحجَمتُم عَنهَا إِلّا عَلِيّاً، فَقَالَ النّبِيّ(ص ) أَنتَ كَذَلِكَ.


صفحه : 68

قَالَ العَبّاسُ فَمَا أَقعَدَكَ مَجلِسَكَ هَذَا تَقَدّمتَهُ وَ تَأَمّرتَ عَلَيهِ. قَالَ أَبُو بَكرٍ أَعذِرُونَا بنَيِ‌ عَبدِ المُطّلِبِ.

توضيح وتفضيح لعلّه كان أغدرونا بني‌ عبدالمطلب بتقديم المعجمة علي المهملة أي أتنازعون وترفعون إلي‌ّ للغدر، و ليس غرضكم التنازع . وظاهر أنّ منازعتهما كان لذلك ، و لم يكن عباس ينازع أمير المؤمنين عليه السلام فيما أعطاه الرسول صلّي اللّه عليه وآله بمحضره ومحضر غيره .


صفحه : 69

ويؤيّده ما

روُيِ‌َ أَنّ يَحيَي بنَ خَالِدٍ البرَمكَيِ‌ّ سَأَلَ هِشَامَ بنَ الحَكَمِ بِمَحضَرٍ مِنَ الرّشِيدِ. فَقَالَ أخَبرِنيِ‌ يَا هِشَامُ،هَل يَكُونُ الحَقّ فِي جِهَتَينِ مُختَلِفَتَينِ قَالَ هِشَامٌ الظّاهِرُ لَا. قَالَ فأَخَبرِنيِ‌ عَن رَجُلَينِ اختَصَمَا فِي حُكمٍ فِي الدّينِ، وَ تَنَازَعَا وَ اختَلَفَا،هَل يَخلُو مِن أَن يَكُونَا مُحِقّينِ، أَو مُبطِلَينِ، أَو أَن يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُحِقّاً وَ الآخَرُ مُبطِلًا فَقَالَ هِشَامٌ لَا يَخلُو مِن ذَلِكَ. قَالَ لَهُ يَحيَي بنُ خَالِدٍ فأَخَبرِنيِ‌ عَن عَلِيّ وَ العَبّاسِ لَمّا اختَصَمَا إِلَي أَبِي بَكرٍ فِي المِيرَاثِ،أَيّهُمَا كَانَ المُحِقّ وَ مَنِ المُبطِلُ إِذ كُنتَ لَا تَقُولُ أَنّهُمَا كَانَا مُحِقّينِ وَ لَا مُبطِلَينِ. قَالَ هِشَامٌ فَنَظَرتُ فَإِذَا إنِنّيِ‌ إِن قُلتُ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ مُبطِلًا كَفَرتُ وَ خَرَجتُ مِن مذَهبَيِ‌، وَ إِن قُلتُ إِنّ العَبّاسَ كَانَ مُبطِلًا ضَرَبَ الرّشِيدُ عنُقُيِ‌، وَ وَرَدَت عَلَيّ مَسأَلَةٌ لَم أَكُن سُئِلتُ عَنهَا قَبلَ ذَلِكَ الوَقتِ، وَ لَا أَعدَدتُ لَهَا جَوَاباً،فَذَكَرتُ قَولَ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ يَا هِشَامُ، لَا تَزَالُ مُؤَيّداً بِرُوحِ القُدُسِ مَا نَصَرتَنَا بِلِسَانِكَ،فَعَلِمتُ أنَيّ‌ لَا أُخذَلُ، وَ عَنّ لِيَ الجَوَابُ فِي الحَالِ.فَقُلتُ لَهُ لَم يَكُن لِأَحَدِهِمَا خَطَأٌ حَقِيقَةً، وَ كَانَا جَمِيعاً مُحِقّينِ، وَ لِهَذَا نَظِيرٌ قَد نَطَقَ بِهِ القُرآنُ فِي قِصّةِ دَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ، يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّوَ هَل أَتاكَ نَبَأُ الخَصمِ إِذ تَسَوّرُوا المِحرابَ إِلَي قَولِهِخَصمانِ بَغي بَعضُنا عَلي


صفحه : 70

بَعضٍ،فأَيَ‌ّ المَلَكَينِ كَانَ مُخطِئاً وَ أَيّهُمَا كَانَ مُصِيباً أَم تَقُولُ إِنّهُمَا كَانَا مُخطِئَينِ،فَجَوَابُكَ فِي ذَلِكَ جوَاَبيِ‌. فَقَالَ يَحيَي لَستُ أَقُولُ إِنّ المَلَكَينِ أَخطَئَا،بَل أَقُولُ إِنّهُمَا أَصَابَا، وَ ذَلِكَ أَنّهُمَا لَم يَختَصِمَا فِي الحَقِيقَةِ وَ لَم يَختَلِفَا فِي الحُكمِ، وَ إِنّمَا أَظهَرَا ذَلِكَ لِيُنَبّهَا دَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الخَطِيئَةِ وَ يُعَرّفَاهُ الحُكمَ وَ يُوقِفَاهُ عَلَيهِ. قَالَ هِشَامٌ قُلتُ لَهُ كَذَلِكَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ العَبّاسُ، لَم يَختَلِفَا فِي الحُكمِ وَ لَم يَختَصِمَا فِي الحَقِيقَةِ، وَ إِنّمَا أَظهَرَا الِاختِلَافَ وَ الخُصُومَةَ لِيُنَبّهَا أَبَا بَكرٍ عَلَي خَطَئِهِ، وَ يَدُلّاهُ عَلَي أَنّ لَهُمَا فِي المِيرَاثِ حَقّاً، وَ لَم يَكُونَا فِي رَيبٍ مِن أَمرِهِمَا، وَ إِنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنهُمَا عَلَي حَدّ مَا كَانَ مِنَ المَلَكَينِ.فَاستَحسَنَ الرّشِيدُ ذَلِكَ الجَوَابَ.

ثمّ اعلم أنّ بعض الأصحاب ذكر أنّ أبابكر ناقض روايته التّي‌ رواها في الميراث ،حيث دفع سيف رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وبغلته وعمامته و غير ذلك إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، و قدنازعه العباس فيها،فحكم بهالأمير المؤمنين عليه السلام .إمّا لأنّ ابن العم إذا كان أبوه عمّ الميت من الأب والأم أولي من العمّ ألّذي كان عمّ الميت من جانب الأب فقط،لأن المتقرّب إلي الميت بسببين أولي من المتقرّب إليه بسبب واحد. وإمّا لعدم توريث العم مع البنت ، كما هومذهب أهل البيت عليهم السلام .


صفحه : 71

و قدتنازعا عندعمر بن الخطاب فيما أفاء اللّه تعالي علي رسوله و في سهمه من خيبر وغيره ،فدفعها إلي أمير المؤمنين عليه السلام ، أودفعها إليهما و قال اقتصلا أنتما فيما بينكما،فأنتما أعرف بشأنكما. ثم إنّ أزواج النبيّ صلّي اللّه عليه وآله أرسلن عثمان إلي أبي بكر يسألنه ميراثهنّ من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،، و قد كان عثمان في زعمهم أحد الشهود علي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله قال لانورّث، ماتركناه صدقة كماسبق . وحكي قاضي‌ القضاة، عن أبي علي أنّه قال لم يثبت أنّ أبابكر دفع ذلك إلي أمير المؤمنين عليه السلام علي جهة الإرث . قال وكيف يجوز ذلك مع الخبر ألذي رواه وكيف يجوز لو كان وارثا أن يخصّه بذلك ، و لاإرث له مع العمّ لأنه عصبة، فإن كان وصل إلي فاطمة عليها السلام فقد كان ينبغي‌ أن يكون العباس شريكا في ذلك وأزواج النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، ولوجب أن يكون ذلك ظاهرا مشهودا،ليعرف أنّهم أخذوا


صفحه : 72

نصيبهم من غير ذلك أوبدله ، و لايجب إذا لم يدفع إليه أبوبكر علي جهة الإرث أن لايحصل في يده ،لأنه قديجوز أن يكون النبيّ صلّي اللّه عليه وآله نحله ويجوز أيضا أن يكون أبوبكر رأي الصلاح في ذلك أن يكون في يده ، لما فيه من تقوية الدين ، وتصدّق ببدله بعدالتقويم ،لأن للإمام أن يفعل ذلك . قال و أمّا البردة والقضيب فلايمتنع أن يكون جعله عدّة في سبيل اللّه وتقوية علي المشركين ،فتداولته الأئمة، لما فيه من التقوية، ورأي أنّ ذلك أولي من أن يتصدّق به إن ثبت أنّه عليه السلام لم يكن قدنحله غيره في حياته . ثم أجاب قاضي‌ القضاة من طلب الأزواج الميراث وتنازع أمير المؤمنين عليه السلام والعباس بعدموت فاطمة بأنّه يجوز أن يكونوا لم يعرفوا رواية أبي بكر وغيره للخبر. قال و قدروي‌ أن عائشة لمّا عرّفتهنّ الخبر أمسكن ، و قدبيّنا أنّه لايمتنع في مثل ذلك أن يخفي علي من يستحقّ الإرث ويعرفه من يتقلّد الأمر، كمايعرف العلماء والحكام من أحكام المواريث ما لايعرفه أرباب الإرث .


صفحه : 73

و قال السيد الأجلّ المرتضي رضي‌ اللّه عنه أمّا قول أبو علي وكيف يجوز ذلك مع الخبر ألّذي رواه .. إلي آخره .فما نراه زاد علي التعجب ، وممّا عجب منه عجبنا، و لم نثبت عصمة أبي بكر فتنفي عن أفعاله التناقض . و قوله ويجوز أن يكون رأي الصلاح في أن يكون ذلك في يده ، لما فيه من تقوية الدين ، أو أن يكون النبيّ صلّي اللّه عليه وآله نحله .فكلّ ماذكره جائز، إلّا أنّه قد كان يجب أن يظهر أسباب النحلة والشهادة بها والحجّة عليها، و لم يظهر شيء من ذلك فنعرفه . و من العجائب أن تدعّي‌ فاطمة عليها السلام فدك نحلة وتستشهد علي قولها أمير المؤمنين عليه السلام وغيره ، فلايصغي إليها و إلي قولها، ويترك السيف والبغلة والعمامة في يد أمير المؤمنين عليه السلام علي سبيل النحلة بغير بيّنة ظهرت و لاشهادة قامت ، علي أنّه كان يجب علي أبي بكر أن يبيّن ذلك ويذكر وجهه بعينه أيّ شيء كان لمّا نازع العباس فيه ، فلاوقت لذكر الوجه في ذلك أولي من هذاالوقت . والقول في البردة والقضيب إن كان نحلة أو علي الوجه الآخر يجري‌ مجري


صفحه : 74

ماذكرناه في وجوب الظهور والاستشهاد، ولسنا نري أصحابنا يطالبون نفوسهم في هذاالموضع بما يطالبونا بمثله إذاادعينا وجوها وأسبابا وعللا مجوّزة،لأنّهم لايقنعون منّا بما يجوز ويمكن ،بل يوجبون فيما ندعيه الظهور والاشتهار و إذا كان ذلك عليهم نسوه أوتناسوه .فأمّا قوله إنّ أزواج النبيّ صلّي اللّه عليه وآله إنّما طلبن الميراث لأنهنّ لم يعرفن رواية أبي بكر للخبر، وكذلك إنّما نازع العباس أمير المؤمنين عليه السلام بعدموت فاطمة عليها السلام في الميراث لهذا الوجه فمن أقبح مايقال في هذاالباب وأبعده من الصواب . وكيف لايعرف أمير المؤمنين عليه السلام رواية أبي بكر و بهادفعت زوجته عن الميراث وهل مثل ذلك المقام ألذي قامته و مارواه أبوبكر في دفعها يخفي علي من هو في أقاصي‌ البلاد،فضلا عمّن هو في المدينة شاهدا حاضرا يعتني‌ بالأخبار ويراعيها إنّ هذا[لخروج ] في المكابرة عن الحدّ. وكيف يخفي علي الأزواج ذلك حتّي يطلبنه مرّة بعدأخري ، و يكون عثمان المترسّل لهنّ، والمطالب عنهن وعثمان علي زعمهم أحد من شهد أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لايورّث، و قدسمعن علي كلّ حال أنّ بنت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لم تورّث ماله ، و لابدّ أن يكنّ قدسألن عن السبب في دفعها،فذكر


صفحه : 75

لهن الخبر،فكيف يقال [إنّهن]لن يعرفنه والإكثار في هذاالموضع يوهم أنّه موضع شبهة، و ليس كذلك ،انتهي كلامه ،رفع مقامه .


صفحه : 77

7- باب نوادر الاحتجاج

ج رَوَي رَافِعُ بنُ أَبِي رَافِعٍ الطاّئيِ‌ّ، عَن أَبِي بَكرٍ وَ قَد صَحِبَهُ فِي سَفَرٍ قَالَ قُلتُ لَهُ يَا أَبَا بَكرٍ علَمّنيِ‌ شَيئاً ينَفعَنُيِ‌ اللّهُ بِهِ. قَالَ كُنتُ فَاعِلًا وَ لَو لَم تسَألَنيِ‌ لَا تُشرِك بِاللّهِ شَيئاً، وَ أَقِمِ الصّلَاةَ، وَ آتِ الزّكَاةَ، وَ صُم شَهرَ رَمَضَانَ، وَ حِجّ البَيتَ، وَ اعتَمِر، وَ لَا تَتَأَمّرَنّ عَلَي اثنَينِ مِنَ المُسلِمِينَ. قَالَ قُلتُ لَهُ أَمّا مَا أمَرَتنَيِ‌ بِهِ مِنَ الإِيمَانِ وَ الصّلَاةِ وَ الحَجّ وَ العُمرَةِ وَ الزّكَاةِ فَأَنَا أَفعَلُهُ، وَ أَمّا الإِمَارَةُ فإَنِيّ‌ رَأَيتُ النّاسَ لَا يُصِيبُونَ هَذَا الشّرَفَ وَ هَذَا الغِنَي وَ العِزّ وَ المَنزِلَةَ عِندَ رَسُولِ اللّهِ إِلّا بِهَا. قَالَ إِنّكَ استنَصحَتنَيِ‌ فَأَجهَدتُ نفَسيِ‌ لَكَ.


صفحه : 78

فَلَمّا توُفُيّ‌َ رَسُولُ اللّهِ وَ استَخلَفَ[ أَبُو]بَكرٍ جِئتُهُ وَ قُلتُ لَهُ يَا أَبَا بَكرٍ أَ لَم تنَهنَيِ‌ أَن أَتَأَمّرَ عَلَي اثنَينِ قَالَ بَلَي. قُلتُ فَمَا لَكَ تَأَمّرتَ عَلَي أُمّةِ مُحَمّدٍ قَالَ اختَلَفَ النّاسُ، وَ خِفتُ عَلَيهِمُ الضّلَالَةَ، وَ دعَوَنيِ‌ فَلَم أَجِد مِن ذَلِكَ بُدّاً


صفحه : 79

8- باب احتجاج سلمان و أبي بن كعب وغيرهما علي القوم

ج عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِيهِ، عَن آبَائِهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَخَطَبَ النّاسَ سَلمَانُ الفاَرسِيِ‌ّ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ بَعدَ أَن دُفِنَ النّبِيّ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ بِثَلَاثَةِ أَيّامٍ فَقَالَ فِيهَا .. أَلَا أَيّهَا النّاسُ اسمَعُوا عنَيّ‌ حدَيِثيِ‌ ثُمّ اعقِلُوهُ عنَيّ‌،أَلَا إنِيّ‌ أُوتِيتُ عِلماً كَثِيراً،فَلَو حَدّثتُكُم بِكُلّ مَا أَعلَمُ مِن فَضَائِلِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ[لَقَالَت]طَائِفَةٌ مِنكُم هُوَ مَجنُونٌ،[ وَ قَالَت]طَائِفَةٌ أُخرَي أللّهُمّ اغفِر لِقَاتِلِ سَلمَانَ.أَلَا إِنّ لَكُم مَنَايَا تَتبَعُهَا بَلَايَا،أَلَا وَ إِنّ عِندَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ المَنَايَا وَ البَلَايَا، وَ مِيرَاثَ الوَصَايَا، وَ فَصلَ الخِطَابِ، وَ أَصلَ الأَنسَابِ عَلَي مِنهَاجِ هَارُونَ بنِ عِمرَانَ مِن مُوسَي عَلَيهِمَا السّلَامُ،إِذ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ


صفحه : 80

وَ آلِهِ وَ سَلّمَ أَنتَ وصَيِيّ‌ فِي أهَليِ‌ وَ خلَيِفتَيِ‌ فِي أمُتّيِ‌ وَ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي. وَ لَكِنّكُم أَخَذتُم سُنّةَ بنَيِ‌ إِسرَائِيلَ،فَأَخطَأتُمُ الحَقّ،تَعلَمُونَ فَلَا تَعمَلُونَ، أَمَا وَ اللّهِلَتَركَبُنّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ عَلَي سُنّةِ بنَيِ‌ إِسرَائِيلَ،حَذوَ النّعلِ بِالنّعلِ وَ القُذّةِ بِالقُذّةِ. أَمَا وَ ألّذِي نَفسُ سَلمَانَ بِيَدِهِ لَو وَلّيتُمُوهَا عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لَأَكَلتُم مِن فَوقِكُم وَ مِن تَحتِ أَرجُلِكُم، وَ لَو دَعَوتُمُ الطّيرَ فِي جَوّ السّمَاءِ لَأَجَابَتكُم، وَ لَو دَعَوتُمُ الحِيتَانَ مِنَ البِحَارِ لَأَتَتكُم، وَ لَمَا عَالَ ولَيِ‌ّ اللّهِ، وَ لَا طَاشَ لَكُم سَهمٌ مِن فَرَائِضِ اللّهِ، وَ لَا اختَلَفَ اثنَانِ فِي حُكمِ اللّهِ. وَ لَكِن أَبَيتُم فَوَلّيتُمُوهَا غَيرَهُ،فَابشِرُوا بِالبَلَاءِ، وَ اقنَطُوا مِنَ الرّخَاءِ، وَ قَد نَابَذتُكُم عَلَي سَوَاءٍ،فَانقَطَعَتِ العِصمَةُ فِيمَا بيَنيِ‌ وَ بَينَكُم مِنَ الوَلَاءِ.


صفحه : 81

عَلَيكُم بِآلِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمُ السّلَامُ،فَإِنّهُمُ القَادَةُ إِلَي الجَنّةِ، وَ الدّعَاةُ إِلَيهَا يَومَ القِيَامَةِ،عَلَيكُم بِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ،فَوَ اللّهِ لَقَد سَلّمنَا عَلَيهِ بِالوَلَايَةِ وَ إِمرَةِ المُؤمِنِينَ مِرَاراً جَمّةً مَعَ نَبِيّنَا، كُلّ ذَلِكَ يَأمُرُنَا بِهِ وَ يُؤَكّدُهُ عَلَينَا،فَمَا بَالُ القَومِ عَرَفُوا فَضلَهُ فَحَسَدُوهُ وَ قَد حَسَدَ قَابِيلُ هَابِيلَ فَقَتَلَهُ، وَ كُفّاراً قَدِ ارتَدّت أُمّةُ مُوسَي بنِ عِمرَانَ عَلَيهِمَا السّلَامُ،فَأَمرُ هَذِهِ الأُمّةِ[كَأَمرِ]بنَيِ‌ إِسرَائِيلَ،فَأَينَ يُذهَبُ بِكُم أَيّهَا النّاسُ وَيحَكُم مَا أَنَا وَ أَبُو فُلَانٍ وَ فُلَانٍ أَ جَهِلتُم أَم تَجَاهَلتُم،أَم حَسَدتُم أَم تَحَاسَدتُم وَ اللّهِ لَتَرتَدّنّ كُفّاراً يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ بِالسّيفِ،يَشهَدُ الشّاهِدُ عَلَي الناّجيِ‌ بِالهَلَكَةِ، وَ يَشهَدُ الشّاهِدُ عَلَي الكَافِرِ بِالنّجَاةِ.أَلَا وَ إنِيّ‌ أَظهَرتُ أمَريِ‌، وَ سَلّمتُ لنِبَيِيّ‌، وَ تَبِعتُ موَلاَي‌َ وَ مَولَي كُلّ مُؤمِنٍ وَ مُؤمِنَةٍ عَلِيّاً أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، وَ سَيّدَ الوَصِيّينَ، وَ قَائِدَ الغُرّ المُحَجّلِينَ، وَ إِمَامَالصّدّيقِينَ وَ الشّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ.

بيان عال أي افتقر. وطاش السّهم أي زال ومال عن الهدف . و قال في النهاية في حديث سلمان و إن أبيتم نابذناكم علي سواء، أي


صفحه : 82

كاشفناكم وقاتلناكم علي طريق مستو في العلم بالمنابذة منّا ومنكم ،بأن نظهر لهم العزم علي قتالهم ، ونخبرهم به إخبارا مكشوفا. و قوله وكفارا،حال عن فاعل ارتدّت.

ج عَن مُحَمّدٍ وَ يَحيَي ابنيَ‌ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ، عَن أَبِيهِمَا، عَن جَدّهِمَا، عَن عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَمّا خَطَبَ أَبُو بَكرٍ قَامَ أُبَيّ بنُ كَعبٍ، وَ كَانَ يَومَ الجُمُعَةِ أَوّلَ يَومٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ. فَقَالَ يَا مَعَاشِرَ المُهَاجِرِينَ الّذِينَ اتّبَعُوا مَرضَاةَ اللّهِ وَ أَثنَي اللّهُ عَلَيهِم فِي القُرآنِ، وَ يَا مَعَاشِرَ الأَنصَارِالّذِينَ تَبَوّؤُا الدّارَ وَ الإِيمانَ وَ أَثنَي اللّهُ عَلَيهِم فِي القُرآنِ،تَنَاسَيتُم أَم نَسِيتُم،أَم بَدّلتُم أَم غَيّرتُم،أَم خُذِلتُم أَم عَجَزتُم. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَامَ فِينَا مَقَاماً أَقَامَ فِيهِ عَلِيّاً، فَقَالَ مَن كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا مَولَاهُ يعَنيِ‌ عَلِيّاً وَ مَن كُنتُ نَبِيّهُ فَهَذَا


صفحه : 83

أَمِيرُهُ. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ يَا عَلِيّ أَنتَ منِيّ‌ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي،طَاعَتُكَ وَاجِبَةٌ عَلَي مَن بعَديِ‌ كطَاَعتَيِ‌ فِي حيَاَتيِ‌، إِلّا أَنّهُ لَا نبَيِ‌ّ بعَديِ‌. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ أُوصِيكُم بِأَهلِ بيَتيِ‌ خَيراً،فَقَدّمُوهُم وَ لَا تَتَقَدّمُوهُم، وَ أَمّرُوهُم وَ لَا تَتَأَمّرُوا عَلَيهِم. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ أَهلُ بيَتيِ‌ مَنَارُ الهُدَي وَ الدّالّونَ عَلَي اللّهِ. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنتَ الهاَديِ‌ لِمَن ضَلّ.


صفحه : 84

أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ عَلِيّ المحُييِ‌ لسِنُتّيِ‌ وَ مُعَلّمُ أمُتّيِ‌، وَ القَائِمُ بحِجُتّيِ‌، وَ خَيرُ مَن أُخَلّفُ مِن بعَديِ‌، وَ سَيّدُ أَهلِ بيَتيِ‌،أَحَبّ النّاسِ إلِيَ‌ّ،طَاعَتُهُ كطَاَعتَيِ‌ عَلَي أمُتّيِ‌. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّهُ لَم يُوَلّ عَلَي عَلِيّ أَحَداً مِنكُم، وَ وَلّاهُ فِي كُلّ غَيبَتِهِ عَلَيكُم. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّهُ كَانَ مَنزِلُهُمَا فِي أَسفَارِهِمَا وَاحِداً، وَ ارتِحَالُهُمَا وَ أَمرُهُمَا وَاحِداً. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّهُ قَالَ إِذَا غِبتُ فَخَلّفتُ فِيكُم عَلِيّاً فَقَد خَلّفتُ فِيكُم رَجُلًا كنَفَسيِ‌. أَ لَستُم تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَبلَ مَوتِهِ قَد جَمَعَنَا فِي بَيتِ ابنَتِهِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَقَالَ لَنَا إِنّ اللّهَ أَوحَي إِلَي مُوسَي بنِ عِمرَانَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنِ اتّخِذ أَخاً مِن أَهلِكَ فَاجعَلهُ نَبِيّاً، وَ اجعَل أَهلَهُ لَكَ وُلداً،أُطَهّرهُم مِنَ الآفَاتِ، وَ أُخَلّصهُم مِنَ الرّيبِ،فَاتّخَذَ مُوسَي هَارُونَ أَخاً، وَ وُلدَهُ أَئِمّةً لبِنَيِ‌ إِسرَائِيلَ مِن بَعدِهِ،يَحِلّ لَهُم فِي مَسَاجِدِهِم مَا يَحِلّ لِمُوسَي.


صفحه : 85

وَ إِنّ اللّهَ أَوحَي إلِيَ‌ّ أَنِ اتّخِذ عَلِيّاً أَخاً،كَمُوسَي اتّخَذَ هَارُونَ أَخاً، وَ اتّخِذ وُلدَهُ وُلداً،فَقَد طَهّرتُهُم كَمَا طَهّرتُ وُلدَ هَارُونَ، إِلّا أنَيّ‌ خَتَمتُ بِكَ النّبِيّينَ فَلَا نبَيِ‌ّ بَعدَكَ،فَهُمُ الأَئِمّةُ الهَادِيَةُ. أَ فَمَا تُبصِرُونَ أَ فَمَا تَفهَمُونَ أَ مَا تَسمَعُونَ ضُرِبَت عَلَيكُمُ الشّبُهَاتُ.فَكَانَ مَثَلُكُم كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي سَفَرٍ،فَأَصَابَهُ عَطَشٌ شَدِيدٌ حَتّي خشَيِ‌َ أَن يَهلِكَ،فلَقَيِ‌َ رَجُلًا هَادِياً فِي الطّرِيقِ فَسَأَلَهُ عَنِ المَاءِ، فَقَالَ لَهُ أَمَامَكَ عَينَانِ أَحَدُهَا مَالِحَةٌ وَ الأُخرَي عَذبَةٌ، فَإِن أَصَبتَ المَالِحَةَ ضَلَلتَ، وَ إِن أَصَبتَ العَذبَةَ هُدِيتَ وَ رَوِيتَ.فَهَذَا مَثَلُكُم أَيّتُهَا الأُمّةُ المُهمَلَةُ كَمَا زَعَمتُم، وَ ايمُ اللّهِ مَا أُهمِلتُم،لَقَد نُصِبَ لَكُم عَلَمٌ يُحِلّ لَكُمُ الحَلَالَ وَ يُحَرّمُ عَلَيكُمُ الحَرَامَ، لَو أَطَعتُمُوهُ مَا اختَلَفتُم، وَ لَا تَدَابَرتُم، وَ لَا تَقَاتَلتُم، وَ لَا برَ‌ِئَ بَعضُكُم مِن بَعضٍ.فَوَ اللّهِ إِنّكُم بَعدَهُ لَمُختَلِفُونَ فِي أَحكَامِكُم، وَ إِنّكُم بَعدَهُ لَنَاقِضُوا عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ إِنّكُم عَلَي عِترَتِهِ لَمُختَلِفُونَ. إِن سُئِلَ هَذَا عَن غَيرِ مَن يَعلَمُ أَفتَي بِرَأيِهِ،فَقَد أُبعِدتُم وَ تَجَارَيتُم


صفحه : 86

وَ زَعَمتُمُ الِاختِلَافَ رَحمَةً،هَيهَاتَ أَبَي الكِتَابُ ذَلِكَ عَلَيكُم، يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيوَ لا تَكُونُوا كَالّذِينَ تَفَرّقُوا وَ اختَلَفُوا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ البَيّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُم عَذابٌ عَظِيمٌ، ثُمّ أَخبَرَنَا بِاِختِلَافِكُم فَقَالَوَ لا يَزالُونَ مُختَلِفِينَ إِلّا مَن رَحِمَ رَبّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُم، أَي لِلرّحمَةِ، وَ هُم آلُ مُحَمّدٍ.سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ يَا عَلِيّ أَنتَ وَ شِيعَتُكَ عَلَي الفِطرَةِ وَ النّاسُ[مِنهَا]بِرَاءٌ.فَهَلّا قَبِلتُم مِن نَبِيّكُم صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَيفَ وَ هُوَ[خَبّرَكُم بِانتِكَاصَتِكُم] عَن وَصِيّهِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَمِينِهِ وَ وَزِيرِهِ وَ أَخِيهِ وَ وَلِيّهِ دُونَكُم أَجمَعِينَ.أَطهَرُكُم قَلباً، وَ أَعلَمُكُم عِلماً، وَ أَقدَمُكُم سِلماً، وَ أَعظَمُكُم غَنَاءً عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،أَعطَاهُ تُرَاثَهُ، وَ أَوصَاهُ بِعِدَاتِهِ، وَ استَخلَفَهُ عَلَي


صفحه : 87

أُمّتِهِ،وَضَعَ عِندَهُ سِرّهُ،فَهُوَ وَلِيّهُ دُونَكُم أَجمَعِينَ، وَ أَحَقّ بِهِ مِنكُم عَلَي التّعيِينِ،سَيّدُ الوَصِيّينَ، وَ أَفضَلُ المُتّقِينَ، وَ أَطوَعُ الأُمّةِ لِرَبّ العَالَمِينَ،سَلّمتُم عَلَيهِ بِخِلَافَةِ المُؤمِنِينَ فِي حَيَاةِ سَيّدِ النّبِيّينَ وَ خَاتَمِ المُرسَلِينَ.فَقَد أَعذَرَ مَن أَنذَرَ، وَ أَدّي النّصِيحَةَ مَن وَعَظَ، وَ بَصّرَ مَن عَمَي،فَقَد سَمِعتُم كَمَا سَمِعنَا، وَ رَأَيتُم كَمَا رَأَينَا، وَ شَهِدتُم كَمَا شَهِدنَا.فَقَامَ عَبدُ الرّحمَنِ بنُ عَوفٍ وَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ وَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ فَقَالُوا يَا أُبَيّ أَصَابَكَ خَبَلٌ أَم بِكَ جِنّةٌ.


صفحه : 88

فَقَالَ بَلِ الخَبَلُ فِيكُم،كُنتُ عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَوماً،فَأَلفَيتُهُ يُكَلّمُ رَجُلًا أَسمَعُ كَلَامَهُ وَ لَا أَرَي وَجهَهُ. فَقَالَ فِيمَا يُخَاطِبُهُ مَا أَنصَحَهُ لَكَ وَ لِأُمّتِكَ، وَ أَعلَمَهُ بِسُنّتِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَ فَتَرَي أمُتّيِ‌ تَنقَادُ لَهُ مِن بعَديِ‌ قَالَ يَا مُحَمّدُ تَتبَعُهُ مِن أُمّتِكَ أَبرَارُهَا، وَ تُخَالِفُ عَلَيهِ مِن أُمّتِكَ فُجّارُهَا، وَ كَذَلِكَ أَوصِيَاءُ النّبِيّينَ مِن قَبلِكَ، يَا مُحَمّدُ إِنّ مُوسَي بنَ عِمرَانَ أَوصَي إِلَي يُوشَعَ بنِ نُونٍ وَ كَانَ أَعلَمَ بنَيِ‌ إِسرَائِيلَ وَ أَخوَفَهُم لِلّهِ وَ أَطوَعَهُم لَهُ وَ أَمَرَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ أَن يَتّخِذَهُ وَصِيّاً كَمَا اتّخَذتَ عَلِيّاً وَصِيّاً، وَ كَمَا أُمِرتَ بِذَلِكَ،فَحَسَدَهُ بَنُو إِسرَائِيلَ سِبطُ مُوسَي خَاصّةً،فَلَعَنُوهُ وَ شَتَمُوهُ وَ عَنّفُوهُ وَ وَضَعُوا لَهُ، فَإِن أَخَذَت أُمّتُكَ سَنَنَ بنَيِ‌ إِسرَائِيلَ كَذّبُوا وَصِيّكَ، وَ جَحَدُوا أَمرَهُ، وَ ابتَزّوا خِلَافَتَهُ، وَ غَالَطُوهُ فِي عِلمِهِ.فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَن هَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ هَذَا مَلَكٌ مِن مَلَائِكَةِ اللّهِ ربَيّ‌ عَزّ وَ جَلّ،ينُبئِنُيِ‌ أَنّ أمُتّيِ‌ تَختَلِفُ عَلَي وصَيِيّ‌ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ. وَ إنِيّ‌ أُوصِيكَ يَا أُبَيّ بِوَصِيّةٍ إِن حَفِظتَهَا لَم تَزَل بِخَيرٍ، يَا أُبَيّ عَلَيكَ بعِلَيِ‌ّ،فَإِنّهُ الهاَديِ‌ المهَديِ‌ّ،النّاصِحُ لأِمُتّيِ‌،المحُييِ‌ لسِنُتّيِ‌، وَ هُوَ إِمَامُكُم بعَديِ‌،


صفحه : 89

فَمَن رضَيِ‌َ بِذَلِكَ لقَيِنَيِ‌ عَلَي مَا فَارَقتُهُ عَلَيهِ، يَا أُبَيّ وَ مَن غَيّرَ وَ بَدّلَ لقَيِنَيِ‌ نَاكِثاً لبِيَعتَيِ‌،عَاصِياً أمَريِ‌،جَاحِداً لنِبُوُتّيِ‌، لَا أَشفَعُ لَهُ عِندَ ربَيّ‌، وَ لَا أَسقِيهِ مِن حوَضيِ‌.فَقَامَت إِلَيهِ رِجَالٌ مِنَ الأَنصَارِ فَقَالُوا اقعُد رَحِمَكَ اللّهُ يَا أُبَيّ،فَقَد أَدّيتَ مَا سَمِعتَ[ وَ]وَفَيتَ بِعَهدِكَ.

شف الحَسَنُ بنُ مُحَمّدِ بنِ الفَرَزدَقِ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي هَارُونَ، عَن مُخَوّلِ بنِ اِبرَاهِيمَ، عَن عِيسَي بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ .. مِثلَهُ، مَعَ اختِصَارٍ.

و قدأوردته في باب النصوص علي أمير المؤمنين عليه السلام .بيان قال الجوهري‌ أغنيت عنك مغني فلان .. أي أجزأت عنك مجزأة، ويقال مايغني‌ عنك هذا.. أي مايجدي‌ عنك و ماينفعك ..، والغناء


صفحه : 90

بالفتح .. النّفع. قوله وبصّر علي بناء التفعيل معطوف علي وعظ. ويقال وضع منه فلان أي حطّ من درجته .


صفحه : 91

9- باب ماكتب أبوبكر إلي جماعة يدعوهم إلي البيعة و فيه بعض أحوال أبي قحافة

ج روُيِ‌َ عَنِ البَاقِرِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ قَالَ لأِبَيِ‌ بَكرٍ اكتُب إِلَي أُسَامَةَ يَقدَمُ عَلَيكَ، فَإِنّ فِي قُدُومِهِ قَطعُ الشّنعَةِ عَنّا.فَكَتَبَ أَبُو بَكرٍ إِلَيهِ مِن أَبِي بِكرٍ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللّهِ إِلَي أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ، أَمّا بَعدُ فَانظُر إِذَا أَتَاكَ كتِاَبيِ‌ فَأَقبِل إلِيَ‌ّ أَنتَ وَ مَن مَعَكَ، فَإِنّ المُسلِمِينَ قَدِ اجتَمَعُوا[ عَلَيّ] وَ ولَوّنيِ‌ أَمرَهُم، فَلَا تَتَخَلّفَنّ فتَعَصيِ‌َ وَ يَأتِيَكَ منِيّ‌ مَا تَكرَهُ، وَ السّلَامُ. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيهِ أُسَامَةُ جَوَابَ كِتَابِهِ مِن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ عَامِلِ رَسُولِ اللّهِ(ص ) عَلَي غَزوَةِ الشّامِ، أَمّا بَعدُ،فَقَد أتَاَنيِ‌[مِنكَ] كِتَابٌ يَنقُضُ أَوّلُهُ آخِرَهُ


صفحه : 92

ذَكَرتَ فِي أَوّلِهِ أَنّكَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللّهِ، وَ ذَكَرتَ فِي آخِرِهِ أَنّ المُسلِمِينَ اجتَمَعُوا عَلَيكَ فَوَلّوكَ أُمُورَهُم وَ رَضُوا بِكَ وَ اعلَم،أنَيّ‌ وَ مَن معَيِ‌ مِن جَمَاعَةِ المُسلِمِينَ وَ المُهَاجِرِينَ، فَلَا وَ اللّهِ مَا رَضِينَا بِكَ وَ لَا وَلّينَاكَ أَمرَنَا، وَ انظُر أَن تَدفَعَ الحَقّ إِلَي أَهلِهِ، وَ تُخَلّيَهُم وَ إِيّاهُ،فَإِنّهُم أَحَقّ بِهِ مِنكَ.فَقَد عَلِمتَ مَا كَانَ مِن قَولِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَ غَدِيرِ خُمّ،فَمَا طَالَ العَهدُ فَتَنسَي.انظُر بِمَركَزِكَ، وَ لَا تُخَلّف فتَعَصيِ‌َ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ تعَصيِ‌َ[ مَنِ]استَخلَفَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَيكَ وَ عَلَي صَاحِبِكَ، وَ لَم يعَزلِنيِ‌ حَتّي قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَنّكَ وَ صَاحِبَكَ رَجَعتُمَا وَ عَصَيتُمَا،فَأَقَمتُمَا فِي المَدِينَةِ بِغَيرِ إذِنيِ‌. قَالَ فَهَمّ أَبُو بَكرٍ أَن يَخلَعَهَا مِن عُنُقِهِ، قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَا تَفعَل قَمِيصٌ قَمّصَكَ اللّهُ لَا تَخلَعهُ فَتَندَمَ، وَ لَكِن أَلِحّ عَلَي أُسَامَةَ بِالكُتُبِ، وَ مُر فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً يَكتُبُونَ إِلَي أُسَامَةَ أَن لَا يُفَرّقَ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ، وَ أَن يُدخِلَ يَدَهُ


صفحه : 93

فِيمَا صَنَعُوا. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيهِ أَبُو بَكرٍ، وَ كَتَبَ إِلَيهِ أُنَاسٌ مِنَ المُنَافِقِينَ أَنِ ارضَ بِمَا اجتَمَعنَا عَلَيهِ، وَ إِيّاكَ أَن تُشمِلَ المُسلِمِينَ فِتنَةً مِن قِبَلِكَ،فَإِنّهُم حَدِيثُو عَهدٍ بِالكُفرِ. فَلَمّا وَرَدَتِ الكُتُبُ عَلَي أُسَامَةَ انصَرَفَ بِمَن مَعَهُ حَتّي دَخَلَ المَدِينَةَ، فَلَمّا رَأَي اجتِمَاعَ النّاسِ عَلَي أَبِي بَكرٍ انطَلَقَ إِلَي عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ لَهُ عَلِيّ هَذَا مَا تَرَي قَالَ لَهُ أُسَامَةُ فَهَل بَايَعتَهُ فَقَالَ نَعَم. فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ طَائِعاً أَو كَارِهاً قَالَ لَا،بَل كَارِهاً قَالَ فَانطَلَقَ أُسَامَةُ فَدَخَلَ عَلَي أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ السّلَامُ عَلَيكَ يَا خَلِيفَةَ المُسلِمِينَ. قَالَ فَرَدّ أَبُو بَكرٍ وَ قَالَ السّلَامُ عَلَيكَ أَيّهَا الأَمِيرُ.

بيان انظر بمركزك ، أي إلي مركزك ومحلّك ألّذي أقامك فيه النبيّ صلّي اللّه عليه وآله من عسكري‌، وأمرك أن تكون فيهم ، أو من كونك رعية لأمير


صفحه : 94

المؤمنين عليه السلام ، أوانظر في أمرك ، في مركزك ومقامك .

جا عَلِيّ بنُ مُحَمّدٍ البصَريِ‌ّ، عَن أَحمَدَ بنِ اِبرَاهِيمَ، عَن زَكَرِيّا بنِ يَحيَي، عَن عَبدِ الجَبّارِ، عَن سُفيَانَ، عَنِ الوَلِيدِ بنِ كَثِيرٍ، عَنِ ابنِ الصّيّادِ، عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ قَالَ لَمّا قُبِضَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ ارتَجّت مَكّةُ بِنَعيِهِ. فَقَالَ أَبُو قُحَافَةَ مَا هَذَا قَالُوا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ. قَالَ فَمَن ولَيِ‌ّ النّاسِ بَعدَهُ قَالُوا ابنُكَ. قَالَ فَهَل رَضِيَت بَنُو عَبدِ شَمسٍ وَ بَنُو المُغِيرَةِ قَالُوا نَعَم. قَالَ لَا مَانِعَ لِمَا أَعطَي اللّهُ وَ لَا معُطيِ‌َ لِمَا مَنَعَ اللّهُ، مَا أَعجَبَ هَذَا الأَمرَ يَتَنَازَعُونَ النّبُوّةَ وَ يُسَلّمُونَ الخِلَافَةَ،إِنّ هذا لشَيَ‌ءٌ يُرادُ.

بيان أي ماأعجب منازعة بني‌ عبدشمس وبني‌ المغيرة في النبوّة الحقّة وتسليمهم الخلافة الباطلة.إِنّ هذا لشَيَ‌ءٌ يُرادُ، أي هذاالأمر لشي‌ء من ريب الزمان يراد بنا فلامردّ


صفحه : 95

له ، أو إنّ تولي‌ّ أمر الخلافة شيءيتمنّي، أويريده كلّ أحد، أو إنّ دينكم يطلب ليؤخذ منكم كماقيل في الآية، والأخير هنا أبعد.

ج روُيِ‌َ أَنّ أَبَا قُحَافَةَ كَانَ بِالطّائِفِ لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بُويِعَ لأِبَيِ‌ بَكرٍ،فَكَتَبَ إِلَي أَبِيهِ كِتَاباً عُنوَانُهُ مِن خَلِيفَةِ رَسُولِ اللّهِ إِلَي أَبِي قُحَافَةَ، أَمّا بَعدُ، فَإِنّ النّاسَ قَد تَرَاضَوا بيِ‌،فَأَنَا اليَومَ خَلِيفَةُ اللّهِ،فَلَو قَدِمتَ عَلَينَا لَكَانَ أَحسَنَ بِكَ. فَلَمّا قَرَأَ أَبُو قُحَافَةَ الكِتَابَ قَالَ لِلرّسُولِ مَا مَنَعَهُم مِن عَلِيّ قَالَ الرّسُولُ هُوَ حَدَثُ السّنّ، وَ قَد أَكثَرَ القَتلَ فِي قُرَيشٍ وَ غَيرِهَا، وَ أَبُو بَكرٍ أَسَنّ مِنهُ. قَالَ أَبُو قُحَافَةَ إِن كَانَ الأَمرُ فِي ذَلِكَ بِالسّنّ فَأَنَا أَحَقّ مِن أَبِي بَكرٍ،لَقَد ظَلَمُوا عَلِيّاً حَقّهُ، وَ لَقَد بَايَعَ لَهُ النّبِيّ وَ أَمَرَنَا بِبَيعَتِهِ. ثُمّ كَتَبَ إِلَيهِ مِن أَبِي قُحَافَةَ إِلَي أَبِي بَكرٍ أَمّا بَعدُ،فَقَد أتَاَنيِ‌ كِتَابُكَ،فَوَجَدتُهُ كِتَابَ أَحمَقَ يَنقُضُ بَعضُهُ بَعضاً،مَرّةً تَقُولُ خَلِيفَةُ اللّهِ، وَ مَرّةً تَقُولُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللّهِ، وَ مَرّةً تَرَاضَي بيِ‌َ النّاسُ، وَ هُوَ أَمرٌ مُلتَبِسٌ، فَلَا تَدخُلَنّ


صفحه : 96

فِي أَمرٍ يَصعُبُ عَلَيكَ الخُرُوجُ مِنهُ غَداً، وَ يَكُونُ عُقبَاكَ مِنهُ إِلَي النّدَامَةِ، وَ مَلَامَةِ النّفسِ اللّوّامَةِ،لَدَي الحِسَابِ يَومَ القِيَامَةِ، فَإِنّ لِلأُمُورِ مَدَاخِلَ وَ مَخَارِجَ، وَ أَنتَ تَعرِفُ مَن هُوَ أَولَي مِنكَ بِهَا،فَرَاقِبِ اللّهَ كَأَنّكَ تَرَاهُ، وَ لَا تَدَعَنّ صَاحِبَهَا، فَإِنّ تَركَهَا اليَومَ أَخَفّ عَلَيكَ وَ أَسلَمُ لَكَ.

شف مِن كِتَابِ البَهَارِ لِلحُسَينِ بنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَنِ ابنِ رِئَابٍ، عَن فُضَيلٍ الرّسّانِ وَ الحَسَنِ بنِ السّكَنِ،عَمّن أَخبَرَهُ، عَن أَبِي أُمَامَةَ قَالَ لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَتَبَ أَبُو بَكرٍ إِلَي أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ مِن أَبِي بَكرٍ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ، أَمّا بَعدُ، فَإِنّ المُسلِمِينَ اجتَمَعُوا عَلَيّ لَمّا أَن قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَإِذَا أَتَاكَ كتِاَبيِ‌ هَذَا فَأَقبِل. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيهِ أُسَامَةُ بنُ زَيدٍ أَمّا بَعدُ،فَإِنّهُ جاَءنَيِ‌ كِتَابٌ لَكَ يَنقُضُ آخِرُهُ أَوّلَهُ،كَتَبتَ إلِيَ‌ّ مِن أَبِي بَكرٍ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ عَلَي أَهلِ بَيتِهِ، ثُمّ أخَبرَتنَيِ‌ أَنّ المُسلِمِينَ اجتَمَعُوا عَلَيكَ. قَالَ فَلَمّا قَدِمَ عَلَيهِ قَالَ لَهُ يَا أَبَا بَكرٍ أَ مَا تَذكُرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ


صفحه : 97

عَلَيهِ وَ آلِهِ حِينَ أَمَرَنَا أَن نُسَلّمَ عَلَي عَلِيّ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ،فَقُلتَ أَ مِنَ اللّهِ وَ مِن رَسُولِهِ فَقَالَ لَكَ نَعَم، ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ أَ مِنَ اللّهِ وَ مِن رَسُولِهِ فَقَالَ نَعَم، ثُمّ قَامَ القَومُ فَسَلّمُوا عَلَيهِ،فَكُنتُ أَصغَرَكُم سِنّاً،فَقُمتُ فَسَلّمتُ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ فَقَالَ إِنّ اللّهَ لَم يَكُن لِيَجمَعَ لَهُمُ النّبُوّةَ وَ الخِلَافَةَ.


صفحه : 99

01- باب إقرار أبي بكر بفضل أمير المؤمنين وخلافته بعدالغصب

ج عَن عَامِرٍ الشعّبيِ‌ّ، عَن عُروَةَ بنِ الزّبَيرِ، عَنِ الزّبَيرِ بنِ العَوّامِ قَالَ لَمّا قَالَ المُنَافِقُونَ إِنّ أَبَا بَكرٍ تَقَدّمَ عَلِيّاً وَ هُوَ يَقُولُ أَنَا أَولَي بِالمَكَانِ مِنهُ.قَامَ أَبُو بَكرٍ خَطِيباً فَقَالَ صَبراً عَلَي مَن لَيسَ يَئُولُ إِلَي دِينٍ، وَ لَا يَحتَجِبُ بِرِعَايَةٍ، وَ لَا يرَعوَيِ‌ لِوَلَايَةٍ،أَظهَرَ الإِيمَانَ ذِلّةً، وَ أَسَرّ النّفَاقَ عِلّةً،هَؤُلَاءِ عُصبَةُ الشّيطَانِ، وَ جَمعُ الطّغيَانِ .. تَزعُمُونَ أنَيّ‌ أَقُولُ إنِيّ‌ أَفضَلُ مِن عَلِيّ، وَ كَيفَ أَقُولُ ذَلِكَ وَ مَا لِي سَابِقَتُهُ وَ لَا قَرَابَتُهُ وَ لَا خُصُوصِيّتُهُ،وَحّدَ اللّهَ وَ أَنَا مُلحِدُهُ، وَ عَبَدَهُ قَبلَ أَن أَعبُدَهُ، وَ وَالَي


صفحه : 100

الرّسُولَ وَ أَنَا عَدُوّهُ، وَ سبَقَنَيِ‌ بِسَاعَاتٍ لَو تَقَطّعتُ لَم أَلحَق ثَنَاءَهُ، وَ لَم أَقطَع غُبَارَهُ. إِنّ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ فَازَ وَ اللّهِ مِنَ اللّهِ بِمَحَبّتِهِ، وَ مِنَ الرّسُولِ بِقُربَةٍ، وَ مِنَ الإِيمَانِ بِرُتبَةٍ، لَو جَهَدَ الأَوّلُونَ وَ الآخِرُونَ إِلّا النّبِيّينَ لَم يَبلُغُوا دَرَجَتَهُ، وَ لَم يَسلُكُوا مَنهَجَهُ.بَذَلَ لِلّهِ مُهجَتَهُ، وَ لِابنِ عَمّهِ مَوَدّتَهُ،كَاشِفُ الكَربِ، وَ دَافِعُ الرّيبِ، وَ قَاطِعُ السّبَبِ إِلّا سَبَبَ الرّشَادِ، وَ قَامِعُ الشّركِ، وَ مُظهِرٌ مَا تَحتَ سُوَيدَاءِ حَبّةِ النّفَاقِ،مَجَنّةُ هَذَا العَالَمِ،لَحِقَ قَبلَ أَن يُلَاحَقَ، وَ بَرَزَ قَبلَ أَن يُسَابَقَ،جَمَعَ العِلمَ وَ الحِلمَ وَ الفَهمَ،فَكَأَنّ جَمِيعَ الخَيرَاتِ كَانَت لِقَلبِهِ كُنُوزاً، لَا يَدّخِرُ مِنهَا مِثقَالَ ذَرّةٍ إِلّا أَنفَقَهُ فِي بَابِهِ.فَمَن ذَا يَأمُلُ أَن يَنَالَ دَرَجَتَهُ وَ قَد جَعَلَهُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ لِلمُؤمِنِينَ وَلِيّاً، وَ للِنبّيِ‌ّ


صفحه : 101

وَصِيّاً، وَ لِلخِلَافَةِ وَاعِياً، وَ بِالإِمَامَةِ قَائِماً أَ فَيَغتَرّ الجَاهِلُ بِمَقَامِ قِمّتِهِ إِذ أقَاَمنَيِ‌ وَ أَطَعتُهُ إِذ أمَرَنَيِ‌ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ الحَقّ مَعَ عَلِيّ وَ عَلِيّ مَعَ الحَقّ، مَن أَطَاعَ عَلِيّاً رَشَدَ، وَ مَن عَصَي عَلِيّاً فَسَدَ، وَ مَن أَحَبّهُ سَعِدَ، وَ مَن أَبغَضَهُ شقَيِ‌َ. وَ اللّهِ لَو لَم نُحِبّ ابنَ أَبِي طَالِبٍ إِلّا لِأَجلِ أَنّهُ لَم يُوَاقِع لِلّهِ مُحَرّماً، وَ لَا عَبَدَ مِن دُونِهِ صَنَماً، وَ لِحَاجَةِ النّاسِ إِلَيهِ بَعدَ نَبِيّهِم،لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ.فَكَيفَ لِأَسبَابٍ أَقَلّهَا مُوجِبٌ، وَ أَهوَنُهَا مُرَغّبٌ لَهُ الرّحِمُ المَاسّةُ بِالرّسُولِ، وَ العِلمُ بِالدّقِيقِ وَ الجَلِيلِ، وَ الرّضَا بِالصّبرِ الجَمِيلِ، وَ المُوَاسَاةُ فِي الكَثِيرِ وَ القَلِيلِ، وَ خِلَالٌ لَا يُبلَغُ عَدّهَا، وَ لَا يُدرَكُ مَجدُهَا.وَدّ المُتَمَنّونَ أَن لَو كَانُوا تُرَابَ ابنِ أَبِي طَالِبٍ، أَ لَيسَ هُوَ صَاحِبَ لِوَاءِ الحَمدِ، وَ الساّقيِ‌َ يَومَ الوُرُودِ، وَ جَامِعَ كُلّ كَرَمٍ، وَ عَالِمَ كُلّ عِلمٍ، وَ الوَسِيلَةَ إِلَي اللّهِ وَ إِلَي رَسُولِهِ

بيان قوله لم ألحق ثناءه ،كذا في بعض النسخ ، أي لاأطيق أن


صفحه : 102

أثني عليه كما هوأهله ، و في بعضها شأوه و هوالغاية والأمد والسّبق،يقال شأوت القوم شأوا، أي سبقتهم ، و في بعضها شاره ، ولعله من الشارة، وهي‌ الهيئة الحسنة و الحسن والجمال والزّينة، و لايبعد أن يكون في الأصل ناره ،لاستقامة السجع وبلاغة المعني . و أما قوله و لم أقطع غباره ،فهو مثل ،يقال فلان مايشقّ غباره إذاسبق غيره في الفضل ، أي لايلحق أحد غباره فيشقّه، كما هوالمعروف في المثل بين العجم أو ليس له غبار لسرعته ، واختار الميداني‌ الأخير،حيث قال يريد أنّه لاغبار له فيشقّ، و ذلك لسرعة عدوه وخفّة وطئه ، و قال


مواقع وطئه فلو أنّه   يجزي‌ برملة عالج لم يرهج

و قال النابغة


أعلمت يوم عكاظ حين لقيتني‌   تحت العجاج فما شققت غباري‌

يضرب لمن لايجاري ،لأنّ مجاريك يكون معك في الغبار،فكأنّه قال


صفحه : 103

لاقرن له يجاريه . و قال الجوهري‌ سواد القلب وسويداؤه حبّته.


صفحه : 105

11- باب نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الاحتجاج فيه و فيه قصّة خالد وعزمه علي قتل أمير المؤمنين عليه السلام

ن فِيمَا احتَجّ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ فِي فَضلِ العِترَةِ الطّاهِرَةِ. قَالَ وَ الآيَةُ الخَامِسَةُ قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُخُصُوصِيَةٌ خَصّهُمُ العَزِيزُ الجَبّارُ بِهَا، وَ اصطَفَاهُم عَلَي الأُمّةِ. فَلَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ قَالَ ادعُوا إلِيَ‌ّ فَاطِمَةَ.


صفحه : 106

فَدُعِيَت لَهُ، فَقَالَ يَا فَاطِمَةُ قَالَت لَبّيكَ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَدَكُ هيِ‌َ مِمّا لَم يُوجَف عَلَيهِ بِخَيلٍ وَ لَا رِكَابٍ، وَ هيِ‌َ لِي خَاصّةً دُونَ المُسلِمِينَ، وَ قَد جَعَلتُهَا لَكِ، لِمَا أمَرَنَيِ‌ اللّهُ بِهِ،فَخُذِيهَا لَكِ وَ لِوُلدِكِ.

بيان نزول هذه الآية في فدك رواه كثير من المفسّرين، ووردت به الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة.


صفحه : 107

قال الشيخ الطبرسي‌ رحمه اللّه قيل إنّ المراد قرابة الرسول .

عَنِ السدّيّ‌ّ قَالَ إِنّ عَلِيّ بنَ الحُسَينِ قَالَ لِرَجُلٍ مِن أَهلِ الشّامِ حِينَ بَعَثَ بِهِ عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيَادٍ إِلَي يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ عَلَيهِ اللّعنَةُ أَ قَرَأتَ القُرآنَ قَالَ نَعَم. قَالَ أَ مَا قَرَأتَوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ قَالَ وَ إِنّكُم ذُو القُربَي ألّذِي أَمَرَ اللّهُ أَن يُؤتَي حَقّهُ قَالَ نَعَم.

و هو ألّذي رواه أصحابنا رضي‌ اللّه عنهم عن الصادقين عليهم السلام . وأخبرنا السيّد مهدي‌ بن نزار الحسني‌ بإسناد ذكره عن أبي سعيد الخدري‌ قال لمانزلت قوله وَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُأعطي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فاطمة فدك . قال عبدالرحمن بن صالح كتب المأمون إلي عبيد اللّه بن موسي يسأله عن قصّة فدك ،فكتب إليه عبيد اللّه بهذا الحديث ،رواه عن الفضيل بن مرزوق عن عطية،فردّ المأمون فدك علي ولد فاطمة،انتهي . وروي العياشي‌ حديث عبدالرحمن بن صالح ، إلي آخره .

جا الجعِاَبيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ جَعفَرٍ الحسَنَيِ‌ّ، عَن عِيسَي بنِ مِهرَانَ، عَن يُونُسَ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ الهاَشمِيِ‌ّ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ، عَن زَينَبَ بِنتِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَت لَمّا اجتَمَعَ رأَي‌ُ


صفحه : 108

أَبِي بَكرٍ عَلَي مَنعِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَدَكَ وَ العوَاَليِ‌َ، وَ أَيِسَت مِن إِجَابَتِهِ لَهَا،عَدَلَت إِلَي قَبرِ أَبِيهَا رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَلقَت نَفسَهَا عَلَيهِ، وَ شَكَت إِلَيهِ مَا فَعَلَهُ القَومُ بِهَا، وَ بَكَت حَتّي بَلّت تُربَتُهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِدُمُوعِهَا عَلَيهَا السّلَامُ، وَ نَدَبَتهُ. ثُمّ قَالَت فِي آخِرِ نُدبَتِهَا


قَد كَانَ بَعدَكَ أَنبَاءٌ وَ هَنبَثَةٌ   لَو كُنتَ شَاهِدَهَا لَم يَكبُرِ الخَطبُ

إِنّا فَقَدنَاكَ فَقدَ الأَرضِ وَابِلَهَا   وَ اختَلّ قَومُكَ فَاشهَدهُم فَقَد نَكَبُوا

قَد كَانَ جِبرِيلُ بِالآيَاتِ يُؤنِسُنَا   فَغِبتَ عَنّا فَكُلّ الخَيرِ مُحتَجِبٌ

وَ كُنتَ بَدراً وَ نُوراً يُستَضَاءُ بِهِ   عَلَيكَ تَنزِلُ مِن ذيِ‌ العِزّةِ الكُتُبُ

صفحه : 109


تَجَهّمَتنَا رِجَالٌ وَ استُخِفّ بِنَا   بَعدَ النّبِيّ وَ كُلّ الخَيرِ مُغتَصَبُ

سَيَعلَمُ المتُوَلَيّ‌ ظُلمَ حَامَتِنَا   يَومَ القِيَامَةِ أَنّي سَوفَ يَنقَلِبُ

فَقَد لَقِينَا ألّذِي لَم يَلقَهُ أَحَدٌ   مِنَ البَرّيّةِ لَا عَجَمٌ وَ لَا عَرَبٌ

فَسَوفَ نَبكِيكَ مَا عِشنَا وَ مَا بَقِيَت   لَنَا العُيُونُ بِتِهمَالٍ لَهُ سَكَبُ

بيان الحامّة خاصّة الرّجل، والتخفيف لضرورة الشعر، قال في النهاية في الحديث ألّلهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي‌ وحاميّتي‌ أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا .. حامّة الإنسان خاصّته و من يقرب منه ، و هوالحميم أيضا،انتهي . والتّهمال من الهمل ، و إن لم يرد في اللغة، قال الجوهري‌ هملت عينه تهمل وتهمل هملا وهملانا أي فاضت ، وانهملت مثله . و قال سكبت الماء سكبا أي صبيته ، وسكب الماء نفسه سكوبا وتسكابا وانسكب بمعني وسيأتي‌ شرح باقي‌ الأبيات في بيان خطبتها.

فر زَيدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ جَعفَرٍ العلَوَيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ مَروَانَ، عَن


صفحه : 110

عُبَيدِ بنِ يَحيَي، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَ لَمّا نَزَلَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،شَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سِلَاحَهُ وَ أَسرَجَ دَابّتَهُ، وَ شَدّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ سِلَاحَهُ وَ أَسرَجَ دَابّتَهُ، ثُمّ تَوَجّهَا فِي جَوفِ اللّيلِ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَا يَعلَمُ حَيثُ يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي[انتَهَيَا] إِلَي فَدَكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيّ تحَملِنُيِ‌ أَو أَحمِلُكَ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَحمِلُكَ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيّ بَل أَنَا أَحمِلُكَ،لأِنَيّ‌ أَطوَلُ بِكَ وَ لَا تَطُولُ بيِ‌.فَحَمَلَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي كَتِفَيهِ، ثُمّ قَامَ بِهِ،فَلَم يَزَل يَطُولُ بِهِ حَتّي عَلَا عَلَي سُورِ الحِصنِ،فَصَعِدَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي الحِصنِ وَ مَعَهُ سَيفُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَذّنَ عَلَي الحِصنِ وَ كَبّرَ.فَابتَدَرَ أَهلُ الحِصنِ إِلَي بَابِ الحِصنِ هُرّاباً، حَتّي فَتَحُوهُ وَ خَرَجُوا مِنهُ،فَاستَقبَلَهُم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِجَمعِهِم، وَ نَزَلَ عَلِيّ إِلَيهِم،فَقَتَلَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِن عُظَمَائِهِم وَ كُبَرَائِهِم، وَ أَعطَي البَاقُونَ بِأَيدِيهِم، وَ سَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ذَرَارِيّهُم وَ مَن بقَيِ‌َ مِنهُم وَ غَنَائِمَهُم يَحمِلُونَهَا عَلَي


صفحه : 111

رِقَابِهِم إِلَي المَدِينَةِ.فَلَم يُوجِف فِيهَا غَيرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فهَيِ‌َ لَهُ وَ لِذُرّيّتِهِ خَاصّةً دُونَ المُؤمِنِينَ.

كنز مُحَمّدُ بنُ العَبّاسِ، عَن عَلِيّ بنِ العَبّاسِ المقُاَنعِيِ‌ّ، عَن أَبِي كَرِبٍ، عَن مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ، عَن فُضَيلِ بنِ مَرزُوقٍ، عَن عَطِيّةَ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِ‌ّ قَالَ لَمّا نَزَلَتفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ وَ أَعطَاهَا فَدَكاً.

مد بِإِسنَادِهِ إِلَي البخُاَريِ‌ّ مِن صَحِيحِهِ، عَن يَحيَي بنِ بُكَيرٍ، عَنِ اللّيثِ، عَن عَقِيلِ بنِ شِهَابٍ، عَن عُروَةَ، عَن عَائِشَةَ أَنّ فَاطِمَةَ بِنتَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَرسَلَت إِلَي أَبِي بَكرٍ تَسأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيهِ بِالمَدِينَةِ وَ فَدَكَ وَ مَا بقَيِ‌َ مِن خُمُسِ خَيبَرَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَةٌ،إِنّمَا يَأكُلُ آلُ مُحَمّدٍ مِن هَذَا المَالِ، وَ إنِيّ‌ وَ اللّهِ لَا أُغَيّرُ شَيئاً مِن صَدَقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَن حَالِهَا التّيِ‌ كَانَت عَلَيهَا فِي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ


صفحه : 112

عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَأَعمَلَنّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَبَي أَبُو بَكرٍ أَن يَدفَعَ إِلَي فَاطِمَةَ شَيئاً.فَوَجَدَت فَاطِمَةُ عَلَي أَبِي بَكرٍ فِي ذَلِكَ،فَهَجَرَتهُ فَلَم تُكَلّمهُ حَتّي تُوُفّيَت، وَ عَاشَت بَعدَ النّبِيّ سِتّةَ أَشهُرٍ، فَلَمّا تُوُفّيَت دَفَنَهَا زَوجُهَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَيلًا وَ لَم يُؤذِن بِهَا أَبَا بَكرٍ، وَ صَلّي عَلَيهَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.

وَ رَوَي مِثلَ ذَلِكَ مِن صَحِيحِ مُسلِمٍ بِسَنَدِهِ.

مِصبَاحُ الأَنوَارِ عَن يَحيَي بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيّ ابنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ قَالَقَالَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ لِي إِلَيكَ حَاجَةً يَا أَبَا الحَسَنِ. فَقَالَ تُقضَي يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.فَقَالَت نَشَدتُكَ بِاللّهِ وَ بِحَقّ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ أَن لَا يصُلَيّ‌َ عَلَيّ أَبُو بَكرٍ وَ لَا عُمَرُ،فإَنِيّ‌ لَأَكتُمُكَ حَدِيثاً،فَقَالَت قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ


صفحه : 113

وَ آلِهِ يَا فَاطِمَةُ إِنّكِ أَوّلُ مَن يَلحَقُ بيِ‌ مِن أَهلِ بيَتيِ‌،فَكُنتُ أَكرَهُ أَن أَسُوءَكَ. قَالَ فَلَمّا قُبِضَت أَتَاهُ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ قَالَا لِمَ لَا تُخرِجُهَا حَتّي نصُلَيّ‌َ عَلَيهَا فَقَالَ مَا أَرَانَا إِلّا سَنُصبِحُ، ثُمّ دَفَنَهَا لَيلًا، ثُمّ صَوّرَ بِرِجلِهِ حَولَهَا سَبعَةَ أَقبُرٍ. قَالَ فَلَمّا أَصبَحُوا أَتَوهُ فَقَالَا يَا أَبَا الحَسَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَي أَن تَدفَنَ بِنتَ رَسُولِ اللّهِ(ص ) وَ لَم نَحضُرهَا قَالَ ذَلِكَ عَهدُهَا إلِيَ‌ّ. قَالَ فَسَكَتَ أَبُو بَكرٍ، فَقَالَ عُمَرُ هَذَا وَ اللّهِ شَيءٌ فِي جَوفِكَ.فَثَارَ إِلَيهِ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخَذَ بِتَلَابِيبِهِ، ثُمّ جَذَبَهُ فَاستَرخَي فِي يَدِهِ، ثُمّ قَالَ وَ اللّهِ لَو لَا كِتَابٌ سَبَقَ وَ قَولٌ مِنَ اللّهِ، وَ اللّهِ لَقَد فَرَرتَ يَومَ خَيبَرَ وَ فِي مَوَاطِنَ، ثُمّ لَم يُنزِلِ اللّهُ لَكَ تَوبَةً حَتّي السّاعَةِ.فَأَخَذَهُ أَبُو بَكرٍ وَ جَذَبَهُ وَ قَالَ قَد نَهَيتُكَ عَنهُ.

فس وَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ وَ المِسكِينَ وَ ابنَ السّبِيلِيعَنيِ‌ قَرَابَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ نَزَلَت فِي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ،فَجَعَلَ لَهَا فَدَكَ. وَ المِسكِينِ مِن وُلدِ فَاطِمَةَ، وَ ابنِ السّبِيلِ مِن آلِ مُحَمّدٍ وَ وُلدِ فَاطِمَةَ.

فس مَنّاعٍ لِلخَيرِ، قَالَ المَنّاعُ الثاّنيِ‌، وَ الخَيرُ وَلَايَةُ


صفحه : 114

أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَ حُقُوقُ آلِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمُ السّلَام. وَ لَمّا كَتَبَ الأَوّلُ كِتَابَ فَدَكَ بِرَدّهَا عَلَي فَاطِمَةَ مَنَعَهُ الثاّنيِ‌،فَهُوَمُعتَدٍ مُرِيبٍ.

يج روُيِ‌َ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ، فَلَمّا انصَرَفَ رَاجِعاً نَزَلَ فِي بَعضِ الطّرِيقِ،فَبَينَمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَطعَمُ وَ النّاسُ مَعَهُ إِذ أَتَاهُ جَبرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ قُم فَاركَب.فَقَامَ النّبِيّ فَرَكِبَ وَ جَبرَئِيلُ مَعَهُ،فَطُوِيَت لَهُ الأَرضُ كطَيَ‌ّ الثّوبِ حَتّي انتَهَي إِلَي فَدَكَ. فَلَمّا سَمِعَ أَهلُ فَدَكَ وَقعَ الخَيلِ ظَنّوا أَنّ عَدُوّهُم قَد جَاءَهُم،فَغَلّقُوا أَبوَابَ المَدِينَةِ وَ دَفَعُوا المَفَاتِيحَ إِلَي عَجُوزٍ لَهُم فِي بَيتٍ لَهُم خَارِجٍ مِنَ المَدِينَةِ، وَ لَحِقُوا بِرُءُوسِ الجِبَالِ.فَأَتَي جَبرَئِيلُ العَجُوزَ حَتّي أَخَذَ المَفَاتِيحَ، ثُمّ فَتَحَ أَبوَابَ المَدِينَةِ، وَ دَارَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي بُيُوتِهَا وَ قُرَاهَا. فَقَالَ جَبرَئِيلُ يَا مُحَمّدُ هَذَا مَا خَصّكَ اللّهُ بِهِ وَ أَعطَاكَهُ دُونَ النّاسِ، وَ هُوَ قَولُهُ تَعَالَيما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِن أَهلِ القُري فَلِلّهِ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ‌


صفحه : 115

القُربي[ فِي] قَولُهُفَما أَوجَفتُم عَلَيهِ مِن خَيلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلي مَن يَشاءُ، وَ لَم يَعرِفِ المُسلِمُونَ وَ لَم يَطَئُوهَا، وَ لَكِنّ اللّهَ أَفَاءَهَا عَلَي رَسُولِهِ، وَ طَوّفَ بِهِ جَبرَئِيلُ فِي دُورِهَا وَ حِيطَانِهَا، وَ غَلّقَ البَابَ وَ دَفَعَ المَفَاتِيحَ إِلَيهِ.فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي غِلَافِ سَيفِهِ وَ هُوَ مُعَلّقٌ بِالرّحلِ ثُمّ رَكِبَ، وَ طُوِيَت لَهُ الأَرضُ كطَيَ‌ّ الثّوبِ، ثُمّ أَتَاهُم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُم عَلَي مَجَالِسِهِم وَ لَم يَتَفَرّقُوا وَ لَم يَبرَحُوا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَدِ انتَهَيتُ إِلَي فَدَكَ، وَ إنِيّ‌ قَد أَفَاءَهَا اللّهُ عَلَيّ.فَغَمَزَ المُنَافِقُونَ بَعضُهُم بَعضاً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ هَذِهِ مَفَاتِيحُ فَدَكَ، ثُمّ أَخرَجَ مِن غِلَافِ سَيفِهِ، ثُمّ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ رَكِبَ مَعَهُ النّاسُ. فَلَمّا دَخَلَ المَدِينَةَ دَخَلَ عَلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَقَالَ يَا بُنَيّةِ إِنّ اللّهَ قَد أَفَاءَ عَلَي أَبِيكِ بِفَدَكَ وَ اختَصّهُ بِهَا،فهَيِ‌َ لَهُ خَاصّةً دُونَ المُسلِمِينَ أَفعَلُ بِهَا مَا أَشَاءُ، وَ إِنّهُ قَد كَانَ لِأُمّكِ خَدِيجَةَ عَلَي أَبِيكِ مَهرٌ، وَ إِنّ أَبَاكِ قَد جَعَلَهَا لَكِ


صفحه : 116

بِذَلِكِ، وَ أَنحَلتُكِهَا لَكِ وَ لِوُلدِكِ بَعدَكِ. قَالَ فَدَعَا بِأَدِيمٍ، وَ دَعَا عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ اكتُب لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ بِفَدَكَ نِحلَةً مِن رَسُولِ اللّهِ،فَشَهِدَ عَلَي ذَلِكَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ مَولًي لِرَسُولِ اللّهِ وَ أُمّ أَيمَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ إِنّ أُمّ أَيمَنَ امرَأَةٌ مِن أَهلِ الجَنّةِ. وَ جَاءَ أَهلُ فَدَكَ إِلَي النّبِيّ،فَقَاطَعَهُم عَلَي أَربَعَةٍ وَ عِشرِينَ أَلفَ دِينَارٍ فِي كُلّ سَنَةٍ.

بيان آية الفي‌ء في موضعين إحداهماما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِن أَهلِ القُري فَلِلّهِ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ‌ القُربي وَ اليَتامي وَ المَساكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ.ثانيتهماوَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِنهُم فَما أَوجَفتُم عَلَيهِ مِن خَيلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلي مَن يَشاءُ وَ اللّهُ عَلي كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ. والفي‌ء الرّجوع أي أرجعه اللّه وردّه علي رسوله . والمشهور أنّ الضمير في منهم راجع إلي بني‌ النضير. والإيجاف من الوجيف و هوالسّبر السرّيع.


صفحه : 117

والرّكاب من الإبل مايركب ، والواحدة راحلة.

قب نَزَلَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي فَدَكَ يُحَارِبُهُم. ثُمّ قَالَ لَهُم وَ مَا يَأمَنُكُم أَن تَكُونُوا آمِنِينَ فِي هَذَا الحِصنِ وَ أمَضيِ‌ إِلَي حُصُونِكُم فَأَفتَحُهَا.فَقَالُوا إِنّهَا مُقَفّلَةٌ، وَ عَلَيهَا مَن يَمنَعُ عَنهَا، وَ مَفَاتِيحُهَا عِندَنَا. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ مَفَاتِيحَهَا دُفِعَت إلِيَ‌ّ، ثُمّ أَخرَجَهَا وَ أَرَاهَا القَومَ.فَاتّهَمُوا دَيّانَهُم أَنّهُ صَبَا إِلَي دِينِ مُحَمّدٍ، وَ دَفَعَ المَفَاتِيحَ إِلَيهِ.فَحَلَفَ أَنّ المَفَاتِيحَ عِندَهُ، وَ أَنّهَا فِي سَفَطٍ فِي صُندُوقٍ فِي بَيتٍ مُقَفّلٍ عَلَيهِ، فَلَمّا فُتّشَ عَنهَا فَفُقِدَت. فَقَالَ الدّيّانُ لَقَد أَحرَزتُهَا وَ قَرَأتُ عَلَيهَا مِنَ التّورَاةِ وَ خَشِيتُ مِن سِحرِهِ، وَ أَعلَمُ الآنَ أَنّهُ لَيسَ بِسَاحِرٍ، وَ إِنّ أَمرَهُ لَعَظِيمٌ.فَرَجَعُوا إِلَي النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَالُوا مَن أَعطَاكَهَا قَالَ أعَطاَنيِ‌ ألّذِي أَعطَي مُوسَي الأَلوَاحَ جَبرَئِيلُ.


صفحه : 118

فَتَشَهّدَ الدّيّانُ، ثُمّ فَتَحُوا البَابَ وَ خَرَجُوا إِلَي رَسُولِ اللّهِ، وَ أَسلَمَ مَن أَسلَمَ مِنهُم،فَأَقَرّهُم فِي بُيُوتِهِم وَ أَخَذَ مِنهُم أَخمَاسَهُم.فَنَزَلَوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ. قَالَ وَ مَا هُوَ قَالَ أَعطِ فَاطِمَةَ فَدَكاً، وَ هيِ‌َ مِن مِيرَاثِهَا مِن أُمّهَا خَدِيجَةَ، وَ مِن أُختِهَا هِندٍ بِنتِ أَبِي هَالَةَ،فَحَمَلَ إِلَيهَا النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا أَخَذَ مِنهُ، وَ أَخبَرَهَا بِالآيَةِ.فَقَالَت لَستُ أُحدِثُ فِيهَا حَدَثاً وَ أَنتَ حيَ‌ّ، أَنتَ أَولَي بيِ‌ مِن نفَسيِ‌ وَ ماَليِ‌ لَكَ. فَقَالَ أَكرَهُ أَن يَجعَلُوهَا عَلَيكِ سُبّةً فَيَمنَعُوكِ إِيّاهَا مِن بعَديِ‌.فَقَالَت أَنفِذ فِيهَا أَمرَكَ،فَجَمَعَ النّاسَ إِلَي مَنزِلِهَا وَ أَخبَرَهُم أَنّ هَذَا المَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ،فَفَرّقَهُ فِيهِم، وَ كَانَ كُلّ سَنَةٍ كَذَلِكَ، وَ يَأخُذُ مِنهُ قُوتَهَا، فَلَمّا دَنَا وَفَاتُهُ دَفَعَهُ إِلَيهَا.

بيان السّبّةُ بالضّمّ العارُ، أي يمنعونها منك فيكون عارا عليك . ويحتمل أن يكون شبهة، أونحوها.

شي‌،[تفسير العياشي‌] عَن أَبِي جَمِيلَةَ المُفَضّلِ بنِ صَالِحٍ، عَن بَعضِ أَصحَابِهِ،


صفحه : 119

عَن أَحَدِهِمَا قَالَ إِنّ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا انطَلَقَت إِلَي أَبِي بَكرٍ فَطَلَبَت مِيرَاثَهَا مِن نبَيِ‌ّ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ إِنّ نبَيِ‌ّ اللّهِ لَا يُوَرّثُ.فَقَالَت أَ كَفَرتَ بِاللّهِ وَ كَذّبتَ بِكِتَابِهِ قَالَ اللّهُيُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَولادِكُم لِلذّكَرِ مِثلُ حَظّ الأُنثَيَينِ.

شي‌،[تفسير العياشي‌] عَن مُحَمّدِ بنِ حَفصِ بنِ عُمَرَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَمّا أَنزَلَ اللّهُ تَعَالَيفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُ وَ المِسكِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا جَبرَئِيلُ قَد عَرَفتُ المِسكِينَ،فَمَن ذَوُو القُربَي قَالَ هُم أَقَارِبُكَ.فَدَعَي حَسَناً وَ حُسَيناً وَ فَاطِمَةَ فَقَالَ إِنّ ربَيّ‌ أمَرَنَيِ‌ أَن أُعطِيَكُم مَا أَفَاءَ عَلَيّ، قَالَ أَعطَيتُكُم فَدَكَ.

شي‌،[تفسير العياشي‌] عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ


صفحه : 120

كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعطَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَدَكاً قَالَ كَانَ وَقَفَهَا،فَأَنزَلَ اللّهُوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ،فَأَعطَاهَا فَدَكاً.

شي‌،[تفسير العياشي‌] عَنِ ابنِ تَغلِبَ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعطَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَدَكاً قَالَ كَانَ لَهَا مِنَ اللّهِ تَعَالَي.

شي‌،[تفسير العياشي‌] عَن جَمِيلِ بنِ دَرّاجٍ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَأَتَت فَاطِمَةُ أَبَا بَكرٍ تُرِيدُ فَدَكَ. فَقَالَ هاَتيِ‌ أَسوَدَ أَو أَحمَرَ يَشهَد بِذَلِكَ. قَالَ فَأَتَت بِأُمّ أَيمَنَ. فَقَالَ لَهَا بِمَ تَشهَدِينَ قَالَت أَشهَدُ أَنّ جَبرَئِيلَ أَتَي مُحَمّداً فَقَالَ إِنّ اللّهَ تَعَالَي يَقُولُفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُ،فَلَم يَدرِ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن هُم فَقَالَ يَا جَبرَئِيلُ سَل رَبّكَ مَن هُم فَقَالَ فَاطِمَةُ ذُو القُربَي،فَأَعطَاهَا فَدَكاً.


صفحه : 121

فَزَعَمُوا أَنّ عُمَرَ مَحَا الصّحِيفَةَ وَ قَد كَانَ كَتَبَهَا أَبُو بَكرٍ.

شي‌،[تفسير العياشي‌] عَن عَطِيّةَ العوَفيِ‌ّ قَالَ لَمّا افتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَيبَرَ، وَ أَفَاءَ اللّهُ عَلَيهِ فَدَكَ، وَ أَنزَلَ عَلَيهِوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ. قَالَ يَا فَاطِمَةُ لَكَ فَدَكُ.

شي‌،[تفسير العياشي‌] عَن أَبِي الطّفَيلِ، عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ يَومَ الشّورَي أَ فِيكُم أَحَدٌ تَمّ نُورُهُ مِنَ السّمَاءِ حِينَ قَالَوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ وَ المِسكِينَقَالُوا لَا.

فر جَعفَرُ بنُ مُحَمّدِ بنِ سَعِيدٍ الأحَمسَيِ‌ّ،مُعَنعَناً عَن أَبِي مَريَمَ قَالَ سَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ لَمّا نَزَلَتِ الآيَةُوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُأَعطَي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ فَدَكاً. فَقَالَ أَبَانُ بنُ تَغلِبَ رَسُولُ اللّهِ أَعطَاهَا قَالَ فَغَضِبَ أَبُو جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ، ثُمّ قَالَ اللّهُ أَعطَاهَا.

فر فُرَاتُ بنُ اِبرَاهِيمَ الكوُفيِ‌ّ،مُعَنعَناً عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِ‌ّ قَالَ b


صفحه : 122

لَمّا نَزَلَتِ الآيَةُ دَعَا النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَأَعطَاهَا فَدَكاً. فَقَالَ هَذَا لَكِ وَ لِعَقِبِكِ بَعدَكِفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُ.

فر الحُسَينُ بنُ الحَكَمِ،مُعَنعَناً عَن عَطِيّةَ قَالَ لَمّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُدَعَا النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَأَعطَاهَا فَدَكاً.فَكُلّ مَا لَم يُوجِف عَلَيهِ أَصحَابُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِخَيلٍ وَ لَا رِكَابٍ فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَضَعُهُ حَيثُ يَشَاءُ،[ وَ]فَدَكُ مِمّا لَم يُوجَف عَلَيهِ بِخَيلٍ وَ لَا رِكَابٍ.

فر جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ الفزَاَريِ‌ّ،مُعَنعَناً عَنِ ابنِ عَبّاسٍ فِي قَولِهِ تَعَالَيوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ، وَ ذَلِكَ حِينَ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سَهمَ ذيِ‌ القُربَي لِقَرَابَتِهِ،فَكَانُوا يَأخُذُونَهُ عَلَي عَهدِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ


صفحه : 123

وَ آلِهِ حَتّي توُفُيّ‌َ، ثُمّ حَجَبُوا الخُمُسَ عَن قَرَابَتِهِ فَلَم يَأخُذُوهُ.

رَوَي السّيّدُ ابنُ طَاوُسٍ فِي كِتَابِ سَعدِ السّعُودِ مِن تَفسِيرِ مُحَمّدِ ابنِ العَبّاسِ بنِ عَلِيّ بنِ مَروَانَ، قَالَ روُيِ‌َ حَدِيثُ فَدَكَ فِي تَفسِيرِ قَولِهِ تَعَالَيوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُ عَن عِشرِينَ طَرِيقاً.

23- فَمِنهَا مَا رَوَاهُ عَن مُحَمّدِ بنِ مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ الأعَبدَيِ‌ّ، وَ هَيثَمِ ابنِ خَلَفٍ الدوّريِ‌ّ، وَ عَبدِ اللّهِ بنِ سُلَيمَانَ بنِ الأَشعَبِ، وَ مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ زَكَرِيّا،قَالُوا حَدّثَنَا عَبّادُ بنُ يَعقُوبَ قَالَ أَخبَرَنَا عَلِيّ بنُ عَابِسٍ.

وَ حَدّثَنَا جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ الحسُيَنيِ‌ّ، عَن عَلِيّ بنِ المُنذِرِ الطرّيِفيِ‌ّ، عَن عَلِيّ بنِ عَابِسٍ، عَن فَضلِ بنِ مَرزُوقٍ، عَن عَطِيّةَ العوَفيِ‌ّ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِ‌ّ قَالَ لَمّا نَزَلَتوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ وَ أَعطَاهَا فَدَكاً.

وَ قَالَ رَحِمَهُ اللّهُ فِي كَشفِ المَحَجّةِ فِيمَا أَوصَي إِلَي ابنِهِ قَد وَهَبَ جَدّكَ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أُمّكَ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا فَدَكاً وَ العوَاَليِ‌َ.

و كان دخلها في رواية الشيخ عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري‌ أربعة وعشرين ألف دينار في كلّ سنة، و في رواية غيره سبعين ألف دينار.


صفحه : 124

ع أَبِي، عَن عَلِيّ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ،عَمّن ذَكَرَهُ عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَمّا مَنَعَ أَبُو بَكرٍ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَدَكاً وَ أَخرَجَ وَكِيلَهَا،جَاءَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي المَسجِدِ، وَ أَبُو بَكرٍ جَالِسٌ وَ حَولَهُ المُهَاجِرُونَ وَ الأَنصَارُ. فَقَالَ يَا أَبَا بَكرٍ لِمَ مَنَعتَ فَاطِمَةَ مَا جَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَهَا وَ وَكِيلُهَا فِيهِ مُنذُ سِنِينَ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ هَذَا فيَ‌ءٌ لِلمُسلِمِينَ، فَإِن أَتَت بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وَ إِلّا فَلَا حَقّ لَهَا فِيهِ. قَالَ يَا أَبَا بَكرٍ تَحكُمُ فِينَا بِخِلَافِ مَا تَحكُمُ فِي المُسلِمِينَ قَالَ لَا. قَالَ أخَبرِنيِ‌ لَو كَانَ فِي يَدِ المُسلِمِينَ شَيءٌ فَادّعَيتُ أَنَا فِيهِ، مَن كُنتَ تَسأَلُ البَيّنَةَ قَالَ إِيّاكَ كُنتُ أَسأَلُ. قَالَ فَإِذَا كَانَ فِي يدَيِ‌ شَيءٌ فَادّعَي فِيهِ المُسلِمُونَ،تسَألَنُيِ‌ فِيهِ البَيّنَةَ قَالَ فَسَكَتَ أَبُو بَكرٍ، فَقَالَ عُمَرُ هَذَا فيَ‌ءٌ لِلمُسلِمِينَ، وَ لَسنَا مِن خُصُومَتِكَ فِي شَيءٍ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لأِبَيِ‌ بَكرٍ يَا أَبَا بَكرٍ تُقِرّ بِالقُرآنِ قَالَ بَلَي.


صفحه : 125

قَالَ أخَبرِنيِ‌ عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّإِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرّجسَ أَهلَ البَيتِ وَ يُطَهّرَكُم تَطهِيراًفِينَا أَو فِي غَيرِنَا نَزَلَت قَالَ فِيكُم. قَالَ فأَخَبرِنيِ‌ لَو أَنّ شَاهِدَينِ مِنَ المُسلِمِينَ شَهِدَا عَلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ بِفَاحِشَةٍ مَا كُنتَ صَانِعاً قَالَ كُنتُ أُقِيمُ عَلَيهَا الحَدّ كَمَا أُقِيمُ عَلَي نِسَاءِ المُسلِمِينَ قَالَ كُنتَ إِذاً عِندَ اللّهِ مِنَ الكَافِرِينَ. قَالَ وَ لِمَ قَالَ لِأَنّكَ كُنتَ تَرُدّ شَهَادَةَ اللّهِ وَ تَقبَلُ شَهَادَةَ غَيرِهِ،لِأَنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ قَد شَهِدَ لَهَا بِالطّهَارَةِ، فَإِذَا رَدَدتَ شَهَادَةَ اللّهِ وَ قَبِلتَ شَهَادَةَ غَيرِهِ كُنتَ عِندَ اللّهِ مِنَ الكَافِرِينَ. قَالَ فَبَكَي النّاسُ، وَ تَفَرّقُوا، وَ دَمدَمُوا. فَلَمّا رَجَعَ أَبُو بَكرٍ إِلَي مَنزِلِهِ بَعَثَ إِلَي عُمَرَ فَقَالَ وَيحَكَ يَا ابنَ الخَطّابِ أَ مَا رَأَيتَ عَلِيّاً وَ مَا فَعَلَ بِنَا وَ اللّهِ لَئِن قَعَدَ مَقعَداً آخَرَ لَيُفسِدَنّ هَذَا الأَمرَ عَلَينَا


صفحه : 126

وَ لَا نَتَهَنّأُ بشِيَ‌ءٍ مَا دَامَ حَيّاً. قَالَ عُمَرُ مَا لَهُ إِلّا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ.فَبَعَثُوا إِلَيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ نُرِيدُ أَن نَحمِلَكَ عَلَي أَمرٍ عَظِيمٍ. قَالَ احملِنيِ‌ عَلَي مَا شِئتَ وَ لَو عَلَي قَتلِ عَلِيّ. قَالَ فَهُوَ قَتلُ عَلِيّ. قَالَ فَصرِ بِجَنبِهِ، فَإِذَا أَنَا سَلّمتُ فَاضرِب عُنُقَهُ.[فَبَعَثَت]أَسمَاءُ بِنتُ عُمَيسٍ وَ هيِ‌َ أُمّ مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ خَادِمَتَهَا فَقَالَت اذهبَيِ‌ إِلَي فَاطِمَةَ فَأَقرِئِيهَا السّلَامَ، فَإِذَا دَخَلَت مِنَ البَابِ فقَوُليِ‌إِنّ المَلَأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ فَاخرُج إنِيّ‌ لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ، فَإِن فَهِمَتهَا وَ إِلّا فَأَعِيدِيهَا مَرّةً أُخرَي.فَجَاءَت فَدَخَلَت، وَ قَالَت إِنّ موَلاَتيِ‌ تَقُولُ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ كَيفَ أَنتَ ثُمّ قَرَأَت هَذِهِ الآيَةَإِنّ المَلَأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ، فَلَمّا أَرَادَت أَن تَخرُجَ قَرَأَتهَا. فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَقرِئِيهَا السّلَامَ وَ قوُليِ‌ لَهَا إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ يَحُولُ بَينَهُم وَ بَينَ مَا يُرِيدُونَ إِن شَاءَ اللّهُ.فَوَقَفَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ بِجَنبِهِ، فَلَمّا أَرَادَ أَن يُسَلّمَ لَم يُسَلّم،[ وَ] قَالَ يَا خَالِدُ لَا تَفعَل مَا أَمَرتُكَ، السّلَامُ عَلَيكُم.


صفحه : 127

فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا هَذَا ألّذِي أَمَرَكَ بِهِ ثُمّ نَهَاكَ قَبلَ أَن يُسَلّمَ قَالَ أمَرَنَيِ‌ بِضَربِ عُنُقِكَ، وَ إِنّمَا أمَرَنَيِ‌ بَعدَ التّسلِيمِ. فَقَالَ وَ كُنتَ فَاعِلًا فَقَالَ إيِ‌ وَ اللّهِ، لَو لَم ينَهنَيِ‌ لَفَعَلتُ. قَالَ فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوبِ خَالِدٍ، ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الحَائِطَ، وَ قَالَ لِعُمَرَ يَا ابنَ الصّهَاكِ وَ اللّهِ لَو لَا عَهدٌ مِن رَسُولِ اللّهِ وَ كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَعَلِمتَ أَيّنَاأَضعَفُ جُنداًوَ أَقَلّ عَدَداً.

أقول الدّمدمة الغضب ، ودمدم عليه كلّمه مغضبا.

ج عَن حَمّادِ بنِ عُثمَانَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَمّا بُويِعَ أَبُو بَكرٍ وَ استَقَامَ لَهُ الأَمرُ عَلَي جَمِيعِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ،بَعَثَ إِلَي فَدَكَ مَن أَخرَجَ وَكِيلَ فَاطِمَةَ بِنتِ رَسُولِ اللّه مِنهَا.فَجَاءَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَقَالَت يَا أَبَا بَكرٍ لِمَ تمَنعَنُيِ‌ ميِراَثيِ‌ مِن أَبِي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَخرَجتَ وكَيِليِ‌ مِن فَدَكَ وَ قَد جَعَلَهَا لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ بِأَمرِ اللّهِ تَعَالَي. فَقَالَ هاَتيِ‌ عَلَي ذَلِكَ بِشُهُودٍ.فَجَاءَت بِأُمّ أَيمَنَ،فَقَالَت لَا أَشهَدُ يَا أَبَا بَكرٍ حَتّي أَحتَجّ عَلَيكَ بِمَا


صفحه : 128

قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ،أَنشُدُكَ بِاللّهِ أَ لَستَ تَعلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ إِنّ أُمّ أَيمَنَ امرَأَةٌ مِن أَهلِ الجَنّةِ فَقَالَ بَلَي.قَالَت فَأَشهَدُ أَنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ أَوحَي إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُفَجَعَلَ فَدَكَ لِفَاطِمَةَ بِأَمرِ اللّهِ. وَ جَاءَ عَلِيّ فَشَهِدَ بِمِثلِ ذَلِكَ.فَكَتَبَ لَهَا كِتَاباً وَ دَفَعَهُ إِلَيهَا.فَدَخَلَ عُمَرُ، فَقَالَ مَا هَذَا الكِتَابُ فَقَالَ إِنّ فَاطِمَةَ ادّعَت فِي فَدَكَ وَ شَهِدَت لَهَا أُمّ أَيمَنَ وَ عَلِيّ فَكَتَبتُهُ.فَأَخَذَ عُمَرُ الكِتَابَ مِن فَاطِمَةَ فَمَزّقَهُ.فَخَرَجَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ تبَكيِ‌. فَلَمّا كَانَ بَعدَ ذَلِكَ جَاءَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ هُوَ فِي المَسجِدِ وَ حَولَهُ المُهَاجِرُونَ وَ الأَنصَارُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكرٍ لِمَ مَنَعتَ فَاطِمَةَ مِيرَاثَهَا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَد مَلَكَتهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إِنّ هَذَا فيَ‌ءٌ لِلمُسلِمِينَ، فَإِن أَقَامَت شُهُوداً أَنّ رَسُولَ اللّهِ جَعَلَهُ لَهَا، وَ إِلّا فَلَا حَقّ لَهَا فِيهِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا أَبَا بَكرٍ تَحكُمُ فِينَا بِخِلَافِ


صفحه : 129

حُكمِ اللّهِ فِي المُسلِمِينَ قَالَ لَا. قَالَ فَإِن كَانَ فِي يَدِ المُسلِمِينَ شَيءٌ يَملِكُونَهُ ثُمّ ادّعَيتُ أَنَا فِيهِ، مَن تَسأَلُ البَيّنَةَ قَالَ إِيّاكَ كُنتُ أَسأَلُ البَيّنَةَ. قَالَ فَمَا بَالُ فَاطِمَةَ سَأَلتَهَا البَيّنَةَ عَلَي مَا فِي يَدِهَا وَ قَد مَلَكَتهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بَعدَهُ، وَ لَم تَسأَلِ المُسلِمِينَ البَيّنَةَ عَلَي مَا ادّعَوهَا شُهُوداً كَمَا سأَلَتنَيِ‌ عَلَي مَا ادّعَيتُ عَلَيهِم فَسَكَتَ أَبُو بَكرٍ، فَقَالَ عُمَرُ يَا عَلِيّ دَعنَا مِن كَلَامِكَ،فَإِنّا لَا نَقوَي عَلَي حُجّتِكَ، فَإِن أَتَيتَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وَ إِلّا فَهُوَ فيَ‌ءٌ لِلمُسلِمِينَ، لَا حَقّ لَكَ وَ لَا لِفَاطِمَةَ فِيهِ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَبَا بَكرٍ تَقرَأُ كِتَابَ اللّهِ قَالَ نَعَم. قَالَ أخَبرِنيِ‌ عَن قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّإِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرّجسَ أَهلَ البَيتِ وَ يُطَهّرَكُم تَطهِيراًفِينَا نَزَلَت أَو فِي غَيرِنَا قَالَ بَل فِيكُم. قَالَ فَلَو أَنّ شُهُوداً شَهِدُوا عَلَي فَاطِمَةَ بِنتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِفَاحِشَةٍ مَا كُنتَ صَانِعاً بِهَا


صفحه : 130

قَالَ كُنتُ أُقِيمُ عَلَيهَا الحَدّ كَمَا أُقِيمُ عَلَي سَائِرِ نِسَاءِ العَالَمِينَ قَالَ كُنتَ إِذاً عِندَ اللّهِ مِنَ الكَافِرِينَ. قَالَ وَ لِمَ قَالَ لِأَنّكَ رَدَدتَ شَهَادَةَ اللّهِ لَهَا بِالطّهَارَةِ وَ قَبِلتَ شَهَادَةَ النّاسِ عَلَيهَا، كَمَا رَدَدتَ حُكمَ اللّهِ وَ حُكمَ رَسُولِهِ أَن جَعَلَ لَهَا فَدَكَ وَ قَبَضتَهُ فِي حَيَاتِهِ، ثُمّ قَبِلتَ شَهَادَةَ أعَراَبيِ‌ّ بَائِلٍ عَلَي عَقِبَيهِ عَلَيهَا، وَ أَخَذتَ مِنهَا فَدَكاً، وَ زَعَمتَ أَنّهُ فيَ‌ءٌ لِلمُسلِمِينَ، وَ قَد قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ البَيّنَةُ عَلَي المدُعّيِ‌ وَ اليَمِينُ عَلَي المُدّعَي عَلَيهِ،فَرَدَدتَ قَولَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ البَيّنَةُ عَلَي مَنِ ادّعَي وَ اليَمِينُ عَلَي مَنِ ادعّيِ‌َ عَلَيهِ. قَالَ فَدَمدَمَ النّاسُ وَ أَنكَرَ بَعضُهُم وَ قَالُوا صَدَقَ وَ اللّهِ عَلِيّ، وَ رَجَعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي مَنزِلِهِ. قَالَ وَ دَخَلَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ المَسجِدَ، وَ طَافَت عَلَي قَبرِ أَبِيهَا، وَ هيِ‌َ تَقُولُ


قَد كَانَ بَعدَكَ أَنبَاءٌ وَ هَنبَثَةٌ   لَو كُنتَ شَاهِدَهَا لَم تَكثُرِ الخَطبُ

صفحه : 131


إِنّا فَقَدنَاكَ فَقدَ الأَرضِ وَابِلَهَا   وَ اختَلّ قَومُكَ فَاشهَدهُم فَقَد نَكَبُوا

قَد كَانَ جِبرِيلُ بِالآيَاتِ يُؤنِسُنَا   فَغَابَ عَنّا فَكُلّ الخَيرِ مُحتَجَبٌ

قَد كُنتَ بَدراً وَ نُوراً يُستَضَاءُ بِهِ   عَلَيكَ تَنزِلُ مِن ذيِ‌ العِزّةِ الكُتُبُ

تَهَجّمَتنَا رِجَالٌ وَ استُخِفّ بِنَا   إِذ غِبتَ عَنّا فَنَحنُ اليَومَ نُغتَصَبُ

فَسَوفَ نَبكِيكَ مَا عِشنَا وَ مَا بَقِيَت   مِنّا العُيُونُ بِتَهمَالٍ لَهَا سَكبٌ

قَالَ فَرَجَعَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ إِلَي مَنزِلِهِمَا، وَ بَعَثَ أَبُو بَكرٍ إِلَي عُمَرَ ثُمّ دَعَاهُ، فَقَالَ أَ مَا رَأَيتَ مَجلِسَ عَلِيّ مِنّا فِي هَذَا اليَومِ وَ اللّهِ لَئِن قَعَدَ مَقعَداً مِثلَهُ لَيُفسِدَنّ أَمرَنَا،فَمَا الرأّي‌ُ. قَالَ عُمَرُ الرأّي‌ُ أَن نَأمُرَ بِقَتلِهِ. قَالَ فَمَن يَقتُلُهُ


صفحه : 132

قَالَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ.فَبَعَثَا إِلَي خَالِدٍ فَأَتَاهُم.فَقَالَا لَهُ نُرِيدُ أَن نَحمِلَكَ عَلَي أَمرٍ عَظِيمٍ. فَقَالَ احملِوُنيِ‌ عَلَي مَا شِئتُم، وَ لَو عَلَي قَتلِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ.قَالَا فَهُوَ ذَاكَ. قَالَ خَالِدٌ مَتَي أَقتُلُهُ قَالَ أَبُو بَكرٍ احضُرِ المَسجِدَ وَ قُم بِجَنبِهِ فِي الصّلَاةِ، فَإِذَا سَلّمتُ قُم إِلَيهِ وَ اضرِب عُنُقَهُ. قَالَ نَعَم.فَسَمِعَت أَسمَاءُ بِنتُ عُمَيسٍ وَ كَانَت تَحتَ أَبِي بَكرٍ فَقَالَت لِجَارِيَتِهَا اذهبَيِ‌ إِلَي مَنزِلِ عَلِيّ وَ فَاطِمَةَ عَلَيهِمَا السّلَامُ وَ أَقرِئِيهِمَا السّلَامَ، وَ قوُليِ‌ لعِلَيِ‌ّإِنّ المَلَأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ فَاخرُج إنِيّ‌ لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ.فَجَاءَتِ الجَارِيَةُ إِلَيهِم فَقَالَت لعِلَيِ‌ّ إِنّ أَسمَاءَ بِنتَ عُمَيسٍ تَقرَأُ عَلَيكَ السّلَامَ وَ تَقُولُإِنّ المَلَأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ فَاخرُج إنِيّ‌ لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قوُليِ‌ لَهَا إِنّ اللّهَ يَحُولُ بَينَهُم وَ بَينَ مَا يُرِيدُونَ.


صفحه : 133

ثُمّ قَامَ وَ تَهَيّأَ لِلصّلَاةِ، وَ حَضَرَ المَسجِدَ، وَ صَلّي لِنَفسِهِ خَلفَ أَبِي بَكرٍ، وَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ بِجَنبِهِ وَ مَعَهُ السّيفُ، فَلَمّا جَلَسَ أَبُو بَكرٍ لِلتّشَهّدِ نَدِمَ عَلَي مَا قَالَ وَ خَافَ الفِتنَةَ، وَ عَرَفَ شِدّةَ عَلِيّ وَ بَأسَهُ،فَلَم يَزَل مُتَفَكّراً لَا يَجسُرُ أَن يُسَلّمَ، حَتّي ظَنّ النّاسُ أَنّهُ سَهَا. ثُمّ التَفَتَ إِلَي خَالِدٍ وَ قَالَ يَا خَالِدُ لَا تَفعَلَنّ مَا أَمَرتُكَ، السّلَامُ عَلَيكُم وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا خَالِدُ مَا ألّذِي أَمَرَكَ بِهِ. قَالَ أمَرَنَيِ‌ بِضَربِ عُنُقِكَ. قَالَ أَ وَ كُنتَ فَاعِلًا. قَالَ إيِ‌ وَ اللّهِ لَو لَا أَنّهُ قَالَ لِي لَا تَفعَلهُ قَبلَ التّسلِيمِ لَقَتَلتُكَ. قَالَ فَأَخَذَهُ عَلِيّ فَجَلَدَ بِهِ الأَرضَ،فَاجتَمَعَ النّاسُ عَلَيهِ. فَقَالَ عُمَرُ يَقتُلُهُ وَ رَبّ الكَعبَةِ. فَقَالَ النّاسُ يَا أَبَا الحَسَنِ اللّهَ اللّهَ،بِحَقّ صَاحِبِ القَبرِ.فَخَلّي عَنهُ، ثُمّ التَفَتَ إِلَي عُمَرَ فَأَخَذَ بِتَلَابِيبِهِ فَقَالَ يَا ابنَ صُهَاكَ وَ اللّهِ لَو لَا عَهدٌ مِن رَسُولِ اللّهِ وَ كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَعَلِمتَ أَيّنَاأَضعَفُ ناصِراً وَ أَقَلّ عَدَداً


صفحه : 134

وَ دَخَلَ مَنزِلَهُ.

فس أَبِي، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَن عُثمَانَ بنِ عِيسَي وَ حَمّادِ بنِ عُثمَانَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ مِثلَهُ. وَ فِيهِ فَأَخَذَ عُمَرُ الكِتَابَ مِن فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَمَزّقَهُ، وَ قَالَ هَذَا فيَ‌ءُ المُسلِمِينَ، وَ قَالَ أَوسُ بنُ الحَدَثَانِ وَ عَائِشَةُ وَ حَفصَةُ يَشهَدُونَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِأَنّهُ قَالَ إِنّا مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ، مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَةٌ، وَ أَنّ عَلِيّاً زَوجُهَا يَجُرّ إِلَي نَفسِهِ، وَ أُمّ أَيمَنَ فهَيِ‌َ امرَأَةٌ صَالِحَةٌ لَو كَانَ مَعَهَا غَيرُهَا لَنَظَرنَا فِيهِ.فَخَرَجَت فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا مِن عِندِهِمَا بَاكِيَةً حَزِينَةً، فَلَمّا كَانَ بَعدَ هَذَا جَاءَ عَلِيّ. وَ فِيهِ بَعدَ قَولِهِ لَهَا نَغتَصِبُ


فَكُلّ أَهلٍ لَهُ قُربَي وَ مَنزِلَةٌ   عِندَ الإِلَهِ عَلَي الأَدنَينِ يَقتَرِبُ

أَبدَت رِجَالٌ لَنَا نَجوَي صُدُورِهِمُ   لَمّا مَضَيتَ وَ حَالَت دُونَكَ الكُتُبُ

فَقَد رُزِينَا بِمَا لَم يُرزَهُ أَحَدٌ   مِنَ البَرّيّةِ لَا عَجَمٌ وَ لَا عَرَبٌ

صفحه : 135


وَ قَد رُزِينَا بِهِ مَحضاً خَلِيقَتُهُ   صاَفيِ‌ الضّرَائِبِ وَ الأَعرَاقِ وَ النّسَبِ

فَأَنتَ خَيرُ عِبَادِ اللّهِ كُلّهِم   وَ أَصدَقُ النّاسِ حِينَ الصّدقِ وَ الكَذِبِ

وَ فِيهِ بَعدَ البَيتِ الأَخِيرِ


سَيَعلَمُ المتُوَلَيّ‌ ظُلمَ حَامَتِنَا   يَومَ القِيَامَةِ أَنّا كَيفَ نَنقَلِبُ

بيان تجهّمتنا، في بعض النسخ تهضّمتنا،يقال تهضّمه أي ظلمه . و في (فس )[تفسير علي بن ابراهيم ]فغمصتنا، من غمصت الشي‌ّء احتقرته ، والتشديد للتكثير والمبالغة، ويقال رزأه ماله كجعله وعمله رزءا بالضّم أصاب منه شيئا. والرزيئة المصيبة. والضّريبة الطّبيعة. والعرق أصل كلّ شيء، والجمع عروق وأعراق . و في (فس )[تفسير علي بن ابراهيم ]مكان قوله بتهمال بهمّال كشداد. و في بعض الروايات مكان العيون الشئون .


صفحه : 136

والتلبيب ما في بعض اللّبب من الثّياب، واللّبب موضع القلادة.

ج روُيِ‌َ أَنّ أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ بَعَثَا إِلَي خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ،فَوَاعَدَاهُ وَ فَارَقَاهُ عَلَي قَتلِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَضَمِنَ ذَلِكَ لَهُمَا.فَسَمِعَت أَسمَاءُ بِنتُ عُمَيسٍ امرَأَةُ أَبِي بَكرٍ وَ هيِ‌َ فِي خِدرِهَا،فَأَرسَلَت خَادِمَةً لَهَا وَ قَالَت ترَدَدّيِ‌ فِي دَارِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قوُليِ‌إِنّ المَلَأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ.فَفَعَلَتِ الجَارِيَةُ، وَ سَمِعَهَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ رَحِمَهَا اللّهُ،قوُليِ‌ لِمَولَاتِكِ فَمَن يَقتُلُ النّاكِثِينَ وَ القَاسِطِينَ وَ المَارِقِينَ وَ وَقَعَتِ المُوَاعَدَةُ لِصَلَاةِ الفَجرِ،إِذ كَانَ أَخفَي وَ أَخوَتَ لِلسّدفَةِ وَ الشّبهَةِ، وَ لَكِنّ اللّهَ بَالِغُ أَمرِهِ، وَ كَانَ أَبُو بَكرٍ قَالَ لِخَالِدِ بنِ الوَلِيدِ إِذَا انصَرَفتُ مِنَ الفَجرِ فَاضرِب عُنُقَ عَلِيّ.فَصَلّي إِلَي جَنبِهِ لِأَجلِ ذَلِكَ، وَ أَبُو بَكرٍ فِي الصّلَاةِ يُفَكّرُ فِي العَوَاقِبِ،فَنَدِمَ،فَجَلَسَ فِي صَلَاتِهِ حَتّي كَادَتِ الشّمسُ تَطلُعُ،يَتَعَقّبُ الآرَاءَ وَ يَخَافُ الفِتنَةَ وَ لَا يَأمَنُ عَلَي نَفسِهِ، فَقَالَ قَبلَ أَن يُسَلّمَ فِي صَلَاتِهِ يَا خَالِدُ لَا تَفعَل مَا أَمَرتُكَ


صفحه : 137

بِهِ،ثَلَاثاً. وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي لَا يَفعَلَنّ خَالِدٌ مَا أَمَرتُهُ.فَالتَفَتَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَإِذَا خَالِدٌ مُشتَمِلٌ عَلَي السّيفِ إِلَي جَانِبِهِ، فَقَالَ يَا خَالِدُ أَ وَ كُنتَ فَاعِلًا فَقَالَ إيِ‌ وَ اللّهِ، لَو لَا أَنّهُ نهَاَنيِ‌ لَوَضَعتُهُ فِي أَكثَرِكَ شَعراً. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ كَذَبتَ لَا أُمّ لَكَ، مَن يَفعَلُهُ أَضيَقُ حَلقَةِ استٍ مِنكَ، أَمَا وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ لَو لَا مَا سَبَقَ مِنَ القَضَاءِ لَعَلِمتَ أَيّ الفَرِيقَينِشَرّ مَكاناً وَ أَضعَفُ جُنداً. وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرّ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَخَذَ خَالِداً بِإِصبَعَيهِ السّبّابَةِ وَ الوُسطَي فِي ذَلِكَ الوَقتِ،فَعَصَرَهُ عَصراً،فَصَاحَ خَالِدٌ صَيحَةً مُنكَرَةً،فَفَزِعَ النّاسُ، وَ هِمّتُهُم أَنفُسُهُم، وَ أَحدَثَ خَالِدٌ فِي ثِيَابِهِ، وَ جَعَلَ يَضرِبُ بِرِجلَيهِ وَ لَا يَتَكَلّمُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لِعُمَرَ هَذِهِ مَشُورَتُكَ المَنكُوسَةُ،كأَنَيّ‌ كُنتُ أَنظُرُ إِلَي هَذَا وَ أَحمَدُ اللّهَ عَلَي سَلَامَتِنَا. وَ كُلّمَا دَنَا أَحَدٌ لِيُخَلّصَهُ مِن يَدِهِ عَلَيهِ السّلَامُ لَحَظَهُ لَحظَةً تَنَحّي عَنهُ رَاجِعاً.فَبَعَثَ أَبُو بَكرٍ عُمَرَ إِلَي العَبّاسِ،فَجَاءَ وَ تَشَفّعَ إِلَيهِ وَ أَقسَمَ عَلَيهِ، فَقَالَ


صفحه : 138

بِحَقّ القَبرِ وَ مَن فِيهِ، وَ بِحَقّ وَلَدَيهِ وَ أُمّهِمَا إِلّا تَرَكتَهُ.فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَ قَبّلَ العَبّاسُ بَينَ عَينَيهِ.

بيان وأَخوَتَ، قال الفيروزآبادي‌ خات الرّجل ماله تنقّصه، والخوّات بالتّشديد الرّجل الجري‌ء، وخات الرّجل اختطف ، واختات الذئب الشاة ختلها فسرقها، وخاوت طرفه دوني‌ سارقه . و في أكثر النسخ واختيرت السدفة، والسّدفة بالضّم الظّلمة، أواختلاط الضّوء والظّلمة معا لوقت ما بين طلوع الفجر إلي الإسفار. في أكثر شعرا، أي في رأسك ،فإنّه أكثر أجزاء البدن شعرا. والاست بالكسر الدبر، ويحتمل أن يكون ضيقه كناية عن الجرأة والشجاعة. ثمّ اعلم أنّ هذه القصة من المشهورات بين الخاصّة والعامّة، و إن أنكره بعض المخالفين .

وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِهِ عَلَي نَهجِ البَلَاغَةِ سَأَلتُ النّقِيبَ أَبَا جَعفَرٍ يَحيَي بنَ زَيدٍ فَقُلتُ لَهُإنِيّ‌ لَأَعجَبُ مِن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ كَيفَ بقَيِ‌َ تِلكَ المُدّةَ


صفحه : 139

الطّوِيلَةَ بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَيفَ مَا اغتِيلَ وَ فُتِكَ بِهِ فِي جَوفِ مَنزِلِهِ مَعَ تلَظَيّ‌ الأَكبَادِ عَلَيهِ فَقَالَ لَو لَا أَنّهُ أَرغَمَ أَنفَهُ بِالتّرَابِ، وَ وَضَعَ خَدّهُ فِي حَضِيضِ الأَرضِ،لَقُتِلَ، وَ لَكِنّهُ أَخمَلَ نَفسَهُ، وَ اشتَغَلَ بِالعِبَادَةِ وَ الصّلَاةِ وَ النّظَرِ فِي القُرآنِ، وَ خَرَجَ عَن ذَلِكَ الزيّ‌ّ الأَوّلِ وَ ذَلِكَ الشّعَارِ، وَ نسَيِ‌َ السّيفَ، وَ صَارَ كَالفَاتِكِ يَتُوبُ وَ يَصِيرُ سَائِحاً فِي الأَرضِ أَو رَاهِباً فِي الجِبَالِ، فَلَمّا أَطَاعَ القَومَ الّذِينَ وَلّوُا الأَمرَ وَ صَارَ أَذَلّ لَهُم مِنَ الحِذَاءِ،تَرَكُوهُ وَ سَكَتُوا عَنهُ، وَ لَم تَكُنِ العَرَبُ لِتُقدِمَ عَلَيهِ إِلّا بِمُوَاطَأَةٍ مِن متُوَلَيّ‌ الأَمرِ، وَ بَاطِنٍ فِي السّرّ مِنهُ، فَلَمّا لَم يَكُن لِوُلَاةِ الأَمرِ بَاعِثٌ وَ دَاعٍ إِلَي قَتلِهِ وَقَعَ الإِمسَاكُ عَنهُ، لَو لَا ذَلِكَ لَقُتِلَ، ثُمّ الأَجَلُ بَعدَ مَعقِلٍ حَصِينٍ.فَقُلتُ لَهُ أَ حَقّ مَا يُقَالُ فِي حَدِيثِ خَالِدٍ. فَقَالَ إِنّ قَوماً مِنَ العَلَوِيّةِ يَذكُرُونَ ذَلِكَ. وَ قَد روُيِ‌َ أَنّ رَجُلًا جَاءَ إِلَي زُفَرَ بنِ الهُذَيلِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَسَأَلَهُ عَمّا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي جَوَازِ الخُرُوجِ مِنَ الصّلَاةِ بِأَمرٍ غَيرِ التّسلِيمِ نَحوَ الكَلَامِ وَ الفِعلِ الكَثِيرِ أَوِ الحَدَثِ. فَقَالَ إِنّهُ جَائِزٌ، قَد قَالَ أَبُو بَكرٍ فِي تَشَهّدِهِ مَا قَالَ. فَقَالَ الرّجُلُ وَ مَا ألّذِي قَالَهُ أَبُو بَكرٍ. قَالَ لَا عَلَيكَ. قَالَ فَأَعَادَ عَلَيهِ السّؤَالَ ثَانِيَةً وَ ثَالِثَةً.


صفحه : 140

فَقَالَ أَخرِجُوهُ أَخرِجُوهُ، قَد كُنتُ أُحَدّثُ أَنّهُ مِن أَصحَابِ أَبِي الخَطّابِ. قُلتُ لَهُ فَمَا ألّذِي تَقُولُهُ أَنتَ. قَالَ أَنَا أَستَبعِدُ ذَلِكَ، وَ إِنّهُ رَوَتهُ الإِمَامِيّةُ .. إِلَي آخِرِ مَا قَالَ.

ج رِسَالَةُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي أَبِي بَكرٍ، لَمّا بَلَغَهُ عَنهُ كَلَامٌ بَعدَ مَنعِ الزّهرَاءِ عَلَيهَا السّلَامُ فَدَكَشَقّوا مُتَلَاطِمَاتِ أَموَاجِ الفِتَنِ بِحَيَازِيمِ سُفُنِ النّجَاةِ، وَ حَطّوا تِيجَانَ أَهلِ الفَخرِ بِجَمِيعِ أَهلِ الغَدرِ، وَ استضيئوا[استَضَاءُوا]بِنُورِ الأَنوَارِ، وَ اقتَسَمُوا مَوَارِيثَ الطّاهِرَاتِ الأَبرَارِ، وَ احتَقَبُوا ثِقلَ الأَوزَارِ،بِغَصبِهِم نِحلَةَ النّبِيّ المُختَارِ.فكَأَنَيّ‌ بِكُم تَتَرَدّدُونَ فِي العَمَي كَمَا يَتَرَدّدُ البَعِيرُ فِي الطّاحُونَةِ، أَمَا وَ اللّهِ لَو أُذِنَ لِي بِمَا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ لَحَصَدتُ رُءُوسَكُم عَن أَجسَادِكُم كَحَبّ الحَصِيدِ بِقَوَاضِبَ مِن حَدِيدٍ، وَ لَقَلَعتُ مِن جَمَاجِمِ شُجعَانِكُم مَا أَقرَحُ بِهِ آمَاقَكُم، وَ أُوحِشُ بِهِ مَحَالّكُم.فإَنِيّ‌ مُنذُ عرَفَتمُوُنيِ‌ مرُديِ‌ العَسَاكِرِ، وَ مفُنيِ‌ الجَحَافِلِ، وَ مُبِيدُ خَضرَائِكُم، وَ مُحمِدُ ضَوضَائِكُم، وَ جَزّارُ الدّوّارِينَ إِذ أَنتُم فِي بُيُوتِكُم مُعتَكِفُونَ، وَ إنِيّ‌ لَصَاحِبُكُم بِالأَمسِ،لَعَمرُ أَبِي لَن تُحِبّوا أَن تَكُونَ فِينَا الخِلَافَةُ وَ النّبُوّةُ وَ أَنتُم


صفحه : 141

تَذكُرُونَ أَحقَادَ بَدرٍ وَ ثَارَاتِ أُحُدٍ. أَمَا وَ اللّهِ لَو قُلتُ مَا سَبَقَ مِنَ اللّهِ فِيكُم لَتَدَاخَلَت أَضلَاعُكُم فِي أَجوَافِكُم كَتَدَاخُلِ أَسنَانٍ دَوّارَةِ الرّحَي، فَإِن نَطَقتُ تَقُولُونَ حَسَدَ، وَ إِن سَكَتّ فَيُقَالُ جَزِعَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ المَوتِ،هَيهَاتَ هَيهَاتَ. أَنَا السّاعَةَ يُقَالُ لِي هَذَا، وَ أَنَا المَوتُ المُمِيتُ،خَوّاضُ المَنِيّاتِ فِي جَوفِ لَيلٍ خَامِدٍ،حَامِلُ السّيفَينِ الثّقِيلَينِ، وَ الرّمحَينِ الطّوِيلَينِ، وَ مُكَسّرُ الرّايَاتِ فِي غُطَامِطِ الغَمَرَاتِ، وَ مُفَرّجُ الكُرُبَاتِ عَن وَجهِ خِيَرَةِ البَرِيّاتِ،ايهَنُوا فَوَ اللّهِ لَابنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالمَوتِ مِنَ الطّفلِ إِلَي مَحَالِبِ أُمّهِ،هَبِلَتكُمُ الهَوَابِلُ. لَو بُحتُ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيكُم فِي كِتَابِهِ لَاضطَرَبتُمُ اضطِرَابَ الأَرشِيَةِ فِي الطوّي‌ّ البَعِيدَةِ، وَ لَخَرَجتُم مِن بُيُوتِكُم هَارِبِينَ، وَ عَلَي وُجُوهِكُم هَائِمِينَ، وَ لكَنِيّ‌ أُهَوّنُ وجَديِ‌ حَتّي أَلقَي ربَيّ‌ بِيَدٍ جَذّاءَ صَفرَاءَ مِن لَذّاتِكُم،خُلُوّاً مِن طَحَنَاتِكُم.فَمَا مَثَلُ دُنيَاكُم عنِديِ‌ إِلّا كَمَثَلِ غَيمٍ عَلَا فَاستَعلَي، ثُمّ استَغلَظَ فَاستَوَي، ثُمّ تَمَزّقَ فَانجَلَي.


صفحه : 142

رُوَيداً فَعَن قَلِيلٍ ينَجلَيِ‌ لَكُمُ القَسطَلُ،فَتَجِدُونَ ثَمَرَ فِعلِكُم مُرّاً أَم تَحصُدُونَ غَرسَ أَيدِيكُم ذُعَافاً مُمَزّقاً، وَ سَمّاً قَاتِلًا. وَ كَفَي بِاللّهِ حَكَماً، وَ بِرَسُولِ اللّهِ خَصِيماً، وَ بِالقِيَامَةِ مَوقِفاً، وَ لَا أَبعَدَ اللّهُ فِيهَا سِوَاكُم، وَ لَا أَتعَسَ فِيهَا غَيرَكُم،وَ السّلامُ عَلي مَنِ اتّبَعَ الهُدي. فَلَمّا أَن قَرَأَ أَبُو بَكرٍ الكِتَابَ رَعَبَ مِن ذَلِكَ رُعباً شَدِيداً، وَ قَالَ يَا سُبحَانَ اللّهِ مَا أَجرَأَهُ عَلَيّ، وَ أَنكَلَهُ عَن غيَريِ‌.مَعَاشِرَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ تَعلَمُونَ أنَيّ‌ شَاوَرتُكُم فِي ضِيَاعِ فَدَكَ بَعدَ رَسُولِ اللّهِ فَقُلتُم إِنّ الأَنبِيَاءَ لَا يُوَرّثُونَ، وَ إِنّ هَذِهِ أَموَالٌ يَجِبُ أَن تُضَافَ إِلَي مَالِ الفيَ‌ءِ، وَ تُصرَفَ فِي ثَمَنِ الكُرَاعِ وَ السّلَاحِ وَ أَبوَابِ الجِهَادِ وَ مَصَالِحِ الثّغُورِ،فَأَمضَينَا رَأيَكُم وَ لَم يُمضِهِ مَن يَدّعِيهِ. وَ هُوَ ذَا يُبرِقُ وَعِيداً، وَ يُرعِدُ تَهدِيداً،إِيلَاءً بِحَقّ نَبِيّهِ أَن يَمضَخَهَا دَماً ذُعَافاً. وَ اللّهِ لَقَدِ استَقَلتُ مِنهَا فَلَم أُقَل، وَ استَعزَلتُهَا عَن نفَسيِ‌ فَلَم أُعزَل، كُلّ ذَلِكَ احتِرَازاً مِن كَرَاهِيَةِ ابنِ أَبِي طَالِبٍ، وَ هَرباً مِن نِزَاعِهِ، وَ مَا لِي لِابنِ أَبِي


صفحه : 143

طَالِبٍ هَل نَازَعَهُ أَحَدٌ فَفَلَجَ عَلَيهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَبَيتَ أَن تَقُولَ إِلّا هَكَذَا،فَأَنتَ ابنُ مَن لَم يَكُن مِقدَاماً فِي الحُرُوبِ، وَ لَا سَخِيّاً فِي الجُدُوبِ،سُبحَانَ اللّهِ مَا أَهلَعَ فُؤَادَكَ، وَ أَصغَرَ نَفسَكَ[ قَد صَفّيتُ] لَكَ سِجَالًا لِتَشرَبَهَا،فَأَبَيتَ إِلّا أَن تَظمَأَ كَظَمَائِكَ، وَ أَنَختُ لَكَ رِقَابَ العَرَبِ، وَ ثَبّتّ لَكَ إِمَارَةَ أَهلِ الإِشَارَةِ وَ التّدبِيرِ، وَ لَو لَا ذَلِكَ لَكَانَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ قَد صَيّرَ عِظَامَكَ رَمِيماً،فَاحمَدِ اللّهَ عَلَي مَا قَد وُهِبَ لَكَ منِيّ‌، وَ اشكُرهُ عَلَي ذَلِكَ،فَإِنّهُ مَن رقَيِ‌َ مِنبَرَ رَسُولِ اللّهِ كَانَ حَقِيقاً عَلَيهِ أَن يُحدِثَ لِلّهِ شُكراً. وَ هَذَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ الصّخرَةُ الصّمّاءُ التّيِ‌ لَا يَنفَجِرُ مَاؤُهَا إِلّا بَعدَ كَسرِهَا، وَ الحَيّةُ الرّقشَاءُ التّيِ‌ لَا تُجِيبُ إِلّا بِالرّقَي، وَ الشّجَرَةُ المُرّةُ التّيِ‌ لَو طُلِيَت بِالعَسَلِ لَم تَنبُت إِلّا مُرّاً،قَتَلَ سَادَاتِ قُرَيشٍ فَأَبَادَهُم، وَ أَلزَمَ آخِرَهُمُ العَارَ فَفَضَحَهُم.فَطِب نَفساً، وَ لَا تَغُرّنّكَ صَوَاعِقُهُ، وَ لَا تَهُولَنّكَ رَوَاعِدُهُ،فإَنِيّ‌ أَسُدّ بَابَهُ قَبلَ أَن يَسُدّ بَابَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ نَاشَدتُكَ اللّهَ يَا عُمَرُ لَمّا ترَكَتنَيِ‌ مِن أَغَالِيطِكَ وَ تَربِيدِكَ،فَوَ اللّهِ لَو هَمّ بقِتَليِ‌ وَ قَتلِكَ لَقَتَلَنَا بِشِمَالِهِ دُونَ يَمِينِهِ، مَا يُنجِينَا مِنهُ إِلّا ثَلَاثُ


صفحه : 144

خِصَالٍ إِحدَاهَا أَنّهُ وَاحِدٌ لَا نَاصِرَ لَهُ. وَ الثّانِيَةُ أَنّهُ يَتّبِعُ فِينَا وَصِيّةَ رَسُولِ اللّهِ. وَ الثّالِثَةُ فَمَا مِن هَذِهِ القَبَائِلِ أَحَدٌ إِلّا وَ هُوَ يَتَخَضّمُهُ كَتَخَضّمِ ثَنِيّةِ الإِبِلِ أَوَانَ الرّبِيعِ.فَتَعلَمُ لَو لَا ذَلِكَ لَرَجَعَ الأَمرُ إِلَيهِ وَ لَو كُنّا لَهُ كَارِهِينَ، أَمَا إِنّ هَذِهِ الدّنيَا أَهوَنُ عَلَيهِ مِن لِقَاءِ أَحَدِنَا المَوتَ. أَ نَسِيتَ لَهُ يَومَ أُحُدٍ وَ قَد فَرَرنَا بِأَجمَعِنَا وَ صَعِدنَا الجَبَلَ، وَ قَد أَحَاطَت بِهِ مُلُوكُ القَومِ وَ صَنَادِيدُهُم،مُوقِنِينَ بِقَتلِهِ، لَا يَجِدُ مَحِيصاً لِلخُرُوجِ مِن أَوسَاطِهِم، فَلَمّا أَن سَدّدَ القَومُ رِمَاحَهُم،نَكَسَ نَفسَهُ عَن دَابّتِهِ حَتّي جَاوَزَهُ طِعَانُ القَومِ، ثُمّ قَامَ قَائِماً فِي رِكَابِهِ وَ قَد طَرَقَ عَن سَرجِهِ وَ هُوَ يَقُولُ يَا اللّهُ يَا اللّهُ يَا جِبرِيلُ يَا جِبرِيلُ يَا مُحَمّدُ يَا مُحَمّدُ النّجَاةَ النّجَاةَ. ثُمّ عَهِدَ[عَمَدَ] إِلَي رَئِيسِ القَومِ فَضَرَبَهُ ضَربَةً عَلَي رَأسِهِ فبَقَيِ‌َ عَلَي فَكّ وَ لِسَانٍ، ثُمّ عَمَدَ إِلَي صَاحِبِ الرّايَةِ العُظمَي فَضَرَبَهُ ضَربَةً عَلَي جُمجُمَتِهِ فَفَلَقَهَا،


صفحه : 145

فَمَرّ السّيفُ يهَويِ‌ فِي جَسَدِهِ فَبَرَاهُ وَ دَابّتَهُ نِصفَينِ. فَلَمّا أَن نَظَرَ القَومُ إِلَي ذَلِكَ انجَفَلُوا مِن بَينِ يَدَيهِ،فَجَعَلَ يَمسَحُهُم بِسَيفِهِ مَسحاً، حَتّي تَرَكَهُم جَرَاثِيمَ خُمُوداً عَلَي تَلعَةٍ مِنَ الأَرضِ يَتَمَرّغُونَ فِي حَسَرَاتِ المَنَايَا، وَ يَتَجَرّعُونَ كُئُوسَ المَوتِ، قَدِ اختَطَفَ أَروَاحُهُم بِسَيفِهِ، وَ نَحنُ نَتَوَقّعُ مِنهُ أَكثَرَ مِن ذَلِكَ. وَ لَم نَكُن نَضبِطُ أَنفُسَنَا مِن مَخَافَتِهِ، حَتّي ابتَدَأتَ أَنتَ مِنكَ إِلَيهِ،فَكَانَ مِنهُ إِلَيكَ مَا تَعلَمُ. وَ لَو لَا أَنّهُ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيهِ آيَةً مِن كِتَابِ اللّهِ لَكُنّا مِنَ الهَالِكِينَ، وَ هُوَ قَولُهُ[ تَعَالَي]وَ لَقَد عَفا عَنكُم.فَاترُك هَذَا الرّجُلَ مَا تَرَكَكَ، وَ لَا يَغُرّنّكَ قَولُ خَالِدٍ إِنّهُ يَقتُلُهُ،فَإِنّهُ لَا يَجسُرُ عَلَي ذَلِكَ، وَ إِن رَامَهُ كَانَ أَوّلَ مَقتُولٍ بِيَدِهِ،فَإِنّهُ مِن وُلدِ عَبدِ مَنَافٍ، إِذَا هَاجُوا أُهِيبُوا، وَ إِذَا غَضِبُوا أَذَمّوا، وَ لَا سِيّمَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ،فَإِنّهُ بَابُهَا الأَكبَرُ وَ سَنَامُهَا الأَطوَلُ، وَ هُمَامُهَا الأَعظَمُ،وَ السّلامُ عَلي مَنِ اتّبَعَ الهُدي.


صفحه : 146

تبيين قوله عليه السلام شقوا.أقول

رَوَي فِي نَهجِ البَلَاغَةِ تِلكَ الفِقَرَاتِ فِي مَوضِعٍ آخَرَ يُنَاسِبُهَا،حَيثُ قَالَ لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ، وَ خَاطَبَهُ العَبّاسُ وَ أَبُو سُفيَانَ بنُ حَربٍ فِي أَن يُبَايِعَا لَهُ بِالخِلَافَةِ، قَالَ أَيّهَا النّاسُ شُقّوا أَموَاجَ الفِتَنِ بِسُفُنِ النّجَاةِ، وَ عَرّجُوا عَن طَرِيقِ المُنَافَرَةِ، وَ ضَعُوا تِيجَانَ المُفَاخَرَةِ،أَفلَحَ مَن نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ استَسلَمَ فَأَرَاحَ.

و ماهنا يحتمل أن يكون بصيغة الماضي‌،فيكون بيان حالهم أوّلا، أي إنّهم في زمن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ركبوا سفن النجاة وخرجوا من بين الفتن ،فشبّه الفتن بالأمواج ،لاشتراكهما في اضطراب النفس بهما، وكونهما سبب الهلاك . والحيازيم جمع الحيزوم ، و هو مااستدار بالظّهر والبطن ، أوضلع الفؤاد، و مااكتنف الحلقوم من جانب الصّدر، والغليظ من الأرض والمرتفع ،ذكرها الفيروزآبادي‌، ولعلّ المراد هنا صدر السفينة،فإنّه يشقّ الماء، و لايبعد أن يكون تصحيف المجاذيف جمع المجذاف ألّذي به تحرّك السّفينة. وكذا حطّ تيجان أهل الفخر كناية عن اتّباع أهل الحقّ، وترك المفاخرة التّي‌ تدعو إلي ترك اتّباع الحقّ. وجمع أهل الغدر مجمعهم ، أي تركوا المفاخرة الواقعة في مجامع أهل


صفحه : 147

الغدر، و هوضدّ المتفرّق، والجيش ، والحي‌ّ المجتمع ،ذكرها الفيروزآبادي‌ والحاصل أنّهم كانوا في حياة الرسول صلّي اللّه عليه وآله ظاهرا علي الحقّ وتابعين لأهله ، وآل أمرهم بعده إلي أن اقتسموا مواريث العترة الطاهرة. ويحتمل أن يكون الجميع بصيغة الأمر، كما أنّ في بعض النسخ واستضيئوا،فيكون أوّلا أمرهم بمتابعة أهل الحقّ، ثمّ بيّن حالهم بقوله واقتسموا، علي سبيل الالتفات . ويحتمل علي الأوّل أن يكون الجميع مسوقا للذمّ،فالمعني أنّهم دخلوا في غمرات الفتنة وتشبّثوا ظاهرا بما يوهم أنّه من وسائل النجاة، وتركوا المفاخرة واستسلموا،بأن جمعوا أهل الغدر، وأظهروا للناس النصح وترك الأغراض ،ليتمشّي لهم مادبّروا،فيكون قوله واستضاءوا .. واقتسموا ..،بمنزلة فقرة واحدة، أي تمسّكوا في اقتسام مواريث الطاهرات بالاستضاءة بنور الأنوار، وبخبر وضعوه وافتروه علي سيّد الأبرار. و كلّ من الوجوه لايخلو من بعد، والظاهر أنّه سقط شيء من الكلام أوزيد فيه ، ولعلّ الأبرار علي التغليب . و قال الجوهري‌ الحقب بالتحريك حبل يشدّ به الرّحل إلي بطن البعير .. والحقيبة واحدة الحقائب ، واحتقبه واستحقبه بمعني ، أي احتمله ، و منه قيل احتقب فلان الإثم كأنّه جمعه واحتقبه من خلفه . و قال سيف قاضب وقضيب أي قطّاع، والجمع قواضب وقضب .


صفحه : 148

و قال الجمجمة عظم الرّأس المشتمل علي الدّماغ. و قال مؤق العين طرفها ممّا يلي‌ الأنف ، والجمع آماق وأمآق ،مثل آبار وأبآر. وأرداه أهلكه . و قال والجحفل الجيش ، و رجل جحفل أي عظيم القدر. قال وقولهم أباد اللّه خضراءهم ، أي سوادهم ومعظمهم ، وأنكره الأصمعي‌ّ و قال إنّما يقال أباد اللّه خضراءهم أي خيرهم وغضارتهم . و في النهاية الضّوضاة أصوات النّاس وغلبتهم ، و في أكثر النسخ بالمدّ،بدون التاء. قوله عليه السلام وجزّار الدوارين ،لعلّ المراد بالدوارين الدهور والأزمنة علي التخفيف ، قال الجوهري‌ الدوّاّري‌ّ الدّهر يدور بالإنسان


صفحه : 149

دهرا، أوالشّجعان، أي أناقاتل الّذين يدورون ويجولون في المعركة لطلب المبارزة، و في بعض النسخ وجرّار الدّاوئر بالراءين المهملتين أي كنت أجرّ الدّولة والغلبة للمسلمين علي الكافرين ، قال في النهاية فيه فيجعل الدّائرة عليهم ، أي الدّولة بالغلبة والنّصر. قوله عليه السلام وإنيّ‌ لصاحبكم ، أي إمامكم ألّذي بايعتموني‌ يوم الغدير. والثأر بالهمزة طلب الدّم،يقال ثأرت القتيل وبالقتيل ثأرا وثؤرة، أي قتلت قاتله . قوله عليه السلام ماسبق من اللّه فيكم ، أي من العذاب والنكال في الآخرة. قوله عليه السلام خوّاض المنيّات .. الخوض في الشيّ‌ء الدخول فيه ، وخضت الغمرات اقتحمتها، والمنيّة الموت ، أي بادرت بالدخول فيما هومظنّة الموت ، و في بعض النسخ خوّاض الغمرات ، والغمرات ، والغمرة الكثيرة من النّاس والماء، وغمرات الموت شدائده . قوله عليه السلام ليل خامد، أي ساكن نام الناس فيه فلاتسمع


صفحه : 150

أصواتهم ،يقال خمدت النّار إذاسكن لهبها. و قال الجوهري‌ التّغطمط صوت معه بحح ، والغُطَامِطُ بالضّم صوت غليان القدر وموج البحر، و لايخفي مناسبتهما للمقام . قوله عليه السلام ايهنوا .. المذكور في كتب اللغة أنّ إيه كلمة يراد بهاالاستزادة، وهي‌ مبنيّة علي الكسر، فإذاوصلت نوّنت فقلت إيه حدّثنا، و إذا قلت إيها بالنصب فإنّما تأمره بالكفّ والسّكوت، و لم أر فيهاتجويز التثنية والجمع ، ويظهر من الخبر جوازهما إن لم يكن فيه تصحيف . والمحالب جمع المحلب بالفتح و هوموضع الحلب أي الثدّي‌ أورأسه . وهبلته أمّه بكسر الباء أي ثكلته . وباح بالشي‌ّء يبوح به أعلنه وأظهره . والرّشاء بالكسر والمدّ الحبل ، والجمع أرشية. والطوّي‌ّ البئر المطويّة، و هو في الأصل صفة، ولذا يجمع علي


صفحه : 151

أطواء كأشراف وأيتام ، ثمّ نقل إلي الاسميّة، وتأنيث الصفة باعتبار البئر. وهام علي وجهه يهيم هيما وهيمانا ذهب من العشق وغيره . قوله عليه السلام بيد جذّاء، أي مقطوعة أومكسورة. والصّفر بالكسر الخالي‌ كالخلو بالكسر. والطحنات لعلّه جمع الطّحنة أي البرّ المطحونة وأشباهها. قوله عليه السلام فاستعلي أي اشتدّ علوّه. والتّمزّق التّفرّق. قوله عليه السلام رويدا، أي اصبروا وأمهلوا قليلا.فعن قليل ، أي بعدزمان قليل . والقسطل بالسين والصاد الغبار.


صفحه : 152

و قال الجوهري‌ الذّعاف السّم، وطعام مذعوف ... وموت ذعاف .. أي سريع يعجّل القتل ، و في بعض النسخ بعده ممزّقا، أي يفرّق الأعضاء ويقطع الأمعاء. و لاأبعد اللّه فيها، أي في القيامة. وأتعسه اللّه، أي أهلكه . قوله ياسبحان اللّه أي ياقوم تعجّبوا وسبّحوا اللّه تعجّبا. و قال الجوهري‌ نكل عن العدوّ و عن اليمين ينكل بالضم أي جبن ، والنّاكل الجبان الضّعيف، و في أكثر النسخ علي غيري‌، ولعلّه بتضمين معني الشفقة ونحوها. و قال في النهاية فيه لايحبسون إلّا الكراع والسلاح . والكراع بالضمّ اسم لجمع الخيل . و قال الجوهري‌ أرعد الرّجل وأبرق إذاتهدّد وأوعد. والإيلاء الحلف .


صفحه : 153

قوله أن يمضخها،يقال مضخ كمنع بالضّاد والخاء المعجمتين أي لطخ الجسد بالطّيب، و في بعض النسخ بالصاد المهملة من المصخ ، و هوانتزاع الشي‌ّء وأخذه ، والأول أظهر. والفلج الظّفر والفوز. والمقدام بالكسر الرّجل الكثير الإقدام علي العدوّ. والجدوب جمع الجدب و هونقيض الخصب . والهلع أفحش الجزع . والسّجال بالكسر جمع السّجل بالفتح ، و هوالدّلو إذا كان فيه ماء. والظّمأ بالتحريك العطش . وأنخت الجمل فاستناخ ، أي أبركته فبرك . والصماء المصمتة الصّلبة. ويقال حيّة رقشاء إذا كان فيهانقط سواد وبياض ، و في بعض


صفحه : 154

النسخ الرّقطاء، والرّقطة سواد يشوبه نقط بياض . والرّقي بضمّ الراء جمع رقية بالضم ، وهي‌ التّعويذات والطّلسمات وأشباهها، و في أكثر النسخ التّي‌ لاتجيب إلّا بالرّقي، و في بعضها التّي‌ لاتؤثّر فيهاالرّقي. قوله وتر بيدك ، في أكثر النسخ بالراء والدال المهملتين من ربد ربودا أقام وحبس ، وتربّد تغيّر، ولعلّ الأصوب تدبيرك ، أوتدابيرك . و قال في النهاية في حديث عليّ عليه السلام يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الرّبيع الخضم الأكل بأقصي الأضراس ، والقضم بأدناها،خضم يخضم خضما. قوله و قدطرق عن سرجه ، و في بعض النسخ اطرق ،يقال اطّرق جناح الطّائر علي افتعل ، أي التفّ، وطرق يطرق كنصر أتي أهله ليلا، وأطرق علي بناء الإفعال سكت فلم يتكلّم، أوأرخي عينيه ينظر إلي الأرض ، ولعلّه تصحيف طال . قوله عليه السلام يا اللّه في بعض النسخ بتثليث كلّ من الثلاثة،


صفحه : 155

وتقديم يا محمّد علي ياجبرئيل . والبري‌ النحت ،استعير هنا للشقّ والقطع . وانجفل القوم ، أي انقلعوا كلّهم ومضوا،ذكره الجوهري‌. و قال مسحه بالسّيف قطعه . و قال الفيروزآبادي‌ جرثومة الشي‌ّء بالضّم أصله ، أوهي‌ التّراب المجتمع في أصول الشّجر، و ألّذي تسفيه الرّيح، وقرية النّمل، و قال الجزري‌ في حديث ابن الزبير كانت في المسجد جراثيم ، أي كان فيه أماكن مرتفعة عن الأرض مجتمعة من تراب أوطين ،فالمعني أنّه عليه السلام جعلهم كأصول الشجر المقطوعة بغير حياة، أوأحدث من القتل في الأرض تلالا مرتفعة. والخمود جمع الخامد أي ميّتين،يقال خمد المريض .. أي مات . والتّلعة بفتح التاء وسكون اللّام ماارتفع من الأرض . والتّمرغ التّقلّب في التّراب. قوله تعالي وَ لَقَد عَفا عَنكُم... هو ماذكره تعالي في طي‌ّ مالام أصحاب النبيّ صلّي اللّه عليه وآله وغيرهم علي وهنهم وانهزامهم في غزوة أحد،حيث قال وَ لَقَد صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعدَهُ إِذ تَحُسّونَهُم بِإِذنِهِ، إلي قوله تعالي ثُمّ صَرَفَكُم عَنهُم لِيَبتَلِيَكُم وَ لَقَد عَفا عَنكُم وَ اللّهُ ذُو فَضلٍ عَلَي المُؤمِنِينَ.


صفحه : 156

قوله أهبّوا،يقال هبّ فلان ، أي غاب دهرا، و في الحرب انهزم ، والأظهر أنّه أهمّوا بالميم ، و هوأنسب بالفقرة التالية،يقال أهمّه الأمر إذاأقلقه وحزنه ، و في أكثر النسخ ،أهيبوا، و لايمكن أن يكون علي بناء المعلوم ،لأنّ ترك القلب نادر مسموع في مواضع معدودة، و لا علي بناء المجهول إلّا بالحذف والإيصال . قوله أذمّوا، قال في القاموس أذمّه وجده ذميما، وأذمّ تهاون بهم وتركهم مذمومين في النّاس، و في بعض النسخ دمروا، أي أهلكوا. والهمام بالضم الملك العظيم الهمّة والسّيّد الشّجاع السخّي‌ّ.

ب عَنهُمَا، عَن حَنَانٍ قَالَسَأَلَ صَدَقَةُ بنُ مُسلِمٍ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أَنَا عِندَهُ، فَقَالَ مَنِ الشّاهِدُ عَلَي فَاطِمَةَ بِأَنّهَا لَا تَرِثُ أَبَاهَا فَقَالَ شَهِدَت عَلَيهَا عَائِشَةُ وَ حَفصَةُ وَ رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ يُقَالُ لَهُ أَوسُ بنُ الحَدَثَانِ مِن بنَيِ‌ نَضرٍ،شَهِدُوا عِندَ أَبِي بَكرٍ بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ


صفحه : 157

لَا أُوَرّثُ،فَمَنَعُوا فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مِيرَاثَهَا مِن أَبِيهَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.

مِصبَاحُ الأَنوَارِ لِبَعضِ عُلَمَائِنَا الأَخيَارِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ دَخَلَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ بِنتُ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي أَبِي بَكرٍ،فَسَأَلَتهُ فَدَكاً، قَالَ النّبِيّ لَا يُوَرّثُ،فَقَالَت قَد قَالَ اللّهُ تَعَالَيوَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ. فَلَمّا حَاجّتهُ أَمَرَ أَن يُكتَبَ لَهَا، وَ شَهِدَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ أُمّ أَيمَنَ. قَالَ فَخَرَجَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ،فَاستَقبَلَهَا عُمَرُ، فَقَالَ مِن أَينَ جِئتَ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ قَالَت مِن عِندِ أَبِي بَكرٍ مِن شَأنِ فَدَكَ، قَد كَتَبَ لِي بِهَا. فَقَالَ عُمَرُ هاَتيِ‌ الكِتَابَ،فَأَعطَتهُ،فَبَصَقَ فِيهِ وَ مَحَاهُ،عَجّلَ اللّهُ جَزَاهُ.فَاستَقبَلَهَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ مَا لَكِ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ غَضبَي فَذَكَرَت لَهُ مَا صَنَعَ عُمَرُ، فَقَالَ مَا رَكِبُوا منِيّ‌ وَ مِن أَبِيكَ أَعظَمُ مِن هَذَا.فَمَرِضَت فَجَاءَا يَعُودَانِهَا فَلَم تَأذَن لَهُمَا،فَجَاءَا ثَانِيَةً مِنَ الغَدِ،فَأَقسَمَ عَلَيهَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَذِنَت لَهُمَا،فَدَخَلَا عَلَيهَا،فَسَلّمَا،فَرَدّت ضَعِيفاً. ثُمّ قَالَت لَهُمَا سَأَلتُكُمَا بِاللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ أَ سَمِعتُمَا يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي حقَيّ‌ مَن آذَي فَاطِمَةَ فَقَد آذاَنيِ‌ وَ مَن آذاَنيِ‌ فَقَد آذَي اللّهَ.قَالَا أللّهُمّ نَعَم،قَالَت فَاشهَد أَنّكُمَا قَد آذيَتمُاَنيِ‌.


صفحه : 158

و عَن أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ قَالَت طَلَبَ إلِيَ‌ّ أَبُو بَكرٍ أَن أَستَأذِنَ لَهُ عَلَي فَاطِمَةَ يَتَرَضّاهَا،فَسَأَلَتهَا ذَلِكَ،فَأَذِنَت لَهُ، فَلَمّا دَخَلَ وَلّت وَجهَهَا الكَرِيمَ إِلَي الحَائِطِ،فَدَخَلَ وَ سَلّمَ عَلَيهَا،فَلَم تَرُدّ، ثُمّ أَقبَلَ يَعتَذِرُ إِلَيهَا وَ يَقُولُ ارضيَ‌ عنَيّ‌ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ.فَقَالَت يَا عَتِيقُ أَتَيتَنَا مِن ماتت [مَاتّةٍ] أَو حَمَلتَ النّاسَ عَلَي رِقَابِنَا،اخرُج فَوَ اللّهِ مَا كَلّمتُكَ أَبَداً حَتّي أَلقَي اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَشكُوَكَ إِلَيهِمَا.

و عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن آبَائِهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَ بَينَمَا أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ عِندَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ يَعُودَانِهَا،فَقَالَت لَهُمَا أَسأَلُكُمَا بِاللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ هَل سَمِعتُمَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ مَن آذَي فَاطِمَةَ فَقَد آذاَنيِ‌ وَ مَن آذاَنيِ‌ فَقَد آذَي اللّهَ فَقَالَا أللّهُمّ نَعَم،قَالَت فَأَشهَدُ أَنّكُمَا آذيَتمُاَنيِ‌

و عَن زَيدِ بنِ عَلِيّ قَالَقَدِمتُ مَعَ أَبِي مَكّةَ وَ فِيهَا مَولًي لِثَقِيفٍ


صفحه : 159

مِن أَهلِ الطّائِفِ،فَكَانَ يَنَالُ مِن أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ،فَأَوصَاهُ أَبِي بِتَقوَي اللّهِ، فَقَالَ لَهُ نَاشَدتُكَ اللّهَ وَ رَبّ هَذَا البَيتِ هَل صَلّيَا عَلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَقَالَ أَبِي أللّهُمّ لَا، قَالَ فَلَمّا افتَرَقنَا سَبَبتُهُ، فَقَالَ لِي أَبِي لَا تَفعَل فَوَ اللّهِ مَا صَلّيَا عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَضلًا عَن فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ، وَ ذَلِكَ أَنّهُ شَغَلَهُمَا مَا كَانَا يُبرِمَانِ.

يج روُيِ‌َ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ امتَنَعَ مِنَ البَيعَةِ عَلَي أَبِي بَكرٍ فَأَمَرَ أَبُو بَكرٍ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ أَن يَقتُلَ عَلِيّاً إِذَا سَلّمَ مِن صَلَاةِ الفَجرِ بِالنّاسِ.فَأَتَي خَالِدٌ وَ جَلَسَ إِلَي جَنبِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ مَعَهُ سَيفٌ،فَتَفَكّرَ أَبُو بَكرٍ فِي صَلَاتِهِ فِي عَاقِبَتِهِ ذَلِكَ،فَخَطَر بِبَالِهِ أَنّ بنَيِ‌ هَاشِمٍ يقَتلُوُننَيِ‌ إِن قُتِلَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَلَمّا فَرَغَ مِنَ التّشَهّدِ التَفَتَ إِلَي خَالِدٍ قَبلَ أَن يُسَلّمَ وَ قَالَ لَا تَفعَل مَا أَمَرتُكَ بِهِ، ثُمّ قَالَ السّلَامُ عَلَيكُم. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِخَالِدٍ أَ وَ كُنتَ تُرِيدُ أَن تَفعَلَ ذَلِكَ قَالَ نَعَم،فَمَدّ يَدَهُ إِلَي عُنُقِهِ وَ خَنَقَهُ بِإِصبَعِهِ وَ كَادَت عَينَاهُ تَسقُطَانِ، وَ نَاشَدَهُ بِاللّهِ أَن


صفحه : 160

يَترُكَهُ، وَ شَفَعَ إِلَيهِ النّاسُ،فَخَلّاهُ. ثُمّ كَانَ خَالِدٌ بَعدَ ذَلِكَ يَرصُدُ الفُرصَةَ وَ الفَجأَةَ لَعَلّهُ يَقتُلُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ غِرّةً،فَبَعَثَ بَعدَ ذَلِكَ عَسكَراً مَعَ خَالِدٍ إِلَي مَوضِعٍ، فَلَمّا خَرَجُوا مِنَ المَدِينَةِ وَ كَانَ خَالِدٌ مُدَجّجاً وَ حَولَهُ شُجعَانٌ قَد أُمِرُوا أَن يَفعَلُوا كُلّ مَا أَمَرَهُم خَالِدٌ فَرَأَي عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يجَيِ‌ءُ مِن ضَيعَةٍ لَهُ مُنفَرِداً بِلَا سِلَاحٍ،[ فَقَالَ خَالِدٌ فِي نَفسِهِ الآنَ وَقتُ ذَلِكَ]، فَلَمّا دَنَا مِنهُ فَكَانَ فِي يَدِ خَالِدٍ عَمُودٌ مِن حَدِيدٍ،فَرَفَعَهُ لِيَضرِبَهُ عَلَي رَأسِ عَلِيّ،فَانتَزَعَهُ عَلَيهِ السّلَامُ مِن يَدِهِ وَ جَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ وَ فَتَلَهُ كَالقَلَادَةِ.فَرَجَعَ خَالِدٌ إِلَي أَبِي بَكرٍ، وَ احتَالَ القَومُ فِي كَسرِهِ فَلَم يَتَهَيّأ لَهُم،فَأَحضَرُوا جَمَاعَةً مِنَ الحَدّادِينَ،فَقَالُوا لَا يُمكِنُ انتِزَاعُهُ إِلّا بَعدَ حَلّهِ فِي النّارِ، وَ فِي ذَلِكَ هَلَاكُهُ، وَ لَمّا عَلِمُوا بِكَيفِيّةِ حَالِهِ،قَالُوا إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ هُوَ ألّذِي يُخَلّصُهُ مِن ذَلِكَ كَمَا جَعَلَهُ فِي جِيدِهِ، وَ قَد أَلَانَ اللّهُ لَهُ الحَدِيدَ كَمَا أَلَانَهُ لِدَاوُدَ،فَشَفَعَ أَبُو بَكرٍ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَأَخَذَ العَمُودَ وَ فَكّ بَعضَهُ مِن بَعضٍ بِإِصبَعِهِ.

بيان قال الجوهري‌ رجل مدجّج ومدجّج أي شاك في السّلاح،تقول منه تدجّج في شكّته أي دخل في سلاحه كأنّه تغطّي بها.


صفحه : 161

إِرشَادُ القُلُوبِ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِ‌ّ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ العَبّاسِ قَالَاكُنّا جُلُوساً عِندَ أَبِي بَكرٍ فِي وِلَايَتِهِ وَ قَد أَضحَي النّهَارُ، وَ إِذَا بِخَالِدِ ابنِ الوَلِيدِ المخَزوُميِ‌ّ قَد وَافَي فِي جَيشٍ قَامَ غُبَارُهُ وَ كَثُرَ صَهِيلُ أَهلِ خَيلِهِ وَ إِذَا بِقُطبِ رَحًي ملَويِ‌ّ فِي عُنُقِهِ قَد فُتِلَ فَتلًا.فَأَقبَلَ حَتّي نَزَلَ عَن جَوَادِهِ وَ دَخَلَ المَسجِدَ، وَ وَقَفَ بَينَ يدَيَ‌ أَبِي بَكرٍ،فَرَمَقَهُ النّاسُ بِأَعيُنِهِم فَهَالَهُم مَنظَرُهُ. ثُمّ قَالَ أَ عَدلٌ يَا ابنَ أَبِي قُحَافَةَ حَيثُ جَعَلَكَ النّاسُ فِي هَذَا المَوضِعِ ألّذِي لَيسَ لَهُ أَنتَ بِأَهلٍ وَ مَا ارتَفَعتَ إِلَي هَذَا المَكَانِ إِلّا كَمَا يَرتَفِعُ الطاّفيِ‌ مِنَ السّمَكِ عَلَي المَاءِ، وَ إِنّمَا يَطفُو وَ يَعلُو حِينَ لَا حَرَاكَ بِهِ، مَا لَكَ وَ سِيَاسَةَ الجُيُوشِ وَ تَقدِيمَ العَسَاكِرِ، وَ أَنتَ بِحَيثُ أَنتَ، مِن لِينِ الحَسَبِ، وَ مَنقُوصِ النّسَبِ، وَ ضَعفِ القُوَي، وَ قِلّةِ التّحصِيلِ، لَا تحَميِ‌ ذِمَاراً، وَ لَا تُضرِمُ نَاراً، فَلَا جَزَي اللّهُ أَخَا ثَقِيفٍ وَ وَلَدَ صُهَاكَ خَيراً.إنِيّ‌ رَجَعتُ مُنكَفِئاً مِنَ الطّائِفِ إِلَي جُدّةَ فِي طَلَبِ المُرتَدّينَ،فَرَأَيتُ عَلِيّ بنَ


صفحه : 162

أَبِي طَالِبٍ وَ مَعَهُ عُتَاةٌ مِنَ الدّينِ حَمَالِيقُ،شَزَرَاتُ أَعيُنِهِم مِن حَسَدِكَ بَدَرَت حَنَقاً عَلَيكَ، وَ قَرَحَت آمَاقُهُم لِمَكَانِكَ.مِنهُم ابنُ يَاسِرٍ، وَ المِقدَادُ، وَ ابنُ جُنَادَةَ أَخُو غِفَارٍ، وَ ابنُ العَوّامِ، وَ غُلَامَانِ أَعرِفُ أَحَدَهُمَا بِوَجهِهِ، وَ غُلَامٌ أَسمَرُ لَعَلّهُ مِن وُلدِ عَقِيلٍ أَخِيهِ.فَتَبَيّنَ لِيَ المُنكَرُ فِي وُجُوهِهِم، وَ الحَسَدُ فِي احمِرَارِ أَعيُنِهِم، وَ قَد تَوَشّحَ عَلِيّ بِدِرعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَبِسَ رِدَاءَهُ السّحَابَ، وَ لَقَد أُسرِجَ لَهُ دَابّتُهُ العُقَابُ، وَ قَد نَزَلَ عَلِيّ عَلَي عَينِ مَاءٍ اسمُهَا رُوَيّةُ. فَلَمّا رآَنيِ‌ اشمَأَزّ وَ بَربَرَ، وَ أَطرَقَ مُوحِشاً يَقبِضُ عَلَي لِحيَتِهِ.فَبَادَرتُهُ بِالسّلَامِ استِكفَاءً وَ اتّقَاءً وَ وَحشَةً،فَاستَغنَمتُ سَعَةَ المُنَاخِ وَ سُهُولَةَ المَنزِلَةِ،فَنَزَلتُ وَ مَن معَيِ‌ بِحَيثُ نَزَلُوا اتّقَاءً عَن مُرَاوَغَتِهِ.فبَدَأَنَيِ‌ ابنُ يَاسِرٍ بِقَبِيحِ لَفظِهِ وَ مَحضِ عَدَاوَتِهِ،فقَرَعَنَيِ‌ هُزُواً بِمَا تَقَدّمتَ بِهِ إلِيَ‌ّ بِسُوءِ رَأيِكَ.فَالتَفَتَ إلِيَ‌ّ الأَصلَعُ الرّأسِ، وَ قَدِ ازدَحَمَ الكَلَامُ فِي حَلقِهِ كَهَمهَمَةِ الأَسَدِ أَو كَقَعقَعَةِ الرّعدِ، فَقَالَ لِي بِغَضَبٍ مِنهُ أَ وَ كُنتَ فَاعِلًا يَا أَبَا سُلَيمَانَ فَقُلتُ


صفحه : 163

لَهُ إيِ‌ وَ اللّهِ، لَو أَقَامَ عَلَي رَأيِهِ لَضَرَبتُ ألّذِي فِيهِ عَينَاكَ.فَأَغضَبَهُ قوَليِ‌ إِذ صَدَقتُهُ، وَ أَخرَجَهُ إلِيَ‌ّ طَبعُهُ ألّذِي أَعرِفُهُ بِهِ عِندَ الغَضَبِ، فَقَالَ يَا ابنَ اللّخنَاءِ مِثلُكَ مَن يَقدِرُ عَلَي مثِليِ‌ أَن يَجسُرَ أَو يُدِيرَ اسميِ‌ فِي لَهَوَاتِهِ التّيِ‌ لَا عَهدَ لَهَا بِكَلِمَةِ حِكمَةٍ وَيلَكَ إنِيّ‌ لَستُ مِن قَتلَاكَ وَ لَا مِن قَتلَي صَاحِبِكَ، وَ إنِيّ‌ لَأَعرَفُ بمِنَيِتّيِ‌ مِنكَ بِنَفسِكَ. ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَي ترَقوُتَيِ‌ فنَكَسَنَيِ‌ عَن فرَسَيِ‌، وَ جَعَلَ يسَوُقنُيِ‌،فَدَعَا إِلَي رَحًي لِلحَارِثِ بنِ كَلدَةَ الثقّفَيِ‌ّ،فَعَمَدَ إِلَي القُطبِ الغَلِيظِ فَمَدّ عنُقُيِ‌ بِكِلتَا يَدَيهِ وَ أَدَارَهُ فِي عنُقُيِ‌،يَنفَتِلُ لَهُ كَالعِلكِ المُستَخِنِ. وَ أصَحاَبيِ‌ هَؤُلَاءِ وُقُوفٌ، مَا أَغنَوا عنَيّ‌ سَطوَتَهُ، وَ لَا كَفّوا عنَيّ‌ شِرّتَهُ، فَلَا جَزَاهُمُ اللّهُ عنَيّ‌ خَيراً،فَإِنّهُم لَمّا نَظَرُوا إِلَيهِ كَأَنّهُم نَظَرُوا إِلَي مَلَكِ مَوتِهِم.فَوَ ألّذِي رَفَعَ السّمَاءَ بِلَا أَعمَادٍ،لَقَدِ اجتَمَعَ عَلَي فَكّ هَذَا القُطبِ مِائَةُ رَجُلٍ أَو يَزِيدُونَ مِن أَشَدّ العَرَبِ فَمَا قَدَرُوا عَلَي فَكّهِ،فدَلَنّيِ‌ عَجزُ النّاسِ عَن فَتحِهِ أَنّهُ سِحرٌ مِنهُ أَو قُوّةُ مَلَكٍ قَد رُكّبَت فِيهِ.


صفحه : 164

فَفُكّهُ الآنَ عنَيّ‌ إِن كُنتَ فَاكّهُ، وَ خُذ لِي بحِقَيّ‌ إِن كُنتَ آخِذاً، وَ إِلّا لَحِقتُ بِدَارِ عزِيّ‌ وَ مُستَقَرّ مكَرمُتَيِ‌، قَد ألَبسَنَيِ‌ ابنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ العَارِ مَا صِرتُ بِهِ ضُحكَةً لِأَهلِ الدّيَارِ.فَالتَفَتَ أَبُو بَكرٍ إِلَي عُمَرَ وَ قَالَ مَا تَرَي إِلَي مَا يَخرُجُ مِن هَذَا الرّجُلِ كَأَنّ ولِاَيتَيِ‌ ثِقلٌ عَلَي كَاهِلِهِ، وَ شَجاً فِي صَدرِهِ.فَالتَفَتَ إِلَيهِ عُمَرُ فَقَالَ فِيهِ دُعَابَةٌ لَا تَدَعُهُ حَتّي تُورِدَهُ فَلَا تُصدِرَهُ، وَ جَهلٌ وَ حَسَدٌ قَدِ استَحكَمَا فِي خَلَدِهِ،فَجَرَيَا مِنهُ مَجرَي الدّمَاءِ لَا يَدَعَانِهِ حَتّي يُهَيّنَا مَنزِلَتَهُ، وَ يُوَرّطَاهُ وَرطَةَ الهَلَكَةِ. ثُمّ قَالَ أَبُو بَكرٍ لِمَن بِحَضرَتِهِ ادعُوَا إلِيَ‌ّ قَيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبَادَةَ الأنَصاَريِ‌ّ،فَلَيسَ لِفَكّ هَذَا القُطبِ غَيرُهُ. قَالَ وَ كَانَ قَيسٌ سَيّافَ النّبِيّ، وَ كَانَ رَجُلًا طَوِيلًا،طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شِبراً فِي عَرضِ خَمسَةِ أَشبَارٍ، وَ كَانَ أَشَدّ النّاسِ فِي زَمَانِهِ بَعدَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.فَحَضَرَ قَيسٌ فَقَالَ لَهُ يَا قَيسُ إِنّكَ مِن شِدّةِ البَدَنِ بِحَيثُ أَنتَ،فَفُكّ


صفحه : 165

هَذَا القُطبَ مِن عُنُقِ أَخِيكَ خَالِدٍ، فَقَالَ قَيسٌ وَ لِمَ لَا يَفُكّهُ خَالِدٌ عَن عُنُقِهِ قَالَ لَا يَقدِرُ عَلَيهِ، قَالَ فَمَا لَا يَقدِرُ عَلَيهِ أَبُو سُلَيمَانَ وَ هُوَ نَجمُ عَسكَرِكُم، وَ سَيفُكُم عَلَي أَعدَائِكُم كَيفَ أَقدِرُ عَلَيهِ أَنَا. قَالَ عُمَرُ دَعنَا مِن هَزئِكَ وَ هَزلِكَ وَ خُذ فِيمَا حَضَرتَ لَهُ، فَقَالَ أُحضِرتُ لِمَسأَلَةٍ تَسأَلُونَهَا طَوعاً، أَو كَرهاً تجُبرِوُنيّ‌ عَلَيهِ فَقَالَ لَهُ إِن كَانَ طَوعاً وَ إِلّا فَكَرهاً، قَالَ قَيسٌ يَا ابنَ صُهَاكَ خَذَلَ اللّهُ مَن يُكرِهُهُ مِثلُكَ، إِنّ بَطنَكَ لَعَظِيمَةٌ وَ إِنّ كَرِشَكَ لَكَبِيرَةٌ،فَلَو فَعَلتَ أَنتَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنكَ[عَجَبٌ، قَالَ]فَخَجِلَ عُمَرُ مِن قَيسِ بنِ سَعدٍ، وَ جَعَلَ يَنكُثُ أَسنَانَهُ بِأَنَامِلِهِ.


صفحه : 166

فَقَالَ أَبُو بَكرٍ وَ مَا بِذَلِكَ مِنهُ،اقصِد لِمَا سَأَلتَ، فَقَالَ قَيسٌ وَ اللّهِ لَو أَقدِرُ عَلَي ذَلِكَ لَمَا فَعَلتُ،فَدُونَكُم وَ حدَاّديِ‌ المَدِينَةِ،فَإِنّهُم أَقدَرُ عَلَي ذَلِكَ منِيّ‌.فَأَتَوا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الحَدّادِينَ،فَقَالُوا لَا يَنفَتِحُ حَتّي نُحمِيَهُ بِالنّارِ.فَالتَفَتَ أَبُو بَكرٍ إِلَي قَيسٍ مُغضَباً فَقَالَ وَ اللّهِ مَا بِكَ مِن ضَعفٍ عَن فَكّهِ، وَ لَكِنّكَ لَا تَفعَلُ فِعلًا يَعِيبُ عَلَيكَ فِيهِ إِمَامُكَ وَ حَبِيبُكَ أَبُو الحَسَنِ، وَ لَيسَ هَذَا بِأَعجَبَ مِن أَنّ أَبَاكَ وام [رَامَ]الخِلَافَةَ ليِبَتغَيِ‌َ الإِسلَامَ عِوَجاً فَحَصَدَ اللّهُ شَوكَتَهُ، وَ أَذهَبَ نَخوَتَهُ، وَ أَعَزّ الإِسلَامَ بِوَلِيّهِ، وَ أَقَامَ دِينَهُ بِأَهلِ طَاعَتِهِ، وَ أَنتَ الآنَ فِي حَالِ كَيدٍ وَ شِقَاقٍ. قَالَ فَاستَشَاطَ قَيسُ بنُ سَعدٍ غَضَباً وَ امتَلَأَ غَيظاً، فَقَالَ يَا ابنَ أَبِي قُحَافَةَ إِنّ لَكَ عنِديِ‌ جَوَاباً حَمِيّاً،بِلِسَانٍ طَلِقٍ، وَ قَلبٍ جرَيِ‌ّ، و لَو لَا البَيعَةُ التّيِ‌ لَكَ فِي عنُقُيِ‌ لَسَمِعتَهُ منِيّ‌، وَ اللّهِ لَئِن بَايَعَتكَ يدَيِ‌ لَم يُبَايِعكَ قلَبيِ‌ وَ لَا لسِاَنيِ‌، وَ لَا حُجّةَ لِي فِي عَلِيّ بَعدَ يَومِ الغَدِيرِ، وَ لَا كَانَت بيَعتَيِ‌ لَكَ إِلّاكاَلتّيِ‌ نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوّةٍ أَنكاثاً،أَقُولُ قوَليِ‌ هَذَا غَيرَ هَائِبٍ مِنكَ وَ لَا خَائِفٍ


صفحه : 167

مِن مَعَرّتِكَ، وَ لَو سَمِعتُ هَذَا القَولَ مِنكَ بَدأَةً لَمَا فَتَحَ لَكَ منِيّ‌ صُلحاً. إِن كَانَ أَبِي رَامَ الخِلَافَةَ فَحَقِيقٌ مَن يَرُومُهَا بَعدَ مَن ذَكَرتَهُ،لِأَنّهُ رَجُلٌ لَا يُقَعقِعُ بِالشّنَانِ، وَ لَا يَغمِزُ جَانِبَهُ كَغَمزِ التّينَةِ،ضَخِمٌ صِندِيدٌ، وَ سَمَكٌ مُنِيفٌ، وَ عِزّ بَازِخٌ أَشوَسُ،بِخِلَافِكَ وَ اللّهِ أَيّتُهَا النّعجَةُ العَرجَاءُ، وَ الدّيكُ النّافِشُ، لَا عِزّ صَمِيمٌ، وَ لَا حَسَبٌ كَرِيمٌ، وَ ايمُ اللّهِ لَئِن عاَودَتنَيِ‌ فِي أَبِي لَأُلجِمَنّكَ بِلِجَامٍ مِنَ القَولِ يَمُجّ فُوكَ مِنهُ دَماً،دَعنَا نَخُوضُ فِي عَمَايَتِكَ، وَ نَتَرَدّي فِي غَوَايَتِكَ، عَلَي مَعرِفَةٍ مِنّا بِتَركِ الحَقّ وَ اتّبَاعِ البَاطِلِ. وَ أَمّا قَولُكَ إِنّ عَلِيّاً إمِاَميِ‌، مَا أُنكِرُ إِمَامَتَهُ وَ لَا أَعدِلُ عَن وَلَايَتِهِ، وَ كَيفَ أَنقُضُ وَ قَد أَعطَيتُ اللّهَ عَهداً بِإِمَامَتِهِ وَ وَلَايَتِهِ،يسَألَنُيِ‌ عَنهُ فَأَنَا أَن أَلقَي اللّهَ بِنَقضِ بَيعَتِكَ أَحَبّ إلِيَ‌ّ[ مِن] أَن أَنقُضَ عَهدَهُ وَ عَهدَ رَسُولِهِ وَ عَهدَ وَصِيّهِ وَ خَلِيلِهِ، وَ مَا أَنتَ إِلّا أَمِيرُ قَومِكَ، إِن شَاءُوا تَرَكُوكَ وَ إِن شَاءُوا عَزَلُوكَ.


صفحه : 168

فَتُب إِلَي اللّهِ مِمّا اجتَرَمتَهُ، وَ تَنَصّل إِلَيهِ مِمّا ارتَكَبتَهُ، وَ سَلّمِ الأَمرَ إِلَي مَن هُوَ أَولَي مِنكَ بِنَفسِكَ،فَقَد رَكِبتَ عَظِيماً بِوِلَايَتِكَ دُونَهُ، وَ جُلُوسِكَ فِي مَوضِعِهِ، وَ تَسمِيَتِكَ بِاسمِهِ، وَ كَأَنّكَ بِالقَلِيلِ مِن دُنيَاكَ وَ قَدِ انقَشَعَ عَنكَ كَمَا يَنقَشِعُ السّحَابُ، وَ تَعلَمُ أَيّ الفَرِيقَينِشَرّ مَكاناً وَ أَضعَفُ جُنداً. وَ أَمّا تَعيِيرُكَ إيِاّي‌َ فَإِنّهُ موَلاَي‌َ، هُوَ وَ اللّهِ موَلاَي‌َ وَ مَولَاكَ وَ مَولَي المُؤمِنِينَ أَجمَعِينَ،آهِ .. آهِ .. أَنّي لِي بِثَبَاتِ قَدَمٍ، أَو تَمَكّنِ وَطءٍ حَتّي أُلفِظَكَ لَفظَ المَنجَنِيقِ الحَجَرَةَ، وَ لَعَلّ ذَلِكَ يَكُونُ قَرِيباً، وَ نكَتفَيِ‌ بِالعِيَانِ عَنِ الخَبَرِ. ثُمّ قَامَ وَ نَفَضَ ثَوبَهُ وَ مَضَي، وَ نَدِمَ أَبُو بَكرٍ عَمّا أَسرَعَ إِلَيهِ مِنَ القَولِ إِلَي قَيسٍ، وَ جَعَلَ خَالِدٌ يَدُورُ فِي المَدِينَةِ وَ القُطبُ فِي عُنُقِهِ أَيّاماً. ثُمّ أَتَي آتٍ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَقَالَ لَهُ قَد وَافَي عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ السّاعَةَ مِن سَفَرِهِ، وَ قَد عَرَقَ جَبِينُهُ، وَ احمَرّ وَجهُهُ،فَأَنفَذَ إِلَيهِ أَبُو بَكرٍ الأَقرَعَ بنَ سُرَاقَةَ الباَهلِيِ‌ّ وَ الأَشوَسَ بنَ الأَشجَعِ الثقّفَيِ‌ّ يَسأَلَانِهِ المضُيِ‌ّ إِلَي أَبِي بَكرٍ فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.


صفحه : 169

فَأَتَيَاهُ فَقَالَا يَا أَبَا الحَسَنِ إِنّ أَبَا بَكرٍ يَدعُوكَ لِأَمرٍ قَد أَحزَنَهُ، وَ هُوَ يَسأَلُكَ أَن تَصِيرَ إِلَيهِ فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَلَم يُجِبهُمَا،فَقَالَا يَا أَبَا الحَسَنِ مَا تَرُدّ عَلَينَا فِيمَا جِئنَاكَ لَهُ فَقَالَ بِئسَ وَ اللّهِ الأَدَبُ أَدَبُكُم، أَ لَيسَ يَجِبُ عَلَي القَادِمِ أَن لَا يَصِيرَ إِلَي النّاسِ فِي أَجلِبَتِهِم إِلّا بَعدَ دُخُولِهِ فِي مَنزِلِهِ، فَإِن كَانَ لَكُم حَاجَةٌ فأَطَلعِوُنيِ‌ عَلَيهَا فِي منَزلِيِ‌ حَتّي أَقضِيَهَا إِن كَانَت مُمكِنَةً إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي.فَصَارَ[فَصَارَا] إِلَي أَبِي بَكرٍ فَأَعلَمَاهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ قُومُوا بِنَا إِلَيهِ، وَ مَضَي الجَمعُ بِأَسرِهِم إِلَي مَنزِلِهِ،فَوَجَدُوا الحُسَينَ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي البَابِ يُقَلّبُ سَيفاً لِيَبتَاعَهُ، قَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ يَا أَبَا عَبدِ اللّهِ إِن رَأَيتَ أَن تَستَأذِنَ لَنَا عَلَي أَبِيكَ، فَقَالَ نَعَم. ثُمّ استَأذَنَ لِلجَمَاعَةِ فَدَخَلُوا وَ مَعَهُم خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ،فَبَدَأَ بِهِ الجَمعُ بِالسّلَامِ،فَرَدّ عَلَيهِمُ السّلَامَ مِثلَ ذَلِكَ، فَلَمّا نَظَرَ إِلَي خَالِدٍ قَالَ نَعِمتَ


صفحه : 170

صَبَاحاً يَا أَبَا سُلَيمَانَ نِعمَ[نِعمَتِ]القِلَادَةُ قِلَادَتُكَ. فَقَالَ وَ اللّهِ يَا عَلِيّ لَا نَجَوتَ منِيّ‌ إِن ساَعدَنَيِ‌ الأَجَلُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أُفّ لَكَ يَا ابنَ دَمِيمَةَ،إِنّكَ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ عنِديِ‌ لَأَهوَنُ، وَ مَا رُوحُكَ فِي يدَيِ‌ لَو أَشَاءُ إِلّا كَذُبَابَةٍ وَقَعَت عَلَي إِدَامٍ حَارّ فَطَفِقَت[فَطَفِئَت] مِنهُ،فَاغنِ عَن نَفسِكَ غِنَائَهَا، وَ دَعنَا بِحَالِنَا حُكَمَاءَ، وَ إِلّا لَأُلحِقَنّكَ بِمَن أَنتَ أَحَقّ بِالقَتلِ مِنهُ، وَ دَع عَنكَ يَا أَبَا سُلَيمَانَ مَا مَضَي، وَ خُذ فِيمَا بقَيِ‌َ، وَ اللّهِ لَا تَجَرّعتُ مِنَ الجِرَارِ المُختَمَةِ إِلّا عَلقَمَهَا، وَ اللّهِ لَقَد رَأَيتُ منَيِتّيِ‌ وَ مَنِيّتَكَ وَ روُحيِ‌ وَ رُوحَكَ،فرَوُحيِ‌ فِي الجَنّةِ وَ رُوحُكَ فِي النّارِ. قَالَ وَ حَجَزَ الجَمِيعُ بَينَهُمَا وَ سَأَلُوهُ قَطعَ الكَلَامِ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّا مَا جِئنَاكَ لِمَا تُنَاقِضُ مِنهُ أَبَا سُلَيمَانَ، وَ إِنّمَا حَضَرنَا لِغَيرِهِ، وَ أَنتَ لَم تَزَل يَا أَبَا الحَسَنِ مُقِيماً عَلَي خلِاَفيِ‌


صفحه : 171

وَ الِاجتِرَاءِ عَلَي أصَحاَبيِ‌، وَ قَد تَرَكنَاكَ فَاترُكنَا، وَ لَا تَرُدّنَا فَيُرَدّ عَلَيكَ مِنّا مَا يُوحِشُكَ وَ يَزِيدُكَ تَنوِيماً إِلَي تَنوِيمِكَ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَقَد أوَحشَنَيِ‌ اللّهُ مِنكَ وَ مِن جَمعِكَ، وَ آنَسَ بيِ‌ كُلّ مُستَوحِشٍ، وَ أَمّا ابنُ الوَلِيدِ الخَاسِرُ،فإَنِيّ‌ أَقُصّ عَلَيكَ نَبَأَهُ،إِنّهُ لَمّا رَأَي تَكَاثُفَ جُنُودِهِ وَ كَثرَةَ جَمعِهِ زَهَا فِي نَفسِهِ،فَأَرَادَ الوَضعَ منِيّ‌ فِي مَوضِعِ رَفعٍ وَ مَحَلّ ذيِ‌ جَمعٍ،لِيَصُولَ بِذَلِكَ عِندَ أَهلِ الجَمعِ،فَوَضَعتُ عَنهُ عِندَ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ، وَ هَمّ بيِ‌ وَ هُوَ عَارِفٌ بيِ‌ حَقّ مَعرِفَتِهِ، وَ مَا كَانَ اللّهُ لِيَرضَي بِفِعلِهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ فَنُضِيفُ هَذَا إِلَي تَقَاعُدِكَ عَن نُصرَةِ الإِسلَامِ، وَ قِلّةِ رَغبَتِكَ فِي الجِهَادِ،فَبِهَذَا أَمَرَكَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ،أَم عَن نَفسِكَ تَفعَلُ هَذَا. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَبَا بَكرٍ وَ عَلَي مثِليِ‌ يَتَفَقّهُ الجَاهِلُونَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَمَرَكُم ببِيَعتَيِ‌، وَ فَرَضَ عَلَيكُم طاَعتَيِ‌، وَ جعَلَنَيِ‌ فِيكُم كَبَيتِ اللّهِ الحَرَامِ يُؤتَي وَ لَا يأَتيِ‌، فَقَالَ يَا عَلِيّ سَتَغدِرُ بِكَ أمُتّيِ‌ مِن بعَديِ‌ كَمَا غَدَرَتِ الأُمَمُ بَعدَ مضُيِ‌ّ الأَنبِيَاءِ بِأَوصِيَائِهَا إِلّا قَلِيلٌ، وَ سَيَكُونُ لَكَ وَ لَهُم


صفحه : 172

بعَديِ‌ هَنَاةٌ وَ هَنَاةٌ،فَاصبِر، أَنتَ كَبَيتِ اللّهِمَن دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ مَن رَغِبَ عَنهُ كَانَ كَافِراً، قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّوَ إِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمناً، وَ إنِيّ‌ وَ أَنتَ سَوَاءٌ إِلّا النّبُوّةَ،فإَنِيّ‌ خَاتَمُ النّبِيّينَ وَ أَنتَ خَاتَمُ الوَصِيّينَ، وَ أعَلمَنَيِ‌ عَن ربَيّ‌ سُبحَانَهُ بأِنَيّ‌ لَستُ أَسُلّ سَيفاً إِلّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بَعدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ تُقَاتِلُ النّاكِثِينَ، وَ القَاسِطِينَ، وَ المَارِقِينَ، وَ لَم يَقرُبُ أَوَانُ ذَلِكَ بَعدُ،فَقُلتُ فَمَا أَفعَلُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِمَن يَنكُثُ بيَعتَيِ‌ مِنهُم وَ يَجحَدُ حقَيّ‌ قَالَ فَاصبِر حَتّي تلَقاَنيِ‌، وَ تَستَسلِمُ لِمِحنَتِكَ حَتّي تَلقَي نَاصِراً عَلَيهِم.فَقُلتُ أَ فَتَخَافُ عَلَيّ مِنهُم أَن يقَتلُوُننَيِ‌ فَقَالَ تَاللّهِ لَا أَخَافُ عَلَيكَ مِنهُم قَتلًا وَ لَا جِرَاحاً، وَ إنِيّ‌ عَارِفٌ بِمَنِيّتِكَ وَ سَبَبِهَا، وَ قَد أعَلمَنَيِ‌ ربَيّ‌، وَ لكَنِيّ‌ خَشِيتُ أَن تُفنِيَهُم بِسَيفِكَ فَيَبطُلَ الدّينُ، وَ هُوَ حَدِيثٌ،فَيَرتَدّ القَومُ عَنِ التّوحِيدِ. وَ لَو لَا أَنّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَ قَد سَبَقَ مَا هُوَ كَائِنٌ،لَكَانَ لِي فِيمَا أَنتَ فِيهِ شَأنٌ مِنَ الشّأنِ، وَ لَرَوَيتُ أَسيَافاً، وَ قَد ظَمِئتُ إِلَي شُربِ الدّمَاءِ، وَ عِندَ قِرَاءَتِكَ صَحِيفَتَكَ تَعرِفُ نَبَأَ مَا احتَمَلتَ مِن وزِريِ‌، وَ نِعمَ الخَصمُ مُحَمّدٌ وَ الحَكَمُ اللّهُ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَا أَبَا الحَسَنِ إِنّا لَم نَرُدّ هَذَا كُلّهُ، وَ نَحنُ نَأمُرُكَ أَن تَفتَحَ لَنَا الآنَ عَن عُنُقِ خَالِدٍ هَذِهِ الحَدِيدَةَ،فَقَد آلَمَهُ بِثِقَلِهِ وَ أَثّرَ فِي حَلقِهِ بِحَملِهِ، وَ قَد


صفحه : 173

شُفِيَت غَلِيلُ صَدرِكَ مِنهُ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَو أَرَدتُ أَن أشَفيِ‌َ غَلِيلَ صدَريِ‌ لَكَانَ السّيفُ أَشفَي لِلدّاءِ وَ أَقرَبَ لِلفَنَاءِ، وَ لَو قَتَلتُهُ وَ اللّهِ مَا قُدتُهُ بِرَجُلٍ مِمّن قَتَلَهُم يَومَ فَتحِ مَكّةَ وَ فِي كَرّتِهِ هَذِهِ، وَ مَا يخُاَلجِنُيِ‌ الشّكّ فِي أَنّ خَالِداً مَا احتَوَي قَلبُهُ مِنَ الإِيمَانِ عَلَي قَدرِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ، وَ أَمّا الحَدِيدُ ألّذِي فِي عُنُقِهِ فلَعَلَيّ‌ لَا أَقدِرُ عَلَي فَكّهِ،فَيَفُكّهُ خَالِدٌ عَن نَفسِهِ أَو فُكّوهُ أَنتُم عَنهُ،فَأَنتُم أَولَي بِهِ إِن كَانَ مَا تَدعُونَهُ صَحِيحاً.فَقَامَ إِلَيهِ بُرَيدَةُ الأسَلمَيِ‌ّ وَ عَامِرُ بنُ الأَشجَعِ فَقَالَا يَا أَبَا الحَسَنِ وَ اللّهِ لَا يَفُكّهُ عَن عُنُقِهِ إِلّا مَن حَمَلَ بَابَ خَيبَرَ بِفَردِ يَدٍ، وَ دَحَا بِهِ وَرَاءَ ظَهرِهِ، وَ حَمَلَهُ وَ جَعَلَهُ جِسراً تَعبُرُ النّاسُ عَلَيهِ وَ هُوَ فَوقَ زَندِهِ، وَ قَامَ إِلَيهِ عَمّارُ بنُ يَاسِرٍ فَخَاطَبَهُ أَيضاً فِيمَن خَاطَبَهُ،فَلَم يُجِب أَحَداً، إِلَي أَن قَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ سَأَلتُكَ بِاللّهِ وَ بِحَقّ أَخِيكَ المُصطَفَي رَسُولِ اللّهِ إِلّا مَا رَحِمتَ خَالِداً وَ فَكَكتَهُ مِن عُنُقِهِ. فَلَمّا سَأَلَهُ بِذَلِكَ استَحيَا، وَ كَانَ عَلَيهِ السّلَامُ كَثِيرَ الحَيَاءِ،فَجَذَبَ خَالِداً


صفحه : 174

إِلَيهِ، وَ جَعَلَ يَخذِفُ مِنَ الطّوقِ قِطعَةً قِطعَةً وَ يَفتِلُهَا فِي يَدِهِ،فَانفَتَلَ كَالشّمعِ. ثُمّ ضَرَبَ بِالأُولَي رَأسَ خَالِدٍ، ثُمّ الثّانِيَةَ، فَقَالَ آهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قُلتَهَا عَلَي كُرهٍ مِنكَ، وَ لَو لَم تَقُلهَا لَأَخرَجتُ الثّالِثَةَ مِن أَسفَلِكَ، وَ لَم يَزَل يَقطَعُ الحَدِيدَ جَمِيعَهُ إِلَي أَن أَزَالَهُ عَن عُنُقِهِ. وَ جَعَلَ الجَمَاعَةُ يُكَبّرُونَ وَ يُهَلّلُونَ وَ يَتَعَجّبُونَ مِنَ القُوّةِ التّيِ‌ أَعطَاهَا اللّهُ سُبحَانَهُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ انصَرَفَت شَاكِرِينَ.

إيضاح رأيت هذاالخبر في بعض الكتب القديمة بأدني تغيير. والطاّفي‌ الحوت الميّت ألّذي يعلو الماء و لايرسب فيه ،يقال طفي الشيّ‌ء فوق الماء أي علاه . ويقال ما به حراك بفتح الحاء أي حركة. و قال الجوهري‌ فلان حامي‌ الذّمار أي إذاذمر وغضب حمي‌، وفلان أمنع ذمارا من فلان ، ويقال الذّمار ماوراء الرّجل ممّا يحقّ عليه أن يحميه وسمي‌ّ ذمارا لأنّه يجب علي أهله التّذمّر له .


صفحه : 175

والضّرام بالكسر اشتعال النّار،يقال ما بهانافخ ضرمة أي أحد، وأضرمت النّار ألهبتها. والمراد بأخي‌ ثقيف المغيرة بن شعبة، وقيل أريد به عمر أيضا،كناية عن الخلل في نسبه ، ويؤيّده أنّ في الرواية الأخري فلاجزاك اللّه من ابن صهاك وأخي‌ ثقيف ،أجلسك مجلسا لست له بأهل . والانكفاء الرّجوع. والحماليق جمع الحملاق بالكسر، وحملاق العين باطن أجفانها ألّذي يسوّده الكحل ، أو ماغطّته الأجفان من بياض المقلة. ويقال نظر إليه شزرا، و هونظر الغضبان بمؤخّر العين ، و في لحظه شزر بالتّحريك، وتشازر القوم .. أي نظر بعضهم إلي بعض شزرا و في بعض النسخ معه رهط عتاة من الّذين شزرت حماليق أعينهم من حسدك وبدرت حنقا عليك . وقرح جلده كعلم خرجت به القروح . و في الرواية الأخري مكان وغلام أسمر وأخوه عقيل ، و هوأظهر.


صفحه : 176

و قال الفيروزآبادي‌ الرويّة كسميّة ماء. والبربرة الصّوت وكلام في غضب ،تقول بربر فهو بربار. و في الرواية الأخري وأطرق موشحا وقبض علي لحيته ،فبدأته بالسلام لأستكفي‌ شرّه وأنفي‌ وحشته . وراغ إلي كذا أي مال إليه سرّا وحاد، و قوله تعالي فَراغَ عَلَيهِم ضَرباً بِاليَمِينِ أي أقبل ، وقيل مال ، والمراوغة أيضا المصارعة،قالها الجوهري‌. و بعد قوله عندالغضب في الرواية الأخري ونفرت عيناه في أمّ رأسه وقام عرق الهاشمي‌ّ بين عينيه ككراع البعير فعلمت أنّه قدغرب عقله . ثم قال ويقال لخن السّقاء بالكسر أي أنتن ، و منه قولهم أمة لخناء، ويقال اللّخناء التّي‌ لم تختن . و قال دععته أدعّه دعّا أي دفعته . و في الرواية الأخري فمدّ عنقي‌ بيد وأخذ القطب بيد أخري .. إلي قوله ماكفوني‌ شرّه، فلاجزاهم اللّه خيرا،فإنّهم لمّا نظروا إلي بريق عينيه استخذلوا فرقا، وسالت وجوههم عرقا، وخمدت أرواحهم فكأنّهم نظروا إلي ملك موتهم .


صفحه : 177

وفتلت الحبل لويته . ويقال ماأغني فلان شيئا بالعين والغين أي لم ينفع في مهمّ، و لم يكف مئونة. وشرّة الشّباب بكسر الشّين وتشديد الرّاء حرصه ونشاطه ، والشرة أيضا مصدر الشر. قوله أوقوة ملك بالتحريك أوبالضمّ والثاني‌ أنسب بكفره . والشّجا ماينشب في الحلق من عظم وغيره والهمّ والحزن . والدّعابة بالضّمّ المزاح ، و في بعض النسخ زعامة، وهي‌ بالفتح السّيادة. والخلد بالخاء المعجمة محرّكة القلب ، و في أكثر النسخ بالجيم ، ولعلّه تصحيف . و في الرواية الأخري فقال عمر فيه دعابة لايدعها حتّي تهتك منزلته ، وتورطه ورطة الهلكة، وتبعده عن الدنيا، فقال له أبوبكر دعني‌ من تمردّك وحديثك هذا،فو اللّه لوهمّ بقتلي‌ وقتلك لقتلنا بشماله دون يمينه ، ثم قال أبوبكر .. إلي قوله و كان قيس سيّاف النبيّ و كان طوله سبعة أشبار في عرض ثلاثة أشبار. قوله لمسألة تسألونها .. أي أحضرتموني‌ لتلتمسوا منيّ‌ ذلك لأفعله طوعا


صفحه : 178

أوتجبروني‌ عليه كرها. قوله ما كان منك .. أي لاتقدر عليه ، أوالمعني لوجبرتني‌ عليه كان من أعوانك و ليس منك . و في الرواية الأخري فقال له عمر اقصد لماأمرت به ياقيس و إلّا أكرهت ، فقال قيس يا ابن صهّاك خذل اللّه من يكرهه شرواك ، إنّ بطنك لكبير، و إنّ كيدك لعظيم ،فلو فعلت أنت ذلك ما كان بعجيب . وشروي الشيّ‌ء مثله . قوله فاستشاط أي احتدم والتهب في غضبه . قوله حميّا علي فعيل أي حاميا للحقّ. والمعرّة الإثم والأذي . قوله لايقعقع بالشنان .. القعقعة حكاية صوت السّلاح، والشّنان بالكسر جمع الشّن، و هوالقربة الخلق . قال الزمخشري‌ والميداني‌ إذاأرادوا حثّ الإبل علي السّير يحرّكون القربة اليابسة لتفزع فتسرع . قال النّابغة


كأنّك من جمال بني‌ أقيس   يقعقع خلف رجليه بشنّ

يضرب للرّجل الشّرس الصّعب ألّذي لايتفزّع لاينزل به من حوادث


صفحه : 179

الدّهر، و لايروعه ما لاحقيقة له . قال الحجّاج علي منبر الكوفة إنيّ‌ و اللّه يا أهل العراق مايقعقع لي بالشّنان، و لايغمز جانبي‌ كتغماز التّين.انتهي . وغمز التين كناية عن سرعة الانقياد، ولين الجانب ،فإنه إذاغمز في ظرف أوغيره انغمز سريعا. والضّخم الغليظ من كلّ شيء، والمراد هنا شدّته في الأمور وفخامته عند الناس . والصّنديد بالكسر السّيد الشّجاع. وسمك البيت سقفه . والمنيف المشرف المرتفع . والباذخ العالي‌. والشّوس بالتحريك النّظر بمؤخّر العين تكبّرا وتغيّظا، و الرّجل أشوس . قوله والديك النافش .. في بعض النسخ بالقاف والشين المعجمة، والنّقش استخراج الشّوك واستقصاؤك الكشف عن الشي‌ّء والجماع ، و في


صفحه : 180

بعض النسخ بالفاء، و قال الفيروزآبادي‌ النّفوش الإقبال علي الشي‌ّء تأكله .. وتنفّش الطّائر نفض ريشه كأنّه يخاف أويرعد، و في بعض النسخ النافر بالفاء والراء المهملة، أوبالقاف والراء. وصميم الشي‌ّء خالصه ،يقال هو في صميم قومه . ويقال مجّ الرّجل الشّراب من فيه إذارمي به . وتنصّل فلان من ذنبه أي تبرّا واعتذر. قوله عليه السلام يا ابن دميمة .. الدميم الحقير، والدمامة الإساءة. قوله عليه السلام فطفقت .. يقال طفق الموضع كفرح لزمه ، و هوهنا كناية عن الموت . و في بعض النسخ فطفئت بالهمزة و هوأيضا كناية عن الموت . ويقال أغنيت عنك مغني فلان .. أي أجزأت عنك مجزأة، ويقال مايغني‌ عنك هذا أي مايجدي‌ عنك و ماينفعك . و في الرواية الأخري فأعزّ نفسك عنّا هباء ودعنا عنك حلماء. ولعلّه من قولهم هبا إذافرّ أومات .


صفحه : 181

قوله عليه السلام بمن أنت أحق .. أي بمن قتلهم من الكفار و أنت أحق بالقتل منهم . قوله عليه السلام لاتجرعت .. أي لم أشرب من الكيزان التي‌ ختمت رءوسها و لم يعلم ما فيها إلّا علقمها .. أي مرها، و كلّ شيءمرّ علقم ، ولعلّه مثل ، والغرض أنيّ‌ لاأبالي‌ بالشدائد والفتن ، و لم يقدّر لي في الدنيا من الأمور إلّا شدائدها. والزّهو التكبّر والفخر. قوله عليه السلام في موضع رفع .. أي من جهة الترفع عليّ، و في الرواية الأخري أراد الوضع منيّ‌ ليسمو بذلك عند أهل الجهل ، وهمّ بي‌ و هوعارف بي‌. و قال الجوهري‌ يقال في فلان هنات أي خصلات شرّ. و قال الجزري‌ قيل واحدها هنة،.. و هوكناية عن كلّ اسم جنس ، و منه حديث سطيح ‌« ثمّ تكون هنات وهنات » أي شدائد وأمور عظام .

وَ فِي الرّوَايَةِ الأُخرَي زِيَادَةٌ، وَ هيِ‌َ هَذِهِفَانصَرَفَتِ الجَمَاعَةُ شَاكِرِينَ لَهُ وَ هُم مُتَعَجّبُونَ مِن ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لَا تَعجَبُوا مِن أَبِي الحَسَنِ، وَ اللّهِ لَقَد كُنتُ بِجَنبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَومَ قَلعِ عَلِيّ بَابَ خَيبَرَ،فَرَأَيتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَد ضَحِكَ حَتّي بَدَت ثَنَايَاهُ، ثُمّ بَكَي حَتّي اخضَلّت لِحيَتُهُ،


صفحه : 182

فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ ضَحِكٌ وَ بُكَاءٌ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ نَعَم، أَمّا ضحَكِيِ‌ فَفَرِحتُ بِقَلعِ عَلِيّ بَابَ خَيبَرَ، وَ أَمّا بكُاَئيِ‌ فلَعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَإِنّهُ مَا قَلَعَهُ إِلّا وَ هُوَ صَائِمٌ مُذ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ عَلَي المَاءِ القَرَاحِ، وَ لَو كَانَ فَاطِراً عَلَي طَعَامٍ لَدَحَا بِهِ مِن وَرَاءِ السّورِ.

ما هَذَا حَدِيثٌ وَجَدتُهُ بِخَطّ بَعضِ المَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللّهُ،ذَكَرَ أَنّهُ وَجَدَهُ فِي كِتَابٍ لأِبَيِ‌ غَانِمٍ الأَعرَجِ وَ كَانَ مَسكَنُهُ بِبَابِ الشّعِيرِ وَجَدَ بِخَطّهِ عَلَي ظَهرِ كِتَابٍ لَهُ حِينَ مَاتَ، وَ هُوَ أَنّ عَائِشَةَ بِنتَ طَلحَةَ دَخَلَت عَلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَرَأَتهَا بَاكِيَةً،فَقَالَت لَهَا بأِبَيِ‌ أَنتِ وَ أمُيّ‌ مَا ألّذِي يُبكِيكِ فَقَالَت لَهَا أَ ساَئلِتَيِ‌ عَن هَنَةٍ حَلّقَ بِهَا الطّائِرُ وَ حفَيِ‌َ بِهَا السّائِرُ، وَ رُفِعَت إِلَي السّمَاءِ أَثَراً وَ رُزِئَت فِي الأَرضِ خَبَراً إِنّ قَحِيفَ تَيمٍ وَ أُحَيوِلَ عدَيِ‌ّ جَارَيَا أَبَا الحَسَنِ فِي السّبَاقِ، حَتّي إِذَا تَفَرّيَا بِالخِنَاقِ أَسَرّا لَهُ الشّنَآنَ، وَ طَوَيَاهُ الإِعلَانَ، فَلَمّا خَبَا نُورُ الدّينِ وَ قُبِضَ النّبِيّ الأَمِينُ نَطَقَا بِفَورِهِمَا، وَ نَفَثَا بِسَورِهِمَا، وَ أَدَلّا بِفَدَكَ،فَيَا لَهَا كَم مِن مِلكٍ مُلِكَ،إِنّهَا عَطِيّةُ الرّبّ الأَعلَي للِنجّيِ‌ّ الأَوفَي، وَ لَقَد نَحَلَنِيهَا لِلصّبيَةِ السّوَاغِبِ مِن نَجلِهِ وَ نسَليِ‌، وَ إِنّهَا لَبِعِلمِ اللّهِ وَ شَهَادَةِ أَمِينِهِ، فَإِنِ انتَزَعَا منِيّ‌ البُلغَةَ وَ منَعَاَنيِ‌ اللّمظَةَ


صفحه : 183

فَأَحتَسِبُهَا يَومَ الحَشرِ زُلفَةً، وَ ليَجِدَنّهَا آكِلُوهَا سَاعِرَةَ حَمِيمٍ فِي لَظَي جَحِيمٍ.

توضيح عن هنة، أي شيءيسير قليل ، أوقصّته منكرة قبيحة.حلّق بهاالطائر .. تحليق الطّائر ارتفاعه في الهواء، أي انتشر خبرها،إذ كان الغالب في تلك الأزمنة إرسال الأخبار مع الطيور. وحفي‌ بهاالسائر .. أي أسرع السائر في إيصال هذاالخبر حتي حفي‌ وسقط خفّه ونعله ، أورقّ رجله أو رجل دابته ،يقال حفي‌ كعلم إذامشي بلا خفّ و لانعل ، أورقّت قدمه أوحافره ، أو هو من الحفاوة وهي‌ المبالغة في السّؤال، و في بعض النسخ وخفي‌ بهاالساتر .. أي لم يبق ساتر لها و لم يقدر الساترون علي إخفائها. ورفعت إلي السماء أثرا ... أي ظهرت آثاره في السماء عاجلا وآجلا من منع الخيرات وتقدير شدايد العقوبات لمن ارتكبها. ورزئت في الأرض خبرا ... يقال رزأه كجعله وعمله أصاب منه شيئا، ورزأه رزءا أومرزأة أصاب منه خيرا، والشيّ‌ء نقصه ، والرّزيئة المصيبة،فيمكن أن يقرأ علي بناء المعلوم .. أي أحدثت من جهة خبرها في الأرض مصائب ، أو


صفحه : 184

المجهول بالإسناد المجازي‌، والأول أنسب معني ، والثاني‌ لفظا، ويمكن أن يكون بتقديم المعجمة علي المهملة،يقال زري‌ عليه زريا عابه وعاتبه فلا يكون مهموزا. و في بعض النسخ ربت بالراء المهملة والباء الموحّدة أي نمت وكثرت . و في بعضها رنّت .. من الرنين ، و في نسخة قديمة ورويت من الرواية. إنّ قحيف تيم .. لعلّها صلوات اللّه عليها أطلقت علي أبي بكر قحيفا،لأنّ أباه أبوقحافة، والقحف بالكسر العظم فوق الدّماغ، والقحف بالفتح قطع القحف أوكسره ، والقاحف المطر يجي‌ء فجأة فيقتحف كلّ شيء.. أي يذهب به ، وسيل قحاف كغراب جزاف . والأحيول تصغير الأحول ، و هو لو لم يكن أحول ظاهرا فكان أحول باطنا لشركه ،بل أعمي ، ويقال أيضا ماأحوله .. أي ماأحيله .جاريا أبا الحسن عليه السلام في السباق .. يقال جاراه أي جري معه . والسّباق المسابقة، أي كانا يريدان أن يسبقاه في المكارم والفضائل في حياة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله .


صفحه : 185

حتي إذاتفريا بالخناق أسرّا له الشنآن .. يقال تفرّي أي انشقّ، والخناق ككتاب الحبل يخنق به ، وكغراب داء يمتنع معه نفوذ النّفس إلي الرّية والقلب . و في بعض النسخ بالحاء المهملة و هوبالكسر جمع الحنق بالتّحريك و هوالغيظ أوشدّته. والشّنان العداوة .. أي لماانشقا بما خنقهما من ظهور مناقبه وفضائله وعجزهما عن أن يدانياه في شيءمنها، أو من شدة غيظه أكمنا له العداوة في قلبهما منتهضين للفرصة، و في بعض النسخ تعريا بالعين والراء المهملتين فلعلّ المعني بقيا مسبوقين في العراء و هوالفضاء والصحراء متلبسين بالخناق والغيظ. و في بعض النسخ ثغرا .. أي توقرا وثقلا. و في بعضها تغرغرا .. من الغرغرة وهي‌ تردّد الرّوح في الحلق ، ويقال يتغرغر صوته في حلقه .. أي


صفحه : 186

يتردّد، و هومناسب للخناق . و في بعضها تقرّرا .. أي ثبتا و لم يمكنهما الحركة، و في بعضها تعزّبا بالمهملة ثم المعجمة أي بعدا و لم يمكنهما الوصول إليه ، و كان يحتمل تقديم المعجمة أيضا، والمعني قريب من الأول . و في بعضها تقربا بالقاف والباء الموحدة ويمكن توجيهه بوجه ، و كان يحتمل النون ، و هوأوجه فالخناق بالخاء المكسورة أي اشتركا فيما يوجب عجزهما كأنهما اقترنا بحبل واحد في عنقهما، و في بعضها تفردا بالفاء والراء المهملة والدال و هوأيضا لايخلو من مناسبة. وطوياه الإعلان .. أي أضمرا أن يعلنا له العداوة عندالفرصة، و في الكلام حذف وإيصال .. أي طويا أو عنه ،يقال طوي الحديث أي كتمه ، ويقال خبت النّار أي سكنت وطفئت .نطقا بفورهما .. أي تكلما فورا، أي بسبب فورانهما، و في بعض النسخ نطفا بالفاء أي صبّا ما في صدورهما فورا، أوبسبب غليان حقدهما وفوران حسدهما، ويحتمل أن تكون الباء زائدة،يقال نطف الماء أي صبّه، وفلانا قذفه بفجور، أولطّخه بعيب . و في الحديث رأيت سقفا تنطف سمنا وعسلا .. أي


صفحه : 187

تقطر، و في قصة المسيح عليه السلام ينطف رأسه ماء، وفار القدر فورا وفورانا غلا وجاش ، وأتوا من فورهم ... أي من وجههم ، أوقبل أن يسكنوا. ونفثا بسورهما .. نفثه كضرب رمي به ، والنفث النّفخ والبزق . وسورة الشي‌ّء حدّته وشدّته، و من السّلطان سطوته وإعتداؤه . وسار الشّراب في رأسه سورا دار وارتفع ، و الرّجل إليك وثب وثار. وأدلّا بفدك .. قال الجوهري‌ الدّلّ الغنج والشّكل،.. وفلان يدّل علي أقرانه في الحرب كالبازي‌ يدلّ علي صيده ، و هويدلّ بفلان أي يثق به ، والحاصل أنهما أخذا فدك بالجرأة من غيرخوف ، و في بعض النسخ وا ذلا بفدك بالذال المعجمة علي الندبة، ولعلّه تصحيف .فيا لها كم من ملك ملك .. من قبيل ياللماء ... للتعجب ، أي ياقوم تعجبوا لفدك . وقولها كم من ملك بيان لوجه التعجب ، و في بعض النسخ فيا لها لمن ملك تيك ... و في بعضها فيا لها لمزة لك تيك . واللّمزة بضم اللام وفتح الميم العيّاب. وتيك اسم إشارة، والظاهر أن الجميع تصحيف . والنجّي‌ّ .. هوالمناجي‌ المخاطب للإنسان أي لمن خصّه اللّه بنجواه


صفحه : 188

وسرّه و كان أوفي الخلق بعهده وأمره . والصبية بالكسر جمع الصبّي‌. والسّغب الجوع . والنجل الولد. والبلغة بالضّم مايتبلّغ به من العيش . واللّماظة بالضّم مايبقي في الفم من الطّعام. و قال الشّاعر في وصف الدّنيا


لماظة أيّام كأحلام نائم   .......... .........

ويقال ماذقت لماظا بالفتح أي شيئا،.. واللّمظة بالضم كالنّكتة من البياض ، واللماظة هنا أنسب . والزّلفة بالضم كالزّلفي القرب والمنزلة .. أي اعلم أنها سبب لقربي‌ يوم الحشر، أواصبر عليها ليكون سببا لقربي‌. قال في النهاية و فيه من صام إيمانا واحتسابا .. أي طلبا لوجه اللّه وثوابه ، والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدّ، وإنّما قيل لمن ينوي‌ بعمله وجه اللّه احتسبه ،لأنّ له حينئذ أن يعتدّ عمله ،فجعل في حال مباشرة الفعل كأنّه معتدّ به .. والاحتساب في الأعمال الصّالحات و عندالمكروهات هوالبدار إلي


صفحه : 189

طلب الأجر وتحصيله بالتّسليم والصّبر، أوباستعمال أنواع البرّ والقيام بها علي الوجه المرسوم فيهاطلبا للثواب المرجوّ منها ..، و منه الحديث من مات له ولد فاحتسبه .. أي احتسب الأجر بصبره علي مصيبته . وسعر النّار .. كمنع أوقدها. والحميم الماء الحارّ. واللّظي كفتي النّار أولهبها، ولظي معرفة جهنّم، أوطبقة منها،أعاذنا اللّه تعالي منها و من طبقاتها ودركاتها.

ختص عَن عَبدِ اللّهِ بنِ سِنَانٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ جَلَسَ أَبُو بَكرٍ مَجلِسَهُ،بَعَثَ إِلَي وَكِيلِ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا فَأَخرَجَهُ مِن فَدَكَ.فَأَتَتهُ فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ فَقَالَت يَا أَبَا بَكرٍ ادّعَيتَ أَنّكَ خَلِيفَةُ أَبِي وَ جَلَستَ مَجلِسَهُ، وَ أَنتَ بَعَثتَ إِلَي وكَيِليِ‌ فَأَخرَجتَهُ مِن فَدَكَ، وَ قَد تَعلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ صَدّقَ بِهَا عَلَيّ، وَ أَنّ لِي بِذَلِكَ شُهُوداً. فَقَالَ إِنّ النّبِيّ(ص ) لَا يُوَرّثُ.فَرَجَعَت إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَأَخبَرَتهُ، فَقَالَ ارجعِيِ‌ إِلَيهِ وَ قوُليِ‌ لَهُ زَعَمتَ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا يُوَرّثُوَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ، وَ وَرِثَ يَحيَي زَكَرِيّا، وَ كَيفَ لَا أَرِثُ أَنَا أَبِي فَقَالَ عُمَرُ أَنتَ مُعَلّمَةٌ،قَالَت وَ إِن كُنتُ مُعَلّمَةً فَإِنّمَا علَمّنَيِ‌ ابنُ عمَيّ‌ وَ بعَليِ‌.


صفحه : 190

فَقَالَ أَبُو بَكرٍ فَإِنّ عَائِشَةَ تَشهَدُ وَ عُمَرَ أَنّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ يَقُولُ النّبِيّ لَا يُوَرّثُ.فَقَالَت هَذَا أَوّلُ شَهَادَةِ زُورٍ شَهِدَا بِهَا، وَ إِنّ لِي بِذَلِكَ شُهُوداً بِهَا فِي الإِسلَامِ، ثُمّ قَالَت فَإِنّ فَدَكَ إِنّمَا هيِ‌َ صَدّقَ بِهَا عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لِي بِذَلِكَ بَيّنَةٌ. فَقَالَ لَهَا هلَمُيّ‌ بِبَيّنَتِكِ. قَالَ فَجَاءَت بِأُمّ أَيمَنَ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ يَا أُمّ أَيمَنَ إِنّكِ سَمِعتِ مِن رَسُولِ اللّهِ(ص ) يَقُولُ فِي فَاطِمَةَ فَقَالَت سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ إِنّ فَاطِمَةَ سَيّدَةُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ، ثُمّ قَالَت أُمّ أَيمَنَ فَمَن كَانَت سَيّدَةَ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ تدَعّيِ‌ مَا لَيسَ لَهَا وَ أَنَا امرَأَةٌ مِن أَهلِ الجَنّةِ مَا كُنتُ لِأَشهَدَ بِمَا لَم أَكُن سَمِعتُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ عُمَرُ دَعِينَا يَا أُمّ أَيمَنَ مِن هَذِهِ القِصَصِ،بأِيَ‌ّ شَيءٍ تَشهَدِينَ.فَقَالَت كُنتُ جَالِسَةً فِي بَيتِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ وَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَالِسٌ حَتّي نَزَلَ عَلَيهِ جَبرَئِيلُ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ قُم فَإِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أمَرَنَيِ‌ أَن أَخُطّ لَكَ فَدَكاً بجِنَاَحيِ‌،فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَعَ جَبرَئِيلَ


صفحه : 191

عَلَيهِ السّلَامُ،فَمَا لَبِثَ أَن رَجَعَ،فَقَالَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ يَا أَبَتِ أَينَ ذَهَبتَ فَقَالَ خَطّ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ لِي فَدَكاً بِجَنَاحِهِ وَ حَدّ لِي حُدُودَهَا،فَقَالَت يَا أَبَتِ إنِيّ‌ أَخَافُ العَيلَةَ وَ الحَاجَةَ مِن بَعدِكَ،فَصَدّق بِهَا عَلَيّ، فَقَالَ هيِ‌َ صَدَقَةٌ عَلَيكِ،فَقَبَضتِهَا،قَالَت نَعَم، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا أُمّ أَيمَنَ اشهدَيِ‌، وَ يَا عَلِيّ اشهَد. فَقَالَ عُمَرُ أَنتِ امرَأَةٌ وَ لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ امرَأَةٍ وَحدَهَا، وَ أَمّا عَلِيّ فَيَجُرّ إِلَي نَفسِهِ. قَالَ فَقَامَت مُغضَبَةً وَ قَالَت أللّهُمّ إِنّهُمَا ظَلَمَا ابنَةَ نَبِيّكَ حَقّهَا،فَاشدُد وَطأَتَكَ عَلَيهِمَا، ثُمّ خَرَجَت وَ حَمَلَهَا عَلِيّ عَلَي أَتَانٍ عَلَيهِ كِسَاءٌ لَهُ خَمَلٌ،فَدَارَ بِهَا أَربَعِينَ صَبَاحاً فِي بُيُوتِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ عَلَيهِمَا السّلَامُ مَعَهَا، وَ هيِ‌َ تَقُولُ يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ انصُرُوا اللّهَ وَ ابنَةَ نَبِيّكُم، وَ قَد بَايَعتُم رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَومَ بَايَعتُمُوهُ أَن تَمنَعُوهُ وَ ذُرّيّتَهُ مِمّا تَمنَعُونَ مِنهُ أَنفُسَكُم وَ ذَرَارِيّكُم،فَفُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِبَيعَتِكُم، قَالَ فَمَا أَعَانَهَا أَحَدٌ وَ لَا أَجَابَهَا وَ لَا نَصَرَهَا. قَالَ فَانتَهَت إِلَي مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ فَقَالَت يَا مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ إنِيّ‌ قَد جِئتُكَ مُستَنصِرَةً، وَ قَد بَايَعتَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي أَن تَنصُرَهُ وَ ذُرّيّتَهُ وَ تَمنَعَ مِمّا تَمنَعُ مِنهُ نَفسَكَ وَ ذُرّيّتَكَ، وَ إِنّ أَبَا بَكرٍ قَد غصَبَنَيِ‌ عَلَي فَدَكَ وَ أَخرَجَ وكَيِليِ‌ مِنهَا، قَالَ فمَعَيِ‌ غيَريِ‌ قَالَت لَا، مَا أجَاَبنَيِ‌ أَحَدٌ، قَالَ فَأَينَ أَبلُغُ أَنَا مِن نَصرِكِ قَالَ فَخَرَجَت مِن عِندِهِ. وَ دَخَلَ ابنُهُ، فَقَالَ مَا جَاءَ بِابنَةِ مُحَمّدٍ إِلَيكَ قَالَ جَاءَت تَطلُبُ نصُرتَيِ‌ عَلَي أَبِي بَكرٍ فَإِنّهُ أَخَذَ مِنهَا فَدَكاً، قَالَ فَمَا أَجَبتَهَا بِهِ قَالَ قُلتُ وَ مَا يَبلُغُ مِن نصُرتَيِ‌ أَنَا وحَديِ‌، قَالَ فَأَبَيتَ أَن تَنصُرَهَا


صفحه : 192

قَالَ نَعَم، قَالَ فأَيَ‌ّ شَيءٍ قَالَت لَكَ قَالَ قَالَت لِي وَ اللّهِ لَا نَازَعتُكَ الفَصِيحَ مِن رأَسيِ‌ حَتّي أَرِدَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، قَالَ فَقَالَ أَنَا وَ اللّهِ لَا نَازَعتُكَ الفَصِيحَ مِن رأَسيِ‌ حَتّي أَرِدَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،إِذ لَم تُجِب ابنَةَ مُحَمّدٍ. قَالَ وَ خَرَجَت فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا مِن عِندِهِ وَ هيِ‌َ تَقُولُ وَ اللّهِ لَا أُكَلّمُكَ كَلِمَةً حَتّي أَجتَمِعَ أَنَا وَ أَنتَ عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ انصَرَفَت. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَهَا ائتيِ‌ أَبَا بَكرٍ وَحدَهُ فَإِنّهُ أَرَقّ مِنَ الآخَرِ، وَ قوُليِ‌ لَهُ ادّعَيتَ مَجلِسَ أَبِي وَ أَنّكَ خَلِيفَتُهُ وَ جَلَستَ مَجلِسَهُ، وَ لَو كَانَت فَدَكُ لَكَ ثُمّ استَوهَبتُهَا مِنكَ لَوَجَبَ رَدّهَا عَلَيّ، فَلَمّا أَتَتهُ وَ قَالَت لَهُ ذَلِكَ، قَالَ صَدَقتِ، قَالَ فَدَعَا بِكِتَابٍ فَكَتَبَهُ لَهَا بِرَدّ فَدَكَ.فَخَرَجَت وَ الكِتَابُ مَعَهَا،فَلَقِيَهَا عُمَرُ فَقَالَ يَا بِنتَ مُحَمّدٍ مَا هَذَا الكِتَابُ ألّذِي مَعَكِ فَقَالَت كِتَابٌ كَتَبَ لِي أَبُو بَكرٍ بِرَدّ فَدَكَ، فَقَالَ هَلُمّيهِ إلِيَ‌ّ،فَأَبَت أَن تَدفَعَهُ إِلَيهِ،فَرَفَسَهَا بِرِجلِهِ وَ كَانَت عَلَيهَا السّلَامُ حَامِلَةً بِابنٍ اسمُهُ المُحَسّنُ فَأَسقَطَتِ المُحَسّنَ مِن بَطنِهَا، ثُمّ لَطَمَهَا،فكَأَنَيّ‌ أَنظُرُ إِلَي قُرطٍ فِي أُذُنِهَا حِينَ نَقَفَ، ثُمّ أَخَذَ الكِتَابَ فَخَرَقَهُ.فَمَضَت وَ مَكَثَت خَمسَةً وَ سَبعِينَ يَوماً مَرِيضَةً مِمّا ضَرَبَهَا عُمَرُ، ثُمّ قُبِضَت. فَلَمّا حَضَرَتهَا الوَفَاةُ دَعَت عَلِيّاً صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ فَقَالَت إِمّا تَضمَنُ وَ إِلّا


صفحه : 193

أَوصَيتُ إِلَي ابنِ الزّبَيرِ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَنَا أَضمَنُ وَصِيّتَكِ يَا بِنتَ مُحَمّدٍ،قَالَت سَأَلتُكَ بِحَقّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِذَا أَنَا مِتّ أَن لَا يشَهدَاَنيِ‌ وَ لَا يُصَلّيَا عَلَيّ، قَالَ فَلَكِ ذَلِكِ. فَلَمّا قُبِضَت صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا،دَفَنَهَا لَيلًا فِي بَيتِهَا، وَ أَصبَحَ أَهلُ المَدِينَةِ يُرِيدُونَ حُضُورَ جَنَازَتِهَا، وَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ كَذَلِكَ،فَخَرَجَ إِلَيهِمَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَقَالَا لَهُ مَا فَعَلتَ بِابنَةِ مُحَمّدٍ أَخَذتَ فِي جَهَازِهَا يَا أَبَا الحَسَنِ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَد وَ اللّهِ دَفَنتُهَا،قَالَا فَمَا حَمَلَكَ عَلَي أَن دَفَنتَهَا وَ لَم تُعلِمنَا بِمَوتِهَا قَالَ هيِ‌َ أمَرَتَنيِ‌. فَقَالَ عُمَرُ وَ اللّهِ لَقَد هَمَمتُ بِنَبشِهَا وَ الصّلَاةِ عَلَيهَا، فَقَالَ عَلِيّ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ أَمَا وَ اللّهِ مَا دَامَ قلَبيِ‌ بَينَ جوَاَنحِيِ‌ وَ ذُو الفَقَارِ فِي يدَيِ‌ فَإِنّكَ لَا تَصِلُ إِلَي نَبشِهَا،فَأَنتَ أَعلَمُ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ اذهَب،فَإِنّهُ أَحَقّ بِهَا مِنّا، وَ انصَرَفَ النّاسُ.

بيان قال في النهاية الوطء في الأصل الدّوس بالقدم ،فسميّ‌ به الغزو والقتل ،لأنّ من يطأ علي الشي‌ّء برجله فقد استقصي في إهلاكه وإهانته ، و منه الحديث أللّهمّ اشدد وطأتك علي مضر، أي خذهم أخذا شديدا،انتهي . والخمل بالتحريك هدب القطيفة ونحوها.


صفحه : 194

قولها عليها السلام لانازعتك الفصيح .. أي لاأنازعك بما يفصح عن المراد، أي بكلمة من رأسه ، فإنّ محلّ الكلام في الرأس ، أوالمراد بالفصيح اللسان . قوله حين نقف علي بناء المجهول أي .. كسر من لطم اللعين . والجوانح الضّلوع تحت التّرائب ممّا يلي‌ الصّدر،واحدتها جانحة.

وَ رَوَي العَلّامَةُ فِي كَشكُولِهِ المَنسُوبِ إِلَيهِ عَنِ المُفَضّلِ بنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ موَلاَي‌َ جَعفَرٌ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا ولُيّ‌َ أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي قُحَافَةَ قَالَ لَهُ عُمَرُ إِنّ النّاسَ عَبِيدُ هَذِهِ الدّنيَا لَا يُرِيدُونَ غَيرَهَا،فَامنَع عَن عَلِيّ وَ أَهلِ بَيتِهِ الخُمُسَ، وَ الفيَ‌ءَ، وَ فَدَكاً، فَإِنّ شِيعَتَهُ إِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ تَرَكُوا عَلِيّاً وَ أَقبَلُوا إِلَيكَ رَغبَةً فِي الدّنيَا وَ إِيثَاراً وَ مُحَابَاةً عَلَيهَا،فَفَعَلَ أَبُو بَكرٍ ذَلِكَ وَ صَرَفَ عَنهُم جَمِيعَ ذَلِكَ. فَلَمّا قَامَ أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي قُحَافَةَ[أَمَرَ]مُنَادِيَهُ مَن كَانَ لَهُ عِندَ رَسُولِ اللّهِ(ص )دَينٌ أَو عِدَةٌ فلَيأَتنِيِ‌ حَتّي أَقضِيَهُ، وَ أَنجَزَ لِجَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ وَ لِجَرِيرِ بنِ عَبدِ اللّهِ البجَلَيِ‌ّ.


صفحه : 195

قَالَ[ قَالَ] عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ صيِريِ‌ إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ ذَكّرِيهِ فَدَكاً،فَصَارَت فَاطِمَةُ إِلَيهِ وَ ذَكَرَت لَهُ فَدَكاً مَعَ الخُمُسِ وَ الفيَ‌ءِ، فَقَالَ هاَتيِ‌ بَيّنَةً يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ.فَقَالَت أَمّا فَدَكُ، فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ أَنزَلَ عَلَي نَبِيّهِ قُرآناً يَأمُرُ فِيهِ بِأَن يؤُتيِنَيِ‌ وَ ولُديِ‌ حقَيّ‌، قَالَ اللّهُ تَعَالَيفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُفَكُنتُ أَنَا وَ ولُديِ‌ أَقرَبَ الخَلَائِقِ إِلَي رَسُولِ اللّهِ(ص )فنَحَلَنَيِ‌ وَ ولُديِ‌ فَدَكاً، فَلَمّا تَلَا عَلَيهِ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُوَ المِسكِينَ وَ ابنَ السّبِيلِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا حَقّ المِسكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ فَأَنزَلَ اللّهُ تَعَالَيوَ اعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ‌ القُربي وَ اليَتامي وَ المَساكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ،فَقَسَمَ الخُمُسَ عَلَي خَمسَةِ أَقسَامٍ، فَقَالَما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِن أَهلِ القُري فَلِلّهِ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ‌ القُربي وَ اليَتامي وَ المَساكِينِ وَ ابنِ السّبِيلِ كيَ‌ لا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأَغنِياءِفَمَا لِلّهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ، وَ مَا لِرَسُولِ اللّهِ فَهُوَ لذِيِ‌ القُربَي، وَ نَحنُ ذُو القُربَي. قَالَ اللّهُ تَعَالَي


صفحه : 196

قُل لا أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلّا المَوَدّةَ فِي القُربي.فَنَظَرَ أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي قُحَافَةَ إِلَي عُمَرَ بنِ الخَطّابِ وَ قَالَ مَا تَقُولُ فَقَالَ عُمَرُ وَ مَنِ اليَتَامَي وَ المَسَاكِينُ وَ أَبنَاءُ السّبِيلِ فَقَالَت فَاطِمَةُ( ع )اليَتَامَي الّذِينَ يَأتَمّونَ بِاللّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ بذِيِ‌ القُربَي، وَ المَسَاكِينُ الّذِينَ أَسكَنُوا مَعَهُم فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ، وَ ابنُ السّبِيلِ ألّذِي يَسلُكُ مَسلَكَهُم. قَالَ عُمَرُ فَإِذًا الخُمُسُ وَ الفيَ‌ءُ كُلّهُ لَكُم وَ لِمَوَالِيكُم وَ أَشيَاعِكُم فَقَالَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ أَمّا فَدَكُ فَأَوجَبَهَا اللّهُ لِي وَ لوِلُديِ‌ دُونَ مَوَالِينَا وَ شِيعَتِنَا، وَ أَمّا الخُمُسُ فَقَسَمَهُ اللّهُ لَنَا وَ لِمَوَالِينَا وَ أَشيَاعِنَا كَمَا يُقرَأُ فِي كِتَابِ اللّهِ. قَالَ عُمَرُ فَمَا لِسَائِرِ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ وَ التّابِعِينَ بِإِحسَانٍ قَالَت فَاطِمَةُ إِن كَانُوا مَوَالِيَنَا وَ مِن أَشيَاعِنَا فَلَهُمُ الصّدَقَاتُ التّيِ‌ قَسَمَهَا اللّهُ وَ أَوجَبَهَا فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّإِنّمَا الصّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَ المَساكِينِ وَ العامِلِينَ عَلَيها وَ المُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُم وَ فِي الرّقابِ.. إِلَي آخِرِ القِصّةِ، قَالَ عُمَرُ فَدَكُ لَكِ خَاصّةً وَ الفيَ‌ءُ لَكُم وَ لِأَولِيَائِكُم مَا أَحسَبُ أَصحَابَ مُحَمّدٍ يَرضَونَ بِهَذَا قَالَت فَاطِمَةُ فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ رضَيِ‌َ بِذَلِكِ، وَ رَسُولُهُ رضَيِ‌َ بِهِ، وَ قَسَمَ عَلَي المُوَالَاةِ وَ المُتَابَعَةِ لَا عَلَي المُعَادَاةِ وَ المُخَالَفَةِ، وَ مَن عَادَانَا فَقَد عَادَي اللّهَ، وَ مَن خَالَفَنَا فَقَد خَالَفَ اللّهَ، وَ مَن


صفحه : 197

خَالَفَ اللّهَ فَقَدِ استَوجَبَ مِنَ اللّهِ العَذَابَ الأَلِيمَ وَ العِقَابَ الشّدِيدَ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ. فَقَالَ عُمَرُ هاَتيِ‌ بَيّنَةً يَا بِنتَ مُحَمّدٍ عَلَي مَا تَدّعِينَ فَقَالَت فَاطِمَةُ( ع ) قَد صَدّقتُم جَابِرَ بنَ عَبدِ اللّهِ وَ جَرِيرَ بنَ عَبدِ اللّهِ وَ لَم تَسأَلُوهُمَا البَيّنَةَ وَ بيَنّتَيِ‌ فِي كِتَابِ اللّهِ، فَقَالَ عُمَرُ إِنّ جَابِراً وَ جَرِيراً ذَكَرَا أَمراً هَيّناً، وَ أَنتَ تَدّعِينَ أَمراً عَظِيماً يَقَعُ بِهِ الرّدّةُ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ.فَقَالَت عَلَيهَا السّلَامُ إِنّ المُهَاجِرِينَ بِرَسُولِ اللّهِ وَ أَهلِ بَيتِ رَسُولِ اللّهِ هَاجَرُوا إِلَي دِينِهِ، وَ الأَنصَارُ بِالإِيمَانِ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ بذِيِ‌ القُربَي أَحسَنُوا، فَلَا هِجرَةَ إِلّا إِلَينَا، وَ لَا نُصرَةَ إِلّا لَنَا، وَ لَا اتّبَاعَ بِإِحسَانٍ إِلّا بِنَا، وَ مَنِ ارتَدّ عَنّا فَإِلَي الجَاهِلِيّةِ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ دَعِينَا مِن أَبَاطِيلِكِ، وَ أَحضِرِينَا مَن يَشهَدُ لَكِ بِمَا تَقُولِينَ.فَبَعَثَت إِلَي عَلِيّ وَ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ وَ أُمّ أَيمَنَ وَ أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ وَ كَانَت تَحتَ أَبِي بَكرِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ فَأَقبَلُوا إِلَي أَبِي بَكرٍ وَ شَهِدُوا لَهَا بِجَمِيعِ مَا قَالَت وَ ادّعَتهُ. فَقَالَ أَمّا عَلِيّ فَزَوجُهَا، وَ أَمّا الحَسَنُ وَ الحُسَينُ ابنَاهَا، وَ أَمّا أُمّ أَيمَنَ فَمَولَاتُهَا، وَ أَمّا أَسمَاءُ بِنتُ عُمَيسٍ فَقَد كَانَت تَحتَ جَعفَرِ ابنِ أَبِي طَالِبٍ فهَيِ‌َ تَشهَدُ لبِنَيِ‌ هَاشِمٍ، وَ قَد كَانَت تَخدُمُ فَاطِمَةَ، وَ كُلّ هَؤُلَاءِ يَجُرّونَ إِلَي أَنفُسِهِم. فَقَالَ عَلِيّ( ع ) أَمّا فَاطِمَةُ فَبَضعَةٌ مِن رَسُولِ اللّهِ(ص )، وَ مَن آذَاهَا فَقَد آذَي رَسُولَ اللّهِ(ص )، وَ مَن كَذّبَهَا فَقَد كَذّبَ رَسُولَ اللّهِ، وَ أَمّا الحَسَنُ


صفحه : 198

وَ الحُسَينُ فَابنَا رَسُولِ اللّهِ(ص ) وَ سَيّدَا شَبَابِ أَهلِ الجَنّةِ، مَن كَذّبَهُمَا فَقَد كَذّبَ رَسُولَ اللّهِ(ص )إِذ كَانَ أَهلُ الجَنّةِ صَادِقِينَ، وَ أَمّا أَنَا فَقَد قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنتَ منِيّ‌ وَ أَنَا مِنكَ، وَ أَنتَ أخَيِ‌ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ، وَ الرّادّ عَلَيكَ هُوَ الرّادّ عَلَيّ، وَ مَن أَطَاعَكَ فَقَد أطَاَعنَيِ‌، وَ مَن عَصَاكَ فَقَد عصَاَنيِ‌، وَ أَمّا أُمّ أَيمَنَ فَقَد شَهِدَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِالجَنّةِ، وَ دَعَا لِأَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ وَ ذُرّيّتِهَا. قَالَ عُمَرُ أَنتُم كَمَا وَصَفتُم أَنفُسَكُم، وَ لَكِن شَهَادَةُ الجَارّ إِلَي نَفسِهِ لَا تُقبَلُ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِذَا كُنّا كَمَا نَحنُ كَمَا تَعرِفُونَ وَ لَا


صفحه : 199

تُنكِرُونَ، وَ شَهَادَتُنَا لِأَنفُسِنَا لَا تُقبَلُ، وَ شَهَادَةُ رَسُولِ اللّهِ لَا تُقبَلُ،فَإِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيهِ راجِعُونَ، إِذَا ادّعَينَا لِأَنفُسِنَا تَسأَلُنَا البَيّنَةَ فَمَا مِن مُعِينٍ يُعِينُ، وَ قَد وَثَبتُم عَلَي سُلطَانِ اللّهِ وَ سُلطَانِ رَسُولِهِ،فَأَخرَجتُمُوهُ مِن بَيتِهِ إِلَي بَيتِ غَيرِهِ مِن غَيرِ بَيّنَةٍ وَ لَا حُجّةٍوَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. ثُمّ قَالَ لِفَاطِمَةَ انصرَفِيِ‌حَتّي يَحكُمَ اللّهُ بَينَنا وَ هُوَ خَيرُ الحاكِمِينَ. قَالَ المُفَضّلُ قَالَ موَلاَي‌َ جَعفَرٌ عَلَيهِ السّلَامُ كُلّ ظُلَامَةٍ حَدَثَت فِي الإِسلَامِ أَو تَحدُثُ، وَ كُلّ دَمٍ مَسفُوكٍ حَرَامٍ، وَ مُنكَرٍ مَشهُورٍ، وَ أَمرٍ غَيرِ مَحمُودٍ،فَوِزرُهُ فِي أَعنَاقِهِمَا وَ أَعنَاقِ مَن شَايَعَهُمَا أَو تَابَعَهُمَا وَ رضَيِ‌َ بِوِلَايَتِهِمَا إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.

بيان يظهر من هذاالخبر أنّ لذي‌ القربي حقّين حقّا مختصّا وحقّا مشتركا، وأشار سبحانه مع الآية الأولي إليهما جميعا، فلمّا سألوا عن حقّ المسكين و ابن السبيل أنزل آية الخمس لبيان أنّ اشتراكهما إنّما هو في الخمس لا في سائر الفي‌ء، فلاينافي‌ اختصاص فدك بهم عليهم السلام ، و أمّا تفسيرها عليها السلام اليتامي بالذين يأتمون ،فلعل المعني أنّ المراد بهم يتامي الشيعة لامطلق الأيتام ، فلا يكون الغرض بيان أنّ اليتيم مشتق من الائتمام ،لاختلاف بناء الكلمتين ، مع أنّه يحتمل أن يكون مبنيّا علي الاشتقاق الكبير، ويحتمل أن يكون تأويلا لبطن الآية بأنّ المراد باليتيم من انقطع عن والديه الروحانيين أي النبيّ والإمام عليهما


صفحه : 200

السلام من الشيعة موافقا للأخبار الكثيرة الواردة في ذلك ، و أمّا مافسّرت به المسكين فلاينافي‌ البناء،لأنّ المسكين والمسكن والسكني متساوقة في الاشتقاق ، و هو علي وزن مفعيل ،يقال تمسكن كمايقال تمدرع وتمندل . و ابن السبيل أظهر،فإنّه فسّرته بسبيل الحقّ والصراط المستقيم ، ثم إنّه يدلّ ظاهرا علي عدم اختصاص الخمس ببني‌ هاشم كما هومذهب أكثر العامّة فيمكن أن يكون هذا علي سبيل التنزّل، أو يكون المراد أنّه غيرشامل لجميع بني‌ هاشم بل مختص بمن كان منهم تابعا للحق .

قب فِي كِتَابِ أَخبَارِ الخُلَفَاءِ أَنّ هَارُونَ الرّشِيدَ كَانَ يَقُولُ لِمُوسَي بنِ جَعفَرٍ خُذ فَدَكاً حَتّي أَرُدّهَا إِلَيكَ،فَيَأبَي حَتّي أَلَحّ عَلَيهِ، فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَا آخُذُهَا إِلّا بِحُدُودِهَا، قَالَ وَ مَا حُدُودُهَا قَالَ إِن حَدَدتُهَا لَم تَرُدّهَا. قَالَ بِحَقّ جَدّكَ إِلّا فَعَلتُ. قَالَ أَمّا الحَدّ الأَوّلُ فَعَدَنُ،فَتَغَيّرَ وَجهُ الرّشِيدِ وَ قَالَ إِيهاً. قَالَ وَ الحَدّ الثاّنيِ‌ سَمَرقَندُ،فَأَربَدَ وَجهُهُ. قَالَ وَ الحَدّ الثّالِثُ إِفرِيقِيَةُ،فَاسوَدّ وَجهُهُ وَ قَالَ هنيه [هِيهِ]. قَالَ وَ الرّابِعُ سَيفُ البَحرِ مَا يلَيِ‌


صفحه : 201

الخَزَرَ وَ إِرمِينِيَةَ. قَالَ الرّشِيدُ فَلَم يَبقَ لَنَا شَيءٌ،فَتَحُولَ إِلَي مجَلسِيِ‌. قَالَ مُوسَي قَد أَعلَمتُكَ أنَنّيِ‌ إِن حَدَدتُهَا لَم تَرُدّهَا،فَعِندَ ذَلِكَ عَزَمَ عَلَي قَتلِهِ. وَ فِي رِوَايَةِ ابنِ أَسبَاطٍ أَنّهُ قَالَ أَمّا الحَدّ الأَوّلُ فَعَرِيشُ مِصرَ، وَ الثاّنيِ‌ دُومَةُ الجَندَلِ، وَ الثّالِثُ أُحُدٌ، وَ الرّابِعُ سَيفُ البَحرِ، فَقَالَ هَذَا كُلّهُ هَذِهِ الدّنيَا. فَقَالَ( ع ) هَذَا كَانَ فِي أيَديِ‌ اليَهُودِ بَعدَ مَوتِ أَبِي هَالَةَ فَأَفَاءَهُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ بِلَا خَيلٍ وَ لَا رِكَابٍ،فَأَمَرَهُ اللّهُ أَن يَدفَعَهُ إِلَي فَاطِمَةَ( ع ).بَيَانٌ هَذَانِ التّحدِيدَانِ خِلَافُ المَشهُورِ بَينَ اللّغَوِيّينَ، قَالَ الفيِروُزآباَديِ‌ّ فَدَكُ مُحَرّكَةً مَوضِعٌ بِخَيبَرَ. وَ قَالَ فِي مِصبَاحِ اللّغَةِ بَلدَةٌ بَينَهَا وَ بَينَ مَدِينَةِ النّبِيّ(ص )يَومَانِ وَ بَينَهُمَا وَ بَينَ خَيبَرَ دُونَ مَرحَلَةٍ، وَ هيِ‌َ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَي رَسُولِهِ وَ تَنَازَعَهَا عَلِيّ وَ العَبّاسُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ عَلِيّ( ع )جَعَلَهَا النّبِيّ(ص )لِفَاطِمَةَ وَ وُلدِهَا، وَ أَنكَرَهُ العَبّاسُ فَسَلّمَهَا عُمَرُ لَهُمَا.انتَهَي. وَ لَعَلّ مُرَادَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ تِلكَ كُلّهَا فِي حُكمِ فَدَكَ، وَ كَأَنّ الدّعوَي عَلَي جَمِيعِهَا، وَ إِنّمَا ذَكَرُوا فَدَكَ عَلَي المِثَالِ أَو تَغلِيباً.42-كشف رَوَي الحمُيَديِ‌ّ فِي الجَمعِ بَينَ الصّحِيحَينِ،السّادِسُ عَن عُمَرَ عَن أَبِي بَكرٍ المُسنَدُ مِنهُ فَقَط، وَ هُوَ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ لِمُسلِمٍ مِن


صفحه : 202

رِوَايَةِ جُوَيرِيَةَ بنِ أَسمَاءَ عَن مَالِكٍ وَ عَن عَائِشَةَ بِطُولِهِ أَنّ فَاطِمَةَ( ع )سَأَلَت أَبَا بَكرٍ أَن يَقسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي أَنّ فَاطِمَةَ( ع ) وَ العَبّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكرٍ .. يَلتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ وَ هُمَا حِينَئِذٍ يَطلُبَانِ أَرضَهُ مِن فَدَكَ وَ سَهمَهُ مِن خَيبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إنِيّ‌ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَالَ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ،إِنّمَا يَأكُلُ آلُ مُحَمّدٍ مِن هَذَا المَالِ، وَ إنِيّ‌ وَ اللّهِ لَا أَدَعُ أَمراً رَأَيتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]يَصنَعُهُ فِيهِ إِلّا صَنَعتُهُ.زَادَ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بنِ كَيسَانَ إنِيّ‌ أَخشَي إِن تَرَكتُ شَيئاً مِن أَمرِهِ أَن أَزِيغَ، قَالَ فَأَمّا صَدَقَتُهُ بِالمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَي عَلِيّ وَ العَبّاسِ فَغَلَبَهُ عَلَيهَا عَلِيّ، وَ أَمّا خَيبَرُ وَ فَدَكُ فَأَمسَكَهُمَا عُمَرُ، وَ قَالَ هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَت لِحُقُوقِهِ التّيِ‌ تَعَرّوهُ وَ نَوَائِبِهِ وَ أَمَرَهُمَا إِلَي مَن ولَيِ‌َ الأَمرَ، قَالَ فَهُمَا عَلَي ذَلِكَ اليَومَ. قَالَ غَيرُ صَالِحٍ فِي رِوَايَتِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكرٍ فَهَجَرَتهُ فَاطِمَةُ فَلَم تُكَلّمهُ فِي ذَلِكَ حَتّي مَاتَت،فَدَفَنَهَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَيلًا وَ لَم يُؤذِن بِهَا أَبَا بَكرٍ، قَالَ وَ كَانَ لعِلَيِ‌ّ وَجهٌ مِنَ النّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمّا تُوُفّيَت فَاطِمَةُ انصَرَفَت وُجُوهُ النّاسِ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ مَكَثَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]سِتّةَ أَشهُرٍ ثُمّ تُوُفّيَت، فَقَالَ رَجُلٌ للِزهّريِ‌ّ فَلَم يُبَايِعهُ عَلِيّ سِتّةَ أَشهُرٍ قَالَ لَا وَ اللّهِ، وَ لَا أَحَدٌ مِن بنَيِ‌ هَاشِمٍ حَتّي بَايَعَهُ عَلِيّ.


صفحه : 203

فِي حَدِيثِ عُروَةَ فَلَمّا رَأَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ انصِرَافَ وُجُوهِ النّاسِ عَنهُ ضَرَعَ إِلَي مُصَالَحَةِ أَبِي بَكرٍ،فَأَرسَلَ إِلَي أَبِي بَكرٍ ائتِينَا وَ لَا تَأتِنَا مَعَكَ بِأَحَدٍ، وَ كَرِهَ أَن يَأتِيَهُ عُمَرُ لِمَا عَلِمَ مِن شِدّةِ عُمَرَ. فَقَالَ عُمَرُ لَا تَأتِهِم وَحدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ وَ اللّهِ لَآتِيَنّهُم وحَديِ‌، مَا عَسَي أَن يَصنَعُوا بيِ‌.فَانطَلَقَ أَبُو بَكرٍ فَدَخَلَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد جَمَعَ بنَيِ‌ هَاشِمٍ عِندَهُ،فَقَامَ عَلِيّ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهلُهُ، ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،فَلَم يَمنَعنَا أَن نُبَايِعَكَ يَا أَبَا بَكرٍ إِنكَارٌ لِفَضِيلَتِكَ وَ لَا نَفَاسَةٌ عَلَيكَ بِخَيرٍ سَاقَهُ اللّهُ إِلَيكَ، وَ لَكِنّا كُنّا نَرَي أَنّ لَنَا فِي هَذَا الأَمرِ حَقّاً،فَاستَبدَدتُم عَلَينَا .. ثُمّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُم مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ حَقّهُم .. فَلَم يَزَل عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَذكُرُ حَتّي بَكَي أَبُو بَكرٍ وَ صَمَتَ عَلِيّ، وَ تَشَهّدَ أَبُو بَكرٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهلُهُ، ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،فَوَ اللّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَحَبّ إلِيَ‌ّ أَن أَصِلَ مِن قرَاَبتَيِ‌، وَ إنِيّ‌ وَ اللّهِ مَا لَكَأتُ فِي هَذِهِ الأَموَالِ التّيِ‌ كَانَت بيَنيِ‌ وَ بَينَكُم عَنِ الخَيرِ، وَ لكَنِيّ‌ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ،إِنّمَا يَأكُلُ آلُ مُحَمّدٍ(ص ) فِي هَذَا المَالِ، وَ إنِيّ‌ وَ اللّهِ لَا أَدَعُ أَمراً صَنَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلّا صَنَعتُهُ إِن شَاءَ اللّهُ، وَ قَالَ عَلِيّ مَوعِدُكَ لِلبَيعَةِ العَشِيّةُ، فَلَمّا صَلّي أَبُو بَكرٍ الظّهرَ أَقبَلَ عَلَي النّاسِ يُعذِرُ عَلِيّاً بِبَعضِ مَا اعتَذَرَ بِهِ، ثُمّ قَامَ عَلِيّ فَعَظّمَ مِن حَقّ أَبِي بَكرٍ وَ ذَكَرَ فَضِيلَتَهُ وَ سَابِقَتَهُ، ثُمّ قَامَ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَبَايَعَهُ،فَأَقبَلَ النّاسُ عَلَي عَلِيّ فَقَالُوا أَصَبتَ وَ أَحسَنتَ، وَ كَانَ المُسلِمُونَ إِلَي عَلِيّ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ قَرِيباً حِينَ رَاجَعَ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ .. هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الحمَيِديِ‌ّ.


صفحه : 204

و قدخطر لي عندنقلي‌ لهذا الحديث كلام أذكره علي مواضع منه ، ثم بعد ذلك أورد مانقله أصحابنا في المعني ،ملتزما بما اشترطه من العدل في القول والفعل ، و علي اللّه قصد السبيل .قول أبي بكر في أول الحديث وآخره وإنيّ‌ و اللّه لاأدع أمرا رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ]يصنعه فيه إلّا صنعته .. و هو لم يرد النبيّ صلّي اللّه عليه وآله صنع فيها إلّا أنّه اصطفاها، وإنّما سمع سماعا أنّه بعدوفاته لايورث ، كماروي ،فكان حقّ الحديث أن يحكي و يقول وإنيّ‌ و اللّه لاأدع أمرا سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يقوله إلّا عملت بمقتضي قوله ، أو ما هذامعناه . و فيه فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلي عليّ وعباس فغلبه عليها عليّ.أقول حكم هذه الصدقة التي‌ بالمدينة حكم فدك وخيبر،فهلّا منعهم الجميع كمافعل صاحبه إن كان العمل علي مارواه ، أوصرفهم في الجميع إن كان الأمر بضدّ ذلك ،فأمّا تسليم البعض ومنع البعض فإنّه ترجيح من غيرمرجّح، أللهم إلّا أن يكونوا فعلوا شيئا لم يصل إلينا في إمضاء ذلك . و في قوله فغلبه عليها عليّ .. دليل واضح علي ماذهب إليه أصحابنا من توريث البنات دون الأعمام ، فإنّ عليّا عليه السلام لم يغلب العباس علي الصدقة من جهة العمومة،إذ كان العباس أقرب من عليّ( ع ) في ذلك ، وغلبه إيّاه علي سبيل الغلب والعنف مستحيل أن يقع من عليّ في حقّ العباس ، و لم يبق إلّا أنّه غلبه عليها بطريق فاطمة وبنيها عليهم السلام .

وَ قَولُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُكُنّا نَرَي أَنّ لَنَا فِي هَذَا الأَمرِ حَقّاً فَاستَبدَدتُم


صفحه : 205

عَلَينَا ..

فتأمّل معناه يضح لك مغزاه ، و لاحاجة إلي كشف مغطاه . وروي أحمد بن حنبل .. في مسنده مايقارب ألفاظ مارواه الحميدي‌، و لم يذكر حديث عليّ( ع ) و أبي بكر ومجيئه إليه في هذاالحديث .

رَوَي ابنُ بَابَوَيهِ مَرفُوعاً إِلَي أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِ‌ّ، قَالَ لَمّا نَزَلَتفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا فَاطِمَةُ لَكِ فَدَكُ

، و في رواية أخري عن أبي سعيد مثله .

وَ عَن عَطِيّةَ قَالَ لَمّا نَزَلَتفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُ،دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَأَعطَاهَا فَدَكَ.

وَ عَن عَلِيّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ( ع ) قَالَ أَقطَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَدَكَ.

وَ عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قُلتُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعطَي فَاطِمَةَ( ع )فَدَكَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَقَفَهَا،فَأَنزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيفَآتِ ذَا القُربي حَقّهُ،فَأَعطَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَقّهَا. قُلتُ رَسُولُ اللّهِ(ص )أَعطَاهَا قَالَ بَلِ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أَعطَاهَا.

و قدتظاهرت الرواية من طرق أصحابنا بذلك ، وثبت أنّ ذا القربي عليّ وفاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام ، و علي هذافقد كان أبوبكر وعمر لماوليا


صفحه : 206

هذاالأمر يرتبان في الأعمال والبلاد القريبة والنائية من الصحابة والمهاجرين والأنصار من لايكاد يبلغ مرتبة عليّ وفاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و لايقاربها،فلو اعتقداهم مثل بعض الولاة وسلّما إليهم هذه الصدقة التي‌ قامت النائرة في أخذها، وعرفاهم ماروياه وقالا لهم أنتم أهل البيت و قدشهد اللّه لكم بالطهارة، وأذهب عنكم الرجس ، و قدعرفناكم أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله قال لانورث ، و قدسلمناها إليكم ، وشغلنا ذممكم بها، و اللّه من وراء أفعالكم فيها، و اللّه سبحانه بمرأي منكم ومسمع ،فاعملوا فيهابما يقرّبكم منه ويزلفكم عنده ،فعلي هذاسلّمناها إليكم وصرفناكم فيها، فإن فعلتم الواجب ألذي أمرتم به وفعلتم فيهافعل رسول اللّه(ص )فقد أصبتم وأصبنا، و إن تعدّيتم الواجب وخالفتم ماحدّه رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فقد أخطأتم وأصبنا فإنّ ألذي علينا الاجتهاد و لم نأل في اختياركم جهدا، و ماعلينا بعدبذل الجهد لائمة، و هذاالحديث من الإنصاف كمايروي ، و اللّه الموفق والمسدّد.

وَ روُيِ‌َ أَنّ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ جَاءَت إِلَي أَبِي بَكرٍ بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَت يَا أَبَا بَكرٍ مَن يَرِثُكَ إِذَا مِتّ قَالَ أهَليِ‌ وَ ولُديِ‌،قَالَت فَمَا لِي لَا أَرِثُ رَسُولَ اللّهِ(ص ). قَالَ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ إِنّ النّبِيّ لَا يُوَرّثُ، وَ لَكِن أُنفِقُ عَلَي مَن كَانَ يُنفِقُ عَلَيهِ رَسُولُ اللّهِ، وَ أعُطيِ‌ مَا كَانَ يُعطِيهِ.قَالَت وَ اللّهِ لَا أُكَلّمُكَ بِكَلِمَةٍ مَا حَيِيتُ،فَمَا كَلّمَتهُ حَتّي مَاتَت.


صفحه : 207

وَ قِيلَ جَاءَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَقَالَت أعَطنِيِ‌ ميِراَثيِ‌ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. قَالَ إِنّ الأَنبِيَاءَ لَا تُوَرّثُ مَا تَرَكُوهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ،فَرَجَعَت إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ ارجعِيِ‌ فقَوُليِ‌ مَا شَأنُ سُلَيمَانَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ وَرِثَ دَاوُدَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ قَالَ زَكَرِيّافَهَب لِي مِن لَدُنكَ وَلِيّا يرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَفَأَبَوا وَ أَبَي.

وَ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِ‌ّ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ أَبَا بَكرٍ قَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ النّبِيّ(ص ) لَا يُوَرّثُ،قَالَت قَدوَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ، وَ قَالَ زَكَرِيّافَهَب لِي مِن لَدُنكَ وَلِيّا يرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ،فَنَحنُ أَقرَبُ إِلَي النّبِيّ مِن زَكَرِيّا إِلَي يَعقُوبَ.

وَ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ عَلِيّ( ع )لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ انطلَقِيِ‌ فاَطلبُيِ‌ مِيرَاثَكِ مِن أَبِيكِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ.فَجَاءَت إِلَي أَبِي بَكرٍ فَقَالَت أعَطنِيِ‌ ميِراَثيِ‌ مِن أَبِي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ. قَالَ النّبِيّ(ص ) لَا يُوَرّثُ،فَقَالَت أَ لَم يَرِث سُلَيمَانُ دَاوُدَ فَغَضِبَ وَ قَالَ النّبِيّ لَا يُوَرّثُ،فَقَالَت عَلَيهَا السّلَامُ أَ لَم يَقُل زَكَرِيّافَهَب لِي مِن لَدُنكَ وَلِيّا يرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ. فَقَالَ النّبِيّ لَا يُوَرّثُ.فَقَالَت عَلَيهَا السّلَامُ أَ لَم يَقُليُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَولادِكُم لِلذّكَرِ مِثلُ حَظّ الأُنثَيَينِ فَقَالَ النّبِيّ لَا يُوَرّثُ.

وَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدُريِ‌ّ قَالَ لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جَاءَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ تَطلُبُ فَدَكاً، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ إنِيّ‌ لَأَعلَمُ إِن شَاءَ اللّهُ أَنّكِ


صفحه : 208

لَن تقَوُليِ‌ إِلّا حَقّاً، وَ لَكِن هاَتيِ‌ بَيّنَتَكِ،فَجَاءَت بعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ فَشَهِدَ، ثُمّ جَاءَت بِأُمّ أَيمَنَ فَشَهِدَت، فَقَالَ امرَأَةً أُخرَي أَو رَجُلًا فَكَتَبتُ لَكِ بِهَا.

43،44-مصباح الأنوار،كشف مثل الأحاديث الثلاثة الأخيرة.أقول هذاالحديث عجيب ، فإنّ فاطمة عليها السلام كانت مطالبة بميراث فلاحاجة بها إلي الشهود، فإنّ المستحق للتركة لايفتقر إلي الشاهد إلّا إذا لم يعرف صحة نسبه واعتزائه إلي الدارج ، و ماأظنّهم شكّوا في نسب فاطمة عليها السلام ، وكونها ابنة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، و إن كانت تطلب فدكا وتدعّي‌ أنّ أباها(ص )نحلها إيّاها احتاجت إلي إقامة البيّنة، و لم يبق لِمَا

رَوَاهُ أَبُو بَكرٍ مِن قَولِهِ (نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ)

معني ، و هذاواضح جدا،فتدبّر. و

رَوَي مَرفُوعاً أَنّ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزِيزِ لَمّا استَخلَفَ قَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنِيّ‌ قَد رَدَدتُ عَلَيكُم مَظَالِمَكُم، وَ أَوّلُ مَا أَرُدّ مِنهَا مَا كَانَ فِي يدَيِ‌، قَد رَدَدتُ فَدَكَ عَلَي وُلدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ وَ وُلِدِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ( ع )فَكَانَ أَوّلَ مَن رَدّهَا.


صفحه : 209

وَ رَوَي أَنّهُ رَدّهَا بِغَلّاتِهَا مُنذُ ولُيّ‌َ،فَقِيلَ لَهُ نَقَمتَ عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ فِعلَهُمَا، وَ طَعَنتَ عَلَيهِمَا، وَ نَسَبتَهُمَا إِلَي الظّلمِ وَ الغَصبِ، وَ قَدِ اجتَمَعَ عِندَهُ فِي ذَلِكَ قُرَيشٌ وَ مَشَايِخُ أَهلِ الشّامِ مِن عُلَمَاءِ السّوءِ. فَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ قَد صَحّ عنِديِ‌ وَ عِندَكُم أَنّ فَاطِمَةَ بِنتَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ادّعَت فَدَكَ، وَ كَانَت فِي يَدِهَا، وَ مَا كَانَت لِتَكذِبَ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَعَ شَهَادَةِ عَلِيّ وَ أُمّ أَيمَنَ وَ أُمّ سَلَمَةَ، وَ فَاطِمَةُ عنِديِ‌ صَادِقَةٌ فِيمَا تدَعّيِ‌ وَ إِن لَم تَقُمِ البَيّنَةَ، وَ هيِ‌َ سَيّدَةُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ،فَأَنَا اليَومَ أَرُدّ عَلَي وَرَثَتِهَا أَتَقَرّبُ بِذَلِكَ إِلَي رَسُولِ اللّهِ(ص ) وَ أَرجُو أَن تَكُونَ فَاطِمَةُ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ( ع )يَشفَعُونَ لِي يَومَ القِيَامَةِ، وَ لَو كُنتُ بَدَلَ أَبِي بَكرٍ وَ ادّعَت فَاطِمَةُ كُنتُ أُصَدّقُهَا عَلَي دَعوَاهَا،فَسَلّمَهَا إِلَي مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ البَاقِرِ عَلَيهِمَا السّلَامُ،فَلَم تَزَل فِي أَيدِيهِم إِلَي أَن مَاتَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ.

وَ روُيِ‌َ أَنّهُ لَمّا صَارَتِ الخِلَافَةُ إِلَي عُمَرَ بنِ العَزِيزِ رَدّ عَلَيهِم سِهَامَ الخُمُسِ سَهمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ، وَ سَهمَ ذيِ‌ القُربَي، وَ هُمَا مِن أَربَعَةِ أَسهُمٍ،رَدّ عَلَي جَمِيعِ بنَيِ‌ هَاشِمٍ، وَ سَلّمَ ذَلِكَ إِلَي مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ، وَ قِيلَ إِنّهُ جَعَلَ مِن بَيتِ مَالِهِ سَبعِينَ حِملًا مِنَ الوَرِقِ وَ العَينِ مِن مَالِ الخُمُسِ،فَرَدّ عَلَيهِم ذَلِكَ، وَ كَذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ لبِنَيِ‌ فَاطِمَةَ وَ بنَيِ‌ هَاشِمٍ مِمّا حَازَهُ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ وَ بَعدَهُمَا عُثمَانُ وَ مُعَاوِيَةُ وَ يَزِيدُ وَ عَبدُ المَلِكِ رَدّ عَلَيهِم، وَ استَغنَي بَنُو هَاشِمٍ فِي تِلكَ السّنِينَ وَ حَسُنَت أَحوَالُهُم، وَ رَدّ عَلَيهِمُ المَأمُونُ وَ المُعتَصِمُ وَ الوَاثِقُ، وَ قَالَا كَانَ المَأمُونُ أَعلَمُ مِنّا بِهِ فَنَحنُ نمَضيِ‌ عَلَي مَا مَضَي هُوَ عَلَيهِ، فَلَمّا ولُيّ‌َ


صفحه : 210

المُتَوَكّلُ قَبَضَهَا وَ أَقطَعَهَا حَرمَلَةَ الحَجّامَ، وَ أَقطَعَهَا بَعدَهُ لِفُلَانٍ النازيار[البَازيَارِ] مِن أَهلِ طَبَرِستَانَ، وَ رَدّهَا المُعتَضِدُ، وَ حَازَهَا المكُتَفَيِ‌، وَ قِيلَ إِنّ المُقتَدِرَ رَدّهَا عَلَيهِم. قَالَ شَرِيكٌ كَانَ يَجِبُ عَلَي أَبِي بَكرٍ أَن يَعمَلَ مَعَ فَاطِمَةَ بِمُوجِبِ الشّرعِ، وَ أَقَلّ مَا يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَستَحلِفَهَا عَلَي دَعوَاهَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَعطَاهَا فَدَكَ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنّ عَلِيّاً وَ أُمّ أَيمَنَ شَهِدَا لَهَا، وَ بقَيِ‌َ رُبُعُ الشّهَادَةِ فَرَدّهَا بَعدَ الشّاهِدَينِ لَا وَجهَ لَهُ،فَإِمّا أَن يُصَدّقَهَا أَو يَستَحلِفَهَا وَ يمُضيِ‌َ الحُكمَ لَهَا، قَالَ شَرِيكٌ اللّهُ المُستَعَانُ مِثلُ هَذَا الأَمرِ يَجهَلُهُ أَو يَتَعَمّدُهُ.

وَ قَالَ الحَسَنُ بنُ عَلِيّ الوَشّاءُ سَأَلتُ مَولَانَا أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بنَ مُوسَي الرّضَا عَلَيهِمَا السّلَامُ هَل خَلّفَ رَسُولُ اللّهِ(ص ) غَيرَ فَدَكَ شَيئاً فَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَلّفَ حِيطَاناً بِالمَدِينَةِ صَدَقَةً، وَ خَلّفَ سِتّةَ أَفرَاسٍ وَ ثَلَاثَ نُوقٍ العَضبَاءَ وَ الصّهبَاءَ وَ الدّيبَاجَ، وَ بَغلَتَينِ الشّهبَاءَ وَ الدّلدُلَ، وَ حِمَارَهً اليَعفُورَ، وَ شَاتَينِ حَلُوبَتَينِ، وَ أَربَعِينَ نَاقَةً حَلُوباً، وَ سَيفَهُ ذَا الفَقَارِ، وَ دِرعَهُ ذَاتَ الفُضُولِ، وَ عِمَامَتَهُ السّحَابَ، وَ حِبَرَتَينِ يَمَانِيّتَينِ، وَ خَاتَمَهُ الفَاضِلَ، وَ قَضِيبَهُ المَمشُوقَ، وَ فِرَاشاً مِن لِيفٍ، وَ عَبَاءَتَينِ وَ قَطَوَانِيّتَينِ، وَ مَخَادّاً مِن أَدَمٍ صَارَ ذَلِكَ إِلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مَا خَلَا دِرعَهُ وَ سَيفَهُ وَ عِمَامَتَهُ وَ خَاتَمَهُ،فَإِنّهُ جَعَلَهُ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.

إيضاح

قال في النهاية في حديث أبي بكر .. أن أزيغ .. أي أجور وأعدل عن الحقّ و قال في حديث .. فدك لحقوق رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم


صفحه : 211

التّي‌ تعروه .. أي تغشاه وتنتابه . و قال المنافسة الرّغبة في الشيّ‌ء والانفراد به ، و هو من الشي‌ّء النّفيس الجيّد في نوعه ،.. ونفست به بالكسر أي بخلت ، ونفست عليه الشيّ‌ء نفاسة إذا لم تره له أهلا. قوله لكأت .. قال الفيروزآبادي‌ لكأ كفرح أقام ولزم ، وتلكّأ عليه اعتلّ، و عنه أبطأ. قوله يضح لك مغزاه .. أي يتبيّن لك معناه . والدّارج الميّت. ويقال نقمت عليه و منه من باب ضرب وعلم إذاعابه وكرهه أشدّ الكراهة، و في التنزيل وَ ما تَنقِمُ مِنّا. و قال في النهاية الحلوب أي ذات اللّبن،يقال ناقة حلوب أي هي‌ ممّا يحلب ، وقيل الحلوب والحلوبة سواء، وقيل الحلوب الاسم ، والحلوبة الصّفة، وقيل الواحدة والجماعة. و قال القطوانيّة عباءة بيضاء قصيرة الخمل ، والنّون زائدة.


صفحه : 212

رَوَي السّيّدُ فِي الشاّفيِ‌ عَن مُحَمّدِ بنِ زَكَرِيّا الغلَاَبيِ‌ّ عَن شُيُوخِهِ عَن أَبِي المِقدَامِ هِشَامِ بنِ زِيَادٍ مَولَي آلِ عُثمَانَ قَالَ لَمّا ولُيّ‌َ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ الخِلَافَةَ فَرَدّ فَدَكَ عَلَي وُلدِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ، وَ كَتَبَ إِلَي وَالِيهِ عَلَي المَدِينَةِ أَبِي بَكرِ بنِ عَمرِو بنِ حَزمٍ يَأمُرُهُ بِذَلِكَ،فَكَتَبَ إِلَيهِ أَنّ فَاطِمَةَ( ع ) قَد وُلِدَت فِي آلِ عُثمَانَ وَ آلِ فُلَانٍ وَ آلِ فُلَانٍ،فَكَتَبَ إِلَيهِ أَمّا بَعدُ،فإَنِيّ‌ لَو كَتَبتُ إِلَيكَ آمُرُكَ أَن تَذبَحَ شَاةً لسَأَلَتنَيِ‌ جَمّاءَ أَو قَرنَاءَ، أَو كَتَبتُ إِلَيكَ أَن تَذبَحَ بَقَرَةً لسَأَلَتنَيِ‌ مَا لَونُهَا فَإِذَا وَرَدَ عَلَيكَ كتِاَبيِ‌ هَذَا فَاقسِمهَا بَينَ وُلدِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مِن عَلِيّ( ع ). قَالَ أَبُو المِقدَامِ فَنَقَمَت بَنُو أُمَيّةَ ذَلِكَ عَلَي عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ وَ عَاتَبُوهُ فِيهِ، وَ قَالُوا لَهُ قَبّحتَ فِعلَ الشّيخَينِ، وَ خَرَجَ إِلَيهِ عَمرُو بنُ عُبَيسِ فِي جَمَاعَةٍ مِن أَهلِ الكُوفَةِ، فَلَمّا عَاتَبُوهُ عَلَي فِعلِهِ قَالَ إِنّكُم جَهِلتُم وَ عَلِمتُ، وَ نَسِيتُم وَ ذَكَرتُ، إِنّ أَبَا بَكرٍ مُحَمّدَ بنَ عَمرِو بنِ حَزمٍ حدَثّنَيِ‌ عَن أَبِيهِ عَن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ فَاطِمَةُ بَضعَةٌ منِيّ‌ يسَخطَنُيِ‌ مَا يَسخَطُهَا وَ يرُضيِنيِ‌ مَا يُرضِيهَا، وَ إِنّ فَدَكَ كَانَت صَافِيَةً فِي عَهدِ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ، ثُمّ صَارَ أَمرُهَا إِلَي مَروَانَ،فَوَهَبَهَا لأِبَيِ‌ عَبدِ العَزِيزِ فَوَرِثتُهَا أَنَا وَ إخِوتَيِ‌ فَسَأَلتُهُم أَن يبَيِعوُنيِ‌ حِصّتَهُم مِنهَا، وَ مِنهُم


صفحه : 213

مَن باَعنَيِ‌ وَ مِنهُم مَن وَهَبَ لِي حَتّي استَجمَعتُهَا،فَرَأَيتُ أَن أَرُدّهَا عَلَي وُلدِ فَاطِمَةَ( ع ).فَقَالُوا إِن أَبَيتَ إِلّا هَذَا فَأَمسِكِ الأَصلَ وَ اقسِمِ الغَلّةَ،فَفَعَلَ.

أقول سيأتي‌ في أبواب تاريخ أبي جعفرالباقر عليه السلام ردّ عمر بن عبدالعزيز فدكا إليه عليه السلام .


صفحه : 215

فصل نورد فيه خطبة خطبتها سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات اللّه عليها احتجّ بها علي من غصب فدك منها.

اعلم أنّ هذه الخطبة من الخطب المشهورة التي‌ روتها الخاصّة والعامّة بأسانيد متضافرة.1- قال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح كتابه عليه السلام إلي عثمان ابن حنيف عندذكر الأخبار الواردة في فدك ،حيث قال الفصل الأول فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم لا من كتب الشيعة ورجالهم . وجميع مانورده في هذاالفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري‌ في السقيفة وفدك و أبوبكر الجوهري‌ هذاعالم محدّث كثير الأدب ثقة


صفحه : 216

ورع أثني عليه المحدّثون ورووا عنه مصنّفاته و غيرمصنّفاته. ثم قال

قَالَ أَبُو بَكرٍ حدَثّنَيِ‌ مُحَمّدُ بنُ زَكَرِيّا، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عُمَارَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ قَالَ حدَثّنَيِ‌ ابنُ خَالَاتٍ مِن بنَيِ‌ هَاشِمٍ عَن زَينَبَ بِنتِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ وَ قَالَ جَعفَرُ بنُ مُحَمّدِ بنِ عُمَارَةَ حدَثّنَيِ‌ أَبِي، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ، عَن أَبِيهِ.

قَالَ أَبُو بَكرٍ وَ حدَثّنَيِ‌ عُثمَانُ بنُ عِمرَانَ العجُيَفيِ‌ّ، عَن نَائِلِ بنِ نَجِيحٍ، عَن عَمرِو بنِ شِمرٍ، عَن جَابِرٍ الجعُفيِ‌ّ، عَن أَبِي جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ أَبُو بَكرٍ وَ حدَثّنَيِ‌ أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ زَيدٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدِ بنِ سُلَيمَانَ، عَن أَبِيهِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الحَسَنِ.قَالُوا جَمِيعاً لَمّا بَلَغَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ إِجمَاعُ أَبِي بَكرٍ عَلَي مَنعِهَا فَدَكَ،لَاثَت خِمَارَهَا وَ أَقبَلَت فِي لُمَةٍ مِن حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَومِهَا تَطَأُ ذُيُولَهَا، مَا تَخرِمُ مِشيَتُهَا مِشيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي دَخَلَت عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ قَد حَشَدَ النّاسَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ فَضُرِبَت بَينَهُم وَ بَينَهَا رَيطَةٌ بَيضَاءُ، وَ قَالَ بَعضُهُم


صفحه : 217

قِبطِيّةٌ، وَ قَالُوا قِبطِيّةٌ بِالكَسرِ وَ الضّمّ .. ثُمّ أَنّت أَنّةً أَجهَشَ لَهَا القَومُ بِالبُكَاءِ، ثُمّ أَمهَلَت طَوِيلًا حَتّي سَكَنُوا مِن فَورَتِهِم، ثُمّ قَالَت أبَتدَ‌ِئُ بِحَمدِ مَن هُوَ أَولَي بِالحَمدِ وَ الطّولِ وَ المَجدِ،الحَمدُ لِلّهِ عَلَي مَا أَنعَمَ وَ لَهُ الشّكرُ بِمَا أَلهَمَ .. وَ ذَكَرَ خُطبَةً طَوِيلَةً جِدّاً ثُمّ قَالَت فِي آخِرِهَا فَاتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقاتِهِ وَ أَطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَكُم بِهِ .. إِلَي آخِرِ الخُطبَةِ

،انتهي كلام ابن أبي الحديد.

وَ قَد أَورَدَ الخُطبَةَ عَلِيّ بنُ عِيسَي الإرِبلِيِ‌ّ فِي كِتَابِ كَشفِ الغُمّةِ، قَالَ نَقَلتُهَا مِن كِتَابِ السّقِيفَةِ تَألِيفِ أَحمَدَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ مِن نُسخَةٍ قَدِيمَةٍ مَقرُوءَةٍ عَلَي مُؤَلّفِهَا المَذكُورِ،قُرِئَت عَلَيهِ فِي رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةِ اثنَينِ وَ عِشرِينَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ،رَوَي عَن رِجَالِهِ مِن عِدّةِ طُرُقٍ أَنّ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ لَمّا بَلَغَهَا إِجمَاعُ أَبِي بَكرٍ .. إِلَي آخِرِ الخُطبَةِ.

و قدأشار إليها المسعودي‌ في مروج الذهب . و قال

السّيّدُ المُرتَضَي رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ فِي الشاّفيِ‌،أَخبَرَنَا أَبُو عَبدِ اللّهِ مُحَمّدُ ابنُ عِمرَانَ المرَزبُاَنيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ الكَاتِبِ، عَن أَحمَدَ بنِ عُبَيدِ اللّهِ


صفحه : 218

النحّويِ‌ّ، عَنِ الزيّاَديِ‌ّ، عَن شرَفَيِ‌ّ بنِ قطُاَميِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ إِسحَاقَ، عَن صَالِحِ بنِ كَيسَانَ، عَن عُروَةَ عَن عَائِشَةَ. قَالَ المرَزبُاَنيِ‌ّ وَ حدَثّنَيِ‌ أَحمَدُ بنُ مُحَمّدٍ المكَيّ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ القَاسِمِ اليمَاَنيِ‌ّ، قَالَ حَدّثَنَا ابنُ عَائِشَةَ قَالُوا لَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَقبَلَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ فِي لُمَةٍ مِن حَفَدَتِهَا إِلَي أَبِي بَكرٍ ..

وَ فِي الرّوَايَةِ الأُولَي قَالَت عَائِشَةُ لَمّا سَمِعَت فَاطِمَةُ( ع )إِجمَاعَ أَبِي بَكرٍ عَلَي مَنعِهَا فَدَكَ لاتت [لَاثَت]خِمَارَهَا عَلَي رَأسِهَا وَ اشتَمَلَت بِجِلبَابِهَا، وَ أَقبَلَت فِي لُمَةٍ مِن حَفَدَتِهَا ثُمّ اتّفَقَتِ الرّوَايَتَانِ مِن هَاهُنَا وَ نِسَاءِ قَومِهَا .. وَ سَاقَ الحَدِيثَ نَحوَ مَا مَرّ إِلَي قَولِهِ افتَتَحَت كَلَامَهَا بِالحَمدِ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ الثّنَاءِ عَلَيهِ وَ الصّلَاةِ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ قَالَتلَقَد جاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم... إِلَي آخِرِهَا.

أقول وسيأتي‌ أسانيد أخري سنوردها من كتاب أحمد بن أبي طاهر.

وَ رَوَي الصّدُوقُ رَحِمَهُ اللّهُ بَعضَ فِقَرَاتِهَا المُتَعَلّقَةِ بِالعِلَلِ فِي عِلَلِ الشّرَائِعِ عَنِ ابنِ المُتَوَكّلِ عَنِ السعّدآَباَديِ‌ّ، عَنِ البرَقيِ‌ّ عَن إِسمَاعِيلَ بنِ مِهرَانَ عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ جَابِرٍ عَن زَينَبَ بِنتِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ. Œ

قَالَ وَ أَخبَرَنَا عَلِيّ بنُ حَاتِمٍ عَن مُحَمّدِ بنِ أَسلَمَ عَن عَبدِ الجَلِيلِ


صفحه : 219

الباَقطَاَنيِ‌ّ عَنِ الحَسَنِ بنِ مُوسَي الخَشّابِ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمّدٍ العلَوَيِ‌ّ عَن رِجَالٍ مِن أَهلِ بَيتِهِ عَن زَينَبَ بِنتِ عَلِيّ عَن فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ بِمِثلِهِ. ـ@

وَ أخَبرَنَيِ‌ عَلِيّ بنُ حَاتِمٍ عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ عَن مُحَمّدِ بنِ عُمَارَةَ عَن مُحَمّدِ بنِ اِبرَاهِيمَ المصِريِ‌ّ عَن هَارُونَ بنِ يَحيَي عَن عُبَيدِ اللّهِ بنِ مُوسَي العبَسيِ‌ّ عَن حَفصٍ الأَحمَرِ عَن زَيدِ بنِ عَلِيّ عَن عَمّتِهِ زَينَبَ بن [بِنتِ] عَلِيّ عَن فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ، وَ زَادَ بَعضُهُم عَلَي بَعضٍ فِي اللّفظِ. 

أقول قدأوردت مارواه في المجلد الثالث ، وإنّما أوردت الأسانيد هنا ليعلم أنّه روي هذه الخطبة بأسانيد جمّة.

وَ رَوَي الشّيخُ المُفِيدُ الأَبيَاتَ المَذكُورَةَ فِيهَا بِالسّنَدِ المَذكُورِ فِي أَوَائِلِ البَابِ. 

وَ رَوَي السّيّدُ ابنُ طَاوُسٍ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ فِي كِتَابِ الطّرَائِفِ مَوضِعَ الشّكوَي وَ الِاحتِجَاجِ مِن هَذِهِ الخُطبَةِ عَنِ الشّيخِ أَسعَدَ بنِ شَفَروَةَ فِي كِتَابِ الفَائِقِ عَنِ الشّيخِ المُعَظّمِ عِندَهُمُ الحَافِظِ الثّقَةِ بَينَهُم أَحمَدَ بنِ مُوسَي بنِ مَردَوَيهِ


صفحه : 220

الأصَفهَاَنيِ‌ّ فِي كِتَابِ المَنَاقِبِ قَالَ أَخبَرَنَا إِسحَاقُ بنُ عَبدِ اللّهِ بنِ اِبرَاهِيمَ عَن شرَفَيِ‌ّ بنِ قطُاَميِ‌ّ عَن صَالِحِ بنِ كَيسَانَ عَنِ الزهّريِ‌ّ عَن عُروَةَ عَن عَائِشَةَ. P

وَ رَوَاهَا الشّيخُ أَحمَدُ بنُ أَبِي طَالِبٍ الطبّرسِيِ‌ّ فِي كِتَابِ الإِحتِجَاجِ مُرسَلًا، وَ نَحنُ نُورِدُهَا بِلَفظِهِ، ثُمّ نُشِيرُ إِلَي مَوضِعِ التّخَالُفِ بَينَ الرّوَايَاتِ فِي أَثنَاءِ شَرحِهَا إِن شَاءَ اللّهُ تَعَالَي. قَالَ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَي رَوَي عَبدُ اللّهِ بنُ الحَسَنِ بِإِسنَادِهِ عَن آبَائِهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ

أَنّهُ لَمّا أَجمَعَ أَبُو بَكرٍ عَلَي مَنعِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فَدَكَ، وَ بَلَغَهَا ذَلِكَ لاتت [لَاثَت]خِمَارَهَا عَلَي رَأسِهَا وَ اشتَمَلَت بِجِلبَابِهَا وَ أَقبَلَت فِي لُمَةٍ مِن حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَومِهَا تَطَأُ ذُيُولَهَا، مَا تَخرِمُ مِشيَتُهَا مِشيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ حَتّي دَخَلَت عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ هُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ وَ غَيرِهِم فَنِيطَت دُونَهَا مُلَاءَةٌ،فَجَلَسَت ثُمّ أَنّت أَنّةً أَجهَشَ القَومُ لَهَا بِالبُكَاءِ،فَارتَجّ المَجلِسُ، ثُمّ أَمهَلَت هُنَيئَةً حَتّي إِذَا سَكَنَ نَشِيجُ القَومِ وَ هَدَأَت فَورَتُهُم،افتَتَحَتِ الكَلَامَ بِحَمدِ اللّهِ وَ الثّنَاءِ عَلَيهِ وَ الصّلَاةِ عَلَي رَسُولِ اللّهِ(ص )،فَعَادَ القَومُ فِي بُكَائِهِم فَلَمّا أَمسَكُوا عَادَت فِي كَلَامِهَا.فَقَالَت عَلَيهَا السّلَامُ الحَمدُ لِلّهِ عَلَي مَا أَنعَمَ، وَ لَهُ الشّكرُ عَلَي مَا أَلهَمَ، وَ الثّنَاءُ بِمَا قَدّمَ مِن عُمُومِ نِعَمٍ ابتَدَأَهَا، وَ سُبُوغِ آلَاءٍ أَسدَاهَا، وَ تَمَامِ مِنَنٍ وَالَاهَا،


صفحه : 221

جَمّ عَنِ الإِحصَاءِ عَدَدُهَا، وَ نَأَي عَنِ الجَزَاءِ أَمَدُهَا، وَ تَفَاوَتَ عَنِ الإِدرَاكِ أَبَدُهَا، وَ نَدَبَهُم لِاستِزَادَتِهَا بِالشّكرِ لِاتّصَالِهَا، وَ استَحمَدَ إِلَي الخَلَائِقِ بِإِجزَالِهَا، وَ ثَنّي بِالنّدبِ إِلَي أَمثَالِهَا، وَ أَشهَدُ أَنّ لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِخلَاصَ تَأوِيلَهَا، وَ ضَمّنَ القُلُوبَ مَوصُولَهَا، وَ أَنَارَ فِي الفِكرَةِ مَعقُولَهَا،المُمتَنِعُ مِنَ الأَبصَارِ رُؤيَتُهُ، وَ مِنَ الأَلسُنِ صِفَتُهُ، وَ مِنَ الأَوهَامِ كَيفِيّتُهُ،ابتَدَعَ الأَشيَاءَ لَا مِن شَيءٍ كَانَ قَبلَهَا، وَ أَنشَأَهَا بِلَا احتِذَاءِ أَمثِلَةٍ امتَثَلَهَا،كَوّنَهَا بِقُدرَتِهِ، وَ ذَرَأَهَا بِمَشِيّتِهِ، مِن غَيرِ حَاجَةٍ مِنهُ إِلَي تَكوِينِهَا، وَ لَا فَائِدَةٍ لَهُ فِي تَصوِيرِهَا، إِلّا تَثبِيتاً لِحِكمَتِهِ، وَ تَنبِيهاً عَلَي طَاعَتِهِ، وَ إِظهَاراً لِقُدرَتِهِ، وَ تَعَبّداً لِبَرِيّتِهِ، وَ إِعزَازاً لِدَعوَتِهِ، ثُمّ جَعَلَ الثّوَابَ عَلَي طَاعَتِهِ، وَ وَضَعَ العِقَابَ عَلَي مَعصِيَتِهِ،زِيَادَةً[ذِيَادَةً]لِعِبَادِهِ عَن نَقِمَتِهِ وَ حِيَاشَةً مِنهُ إِلَي جَنّتِهِ، وَ أَشهَدُ أَنّ أَبِي مُحَمّداً(ص )عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ،اختَارَهُ وَ انتَجَبَهُ قَبلَ أَن أَرسَلَهُ، وَ سَمّاهُ قَبلَ أَنِ اجتَبَلَهُ، وَ اصطَفَاهُ قَبلَ أَنِ ابتَعَثَهُ،إِذِ الخَلَائِقُ بِالغَيبِ مَكنُونَةٌ، وَ بِسَترِ الأَهَاوِيلِ مَصُونَةٌ، وَ بِنِهَايَةِ العَدَمِ مَقرُونَةٌ،عِلماً مِنَ اللّهِ تَعَالَي بِمَآيِلِ[بِمَائِلِ]الأُمُورِ، وَ إِحَاطَةً بِحَوَادِثِ الدّهُورِ، وَ مَعرِفَةً بِمَوَاقِعِ المَقدُورِ،ابتَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَي إِتمَاماً لِأَمرِهِ، وَ عَزِيمَةً عَلَي إِمضَاءِ حُكمِهِ،


صفحه : 222

وَ إِنفَاذاً لِمَقَادِيرِ حَتمِهِ،فَرَأَي الأُمَمَ فِرَقاً فِي أَديَانِهَا،عُكّفاً عَلَي نِيرَانِهَا،عَابِدَةً لِأَوثَانِهَا،مُنكِرَةً لِلّهِ مَعَ عِرفَانِهَا،فَأَنَارَ اللّهُ بِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ظُلَمَهَا، وَ كَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَهَا، وَ جَلَي عَنِ الأَبصَارِ غُمَمَهَا، وَ قَامَ فِي النّاسِ بِالهِدَايَةِ، وَ أَنقَذَهُم مِنَ الغَوَايَةِ، وَ بَصّرَهُم مِنَ العَمَايَةِ، وَ هَدَاهُم إِلَي الدّينِ القَوِيمِ، وَ دَعَاهُم إِلَي الطّرِيقِ المُستَقِيمِ، ثُمّ قَبَضَهُ اللّهُ إِلَيهِ قَبضَ رَأفَةٍ وَ اختِيَارٍ، وَ رَغبَةٍ وَ إِيثَارٍ بمحمد[فَمُحَمّدٌ]صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَن تَعَبِ هَذِهِ الدّارِ فِي رَاحَةٍ، قَد حُفّ بِالمَلَائِكَةِ الأَبرَارِ، وَ رِضوَانِ الرّبّ الغَفّارِ، وَ مُجَاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ،صَلّي اللّهُ عَلَي أَبِي نَبِيّهِ وَ أَمِينِهِ عَلَي الوحَي‌ِ وَ صَفِيّهِ وَ خِيَرَتِهِ مِنَ الخَلقِ وَ رَضِيّهِ، وَ السّلَامُ عَلَيهِ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ. ثُمّ التَفَتَت إِلَي أَهلِ المَجلِسِ، وَ قَالَت أَنتُم عِبَادَ اللّهِ نُصبُ أَمرِهِ وَ نَهيِهِ، وَ حَمَلَةُ دِينِهِ وَ وَحيِهِ، وَ أُمَنَاءُ اللّهِ عَلَي أَنفُسِكُم، وَ بُلَغَاؤُهُ إِلَي الأُمَمِ، وَ زَعَمتُم حَقّ لَكُم لِلّهِ فِيكُم عَهدٌ قَدّمَهُ إِلَيكُم، وَ بَقِيّةٌ استَخلَفَهَا عَلَيكُم، كِتَابُ اللّهِ النّاطِقُ، وَ القُرآنُ الصّادِقُ، وَ النّورُ السّاطِعُ، وَ الضّيَاءُ اللّامِعُ،بَيّنَةٌ بَصَائِرُهُ،


صفحه : 223

مُنكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ،مُتَجَلّيَةٌ ظَوَاهِرُهُ،مُغتَبِطَةٌ بِهِ أَشيَاعُهُ،قَائِدٌ إِلَي الرّضوَانِ اتّبَاعُهُ،مُؤَدّ إِلَي النّجَاةِ إِسمَاعُهُ، بِهِ تُنَالُ حُجَجُ اللّهِ المُنَوّرَةُ، وَ عَزَائِمُهُ المُفَسّرَةُ، وَ مَحَارِمُهُ المُحَذّرَةُ، وَ بَيّنَاتُهُ الجَالِيَةُ، وَ بَرَاهِينُهُ الكَافِيَةُ، وَ فَضَائِلُهُ المَندُوبَةُ، وَ رُخَصُهُ المَوهُوبَةُ، وَ شَرَائِعُهُ المَكتُوبَةُ،فَجَعَلَ اللّهُ الإِيمَانَ تَطهِيراً لَكُم مِنَ الشّركِ، وَ الصّلَاةَ تَنزِيهاً لَكُم عَنِ الكِبرِ، وَ الزّكَاةَ تَزكِيَةً لِلنّفسِ، وَ نَمَاءً فِي الرّزقِ، وَ الصّيَامَ تَثبِيتاً لِلإِخلَاصِ، وَ الحَجّ تَشيِيداً لِلدّينِ، وَ العَدلَ تَنسِيقاً لِلقُلُوبِ، وَ طَاعَتَنَا نِظَاماً لِلمِلّةِ، وَ إِمَامَتَنَا أَمَاناً مِنَ الفُرقَةِ، وَ الجِهَادَ عِزّاً لِلإِسلَامِ، وَ الصّبرَ مَعُونَةً عَلَي استِيجَابِ الأَجرِ، وَ الأَمرَ بِالمَعرُوفِ مَصلَحَةً لِلعَامّةِ، وَ بِرّ الوَالِدَينِ وِقَايَةً مِنَ السّخَطِ، وَ صِلَةَ الأَرحَامِ مَنمَاةً لِلعَدَدِ، وَ القِصَاصَ حَقناً لِلدّمَاءِ، وَ الوَفَاءَ بِالنّذرِ تَعرِيضاً لِلمَغفِرَةِ، وَ تَوفِيَةَ المَكَايِيلِ وَ المَوَازِينِ تَغيِيراً لِلبَخسِ، وَ النهّي‌َ عَن شُربِ الخَمرِ تَنزِيهاً عَنِ الرّجسِ، وَ اجتِنَابَ القَذفِ حِجَاباً عَنِ اللّعنَةِ، وَ تَركَ السّرِقَةِ إِيجَاباً لِلعِفّةِ، وَ حَرّمَ اللّهُ الشّركَ إِخلَاصاً لَهُ بِالرّبُوبِيّةِ،فَاتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنّ إِلّا وَ أَنتُم مُسلِمُونَ، وَ أَطِيعُوا اللّهَ فِيمَا أَمَرَكُم بِهِ وَ نَهَاكُم عَنهُ فَإِنّهُإِنّما يَخشَي اللّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ. ثُمّ قَالَت أَيّهَا النّاسُ اعلَمُوا أنَيّ‌ فَاطِمَةُ وَ أَبِي مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،أَقُولُ عَوداً وَ بَدءاً، وَ لَا أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً، وَ لَا أَفعَلُ مَا أَفعَلُ شَطَطاًلَقَد


صفحه : 224

جاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، فَإِن تَعزُوهُ وَ تَعرِفُوهُ تَجِدُوهُ أَبِي دُونَ نِسَائِكُم، وَ أَخَا ابنِ عمَيّ‌ دُونَ رِجَالِكُم، وَ لَنِعمَ المعَزيِ‌ّ إِلَيهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ،فَبَلّغَ الرّسَالَةَ،صَادِعاً بِالنّذَارَةِ،مَائِلًا عَن مَدرَجَةِ المُشرِكِينَ،ضَارِباً ثَبَجَهُم،آخِذاً بِأَكظَامِهِم،دَاعِياً إِلَي سَبِيلِ رَبّهِبِالحِكمَةِ وَ المَوعِظَةِ الحَسَنَةِ،يَكسِرُ الأَصنَامَ، وَ يَنكُثُ الهَامَ، حَتّي انهَزَمَ الجَمعُ وَ وَلّوُا الدّبُرَ، حَتّي تَفَرّي اللّيلُ عَن صُبحِهِ، وَ أَسفَرَ الحَقّ عَن مَحضِهِ، وَ نَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَ خَرِسَت شَقَاشِقُ الشّيَاطِينِ، وَ طَاحَ وَشِيظُ النّفَاقِ، وَ انحَلّت عُقَدُ الكُفرِ وَ الشّقَاقِ، وَ فُهتُم بِكَلِمَةِ الإِخلَاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ البِيضِ الخِمَاصِ،وَ كُنتُم عَلي شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ،مُذقَةَ الشّارِبِ، وَ نُهزَةَ الطّامِعِ، وَ قَبسَةَ العَجلَانِ، وَ مَوطِئَ الأَقدَامِ،تَشرَبُونَ الطّرقَ، وَ تَقتَاتُونَ الوَرَقَ،أَذِلّةً خَاسِئِينَ،تَخافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ مِن حَولِكُم،فَأَنقَذَكُمُ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي بِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَعدَ اللّتَيّا وَ التّيِ‌، وَ بَعدَ أَن منُيِ‌َ بِبُهَمِ الرّجَالِ، وَ ذُؤبَانِ العَرَبِ، وَ مَرَدَةِ أَهلِ الكِتَابِكُلّما أَوقَدُوا ناراً لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللّهُ، أَو نَجَمَ قَرنٌ لِلشّيطَانِ، وَ فَغَرَت فَاغِرَةٌ مِنَ المُشرِكِينَ،قَذَفَ أَخَاهُ فِي لَهَوَاتِهَا، فَلَا يَنكَفِئُ حَتّي يَطَأَ صِمَاخَهَا بِأَخمَصِهِ، وَ يُخمِدَ لَهَبَهَا بِسَيفِهِ،مَكدُوداً فِي ذَاتِ اللّهِ، وَ مُجتَهِداً فِي أَمرِ اللّهِ،قَرِيباً مِن رَسُولِ اللّهِ،سَيّدَ أَولِيَاءِ اللّهِ،مُشَمّراً نَاصِحاً،مُجِدّاً كَادِحاً،


صفحه : 225

وَ أَنتُم فِي رَفَاهِيَةٍ مِنَ العَيشِ،وَادِعُونَ فَاكِهُونَ آمِنُونَ،تَتَرَبّصُونَ بِنَا الدّوَائِرَ، وَ تَتَوَكّفُونَ الأَخبَارَ، وَ تَنكِصُونَ عِندَ النّزَالِ، وَ تَفِرّونَ عِندَ القِتَالِ، فَلَمّا اختَارَ اللّهُ لِنَبِيّهِ دَارَ أَنبِيَائِهِ، وَ مَأوَي أَصفِيَائِهِ،ظَهَرَ فِيكُم حَسِيكَةُ النّفَاقِ، وَ سَمَلَ جِلبَابُ الدّينِ، وَ نَطَقَ كَاظِمُ الغَاوِينَ، وَ نَبَغَ خَامِلُ الأَقَلّينَ، وَ هَدَرَ فَنِيقُ المُبطِلِينَ،فَخَطَرَ فِي عَرَصَاتِكُم، وَ أَطلَعَ الشّيطَانُ رَأسَهُ مِن مَغرَزِهِ هَاتِفاً بِكُم،فَأَلفَاكُم لِدَعوَتِهِ مُستَجِيبِينَ، وَ لِلغِرّةِ فِيهِ مُلَاحِظِينَ، ثُمّ استَنهَضَكُم فَوَجَدَكُم خِفَافاً، وَ أَحمَشَكُم فَأَلفَاكُم غِضَاباً،فَوَسَمتُم غَيرَ إِبِلِكُم، وَ أَورَدتُم غَيرَ شِربِكُم، هَذَا وَ العَهدُ قَرِيبٌ، وَ الكَلمُ رَحِيبٌ، وَ الجُرحُ لَمّا يَندَمِل، وَ الرّسُولُ لَمّا يُقبَر،ابتِدَاراً زَعَمتُم خَوفَ الفِتنَةِأَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَ إِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ،فَهَيهَاتَ مِنكُم وَ كَيفَ بِكُم وَ أَنّي تُؤفَكُونَ وَ كِتَابُ اللّهِ بَينَ أَظهُرِكُم،أُمُورُهُ ظَاهِرَةٌ، وَ أَحكَامُهُ زَاهِرَةٌ، وَ أَعلَامُهُ بَاهِرَةٌ، وَ زَوَاجِرُهُ لَائِحَةٌ، وَ أَوَامِرُهُ وَاضِحَةٌ، قَد خَلّفتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُم، أَ رَغبَةً عَنهُ تُرِيدُونَ ..،أَم بِغَيرِهِ تَحكُمُونَبِئسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلًا،وَ مَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَ هُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ، ثُمّ لَم تَلبَثُوا إِلّا رَيثَ أَن تَسكُنَ نَفرَتُهَا، وَ يَسلَسَ قِيَادُهَا،


صفحه : 226

ثُمّ أَخَذتُم تُورُونَ وَقدَتَهَا، وَ تُهَيّجُونَ جَمرَتَهَا، وَ تَستَجِيبُونَ لِهُتَافِ الشّيطَانِ الغوَيِ‌ّ، وَ إِطفَاءِ أَنوَارِ الدّينِ الجلَيِ‌ّ، وَ إِهمَادِ سُنَنِ النّبِيّ الصفّيِ‌ّ،تُسِرّونَ حَصواً[تَشرَبُونَ حَسواً] فِي ارتِغَاءٍ، وَ تَمشُونَ لِأَهلِهِ وَ وُلدِهِ فِي الخَمَرِ وَ الضّرَاءِ، وَ نَصبِرُ مِنكُم عَلَي مِثلِ حَزّ المُدَي، وَ وَخزِ السّنَانِ فِي الحَشَا، وَ أَنتُم تَزعُمُونَ أَلّا إِرثَ لَنَاأَ فَحُكمَ الجاهِلِيّةِ يَبغُونَ وَ مَن أَحسَنُ مِنَ اللّهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ أَ فَلَا تَعلَمُونَ بَلَي،تَجَلّي لَكُم كَالشّمسِ الضّاحِيَةِ أنَيّ‌ ابنَتُهُ أَيّهَا المُسلِمُونَ، أَ أُغلَبُ عَلَي إِرثِيَه[إرِثيِ‌]. يَا ابنَ أَبِي قُحَافَةَ، أَ فِي كِتَابِ اللّهِ أَن تَرِثَ أَبَاكَ وَ لَا أَرِثَ أَبِيلَقَد جِئتِ شَيئاً فَرِيّا أَ فَعَلَي عَمدٍ تَرَكتُم كِتَابَ اللّهِ وَ نَبَذتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُم إِذ يَقُولُوَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ وَ قَالَ فِيمَا اقتَصّ مِن خَبَرِ يَحيَي بنِ زَكَرِيّا( ع )إِذ قَالَ رَبّفَهَب لِي مِن لَدُنكَ وَلِيّا يرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ، وَ قَالَوَ أُولُوا الأَرحامِ بَعضُهُم أَولي بِبَعضٍ فِي كِتابِ اللّهِ، وَ قَالَيُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَولادِكُم لِلذّكَرِ مِثلُ حَظّ الأُنثَيَينِ، وَ قَالَإِن تَرَكَ خَيراً الوَصِيّةُ لِلوالِدَينِ


صفحه : 227

وَ الأَقرَبِينَ بِالمَعرُوفِ حَقّا عَلَي المُتّقِينَ، وَ زَعَمتُم أَلّا حُظوَةَ لِي وَ لَا أَرِثُ مِن أَبِي وَ لَا رَحِمَ بَينَنَا، أَ فَخَصّكُمُ اللّهُ بِآيَةٍ أَخرَجَ مِنهَا أَبِي(ص )أَم هَل تَقُولُونَ أَهلُ مِلّتَينِ لَا يَتَوَارَثَانِ، أَ وَ لَستُ أَنَا وَ أَبِي مِن أَهلِ مِلّةٍ وَاحِدَةٍ أَم أَنتُم أَعلَمُ بِخُصُوصِ القُرآنِ وَ عُمُومِهِ مِن أَبِي وَ ابنِ عمَيّ‌ فَدُونَكُمَا[فَدُونَكَهَا]مَخطُومَةً مَرحُولَةً تَلقَاكَ يَومَ حَشرِكَ،فَنِعمَ الحَكَمُ اللّهُ، وَ الزّعِيمُ مُحَمّدٌ، وَ المَوعِدُ القِيَامَةُ، وَ عِندَ السّاعَةِ مَا تَخسَرُونَ، وَ لَا يَنفَعُكُم إِذ تَندَمُونَ، وَلِكُلّ نَبَإٍ مُستَقَرّ وَ سَوفَتَعلَمُونَ مَن يَأتِيهِ عَذابٌ يُخزِيهِ وَ يَحِلّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقِيمٌ... ثُمّ رَمَت بِطَرفِهَا نَحوَ الأَنصَارِ فَقَالَت يَا مَعَاشِرَ الفِتيَةِ وَ أَعضَادَ المِلّةِ، وَ أَنصَارَ الإِسلَامِ، مَا هَذِهِ الغَمِيزَةُ فِي حقَيّ‌، وَ السّنَةُ عَن ظلُاَمتَيِ‌، أَ مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَبِي يَقُولُ المَرءُ يُحفَظُ فِي وُلدِهِ،سَرعَانَ مَا أَحدَثتُم، وَ عَجلَانَ ذَا إِهَالَةٍ، وَ لَكُم طَاقَةٌ بِمَا أُحَاوِلُ، وَ قُوّةٌ عَلَي مَا أَطلُبُ وَ أُزَاوِلُ، أَ تَقُولُونَ


صفحه : 228

مَاتَ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَخَطبٌ جَلِيلٌ استَوسَعَ وَهنُهُ، وَ استَنهَرَ فَتقُهُ، وَ انفَتَقَ رَتقُهُ، وَ أَظلَمَتِ الأَرضُ لِغَيبَتِهِ، وَ كُسِفَتِ النّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وَ أَكدَتِ الآمَالُ، وَ خَشَعَتِ الجِبَالُ، وَ أُضِيعَ الحَرِيمُ، وَ أُزِيلَتِ الحُرمَةُ عِندَ مَمَاتِهِ،فَتِلكَ وَ اللّهِ النّازِلَةُ الكُبرَي، وَ المُصِيبَةُ العُظمَي، لَا مِثلَهَا نَازِلَةٌ، وَ لَا بَائِقَةٌ عَاجِلَةٌ،أَعلَنَ بِهَا كِتَابُ اللّهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ فِي أَفنِيَتِكُم فِي مُمسَاكُم وَ مُصبَحِكُم،هُتَافاً وَ صُرَاخاً، وَ تِلَاوَةً وَ إِلحَاناً، وَ لَقَبلَهُ مَا حَلّ بِأَنبِيَاءِ اللّهِ وَ رُسُلِهِ،حُكمٌ فَصلٌ وَ قَضَاءٌ حَتمٌوَ ما مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرّسُلُ أَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلي أَعقابِكُم وَ مَن يَنقَلِب عَلي عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيئاً وَ سيَجَزيِ‌ اللّهُ الشّاكِرِينَ.إِيهاً بنَيِ‌ قَيلَةَ أَ أُهضِمَ تُرَاثُ أَبِي وَ أَنتُم بِمَرأًي منِيّ‌ وَ مَسمَعٍ، وَ مبتد[مُنتَدًي] وَ مَجمَعٍ،تَلبَسُكُمُ الدّعوَةُ، وَ تَشمَلُكُمُ الخِبرَةُ، وَ أَنتُم ذَا العَدَدِ وَ العُدّةِ، وَ الأَدَاةِ وَ القُوّةِ، وَ عِندَكُمُ السّلَاحُ وَ الجُنّةُ،تُوَافِيكُمُ الدّعوَةُ فَلَا تُجِيبُونَ، وَ تَأتِيكُمُ الصّرخَةُ فَلَا تُغِيثُونَ، وَ أَنتُم مَوصُوفُونَ بِالكِفَاحِ،مَعرُوفُونَ بِالخَيرِ وَ الصّلَاحِ، وَ النّجَبَةُ التّيِ‌


صفحه : 229

انتُجِبَت، وَ الخِيَرَةُ التّيِ‌ اختِيرَت،قَاتَلتُمُ العَرَبَ، وَ تَحَمّلتُمُ الكَدّ وَ التّعَبَ، وَ نَاطَحتُمُ الأُمَمَ، وَ كَافَحتُمُ البُهَمَ، فَلَا نَبرَحُ أَو تَبرَحُونَ،نَأمُرُكُم فَتَأتَمِرُونَ، حَتّي إِذَا دَارَت بِنَا رَحَي الإِسلَامِ، وَ دَرّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَ خَضَعَت ثَغرَةُ[نَعرَةُ]الشّركِ، وَ سَكَنَت فَورَةُ الإِفكِ، وَ خَمَدَت نِيرَانُ الكُفرِ، وَ هَدَأَت دَعوَةُ الهَرجِ، وَ استَوسَقَ نِظَامُ الدّينِ،فَأَنّي حُرتُم بَعدَ البَيَانِ، وَ أَسرَرتُم بَعدَ الإِعلَانِ، وَ نَكَصتُم بَعدَ الإِقدَامِ، وَ أَشرَكتُم بَعدَ الإِيمَانِأَ لا تُقاتِلُونَ قَوماً نَكَثُوا أَيمانَهُم وَ هَمّوا بِإِخراجِ الرّسُولِ وَ هُم بَدَؤُكُم أَوّلَ مَرّةٍ أَ تَخشَونَهُم فَاللّهُ أَحَقّ أَن تَخشَوهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَأَلَا قَد أَرَي أَن قَد أَخلَدتُم إِلَي الخَفضِ، وَ أَبعَدتُم مَن هُوَ أَحَقّ بِالبَسطِ وَ القَبضِ، وَ خَلَوتُم بِالدّعَةِ، وَ نَجَوتُم مِنَ الضّيقِ بِالسّعَةِ،فَمَجَجتُم مَا وَعَيتُم، وَ دَسَعتُمُ ألّذِي تَسَوّغتُم،فَإِن تَكفُرُوا أَنتُم وَ مَن فِي الأَرضِ جَمِيعاً فَإِنّ اللّهَ لغَنَيِ‌ّ حَمِيدٌأَلَا وَ قَد قُلتُ مَا قُلتُ عَلَي مَعرِفَةٍ منِيّ‌ بِالخَذلَةِ التّيِ‌ خَامَرَتكُم، وَ الغَدرَةِ التّيِ‌ استَشعَرَتهَا قُلُوبُكُم، وَ لَكِنّهَا فَيضَةُ النّفسِ، وَ نَفثَةُ الغَيظِ،


صفحه : 230

وَ خَورُ القَنَا، وَ بَثّةُ الصّدرِ، وَ تَقدِمَةُ الحُجّةِ،فَدُونَكُمُوهَا فَاحتَقِبُوهَا دَبِرَةَ الظّهرِ،نَقِبَةَ الخُفّ،بَاقِيَةَ العَارِ،مَوسُومَةً بِغَضَبِ اللّهِ وَ شَنَارِ الأَبَدِ،مَوصُولَةً بِنارُ اللّهِ المُوقَدَةُ التّيِ‌ تَطّلِعُ عَلَي الأَفئِدَةِفَبِعَينِ اللّهِ مَا تَفعَلُونَوَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. وَ أَنَا ابنَةُ نَذِيرٍلَكُم بَينَ يدَيَ‌ عَذابٍ شَدِيدٍفَاعمَلُوا...إِنّا عامِلُونَوَ انتَظِرُوا إِنّا مُنتَظِرُونَ.فَأَجَابَهَا أَبُو بَكرٍ عَبدُ اللّهِ بنُ عُثمَانَ فَقَالَ يَا ابنَةَ رَسُولِ اللّهِ(ص )لَقَد كَانَ أَبُوكِ بِالمُؤمِنِينَ عَطُوفاً كَرِيماً،رَءُوفاً رَحِيماً، وَ عَلَي الكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً، وَ عِقَاباً عَظِيماً، فَإِن عَزَونَاهُ وَجَدنَاهُ أَبَاكِ دُونَ النّسَاءِ، وَ أَخًا لِبَعلِكِ دُونَ الأَخِلّاءِ،آثَرَهُ عَلَي كُلّ حَمِيمٍ، وَ سَاعَدَهُ فِي كُلّ أَمرٍ جَسِيمٍ، لَا يُحِبّكُم إِلّا كُلّ سَعِيدٍ، وَ لَا يغضكم [يُبغِضُكُم] إِلّا كُلّ شقَيِ‌ّ،فَأَنتُم عِترَةُ رَسُولِ اللّهِ(ص )الطّيّبُونَ، وَ الخِيَرَةُ المُنتَجَبُونَ، عَلَي الخَيرِ أَدِلّتُنَا، وَ إِلَي الجَنّةِ مَسَالِكُنَا، وَ أَنتِ يَا خِيَرَةَ النّسَاءِ وَ ابنَةَ خَيرِ الأَنبِيَاءِ صَادِقَةٌ فِي قَولِكِ،سَابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقلِكِ، غَيرُ مَردُودَةٍ عَن حَقّكِ، وَ لَا


صفحه : 231

مَصدُودَةٍ عَن صِدقِكِ، وَ وَ اللّهِ مَا عَدَوتُ رأَي‌َ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ لَا عَمِلتُ إِلّا بِإِذنِهِ، وَ إِنّ الرّائِدَ لَا يَكذِبُ أَهلَهُ، وَ إنِيّ‌ أُشهِدُ اللّهَ وَ كَفَي بِهِ شَهِيداً أنَيّ‌ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ ذَهَباً وَ لَا فِضّةً وَ لَا دَاراً وَ لَا عَقَاراً وَ إِنّمَا نُوَرّثُ الكُتُبَ وَ الحِكمَةَ وَ العِلمَ وَ النّبُوّةَ، وَ مَا كَانَ لَنَا مِن طُعمَةٍ فلَوِلَيِ‌ّ الأَمرِ بَعدَنَا أَن يَحكُمَ فِيهِ بِحُكمِهِ، وَ قَد جَعَلنَا مَا حَاوَلتِهِ فِي الكُرَاعِ وَ السّلَاحِ يُقَاتِلُ بِهِ المُسلِمُونَ وَ يُجَاهِدُونَ الكُفّارَ، وَ يُجَالِدُونَ المَرَدَةَ، ثُمّ الفُجّارَ، وَ ذَلِكَ بِإِجمَاعٍ مِنَ المُسلِمِينَ، لَم أَتَفَرّد بِهِ وحَديِ‌، وَ لَم أَستَبِدّ بِمَا كَانَ الرأّي‌ُ فِيهِ عنِديِ‌، وَ هَذِهِ حاَليِ‌ وَ ماَليِ‌ هيِ‌َ لَكِ وَ بَينَ يَدَيكِ لَا نزَويِ‌ عَنكِ وَ لَا نَدّخِرُ دُونَكِ، وَ أَنتِ سَيّدَةُ أُمّةِ أَبِيكِ، وَ الشّجَرَةُ الطّيّبَةُ لِبَنِيكِ، لَا يُدفَعُ مَا لَكِ مِن فَضلِكِ، وَ لَا يُوضَعُ مِن فَرعِكِ وَ أَصلِكِ،حُكمُكِ نَافِذٌ فِيمَا مَلَكَت يدَاَي‌َ،فَهَل تَرَينَ أَن أُخَالِفَ فِي ذَلِكِ أَبَاكِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ.فَقَالَت عَلَيهَا السّلَامُ سُبحَانَ اللّهِ مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَن كِتَابِ اللّهِ صَارِفاً، وَ لَا لِأَحكَامِهِ مُخَالِفاً،بَل كَانَ يَتبَعُ أَثَرَهُ، وَ يَقفُو


صفحه : 232

سُوَرَهُ، أَ فَتَجمَعُونَ إِلَي الغَدرِ اعتِلَالًا عَلَيهِ بِالزّورِ، وَ هَذَا بَعدَ وَفَاتِهِ شَبِيهٌ بِمَا بغُيِ‌َ لَهُ مِنَ الغَوَائِلِ فِي حَيَاتِهِ، هَذَا كِتَابُ اللّهِ حَكَماً عَدلًا، وَ نَاطِقاً فَصلًا، يَقُولُيرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَوَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَفَبَيّنَ عَزّ وَ جَلّ فِيمَا وُزّعَ عَلَيهِ مِنَ الأَقسَاطِ، وَ شَرَعَ مِنَ الفَرَائِضِ وَ المِيرَاثِ، وَ أَبَاحَ مِن حَظّ الذّكرَانِ وَ الإِنَاثِ مَا أَزَاحَ عِلّةَ المُبطِلِينَ، وَ أَزَالَ التظّنَيّ‌َ وَ الشّبُهَاتِ فِي الغَابِرِينَ،كَلّابَل سَوّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمراً فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَ اللّهُ المُستَعانُ عَلي ما تَصِفُونَ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ صَدَقَ اللّهُ وَ صَدَقَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَت ابنَتُهُ، أَنتِ مَعدِنُ الحِكمَةِ، وَ مَوطِنُ الهُدَي وَ الرّحمَةِ، وَ رُكنُ الدّينِ، وَ عَينُ الحُجّةِ، لَا أُبَعّدُ صَوَابَكِ، وَ لَا أُنكِرُ خِطَابَكِ،هَؤُلَاءِ المُسلِمُونَ بيَنيِ‌ وَ بَينَكِ قلَدّوُنيِ‌ مَا تَقَلّدتُ، وَ بِاتّفَاقٍ مِنهُم أَخَذتُ مَا أَخَذتُ، غَيرَ مُكَابِرٍ وَ لَا مُستَبِدّ وَ لَا مُستَأثِرٍ، وَ هُم بِذَلِكَ شُهُودٌ.فَالتَفَتَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ النّاسَ وَ قَالَت مَعَاشِرَ النّاسِ المُسرِعَةَ إِلَي قِيلِ البَاطِلِ،المُغضِيَةَ عَلَي الفِعلِ القَبِيحِ الخَاسِرِأَ فَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ أَم عَلي قُلُوبٍ أَقفالُها،كَلّا بَل رَانَ عَلَي قُلُوبِكُم، مَا أَسَأتُم مِن أَعمَالِكُم،فَأَخَذَ


صفحه : 233

بِسَمعِكُم وَ أَبصَارِكُم، وَ لَبِئسَ مَا تَأَوّلتُم، وَ سَاءَ مَا بِهِ أَشَرتُم، وَ شَرّ مَا مِنهُ اعتَضَتّم[اغتَصَبتُم]،لَتَجِدُنّ وَ اللّهِ مَحمِلَهُ ثَقِيلًا، وَ غِبّهُ وَبِيلًا، إِذَا كُشِفَ لَكُمُ الغِطَاءُ، وَ بَانَ مَا وَرَاءَهُ الضّرّاءُ، وَ بَدَا لَكُم مِن رَبّكُم مَا لَم تَكُونُوا تَحتَسِبُوُنَوَ خَسِرَ هُنالِكَ المُبطِلُونَ. ثُمّ عَطَفَت عَلَي قَبرِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَالَت


قَد كَانَ بَعدَكَ أَنبَاءٌ وَ هَنبَثَةٌ   لَو كُنتَ شَاهِدَهَا لَم تَكبُرِ الخَطبُ

إِنّا فَقَدنَاكَ فَقدَ الأَرضِ وَابِلَهَا   وَ اختَلّ قَومُكَ فَاشهَدهُم وَ قَد نَكِبُوا

وَ كُلّ أَهلٍ لَهُ قُربَي وَ مَنزِلَةٌ   عِندَ الإِلَهِ عَلَي الأَدنَينِ مُقتَرِبٌ

أَبدَت رِجَالٌ لَنَا نَجوَي صُدُورِهِم   لَمّا مَضَيتَ وَ حَالَت دُونَكَ التّرَبُ

تَجَهّمَتنَا رِجَالٌ وَ استُخِفّ بِنَا   لَمّا فُقِدتَ وَ كُلّ الأَرضِ مُغتَصَبٌ

وَ كُنتَ بَدراً وَ نُوراً يُستَضَاءُ بِهِ   عَلَيكَ تَنزِلُ مِن ذيِ‌ العِزّةِ الكُتُبُ

وَ كَانَ جِبرِيلُ بِالآيَاتِ يُؤنِسُنَا   فَقَد فُقِدتَ فَكُلّ الخَيرِ مُحتَجَبٌ

فَلَيتَ قَبلَكَ كَانَ المَوتُ صَادَفَنَا   لَمّا مَضَيتَ وَ حَالَت دُونَكَ الكُثُبُ

إِنّا رُزِينَا بِمَا لَم يُرزَ ذُو شَجَنٍ   مِنَ البَرّيّةِ لَا عَجَمٌ وَ لَا عَرَبٌ

صفحه : 234

ثُمّ انكَفَأَت عَلَيهَا السّلَامُ وَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَتَوَقّعُ رُجُوعَهَا إِلَيهِ وَ يَتَطَلّعُ طُلُوعَهَا عَلَيهِ فَلَمّا استَقَرّت بِهَا الدّارُ،قَالَت لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيكَ السّلَامُ اشتَمَلتَ شَملَةَ الجَنِينِ، وَ قَعَدتَ حُجرَةَ الظّنِينِ،نَقَضتَ قَادِمَةَ الأَجدَلِ،فَخَانَكَ رِيشُ الأَعزَلِ، هَذَا ابنُ أَبِي قُحَافَةَ يبَتزَنّيِ‌ نَحِيلَةَ أَبِي وَ بُلغَةَ ابنيَ‌ّ،لَقَد أَجهَرَ فِي خصِاَميِ‌، وَ أَلفَيتُهُ أَلَدّ فِي كلَاَميِ‌، حَتّي حبَسَتَنيِ‌ قَيلَةٌ نَصرَهَا، وَ المُهَاجِرَةُ وَصلَهَا، وَ غَضّتِ الجَمَاعَةُ دوُنيِ‌ طَرفَهَا، فَلَا دَافِعَ وَ لَا مَانِعَ،خَرَجتُ كَاظِمَةً، وَ عُدتُ رَاغِمَةً،أَضرَعتَ خَدّكَ يَومَ أَضَعتَ حَدّكَ،افتَرَسَتِ الذّئَابُ وَ افتَرَشتَ التّرَابَ، مَا كَفَفتَ قَائِلًا، وَ لَا أَغنَيتَ بَاطِلًا، وَ لَا خِيَارَ لِي،ليَتنَيِ‌ مِتّ قَبلَ هنَيِئتَيِ‌[هيَنتَيِ‌]، وَ دُونَ زلَتّيِ‌،عذَيِريِ‌ اللّهُ مِنكَ عَادِياً، وَ مِنكَ حَامِياً،ويَلاَي‌َ فِي كُلّ شَارِقٍ،مَاتَ العَمَدُ، وَ وَهَتِ[وَهَنَتِ]العَضُدُ،شكَواَي‌َ إِلَي أَبِي، وَ عدَواَي‌َ إِلَي ربَيّ‌، أللّهُمّ أَنتَ أَشَدّ قُوّةً وَ حَولًا، وَ أَحَدّ بَأساً وَ تَنكِيلًا.


صفحه : 235

فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَا وَيلَ عَلَيكِ،الوَيلُ لِشَانِئِكِ،نهَنهِيِ‌ عَن وَجدِكِ يَا ابنَةَ الصّفوَةِ، وَ بَقِيّةَ النّبُوّةِ،فَمَا وَنَيتُ عَن ديِنيِ‌، وَ لَا أَخطَأتُ مقَدوُريِ‌، فَإِن كُنتِ تُرِيدِينَ البُلغَةَ،فَرِزقُكِ مَضمُونٌ، وَ كَفِيلُكِ مَأمُونٌ، وَ مَا أُعِدّ لَكِ أَفضَلُ مِمّا قُطِعَ عَنكِ،فاَحتسَبِيِ‌ اللّهَ.فَقَالَت حسَبيِ‌َ اللّهُ .. وَ أَمسَكَت.

أقول وجدت هذه الخطبة في كتاب بلاغات النساء لأبي‌ الفضل أحمد بن أبي طاهر،فأحببت إيرادها لما فيه من الاختلاف ، مع ماأوردنا سابقا.9- قال أبوالفضل ذكرت لأبي‌ الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم كلام فاطمة عليها السلام عندمنع أبي بكر إيّاها فدك ، و قلت له إنّ هؤلاء يزعمون أنّه مصنوع ، و أنّه من كلام أبي العيناء الخبر منسوق علي البلاغة علي الكلام فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ، ويعلّمونه أبناءهم ، و قدحدّثنيه أبي عن جديّ‌ يبلغ به فاطمة( ع ) علي هذه الحكاية، ورواه مشايخ الشيعة وتدارسوه بينهم قبل أن يولد جدّ أبي العيناء، و قدحدّث به الحسن بن علوان عن عطية العوفي‌ أنّه سمع عبد اللّه بن الحسن يذكر عن أبيه ، ثم قال أبو الحسين وكيف يذكر هذا من كلام فاطمة فينكر، وهم يروون من كلام عائشة عندموت أبيها ما هوأعجب من كلام فاطمة،فيحقّقونه لو لاعداوتهم لنا أهل البيت .. ثم

ذَكَرَ الحَدِيثَ، قَالَ |


صفحه : 236

لَمّا أَجمَعَ أَبُو بَكرٍ عَلَي مَنعِ فَاطِمَةَ بِنتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ وَ عَلَيهَا فَدَكَ، وَ بَلَغَ ذَلِكَ فَاطِمَةَ( ع )لَاثَت خِمَارَهَا عَلَي رَأسِهَا وَ أَقبَلَت فِي لُمَةٍ مِن حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَومِهَا تَطَأُ ذُيُولَهَا، مَا تَخرِمُ مِن مِشيَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ شَيئاً حَتّي دَخَلَت عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ هُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ فَنِيطَت دُونَهَا مُلَاءَةٌ، ثُمّ أَنّت أَنّةً أَجهَشَ القَومُ لَهَا بِالبُكَاءِ، وَ ارتَجّ المَجلِسُ، وَ أَمهَلَت حَتّي سَكَنَ نَشِيجُ القَومِ وَ هَدَأَت فَورَتُهُم،فَافتَتَحَتِ الكَلَامَ بِحَمدِ اللّهِ وَ الثّنَاءِ عَلَيهِ وَ الصّلَاةِ عَلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ،فَعَادَ القَومُ فِي بُكَائِهِم، فَلَمّا أَمسَكُوا عَادَت فِي كَلَامِهَا فَقَالَتلَقَد جاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَإِن تَعزُوهُ تَجِدُوهُ أَبِي دُونَ نِسَائِكُم، وَ أَخَا ابنِ عمَيّ‌ دُونَ رِجَالِكُم،فَبَلّغَ النّذَارَةَ،صَادِعاً بِالرّسَالَةِ،مَاثِلًا عَلَي مَدرَجَةِ المُشرِكِينَ،ضَارِباً لِثَبَجِهِم،آخِذاً بِكَظَمِهِم،يَجِذّ الأَصنَامَ، وَ يَنكُثُ الهَامَ، حَتّي هَزَمَ الجَمعَ وَ وَلّوُا الدّبُرَ، وَ تَفَرّي اللّيلُ عَن صُبحِهِ، وَ أَسفَرَ الحَقّ عَن مَحضِهِ، وَ نَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَ خَرِسَت شَقَاشِقُ الشّيَاطِينِوَ كُنتُم عَلي شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِمَذقَةَ الشّارِبِ، وَ نُهزَةَ الطّامِعِ، وَ قَبسَةَ العَجلَانِ، وَ مَوطِئَ الأَقدَامِ،تَشرَبُونَ الطّرقَ، وَ تَقتَاتُونَ الوَرَقَ،أَذِلّةً


صفحه : 237

خَاشِعِينَتَخافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ مِن حَولِكُم،فَأَنقَذَكُمُ اللّهُ بِرَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ بَعدَ اللّتَيّا وَ التّيِ‌، وَ بَعدَ مَا منُيِ‌َ بِبُهَمِ الرّجَالِ، وَ ذُؤبَانِ العَرَبِ،كُلّمَا حَشَوا نَاراً لِلحَربِ وَ نَجَمَ قَرنٌ لِلضّلّالِ، وَ فَغَرَت فَاغِرَةٌ مِنَ المُشرِكِينَ،قَذَفَ بِأَخِيهِ فِي لَهَوَاتِهَا، وَ لَا ينَكفَيِ‌ حَتّي يَطَأَ سِمَاخَهَا بِأَخمَصِهِ، وَ يُخمِدَ لَهَبَهَا بِحَدّهِ،مَكدُوداً فِي ذَاتِ اللّهِ،قَرِيباً مِن رَسُولِ اللّهِ،سَيّداً فِي أَولِيَاءِ اللّهِ، وَ أَنتُم فِي بُلَهنِيَةٍ وَادِعُونَ آمِنُونَ، حَتّي إِذَا اختَارَ اللّهُ لِنَبِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]دَارَ أَنبِيَائِهِ،ظَهَرَت حَسِيكَةُ النّفَاقِ، وَ سَمَلَ جِلبَابُ الدّينِ، وَ نَطَقَ كَاظِمُ الغَاوِينَ، وَ نَبَعَ خَامِلُ الأَقَلّينَ، وَ هَدَرَ فَنِيقُ المُبطِلِينَ،يَخطِرُ فِي عَرَصَاتِكُم، وَ أَطلَعَ الشّيطَانُ رَأسَهُ مِن مَغرَزِهِ صَارِخاً بِكُم،فَوَجَدَكُم لِدُعَائِهِ مُستَجِيبِينَ، وَ لِلغِرّةِ فِيهِ مُلَاحِظِينَ،فَاستَنهَضَكُم فَوَجَدَكُم خِفَافاً، وَ أَحمَشَكُم فَأَلفَاكُم غِضَاباً،فَوَسَمتُم غَيرَ إِبِلِكُم، وَ أَورَدتُمُوهَا غَيرَ شِربِكُم، هَذَا وَ العَهدُ قَرِيبٌ،


صفحه : 238

وَ الكَلمُ رَحِيبُ، وَ الجُرحُ لَمّا يَندَمِل،بِدَاراً زَعَمتُم خَوفَ الفِتنَةِ،أَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَ إِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَفَهَيهَاتَ مِنكُم وَ أَنّي بِكُم وَ أَنّي تُؤفَكُونَ، وَ هَذَا كِتَابُ اللّهِ بَينَ أَظهُرِكُم،زَوَاجِرُهُ بَيّنَةٌ، وَ شَوَاهِدُهُ لَائِحَةٌ، وَ أَوَامِرُهُ وَاضِحَةٌ، أَ رَغبَةً عَنهُ تُدبِرُونَ،أَم بِغَيرِهِ تَحكُمُونَبِئسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلًاوَ مَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَ هُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ، ثُمّ لَم تُرِيثُوا أُختَهَا إِلّا رَيثَ أَن تَسكُنَ نَفرَتُهَا،تُسِرّونَ حَسواً فِي ارتِقَاءٍ، وَ نَصبِرُ مِنكُم عَلَي مِثلِ حَزّ المُدَي، وَ أَنتُمُ الآنَ تَزعُمُونَ أَن لَا إِرثَ لَنَا،أَ فَحُكمَ الجاهِلِيّةِ يَبغُونَ وَ مَن أَحسَنُ مِنَ اللّهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ،وَيهاً يَا مَعشَرَ المُهَاجِرَةِ أُبتَزّ إِرثَ أَبِيَه. أَ فِي الكِتَابِ أَن تَرِثَ أَبَاكَ وَ لَا أَرِثَ أَبِيلَقَد جِئتِ شَيئاً فَرِيّافَدُونَكَهَا مَخطُومَةً مَرحُولَةً تَلقَاكَ يَومَ حَشرِكَ،فَنِعمَ الحَكَمُ اللّهُ، وَ الزّعِيمُ مُحَمّدٌ، وَ المَوعِدُ القِيَامَةُ، وَ عِندَ السّاعَةِيَخسَرُ المُبطِلُونَ وَلِكُلّ نَبَإٍ مُستَقَرّ وَ سَوفَ


صفحه : 239

تَعلَمُونَ. ثُمّ انحَرَفَت إِلَي قَبرِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ وَ هيِ‌َ تَقُولُ


قَد كَانَ بَعدَكَ أَنبَاءٌ وَ هَنبَثَةٌ   لَو كُنتَ شَاهِدَهَا لَم تَكثُرِ الخَطبُ

إِنّا فَقَدنَاكَ فَقدَ الأَرضِ وَابِلَهَا   وَ اختَلّ قَومُكَ فَاشهَدهُم وَ لَا تَغِب

قَالَ فَمَا رَأَينَا يَوماً كَانَ أَكثَرَ بَاكِياً وَ لَا بَاكِيَةً مِن ذَلِكَ اليَومِ.

قَالَ أَحمَدُ بنُ أَبِي طَاهِرٍ حدَثّنَيِ‌ جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ رَجُلٌ مِن أَهلِ دِيَارِ مِصرَ لَقِيتُهُ بِالرّافِقَةِ قَالَ حدَثّنَيِ‌ أَبِي قَالَ أَخبَرَنَا مُوسَي بنُ عِيسَي قَالَ أَخبَرَنَا عَبدُ اللّهِ بنُ يُونُسَ قَالَ أَخبَرَنَا جَعفَرٌ الأَحمَرُ عَن زَيدِ بنِ عَلِيّ رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ عَن عَمّتِهِ زَينَبَ بِنتِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ،قَالَت لَمّا بَلَغَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ إِجمَاعُ أَبِي بَكرٍ عَلَي مَنعِهَا فَدَكَ لَاثَت خِمَارَهَا وَ خَرَجَت فِي حَشَدَةِ نِسَائِهَا وَ لُمَةٍ مِن قَومِهَا،تَجُرّ أَدرَاعَهَا، مَا تَخرِمُ مِن مِشيَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]شَيئاً، حَتّي وَقَفَت عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ هُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ فَأَنّت أَنّةً أَجهَشَ لَهَا القَومُ بِالبُكَاءِ، فَلَمّا سَكَنَت فَورَتُهُم قَالَت أَبدَأُ بِحَمدِ اللّهِ ثُمّ أَسبَلَت بَينَهَا وَ بَينَهُم سِجفاً ثُمّ قَالَت الحَمدُ لِلّهِ


صفحه : 240

عَلَي مَا أَنعَمَ، وَ لَهَا[ لَهُ]الشّكرُ عَلَي مَا أَلهَمَ، وَ الثّنَاءُ بِمَا قَدّمَ مِن عُمُومِ نِعَمٍ ابتَدَأَهَا، وَ سُبُوغِ آلَاءٍ أَسدَاهَا، وَ إِحسَانِ مِنَنٍ وَالَاهَا،جَمّ عَنِ الإِحصَاءِ عَدَدُهَا، وَ نَأَي عَنِ المُجَازَاةِ أَمَدُهَا، وَ تَفَاوَتَ عَنِ الإِدرَاكِ آمَالُهَا، وَ استَثَنّي الشّكرَ بِفَضَائِلِهَا، وَ استَحمَدَ إِلَي الخَلَائِقِ بِإِجزَالِهَا، وَ ثَنّي بِالنّدبِ إِلَي أَمثَالِهَا، وَ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ،كَلِمَةٌ جُعِلَ الإِخلَاصُ تَأوِيلَهَا، وَ ضُمّنَ القُلُوبُ مَوصُولَهَا، وَ أَنَارَ فِي الفِكرَةِ مَعقُولُهَا،المُمتَنِعُ مِنَ الأَبصَارِ رُؤيَتُهُ، وَ مِنَ الأَوهَامِ الإِحَاطَةُ بِهِ،ابتَدَعَ الأَشيَاءَ لَا مِن شَيءٍ قَبلَهُ، وَ احتَذَاهَا بِلَا مِثَالٍ لِغَيرِ فَائِدَةٍ زَادَتهُ، إِلّا إِظهَاراً لِقُدرَتِهِ، وَ تَعَبّداً لِبَرِيّتِهِ، وَ إِعزَازاً لِدَعوَتِهِ، ثُمّ جَعَلَ الثّوَابَ عَلَي طَاعَتِهِ، وَ العِقَابَ عَلَي مَعصِيَتِهِ،زِيَادَةً لِعِبَادِهِ عَن نَقِمَتِهِ، وَ حِيَاشاً لَهُم إِلَي جَنّتِهِ، وَ أَشهَدُ أَنّ أَبِي مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ،اختَارَهُ قَبلَ أَن يَجتَبِلَهُ، وَ اصطَفَاهُ قَبلَ أَنِ ابتَعَثَهُ، وَ سَمّاهُ قَبلَ أَنِ استَنجَبَهُ،إِذِ الخَلَائِقُ بِالغُيُوبِ مَكنُونَةٌ، وَ بِسَترِ الأَهَاوِيلِ مَصُونَةٌ، وَ بِنِهَايَةِ العَدَمِ مَقرُونَةٌ،عِلماً مِنَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ بِمَآيِلِ الأُمُورِ، وَ إِحَاطَةً بِحَوَادِثِ الدّهُورِ، وَ مَعرِفَةً بِمَوَاضِعِ المَقدُورِ،ابتَعَثَهُ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ إِتمَاماً لِأَمرِهِ وَ عَزِيمَةً عَلَي إِمضَاءِ حُكمِهِ،فَرَأَي الأُمَمَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فِرَقاً فِي أَديَانِهَا،عُكّفاً عَلَي نِيرَانِهَا،عَابِدَةً لِأَوثَانِهَا،


صفحه : 241

مُنكِرَةً لِلّهِ مَعَ عِرفَانِهَا،فَأَنَارَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ بِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]ظُلَمَهَا، وَ فَرّجَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَهَا، وَ جَلَا عَنِ الأَبصَارِ غُمَمَهَا، ثُمّ قَبَضَ اللّهُ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]قَبضَ رَأفَةٍ وَ اختِيَارٍ،رَغبَةً بأِبَيِ‌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] عَن هَذِهِ الدّارِ،مَوضُوعٌ عَنهُ العبِ ءُ وَ الأَوزَارُ،مُحتَفٍ بِالمَلَائِكَةِ الأَبرَارِ، وَ مُجَاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ، وَ رِضوَانِ الرّبّ الغَفّارِ،صَلّي اللّهُ عَلَي مُحَمّدٍ نبَيِ‌ّ الرّحمَةِ وَ أَمِينِهِ عَلَي وَحيِهِ، وَ صَفِيّهِ مِنَ الخَلَائِقِ، وَ رَضِيّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَرَكَاتُهُ. ثُمّ أَنتُم عِبَادَ اللّهِ تُرِيدُ أَهلَ المَجلِسِ نُصبُ أَمرِ اللّهِ وَ نَهيِهِ، وَ حَمَلَةُ دِينِهِ وَ وَحيِهِ، وَ أُمَنَاءُ اللّهِ عَلَي أَنفُسِكُم، وَ بُلَغَاؤُهُ إِلَي الأُمَمِ،زَعَمتُم حَقّ لَكُم لِلّهِ فِيكُم عَهدٌ قَدّمَهُ إِلَيكُم، وَ نَحنُ بَقِيّةٌ استَخلَفَنَا عَلَيكُم، وَ مَعَنَا كِتَابُ اللّهِ،بَيّنَةٌ بَصَائِرُهُ، وَ آي‌ٌ فِينَا مُنكَشِفَةٌ سَرَائِرُهُ، وَ بُرهَانٌ مُنجَلِيَةٌ ظَوَاهِرُهُ،مُدِيمٌ لِلبَرِيّةِ إِسمَاعُهُ،قَائِدٌ إِلَي الرّضوَانِ اتّبَاعُهُ،مُؤَدّ إِلَي النّجَاةِ استِمَاعُهُ، فِيهِ بَيَانُ حُجَجِ اللّهِ المُنَوّرَةِ، وَ عَزَائِمِهِ المُفَسّرَةِ، وَ مَحَارِمِهِ المُحَذّرَةِ، وَ بَيّنَاتِهِ الجَالِيَةِ، وَ جُمَلِهِ الكَافِيَةِ، وَ فَضَائِلِهِ المَندُوبَةِ، وَ رُخَصِهِ المَوهُوبَةِ، وَ شَرَائِعِهِ المَكتُوبَةِ،فَفَرَضَ اللّهُ الإِيمَانَ تَطهِيراً لَكُم مِنَ الشّركِ، وَ الصّلَاةَ تَنزِيهاً عَنِ الكِبرِ، وَ الصّيَامَ تَثبِيتاً لِلإِخلَاصِ، وَ الزّكَاةَ تَزيِيداً فِي الرّزقِ، وَ الحَجّ تَسلِيَةً لِلدّينِ، وَ العَدلَ تَنَسّكاً لِلقُلُوبِ، وَ طَاعَتَنَا


صفحه : 242

نِظَاماً لِلمِلّةِ، وَ إِمَامَتَنَا لَمّاً مِنَ الفُرقَةِ، وَ حُبّنَا عِزّاً لِلإِسلَامِ، وَ الصّبرَ مَنجَاةً، وَ القِصَاصَ حَقناً لِلدّمَاءِ، وَ الوَفَاءَ بِالنّذرِ تَعَرّضاً لِلمَغفِرَةِ، وَ تَوفِيَةَ المَكَايِيلِ وَ المَوَازِينِ تَغيِيراً لِلبَخسَةِ، وَ النهّي‌َ عَن شُربِ الخَمرِ تَنزِيهاً عَنِ الرّجسِ، وَ قَذفَ المُحصَنَاتِ اجتِنَاباً لِلّعنَةِ، وَ تَركَ السّرَقِ إِيجَاباً لِلعِفّةِ، وَ حَرّمَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ الشّركَ إِخلَاصاً لَهُ بِالرّبُوبِيّةِ فَاتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنّ إِلّا وَ أَنتُم مُسلِمُونَ وَ أَطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَكُم بِهِ وَ نَهَاكُم عَنهُ،فَإِنّهُإِنّما يَخشَي اللّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ. ثُمّ قَالَت أَيّهَا النّاسُ أَنَا فَاطِمَةُ، وَ أَبِي مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]أَقُولُهَا بَدءاً عَلَي عوَديِ‌لَقَد جاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم.. .. ثُمّ سَاقَ الكَلَامَ عَلَي مَا رَوَاهُ زَيدُ بنُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فِي رِوَايَةِ أَبِيهِ. ثُمّ قَالَت فِي مُتّصِلِ كَلَامِهَا أَ فَعَلَي مُحَمّدٍ تَرَكتُمُ كِتَابَ اللّهِ، وَ نَبَذتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُم،إِذ يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَيوَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ، وَ قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ فِيمَا قَصّ مِن خَبَرِ يَحيَي بنِ زَكَرِيّا رَبّفَهَب لِي مِن لَدُنكَ وَلِيّا يرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ، وَ قَالَ عَزّ ذِكرُهُوَ أُولُوا الأَرحامِ بَعضُهُم أَولي بِبَعضٍ فِي كِتابِ اللّهِ، وَ قَالَيُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَولادِكُم لِلذّكَرِ مِثلُ حَظّ


صفحه : 243

الأُنثَيَينِ، وَ قَالَإِن تَرَكَ خَيراً الوَصِيّةُ لِلوالِدَينِ وَ الأَقرَبِينَ بِالمَعرُوفِ حَقّا عَلَي المُتّقِينَ وَ زَعَمتُم أَلّا حُظوَةَ لِي وَ لَا إِرثَ مِن أَبِي، وَ لَا رَحِمَ بَينَنَا، أَ فَخَصّكُمُ اللّهُ بِآيَةٍ أَخرَجَ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]مِنهَا أَم تَقُولُونَ أَهلُ مِلّتَينِ لَا يَتَوَارَثُونَ أَ وَ لَستُ أَنَا وَ أَبِي مِن أَهلِ مِلّةٍ وَاحِدَةٍ أَم لَعَلّكُم أَعلَمُ بِخُصُوصِ القُرآنِ وَ عُمُومِهِ مِنَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]أَ فَحُكمَ الجاهِلِيّةِ يَبغُونَ وَ مَن أَحسَنُ مِنَ اللّهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ أَ أُغلَبُ عَلَي إرِثيِ‌ ظُلماً وَ جَوراًوَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. وَ ذَكَرَ أَنّهَا لَمّا فَرَغَت مِن كَلَامِ أَبِي بَكرٍ وَ المُهَاجِرِينَ عَدَلَت إِلَي مَجلِسِ الأَنصَارِ،فَقَالَت مَعشَرَ البَقِيّةِ، وَ أَعضَاءَ المِلّةِ، وَ حُصُونَ الإِسلَامِ مَا هَذِهِ الغَمِيرَةُ[الغَمِيزَةُ] فِي حقَيّ‌ وَ السّنَةُ عَن ظلُاَمتَيِ‌ أَ مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَقُولُ المَرءُ يُحفَظُ فِي وُلدِهِ سَرعَانَ مَا أَجدَبتُم فَأَكدَيتُم، وَ عَجلَانَ ذَا إِهَالَةٍ، أَ تَقُولُونَ مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فَخَطبٌ جَلِيلٌ استَوسَعَ وَهيُهُ، وَ استَنهَرَ فَتقُهُ، وَ بَعُدَ وَقتُهُ، وَ أَظلَمَتِ الأَرضُ لِغَيبَتِهِ، وَ اكتَأَبَت خِيَرَةُ اللّهِ لِمُصِيبَتِهِ، وَ خَشَعَتِ الجِبَالُ، وَ أَكدَتِ الآمَالُ، وَ أُضِيعَ الحَرِيمُ، وَ أُزِيلَتِ الحُرمَةُ عِندَ مَمَاتِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]


صفحه : 244

وَ تِلكَ نَازِلَةٌ علن [أَعلَنَ] بِهَا كِتَابُ اللّهِ فِي أَفنِيَتِكُم فِي مُمسَاكُم وَ مُصبَحِكُم،يَهتِفُ بِهَا فِي أَسمَاعِكُم، وَ لقلبه [قَبلَهُ] مَا حَلّت بِأَنبِيَاءِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ رُسُلِهِوَ ما مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرّسُلُ أَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلي أَعقابِكُم وَ مَن يَنقَلِب عَلي عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيئاً وَ سيَجَزيِ‌ اللّهُ الشّاكِرِينَإِيهاً بنَيِ‌ قَيلَةَ أَ أُهضِمَ تُرَاثُ أَبِيَه وَ أَنتُم بِمَرأًي مِنهُ وَ مَسمَعٍ تَلبِسُكُمُ الدّعوَةُ، وَ تَشمَلُكُمُ الحَيرَةُ، وَ فِيكُمُ العَدَدُ وَ العُدّةُ، وَ لَكُمُ الدّارُ، وَ عِندَكُمُ الجُنَنُ، وَ أَنتُمُ الأَولَي يحبه [نُخبَةُ] اللّهِ التّيِ‌ انتَجَبَ لِدِينِهِ وَ أَنصَارُ رَسُولِهِ، وَ أَهلُ الإِسلَامِ، وَ الخِيَرَةُ التّيِ‌ اختَارَ لَنَا أَهلَ البَيتِ،فَبَادَيتُمُ العَرَبَ، وَ نَاهَضتُمُ الأُمَمَ، وَ كَافَحتُمُ البُهَمَ، لَا نَبرَحُ نَأمُرُكُم وَ تَأتَمِرُونَ، حَتّي دَارَت لَكُم بِنَا رَحَي الإِسلَامِ، وَ دَرّ حَلَبُ الأَنَامِ، وَ خَضَعَت نَعرَةُ الشّركِ، وَ بَاخَت نِيرَانُ الحَربِ، وَ هَدَأَت دَعوَةُ الهَرجِ، وَ استَوثَقَ نِظَامُ الدّينِ،فَأَنّي جُرتُم بَعدَ البَيَانِ، وَ نَكَصتُم بَعدَ الإِقدَامِ، وَ أَسرَرتُم بَعدَ الإِعلَانِ،لِقَومٍ نَكَثُوا أَيمَانَهُمأَ تَخشَونَهُم فَاللّهُ أَحَقّ أَن تَخشَوهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ.أَلَا قَد أَرَي أَن قَد أَخلَدتُم إِلَي الخَفضِ، وَ رَكَنتُم إِلَي الدّعَةِ،فَعُجتُم


صفحه : 245

عَنِ الدّينِ، وَ مَجَجتُمُ ألّذِي وَعَيتُم، وَ وَسّعتُمُ ألّذِي سُوّغتُم فَإِن تَكفُرُوا أَنتُم وَ مَن فِي الأَرضِ جَمِيعاً فَإِنّ اللّهَ لغَنَيِ‌ّ حَمِيدٌ.أَلَا وَ قَد قُلتُ ألّذِي قُلتُهُ عَلَي مَعرِفَةٍ منِيّ‌ بِالخِذلَانِ ألّذِي خَامَرَ صُدُورَكُم، وَ استَشعَرَتهُ قُلُوبُكُم، وَ لَكِن قُلتُهُ فَيضَةَ النّفسِ، وَ نَفثَةَ الغَيظِ، وَ بَثّةَ الصّدرِ، وَ مَعذِرَةَ الحُجّةِ،فَدُونَكُمُوهَا فَاحتَقِبُوهَا مُدبِرَةَ الظّهرِ،نَاقِبَةَ الخُفّ،بَاقِيَةَ العَارِ،مَوسُومَةً بِشَنَارِ الأَبَدِ،مَوصُولَةً بِنارُ اللّهِ المُوقَدَةُ التّيِ‌ تَطّلِعُ عَلَي الأَفئِدَةِ.فَبِعَينِ اللّهِ مَا تَفعَلُونَوَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ وَ أَنَا ابنَةُ نَذِيرٍلَكُم بَينَ يدَيَ‌ عَذابٍ شَدِيدٍ،فَاعمَلُوا...إِنّا عامِلُونَ وَ انتَظِرُوا إِنّا مُنتَظِرُونَ.

قال أبوالفضل و قدذكر قوم أنّ أباالعيناء ادّعي هذاالكلام ، و قدرواه قوم وصحّحوه وكتبناه علي ما فيه .

وَ حدَثّنَيِ‌ عَبدُ اللّهِ بنُ أَحمَدَ العبَديِ‌ّ عَنِ الحُسَينِ بنِ عُلوَانَ عَن عَطِيّةَ العوَفيِ‌ّ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا بَكرٍ يَومَئِذٍ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ لَقَد كَانَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ بِالمُؤمِنِينَ رَحِيماً، وَ عَلَي الكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً، وَ إِذَا عَزَونَاهُ كَانَ أَبَاكِ دُونَ النّسَاءِ، وَ أَخَا ابنِ عَمّكِ دُونَ الرّجَالِ،آثَرَهُ عَلَي كُلّ حَمِيمٍ، وَ سَاعَدَهُ عَلَي الأَمرِ العَظِيمِ، لَا يُحِبّكُم إِلّا العَظِيمُ السّعَادَةِ، وَ لَا يُبغِضُكُم إِلّا


صفحه : 246

الردّيِ‌ّ الوِلَادَةِ، وَ أَنتُم عِترَةُ اللّهِ الطّيّبُونَ، وَ خِيَرَةُ اللّهِ المُنتَجَبُونَ، عَلَي الآخِرَةِ أَدَلتَنَا، وَ بَابُ الجَنّةِ لِسَالِكِنَا، وَ أَمّا مَنعُكِ مَا سَأَلتِ فَلَا ذَلِكِ لِي، وَ أَمّا فَدَكُ وَ مَا جَعَلَ أَبُوكِ لَكِ، فَإِن مَنَعتُكِ فَأَنَا ظَالِمٌ، وَ أَمّا المِيرَاثُ فَقَد تَعلَمِينَ أَنّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَالَ لَا نُوَرّثُ مَا أَبقَينَاهُ صَدَقَةٌ.قَالَت إِنّ اللّهَ يَقُولُ عَن نبَيِ‌ّ مِن أَنبِيَائِهِيرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ، وَ قَالَوَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ،فَهَذَانِ نَبِيّانِ، وَ قَد عَلِمتَ أَنّ النّبُوّةَ لَا تُورَثُ وَ إِنّمَا يُورَثُ مَا دُونَهَا،فَمَا لِي أُمنَعُ إِرثَ أَبِي أَ أَنَزَلَ اللّهُ فِي الكِتَابِ إِلّا فَاطِمَةَ( ع )بِنتَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]فتَدَلُنّيِ‌ عَلَيهِ فَأَقنَعَ بِهِ فَقَالَ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] أَنتِ عَينُ الحُجّةِ، وَ مَنطِقُ الرّسَالَةِ، لَا يَدَ لِي بِجَوَابِكِ، وَ لَا أَدفَعُكِ عَن صَوَابِكِ، وَ لَكِن هَذَا أَبُو الحَسَنِ بيَنيِ‌ وَ بَينَكِ هُوَ ألّذِي أخَبرَنَيِ‌ بِمَا تَفَقّدتِ، وَ أنَبأَنَيِ‌ بِمَا أَخَذتِ وَ تَرَكتِ.قَالَت فَإِن يَكُن ذَلِكَ كَذَلِكَ فَصَبرٌ لِمُرّ الحَقّ، وَ الحَمدُ لِلّهِ إِلَهَ الحَقّ. وَ مَا وَجَدتُ هَذَا الحَدِيثَ عَلَي التّمَامِ إِلّا عِندَ أَبِي هَفّانَ.

أقول لايخفي علي ذي‌ عينين أنّ ماألحقوه في آخر الخبر لايوافق شيئا من الروايات ، و لايلائم مامرّ من الفقرات والتظلّمات والشكايات ، وسنوضح القول في ذلك إن شاء اللّه تعالي . ولنوضّح تلك الخطبة الغرّاء الساطعة عن سيدة النساء صلوات اللّه عليها


صفحه : 247

التي‌ تحيّر من العجب منها والإعجاب بهاأحلام الفصحاء والبلغاء، ونبني‌ الشرح علي رواية الإحتجاج ونشير أحيانا إلي الروايات الأخر.

قوله أَجمَعَ أَبُو بَكرٍ .. أي أحكم النيّة والعزيمة عليه .لَاثَت خِمَارَهَا عَلَي رَأسِهَا .. أي عصبته وجمعته ،يقال لاث العمامة علي رأسه يلوثها لوثا أي شدّها وربطها.. والجِلبَابُ بالكسر يطلق علي الملحفة والرّداء والإزار والثّوب الواسع للمرأة دون الملحفة، والثّوب كالمقنعة تغطيّ‌ بهاالمرأة رأسها وصدرها وظهرها، والأوّل هنا أظهر.أَقبَلَت فِي لُمَةٍ مِن حَفَدَتِهَا .. اللّمَةُ بضمّ اللّام وتخفيف الميم الجماعة، قال في النهاية في حديث فاطمة( ع )أنّها خرجت في لمة من نسائها تتوطّأ ذيلها إلي أبي بكر فعاتبته .. أي في جماعة من نسائها،قيل هي‌ ما بين الثّلاثة إلي العشرة، وقيل اللّمَةُ المثل في السّن والتّرب. و قال الجوهري‌ الهاء عوض من الهمزة الذّاهبة من وسطة، و هوممّا


صفحه : 248

أخذت عينه كسر ومذ وأصلها فعلة من الملاءمة، وهي‌ الموافقة.انتهي .

أقول ويحتمل أن يكون بتشديد الميم . قال الفيروزآبادي‌ اللّمّةُ بالضّم الصّاحب والأصحاب في السّفر والمونس للواحد والجمع . والحَفَدَةُ بالتحريك الأعوان والخدم .تَطَأُ ذُيُولَهَا .. أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، وتضع عليها قدمها عندالمشي‌، وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أوتعدّد الثياب . مَا تَخرِمُ مِشيَتُهَا مِشيَةَ رَسُولِ اللّهِ صلّي اللّه عليه وآله .. و في بعض النسخ مِن مشَي‌ِ رَسُولِ اللّهِ صلّي اللّه عليه وآله ، والخَرمُ التّرك، والنّقص والعدول ، والمِشيَةُ بالكسر الاسم من مشي يمشي‌ مشيا، أي لم تنقص مشيها من مشيه صلّي اللّه عليه وآله شيئا كأنّه هوبعينه ، قال في النهاية فيه ماخرمت من صلاة رسول اللّه .. شيئا أي ماتركت ، و منه الحديث ‌« لم أخرم منه حرفا» أي لم أدع . والحَشدُ بالفتح و قديحرّك الجماعة. و في الكشف إنّ فاطمة عليها السلام لمّا بلغها إجماع أبي بكر علي منعها فدكا لاثت خمارها وأقبلت في لميمة من حفدتها ونساء قومها،تجرّ أدراعها، وتطأ في


صفحه : 249

ذيولها، ماتخرم من مشية رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ... حتي دخلت علي أبي بكر و قدحشد المهاجرين والأنصار فضرب بينهم بريطة بيضاء، وقيل قبطية ... فأنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت طويلا حتي سكنوا من فورتهم ...، ثم قالت ( ع )أبتد‌ئ بحمد من هوأولي بالحمد والطول والمجد،الحمد للّه علي ماأنعم .. فنيطت دونها ملاءة .. الملاءة بالضم والمدّ الرّيطة والإزار، ونيطت بمعني علّقت أي ضربوا بينها عليها السلام و بين القوم سترا وحجابا، والرّيطَةُ بالفتح الملاءة إذاكانت قطعة واحدة، و لم تكن لفقين ، أوهي‌ كلّ ثوب لينّ رقيق . والقِبطِيّةُ بالكسر ثياب بيض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر، و قديضمّ لأنّهم يغيّرون في النّسبة. والجَهشُ أن يفزع الإنسان إلي غيره و هو مع ذلك يريد البكاء كالصبّي‌ّ يفزع إلي أمّه و قدتهيّأ للبكاء،يقال جهش إليه كمنع وأجهش . والِارتِجَاجُ الاضطراب . قوله هُنَيئَةً .. أي صبرت زمانا قليلا.


صفحه : 250

والنّشِيجُ صوت معه توجّع وبكاء كمايردّد الصبّي‌ّ بكاءه في صدره . وهدأت كمنعت أي سكنت . وفَورَةُ الشيّ‌ءِ شِدّتُهُ، وَ فَارَ القِدرُ أي جاشت .قولها صلوات اللّه عليها بِمَا قَدّمَ .. أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها، ويحتمل أن يكون المراد بالتقديم الإيجاد والفعل من غيرملاحظة معني الابتداء،فيكون تأسيسا. والسّبُوغُ الكمال . والآلَاءُ النّعماء جمع أَلَي بالفتح والقصر و قديكسر الهمزة. وأَسدَي وأَولَي وأَعطَي بمعني واحد.قولها وَالَاهَا .. أي تابعها،بإعطاء نعمة بعدأخري بلا فصل . وجَمّ الشيّ‌ءُ أي كثر، والجمّ الكثير، والتعدية بعن لتضمين معني التعدي‌ والتجاوز.قولها عليها السلام ونَأَي عن الجزاء أمدها .. الأَمَدُ بالتحريك الغاية المنتهي ، أي بعد عن الجزاء بالشكر غايتها،فالمراد بالأمد إما الأمد المفروض ،إذ لاأمد لها علي الحقيقة، أوالأمد الحقيقي‌ لكلّ حدّ من حدودها


صفحه : 251

المفروضة، ويحتمل أن يكون المراد بأمدها ابتداؤها، و قدمرّ في كثير من الخطب بهذا المعني . و قال في النهاية في حديث الحجّاج‌« قال للحسن مَا أَمَدُكَ قال سنتان من خلافة عمر»،أراد أنّه ولد لسنتين من خلافته ، وللإنسان أمدان ،مولده وموته .انتهي . و إذاحمل عليه يكون أبلغ ، ويحتمل علي بعد أن يقرأ بكسر الميم ، قال الفيروزآبادي‌ الأَمِدُ المملوّ من خير وشرّ، والسّفينة المشحونة. وتفاوت عن الإدراك أبدها .. التّفاوت البعد، والأبد الدّهر والدائم والقديم الأزلي‌، وبعده عن الإدراك لعدم الانتهاء. ونَدَبَهُم لِاستِزَادَتِهَا بِالشّكرِ لِاتّصَالِهَا .. يقال نَدَبَهُ لِلأَمرِ و إِلَيهِ فَانتَدَبَ .. أي دعاه فأجاب ، واللام في قولها لاتصالها .. لتعليل الندب .. أي رَغّبَهُم في استزادة النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غيرمنقطعة عنهم ، وجعل اللام الأولي للتعليل والثانية للصلة بعيد، و في بعض النسخ لإفضالها،فيحتمل تعلقه بالشكر. وَ استَحمَدَ إِلَي الخَلَائِقِ بِإِجزَالِهَا .. أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم ،يقال أجزلت له من العطاء .. أي أكثرت ، وأجزاك


صفحه : 252

النعم كأنه طلب الحمد أوطلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم ، و علي التقديرين التعدية بإلي لتضمين معني الانتهاء أوالتوجّه، و هذه التعدية في الحمد شائع بوجه آخر،يقال أحمدإليك اللّه،قيل أي أحمده معك ، وقيل أي أحمدإليك نعمة اللّه بتحديثك إيّاها، ويحتمل أن يكون استحمد بمعني تحمد،يقال فلان يتحمّد عليّ .. أي يمتنّ،فيكون إلي بمعني علي ، و فيه بعد. وثنّي بالندب إلي أمثالها .. أي بعد أن أكمل لهم النعم الدنيويّة ندبهم إلي تحصيل أمثالها من النعم الأخروية أوالأعم منها و من مزيد النعم الدنيوية، ويحتمل أن يكون المراد بالندب إلي أمثالها أمر العباد بالإحسان والمعروف ، و هوإنعام علي المحسن إليه و علي المحسن أيضا،لأنّه به يصير مستوجبا للأعواض والمثوبات الدنيوية والأخروية.كلمة جعل الإخلاص تأويلها .. المراد بالإخلاص جعل الأعمال كلّها خالصة للّه تعالي ، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة، وعدم التوسل بغيره تعالي في شيء من الأمور،فهذا تأويل كلمة التوحيد،لأن من أيقن بأنّه الخالق والمدبّر، وبأنه لاشريك له في الإلهية فحقّ له أن لايشرك في العبادة غيره ، و لايتوجّه في شيء من الأمور إلي غيره . وضَمّنَ القُلُوبَ مَوصُولَهَا .. هذه الفقرة تحتمل وجوها

الأول أن اللّه تعالي ألزم وأوجب علي القلوب ماتستلزمه هذه الكلمة من عدم تركبّه تعالي ، وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك ممّا يؤول إلي التوحيد.

الثاني‌ أن يكون المعني جعل مايصل إليه العقل من تلك الكلمة مدرجا


صفحه : 253

في القلوب ممّا أراهم من الآيات فِي الآفاقِ وَ فِي أَنفُسِهِم، أوبما فطرهم عليه من التوحيد.

الثالث أن يكون المعني لم يكلف العقول الوصول إلي منتهي دقائق كلمة التوحيد وتأويلها،بل إنّما كلّف عامّة القلوب بالإذعان بظاهر معناها، وصريح مغزاها، و هوالمراد بالموصول .

الرابع أن يكون الضمير في موصولها راجعا إلي القلوب ، أي لم يلزم القلوب إلّا مايمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة، والدقائق المستنبطة منها أومطلقها، و لو لاالتفكيك لكان أحسن الوجوه بعدالوجه الأول ،بل مطلقا. وأَنَارَ فِي الفِكرِ مَعقُولَهَا .. أي أوضح في الأذهان مايتعقّل من تلك الكلمة بالتفكّر في الدلائل والبراهين ، ويحتمل إرجاع الضمير إلي القلوب أوالفكر بصيغة الجمع أي أوضح بالتفكّر مايعقلها العقول ، و هذايؤيد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة.المُمتَنِعِ مِنَ الأَبصَارِ رُؤيَتُهُ .. يمكن أن يقرأ الأبصار بصيغة الجمع والمصدر، والمراد بالرؤية العلم الكامل والظهور التام . وَ مِنَ الأَلسُنِ صِفَتُهُ .. الظاهر أن الصفة هنا مصدر، ويحتمل المعني المشهور بتقدير أي بيان صفته . لَا مِن شَيءٍ .. أي مادة.بِلَا احتِذَاءِ أَمثِلَةٍ امتَثَلَهَا .. احتذي مثاله اقتدي به وامتثلها .. أي تبعها.


صفحه : 254

و لم يتعدّ عنها .. أي لم يخلقها علي وفق صنع غيره . وتنبيها علي طاعته .. لأنّ ذوي‌ العقول يتنبّهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها والمنعم بهاواجب ، أو أنّ خالقها مستحقّ للعبادة، أوبأنّ من قدر عليها يقدر علي الإعادة والانتقام . وتعبدا لبريّته .. أي خلق البريّة ليتعبّدهم، أوخلق الأشياء ليتعبّد البرايا بمعرفته والاستدلال بها عليه . وإعزازا لدعوته . أي خلق الأشياء ليغلب ويظهر دعوة الأنبياء إليه بالاستدلال بها.ذيادة لعباده عن نقمته ، وحياشة لهم إلي جنّته .. الذود والذيّاد بالذّال المعجمة .. السّوق والطّرد والدّفع والإبعاد. وحشت الصّيد أحوشه إذاجئته من حواليه لتصرفه إلي الحبالة. ولعلّ التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عمّا يوجب دخول الجنّة.قبل أن اجتبله .. الجبل الخلق ،يقال جبلهم اللّه .. أي خلقهم ، وجبله علي الشي‌ّء .. أي طبعه عليه ، ولعلّ المعني أنه تعالي سمّاه لأنبيائه قبل أن يخلقه ، ولعلّ زيادة البناء للمبالغة تنبيها علي أنه خلق عظيم ، و في بعض النسخ بالحاء المهملة يقال احتبل الصّيد .. أي أخذه بالحبالة،فيكون المراد به الخلق أوالبعث مجازا، و في بعضها قبل أن اجتباه .. أي اصطفاه بالبعثة، و كل منها لايخلو من تكلّف.


صفحه : 255

وبِسَترِ الأَهَاوِيلِ مَصُونَةٌ .. لعلّ المراد بالستر ستر العدم أوحجب الأصلاب والأرحام ، ونسبته إلي الأهاويل لمايلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود وعوائقه ، ويحتمل أن يكون المراد أنها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم ،إذ هي‌ إنّما تلحقها بعدالوجود، وقيل التعبير من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات .بِمَآئِلِ الأُمُورِ علي صيغة الجمع .. أي عواقبها، و في بعض النسخ بصيغة المفرد. وَ مَعرِفَةً بِمَوَاقِعِ المَقدُورِ .. أي لمعرفته تعالي بما يصلح وينبغي‌ من أزمنة الأمور الممكنة المقدور وأمكنتها، ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر،بل هوأظهر.إِتمَاماً لِأَمرِهِ .. أي للحكمة التي‌ خلق الأشياء لأجلها، والإضافة في مقادير حتمه من قبيل إضافة الموصوف إلي الصفة .. أي مقاديره المحتومة. وقولها عليها السلام عُكّفاً عَلَي نِيرَانِهَا .. تفصيل وبيان للفرق بذكر بعضها،يقال عكف علي الشي‌ّء كضرب ونصر أي أقبل عليه مواظبا ولازمه فهو عاكف ، ويجمع علي عكّف بضم العين وفتح الكاف المشددة كما هوالغالب في فاعل الصفة نحو شهّد وغيّب. والنّيرَانُ .. جمع نار، و هوقياس مطرد في جمع الأجوف ،نحو تيجان وجيران .مُنكِرَةً لِلّهِ مَعَ عِرفَانِهَا .. لكون معرفته تعالي فطرية، أولقيام الدلائل


صفحه : 256

الواضحة الدالة علي وجوده سبحانه ، والضمير( في ظلمها)راجع إلي الأمم ، والضميران التاليان له يمكن إرجاعهما إليها و إلي القلوب والأبصار. والظّلَمُ بضمّ الظّاء وفتح اللّام جمع ظلمة استعيرت هنا للجهالة. والبُهَمُ جمع بهمة بالضم وهي‌ مشكلات الأمور. وجَلَوتُ الأَمرَ .. أوضحته وكشفته . والغُمَمُ جمع غُمّة يقال أمر غمّة أي مبهم ملتبس ، قال اللّه تعالي ثُمّ لا يَكُن أَمرُكُم عَلَيكُم غُمّةً، قال أبوعبيدة مجازها ظلمة وضيق ، وتقول غممت الشي‌ّء إذاغطّيته وسترته . والعَمَايَةُ الغِوَايَةُ وَ اللّجَاجُ،ذكره الفيروزآبادي‌. واختيار .. أي من اللّه له ما هوخير له ، أوباختيار منه صلّي اللّه عليه وآله ورضي وكذا الإيثار، والأول أظهر فيهما.بمحمّد صلّي اللّه عليه وآله عن تعب هذه الدار .. لعلّ الظرف متعلّق بالإيثار بتضمين معني الضنّة أونحوها، و في بعض النسخ محمّد بدون الباء فتكون الجملة استئنافية أومؤكدة للفقرة السابقة، أوحالية بتقدير الواو، و في بعض كتب المناقب القديمة فمحمّد صلّي اللّه عليه وآله ، و هوأظهر، و في رواية كشف الغمة رغبته بمحمّد صلّي اللّه عليه وآله عن تعب هذه الدار، و

فِي رِوَايَةِ


صفحه : 257

أَحمَدَ بنِ أَبِي طَاهِرٍ بأِبَيِ‌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَزّت هَذِهِ الدّارُ ..

و هوأظهر، ولعلّ المراد بالدار دار القرار، و لو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة، و علي التقادير لايخلو من تكلّف.نُصبُ أَمرِهِ .. قال الفيروزآبادي‌ النّصب بالفتح العلم المنصوب ويحرّك .. و هذانصب عيني‌ بالضم والفتح .. أي نصبكم اللّه لأوامره ونواهيه ، و هوخبر الضمير، وعباد اللّه منصوب علي النداء. وبلغاؤه إلي الأمم .. أي تؤدّون الأحكام إلي سائر الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلّي اللّه عليه وآله .زَعَمتُم حَقّ لَكُم .. أي زعمتم أن ماذكر ثابت لكم ، وتلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق ، ويمكن أن يقرأ علي الماضي‌ المجهول ، و في إيراد لفظ الزعم إشعار بأنّهم ليسوا متصفين بهاحقيقة، وإنما يدعون ذلك كذبا، ويمكن أن يكون حق لكم .. جملة أخري مستأنفة .. أي زعمتم أنكم كذلك و كان يحق لكم وينبغي‌ أن تكونوا كذلك لكن قصرتم ، و في بعض النسخ وزعمتم حق لكم فيكم وعهد، و في كتاب المناقب القديم زعمتم أن لاحقّ لي فيكم عهدا قدمه إليكم .. فيكون عهدا منصوبا ب اذكروا ونحوه ، و في الكشف إلي الأمم خولكم اللّه فيكم عهد.قولها عليها السلام للّه فيكم عهد وبقية .. العهد الوصيّة، وبقية الرجل مايخلفه في أهله ، والمراد بهما القرآن ، أوبالأول ماأوصاهم به في أهل بيته وعترته ، وبالثاني‌ القرآن .


صفحه : 258

و في رواية أحمد بن أبي طاهر وبقية استخلفنا عليكم ، ومعنا كتاب اللّه .. فالمراد بالبقية أهل البيت عليهم السلام ، وبالعهد ماأوصاهم به فيهم . والبصائر جمع بصيرة وهي‌ الحجّة، والمراد بانكشاف السرائر وضوحها عندحملة القرآن وأهله .مغتبط به أشياعه .. الغبطة أن يتمنّي المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها منه ،تقول غبطته فاغتبط، والباء للسببية .. أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه ، وتلك الفقرة غيرموجودة في سائر الروايات .مُؤَدّ إِلَي النّجَاةِ إِسمَاعُهُ .. علي بناء الإفعال .. أي تلاوته ، و في بعض نسخ الإحتجاج وسائر الروايات استماعه . والمراد بالعزائم الفرائض ، وبالفضائل السنن ، وبالرخص المباحات ،بل مايشمل المكروهات ، وبالشرائع ماسوي ذلك من الأحكام كالحدود والديات أوالأعم ، و أماالحجج والبيّنات والبراهين فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض ، ويمكن تخصيص كل منها ببعض مايتعلق بأصول الدين لبعض المناسبات ، و في رواية ابن أبي طاهر وبيناته الجالية، وجمله الكافية .. فالمراد بالبينات المحكمات ، وبالجمل المتشابهات ، ووصفها بالكافية لدفع توهم نقص فيهالإجمالها،فإنها كافية فيما أريد منها، ويكفي‌ معرفة الراسخين في العلم بالمقصود منها،فإنّهم المفسّرون لغيرهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالجمل العمومات التي‌ يستنبط منها الأحكام الكثيرة.تزكية للنفس .. أي من دنس الذنوب ، أو من رذيلة البخل ،إشارة إلي قوله تعالي تُطَهّرُهُم وَ تُزَكّيهِم بِها.


صفحه : 259

وَ نَمَاءً فِي الرّزقِ .. إيماء إلي قوله تعالي وَ ما آتَيتُم مِن زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ علي بعض التفاسير.تثبيتا للإخلاص .. أي لتشييد الإخلاص وإبقائه ، أولإثباته وبيانه ، ويؤيد الأخير أن في بعض الروايات تبيينا، وتخصيص الصوم بذلك لكونه أمرا عدميا لايظهر لغيره تعالي ،فهو أبعد من الرياء، وأقرب إلي الإخلاص ، و هذاأحد الوجوه في تفسير الحديث المشهور الصوم لي و أناأجزي‌ به ، و قدشرحناه في حواشي‌ الكافي‌، وسيأتي‌ في كتاب الصوم إن شاء اللّه تعالي .تَشيِيداً لِلدّينِ .. إنما خصّ التشييد به لظهوره ووضوحه وتحمل المشاق فيه ، وبذل النفس والمال له ،فالإتيان به أدلّ دليل علي ثبوت الدين ، أويوجب استقرار الدين في النفس لتلك العلل وغيرهما ممّا لانعرفه ، ويحتمل أن يكون إشارة إلي ماورد في الأخبار الكثيرة من أن علّة الحج التشرّف بخدمة الإمام وعرض النصرة عليه ، وتعلّم شرائع الدين منه ،فالتشييد لايحتاج إلي تكلّف. و في العلل ورواية ابن أبي طاهر تسلية للدين ،فلعلّ المعني تسلية للنفس ،بتحمل المشاق وبذل الأموال بسبب التقيد بالدين ، أوالمراد بالتّسلية الكشف والإيضاح ،فإنّها كشف الهمّ، أوالمراد بالدين أهل الدين ، أو


صفحه : 260

أسند إليه مجازا، والظاهر أنه تصحيف تسنية، وكذا في الكشف . و في بعض نسخ العلل أي يصير سببا لرفعة الدين وعلوّه. والتّنسيق التّنظيم. و في العلل مسكا للقلوب أي مايمسكها، و في القاموس المسكة بالضم مايتمسّك به و مايمسك الأبدان من الغذاء والشّراب،.. والجمع كصرد .. والمسك محركة الموضع يمسك الماء. و في رواية ابن أبي طاهر والكشف تنسّكا للقلوب .. أي عبادة لها،لأن العدل أمر نفساني‌ يظهر آثاره علي الجوارح . والصبر معونة علي استيجاب الأجر .. إذ به يتمّ فعل الطاعات وترك السيئات .وقاية من السخط .. أي سخطهما، أوسخط اللّه تعالي ، والأول أظهر.منماة للعدد .. المنماة اسم مكان أومصدر ميمي‌ .. أي يصير سببا لكثرة عدد الأولاد والعشائر كما أن قطعها يذر الديار بلاقع من أهلها.تغييرا للبخس .. و في سائر الروايات للبخسة .. أي لئلّا ينقص مال من ينقص المكيال والميزان ،إذ التوفية موجبة للبركة وكثرة المال ، أولئلّا ينقصوا أموال الناس فيكون المقصود أن هذاأمر يحكم العقل بقبحه . عن الرجس .. أي النجس ، أو مايجب التنزّه عنه عقلا، والأول أوضح


صفحه : 261

في التعليل ،فيمكن الاستدلال علي نجاستها.حجابا عن اللعنة .. أي لعنة اللّه، أولعنة المقذوف أوالقاذف ،فيرجع إلي الوجه الأخير في السابقة، والأول أظهر،إشارة إلي قوله تعالي لُعِنُوا فِي الدّنيا وَ الآخِرَةِ.إيجابا للعفّة .. أي للعفّة عن التصرف في أموال الناس مطلقا، أويرجع إلي مامرّ، وكذا الفقرة التالية. و في الكشف بعد قوله للعفّة والتنزه عن أموال الأيتام ، والاستئثار بفيئهم إجارة من الظلم ، والعدل في الأحكام إيناسا للرعيّة، والتبريّ‌ من الشرك إخلاصا للربوبيّة.عَوداً وبَدءاً .. أي أوّلا وآخرا، و في رواية ابن أبي الحديد وغيره أقول عودا علي بدء .. والمعني واحد. والشّطط بالتحريك البعد عن الحقّ، ومجاوزة الحدّ في كلّ شيء. و في الكشف ماأقول ذلك سرفا و لاشططا من أنفسكم .. أي لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية بل عن نكاح طيّب، كماروي‌ عن الصادق عليه السلام ، وقيل أي من جنسكم من البشر ثم من العرب ثم من بني‌ إسماعيل .


صفحه : 262

عَزِيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتّم.. أي شديد شاق عليه عنتكم ، و مايلحقكم من الضرر بترك الإيمان أومطلقا.حَرِيصٌ عَلَيكُم.. أي علي إيمانكم وصلاح شأنكم .بِالمُؤمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.. أي رحيم بالمؤمنين منكم و من غيركم ، والرّأفة شدّة الرّحمة، والتقديم لرعاية الفواصل . وقيل رءوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين . وقيل رءوف بأقربائه رحيم بأوليائه . وقيل رءوف بمن رآه رحيم بمن لم يره ،فالتقديم للاهتمام بالمتعلق . فَإِن تَعزُوهُ .. يقال عزوته إلي أبيه .. أي نسبته إليه ، أي إن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي وأخا ابن عميّ‌،فالأخوة ذكرت استطرادا، ويمكن أن يكون الانتساب أعمّ من النسب ، وممّا طرأ أخيرا، ويمكن أن يقرأ وآخي بصيغة الماضي‌، و في بعض الروايات فإن تعزروه وتوقّروه.صَادِعاً بِالنّذَارَةِ .. الصّدع الإظهار،تقول صدعت الشيّ‌ء، أي أظهرته ، وصدعت بالحقّ إذاتكلّمت به جهارا، قال اللّه تعالي فَاصدَع بِما تُؤمَرُ. والنّذَارَةُ بالكسر الإنذار و هوالإعلام علي وجه التخويف .


صفحه : 263

والمدرجة المذهب والمسلك ، و في الكشف ناكبا عن سنن مدرجة المشركين ، و في رواية ابن أبي طاهر ماثلا علي مدرجة .. أي قائما للردّ عليهم ، و هوتصحيف .ضَارِباً ثَبَجَهُم آخِذاً بِأَكظَامِهِم .. الثّبَجُ بالتحريك وسط الشيّ‌ء ومعظمه ، والكَظَمُ بالتحريك مخرج النّفس من الحلق .. أي كان صلّي اللّه عليه وآله لايبالي‌ بكثرة المشركين واجتماعهم و لايداريهم في الدعوة.داعيا إلي سبيل ربّه .. كماأمره سبحانه ادعُ إِلي سَبِيلِ رَبّكَ بِالحِكمَةِ وَ المَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَ جادِلهُم باِلتّيِ‌ هيِ‌َ أَحسَنُ. وقيل المراد بالحكمة البراهين القاطعة وهي‌ للخواص ، وبالموعظة الحسنة الخطابات المقنعة والعبر النافعة، وهي‌ للعوام ، وبالمجادلة بالتي‌ هي‌ أحسن .. إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدمات المشهورة والمسلمة، و أماالمغالطات والشعريات فلايناسب درجة أصحاب النبوات .يكسر الأصنام وينكث الهام .. النّكثُ إلقاء الرّجل علي رأسه ،


صفحه : 264

يقال طعنه فنكثه ، والهام جمع الهامة بالتخفيف فيهما وهي‌ الرّأس، والمراد قتل رؤساء المشركين وقمعهم وإذلالهم ، أوالمشركين مطلقا، وقيل أريد به إلقاء الأصنام علي رءوسها، و لايخفي بعده لاسيّما بالنظر إلي مابعده ، و في بعض النسخ ينكس الهام ، و في الكشف وغيره يجذّ الأصنام ، من قولهم جذذت الشيّ‌ء .. أي كسّرته، و منه قوله تعالي فَجَعَلَهُم جُذاذاً. حَتّي تَفَرّي اللّيلُ عَن صُبحِهِ، وَ أَسفَرَ الحَقّ عَن مَحضِهِ .. والواو مكان حتي كما في رواية ابن أبي طاهر أظهر، وتفرّي اللّيل .. أي انشقّ حتي ظهر ضوء الصباح ، وأسفر الحق عن محضه وخالصه ، ويقال أسفر الصّبح .. أي أضاء. ونطق زعيم الدين .. زعيم القوم سيّدهم والمتكلّم عنهم ، والزّعيم أيضا الكفيل والإضافة لامية، ويحتمل البيانية .. وخرست شقاشق الشياطين .. خرس بكسر الراء والشقاشق جمع شقشقة بالكسر وهي‌ شيءكالرية يخرجها البعير من فيه إذاهاج ، و إذاقالوا للخطيب ذو شقشقة،فإنّما يشبه بالفحل ، وإسناد الخرس إلي الشقاشق مجازي‌.


صفحه : 265

وَ طَاحَ وَشِيظُ النّفَاقِ .. يقال طاح فلان يطوح إذاهلك أوأشرف علي الهلاك وتاه في الأرض وسقط، والوشيظ بالمعجمتين الرّذل والسّفلة من النّاس، و منه قولهم إيّاكم والوشائظ، و قال الجوهري‌ الوشيظ لفيف من النّاس ليس أصلهم واحدا، وبنو فلان وشيظة في قومهم .. أي هم حشو فيهم . والوسيط بالمهملتين أشرف القوم نسبا وأرفعهم محلا، وكذا في بعض النسخ ، و هوأيضا مناسب . وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص .. يقال فاه فلان بالكلام كقال .. أي لفظ به كتفوّه. وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد، و فيه تعريض بأنه لم يكن إيمانهم عن قلوبهم ، والبيض جمع أبيض و هو من النّاس خلاف الأسود، والخِمَاصُ بالكسر جمع خميص ، والخماصة تطلق علي دقة البطن خلقة و علي خلوّه من الطّعام،يقال فلان خميص البطن من أموال النّاس أي عفيف عنها، و في الحديث كالطّير تغدو خماصا وتروح بطانا. والمراد بالبيض الخماص إمّا أهل البيت عليهم السلام ويؤيده ما في كشف الغمة في نفر من البيض الخماص ،الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ووصفهم بالبيض لبياض وجوههم ، أو هو من قبيل وصف


صفحه : 266

الرجل بالأغرّ، وبالخماص لكونهم ضامري‌ البطون بالصوم وقلّة الأكل ، أولعفّتهم عن أكل أموال الناس بالباطل ، أوالمراد بهم من آمن من العجم كسلمان رضي‌ اللّه عنه وغيره ، ويقال لأهل فارس بيض ،لغلبة البياض علي ألوانهم وأموالهم ،إذ الغالب في أموالهم الفضة، كمايقال لأهل الشام حمر،لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم ، والأول أظهر. ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين ،فيكون المراد بهم غيرالراسخين الكاملين في الإيمان ، وبالبيض الخماص الكمّل منهم .وَ كُنتُم عَلي شَفا حُفرَةٍ مِنَ النّارِ ..شفا كلّ شيءطرفه وشفيره .. أي كنتم علي شفير جهنم مشرفين علي دخولها لشرككم وكفركم .مُذقَةَ الشّارِبِ وَ نُهزَةَ الطّامِعِ .. مذقة الشّارب شربته ، والنّهزَةُ بالضم الفرصة .. أي محل نهزته .. أي كنتم قليلين أذلّاء يتخطّفكم الناس بسهولة، وكذا قولها عليها السلام وقَبسَةَ العَجلَانِ وَ مَوطِئَ الأَقدَامِ .. والقَبسَةُ بالضم [بالفتح ]شعلة من نار يقتبس من معظمها، والإضافة إلي العجلان لبيان القلّة والحقارة، ووطء الأقدام مثل مشهور في المغلوبية والمذلّة.تَشرَبُونَ الطّرقَ وَ تَفتَانُونَ الوَرَقَ .. الطّرقُ بالفتح ماء السّماء


صفحه : 267

ألّذي تبول فيه الإبل وتبعر، والورق بالتحريك ورق الشّجر، و في بعض النسخ وتفتاتون القِدّ، و هوبكسر القاف وتشديد الدال سَيرٌ يُقَدّ مِن جلد غيرمدبوغ ، والمقصود وصفهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل ،لعدم اهتدائهم إلي مايصلحهم في دنياهم ، ولفقرهم وقلّة ذات يدهم ، وخوفهم من الأعادي‌.أَذِلّةً خَاسِئِينَتَخافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ من حولكم .. الخاسئ المبعد المطرود، والتّخطّف استلاب الشيّ‌ء وأخذه بسرعة،اقتبس من قوله تعالي وَ اذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلٌ مُستَضعَفُونَ فِي الأَرضِ تَخافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآواكُم وَ أَيّدَكُم بِنَصرِهِ وَ رَزَقَكُم مِنَ الطّيّباتِ لَعَلّكُم تَشكُرُونَ. و

فِي نَهجِ البَلَاغَةِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ الخِطَابَ فِي تِلكَ الآيَةِ لِقُرَيشٍ خَاصّةً، وَ المُرَادُ بِالنّاسِ سَائِرُ العَرَبِ أَوِ الأَعَمّ.

واللّتَيّا .. بفتح اللام وتشديد الياء تصغير التّي‌، وجوّز بعضهم فيه ضمّ اللام ، وهما كنايتان عن الداهية الصّغيرة والكبيرة.


صفحه : 268

وَ بَعدَ أَن منُيِ‌َ بِبُهَمِ الرّجَالِ، وَ ذُؤبَانِ العَرَبِ، وَ مَرَدَةِ أَهلِ الكِتَابِ .. يقال منُيِ‌َ بِكَذَا علي صيغة المجهول أي ابتلُيِ‌َ، وبُهَمُ الرّجَالِ كَصُرَد الشّجعان منهم لأنّهم لشدّة بأسهم لايدري‌ من أين يؤتون ، وذُوبَانُ العَرَبِ لُصُوصُهُم وَ صَعَالِيكُهُم الذين لامال لهم و لااعتماد عليهم ، والمَرَدَةُ العتاة المتكبّرون المجاوزون للحدّ. أَو نَجَمَ قَرنٌ لِلشّيطَانِ، وَ فَغَرَت فَاغِرَةٌ مِنَ المُشرِكِينَ،قَذَفَ أَخَاهُ فِي لَهَوَاتِهَا .. نَجَمَ الشيّ‌ء كنصر نجوما ظهر وطلع ، والمراد بالقرن القوّة، وفسّر قرن الشّيطان بأمّته ومتابعيه ، وفغرفاه .. أي فتحه ، وفغرفوه .. أي انفتح يتعدّي و لايتعدّي، والفاغرة من المشركين الطائفة العادية منهم تشبيها بالحية أوالسبع ، ويمكن تقدير الموصوف مذكرا علي أن يكون التاء للمبالغة. والقذف الرمّي‌، ويستعمل في الحجارة كما أنّ الحذف يستعمل في الحصا،يقال هم بين حاذف وقاذف . واللّهَوَاتُ بالتحريك جمع لَهَاة، وهي‌ اللّحمة في أقصي سقف الفم ، و في بعض الروايات فِي مُهوَاتِهَا بالضم وهي‌


صفحه : 269

بالتّسكين الحفرة و ما بين الجبلين ونحو ذلك . و علي أيّ حال ،المراد أنه صلّي اللّه عليه وآله كلّما أراده طائفة من المشركين أوعرضت له داهية عظيمة بعث عليها عليه السلام لدفعها وعرّضه للمهالك . و في رواية الكشف و ابن أبي طاهر كلّما حشوا نارا للحرب ، ونجم قرن للضلال . قال الجوهري‌ حششت النّار .. أوقدتها. فلاينكفئ حتي يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه .. انكفأ بالهمزة أي رجع ، من قولهم كفأت القوم كفأ إذاأرادوا وجها فصرفتهم عنه إلي غيره فانكفئوا .. أي رجعوا. والصّمَاخُ بالكسرة ثقب الأذن ، والأذن نفسها، وبالسين كما في بعض الروايات لغة فيه . والأَخمَصُ ما لايصيب الأرض من باطن القدم عندالمشي‌، ووطء الصماخ بالأخمص عبارة عن القهر والغلبة علي أبلغ وجه ، وكذا إخماد اللهب بماء السيف استعارة بليغة شائعة.مَكدُوداً فِي ذَاتِ اللّهِ .. المَكدُودُ مَن بَلَغَهُ التّعَبُ وَ الأَذَي، وذات اللّه أمره ودينه ، وكلّما يتعلّق به سبحانه ، و في الكشف مكدودا دءوبا في ذات اللّه.سَيّدَ أَولِيَاءِ اللّهِ .. بالجر صفة الرسول (ص ) أوبالنصب عطفا علي


صفحه : 270

الأحوال السابقة، ويؤيد الأخير ما في رواية ابن أبي طاهر سيداً في أولياء اللّه. والتّشمير في الأمر الجدّ والاهتمام فيه . والكَدحُ العمل والسعّي‌، و قال الجوهري‌ الدّعَةُ الخفض ..،تقول منه ودع الرّجل .. فهو وديع أي ساكن ووادع أيضا،.. يقال نال فلان المكارم وادعا من غيركلفة. و قال الفُكَاهَةُ بالضم المزاح ،.. وبالفتح مصدر فَكِهَ الرّجلُ بالكسر فهو فَكِهٌ إذا كان طيّب النّفس مزاحا، والفَكِهُ أيضا الأَشِرُ والبَطِرُ، وقري‌ء وَ نَعمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَكِهِينَ أي أَشِرِينَ، وفاكِهِينَ.. أي ناعمين ، والمفاكهة الممازحة. و في رواية ابن أبي طاهر وأنتم في بلهنية وادعون آمنون .. قال الجوهري‌ هو في بُلَهنِيَةٍ من العيش أي سعة ورفاهية، و هوملحقّ بالخماسي‌ بألف في آخره ، وإنّما صارت ياء لكسرة ماقبلها، و في الكشف وأنتم في رفهنية .. وهي‌ مثلها لفظا ومعني .تتربّصون بنا الدوائر .. الدّوائر صروف الزّمان وحوادث الأيام


صفحه : 271

والعواقب المذمومة، وأكثر ماتستعمل الدائرة في تحوّل النعمة إلي الشّدة، أي كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا وزوال النعمة والغلبة عنّا.تَتَوَكّفُونَ الأخبار .. التّوَكّفُ التّوقّع، والمراد أخبار المصائب والفتن ، و في بعض النسخ تتواكفون الأخيار،يقال واكفه في الحرب أي واجهه . وتَنكِصُونَ عِندَ النّزَالِ .. النّكُوصُ الإحجام والرّجوع عن الشيّ‌ء، والنزال بالكسر أن ينزل القرنان عن إبلهما إلي خيلهما فيتضاربا، والمقصود من تلك الفقرات أنهم لم يزالوا منافقين لم يؤمنوا قط.ظهر فيكم حسيكة النفاق ، وسَمَلَ جلبابُ الدين ، ونَطَقَ كاظمُ الغاوين ، ونَبَغَ خاملُ الأقلين ، وهَدَرَ فنيقُ المبطلين .. الحسيكة العداوة، قال الجوهري‌ الحسك حسك السّعدان،الواحدة حسكة،.. وقولهم في صدره عليّ حسيكة وحساكة .. أي ضغن وعداوة .. و في بعض الروايات حسكة النفاق .. فهو علي الاستعارة. وسَمَلَ الثّوبُ كنَصَرَ صار خَلَقاً. والجلباب بالكسر الملحفة، وقيل ثوب واسع للمرأة غيرالملحفة.


صفحه : 272

وقيل هوإزار ورداء. وقيل هوكالمقنعة تغطيّ‌ به المرأة رأسها وظهرها وصدرها. والكُظُومُ السّكوت. ونَبَغَ الشيّ‌ءُ كمنع ونصر أي ظهر ونبغ الرّجل إذا لم يكن في إرث الشّعر، ثمّ قال وأجاد. والخامل من خفي‌ ذكره وصوته و كان ساقطا لانباهة له . والمراد بالأقلين الأذلّون، و في بعض الروايات الأولين . و في الكشف فنطق كاظم ونبغ خامل ، وهدر فنيق الكفر،يخطر في عرصاتكم .. والهَدرُ ترديد البعير صوته في حنجرته . والفنيق الفحل المكرّم من الإبل ألّذي لايركب و لايهان لكرامته علي أهله .فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم ،فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزّة فيه ملاحظين .. يقال خطر البعير بذنبه يخطر بالكسر خطرا وخطرانا إذارفعه مرّة بعدمرّة وضرب به فخذيه ، و منه قول الحجّاج لمّا نصب المنجنيق علي الكعبة .. خطّارة كالجمل الفنيق .....،


صفحه : 273

شبّه رميها بخطران الفنيق . ومغرز الرأس بالكسر مايختفي‌ فيه ، وقيل لعلّ في الكلام تشبيها للشيطان بالقنفذ،فإنه إنما يطلع رأسه عندزوال الخوف ، أوبالرجل الحريص المقدم علي أمر فإنه يمدّ عنقه إليه . والهَتّافُ الصّياح. وألفاكم .. أي وجدكم . والغِرّةُ بالكسر الاغترار والانخداع ، والضمير المجرور راجع إلي الشيطان . وملاحظة الشي‌ء مراعاته ، وأصله من اللّحظ و هوالنّظر بمؤخر العين ، و هوإنما يكون عندتعلّق القلب بشي‌ء، أي وجدكم الشيطان لشدة قبولكم للانخداع كالذي‌ كان مطمح نظره أن يغتر بأباطيله . ويحتمل أن يكون للعزّة بتقديم المهملة علي المعجمة. و في الكشف وللعزّة ملاحظين .. أي وجدكم طالبين للعزّة. ثم استنهضكم فوجدكم خفاقا، وأحمشكم فألفاكم غضابا،فوسمتم غير


صفحه : 274

إبلكم ، وأوردتم غيرشربكم .. النّهوض القيام ، واستنهضه لأمر .. أي أمره بالقيام إليه .فَوَجَدَكُم خِفَافاً .. أي مسرعين إليه . وأَحمَشتُ الرّجلَ أَغضَبتُهُ، وأحمشت النّار ألهبتها، أي حملكم الشيطان علي الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه أو من عندأنفسكم ، و في المناقب القديم عطافا بالعين المهملة والفاء من العطف بمعني الميل والشّفقة، ولعله أظهر لفظا ومعني . والوَسمُ أثر الكي‌ّ،يقال وسمته كوعدته وسما. والوُرُودُ حضور الماء للشّرب، والإيراد الإحضار. والشّربُ بالكسر الحظّ من الماء، وهما كنايتان عن أخذ ما ليس لهم بحق من الخلافة والإمامة وميراث النبوة. و في الكشف وأوردتموها شربا ليس لكم . هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يقبر .. الكَلمُ الجرح . والرّحبُ بالضم السّعة. والجُرحُ بالضم الاسم ، وبالفتح المصدر، و لمّا يندمل .. أي لم يصلح بعد.


صفحه : 275

وقبرته دفنته .ابتدارا زعمتم خوف الفتنةأَلا فِي الفِتنَةِ سَقَطُوا وَ إِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ.. ابتدارا مفعول له للأفعال السابقة، ويحتمل المصدر بتقدير الفعل ، و في بعض الروايات بدارا زعمتم خوف الفتنة .. أي ادّعيتم وأظهرتم للنّاس كذبا وخديعة إنا إنّما اجتمعنا في السقيفة دفعا للفتنة مع أن الغرض كان غصب الخلافة عن أهلها، و هوعين الفتنة. والالتفات في سقطوا لموافقة الآية الكريمة.فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنّي تؤفكون ، و كتاب اللّه بين أظهركم .. هيهات للتّبعيد و فيه معني التّعجّب كماصرّح به الشيخ الرضي‌، وكذلك كيف وأنّي تستعملان في التعجب . وأَفَكَهُ كَضَرَبَهُ صرفه عن الشيّ‌ء وقلبه ، أي إلي أين يصرفكم الشيطان وأنفسكم والحال إنّ كتاب اللّه بينكم ، وفلان بين أظهر قوم و بين ظهرانيهم .. أي مقيم بينهم محفوف من جانبيه أو من جوانبه بهم . والزّاهر المتلألئ المشرق .


صفحه : 276

و في الكشف بين أظهركم قائمة فرائضه ،واضحة دلائله ،نيّرة شرائعه ،زواجره واضحة، وأوامره لائحة.أرغبة عنه ،بئس للظالمين بدلا .. أي من الكتاب مااختاروه من الحكم الباطل . ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها، ويسلس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي‌ّ، وإطفاء أنوار الدين الجليّ‌، وإهماد سنن النبي الصفي‌ .. رَيثُ بالفتح بمعني قَدر وهي‌ كلمة يستعملها أهل الحجاز كثيرا، و قديستعمل مع مايقال لم يلبث إلّا ريثما فعل كذا، و في الكشف هكذا ثم لم تبرحوا ريثا، و قال بعضهم هذا و لم تريّثوا إلّا ريث . و في رواية ابن أبي طاهر ثم لم تريّثوا .. أختها، و علي التقديرين ضمير المؤنث راجع إلي فتنة وفاة الرسول صلّي اللّه عليه وآله . وحتّ الورق من الغصن نثرها .. أي لم تصبروا إلي ذهاب أثر تلك المصيبة. ونفرت الدابة بالفتح ذهابها وعدم انقيادها.


صفحه : 277

والسّلِسُ بكسر اللام السّهل اللّيّن المنقاد،ذكره الفيروزآبادي‌. و في مصباح اللغة سَلِسَ سَلساً من باب تعب سهل ولان . والقِيَادُ بالكسر مايقاد به الدّابّة من حبل وغيره . و في الصحاح وَرَي الزّندُ يرَيِ‌ وَرياً إذاخرجت ناره ، و فيه لغة أخري ورَيِ‌َ الزّندُ يرَيِ‌ بالكسر فيهما وأَورَيتُهُ أنا وكذلك وَرّيتُهُ توريةً وفلان يستوري‌ زناد الضّلالة. ووَقدَةُ النّارِ بالفتح وقودها، ووقدها لهبها،الجمرة المُتَوَقّد من الحطب ، فإذابرد فهو فحم ، والجَمرُ بدون التاء جمعها[كذا]. والهُتَافُ بالكسر[بالضم ]الصّيَاح، وهَتَفَ بِهِ .. أي دعاه ، وإهماد النّار إطفاؤها بالكلّيّة. والحاصل ،أنّكم إنّما صبرتم حتي استقرّت الخلافة المغصوبة عليكم ، ثم شرعتم في تهييج الشرور والفتن واتّباع الشيطان ، وإبداع البدع ، وتغيير السنن .تُسِرّونَ حَسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمر والضرّاء، ونصبر


صفحه : 278

منكم علي مثل حظّ المدي ، ووخز السنان في الحشا .. الإسرار ضدّ الإعلان . والحَسوُ بفتح الحاء وسكون السين المهملتين شرب المرق وغيره شيئا بعد شيء. والارتغاء شرب الرغوة، و هوزبد اللبن ، قال الجوهري‌ الرغوة مثلثة ... زبد اللّبن .. وارتغيت شربت الرغوة. و في المثل يسرّ حسوا في ارتغاء يضرب لمن يظهر أمرا ويريد غيره ، قال الشعّبي‌ لمن سأله عن رجل قبّل أمّ امرأته قال يسرّ حسوا في ارتغاء، و قدحرمت عليه امرأته . و قال الميداني‌ قال أبوزيد والأصمعي‌ أصله الرّجل يؤتي باللّبن فيظهر أنّه يريد الرّغوة خاصّة و لايريد غيرها فيشربها و هو في ذلك ينال من اللّبن،يضرب لمن يريك أنّه يعينك وإنّما يجرّ النّفع إلي نفسه . والخَمَرُ بالتحريك ماواراك من شجر وغيره ،يقال تواري الصّيد عنيّ‌ في خمر الوادي‌، و منه قولهم دخل فلان في خمار النّاس بالضم أي مايواريه ويستره منهم . والضّرَاءُ بالضّاد المعجمة المفتوحة والرّاء المخفّفة الشّجر الملتفّ في الوادي‌، ويقال لمن ختل صاحبه وخادعه يدبّ له الضّراء ويمشي‌ له الخمر، و قال الميداني‌ قال ابن الأعرابي‌ الضّراء ماانخفض من الأرض .


صفحه : 279

والحَزّ بفتح الحاء المهملة القطع ، أوقطع الشيّ‌ء من غيرإبانة. والمُدَي بالضم جمع مُديَة وهي‌ السكّين والشّفرة، والوَخزُ الطّعن بالرّمح ونحوه لا يكون نافذا،يقال وخزه بالخنجر. و في رواية ابن أبي طاهر ويها معشر المهاجرة ابتزّ إرث أبيه .. قال الجوهري‌ إذاأغريته بالشيّ‌ء قلت ويها يافلان و هوتحريض ،انتهي . ولعلّ الأنسب هنا التعجّب. والهاء في ( أبيه ) في الموضعين . وإرثيه بكسر الهمزة بمعني الميراث للسكت ، كما في سورة الحاقة‌«كِتابِيَه» و‌«حِسابِيَه» و‌«مالِيَه» و‌«سُلطانِيَه»،تثبت في الوقف وتسقط في الوصل ، وقر‌ئ بإثباتها في الوصل أيضا. و في الكشف ثُمّ أَنتُم أَوّلًا تَزعُمُونَ أَن لَا إِرثَ لِيَه ... فهو أيضا كذلك .كالشمس الضاحية .. أي الظاهرة البيّنة،يقال فعلت ذلك الأمر ضاحية .. أي علانية.


صفحه : 280

شيئا فريّا .. أي أمرا عظيما بديعا، وقيل أي أمرا منكرا قبيحا، و هومأخوذ من الافتراء بمعني الكذب .

واعلم أنّه قدوردت الروايات المتضافرة كماستعرف في أنّها عليها السلام ادّعت أنّ فدكا كانت نحلة لها من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،فلعلّ عدم تعرّضها صلوات اللّه عليها في هذه الخطبة لتلك الدعوي ليأسها عن قبولهم إيّاها،إذ كانت الخطبة بعد ماردّ أبوبكر شهادة أمير المؤمنين عليه السلام و من شهد معه ، و قدكانت المنافقون الحاضرون معتقدين لصدقه ،فتمسّكت بحديث الميراث لكونه من ضروريات الدين . وَ زَعَمتُم أَن لَا حُظوَةَ لِي .. الحظوة بكسر الحاء وضمّها وسكون الظاء المعجمة المكانة والمنزلة، ويقال حظيت المرأة عندزوجها إذادنت من قلبه . و

فِي الكَشفِ فَزَعَمتُم أَن لَا حَظّ لِي وَ لَا إِرثَ لِي مِن أَبِيَه، أَ فَحَكَمَ اللّهُ بِآيَةٍ أَخرَجَ أَبِي مِنهَا أَم تَقُولُونَ أَهلُ مِلّتَينِ لَا يَتَوَارَثَانِ أَم أَنتُم أَعلَمُ بِخُصُوصِ القُرآنِ وَ عُمُومِهِ مِن أَبِيأَ فَحُكمَ الجاهِلِيّةِ... الآيةَ.إِيهاً مَعَاشِرَ المُسلِمَةِ، أَ أُبتَزّ إِرثِيَه اللّهَ أَن تَرِثَ أَبَاكَ وَ لَا أَرِثَ أَبِيَهلَقَد جِئتِ شَيئاً فَرِيّا.

فدونكها مخطومة مرحولة .. الضمير راجع إلي فدك المدلول عليها بالمقام ،


صفحه : 281

والأمر بأخذها للتهديد. والخِطَامُ بالكسر كلّ مايوضع في أنف البعير ليقاد به . والرحل بالفتح للنّاقة كالسّرج للفرس ، ورحل البعير كمنع شدّ علي ظهره الرّحل.شبهتها عليها السلام في كونها مسلمة لايعارضه في أخذها أحد بالناقة المنقادة المهيأة للركوب . والزعيم محمّد في بعض الروايات والغريم .. أي طالب الحقّ. و عندالساعة ماتخسرون .. كلمة( ما)مصدرية .. أي في القيامة يظهر خسرانكم . ولِكُلّ نَبَإٍ مُستَقَرّ ..، أي لكلّ خبر،يريد نبأ العذاب أوالإيعاد به وقت استقرار ووقوع . وسوف تعلمون عندوقوعه من يأتيه عذاب يخزيه .. الاقتباس من موضعين أحدهما سورة الأنعام ، والآخر في سورة هود في قصة نوح عليه السلام حيث قال إِن تَسخَرُوا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرُونَ فَسَوفَ تَعلَمُونَ مَن يَأتِيهِ عَذابٌ يُخزِيهِ وَ يَحِلّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقِيمٌ،فالعذاب ألذي يخزيهم الغرق ،


صفحه : 282

والعذاب المقيم عذاب النار. ثم رمت بطرفها .. الطّرف بالفتح مصدر طرفت عين فلان إذانظرت و هو أن ينظر ثمّ يغمض ، والطّرف أيضا العين . والمعشر الجماعة. والفتية بالكسر جمع فتي و هوالشّاب والكريم السخّي‌ّ. و في المناقب يامعشر البقية، وأعضاد الملّة، وحصنة الإسلام .. و في الكشف يامعشر البقية، و ياعماد الملّة، وحصنة الإسلام . والأعضاد جمع عضد بالفتح الأعوان ،يقال عضدته كنصرته لفظا ومعني . ما هذه الغميزة في حقيّ‌ والسنة عن ظلامتي‌ .. قال الجوهري‌ ليس في فلان غميزة أي مطعن ، ونحوه ذكر الفيروزآبادي‌، و هو لايناسب المقام إلّا بتكلّف. و قال الجوهري‌ رجل غمز أي ضعيف . و قال الخليل في كتاب العين الغميزة بفتح الغين المعجمة والزاي‌ ضعفة في العمل وجهلة في العقل ويقال سمعت كلمة فاغتمزتها في عقله أي علمت أنّه أحمق . و هذاالمعني أنسب .


صفحه : 283

و في الكشف ما هذه الفترة بالفاء المفتوحة وسكون التاء و هوالسّكون، و هوأيضا مناسب . و في رواية ابن أبي طاهر بالراء المهملة، ولعلّه من قولهم غمر علي أخيه .. أي حقد وضغن ، أو من قولهم غمر عليه .. أي أغمي‌ عليه ، أو من الغمر بمعني السّتر، ولعلّه كان بالضاد المعجمة فصحف ، فإنّ استعمال إغماض العين في مثل هذاالمقام شائع . والسّنة بالكسر مصدر وسن يوسن كعلم يعلم وسنا وسنة، والسنة أوّل النوم أوالنوم الخفيف ، والهاء عوض عن الواو. والظلامة بالضم كالمظلمة بالكسر ماأخذه الظّالم منك فتطلبه عنده ، والغرض تهييج الأنصار لنصرتها أوتوبيخهم علي عدمها. و في الكشف بعد ذلك أ ما كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أن يحفظ ....سرعان ماأحدثتم وعجلان ذا إهالة .. سرعان مثلثة السين وعجلان بفتح العين كلاهما من أسماء الأفعال بمعني سرع وعجل ، وفيهما معني التّعجّب أي ماأسرع وأعجل . و في رواية ابن أبي طاهر سرعان ماأجدبتم فأكديتم ،يقال أجدب القوم


صفحه : 284

أي أصابهم الجدب ، وأكدي الرّجل إذاقلّ خيره والإهالة بكسر الهمزة الودك و هودسم اللّحم، و قال الفيروزآبادي‌ قولهم سرعان ذا إهالة أصله أنّ رجلا كانت له نعجة عجفاء وكانت ،رعامها يسيل من منخريها لهزالها،فقيل له ما هذا ألّذي يسيل فقال ودكها، فقال السّائل سرعان ذا إهالة، ونصب إهالة علي الحال ، وذا إشارة إلي الرّعام، أوتمييز علي تقدير نقل الفعل ،كقولهم تصبّب زيد عرقا، والتّقدير سرعان إهالة هذه ، و هومثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيّ‌ء قبل وقته ،انتهي . والرّعام بالضم مايسيل من أنف الشّاة والخيل ، ولعل المثل كان بلفظ عجلان فاشتبه علي الفيروزآبادي‌ أوغيره ، أو كان كلّ منهما مستعملا في هذاالمثل ، وغرضها صلوات اللّه عليها التعجّب من تعجيل الأنصار ومبادرتهم إلي إحداث البدع وترك السنن والأحكام ، والتخاذل عن نصرة عترة سيّد الأنام مع قرب عهدهم به ، وعدم نسيانهم ماأوصاهم به فيهم ، وقدرتهم علي نصرتها وأخذ حقّها ممّن ظلمها، و لايبعد أن يكون المثل إخبارا مجملا بما يترتب علي هذه البدعة


صفحه : 285

من المفاسد الدينية وذهاب الآثار النبوية.فخطب جليل استوسع وهيه ، واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه ، واظلمّت الأرض لغيبته ، وكسفت النجوم لمصيبته .. الخطب بالفتح الشّأن والأمر عظم أوصغر. والوهي‌ كالرمّي‌ الشّقّ والخرق ،يقال وهي‌ الثّوب إذابلي‌ وتخرّق. واستوسع واستنهر استفعل من النّهر بالتحريك بمعني السعة أي اتّسع. والفتق الشّقّ والرتّق ضدّه، وانفتق .. أي انشقّ، والضمائر المجرورات الثلاثة راجعة إلي الخطب بخلاف المجرورين بعدها فإنّهما راجعان إلي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله . وكسف النّجوم ذهاب نورها، والفعل منه يكون متعديّا ولازما، والفعل كضرب . و في رواية ابن أبي طاهر مكان الفقرة الأخيرة واكتأبت خيرة اللّه لمصيبته .. والاكتئاب افتعال من الكآبة بمعني الحزن . و في الكشف واستنهر فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض واكتابت لخيرة اللّه .. إلي قولها


صفحه : 286

وأديلت الحرمة من الإدالة بمعني الغلبة وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأزيلت الحرمة عندمماته .. يقال أكدي فلان أي بخل أوقلّ خيره ، وحريم الرجل مايحميه ويقاتل عنه ، والحرمة ما لايحلّ انتهاكه ، و في بعض النسخ الرحمة مكان الحرمة.فتلك و اللّه النازلة الكبري والمصيبة العظمي ، لامثلها نازلة و لابائقة عاجلة،أعلن بها كتاب اللّه جلّ ثناؤه في أفنيتكم و في ممساكم ومصبحكم هتافا وصراخا وتلاوة وألحانا .. النّازلة الشّديدة. والبائقة الدّاهية. وفناء الدّار ككساء العرصة المتّسعة أمامها. والمُمسَي والمُصبَح بضم الميم فيهما مصدران وموضعان من الإصباح والإمساء. والهتاف بالكسر الصياح . والصراخ كغراب الصّوت أوالشّديد منه . والتّلاوة بالكسر القراءة. والإلحان الإفهام ،يقال ألحنه القول .. أي أفهمه إيّاه، ويحتمل أن


صفحه : 287

يكون من اللّحن بمعني الغناء والطّرب، قال الجوهري‌ اللّحن واحد الألحان واللّحون، و

مِنهُ الحَدِيثُ (اقرَءُوا القُرآنَ بِلُحُونِ العَرَبِ).

و قدلحن في قراءته إذاطرّب بها وغرّد، و هوألحن النّاس إذا كان أحسنهم قراءة أوغناء،انتهي . ويمكن أن يقرأ علي هذابصيغة الجمع أيضا، والأول أظهر. و في الكشف فتلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه في قبلتكم ،ممساكم ومصبحكم ،هتافا هتافا، ولقبله ماحلّ بأنبياء اللّه ورسله .. حكم فصل وقضاء حتم وَ ما مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرّسُلُ أَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلي أَعقابِكُم وَ مَن يَنقَلِب عَلي عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيئاً وَ سيَجَزيِ‌ اللّهُ الشّاكِرِينَ.. الحكم الفصل هوالمقطوع به ألّذي لاريب فيه و لامردّ له ، و قد يكون بمعني القاطع الفارق بين الحقّ والباطل . والحتم في الأصل إحكام الأمور. والقضاء الحتم هو ألذي لايتطرّق إليه التغيير. وخلت .. أي مضت . والانقلاب علي العقب الرجوع القهقري ،أريد به الارتداد بعدالإيمان ، والشاكرون المطيعون المعترفون بالنعم الحامدون عليها. قال بعض الأماثل واعلم أنّ الشبهة العارضة للمخاطبين بموت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله إمّا عدم تحتّم العمل بأوامره وحفظ حرمته في أهله لغيبته ، فإنّ العقول الضعيفة مجبولة علي رعاية الحاضر أكثر من الغائب ، و أنّه إذاغاب عن أبصارهم ذهب كلامه عن أسماعهم ، ووصاياه عن قلوبهم ،فدفعها ماأشارت


صفحه : 288

إليه صلوات اللّه عليها من إعلان اللّه جلّ ثناؤه وإخباره بوقوع تلك الواقعة الهائلة قبل وقوعها، و إنّ الموت ممّا قدنزل بالماضين من أنبياء اللّه ورسله عليهم السلام تثبيتا للأمّة علي الإيمان ، وإزالة لتلك الخصلة الذميمة عن نفوسهم . ويمكن أن يكون معني الكلام أتقولون مات محمّد صلّي اللّه عليه وآله و بعدموته ليس لنا زاجر و لامانع عمّا نريد، و لانخاف أحدا في ترك الانقياد للأوامر وعدم الانزجار عن النواهي‌، و يكون الجواب مايستفاد من حكاية قوله سبحانه أَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ... الآية،لكن لا يكون حينئذ لحديث إعلان اللّه سبحانه وإخباره بموت الرسول مدخل في الجواب إلّا بتكلّف. ويحتمل أن يكون شبهتهم عدم تجويزهم الموت علي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله كماأفصح عنه عمر بن الخطاب وسيأتي‌ في مطاعنه فبعد تحقّق موته عرض لهم شكّ في الإيمان ووهن في الأعمال ،فلذلك خذلوها وقعدوا عن نصرتها، وحينئذ مدخلية حديث الإعلان و مابعده في الجواب واضح . و علي التقادير لا يكون قولها صلوات اللّه عليها فخطب جليل .. داخلا في الجواب ، و لامقولا لقول المخاطبين علي الاستفهام التوبيخي‌،بل هوكلام مستأنف لبثّ الحزن والشكوي ،بل يكون الجواب بما بعدقولها فتلك و اللّه النازلة الكبري .. ويحتمل أن يكون مقولا لقولهم ،فيكون حاصل شبهتهم أنّ موته صلّي اللّه عليه وآله ألذي هوأعظم الدواهي‌ قدوقع ، فلايبالي‌ بما وقع بعده من المحظورات ،فلذلك لم ينهضوا بنصرها والإنصاف ممّن ظلمها، و لماتضمّن مازعموه كون مماته (ص )أعظم المصائب سلّمت عليها السلام أولا في مقام جواب تلك المقدمة،لكونها محض الحق ، ثم نبّهت علي خطئهم في أنّها مستلزمة لقلّة المبالاة بما وقع ، والقعود عن نصرة الحق ، وعدم اتّباع أوامره صلّي


صفحه : 289

اللّه عليه وآله بقولها أعلن بها كتاب اللّه .. إلي آخر الكلام ،فيكون حاصل الجواب أن اللّه قدأعلمكم بهاقبل الوقوع ، وأخبركم بأنّها سنّة ماضية في السلف من أنبيائه ، وحذّركم الانقلاب علي أعقابكم كي‌ لاتتركوا العمل بلوازم الإيمان بعدوقوعها، و لاتهنوا عن نصرة الحق وقمع الباطل ، و في تسليمها ماسلمته أولا دلالة علي أنّ كونها أعظم المصائب ممّا يؤيد وجوب نصرتي‌،فإنيّ‌ أناالمصاب بهاحقيقة، و إن شاركني‌ فيهاغيري‌،فمن نزلت به تلك النازلة الكبري فهو بالرعاية أحقّ وأحري . ويحتمل أن يكون قولها عليها السلام فخطب جليل .. من أجزاء الجواب ،فتكون شبهتهم بعض الوجوه المذكورة، أوالمركب من بعضها مع بعض ، وحاصل الجواب حينئذ أنّه إذانزل بي‌ مثل تلك النازلة الكبري و قد كان اللّه عزّ و جلّ أخبركم بها وأمركم أن لاترتدّوا بعدها علي أعقابكم فكان الواجب عليكم دفع الضيم عنيّ‌ والقيام بنصرتي‌، ولعلّ الأنسب بهذا الوجه ما

فِي رِوَايَةِ ابنِ أَبِي طَاهِرٍ مِن قَولِهَا وَ تِلكَ نَازِلَةٌ أَعلَنَ بِهَا كِتَابُ اللّهِ ..

بالواو دون الفاء، ويحتمل أن لاتكون الشبهة العارضة للمخاطبين مقصورة علي أحد الوجوه المذكورة،بل تكون الشبهة لبعضهم بعضها وللآخر أخري ، و يكون كل مقدمة من مقدمات الجواب إشارة إلي دفع واحدة منها.

أقول ويحتمل أن لاتكون هناك شبهة حقيقة،بل يكون الغرض أنّه ليس لهم في ارتكاب تلك الأمور الشنيعة حجّة ومتمسك ، إلّا أن يتمسّك أحد بأمثال تلك الأمور الباطلة الواهية التي‌ لايخفي علي أحد بطلانها، و هذاشائع في الاحتجاج .إيها بني‌ قيلة أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأي منيّ‌ ومسمع ، ومبتدأ ومجمع ،تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة .. أَيهاً بفتح الهمزة والتنوين بمعني


صفحه : 290

هيهات . وبنو قيلة الأوس والخزرج قبيلتا الأنصار، وقيلة بالفتح اسم أمّ لهم قديمة وهي‌ قيلة بنت كاهل . والهضم الكسر،يقال هضمت الشيّ‌ء .. أي كسرته ، وهضمه حقّه واهتضمه إذاظلمه وكسر عليه حقّه. والتّراث بالضم الميراث ، وأصل التّاء فيه واو. وأنتم بمرأي منيّ‌ ومسمع .. أي بحيث أراكم وأسمعكم كلامكم [كذا]. و في رواية ابن أبي طاهر منه أي من الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، والمبتدأ في أكثر النسخ بالباء الموحدة مهموزا،فلعلّ المعني أنّكم في مكان يبتدأ منه الأمور والأحكام ، والأظهر أنّه تصحيف المنتدي بالنون غيرمهموزة بمعني المجلس ، وكذا في المناقب القديم ،فيكون المجمع كالتفسير له ، والغرض الاحتجاج عليهم بالاجتماع ألذي هو من أسباب القدرة علي دفع الظلم ، واللفظان غيرموجودين في رواية ابن أبي طاهر. وتلبسكم علي بناء المجرد أي تغطيكم وتحيط بكم . والدّعوة المرة من الدعاء أي النّداء كالخبرة بالفتح من الخبر بالضم


صفحه : 291

بمعني العلم ، أوالخبرة بالكسر بمعناه ، والمراد بالدعوة نداء المظلوم للنصرة، وبالخبرة علمهم بمظلوميّتها صلوات اللّه عليها، والتعبير بالإحاطة والشمول للمبالغة، أوللتصريح بأنّ ذلك قدعمّهم جميعا، و ليس من قبيل الحكم علي الجماعة بحكم البعض أوالأكثر. و في رواية ابن أبي طاهر الحيرة بالحاء المهملة ولعلّه تصحيف ، و لايخفي توجيهه . وأنتم موصوفون بالكفاح ،معروفون بالخير والصلاح والنجبة التي‌ انتجبت ، والخيرة التي‌ اختيرت .. الكفاح استقبال العدوّ في الحرب بلا ترس و لاجنّة، ويقال فلان يكافح الأمور .. أي يباشرها بنفسه . والنّجَبَة كهُمَزَة النّجيب الكريم ، وقيل يحتمل أن يكون بفتح الخاء المعجمة أوسكونها بمعني المنتخب المختار، ويظهر من ابن الأثير أنّها بالسّكون تكون جمعا. والخيرة كعنبة المفضّل من القوم المختار منهم .


صفحه : 292

قاتلتم العرب في المناقب لنا أهل البيت قاتلتم وناطحتم الأمم ، وكافحتم البهم ، فلانبرح أوتبرحون نأمركم فتأتمرون .. ناطحتم الأمم .. أي حاربتم الخصوم ودافعتموهم بجدّ واهتمام كمايدافع الكبش قرنه بقرنه . والبهم الشّجعان كمامرّ. ومكافتحتها التعرّض لدفعها من غيرتوان وضعف . وقولها عليها السلام أوتبرحون .. معطوف علي مدخول النفي‌،فالمنفي‌ أحد الأمرين ، و لاينتفي‌ إلّا بانتفائهما معا،فالمعني لانبرح و لاتبرحون نأمركم فتأتمرون .. أي كنّا لم نزل آمرين وكنتم مطيعين لنا في أوامرنا. و في كشف الغمة وتبرحون بالواو فالعطف علي مدخول النفي‌ أيضا ويرجع إلي مامرّ، وعطفه علي النفي‌ إشعارا بأنّه قد كان يقع منهم براح عن الإطاعة كما في غزوة أحد وغيرها،بخلاف أهل البيت عليهم السلام إذ لم يعرض لهم كلال عن الدعوة والهداية بعيد عن المقام ، والأظهر ما في رواية ابن أبي طاهر من ترك المعطوف رأسا. لانبرح نأمركم .. أي لم يزل عادتنا الأمر وعادتكم الائتمار. و في المناقب لانبرح و لاتبرحون نأمركم .. فيحتمل أن يكون أو في تلك النسخة أيضا بمعني الواو .. أي لانزال نأمركم و لاتزالون تأتمرون ، ولعلّ ما في المناقب أظهر النسخ وأصوبها. حتي إذادارت بنا رحي الإسلام ، ودرّ حلب الأيام ، وخضعت نعرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج ، واستوثق نظام الدين .. دوران الرحي كناية عن انتظام أمرها، والباء للسببية.


صفحه : 293

ودرّ اللّبن جريانه وكثرته . والحلب بالفتح استخراج ما في الضّرع من اللّبن، وبالتحريك اللّبن المحلوب ، والثاني‌ أظهر للزوم ارتكاب تجوّز في الإسناد و في المسند إليه علي الأول . والنّعرة بالنون والعين والراء المهملتين مثال همزة الخيشوم والخيلاء والكبر أوبفتح النون من قولهم نعر العرق بالدّم .. أي فار،فيكون الخضوع بمعني السكون ، أوبالغين المعجمة من نغرت القدر .. أي فارت . و قال الجوهري‌ نغر الرّجل بالكسر أي اغتاض ، قال الأصمعي‌ هو ألّذي يغلي‌ جوفه من الغيظ. و قال ابن السّكّيت يقال ظلّ فلان يتنغّر علي فلان .. أي يتذمّر عليه ، و في أكثر النسخ بالثاء المثلثة المضمومة والغين المعجمة، وهي‌ نقرة النّحر بين الترقوتين ،فخضوع ثغرة الشرك كناية عن محقه وسقوطه كالحيوان الساقط علي الأرض ،نظيره

قَولُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنَا وَضَعتُ،كَلكَلَ العَرَبِ

أي صدورهم .


صفحه : 294

والإفك بالكسر الكذب ، وفورة الإفك غليانه وهيجانه . وخمدت النّار .. أي سكن لهبها و لم يطفأ جمرها، ويقال همدت بالهاء إذاطفئ جمرها، و فيه إشعار بنفاق بعضهم وبقاء مادة الكفر في قلوبهم . و في رواية ابن أبي طاهر وباخت نيران الحرب .. قال الجوهري‌ باخ الحّرّ والنّار والغضب والحمّي .. أي سكن وفتر، وهدأت أي سكنت . والهرج الفتنة والاختلاط، و في الحديث الهرج القتل . واستوسق .. أي اجتمع وانضمّ من الوسق بالفتح و هوضمّ الشيّ‌ء إلي الشي‌ء، واتّساق الشيّ‌ء انتظامه . و في الكشف فناويتم العرب وبادهتم الأمور .. إلي قولها عليها السلام حتي دارت لكم بنّا رحي الإسلام ، ودرّ حلب البلاد، وخبت نيران الحرب .. يقال بدهه بأمر .. أي استقبله به ، وبادهه فاجأه .فأنّي حرتم بعدالبيان ، وأسررتم بعدالإعلان ، ونكصتم بعدالإقدام وأشركتم بعدالإيمان .. كلمة أنّي،ظرف مكان بمعني أين ، و قد يكون بمعني كيف أي من أين حرتم ، و ما كان منشؤه .


صفحه : 295

وجرتم إما بالجيم من الجور و هوالميل عن القصد والعدول عن الطّريق، أي لماذا تركتم سبيل الحق بعد ماتبيّن لكم ، أوبالحاء المهملة المضمومة من الحور بمعني الرّجوع أوالنّقصان،يقال نعوذ باللّه من الحور بعدالكور .. أي من النّقصان بعدالزيادة، و أمابكسرها من الحيرة. والنّكوص الرّجوع إلي خلف .أَ لا تُقاتِلُونَ قَوماً نَكَثُوا أَيمانَهُم وَ هَمّوا بِإِخراجِ الرّسُولِ وَ هُم بَدَؤُكُم أَوّلَ مَرّةٍ أَ تَخشَونَهُم فَاللّهُ أَحَقّ أَن تَخشَوهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ.نكث العهد بالفتح نقضه . والأيمان جمع اليمين و هوالقسم . والمشهور بين المفسرين أنّ الآية نزلت في اليهود الذين نقضوا عهودهم وخرجوا مع الأحزاب وهمّوا بإخراج الرسول من المدينة، وبدءوا بنقض العهد والقتال . وقيل نزلت في مشركي‌ قريش و أهل مكة حيث نقضوا أيمانهم التي‌ عقدوها مع الرسول و المؤمنين علي أن لايعاونوا عليهم أعداءهم ،فعاونوا بني‌ بكر علي خزاعة، وقصدوا إخراج الرسول صلّي اللّه عليه وآله من مكة حين تشاوروا بدار الندوة، وأتاهم إبليس بصورة شيخ نجدي‌ .. إلي آخر مامرّ من القصة،


صفحه : 296

فهم بدءوا بالمعاداة والمقاتلة في هذاالوقت ، أو يوم بدر، أوبنقض العهد، والمراد بالقوم الذين نكثوا أيمانهم في كلامها صلوات اللّه عليها، أماالذين نزلت فيهم الآية فالغرض بيان وجوب قتال الغاصبين للإمامة ولحقّها،الناكثين لماعهد إليهم الرسول صلّي اللّه عليه وآله في وصيّه عليه السلام وذوي‌ قرباه و أهل بيته ، كماوجب بأمره سبحانه قتال من نزلت الآية فيهم ، أوالمراد بهم الغاصبون لحقّ أهل البيت عليهم السلام ،فالمراد بنكثهم أيمانهم نقض ماعهدوا إلي الرسول صلّي اللّه عليه وآله حين بايعوه من الانقياد له في أوامره والانتهاء عندنواهيه و أن لايضمروا له العداوة،فنقضوه وناقضوا ماأمرهم به ، والمراد بقصدهم إخراج الرسول صلّي اللّه عليه وآله عزمهم علي إخراج من هوكنفس الرسول صلّي اللّه عليه وآله وقائم مقامه بأمر اللّه وأمره عن مقام الخلافة و علي إبطال أوامره ووصاياه في أهل بيته النازل منزلة إخراجه من مستقرّه، وحينئذ يكون من قبيل الاقتباس . و في بعض الروايات لقوم نَكَثُوا أَيمانَهُم وَ هَمّوا بِإِخراجِ الرّسُولِ وَ هُم بَدَؤُكُم أَوّلَ مَرّةٍ أَ تَخشَونَهُم.. فقوله لقوم متعلق بقوله تخشونهم .ألا قدأري أن قدأخلدتم إلي الخفض ، وأبعدتم من هوأحقّ بالبسط والقبض وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة،فمججتم ماوعيتم ، ودسعتم ألذي تسوغتم فإِن تَكفُرُوا أَنتُم وَ مَن فِي الأَرضِ جَمِيعاً فَإِنّ اللّهَ لغَنَيِ‌ّ حَمِيدٌ.. الرّؤية هنا بمعني العلم أوالنّظر بالعين . وأخلد إليه ركن ومال . والخفض بالفتح سعة العيش .


صفحه : 297

والمراد بمن هوأحقّ بالبسط والقبض أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وصيغة التفضيل مثلها في قوله تعالي قُل أَ ذلِكَ خَيرٌ أَم جَنّةُ الخُلدِ. وخلوت بالشيّ‌ء انفردت به واجتمعت معه في خلوة. والدّعة الرّاحة والسّكون. ومجّ الشّراب من فيه رمي به . ووعيتم .. أي حفظتم . والدّسع كالمنع الدّفع والقي‌ء، وإخراج البعير جرّته إلي فيه . وساغ الشّراب يسوغ سوغا .. إذاسهل مدخله في الحلق ، وتسوّغه شربه بسهولة. وصيغة تكفروا في كلامها عليها السلام إما من الكفران وترك الشكر كما هوالظاهر من سياق الكلام المجيد حيث قال تعالي إِذ تَأَذّنَ رَبّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزِيدَنّكُم وَ لَئِن كَفَرتُم إِنّ عذَابيِ‌ لَشَدِيدٌ وَ قالَ مُوسي إِن تَكفُرُوا أَنتُم وَ مَن فِي الأَرضِ جَمِيعاً فَإِنّ اللّهَ لغَنَيِ‌ّ حَمِيدٌ، أو من الكفر بالمعني الأخص ، والتغيير في المعني لاينافي‌ الاقتباس ، مع أن في الآية أيضا يحتمل هذاالمعني ، والمراد إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا من الثقلين فلايضرّ ذلك إلّا أنفسكم فإنه


صفحه : 298

سبحانه غني‌ّ عن شكركم وطاعتكم ،مستحق للحمد في ذاته ، أومحمود تحمده الملائكة بل جميع الموجودات بلسان الحال ، وضرر الكفران عائد إليكم حيث حرمتم من فضله تعالي ومزيد إنعامه وإكرامه . والحاصل ،أنّكم إنّما تركتم الإمام بالحق وخلعتم بيعته من رقابكم ورضيتم ببيعة أبي بكر لعلمكم بأن أمير المؤمنين عليه السلام لايتهاون و لايداهن في دين اللّه، و لاتأخذه في اللّه لومة لائم ، ويأمركم بارتكاب الشدائد في الجهاد وغيره ، وترك ماتشتهون من زخارف الدنيا، ويقسم الفي‌ء بينكم بالسوية، و لايفضل الرؤساء والأمراء، و إن أبابكر رجل سلس القياد،مداهن في الدين لإرضاء العباد،فلذا رفضتم الإيمان ، وخرجتم عن طاعته سبحانه إلي طاعة الشيطان ، و لايعود وباله إلّا إليكم . و في الكشف ألا و قدأري و اللّه أن قدأخلدتم إلي الخفض ، وركنتم إلي الدعة،فمججتم ألذي أوعيتم ، ولفظتم ألذي سوغتم . و في رواية ابن أبي طاهر فعجتم عن الدين .. يقال ركن إليه بفتح الكاف و قديكسر أي مال إليه وسكن . و قال الجوهري‌ عجت بالمكان أعوج .. أي أقمت به وعجت غيري‌ .. يتعدّي و لايتعدّي، وعجت البعير .. عطفت رأسه بالزّمام .. والعائج الواقف .. وذكر ابن الأعرابي‌ فلان مايعوج من شيء أي مايرجع عنه .ألا و قد قلت ما قلت علي معرفة منيّ‌ بالخذلة التي‌ خامرتكم ، والغدرة التي‌ استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثة الصدر، وتقدمة الحجة .. الخذلة ترك النّصر.


صفحه : 299

وخامرتكم .. أي خالطتكم . والغدر ضدّ الوفاء. واستشعره أي لبسه ، والشّعار الثّوب الملاصق للبدن . والفيض في الأصل كثرة الماء وسيلانه ،يقال فاض الخبر .. أي شاع ، وفاض صدره بالسّرّ .. أي باح به وأظهره ، ويقال فاضت نفسه .. أي خرجت روحه ، والمراد به هنا إظهار المضمر في النفس لاستيلاء الهم وغلبة الحزن . والنّفث بالفم شبيه بالنّفخ، و قد يكون للمغتاظ تنفس عال تسكينا لحرّ القلب وإطفاء لنائرة الغضب . والخور بالفتح والتحريك الضّعف. والقنا جمع قناة وهي‌ الرّمح، وقيل كلّ عصا مستوية أومعوجّة قناة، ولعلّ المراد بخور القنا ضعف النفس عن الصبر علي الشدة وكتمان الضر، أوضعف مايعتمد عليه في النصر علي العدو، والأول أنسب . والبثّ النّشر والإظهار، والهمّ ألّذي لايقدر صاحبه علي كتمانه فيبثّه .. أي يفرّقه.


صفحه : 300

وتقدمة الحجة إعلام الرجل قبل وقت الحاجة قطعا لاعتذاره بالغفلة. والحاصل ، أن استنصاري‌ منكم ، وتظلمّي‌ لديكم ، وإقامة الحجة عليكم ، لم يكن رجاء للعون والمظاهرة بل تسلية للنفس ، وتسكينا للغضب ، وإتماما للحجة،لئلّا تقولوا يوم القيامةإِنّا كُنّا عَن هذا غافِلِينَ.فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر،نقبة الخف ،باقية العار،موسومة بغضب اللّه وشنار الأبد،موصولة بنارُ اللّهِ المُوقَدَةُ التّيِ‌ تَطّلِعُ عَلَي الأَفئِدَةِ،فبعين اللّه ماتفعلون وَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ.. والحَقَبُ بالتحريك حبل يشدّ به الرّحل إلي بطن البعير،يقال احقبت البعير .. أي شددته به ، و كلّ ماشدّ في مؤخّر رحل أوقتب فقد احتقب ، و منه قيل احتقب فلان الإثم كأنّه جمعه واحتقبه من خلفه ،فظهر أن الأنسب في هذاالمقام أحقبوها بصيغة الإفعال أي شدوا عليها ذلك وهيئوها للركوب ،لكن فيما وصل إلينا من الروايات علي بناء الافتعال . والدّبَر بالتحريك الجرح في ظهر البعير، وقيل جرح الدّابة مطلقا. والنّقَب بالتحريك رقّة خفّ البعير. والعار الباقي‌ عيب لا يكون في معرض الزوال . ووسمته وسما وسمة إذاأثّرت فيه بسمة وكي‌ّ.


صفحه : 301

والشّنار العيب والعار. ونار اللّه الموقدة .. المؤجّجة علي الدوام . والاطلاع علي الأفئدة .. إشرافها علي القلوب بحيث يبلغها ألمها كمايبلغ ظواهر البدن ، وقيل معناه أنّ هذه النار تخرج من الباطن إلي الظاهر بخلاف نيران الدنيا. و في الكشف أنّها عليهم موصدة والموصدة المطبقة. وبعين اللّه ماتفعلون .. أي متلبس بعلم اللّه أعمالكم ، ويطلّع عليها كمايعلم أحدكم مايراه ويبصره ، وقيل في قوله تعالي تجَريِ‌ بِأَعيُنِنا أنّ المعني تجري‌ بأعين أوليائنا من الملائكة والحفظة. والمنقلب المرجع والمنصرف ، و أيّ منصوب علي أنّه صفة مصدر محذوف والعامل فيه ينقلبون ،لأنّ ماقبل الاستفهام لايعمل فيه ، وإنّما يعمل فيه مابعده ، والتقدير سيعلم الذين ظلموا ينقلبون انقلابا أيّ انقلاب . و أناابنة نذير لكم .. أي أناابنة من أنذركم بعذاب اللّه علي ظلمكم ،فقد تمّت الحجّة عليكم ، والأمر في اعملوا وانتظروا للتهديد.[ و أما قوله ] والرائد لايكذب أهله .. فهو مثل استشهد به في صدق الخبر ألذي افتراه علي النبي صلّي اللّه عليه وآله ، والرّائد من يتقدّم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث ،جعل نفسه لاحتماله الخلافة التي‌ هي‌ الرئاسة العامّة بمنزلة


صفحه : 302

الرائد للأمّة ألذي يجب عليه أن ينصحهم ويخبرهم بالصدق . والمجالدة المضاربة بالسّيوف. واستبدّ فلان بالرأّي‌ .. أي انفرد به واستقلّ. و لانزوي‌ عنك .. أي لانقبض و لانصرف . و لانوضع من فرعك وأصلك .. أي لانحطّ درجتك و لاننكر فضل أصولك وأجدادك وفروعك وأولادك . وترين من الرأّي‌ بمعني الاعتقاد. و

قَولُهَا صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا سُبحَانَ اللّهِ مَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَن كِتَابِ اللّهِ صَادِفاً، وَ لَا لِأَحكَامِهِ مُخَالِفاً،بَل كَانَ يَتبَعُ أَثَرَهُ وَ يَقفُو سُوَرَهُ، أَ فَتَجمَعُونَ إِلَي الغَدرِ اعتِلَالًا عَلَيهِ بِالزّورِ ...

الصّادف عن الشيّ‌ء المعرض عنه . والأَثَر بالتحريك وبالكسر أثر القدم . والقفو الاتّباع. والسّورُ بالضم كلّ مرتفع عال ، و منه سور المدينة، و يكون جمع سورة، وهي‌ كلّ منزلة من البناء و منه سورة القرآن ،لأنّها منزلة بعدمنزلة،


صفحه : 303

وتجمع علي سُوَرٍ بفتح الواو. و في العبارة يحتملها، والضمائر المجرورة تعود إلي اللّه تعالي أو إلي كتابه ، والثاني‌ أظهر. والاعتلال إبداء العلّة والاعتذار. والزّور الكذب . و هذا بعدوفاته شبيه بما بغي‌ له من الغوائل في حياته .. البغي‌ الطّلب. والغوائل المهالك والدوّاهي‌،أشارت عليها السلام بذلك إلي مادبروا لعنهم اللّه في إهلاك النبي صلّي اللّه عليه وآله واستئصال أهل بيته عليهم السلام في العقبتين وغيرهما ممّا أوردناه في هذاالكتاب متفرقا. هذا كتاب اللّه حكما عدلا، وناطقا فصلا، يقول يرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ ووَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَفبيّن عزّ و جلّ فيما وزع عليه من


صفحه : 304

الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظّ الذكران والإناث ، ماأزاح علّة المبطلين ، وأزال التظنيّ‌ والشبهات في الغابرين ،كلّابَل سَوّلَت لَكُم أَنفُسُكُم أَمراً فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَ اللّهُ المُستَعانُ عَلي ما تَصِفُونَ.

أقول سيأتي‌ الكلام في مواريث الأنبياء في باب المطاعن إن شاء اللّه تعالي . والتّوزيع التّقسيم. والقسط بالكسر الحصّة والنّصيب. والإزاحة الإذهاب والإبعاد. والتظّنيّ‌ إعمال الظّن، وأصله التّظنّن. والغابر الباقي‌. و قديطلق علي الماضي‌. والتّسويل تحسين ما ليس بحسن وتزيينه وتحبيبه إلي الإنسان ليفعله أويقوله ، وقيل هوتقدير معني في النفس علي الطمع في تمامه .فصبر جميل .. أي فصبري‌ جميل ، أوالصبر الجميل أولي من الجزع ألذي لايغني‌ شيئا، وقيل إنّما يكون الصبر جميلا إذاقصد به وجه اللّه تعالي ، وفعل للوجه ألذي وجب ،ذكره السيد المرتضي رضي‌ اللّه عنه ، وخطابك في قول أبي


صفحه : 305

بكر من المصدر المضاف إلي الفاعل ومراده بما تقلدوا ماأخذ فدك أوالخلافة .. أي أخذت الخلافة بقول المسلمين واتّفاقهم فلزمني‌ القيام بحدودها التي‌ من جملتها أخذ فدك ،للحديث المذكور. والمكابرة المغالبة. والاستبداد الاستئثار. والانفراد بالشيّ‌ء.

قَولُهَا صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا مَعَاشِرَ النّاسِ المُسرِعَةِ إِلَي قِيلِ البَاطِلِ،المُغضِيَةِ عَلَي الفِعلِ القَبِيحِ الخَاسِرِ،أَ فَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ أَم عَلي قُلُوبٍ أَقفالُها.كَلّا بَل رانَ عَلي قُلُوبِهِم، مَا أَسَأتُم مِن أَعمَالِكُم،فَأَخَذَ بِسَمعِكُم وَ أَبصَارِكُم، وَ لَبِئسَ مَا تَأَوّلتُم، وَ سَاءَ بِهِ مَا أَشَرتُم، وَ شَرّ مَا مِنهُ اعتَضَتّم[اغتَصَبتُم]..

القيل بمعني القول وكذا القال . وقيل القول في الخير، والقيل والقال في الشرّ. وقيل القول مصدر والقيل والقال اسمان له . والإغضاء إدناء الجفون ، وأغضي علي الشيّ‌ء أي سكت ورضي‌ به ،

وَ روُيِ‌َ عَنِ الصّادِقِ وَ الكَاظِمِ عَلَيهِمَا السّلَامُ فِي الآيَةِ أَنّ المَعنَيأَ فَلا يَتَدَبّرُونَ


صفحه : 306

القُرآنَفَيُقضُوا بِمَا عَلَيهِم مِنَ الحَقّ. وَ تَنكِيرُ القُلُوبِ لِإِرَادَةِ قُلُوبِ هَؤُلَاءِ وَ مَن كَانَ مِثلَهُم مِن غَيرِهِم.

والرّين الطّبع، والتّغطية وأصله الغلبة. والتّأوّل والتّأويل التّصيير والإرجاع ونقل الشيّ‌ء عن موضعه ، و منه تأويل الألفاظ .. أي نقل اللّفظ عن الظّاهر. والإشارة الأمر بأحسن الوجوه في أمر. وشَرّ كَفَرّ بمعني ساء. والاعتياض أخذ العوض والرّضا به ، والمعني ساء ماأخذتم منه عوضا عمّا تركتم .لَتَجِدَنّ وَ اللّهِ مَحمِلَهُ ثَقِيلًا، وَ غِبّهُ وَبِيلًا، إِذَا كُشِفَ لَكُمُ الغِطَاءُ وَ بَانَ مَا وَرَاءَهُ الضّرَاءُ، وَ بَدَا لَكُم مِن رَبّكُم مَا لَم تَكُونُوا تَحتَسِبُونَ،وَ خَسِرَ هُنالِكَ المُبطِلُونَ.. المَحمِلُ كَمَجلِس مصدر. والغِبّ بالكسر العاقبة. والوَبَالُ في الأصل الثّقل والمكروه ، ويراد به في عرف الشّرع عذاب


صفحه : 307

الآخرة، والعذاب الوبيل الشّديد. والضّرَاءُ بالفتح والتّخفيف الشّجر الملتفّ كمامرّ يقال تواري الصّيد منيّ‌ في ضراء. والوَرَاءُ يكون بمعني قدّام كما يكون بمعني خلف وبالأول فُسّرَ قوله تعالي وَ كانَ وَراءَهُم مَلِكٌ يَأخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصباً ويحتمل أن تكون الهاء زيدت من النساخ أوالهمزة،فيكون علي الأخير بتشديد الراء من قولهم ورّي الشيّ‌ء تورية .. أي أخفاه ، و علي التقادير فالمعني وظهر لكم ماستره عنكم الضراء. وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون .. أي ظهر لكم من صنوف العذاب ما لم تكونوا تنتظرونه ، و لاتظنّونه واصلا إليكم ، و لم يكن في حسبانكم . والمبطل صاحب الباطل من أبطل الرّجل إذاأتي بالباطل .


قَد كَانَ بَعدَكَ أَنبَاءٌ وَ هَنبَثَةٌ   لَو كُنتَ شَاهِدَهَا لَم يَكبُرِ الخَطبُ.

إِنّا فَقَدنَاكَ فَقدَ الأَرضِ وَابِلَهَا   وَ اختَلّ قَومُكَ فَاشهَدهُم فَقَد نَكِبُوا

صفحه : 308

في الكشف ثم التفتت إلي قبر أبيها متمثلة بقول هند ابنة أثاثة .. ثم ذكر الأبيات . و قال في النهاية الهَنبَثَةُ واحدة الهَنَابِثِ وهي‌ الأمور الشّداد المختلفة، والهنبثة الاختلاط في القول والنّون زائدة، وذكر فيه أنّ فاطمة( ع )قالت بعدموت النّبيّ صلّي اللّه عليه [ وآله ] قد كان بعدك أنباء .. إلي آخر البيتين ، إلّا أنّه قال فاشهدهم و لاتغب . والشّهود الحظور. والخطب بالفتح الأمر ألّذي تقع فيه المخاطبة، والشّأن والحال . والوابل المطر الشّديد. ونكب فلان عن الطّريق كنصر وفرح أي .. عدل ومال .


و كلّ أهل له قربي ومنزلة   عندالإله علي الأدنين مقترب

القربي في الأصل القرابة في الرّحم. والمنزلة المرتبة والدّرجة و لاتجمع .


صفحه : 309

والأدنين هم الأقربون ، واقترب أي تقارب . و قال في مجمع البيان في اقترب زيادة مبالغة علي قرب ، كما أنّ في اقتدر زيادة مبالغة علي قدر. ويمكن تصحيح تركيب البيت وتأويل معناه علي وجوه

الأول و هوالأظهر، أن جملة( له قربي )صفة لأهل ، والتنوين في (منزلة)للتعظيم ، والظرفان متعلقان بالمنزلة لما فيها من معني الزيادة والرجحان ، و(مقترب )خبر لكل ، أي ذو القرب الحقيقي‌، أو عندذي‌ الأهل ، كلّ أهل كانت له مزيّة وزيادة علي غيره من الأقربين عند اللّه تعالي .

والثاني‌ تعلّق الظرفين بقولها(مقترب )، أي كل أهل له قرب ومنزلة من ذي‌ الأهل ،فهو عند اللّه تعالي مقترب مفضل علي سائر الأدنين .

والثالث تعلّق الظرف الأول ب(المنزلة) والثاني‌(بالمقترب )، أي كل أهل اتّصف بالقربي بالرجل وبالمنزلة عند اللّه،فهو مفضّل علي من هوأبعد منه .

والرابع أن يكون جملة( له قربي )خبرا للكل ،( ومقترب )خبرا ثانيا، و في الظرفين يجري‌ الاحتمالات السابقة، والمعني أن كل أهل نبي‌ّ من الأنبياء له قرب ومنزلة عند اللّه، ومفضّل علي سائر الأقارب عندالأمّة.


أبدت رجال لنا نجوي صدورهم   لمامضيت وحالت دونك الترب

بدا الأمر بدوّا ظهر، وأبداه أظهره . والنّجوي الاسم من نجوته إذاساورته ، ونجوي صدورهم ماأضمروه في نفوسهم من العداوة و لم يتمكنوا من إظهاره في حياته صلّي اللّه عليه


صفحه : 310

وآله ، و في بعض النسخ فحوي صدورهم ، وفحوي القول معناه ، والمآل واحد. و قال الفيروزآبادي‌ التّربُ والتّرَابُ والتّربَةُ .. معروف ، وجمع التّراب أتربة وتربان ، و لم يسمع لسائرها بجمع ،انتهي .فيمكن أن يكون بصيغة المفرد، والتأنيث بتأويل الأرض كماقيل ، والأظهر أنه بضم التاء وفتح الراء جمع تربة، قال في مصباح اللغة التّربة المقبرة، والجمع ترب مثل غرفة وغرف . وحال الشيّ‌ء بيني‌ وبينك .. أي منعني‌ من الوصول إليك . ودون الشيّ‌ء قريب منه ،يقال دون النهر جماعة .. أي قبل أن تصل إليه . والتّهجّم الاستقبال بالوجه الكريه .


صفحه : 311

والمُغتَصَبُ علي بناء المفعول المغصوب . والمُحتَجِبُ علي بناء الفاعل . وصَادَفَهُ وجده ولقيه . والكُثُبُ بضمتين جمع كثيب و هوالتّلّ من الرّمل. والرّزءُ بالضم مهموزا المصيبة بفقد الأعزّة. ورزئنا علي بناء المجهول . والشّجَنُ بالتحريك الحزن . و في القاموس العُجمُ بالضم وبالتحريك خلاف العرب . قوله ثم انكفأت ..

أقول وجدت في نسخة قديمة لكشف الغمة منقولة من خطّ المصنف مكتوبا علي هامشها بعدإيراد خطبتها صلوات اللّه عليها ما هذالفظه وجد بخطّ السيد المرتضي علم الهدي الموسوي‌ قدس اللّه روحه أنّه لمّا خرجت فاطمة عليها السلام من عند أبي بكر حين ردّها عن فدك استقبلها أمير المؤمنين عليه السلام فجعلت تعنّفه، ثم قالت اشتملت .. إلي آخر كلامها عليها السلام . والانكفاء الرّجوع. وتوقّعت الشيّ‌ء واستوقعته .. أي انتظرت وقوعه .


صفحه : 312

وطلعت علي القوم أتيتهم ، وتطلّع الطّلوع انتظاره . فلمّا استقرّت بهاالدّار .. أي سكنت كأنّها اضطربت وتحركت بخروجها، أو علي سبيل القلب ، و هذاشائع ،يقال استقرّت نوي القوم واستقرّت بهم النّوي .. أي أقاموا.اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين .. اشتمل بالثّوب .. أي أداره علي جسده كلّه، والشّملة بالفتح كساء يشتمل به ، والشّملة بالكسر هيئة الاشتمال ،فالشملة إمّا مفعول مطلق من غيرالباب كقوله تعالي نَباتاً أو في الكلام حذف وإيصال . و في رواية السيد مشيمة الجنين .. وهي‌ محلّ الولد في الرّحم، ولعله أظهر. والجنين الولد مادام في البطن . والحُجرَة بالضم حظيرة الإبل ، و منه حجرة الدّار. والظّنين المتّهم، والمعني اختفيت عن الناس كالجنين ، وقعدت عن طلب الحق ، ونزلت منزلة الخائف المتهم . و في رواية السيد الحجزة بالزاء المعجمة، و في بعض النسخ قعدت


صفحه : 313

حجزة الظنين ، و قال في النهاية الحجزة موضع شدّ الإزار، ثمّ قيل للإزار حجزة للمجاورة، و في القاموس الحجزة بالضم معقد الإزار .. و من الفرس مركب مؤخّر الصّفاق بالحقو، و قال شدّة الحجزة كناية عن الصّبر.نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل .قوادم الطّير مقاديم ريشه وهي‌ عَشرٌ في كلّ جناح ،واحدتها قادمة. والأجدل الصّقر. والأعزل ألّذي لاسلاح معه .قيل لعلّها صلوات اللّه عليها شبّهت الصقر ألذي نقضت قوادمه بمن لاسلاح له ، والمعني تركت طلب الخلافة في أوّل الأمر قبل أن يتمكّنوا منها ويشيّدوا أركانها، وظننت أنّ الناس لايرون غيرك أهلا للخلافة، و لايقدّمون عليك أحدا،فكنت كمن يتوقّع الطيران من صقر منقوضة القوادم .

أقول ويحتمل أن يكون المراد أنّك نازلت الأبطال ، وخضت الأهوال ، و لم تبال بكثرة الرجال حتي نقضت شوكتهم ، واليوم غلبت من هؤلاء الضعفاء والأرذال ، وسلّمت لهم الأمر و لاتنازعهم ، و علي هذا،الأظهر أنّه كان في الأصل خاتك بالتاء المثناة الفوقانية فصحف ، قال الجوهري‌ خات البازي‌ واختات أي انقضّ .. ليأخذه ، و قال الشّاعر


يخوتون أخري القوم خوت الأجادل   ......... ..........

صفحه : 314

والخائتة العقاب إذاانقضّت فسمعت صوت انقضاضها، والخوات .. دوي‌ّ جناح العقاب .. والخوّات بالتّشديد الرّجل الجري‌، و في رواية السيّد نفضت بالفاء و هويؤيّد المعني الأوّل. هذا ابن أبي قحافة يبتزنّي‌ نحيلة أبي ، وبلغة ابني‌،لقد أجهر في خصامي‌، وألفيته ألدّ في كلامي‌ ... قُحَافَة بضم القاف وتخفيف المهملة. والابتزاز الاستلاب ، وأخذ الشيّ‌ء بقهر وغلبة من البّز بمعني السّلب. والنّحيلة فعيلة بمعني مفعول من النحلة بالكسر بمعني الهبة والعطيّة عن طيبة نفس من غيرمطالبة أو من غيرعوض . والبُلغَةُ بالضم مايتبلّغ به من العيش ويكتفي به ، و في أكثر النسخ بُلَيغَةَ بالتصغير فالتصغير في النُحَيلَة أيضا أنسب . وابني‌ إمّا بتخفيف الياء فالمراد به الجنس ، أوتشديدها علي التثنية. وإظهار الشيّ‌ء إعلانه .


صفحه : 315

والخِصَام مصدر كالمخاصمة، ويحتمل أن يكون جمع خصم أي أجهر العداوة أوالكلام لي بين الخصام ، والأول أظهر. وألفيته .. أي وجدته . والألدّ شديد الخصومة، و ليس فعلا ماضيا، فإنّ فعله علي بناء المجرد، والإضافة في (كلامي‌)إما من قبيل الإضافة إلي المخاطب أو إلي المتكلم ، و في للظرفية أوالسببية. و في رواية السيد هذابني‌ أبي قحافة .. إلي قوله لقد أجهد في ظلامتي‌ وألدّ في خصامتي‌. قال الجزري‌ يقال جهد الرّجل في الأمر إذاجدّ وبالغ فيه ، وأجهد دابّته إذاحمل عليها في السّير فوق طاقتها. حتي حبستني‌ قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني‌ طرفها، فلادافع و لامانع .. قَيلَة بالفتح اسمُ أُمّ قَدِيمَةٍ لقِبَيِلتَيَ‌ِ الأَنصَارِ، والمراد بنو قيلة. و في رواية السيد حين منعتني‌ الأنصار نصرها .. وموصوف المهاجرة الطائفة أونحوها، والمراد بوصلها عونها. والطّرف بالفتح العين .


صفحه : 316

وغَضّهُ خفضه . و في رواية السيد بعدقولها و لامانع و لاناصر و لاشافع .خرجت كاظمة وعدت راغمة .. كظم الغيظ تجرّعه والصّبر عليه . ورغم فلان بالفتح إذاذلّ، وعجز عن الانتصاف ممّن ظلمه ، والظاهر من الخروج الخروج من البيت و هو لايناسب كاظمة، إلّا أن يراد بهاالامتلاء من الغيظ فإنّه من لوازم الكظم ، ويحتمل أن يكون المراد الخروج من المسجد المعبّر عنه ثانيا بالعود، كماقيل . و في رواية السيد مكان عدت رجعت .أَضرَعتَ خَدّكَ يَومَ أَضَعتَ حَدّكَ،افتَرَسَتِ الذّئَابُ، وَ افتَرَشتَ التّرَابَ .. ضرع الرّجل مثلثة خضع وذلّ وأضرعه غيره ، وإسناد الضراعة إلي الخذلان أظهر أفرادها وضع الخدّ علي التراب ، أولأن الذلّ يظهر في الوجه . وإضاعة الشيّ‌ء وتضييعه إهماله وإهلاكه . وحدّ الرّجل بالحاء المهملة بأسه وبطشه ، و في بعض النسخ


صفحه : 317

بالجيم .. أي تركت اهتمامك وسعيك . و في رواية السيد فقد أضعت جدك يوم أصرعت خدّك. وفرس الأسد فريسته كضرب وافترسها دقّ عنقها، ويستعمل في كلّ قتل ، ويمكن أن يقرأ بصيغة الغائب ،فالذئاب مرفوع ، والمعني قعدت عن طلب الخلافة ولزمت الأرض مع أنّك أسد اللّه، والخلافة كانت فريستك حتي افترسها وأخذها الذئب الغاصب لها، ويحتمل أن يكون بصيغة الخطاب .. أي كنت تفترس الذئاب واليوم افترشت التراب ، و في بعض النسخ الذباب بالباءين الموحدتين جمع ذبابة،فيتعيّن الأول ، و في بعضها افترست الذئاب وافترستك الذئاب . و في رواية السيد مكانهما وتوسدت الوراء كالوزغ ومسّتك الهناة والنزغ .. والوراء بمعني خلف . والهناة الشّدّة والفتنة. والنّزغ الطّعن والفساد. ماكففت قائلا، و لاأغنيت باطلا و لاخيار لي ،ليتني‌ متّ قبل هينتي‌ ودون


صفحه : 318

زلتّي‌.الكفّ المنع . والإغناء الصّرف والكفّ،يقال أغن عنيّ‌ شرّك .. أي أصرفه وكفّه، و به فسّر قوله سبحانه إِنّهُم لَن يُغنُوا عَنكَ مِنَ اللّهِ شَيئاً. و في رواية السيد و لاأغنيت طائلا .. و هوأظهر، قال الجوهري‌ يقال هذاأمر لاطائل فيه ، إذا لم يكن فيه غناء ومزيّة.فالمراد بالغناء النّفع، ويقال مايغني‌ عنك هذا.. أي مايجديك و ماينفعك . والهَينَةُ بالفتح العادة في الرّفق والسّكون، ويقال امش علي هينتك .. أي علي رسلك ، أي ليتني‌ متّ قبل هذااليوم ألذي لابدّ لي من الصبر علي ظلمهم ، و لامحيص لي عن الرفق . والزلّة بفتح الزاي‌ كما في النسخ الاسم من قولك زللت في طين أومنطق إذازلقت ، و يكون بمعني السّقطة، والمراد بهاعدم القدرة علي دفع الظلم ، و لوكانت الكلمة بالذال المعجمة كان أظهر وأوضح ، كما في رواية السيد،


صفحه : 319

فإنّ فيهاوا لهفتاه ليتني‌ متّ قبل ذلتّي‌، ودون هينتي‌،عذيري‌ اللّه منك عاديا، ومنك حاميا .. العذير بمعني العاذر كالسميع ، أوبمعني العذر كالأليم . وقولها منك .. أي من أجل الإساءة إليك وإيذائك . وعذيري‌ اللّه .. مرفوعان بالابتدائية والخبرية. وعاديا .. إمّا من قولهم عدوت فلانا عن الأمر .. أي صرفته عنه ، أو من العدوان بمعني تجاوز الحدّ، و هوحال عن ضمير المخاطب .. أي اللّه يقيم العذر من قبلي‌ في إساءتي‌ إليك حال صرفك المكاره ودفعك الظلم عنيّ‌، أوحال تجاوزك الحدّ في القعود عن نصري‌ .. أي عذري‌ في سوء الأدب أنّك قصّرت في إعانتي‌ والذبّ عنيّ‌، والحماية عن الرّجل الدّفع عنه ، ويحتمل أن يكون عذيري‌ منصوبا كما هوالشائع في هذه الكلمة، و( اللّه)مجرورا بالقسم ،يقال عذيرك من فلان .. أي هات من يعذرك فيه ، و منه

قَولُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ حِينَ نَظَرَ إِلَي ابنِ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ


  َذِيرَكَ مِن خَلِيلِكَ مِن مُرَادٍ

..،


صفحه : 320

والأول أظهر.ويلاي‌ في كل شارق ،مات العمد، ووهت العضد،شكواي‌ إلي أبي وعدواي‌ إلي ربي‌ّ أللهمّ أنت أشدّ قوّة وحولا، وأحدّ بأسا وتنكيلا .. قال الجوهري‌ ويل كلمة مثل ويح ، إلّا أنّها كلمة عذاب يقال ويله وويلك وويلي‌، و في النّدبة ويلاه . ولعلّه جمع فيها بين ألف الندبة وياء المتكلم ، ويحتمل أن يكون بصيغة التثنية فيكون مبتدأ والظرف خبره ، والمراد به تكرر الويل . و في رواية السيد ويلاه في كلّ شارق ،ويلاه في كلّ غارب ،ويلاه مات العمد وذلّ العضد .. إلي قولها عليها السلام أللهمّ أنت أشدّ قوّة وبطشا. والشارق الشمس .. أي عند كلّ شروق وطلوع صباح كل يوم . قال الجوهري‌ الشّرق المشرق ، والشّرق الشّمس،يقال طلع الشّرق و لاآتيك ماذرّ شارق .. وشرقت الشّمس تشرق شروقا وشرقا أيضا أي طلعت ، وأشرقت أي .. أضاءت . والعَمَد بالتحريك وبضمتين جمع العمود، ولعلّ المراد هنا مايعتمد


صفحه : 321

عليه في الأمور. والشّكوَي الاسم من قولك شكوت فلانا شكاية. والعَدوَي طلبك إلي وال لينتقم لك ممّن ظلمك . والحول القوّة والحيلة والدّفع والمنع ، والكل هنا محتمل . والبأس العذاب . والتّنكيل العقوبة، وجعل الرّجل نكالا وعبرة لغيره .الويل لشانئك .. أي العذاب ، والشّرّ لمبغضك ، والشناءة البغض . و في رواية السيد لمن أحزنك . ونهنهت الرّجل عن الشيّ‌ء فتنهنه .. أي كففته وزجرته فكفّ. والوَجدُ الغضب . أي امنع نفسك عن غضبك . و في بعض النسخ تنهنهي‌، و هوأظهر.


صفحه : 322

والصّفوة مثلثة خلاصة الشيّ‌ء وخياره . والوَنَي كَفَتَي الضّعف والفتور والكلال ، والفعل كوقي يقي‌ .. أي ماعجزت عن القيام بما أمرني‌ به ربيّ‌ و ماتركت مادخل تحت قدرتي‌. والبُلغَةُ بالضم مايتبلّغ به من العيش . والضامن والكفيل للرزق هو اللّه تعالي ، و ماأعدّ لها هوثواب الآخرة. والاحتساب الاعتداد، ويقال لمن ينوي‌ بعمله وجه اللّه تعالي احتسبه .. أي اصبري‌ وادخّري‌ ثوابه عند اللّه تعالي . و

فِي رِوَايَةِ السّيّدِ فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَا وَيلَ لَكِ بَلِ الوَيلُ لِمَن أَحزَنَكِ،نهَنهِيِ‌ عَن وَجدِكِ يَا بُنَيّةَ الصّفوَةِ، وَ بَقِيّةَ النّبُوّةِ،فَمَا وَنَيتُ عَن حَظّكِ، وَ لَا أَخطَأتُ فَقَد تَرَينَ مقَدرُتَيِ‌، فَإِن ترَزئَيِ‌ حَقّكِ فَرِزقُكِ مَضمُونٌ، وَ كَفِيلُكِ مَأمُونٌ، وَ مَا عِندَ اللّهِ خَيرٌ لَكِ مِمّا قُطِعَ عَنكِ.فَرَفَعَت يَدَهَا الكَرِيمَةَ فَقَالَت رَضِيتُ وَ سَلّمتُ.

قال في القاموس رَزَأَهُ ماله كجعله وعمله رُزأً بالضمّ أصاب منه شيئا..أقول روي الشيخ كلامها الأخير مع جوابه قريبا ممّا رواه السيد،


صفحه : 323

ولنذكره بسنده

قَالَ أَخبَرَنَا مُحَمّدُ بنُ أَحمَدَ بنِ شَاذَانَ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ المُفَضّلِ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ مَعمَرٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ الزّيّاتِ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ، عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ، عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمَا السّلَامُ قَالَ لَمّا انصَرَفَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ مِن عِندِ أَبِي بَكرٍ أَقبَلَت عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.فَقَالَت لَهُ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ اشتَمَلتَ مَشِيمَةَ الجَنِينِ، وَ قَعَدتَ حُجرَةَ الظّنِينِ،نَقَضتَ قَادِمَةَ الأَجدَلِ،فَخَانَكَ رِيشُ الأَعزَلِ، هَذَا ابنُ أَبِي قُحَافَةَ قَدِ ابتزَنّيِ‌ نُحَيلَةَ أَبِي وَ بُلَيغَةَ ابنيَ‌ّ، وَ اللّهِ لَقَد أَجَدّ فِي ظلُاَمتَيِ‌، وَ أَلَدّ فِي خصِاَميِ‌، حَتّي منَعَتَنيِ‌ قَيلَةُ نَصرَهَا، وَ المُهَاجِرَةُ وَصلَهَا، وَ غَضّتِ الجَمَاعَةُ دوُنيِ‌ طَرفَهَا، فَلَا مَانِعَ وَ لَا دَافِعَ،خَرَجتُ وَ اللّهِ كَاظِمَةً، وَ عُدتُ رَاغِمَةً، وَ ليَتنَيِ‌ لَا خِيَارَ لِي،ليَتنَيِ‌ مِتّ قَبلَ ذَلِكَ مِتّ قَبلَ ذلِتّيِ‌ وَ تُوُفّيتُ قَبلَ منَيِتّيِ‌ عذَيِريِ‌ فِيكَ اللّهُ حَامِياً، وَ مِنكَ عَادِياً،وَيلَاه فِي كُلّ شَارِقٍ وَيلَاه مَاتَ المُعتَمَدُ وَ وَهَنَ العَضُدُ شكَواَي‌َ إِلَي ربَيّ‌، وَ عدَواَي‌َ إِلَي أَبِي، أللّهُمّ أَنتَ أَشَدّ قُوّةً.


صفحه : 324

فَأَجَابَهَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَا وَيلَ لَكِ،بَلِ الوَيلُ لِشَانِئِكِ،نهَنهِيِ‌ مِن غَربِكِ يَا بِنتَ الصّفوَةِ وَ بَقِيّةَ النّبُوّةِ،فَوَ اللّهِ مَا وَنَيتُ فِي ديِنيِ‌، وَ لَا أَخطَأتُ مقَدوُريِ‌، فَإِن كُنتِ تَرزَءِينَ البُلغَةَ فَرِزقُكِ مَضمُونٌ، وَ لَعَيلَتُكِ مَأمُونٌ، وَ مَا أُعِدّ لَكِ خَيرٌ مِمّا قُطِعَ عَنكِ،فاَحتسَبِيِ‌.فَقَالَت حسَبيِ‌َ اللّهُوَ نِعمَ الوَكِيلُ.

ولندفع الإشكال ألّذي قلّما لايخطر بالبال عندسماع هذاالجواب والسؤال ، و هو أنّ اعتراض فاطمة عليها السلام علي أمير المؤمنين عليه السلام في ترك التعرّض للخلافة، وعدم نصرتها، وتخطئته فيهما مع علمها بإمامته ، ووجوب اتّباعه وعصمته ، و أنّه لم يفعل شيئا إلّا بأمره تعالي ووصيّة الرسول صلّي اللّه عليه وآله ممّا ينافي‌ عصمتها وجلالتها.

فأقول يمكن أن يجاب عنه بأنّ هذه الكلمات صدرت منها عليها السلام لبعض المصالح ، و لم تكن واقعا منكرة لمافعله ،بل كانت راضية، وإنّما كان غرضها أن يتبيّن للناس قبح أعمالهم وشناعة أفعالهم ، و أنّ سكوته عليه السلام ليس لرضاه بما أتوا به . ومثل هذاكثيرا مايقع في العادات والمحاورات ، كما أنّ ملكا يعاتب بعض خواصّه في أمر بعض الرعايا، مع علمه ببراءته من جنايتهم ،ليظهر لهم عظم جرمهم ، و أنّه ممّا استوجب به أخصّ الناس بالملك منه المعاتبة. ونظير ذلك مافعله موسي عليه السلام لمّا رجع إِلي قَومِهِ غَضبانَ أَسِفاً من إلقائه الألواح ، وأخذه برأس أخيه يجرّه إليه و لم يكن غرضه الإنكار علي هارون ،بل أراد بذلك أن يعرّف القوم عظم جنايتهم ، وشدّة جرمهم ، كمامرّ الكلام فيه .


صفحه : 325

و أمّا حمله علي أنّ شدّة الغضب والأسف والغيظ حملتها علي ذلك مع علمها بحقّية ماارتكبه عليه السلام فلاينفع في دفع الفساد، وينافي‌ عصمتها وجلالتها التّي‌ عجزت عن إدراكها أحلام العباد.بقي‌ هاهنا إشكال آخر، و هو أنّ طلب الحقّ والمبالغة فيه و إن لم يكن منافيا للعصمة،لكن زهدها صلوات اللّه عليها، وتركها للدنيا، وعدم اعتدادها بنعيمها ولذّاتها، وكمال عرفانها ويقينها بفناء الدنيا، وتوجّه نفسها القدسية، وانصراف همّتها العالية دائما إلي اللذات المعنوية والدرجات الأخروية، لاتناسب مثل هذاالاهتمام في أمر فدك ، والخروج إلي مجمع الناس ، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله . والجواب عنه من وجهين

الأول أنّ ذلك لم يكن حقّا مخصوصا لها،بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه ،فلم يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ،ليصير سببا لتضييع حقوق جماعة من الأئمّة الأعلام والأشراف الكرام نعم لو كان مختصّا بها كان لها تركه والزهد فيه وعدم التأثر من فوته .

الثاني‌ أنّ تلك الأمور لم تكن لمحبّة فدك وحبّ الدنيا،بل كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم ، و هذا كان من أهمّ أمور الدين وأعظم الحقوق علي المسلمين . ويؤيّده أنّها صلوات اللّه عليها صرّحت في آخر الكلام حيث قالت قلت ما قلت علي معرفة منيّ‌ بالخذلة .. وكفي بهذه الخطبة بيّنة علي كفرهم ونفاقهم . ونشيّد ذلك بإيراد رواية بعض المخالفين في ذلك

رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي سِيَاقِ أَخبَارِ فَدَكَ عَن أَحمَدَ بنِ


صفحه : 326

عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ أَنّ أَبَا بَكرٍ لَمّا سَمِعَ خُطبَةَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ فِي فَدَكَ شُقّ عَلَيهِ مَقَالَتُهَا،فَصَعِدَ المِنبَرَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ مَا هَذِهِ الرّعَةُ إِلَي كُلّ قَالَةٍ أَينَ كَانَت هَذِهِ الأمَاَنيِ‌ّ فِي عَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ أَلَا مَن سَمِعَ فَليَقُل، وَ مَن شَهِدَ فَليَتَكَلّم،إِنّمَا هُوَ ثُعَالَةٌ شَهِيدُهُ ذَنَبُهُ،مُرِبّ بِكُلّ فِتنَةٍ، هُوَ ألّذِي يَقُولُ كَرّوهَا جَذَعَةً بَعدَ مَا هَرِمَت،تَستَعِينُونَ بِالضّعَفَةِ وَ تَستَنصِرُونَ بِالنّسَاءِ،كَأُمّ طِحَالٍ أَحَبّ أَهلُهَا إِلَيهَا البغَي‌َ.أَلَا إنِيّ‌ لَو أَشَاءُ أَن أَقُولَ لَقُلتُ، وَ لَو قُلتُ لَبُحتُ،إنِيّ‌ سَاكِتٌ مَا تُرِكتُ. ثُمّ التَفَتَ إِلَي الأَنصَارِ فَقَالَ قَد بلَغَنَيِ‌ يَا مَعَاشِرَ الأَنصَارِ مَقَالَةُ سُفَهَائِكُم، وَ أَحَقّ مَن لَزِمَ عَهدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ أَنتُم،فَقَد جَاءَكُمُ فَآوَيتُم وَ نَصَرتُم،أَلَا وَ إنِيّ‌ لَستُ بَاسِطاً يَداً وَ لِسَاناً عَلَي مَن لَم يَستَحِقّ ذَلِكَ مِنّا .. ثُمّ نَزَلَ.فَانصَرَفَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ إِلَي مَنزِلِهَا.

ثم قال ابن أبي الحديد قرأت هذاالكلام علي النقيب يحيي بن أبي زيد البصري‌ّ.فقلت له بمن يعرّض. فقال بل يصرّح. قلت لوصرّح لم أسألك .


صفحه : 327

فضحك و قال بعلي‌ّ بن أبي طالب عليه السلام . قلت أ هذاالكلام كلّه لعلي‌ّ عليه السلام . قال نعم إنّه الملك يابني‌ّ. قلت فما مقالة الأنصار. قال هتفوا بذكر عليّ فخاف من اضطراب الأمر عليه فنهاهم .فسألته عن غريبه . فقال ما هذه الرعة بالتخفيف أي الاستماع والإصغاء. والقالة القول . وثُعَالَةُ اسم للثعلب علم غيرمصروف ،مثل ذؤالة للذئب . وَ شَهِيدُهُ ذَنَبُهُ .. أي لاشاهد علي مايدعّي‌ إلّا بعضه وجزء منه ، وأصله مثل ،قالوا إنّ الثعلب أراد أن يغري‌ الأسد بالذئب ، فقال إنّه أكل الشاة التّي‌ أعددتها لنفسك ، قال فمن يشهد لك بذلك فرفع ذنبه و عليه دم ، و كان


صفحه : 328

الأسد قدافتقد الشاة،فقبل شهادته وقتل الذئب . ومربّ ملازم ،أربّ،لازم بالمكان . وكرّوها جذعة أعيدوها إلي الحال الأولي ،يعني‌ الفتنة والهرج . وأمّ طحال امرأة بغي‌ في الجاهلية،فضرب بهاالمثل ،يقال أزني من أمّ طحال ،انتهي .

أقول الرعة بالراء كما في نسخ الشرح ،بمعني الاستماع ، لم نجده في كلام اللغويين ، ويمكن أن يكون بالدال المهملة بمعني السكون ، و يكون الغلط من النسّاخ، و يكون تفسير النقيب بيانا لحاصل المعني .

وَ رَوَي أَيضاً عَن أَحمَدَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ، عَن هِشَامِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِيهِ قَالَقَالَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ لأِبَيِ‌ بَكرٍ إِنّ أُمّ أَيمَنَ تَشهَدُ لِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أعَطاَنيِ‌ فَدَكَ. فَقَالَ لَهَا يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ، وَ اللّهِ مَا خَلَقَ اللّهُ خَلقاً أَحَبّ إلِيَ‌ّ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ أَبِيكِ، وَ لَوَدِدتُ أَنّ السّمَاءَ وَقَعَت عَلَي الأَرضِ يَومَ مَاتَ أَبُوكِ، وَ اللّهِ لَأَن تَفتَقِرَ عَائِشَةُ أَحَبّ إلِيَ‌ّ مِن أَن تفَتقَرِيِ‌، أَ ترَاَنيِ‌ أعُطيِ‌ الأَسوَدَ وَ الأَحمَرَ حَقّهُ وَ أَظلِمَكِ حَقّكِ وَ أَنتِ بِنتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ إِنّ هَذَا المَالَ لَم يَكُن


صفحه : 329

للِنبّيِ‌ّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ إِنّمَا كَانَ مِن أَموَالِ المُسلِمِينَ يَحمِلُ النّبِيّ بِهِ الرّجَالَ وَ يُنفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، فَلَمّا توُفُيّ‌َ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ وَلَيتُهُ كَمَا كَانَ يَلِيهِ.قَالَت وَ اللّهِ لَا كَلّمتُكَ أَبَداً. قَالَ وَ اللّهِ لَا هَجَرتُكِ أَبَداً.قَالَت وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ عَلَيكَ. قَالَ وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ لَكِ. فَلَمّا حَضَرَتهَا الوَفَاةُ أَوصَت أَن لَا يصُلَيّ‌َ عَلَيهَا،فَدُفِنَت لَيلًا، وَ صَلّي عَلَيهَا العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطّلِبِ، وَ كَانَ بَينَ وَفَاتِهَا وَ وَفَاةِ أَبِيهَا اثنَتَانِ وَ سَبعُونَ لَيلَةً.

و من رواياتهم الصحيحة الصريحة في أنّها صلوات اللّه عليها استمرّت علي الغضب حتي ماتت ما

رَوَاهُ مُسلِمٌ وَ أَبُو دَاوُدَ فِي صِحَاحِهِمَا، وَ أَورَدَهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ فِي الفَصلِ الثّالِثِ مِن كِتَابِ المَوَارِيثِ فِي حَرفِ الفَاءِ، عَن عَائِشَةَ قَالَت إِنّ فَاطِمَةَ( ع )بِنتَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ سَأَلَت أَبَا بَكرٍ الصّدّيقَ بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ(ص ) أَن يَقسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمّا تَرَكَ رَسُولُ اللّهِ(ص )مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيهِ. فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكرٍ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ قَالَ لَا نُوَرّثُ، مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَةٌ.


صفحه : 330

فَغَضِبَت فَاطِمَةُ فَهَجَرَتهُ،فَلَم تَزَل بِذَلِكَ حَتّي تُوُفّيَت، وَ عَاشَت بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ سِتّةَ أَشهُرٍ إِلّا ليَاَليِ‌َ. وَ كَانَت تَسأَلُهُ أَن يَقسِمَ لَهَا نَصِيبَهَا مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَي رَسُولِهِ مِن خَيبَرَ وَ فَدَكَ، وَ مِن صَدَقَتِهِ بِالمَدِينَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ لَستُ باِلذّيِ‌ أَقسِمُ مِن ذَلِكَ، وَ لَستُ تَارِكاً شَيئاً كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ يَعمَلُ بِهِ فِيهَا إِلّا عَمِلتُهُ،فإَنِيّ‌ أَخشَي إِن تَرَكتُ شَيئاً مِن أَمرِهِ أَن أَزِيغَ. ثُمّ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ،فَأَمّا صَدَقَتُهُ بِالمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَي عَلِيّ وَ العَبّاسِ، وَ أَمسَكَ خَيبَرَ وَ فَدَكَ، وَ قَالَ هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ كَانَتَا لِحُقُوقِهِ وَ نَوَائِبِهِ، وَ أَمرُهُمَا إِلَي مَن ولَيِ‌َ الأَمرَ. قَالَ فَهُمَا عَلَي ذَلِكَ إِلَي اليَومِ.

و قال في جامع الأصول أخرجه مسلم ، و لم يخرج منه البخاري‌ إلّا قوله إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله قال لانورث ، ماتركناه صدقة. ولقلّة ماأخرج منه لم تعلم له علامة، وأخرج أبوداود نحو مسلم ،انتهي .

اعلَم أَنّ المُخَالِفِينَ فِي صِحَاحِهِم رَوَوا أَخبَاراً كَثِيرَةً فِي أَنّ مَن خَالَفَ الإِمَامَ، وَ خَرَجَ مِن طَاعَتِهِ، وَ فَارَقَ الجَمَاعَةَ، وَ لَم يَعرِف إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ


صفحه : 331

مِيتَةً جَاهِلِيّةً.

رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ مِن صَحِيحِ مُسلِمٍ وَ النسّاَئيِ‌ّ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مَن خَرَجَ مِنَ الطّاعَةِ وَ فَارَقَ الجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً.

وَ رَوَي البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٌ فِي صحيحهما[صَحِيحَيهِمَا]، وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ أَيضاً عَنهُمَا، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] مَن كَرِهَ مِن أَمِيرِهِ شَيئاً فَليَصبِر،فَإِنّهُ مَن خَرَجَ مِن طَاعَةِ السّلطَانِ شِبراً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي فَليَصبِر عَلَيهِ،فَإِنّهُ مَن فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبراً فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيّةٌ.


صفحه : 332

رَوَي مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ أَيضاً، عَن نَافِعٍ قَالَ لَمّا خَلَعُوا يَزِيدَ وَ اجتَمَعُوا عَلَي ابنِ مُطِيعٍ أَتَاهُ ابنُ عُمَرَ، فَقَالَ عَبدُ اللّهِ اطرَحُوا لأِبَيِ‌ عَبدِ الرّحمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ لَهُ عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ إنِيّ‌ لَم آتِكَ لِأَجلِسَ،أَتَيتُكَ لِأُحَدّثَكَ حَدِيثاً سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، يَقُولُ مَن خَلَعَ يَداً مِن طَاعَةٍ لقَيِ‌َ اللّهَ يَومَ القِيَامَةِ وَ لَا حُجّةَ لَهُ، وَ مَن مَاتَ وَ لَيسَ فِي عُنُقِهِ بَيعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً.

و أمّا من طرق أصحابنا فالأخبار فيه أكثر من أن تحصي ، وستأتي‌ في مضانّها.فنقول لاأظنّك ترتاب بعد ماأسلفناه من الروايات المنقولة من طريق المخالف والمؤالف في أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها كانت ساخطة عليهم ،حاكمة بكفرهم وضلالهم ، غيرمذعنة بإمامتهم و لامطيعة لهم ، وأنّها قداستمرّت علي تلك الحالة حتّي سبقت إلي كرامة اللّه ورضوانه .فمن قال بإمامة أبي بكر لامحيص له عن القول بأنّ سيّدة نساء العالمين و من طهّرها اللّه في كتابه من كلّ رجس ، و قال النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في فضلها ما قال ، قدماتت ميتة جاهليّة وميتة كفر وضلال ونفاق . و لاأظنّ ملحدا وزنديقا رضي‌ بهذا القول الشنيع . و من الغرائب أنّ المخالفين لمّا اضطرّوا وانسدّت عليهم الطرق ،لجئوا إلي


صفحه : 333

منع دوام سخطها عليها السلام علي أبي بكر، مع روايتهم تلك الأخبار في كتبهم المعتبرة. و

رِوَايَتِهِم أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَم يُبَايِع أَبَا بَكرٍ فِي حَيَاةِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ، وَ لَا بَايَعَهُ أَحَدٌ مِن بنَيِ‌ هَاشِمٍ إِلّا بَعدَ مَوتِهَا، وَ أَنّهُ كَانَ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ وَجهٌ فِي النّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ، فَلَمّا تُوُفّيَت انصَرَفَت وُجُوهُ النّاسِ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، فَلَمّا رَأَي ذَلِكَ ضَرَعَ إِلَي مُصَالَحَةِ أَبِي بَكرٍ،رَوَي ذَلِكَ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ فِي البَابِ الثاّنيِ‌ مِن كِتَابِ الخِلَافَةِ فِي حَرفِ الخَاءِ.

و لايخفي وهن هذاالقول بعدملاحظة ماتقدّم علي ذي‌ مسكة.


صفحه : 335

فصل في الكلام علي مايستفاد من أخبار الباب والتنبيه علي ماينتفع به طالب الحقّ والصواب
و هومشتمل علي فوائد

الأولي

نقول لاشكّ في عصمة فاطمة عليها السلام ، أمّا عندنا فللإجماع القطعي‌ المتواتر، والأخبار المتواترة الآتية في أبواب مناقبها عليها السلام ، و أمّا الحجّة علي المخالفين فبآية التطهير الدالة علي عصمتها، وسيأتي‌ إثبات نزول الآية في جماعة كانت داخلة فيهم ، ودلالة الآية علي العصمة في المجلد التاسع ، وبالأخبار المتواترة الدالّة علي أنّ إيذاءها إيذاء الرسول صلوات اللّه عليهما، و أنّ


صفحه : 336

اللّه تعالي يغضب لغضبها ويرضي لرضاها، وسيأتي‌ في أبواب فضائلها صلوات اللّه عليها، ولنذكر هنا بعض مارواه المخالفون في ذلك ،فمنها

مَا رَوَاهُ البخُاَريِ‌ّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَنَاقِبِهَا عَلَيهَا السّلَامُ عَنِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ قَالَ فَاطِمَةُ بَضعَةٌ منِيّ‌ فَمَن أَغضَبَهَا أغَضبَنَيِ‌.

وَ رَوَي أَيضاً فِي أَبوَابِ النّكَاحِ عَنِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ يَقُولُ وَ هُوَ عَلَي المِنبَرِ إِنّ بنَيِ‌ هَاشِمِ بنِ المُغِيرَةِ استأَذنَوُنيِ‌ فِي أَن يُنكِحُوا ابنَتَهُم عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَا آذَنُ لَهُم، ثُمّ لَا آذَنُ لَهُم. إِلّا أَن يُرِيدَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ( ع ) أَن يُطَلّقَ ابنتَيِ‌ وَ يَنكِحَ ابنَتَهُم،فَإِنّمَا هيِ‌َ بَضعَةٌ منِيّ‌،يرُيِبنُيِ‌ مَا رَابَهَا وَ يؤُذيِنيِ‌ مَن آذَاهَا.

وَ قَد رَوَي الخَبَرَينِ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَ رَوَي مُسلِمٌ وَ البخُاَريِ‌ّ


صفحه : 337

أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَالَ إِنّمَا فَاطِمَةُ بَضعَةٌ منِيّ‌ يؤُذيِنيِ‌ مَا آذَاهَا.

وَ رَوَي الترّمذِيِ‌ّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابنِ الزّبَيرِ، قَالَ إِنّ عَلِيّاً( ع )ذَكَرَ بِنتَ أَبِي جَهلٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ، فَقَالَ إِنّمَا فَاطِمَةُ بَضعَةٌ منِيّ‌ يؤُذيِنيِ‌ مَا آذَاهَا وَ ينُصبِنُيِ‌ مَا أَنصَبَهَا.

و قدذكر الروايات المذكورة ابن الأثير في جامع الأصول ، مع روايات أخري تؤيّدها.

وَ رَوَي فِي المِشكَاةِ عَنِ المِسوَرِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَالَ فَاطِمَةُ بَضعَةٌ منِيّ‌ فَمَن أَغضَبَهَا أغَضبَنَيِ‌. قَالَ وَ فِي رِوَايَةٍ يرُيِبنُيِ‌ مَا أَرَابَهَا وَ يؤُذيِنيِ‌ مَا آذَاهَا.

ثم قال متّفق عليه . وروي ابن شهرآشوب في المناقب ، والسيّد في الطرائف ، و ابن بطريق في العمدة والمستدرك ، و عليّ بن عيسي في كشف الغمّة وغيرهم أخبارا كثيرة في هذاالمعني من أصول المخالفين أوردتها في أبواب فضائلها. ووجه الاستدلال بها علي عصمتها صلوات اللّه عليها أنّه إذاكانت فاطمة عليها السلام ممّن تقارف الذنوب وترتكبها لجاز إيذاؤها،بل إقامة الحدّ عليها لو


صفحه : 338

فعلت معصية أوارتكبت مايوجب حدّا، و لم يكن رضاها رضي للّه سبحانه إذارضيت بالمعصية، و لا من سرّها في معصية سارّا للّه سبحانه و من أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضبا له جلّ شأنه .

فإن قيل لعلّ المراد من آذاها ظلما فقد آذاني‌، و من سرّها في طاعة اللّه فقد سرنّي‌ .. وأمثال ذلك ،لشيوع التخصيص في العمومات .

قلنا أوّلا التخصيص خلاف الأصل ، و لايصار إليه إلّا بدليل ،فمن أراد التخصيص فعليه إقامة الدليل .

وثانيا أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين لم تثبت لها خصوصيّة ومزيّة في تلك الأخبار، و لا كان فيهالها تشريف ومدحة، و ذلك باطل بوجوه

الأوّل أنّه لامعني حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسول علي كونها بضعة منه ، كمامرّ فيما صحّحه البخاري‌ ومسلم من الروايات وغيرها.

الثاني‌ أنّ كثيرا من الأخبار السالفة المتضمّنة لإنكاره صلّي اللّه عليه وآله علي بني‌ هاشم في أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام أوإنكاح بنت أبي جهل ليس من المشتركات بين المسلمين ، فإنّ ذلك النكاح كان ممّا أباحه اللّه سبحانه ،بل ممّا رغّب فيه وحثّ عليه لو لاكونه إيذاء لسيّدة النساء، و قدعلّل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله عدم الإذن كونها بضعة منه يؤذيه ماآذاها ويريبه مايريبها،فظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين .

الثالث أنّ القول بذلك يوجب إلقاء كلامه صلّي اللّه عليه وآله وخلوّه عن


صفحه : 339

الفائدة،إذ مدلوله حينئذ أنّ بضعته كسائر المسلمين ، و لا يقول ذلك من أوتي‌ حظّا من الفهم والفطانة، أواتّصف بشي‌ء من الإنصاف والأمانة، و قدأطبق محدّثوهم علي إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات اللّه عليها.

فإن قيل أقصي مايدلّ عليه الأخبار هو أنّ إيذاءها إيذاء للرسول صلّي اللّه عليه وآله ، و من جوّز صدور الذنب عنه صلّي اللّه عليه وآله لايأبي عن إيذائه إذافعل مايستحقّ به الإيذاء.

قلنا بعد مامرّ من الدلائل علي عصمة الأنبياء عليهم السلام ، قال اللّه تعالي وَ الّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ، و قال سبحانه وَ ما كانَ لَكُم أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللّهِ، و قال تعالي إِنّ الّذِينَ يُؤذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدّنيا وَ الآخِرَةِ وَ أَعَدّ لَهُم عَذاباً مُهِيناً،فالقول بجواز إيذائه صلّي اللّه عليه وآله ردّ لصريح القرآن ، و لايرضي به أحد من أهل الإيمان .

فإن قيل إنّما دلّت الأخبار علي عدم جواز إيذائها، و هوإنّما ينافي‌ صدور ذنب عنها يمكن للناس الاطلاع عليه حتي يؤذيها نهيا عن المنكر، و لاينافي‌ صدور معصية عنها خفية فلايدلّ علي عصمتها مطلقا.

قلنا نتمسّك في دفع هذاالاحتمال بالإجماع المركّب علي أنّ ماجري في قصّة فدك وصدر عنها من الإنكار علي أبي بكر، ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحا وتلويحا، وتظلّمها وغضبها علي أبي بكر وهجرتها وترك كلامها حتي ماتت لوكانت معصية لكانت من المعاصي‌ الظاهرة التي‌ قدأعلنت بها علي رءوس الأشهاد، و أيّ ذنب أظهر وأفحش من مثل هذاالردّ والإنكار علي الخليفة المفترض الطاعة علي العالمين بزعمهم ، فلامحيص لهم عن


صفحه : 340

القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمي تحرّزا عن إسناد هذه المعصية الكبري إلي سيّدة النساء. ونحتجّ أيضا في عصمتها صلوات اللّه عليها بالأخبار الدالّة علي وجوب التمسّك بأهل البيت عليهم السلام ، وعدم جواز التخلّف عنهم ، و مايقرب من هذاالمعني ، و لاريب في أنّ ذلك لا يكون ثابتا لأحد إلّا إذا كان معصوما،إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لماجاز اتّباعه عندارتكابها،بل يجب ردعه ومنعه وإيذاؤه ، وإقامة الحدّ عليه ، وإنكاره بالقلب واللسان ، و كلّ ذلك ينافي‌ ماحثّ عليه الرسول صلّي اللّه عليه وآله وأوصي به الأمّة في شأنهم ، وسيأتي‌ من الأخبار في ذلك مايتجاوز حدّ التواتر، ولنذكر فيهاقليلا ممّا أورده المخالفون في صحاحهم

رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ عَنِ الترّمذِيِ‌ّ مِمّا رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ عَن جَابِرِ ابنِ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِ‌ّ قَالَ رَأَيتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ فِي حَجّةِ الوَدَاعِ يَومَ عَرَفَةَ وَ هُوَ عَلَي نَاقَتِهِ القَصوَاءِ يَخطُبُ فَسَمِعتُهُ يَقُولُ إنِيّ‌ تَرَكتُ فِيكُم مَا إِن أَخَذتُم بِهِ لَن تَضِلّوا، كِتَابَ اللّهِ وَ عتِرتَيِ‌ أَهلَ بيَتيِ‌.

وَ رَوَي أَيضاً، عَنِ الترّمذِيِ‌ّ، عَن زَيدِ بنِ أَرقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَإنِيّ‌ تَارِكٌ فِيكُم مَا إِن تَمَسّكتُم بِهِ لَن تَضِلّوا،أَحَدُهُمَا أَعظَمُ مِنَ الآخَرِ، وَ هُوَ كِتَابُ اللّهِ حَبلٌ مَمدُودٌ مِنَ السّمَاءِ إِلَي الأَرضِ،


صفحه : 341

وَ عتِرتَيِ‌ أَهلُ بيَتيِ‌ لَن يَفتَرِقَا حَتّي يَرِدَا عَلَيّ الحَوضَ،فَانظُرُوا كَيفَ تخَلفُوُنيّ‌ فِيهِمَا.

وَ رَوَي فِي المِشكَاةِ عَن أَبِي ذَرّ أَنّهُ قَالَ وَ هُوَ آخِذٌ بِبَابِ الكَعبَةِ سَمِعتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَقُولُ أَلَا إِنّ مَثَلَ أَهلِ بيَتيِ‌ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَن رَكِبَهَا نَجَا وَ مَن تَخَلّفَ عَنهَا هَلَكَ.

وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ وَ المِشكَاةِ مِن صَحِيحِ الترّمذِيِ‌ّ، عَن زَيدِ بنِ أَرقَمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ قَالَ لعِلَيِ‌ّ وَ فَاطِمَةَ وَ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ أَنَا حَربٌ لِمَن حَارَبتُم وَ سِلمٌ لِمَن سَالَمتُم.

وَ رَوَي البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٌ فِي صحيحهما[صَحِيحَيهِمَا]، وَ أَحمَدُ فِي مُسنَدِهِ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ لَمّا نَزَلَقُل لا أَسئَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلّا المَوَدّةَ فِي القُربيقَالُوا يَا رَسُولَ اللّهِ مَن قَرَابَتُكَ الّذِينَ وَجَبَ عَلَينَا مَوَدّتُهُم، قَالَ عَلِيّ وَ فَاطِمَةُ وَ ابنَاهُمَا ....


صفحه : 342

وسيأتي‌ من الأخبار في ذلك مايشبعك ويغنيك ، وفيما ذكرنا كفاية للمنصف إن لم يكن يكفيك .

الثانية

في بيان مايدلّ علي كونها صلوات اللّه عليها محقّة في دعوي فدك ، مع قطع النظر عن عصمتها،فنقول لاريب علي من له أدني تتبّع في الآثار، وتنزّل قليلا عن درجة التعصّب والإنكار في أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يري فدكا حقّا لفاطمة عليها السلام ، و قداعترف بذلك جلّ أهل الخلاف ، ورووا أنّه عليه السلام شهد لها، ولذلك تراهم يجيبون تارة بعدم قبول شهادة الزوج ، وتارة بأنّ أبابكر لم يمض شهادة عليّ عليه السلام وشهادة أمّ أيمن لقصورها عن نصاب الشهادة، و قدثبت بالأخبار المتظافرة عندالفريقين أنّ عليّا عليه السلام لايفارق الحقّ والحقّ لايفارقه ،بل يدور معه حيث مادار، و قداعترف ابن أبي الحديد بصحّة هذاالخبر.


صفحه : 343

وَ رَوَي ابنُ بِطرِيقٍ عَنِ السمّعاَنيِ‌ّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصّحَابَةِ بِإِسنَادِهِ عَن عَائِشَةَ قَالَت سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَقُولُ عَلِيّ مَعَ الحَقّ وَ الحَقّ مَعَ عَلِيّ،لَن يَفتَرِقَا حَتّي يَرِدَا عَلَيّ الحَوضَ.

وَ رَوَي ابنُ شِيرَوَيهِ الديّلمَيِ‌ّ فِي الفِردَوسِ،بِالإِسنَادِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] رَحِمَ اللّهُ عَلِيّاً، أللّهُمّ أَدِرِ الحَقّ مَعَهُ حَيثُ دَارَ.

و قدروي عليّ بن عيسي في كشف الغمّة، و ابن شهر آشوب في المناقب ، و ابن بطريق في المستدرك والعمدة، والعلّامة رحمه اللّه في كشف الحقّ .. وغيرهم في غيرها أخبارا كثيرة من كتب المخالفين في ذلك ، وسنوردها بأسانيدها في المجلد التاسع .فهل يشكّ عاقل في حقيّة دعوي كان المدعّي‌ فيهاسيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين باتّفاق المخالفين والمؤالفين ، والشاهد لها أمير المؤمنين ألذي

قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِيهِ إِنّ الحَقّ لَا يُفَارِقُهُ، وَ إِنّهُ الفَارُوقُ بَينَ الحَقّ وَ البَاطِلِ، وَ إِنّ مَنِ اتّبَعَهُ اتّبَعَ الحَقّ وَ مَن تَرَكَهُ تَرَكَ الحَقّ

و.. غير ذلك ممّا سيأتي‌


صفحه : 344

في أبواب فضائله ومناقبه عليه السلام . و أمّا فضائل فاطمة عليها السلام فتأتي‌ الأخبار المتواترة من الجانبين في المجلد التاسع والمجلد العاشر.

وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ مِن صَحِيحِ الترّمذِيِ‌ّ، عَن أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ حَسبُكَ مِن نِسَاءِ العَالَمِينَ مَريَمُ بِنتُ عِمرَانَ، وَ خَدِيجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمّدٍ، وَ آسِيَةُ امرَأَةُ فِرعَونَ.

وَ رَوَي البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٌ وَ الترّمذِيِ‌ّ وَ أَبُو دَاوُدَ فِي صِحَاحِهِم عَلَي مَا رَوَاهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ يَا فَاطِمَةُ أَ مَا تَرضَينَ أَن تكَوُنيِ‌ سَيّدَةَ نِسَاءِ المُؤمِنِينَ أَو سَيّدَةَ نِسَاءِ الأُمّةِ.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي رَوَاهَا البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٌ أَ مَا تَرضَينَ أَن تكَوُنيِ‌


صفحه : 345

سَيّدَةَ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ وَ أَنّكِ أَوّلُ أهَليِ‌ لُحُوقاً بيِ‌.

وَ رَوَي ابنُ عَبدِ البِرّ فِي الإِستِيعَابِ فِي تَرجَمَةِ خَدِيجَةَ عَلَيهَا السّلَامُ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ خَيرُ نِسَاءِ العَالَمِينَ أَربَعٌ مَريَمُ بِنتُ عِمرَانَ، وَ ابنَةُ مُزَاحِمٍ امرَأَةُ فِرعَونَ، وَ خَدِيجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ.

وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُنّ أَفضَلُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ.

وَ عَن أَنَسٍ أنَهُنّ خَيرُ نِسَاءِ العَالَمِينَ.

وَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ خَطّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ فِي الأَرضِ أَربَعَةَ خُطُوطٍ ثُمّ قَالَ أَ تَدرُونَ مَا هَذَا قَالُوا اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَعلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ أَفضَلُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ خَدِيجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمّدٍ(ص )، وَ مَريَمُ بِنتُ عِمرَانَ، وَ آسِيَةُ بِنتُ مُزَاحِمٍ امرَأَةُ فِرعَونَ.

وَ رَوَي فِي تَرجَمَةِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ بِالإِسنَادِ عَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَعَادَ فَاطِمَةَ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهَا وَ هيِ‌َ مَرِيضَةٌ فَقَالَ لَهَا كَيفَ تَجِدِينَكِ يَا بُنَيّةِ قَالَت إنِيّ‌ لَوَجِعَةٌ، وَ إنِيّ‌ ليَزَيِدنُيِ‌ أنَيّ‌ مَا لِي طَعَامٌ آكُلُهُ، قَالَ يَا بُنَيّةِ أَ لَا تَرضَينَ أَنّكِ سَيّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ فَقَالَت يَا أَبَه فَأَينَ مَريَمُ بِنتُ عِمرَانَ قَالَ تِلكِ سَيّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وَ أَنتِ سَيّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِكِ،


صفحه : 346

أَمَا وَ اللّهِ لَقَد زَوّجتُكِ سَيّداً فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ.

وَ قَالَ البخُاَريِ‌ّ فِي عُنوَانِ بَابِ مَنَاقِبِ قَرَابَةِ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ أَنّهُ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ فَاطِمَةُ سَيّدَةُ نِسَاءِ أَهلِ الجَنّةِ.

وَ رَوَي مِن طَرِيقِ أَصحَابِنَا الكرَاَجكُيِ‌ّ فِي كَنزِ الفَوَائِدِ، عَن أَبِي الحَسَنِ مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ بنِ شَاذَانَ، عَن أَبِيهِ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ الوَلِيدِ، عَنِ الصّفّارِ، عَن مُحَمّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنِ المُفَضّلِ بنِ عُمَرَ، عَن يُونُسَ بنِ يَعقُوبَ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ جدَيّ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَلعُونٌ مَلعُونٌ مَن يَظلِمُ بعَديِ‌ فَاطِمَةَ ابنتَيِ‌ وَ يَغصِبُهَا حَقّهَا وَ يَقتُلُهَا، ثُمّ قَالَ يَا فَاطِمَةُ أبَشرِيِ‌ فَلَكِ عِندَ اللّهِ مَقَامٌ مَحمُودٌ تَشفَعِينَ فِيهِ لِمُحِبّيكِ وَ شِيعَتِكِ فَتُشَفّعِينَ، يَا فَاطِمَةُ لَو أَنّ كُلّ نبَيِ‌ّ بَعَثَهُ اللّهُ وَ كُلّ مَلَكٍ قَرّبَهُ شَفَعُوا فِي كُلّ مُبغِضٍ لَكِ غَاصِبٍ لَكِ مَا أَخرَجَهُ اللّهُ مِنَ النّارِ أَبَداً.

الثالثة

في أنّ فدكا كانت نحلة لفاطمة عليها السلام من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، و أنّ أبابكر ظلمها بمنعها. قال أصحابنا رضوان اللّه عليهم كانت فدك ممّاأَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ بعدفتح خيبر،فكانت خاصّة له صلّي اللّه عليه وآله إذ لم يوجف عليها بخيل و لاركاب ، و قدوهبها لفاطمة صلوات اللّه عليها وتصرّف فيهاوكلاؤها ونوابها، فلما


صفحه : 347

غصب أبوبكر الخلافة انتزعها،فجاءته فاطمة عليها السلام مستعدية فطالبها بالبيّنة فجاءت بعلي‌ّ والحسنين صلوات اللّه عليهم وأمّ أيمن المشهود لها بالجنّة،فردّ شهادة أهل البيت عليهم السلام بجرّ النفع ، وشهادة أمّ أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة، ثم ادّعتها علي وجه الميراث فردّ عليها بما مرّ وسيأتي‌،فغضبت عليه و علي عمر فهجرتهما، وأوصت بدفنها ليلا لئلّا يصلّيا عليها،فأسخطا بذلك ربّهما ورسوله واستحقّا أليم النكال وشديد الوبال ، ثم لمّا انتهت الإمارة إلي عمر ابن عبدالعزيز ردّها علي بني‌ فاطمة عليها السلام ، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبدالملك ، ثم دفعها السفّاح إلي الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام ، ثم أخذها المنصور، ثم أعادها المهدي‌ّ، ثم قبضها الهادي‌، ثم ردّها المأمون لمّا جاءه رسول بني‌ فاطمة فنصب وكيلا من قبلهم وجلس محاكما فردّها عليهم ، و في ذلك يقول دعبل الخزاعي‌


أصبح وجه الزمان قدضحكا   بردّ مأمون هاشما فدكا

صفحه : 348

ولنبيّن خطأ أبي بكر في تلك القضية مع وضوحها بوجوه أمّا أنّ فدكا كان لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فممّا لانزاع فيه ، و قدأوردنا من رواياتنا وأخبارنا لمخالفين ما فيه كفاية، ونزيده وضوحا بما رواه في

جَامِعُ الأُصُولِ مِمّا أَخرَجَهُ مِن صَحِيحِ أَبِي دَاوُدَ عَن عُمَرَ قَالَ إِنّ أَموَالَ بنَيِ‌ النّضِيرِ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَي رَسُولِهِ مِمّا لَم يُوجِفِ المُسلِمُونَ عَلَيهِ بِخَيلٍ وَ لَا رِكَابٍ،فَكَانَت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]خَاصّةً قُرَي عُرَينَةَ وَ فَدَكُ وَ كَذَا وَ كَذَا .. يُنفِقُ عَلَي أَهلِهِ مِنهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِم، ثُمّ يَجعَلُ مَا بقَيِ‌َ فِي السّلَاحِ وَ الكُرَاعِ عَدّهُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَ تَلَاما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِن أَهلِ القُري فَلِلّهِ وَ لِلرّسُولِ... الآيَةَ.

وَ رَوَي أَيضاً عَن مَالِكِ بنِ أَوسٍ قَالَ كَانَ فِيمَا احتَجّ عُمَرُ أَن قَالَ كَانَت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]ثَلَاثُ صَفَايَا بَنُو النّضِيرِ وَ خَيبَرُ وَ فَدَكُ ..

وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ كِتَابِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي عُثمَانَ بنِ حُنَيفٍ، عَن أَبِي بَكرٍ أَحمَدَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ، قَالَ حدَثّنَيِ‌ أَبُو إِسحَاقَ عَنِ الزهّريِ‌ّ قَالَبَقِيَت بَقِيّةٌ مِن أَهلِ خَيبَرَ تَحَصّنُوا،فَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَن يَحقِنَ دِمَاءَهُم وَ يُسَيّرَهُم،فَفَعَلَ ذَلِكَ،فَسَمِعَ أَهلُ فَدَكَ


صفحه : 349

فَنَزَلُوا عَلَي مِثلِ ذَلِكَ،فَكَانَت للِنبّيِ‌ّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَاصّةً،لِأَنّهُ لَم يُوجِف عَلَيهَا بِخَيلٍ وَ لَا رِكَابٍ. قَالَ وَ قَالَ أَبُو بَكرٍ وَ رَوَي مُحَمّدُ بنُ إِسحَاقَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَمّا فَرَغَ مِن خَيبَرَ قَذَفَ اللّهُ الرّعبَ فِي قُلُوبِ أَهلِ فَدَكَ فَبَعَثُوا إِلَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يُصَالِحُونَهُ عَلَي النّصفِ مِن فَدَكَ،فَقَدِمَت عَلَيهِ رُسُلُهُم بِخَيبَرَ أَو بِالطّرِيقِ أَو بَعدَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنهُم،فَكَانَت فَدَكُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَاصّةً لِأَنّهُ لَم يُوجِف عَلَيهَا بِخَيلٍ وَ لَا رِكَابٍ. قَالَ وَ قَد روُيِ‌َ أَنّهُ صَالَحَهُم عَلَيهَا كُلّهَا، وَ اللّهُ أَعلَمُ أَيّ الأَمرَينِ كَانَ،

انتهي . وسيأتي‌ اعتراف عمر بذلك في تنازع عليّ عليه السلام والعباس . و أمّا أنّه وهبها لفاطمة عليها السلام ،فلأنّه لاخلاف في أنّها صلوات اللّه عليها ادّعت النحلة مع عصمتها الثابتة بالأدلّة المتقدّمة، وشهد له من ثبتت عصمته بالأدلّة الماضية والآتية، والمعصوم لايدعّي‌ إلّا الحقّ، و لايشهد إلّا بالحقّ، ويدور الحقّ معه حيثما دار. و أمّا أنّها كانت في يدها صلوات اللّه عليها فلأنّها ادّعتها بعدوفاة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله علي وجه الاستحقاق ، وشهد المعصوم بذلك لها، فإن كانت الهبة قبل الموت تبطل بموت الواهب كما هوالمشهور ثبت القبض ، و إلّا فلاحاجة إليه في إثبات المدّعي، و قدمرّ من الأخبار الدالّة علي نحلتها، وأنّها كانت في يدها عليها السلام مايزيد علي كفاية المصنف ،بل يسدّ طريق إنكار


صفحه : 350

المتعسّف. ويدلّ علي أنّها كانت في يدها صلوات اللّه عليها ماذكر

أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي كِتَابِهِ إِلَي عُثمَانَ بنِ حُنَيفٍ حَيثُ قَالَ بَلَي كَانَت فِي أَيدِينَا فَدَكُ، مِن كُلّ مَا أَظَلّتهُ السّمَاءُ،فَشَحّت عَلَيهَا نُفُوسُ قَومٍ وَ سَخَت عَنهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَ نِعمَ الحَكَمُ اللّهُ.

و أمّا أنّ أبابكر وعمر أغضبا فاطمة عليها السلام ،فقد اتّضح بالأخبار المتقدّمة. ثم اعلم أنّا لم نجد أحدا من المخالفين أنكر كون فدك خالصة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في حياته ، و لاأحدا من الأصحاب طعن علي أبي بكر بإنكاره ذلك ، إلّا ماتفطّن به بعض الأفاضل من الأشارف ، مع أنّه يظهر من كثير من أخبار المؤالف والمخالف ذلك ، و قدتقدّم مارواه ابن أبي الحديد في ذلك عن أحمد ابن عبدالعزيز الجوهري‌ وغيرها من الأخبار، و لايخفي أنّ ذلك يتضمّن إنكار الآية وإجماع المسلمين ،إذ القائل بأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله كان يصرف شيئا من غلّة فدك وغيرها من الصفايا في بعض مصالح المسلمين لم يقل بأنّها لم تكن لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،بل قال بأنّه فعل ذلك علي وجه التفضّل وابتغاء مرضاة اللّه تعالي ، وظاهر الحال أنّه أنكر ذلك دفعا لصحّة النحلة،فكيف كان يسمع الشهود علي النحلة مع ادّعائه أنّها كانت من أموال المسلمين . واعتذر المخالفون من قبل أبي بكر بوجوه سخيفة ...

الأوّل منع عصمتها صلوات اللّه عليها، و قدتقدّمت الدلائل المثبتة لها.

الثاني‌ أنّه لوسلّم عصمتها فليس للحاكم أن يحكم بمجرّد دعواها و إن


صفحه : 351

تيقّن صدقها. وأجاب أصحابنا بالأدلّة الدالّة علي أنّ الحاكم يحكم بعلمه . وأيضا اتّفقت الخاصّة والعامّة علي رواية قصّة خزيمة بن ثابت وتسميته بذي‌ الشهادتين لماشهد للنبي‌ّ صلّي اللّه عليه وآله بدعواه ، و لو كان المعصوم كغيره لماجاز للنبي‌ّ صلّي اللّه عليه وآله قبول شاهد واحد والحكم لنفسه ،بل كان يجب عليه الترافع إلي غيره .

وَ قَد رَوَي أَصحَابُنَا أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ خَطّأَ شُرَيحاً فِي طَلَبِ البَيّنَةِ مِنهُ، وَ قَالَ إِنّ إِمَامَ المُسلِمِينَ يُؤتَمَنُ مِن أُمُورِهِم عَلَي مَا هُوَ أَعظَمُ مِن ذَلِكَ، وَ أَخَذَ مَا ادّعَاهُ مِن دِرعِ طَلحَةَ بِغَيرِ حُكمِ شُرَيحٍ،

والمخالفون حرّفوا هذاالخبر وجعلوه حجّة لهم . واعتذروا بوجوه أخري سخيفة لايخفي علي عاقل بعد ماأوردنا في تلك الفصول ضعفها ووهنها، فلانطيل الكلام بذكرها.

الرابعة

في توضيح بطلان ماادّعاه أبوبكر من عدم توريث الأنبياء عليهم السلام

استدلّ أصحابنا علي بطلان ذلك بآي‌ من القرآن


صفحه : 352

الأولي

قوله تعالي مخبرا عن زكريّا عليه السلام وَ إنِيّ‌ خِفتُ الموَاليِ‌َ مِن ورَائيِ‌ وَ كانَتِ امرأَتَيِ‌ عاقِراً فَهَب لِي مِن لَدُنكَ وَلِيّا يرَثِنُيِ‌ وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ وَ اجعَلهُ رَبّ رَضِيّا. قوله تعالي ‌«وليّا» أي ولدا يكون أولي بميراثي‌، و ليس المراد بالولي‌ من يقوم مقامه ،ولدا كان أوغيره ،لقوله تعالي حكاية عن زكريّارَبّ هَب لِي مِن لَدُنكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً. و قوله رَبّ لا تذَرَنيِ‌ فَرداً وَ أَنتَ خَيرُ الوارِثِينَ فَاستَجَبنا لَهُ وَ وَهَبنا لَهُ يَحيي. والقرآن يفسّر بعضه بعضا. واختلف المفسّرون في أنّ المراد بالميراث العلم أوالمال . فقال ابن عباس و الحسن والضحّاك أنّ المراد به في قوله تعالي ‌«يرَثِنُيِ‌..» و قوله سبحانه وَ يَرِثُ مِن آلِ يَعقُوبَ.. ميراث المال ، و قال أبوصالح المراد به في الموضعين ميراث النبوّة. و قال السديّ‌ ومجاهد والشعبي‌ المراد به في الأوّل ميراث المال و في الثاني‌ ميراث النبوّة، وحكي‌ هذاالقول عن ابن عباس و الحسن والضحّاك، وحكي‌ عن مجاهد أنّه قال المراد من الأوّل العلم و من الثاني‌ النبوّة.


صفحه : 353

و أمّا وجه دلالة الآية علي المراد،فهو أنّ لفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذاأطلق و لم يقيّد لايفهم منه إلّا الأموال و ما في معناها و لايستعمل في غيرها إلّا مجازا، وكذا لايفهم من قول القائل لاوارث لفلان إلّا من ينتقل إليه أمواله و مايضاهيها دون العلوم و مايشاكلها، و لايجوز العدول عن ظاهر اللفظ وحقيقته إلّا لدليل ،فلو لم يكن في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ علي أحد المعنيين لكفي في مطلوبنا،كيف والقرائن الدالّة علي المقصود موجودة في اللفظ.

أمّا أوّلا فلأنّ زكريّا عليه السلام اشترط في وارثه أن يكون رضيّا، و إذاحمل الميراث علي العلم والنبوّة لم يكن لهذا الاشتراط معني ،بل كان لغوا عبثا،لأنّه إذاسأل من يقوم مقامه في العلم والنبوّة فقد دخل في سؤاله الرضا و ما هوأعظم منه فلامعني لاشتراطه ، أ لاتري أنّه لايحسن أن يقول أحد أللّهمّ ابعث إلينا نبيّا واجعله مكلّفا عاقلا.

و أمّا ثانيا فلأنّ الخوف من بني‌ العم و من يحذو حذوهم يناسب المال دون النبوّة والعلم ، وكيف يخاف مثل زكريّا عليه السلام من أن يبعث اللّه تعالي إلي خلقه نبيّا يقيمه مقام زكريّا و لم يكن أهلا للنبوّة والعلم ،سواء كان من موالي‌ زكريّا أو من غيرهم ، علي أنّ زكريّا عليه السلام كان إنّما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس فلايجوز أن يخاف من الأمر ألذي هوالغرض في بعثته .

فإن قيل كيف يجوز علي مثل زكريّا عليه السلام الخوف من أن يرث الموالي‌ ماله وهل هذا إلّا الضنّ والبخل .

قلنا لمّا علم زكريّا عليه السلام من حال الموالي‌ أنّهم من أهل الفساد،خاف أن ينفقوا أمواله في المعاصي‌ ويصرفوه في غيرالوجوه المحبوبة، مع أنّ في وراثتهم ماله كان يقويّ‌ فسادهم وفجورهم ،فكان خوفه خوفا من قوّة الفسّاق


صفحه : 354

وتمكّنهم في سلوك الطرائق المذمومة، وانتهاك محارم اللّه عزّ و جلّ، و ليس مثل ذلك من الشحّ والبخل . فإن قيل كماجاز الخوف علي المال من هذاالوجه جاز الخوف علي وراثتهم العلم لئلّا يفسدوا به الناس ويضلّوهم، و لاريب في أنّ ظهور آثار العلم فيهم كان من دواعي‌ اتّباع الناس إيّاهم وانقيادهم لهم .قلنا لايخلو هذاالعلم ألذي ذكرتموه من أن يكون هوكتبا علميّة وصحفا حكمية،لأنّ ذلك قديسمّي علما مجازا، أو يكون هوالعلم ألذي يملأ القلوب وتعيه الصدور، فإن كان الأوّل،فقد رجع إلي معني المال وصحّ أنّ الأنبياء عليهم السلام يورثون الأموال ، و كان حاصل خوف زكريّا عليه السلام أنّه خاف من أن ينتفعوا ببعض أمواله نوعا خاصّا من الانتفاع ،فسأل ربّه أن يرزقه الولد حذرا من ذلك ، و إن كان الثاني‌، فلايخلو أيضا من أن يكون هوالعلم ألذي بعث النبيّ لنشره وأدائه إلي الخلق ، أو أن يكون علما مخصوصا لايتعلّق لشريعة و لايجب اطّلاع الأمّة عليه كعلم العواقب و مايجري‌ في مستقبل الأوقات .. ونحو ذلك . والقسم الأوّل لايجوز أن يخاف النبيّ من وصوله إلي بني‌ عمّه وهم من جملة أمّته المبعوث إليهم لأن يهديهم ويعلّمهم و كان خوفه من ذلك خوفا من غرض البعثة. والقسم الثاني‌ لامعني للخوف من أن يرثوه إذ كان أمره بيده ، ويقدر علي أن يلقيه إليهم ، و لوصحّ الخوف علي القسم الأوّل لجري ذلك فيه أيضا،فتأمّل. هذاخلاصة ماذكره السيّد المرتضي رضي‌ اللّه عنه في الشافي‌ عندتقرير هذاالدليل ، و ماأورد عليه من تأخّر عنه يندفع بنفس التقرير، كما لايخفي علي


صفحه : 355

الناقد البصير،فلذا لانسوّد بإيرادها الطوامير.

الآية الثانية

قوله تعالي وَ وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ وَ قالَ يا أَيّهَا النّاسُ عُلّمنا مَنطِقَ الطّيرِ وَ أُوتِينا مِن كُلّ شَيءٍ إِنّ هذا لَهُوَ الفَضلُ المُبِينُ.وجه الدلالة، هو أنّ المتبادر من قوله تعالي ورثه ، أنّه ورث ماله كماسبق في الآية المتقدّمة، فلايعدل عنه إلّا لدليل . وأجاب قاضي‌ القضاة في المغني‌ بأنّ في الآية مايدلّ علي أنّ المراد وراثة العلم دون المال ، و هو قوله تعالي وَ قالَ يا أَيّهَا النّاسُ عُلّمنا مَنطِقَ الطّيرِفإنّه يدلّ علي أنّ ألذي ورث هو هذاالعلم و هذاالفضل ، و إلّا لم يكن لهذا تعلّق بالأوّل. و قال الرازي‌ في تفسيره لو قال تعالي ورث سليمان داود ماله ، لم يكن لقوله تعالي وَ قالَ يا أَيّهَا النّاسُ عُلّمنا مَنطِقَ الطّيرِمعني ، و إذاقلنا ورث مقامه من النبوّة والملك حسن ذلك ،لأنّ علم منطق الطير يكون داخلا في جملة ماورثه ، وكذلك قوله وَ أُوتِينا مِن كُلّ شَيءٍلأنّ وارث العلم يجمع ذلك ووارث المال لايجمعه ، و قوله إِنّ هذا لَهُوَ الفَضلُ المُبِينُيليق أيضا بما ذكر دون المال ألذي يحصل للكامل والناقص ، و ماذكره اللّه تعالي من جنود سليمان بعده لايليق إلّا بما ذكرنا،فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنّه لايورث إلّا المال ،فأمّا إذاورث المال والملك معا فهذا لايبطل بالوجوه ألذي ذكرنا،بل بظاهر

قَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ.


صفحه : 356

وردّ السيّد المرتضي رضي‌ اللّه عنه في الشافي‌ كلام المغني‌ بأنّه لايمتنع أن يريد ميراث المال خاصّة، ثم يقول مع ذلك إنّاعُلّمنا مَنطِقَ الطّيرِ، ويشير بالفضل المبين إلي العلم والمال جميعا،فله في الأمرين جميعا فضل علي من لم يكن كذلك ، و قوله وَ أُوتِينا مِن كُلّ شَيءٍيحتمل المال كمايحتمل العلم فليس بخالص لماظنّه، و لوسلم دلالة الكلام علي العلم لماذكره ، فلايمتنع أن يريد أنّه ورث المال بالظاهر، والعلم بهذا النوع من الاستدلال فليس يجب إذادلّت الدلالة في بعض الألفاظ علي المجاز أن نقتصر بها عليه ،بل يجب أن نحملها علي الحقيقة التي‌ هي‌ الأصل إذا لم يمنع من ذلك مانع . و قدظهر بما ذكره السيّد قدّس سرّه بطلان قول الرازي‌ أيضا، و كان القاضي‌ يزعم أنّ العطف لو لم يكن للتفسير لم يكن للمعطوف تعلّق بما عطف عليه وانقطع نظام الكلام . و مااشتهر من أنّ التأسيس أولي من التأكيد من الأغلاط المشهورة، وكأنّ الرازي‌ يذهب إلي أنّه لامعني للعطف إلّا إذا كان المعطوف داخلا في المعطوف عليه ،فعلي أيّ شيءيعطف حينئذ قوله تعالي وَ أُوتِينا مِن كُلّ شَيءٍفتدبّر. و أمّا قوله إنّ المال يحصل للكامل والناقص ،فلو حمل الميراث علي المال لم يناسبه قوله إِنّ هذا لَهُوَ الفَضلُ المُبِينُ.فيرد عليه أنّه إنّما يستقيم إذاكانت الإشارة إلي أوّل الكلام فقط و هووراثة المال وبعده ظاهر، و لوكانت الإشارة إلي مجموع الكلام كما هوالظاهر أو إلي


صفحه : 357

أقرب الفقرات أعني‌ قوله وَ أُوتِينا مِن كُلّ شَيءٍ لم يبق لهذا الكلام مجال ، وكيف لايليق دخول المال في جملة المشار إليه ، و قد منّ اللّه تعالي علي عباده في غيرموضع من كلامه المجيد بما أعطاهم في الدنيا من صنوف الأموال ، وأوجب علي عباده الشكر عليه ، فلادلالة فيه علي عدم إرادة وراثة المال سواء كان من كلام سليمان أوكلام الملك المنّان. و قدظهر بذلك بطلان قوله أخيرا إنّ ماذكره اللّه تعالي من جنود سليمان لايليق إلّا بما ذكرنا،بل الأظهر أنّ حشر الجنود من الجن والإنس والطير قرينة علي عدم إرادة الملك من قوله وَرِثَ سُلَيمانُ داوُدَ، فإنّ تلك الجنود لم تكن لداود حتي يرثها سليمان ،بل كانت عطيّة مبتدأة من اللّه تعالي لسليمان عليه السلام ، و قدأجري اللّه تعالي علي لسانه أخيرا الاعتراف بأنّ ماذكره لايبطل قوله من حمل الآية علي وراثة الملك والمال معا،فإنّه يكفينا في إثبات المدّعي، وسيأتي‌ الكلام في الحديث ألذي تمسّك به .

الآية الثالثة

مايدلّ علي وراثة الأولاد والأقارب ،كقوله تعالي لِلرّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَ الأَقرَبُونَ وَ لِلنّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَ الأَقرَبُونَ مِمّا قَلّ مِنهُ أَو كَثُرَ نَصِيباً مَفرُوضاً، و قوله تعالي يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَولادِكُم لِلذّكَرِ مِثلُ حَظّ الأُنثَيَينِ، و قدأجمعت الأمّة علي عمومها إلّا من أخرجه الدليل ،فيجب أن يتمسّك بعمومها إلّا إذاقامت دلالة قاطعة، و قد قال سبحانه


صفحه : 358

عقيب آيات الميراث تِلكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَن يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدخِلهُ جَنّاتٍ تجَريِ‌ مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ وَ مَن يَعصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدّ حُدُودَهُ يُدخِلهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ، و لم يقم دليل علي خروج النبيّ صلّي اللّه عليه وآله عن حكم الآية،فمن تعدّي حدود اللّه في نبيّه يدخله اللّه النار خالدا فيها و له العذاب المهين . وأجاب المخالفون بأنّ العمومات مخصّصة بما رواه

أَبُو بَكرٍ عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن قَولِهِ نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَةٌ.

قال صاحب المغني‌ لم يقتصر أبوبكر علي رواية حتي استشهد عليه عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد أو عبدالرحمن بن عوف فشهدوا به ،فكان لايحلّ لأبي‌ بكر و قدصار الأمر إليه أن يقسّم التركة ميراثا، و قدأخبر الرسول (ص )بأنّها صدقة و ليس بميراث ، وأقلّ ما في الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد،فلو أنّ شاهدين شهدا في التركة أنّ فيهاحقّا أ ليس كان يجب أن يصرفه عن الإرث فعلمه بما قال الرسول (ص ) مع شهادة غيره أقوي ، ولسنا نجعله مدّعيا،لأنّه لم يدع ذلك لنفسه ، وإنّما بيّن أنّه ليس بميراث و أنّه صدقة، و لايمتنع تخصيص القرآن بذلك كمايخصّ في العبد والقاتل وغيرهما. ويرد عليه أنّ الاعتماد في تخصيص الآيات إمّا علي سماع أبي بكر ذلك الخبر من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ويجب علي الحاكم أن يحكم بعلمه ، وإمّا علي


صفحه : 359

شهادة من زعموهم شهودا علي الرواية، أو علي مجموع الأمرين ، أو علي سماعه من حيث الرواية مع انضمام الباقين إليه .

فإن كان الأوّل فيرد عليه وجوه من الإيراد

الأوّل

ماذكره السيّد رضي‌ اللّه عنه في الشافي‌ من أنّ أبابكر في حكم المدعّي‌ لنفسه والجارّ إليها نفعا في حكمه ،لأنّ أبابكر وسائر المسلمين سوي أهل البيت عليهم السلام تحلّ لهم الصدقة، ويجوز أن يصيبوا منها، و هذه تهمة في الحكم والشهادة. ثم قال رحمه اللّه تعالي و ليس له أن يقول هذايقتضي‌ أن لاتقبل شهادة شاهدين في تركة فيهاصدقة بمثل ماذكرتم ، و ذلك لأنّ الشاهدين إذاشهدا بالصدقة فحظّهما منها كحظّ صاحب الميراث ،بل سائر المسلمين ، و ليس كذلك حال تركة الرسول (ص )،لأنّ كونها صدقة يحرّمها علي ورثته ويبيحها لسائر المسلمين ،انتهي . ولعلّ مراده رحمه اللّه أنّ لحرمان الورثة في خصوص تلك المادّة شواهد علي التهمة،بأن كان غرضهم إضعاف جانب أهل البيت عليهم السلام لئلّا يتمكّنوا من المنازعة في الخلافة و لايميل الناس إليهم لنيل الزخارف الدنيويّة،فيكثر أعوانهم وأنصارهم ، ويظفروا بإخراج الخلافة والإمارة من أيدي‌ المتغلّبين،إذ لايشكّ أحد ممّن نظر في أخبار العامّة والخاصّة في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في ذلك الوقت طالبا للخلافة مدّعيا لاستحقاقه لها، و أنّه لم يكن انصراف الأعيان والأشراف عنه وميلهم إلي غيره إلّا لعلمهم بأنّه لايفضّل أحدا منهم علي ضعفاء المسلمين ، و أنّه يسويّ‌ بينهم في العطاء والتقريب ، و لم يكن انصراف سائر الناس عنه إلّا لقلّة ذات يده ، وكون المال والجاه مع غيره .


صفحه : 360

والأولي أن يقال في الجواب ،إنّه لم تكن التهمة لأجل أنّ له حصّة في التركة،بل لأنّه كان يريد أن يكون تحت يده ، و يكون حاكما فيه يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء. ويؤيّده

قَولُ أَبِي بَكرٍ فِيمَا رَوَاهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ مِن سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَن أَبِي الطّفَيلِ قَالَ جَاءَت فَاطِمَةُ إِلَي أَبِي بَكرٍ تَطلُبُ مِيرَاثَهَا مِن أَبِيهَا، فَقَالَ لَهَا سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَقُولُ إِنّ اللّهَ إِذَا أَطعَمَ نَبِيّاً طُعمَةً فَهُوَ للِذّيِ‌ يَقُومُ مِن بَعدِهِ.

و لاريب في أنّ ذلك ممّا يتعلّق به الأغراض ، ويعدّ من جلب المنافع ، ولذا لاتقبل شهادة الوكيل فيما هووكيل فيه والوصي‌ّ فيما هووصي‌ّ فيه . و قدذهب قوم إلي عدم جواز الحكم بالعلم مطلقا،لأنّه مظنّة التهمة،فكيف إذاقامت القرائن عليه من عداوة ومنازعة وإضعاف جانب و.. نحو ذلك . والعجب أنّ بعضهم في باب النحلة منعوا بعدتسليم عصمة فاطمة عليها السلام جواز الحكم بمجرّد الدعوي وعلم الحاكم بصدقها، وجوّزوا الحكم بأنّ التركة صدقة للعلم بالخبر مع معارضته للقرآن ، وقيام الدليل علي كذبه .

الثاني‌

أنّ الخبر معارض للقرآن لدلالة الآية في شأن زكريّا عليه السلام وداود عليه السلام علي الوراثة، وليست الآية عامّة حتي يخصّص بالخبر،فيجب طرح الخبر. لايقال إذاكانت الآية خاصّة فينبغي‌ تخصيص الخبر بها، وحمله علي غير


صفحه : 361

زكريّا وداود عليهما السلام .لأنّا نقول الحكم بخروجهما عن حكم الأنبياء مخالف لإجماع الأمّة،لانحصارها في الحكم بالإيراث مطلقا وعدمه مطلقا، فلامحيص عن الحكم بكذب الخبر وطرحه .

الثالث

أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يري الخبر موضوعا باطلا، و كان عليه السلام لايري إلّا الحقّ والصدق ، فلابدّ من القول بأنّ من زعم أنّه سمع الخبر كاذب .

مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَ أَورَدَهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ أَيضاً عَن مَالِكِ بنِ أَوسٍ فِي رِوَايَةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ العَبّاسِ .. قَالَ أَبُو بَكرٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَةٌ،فَرَأَيتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً، وَ اللّهُ يَعلَمُ إِنّهُ لَصَادِقٌ بَارّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلحَقّ، ثُمّ توُفُيّ‌َ أَبُو بَكرٍ فَقُلتُ أَنَا ولَيِ‌ّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ وَ ولَيِ‌ّ أبو[ أَبِي]بَكرٍ فرَأَيَتمُاَنيِ‌ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً، وَ اللّهُ يَعلَمُ إنِيّ‌ لَصَادِقُ بَارّ تَابِعٌ لِلحَقّ فَوُلّيتُهَا.

وَ عَنِ البخُاَريِ‌ّ فِي مُنَازَعَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ العَبّاسِ فِيمَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَي رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِن بنَيِ‌ النّضِيرِ أَنّهُ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَنَا ولَيِ‌ّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقَبَضَهَا فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَنتُمَا حِينَئِذٍ وَ أَقبَلَ عَلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ العَبّاسِ تَزعُمَانِ أَنّ أَبَا بَكرٍ فِيهَا كَذَا، وَ اللّهُ يَعلَمُ أَنّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلحَقّ، وَ كَذَلِكَ زَادَ فِي حَقّ


صفحه : 362

نَفسِهِ قَالَ وَ اللّهُ يَعلَمُ أنَيّ‌ فِيهَا صَادِقٌ بَارّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلحَقّ ..

وَ قَد رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ نَهجِ البَلَاغَةِ مِن كِتَابِ السّقِيفَةِ عَن أَحمَدَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ مِثلَهُ بِأَسَانِيدَ.

و أماالمقدّمة الثانية، فلما مرّ وسيأتي‌ من الأخبار المتواترة في أنّ عليّا عليه السلام لايفارق الحقّ والحقّ لايفارقه ،بل يدور معه حيث مادار. ويؤيّده روايات السفينة والثقلين وأضرابها.

الرابع

أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها أنكرت رواية أبي بكر وحكمت بكذبه فيها، و لايجوز الكذب عليها،فوجب كذب الرواية وراويها. أمّا المقدّمة الأولي ، فلمّا مرّ في خطبتها وغيرها وسيأتي‌ من شكايتها في مرضها وغيرها، و قدرووا في صحاحهم أنّها صلوات اللّه عليها انصرفت من عند أبي بكر ساخطة، وماتت عليه واجدة، و قداعترف بذلك ابن أبي


صفحه : 363

الحديد.

و أمّا الثانية، فلما مرّ وسيأتي‌ من عصمتها وجلالتها.

الخامس

أنّه لوكانت تركة الرسول صلّي اللّه عليه وآله صدقة، و لم يكن لها صلوات اللّه عليها حظّ فيهالبيّن النبيّ صلّي اللّه عليه وآله الحكم لها،إذ التكليف في تحريم أخذها يتعلّق بها، و لوبيّنه لها لماطلبتها لعصمتها، و لايرتاب عاقل في أنّه لو كان بيّن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله لأهل بيته عليهم السلام أنّ تركتي‌ صدقة لاتحلّ لكم لماخرجت ابنته وبضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين والأنصار،تعاتب إمام زمانها بزعمكم ، وتنسبه إلي الجور والظلم في غصب تراثها، وتستنصر المهاجرة والأنصار في الوثوب عليه وإثارة الفتنة بين المسلمين ، وتهييج الشرّ، و لم تستقرّ بعدأمر الإمارة والخلافة، و قدأيقنت بذلك طائفة من المؤمنين أنّ الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة،فصبّوا عليه اللعن والطعن إلي نفخ الصور وقيام النشور، و كان ذلك من آكد الدواعي‌ إلي شقّ عصا المسلمين ، وافتراق كلمتهم ، وتشتّت ألفتهم ، و قدكانت تلك النيران تخمدها بيان الحكم لها صلوات اللّه عليها أولأمير المؤمنين عليه السلام ، ولعلّه لايجسر من أوتي‌ حظّا من الإسلام علي القول بأنّ فاطمة صلوات اللّه عليها مع علمها بأن ليس لها في التركة بأمر اللّه نصيب كانت تقدم علي مثل ذلك الصنيع ، أو كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه مع علمه بحكم اللّه لم يزجرها عن التظلم والاستعداء، و لم يأمرها بالقعود في بيتها راضية بأمر اللّه فيها،


صفحه : 364

و كان ينازع العباس بعدموتها ويتحاكم إلي عمر بن الخطاب ،فليت شعري‌ هل كان ذلك الترك والإهمال لعدم الاعتناء بشأن بضعته التي‌ كانت يؤذيه ماآذاها، ويريبه مارابها أوبأمر زوجها و ابن عمّه وأخيه المساوي‌ لنفسه ومواسيه بنفسه ، أولقلّة المبالاة بتبليغ أحكام اللّه وأمر أمّته و قدأرسله اللّه بالحق بشيرا ونذيرا للعالمين .

السادس

أنّا مع قطع النظر عن جميع ماتقدّم نحكم قطعا بأنّ مدلول هذاالخبر كاذب باطل ، و من أسند إليه هذاالخبر لايجوز عليه الكذب ، فلابدّ من القول بكذب من رواه والقطع بأنّه وضعه وافتراه . أمّا المقدّمة الثانية،فغنيّة عن البيان . و أمّا الأولي ،فبيانها أنّه قدجرت عادة الناس قديما وحديثا بالإخبار عن كلّ ماجري بخلاف المعهود بين كافة الناس وخرج عن سنن عاداتهم ،سيّما إذاوقع في كلّ عصر وزمان ، وتوفّرت الدواعي‌ إلي نقله وروايته ، و من المعلوم لكلّ أحد أنّ جميع الأمم علي اختلافهم في مذاهبهم يهتمون بضبط أحوال الأنبياء عليهم السلام وسيرتهم وأحوال أولادهم و مايجري‌ عليهم بعدآبائهم ، وضبط خصائصهم و مايتفرّدون به عن غيرهم ، و من المعلوم أيضا أنّ العادة قدجرت من يوم خلق اللّه الدنيا وأهلها إلي زمان انقضاء مدّتها وفنائها بأن يرث الأقربون من الأولاد وغيرهم أقاربهم وذوي‌ أرحامهم ، وينتفعوا بأموالهم و ماخلّفوه بعدموتهم ، و لاشكّ لأحد في أنّ عامّة الناس عالمهم وجاهلهم وغنيّهم وفقيرهم وملوكهم ورعاياهم يرغبون إلي كلّ مانسب إلي ذي‌ شرف وفضيلة ويتبرّكون به ، ويحرزه الملوك في خزائنهم ، ويوصون به لأحبّ أهلهم ،فكيف بسلاح الأنبياء وثيابهم . وأمتعتهم أ لاتري إلي الأعمي إذاأبصر في مشهد من المشاهد المشرّفة أوتوهّمت العامّة أنّه أبصر اقتطعوا ثيابه ، وتبرّكوا بها، وجعلوها حرزا من كلّ بلاء.


صفحه : 365

إذاتمهّدت المقدّمات فنقول لو كان ماتركه الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلي الخاتم صلّي اللّه عليه وآله صدقة،لقسّمت بين الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء والأولاد وسائر الأقارب ، و لايخلو الحال إمّا أن يكون كلّ نبي‌ّ يبيّن هذاالحكم لورثته بخلاف نبيّنا صلّي اللّه عليه وآله أويتركون البيان كماتركه صلّي اللّه عليه وآله ،فجري علي سنّة الذين خلوا من قبله من أنبياء اللّه عليهم السلام ، فإن كان الأوّل فمع أنّه خلاف الظاهر كيف خفي‌ هذاالحكم علي جميع أهل الملل والأديان ، و لم يسمعه أحد إلّا أبوبكر و من يحذو حذوه ، و لم ينقل أحد أنّ عصا موسي عليه السلام انتقل علي وجه الصدقة إلي فلان ، وسيف سليمان عليه السلام صار إلي فلان ، وكذا ثياب سائر الأنبياء وأسلحتهم وأدواتهم فرّقت بين الناس و لم يكن في ورثة أكثر من مائة ألف نبي‌ قوم ينازعون في ذلك ، و إن كان بخلاف حكم اللّه عزّ و جلّ و قد كان أولاد يعقوب عليهم السلام مع علوّ قدرهم يحسدون علي أخيهم ويلقونه في الجبّ لمارأوه أحبّهم إليه أووقعت تلك المنازعة كثيرا، و لم ينقلها أحد في الملل السابقة وأرباب السير مع شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء وخصائصهم و ماجري بعدهم كماتقدّم. و إن كان الثاني‌،فكيف كانت حال ورثة الأنبياء أكانوا يرضون بذلك و لاينكرون فكيف صارت ورثة الأنبياء جميعا يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء و لم يرض [كذا] به سيّدة النساء، أوكانت سنّة المنازعة جارية في جميع الأمم و لم ينقلها أحد ممّن تقدّم و لاذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم ،إِنّ هذا لشَيَ‌ءٌ عُجابٌ. وأعجب من ذلك أنّهم ينازعون في وجود النصّ علي أمير المؤمنين عليه السلام مع كثرة الناقلين له من يوم السقيفة إلي الآن ، ووجود الأخبار في


صفحه : 366

صحاحهم ، وادّعاء الشيعة تواتر ذلك من أوّل الأمر إلي الآن ، ويستندون في ذلك إلي أنّه لو كان حقّا لماخفي‌ ذلك لتوفّر الدواعي‌ إلي نقله وروايته .فانظر بعين الإنصاف أنّ الدواعي‌ لشهرة أمر خاصّ ليس الشاهد له إلّا قوم مخصوصون من أهل قرن معيّن أكثر أم لشهرة أمر قلّ زمان من الأزمنة من لدن آدم عليه السلام إلي الخاتم صلّي اللّه عليه وآله عن وقوعه فيه ، مع أنّه ليس يدعو إلي كتمانه وإخفائه في الأمم السالفة داع ، و لم يذكره رجل في كتاب ، و لم يسمعه أحد من أهل ملّة. ولعمري‌ لاأشكّ في أنّ من لزم الإنصاف ، وجانب المكابرة والاعتساف ، وتأمّل في مدلول الخبر، وأمعن النظر،يجزم قطعا بكذبه وبطلانه .

و إن كان القسم الثاني‌

و هو أن يكون اعتماد أبي بكر في تخصيص الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دون علمه بأنّه من كلام الرسول صلّي اللّه عليه وآله لسماعه بإذنه

فيرد عليه أيضا وجوه من النظر الأوّل

أنّ ماذكره قاضي‌ القضاة من أنّه شهد بصدق الرواية في أيّام أبي بكر عمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد و عبدالرحمن باطل غيرمذكور في سيرة ورواية من طرقهم وطرق أصحابنا، وإنّما المذكور

فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بنِ أَوسٍ التّيِ‌ رَوَوهَا فِي صِحَاحِهِم أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ لَمّا تَنَازَعَ عِندَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ العَبّاسُ استَشهَدَ نَفَراً فَشَهِدُوا بِصِدقِ الرّوَايَةِ

، ولنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن أوس علي اختلافها حتي يتّضح حقيقة الحال .

رَوَي البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٌ وَ أَخرَجَهُ الحمَيِديِ‌ّ وَ حَكَاهُ فِي جَامِعِ الأُصُولِ


صفحه : 367

فِي الفَرعِ الرّابِعِ مِن كِتَابِ الجِهَادِ مِن حَرفِ الجِيمِ عَن مَالِكٍ أَنّهُ قَالَ أَرسَلَ إلِيَ‌ّ عُمَرُ فَجِئتُهُ حِينَ تَعَالَي النّهَارُ قَالَ فَوَجَدتُهُ فِي بَيتِهِ جَالِساً عَلَي سَرِيرٍ مُفضِياً عَلَي رِمَالِهِ مُتّكِئاً عَلَي وِسَادَةٍ مِن أَدَمٍ، فَقَالَ لِي يَا مَالِ إِنّهُ قَد دَفّ أَهلُ أَبيَاتِ قَومِكَ، وَ قَد أَمَرتُ فِيهِم بِرَضخٍ فَخُذهُ،فَاقسِم بَينَهُم. قَالَ قُلتُ لَو أَمَرتَ بِهَذَا غيَريِ‌. قَالَ خُذهُ يَا مَالِ. قَالَ فَجَاءَ يرفاه [يَرفَأُ]، فَقَالَ هَل لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فِي عُثمَانَ وَ عَبدِ الرّحمَنِ بنِ عَوفٍ وَ الزّبَيرِ وَ سَعدٍ فَقَالَ عُمَرُ نَعَم،فَأَذِنَ لَهُم،فَدَخَلُوا، ثُمّ جَاءَ، فَقَالَ هَل لَكَ فِي عَبّاسٍ وَ عَلِيّ قَالَ نَعَم،فَأَذِنَ لَهُمَا، فَقَالَ العَبّاسُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ اقضِ بيَنيِ‌ وَ بَينَ هَذَا فَقَالَ القَومُ أَجَل يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَاقضِ بَينَهُم وَ ارحَمهُم. قَالَ مَالِكُ بنُ أَوسٍ فَخُيّلَ إلِيَ‌ّ أَنّهُم قَد كَانُوا قَدّمُوهُم لِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ اتئد[اتّئِدُوا]أَنشُدُكُم بِاللّهِ ألّذِي بِإِذنِهِ تَقُومُ السّمَاءُ وَ الأَرضُ، أَ تَعلَمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ قَالَ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ قَالُوا نَعَم، ثُمّ أَقبَلَ عَلَي العَبّاسِ وَ عَلِيّ فَقَالَ أَنشُدُكُمَا بِاللّهِ ألّذِي بِإِذنِهِ تَقُومُ السّمَاءُ وَ الأَرضُ، أَ تَعلَمَانِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ قَالَ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ قَالَا نَعَم ... إِلَي آخِرِ الخَبَرِ.


صفحه : 368

حَكَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ عَنِ البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٍ أَنّهُ قَالَ عُمَرُ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ أَبُو بَكرٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَاهُ صَدَقَةٌ،فَرَأَيتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً ... وَ تَزعُمَانِ أَنّهُ فِيهَا كَذَا ..

حَكَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ عَن أَبِي دَاوُدَ أَنّهُ قَالَ أَبُو البخَترَيِ‌ّ سَمِعتُ حَدِيثاً مِن رَجُلٍ فأَعَجبَنَيِ‌،فَقُلتُ اكتُبهُ لِي،فَأَتَي بِهِ مَكتُوباً مُدبَراً[مُذَبّراً]دَخَلَ العَبّاسُ وَ عَلِيّ عَلَي عُمَرَ وَ عِندَهُ طَلحَةُ وَ الزّبَيرُ وَ عَبدُ الرّحمَنِ وَ سَعدٌ وَ هُمَا يَختَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لِطَلحَةَ وَ الزّبَيرِ وَ عَبدِ الرّحمَنِ وَ سَعدٍ أَ لَم تَعلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ قَالَ كُلّ مَالِ النّبِيّ صَدَقَةٌ إِلّا مَا أَطعَمَهُ أَهلَهُ أَو كَسَاهُم،إِنّا لَا نُوَرّثُ قَالُوا بَلَي ...

توضيح

قوله مفضيا إلي رماله .. أي ملقيا نفسه علي الرمال لاحاجز بينهما. ورمال السّرير بالكسر مارمل أي نسج جمع رمل بمعني مرمول


صفحه : 369

كالخلق بمعني المخلوق ، والمراد به أنّه كان السّرير قدنسج وجهه بالسّعف و لم يكن علي السّرير وطاء سوي الحصير. والوسادة المخدّة. ودفّ أهل أبيات .. أي دخلوا المصر،يقال دفّ دافّة من العرب . والرّضخ بالضّاد والخاء المعجمتين العطاء القليل . ويرفأ بالرّاء والفاء والهمزة، علي صيغة المضارع كيمنع علم ،مولي عمر ابن الخطّاب. واتّئد أمر من التّؤدة أي التأّنيّ‌ والتّثبّت. ومدبرا أي مسندا، وألفاظ باقي‌ الأصول مذكورة في جامع الأصول . و لايذهب علي ذي‌ فطنة أنّ شهادة الأربعة التي‌ تضمّنتها الرواية الأولي والثانية علي اختلافهما لم يكن من حيث الرواية والسماع عن الرسول صلّي اللّه عليه وآله ،بل لثبوت الرواية عندهم بقول أبي بكر،بقرينة أنّ عمر ناشد عليّا عليه السلام والعباس أتعلمان أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله قال لانوّرث ماتركناه صدقة فقالا نعم ، و ذلك لأنّه لايقدر أحد في ذلك الزمان علي تكذيب


صفحه : 370

تلك الرواية، و قد قال عمر في آخر الرواية رأيتماه يعني‌ أبابكر كاذبا آثما غادرا خائنا .. وكذا في حقّ نفسه . والعجب أنّ القاضي‌ لم يجعل عليّا عليه السلام والعباس شاهدين علي الرواية مع تصديقهما كماصدّق الباقون ،بل جميع الصحابة،لأنّهم يشهدون بصدقهما. و قال ابن أبي الحديد بعدحكاية كلام السيّد رضي‌ اللّه عنه في أنّ الاستشهاد كان في خلافة عمر دون أبي بكر، و أنّ معول المخالفين علي إمساك الأمّة عن النكير علي أبي بكر دون الاستشهاد، ما هذالفظه قلت صدق المرتضي رحمه اللّه فيما قال ، أمّا عقيب وفاة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ومطالبة فاطمة عليها السلام بالإرث فلم يرو الخبر إلّا أبوبكر وحده ، وقيل إنّه رواه معه مالك بن أوس بن الحدثان ، و أمّا المهاجرون الّذين ذكرهم قاضي‌ القضاة فقد شهدوا بالخبر في خلافة عمر، و قدتقدّم ذكر ذلك . و قال في الموضع المتقدّم ألذي أشار إليه و هوالفصل ألذي ذكر فيه روايات أبي البختري‌ّ علي مارواه

أَحمَدُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ،بِإِسنَادِهِ عَنهُ قَالَجَاءَ عَلِيّ وَ العَبّاسُ إِلَي عُمَرَ وَ هُمَا يَختَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لِطَلحَةَ وَ الزّبَيرِ وَ عَبدِ الرّحمَنِ وَ سَعدٍ أَنشُدُكُمُ اللّهَ أَ سَمِعتُم رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ كُلّ مَالِ نبَيِ‌ّ فَهُوَ صَدَقَةٌ إِلّا مَا أَطعَمَهُ أَهلَهُ،إِنّا لَا نُوَرّثُ فَقَالُوا نَعَم، قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَتَصَدّقُ بِهِ وَ يَقسِمُ فَضلَهُ، ثُمّ توُفُيّ‌َ فَوَلِيَهُ أَبُو بَكرٍ سَنَتَينِ يَصنَعُ فِيهِ مَا كَانَ يَصنَعُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ وَ أَنتُمَا تَقُولَانِ إِنّهُ كَانَ بِذَلِكَ خَاطِئاً وَ كَانَ بِذَلِكَ ظَالِماً وَ مَا كَانَ بِذَلِكَ إِلّا رَاشِداً، ثُمّ وَلِيتُهُ بَعدَ


صفحه : 371

أَبِي بَكرٍ فَقُلتُ لَكُمَا إِن شِئتُمَا قَبِلتُمَاهُ عَلَي عَمَلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ وَ عَهدِهِ ألّذِي عَهِدَ فِيهِ،فَقُلتُمَا نَعَم، وَ جئِتمُاَنيِ‌ الآنَ تَختَصِمَانِ، يَقُولُ هَذَا أُرِيدُ نصَيِبيِ‌ مِنِ ابنِ أخَيِ‌، وَ يَقُولُ هَذَا أُرِيدُ نصَيِبيِ‌ مِنِ امرأَتَيِ‌ وَ اللّهِ لَا أقَضيِ‌ بَينَكُمَا إِلّا بِذَلِكَ.

قال ابن أبي الحديد قلت هذامشكل ،لأنّ أكثر الروايات أنّه لم يرو هذاالخبر إلّا أبوبكر وحده ،ذكر ذلك معظم المحدّثين، حتي أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا علي ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي‌ّ الواحد. و قال شيخنا أبو عليّ لايقبل في الرواية إلّا رواية اثنين كالشهادة،فخالفه المتكلّمون والفقهاء كلّهم، واحتجّوا عليه بقول الصحابة

رِوَايَةَ أَبِي بَكرٍ وَحدَهُ، قَالَ نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ

، حتي أنّ بعض أصحاب أبي عليّ تكلّف لذلك جوابا، فقال قدروي‌ أنّ أبابكر يوم حاجّ فاطمة عليها السلام ، قال أنشد اللّه امرأ سمع من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله في هذاشيئا فروي مالك بن أوس بن الحدثان ، أنّه سمع من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم، و هذاالحديث ينطق بأنّه استشهد عمر طلحة والزبير و عبدالرحمن وسعدا،فقالوا سمعناه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ،فأين كانت هذه الروايات أيّام أبي بكر مانقل أنّ أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة عليها السلام و أبي بكر روي من هذاشيئا،انتهي .فظهر أنّ قول هذاالقاضي‌ ليس إلّا شهادة زور، و لو كان لماذكره من


صفحه : 372

استشهاد أبي بكر مستند لأشار إليه كما هوالدأب في مقام الاحتجاج . و أمّا هذه الرواية التي‌ رواها ابن أبي الحديد،فمع أنّها لاتدلّ علي الاستشهاد في خلافة أبي بكر فلاتخلو من تحريف ، لماعرفت من أنّ لفظ رواية أبي البختري‌ علي مارواه أبوداود، وحكاه في جامع الأصول أ لم تعلموا أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله قال كلّ مال النبيّ صدقة، لاأسمعتم رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله كمارواه الجوهري‌ علي أنّه لايقوم فيما تفرّدوا به من الأخبار حجّة علينا، وإنّما الاحتجاج بالمتّفق عليه ، أو مااعترف به الخصم ، والاستشهاد علي الرواية لم يثبت عندنا لا في أيّام أبي بكر و لا في زمن عمر. ثم أورد السيّد رحمه اللّه علي كلام صاحب المغني‌ بأنّا لوسلّمنا استشهاد من ذكر علي الخبر لم يكن فيه حجّة،لأنّ الخبر علي كلّ حال لايخرج من أن يكون غيرموجب للعلم ، و هو في حكم أخبار الآحاد، و ليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن بما يجري‌ هذاالمجري ،لأنّ المعلوم لايخصّ إلّا بمعلوم .. قال علي أنّه لوسلّم لهم أنّ الخبر الواحد يعمل به في الشرع لاحتاجوا إلي دليل مستأنف ، علي أنّه يقبل في تخصيص القرآن ،لأنّ مادلّ علي العمل به في الجملة لايتناول هذاالموضع ، كما لايتناول جواز النسخ به . وتحقيق هاتين المسألتين من وظيفة أصول الفقه .

والثاني‌

أنّ رواة الخبر كانوا متّهمين في الرواية بجلب النفع من حيث حلّ الصدقة عليهم كماتقدّم في القسم الأوّل و ماأجاب به شارح كشف الحقّ من الفرق بين الرواية والشهادة، و أنّ التهمة إنّما تضرّ في الشهادة دون الرواية،


صفحه : 373

فسخيف جدا، و لم يقل أحد بهذا الفرق غيره .

الثالث والرابع

ماتقدّم في الإيراد الثالث والرابع من القسم الأوّل.

والخامس

ماتقدّم من وجوب البيان للورثة.

السادس

ماتقدّم في السادس .

و أمّا القسم الثالث

و هو أن يكون مناط الحكم علي علم أبي بكر مع شهادة النفر، وكذلك الرابع ، و هو أن يكون الاعتماد علي روايته معهم ،فقد ظهر بطلانهما ممّا سبق ، فإنّ المجموع و إن كان أقوي من كلّ واحد من الجزءين إلّا أنّه لايدفع التهمة و لامناقضة الآيات الخاصّة و لاباقي‌ الوجوه السابقة. و قدظهر بما تقدّم أنّ الجواب عن قول أبي عليّ أتعلمون كذب أبي بكر أم تجوّزون صدقه و قدعلم أنّه لا شيءيعلم به كذبه قطعا، فلابدّ من تجويز كونه صادقا كماحكاه في المغني‌ هوإنّا نعلم كذبه قطعا، والدليل عليه ماتقدّم من الوجوه الستّة المفصّلة و إنّ تخصيص الآيات بهذا الخبر ليس من قبيل تخصيصها في القاتل والعبد كماذكره قاضي‌ القضاة،إذ مناط الثاني‌ روايات معلومة الصدق ، والأوّل خبر معلوم الكذب ، و قدسبق في خطبة فاطمة صلوات اللّه عليها استدلالها بقوله تعالي وَ أُولُوا الأَرحامِ بَعضُهُم أَولي بِبَعضٍ فِي كِتابِ اللّهِ، وبثلاث من الآيات السابقة، و هويدلّ مجملا علي بطلان مافصلوه من الأجوبة. ثم إنّ بعض الأصحاب حمل الرواية علي وجه لايدلّ علي مافهم منها الجمهور، و هو أن يكون ماتركنا صدقة مفعولا ثانيا للفعل أعني‌ نورث ،سواء كان بفتح الراء علي صيغة المجهول من قولهم ورثت أبي شيئا، أوبكسرها من قولهم أورثه الشي‌ء أبوه ، و أمّا بتشديد الراء،فالظاهر أنّه لحن ، فإنّ التوريث إدخال أحد


صفحه : 374

في المال علي الورثة كماذكره الجوهري‌ و هو لايناسب شيئا من المحامل ، و يكون صدقة منصوبا علي أن يكون مفعولا لتركنا، والإعراب لاتضبط في أكثر الروايات ، ويجوز أن يكون النبيّ صلّي اللّه عليه وآله وقف علي الصدقة فتوهّم أبوبكر أنّه بالرفع ، وحينئذ يدلّ علي أنّ ماجعلوه صدقة في حال حياتهم لاينتقل بموتهم إلي الورثة، أي مانووا فيه الصدقة من غير أن يخرجوه من أيديهم لايناله الورثة حتي يكون للحكم اختصاص بالأنبياء عليهم السلام ، و لايدلّ علي حرمان الورثة ممّا تركوه مطلقا، والحقّ أنّه لايخلو عن بعد، و لاحاجة لنا إليه لماسبق ، و أمّا الناصرون لأبي‌ بكر فلم يرضوا به وحكموا ببطلانه ، و إن كان لهم فيه التخلّص عن القول بكذب أبي بكر،فهو إصلاح لم يرض به أحد المتخاصمين ، و لايجري‌ في بعض رواياتهم . واعلم أنّ بعض المخالفين استدلّوا علي صحّة الرواية و ماحكم به أبوبكر بترك الأمّة النكير عليه ، و قدذكر السيّد الأجل رضي‌ اللّه عنه في الشافي‌ كلامهم ذلك علي وجه السؤال وأجاب عنه بقوله فإن قيل إذا كان أبوبكر قدحكم بخطإ في دفع فاطمة عليها السلام من الميراث واحتجّ بخبر لاحجّة فيه فما بال الأمّة أقرّته علي هذاالحكم ، و لم تنكر عليه و في رضاها وإمساكها دليل علي صوابه .قلنا قدمضي أنّ ترك النكير لا يكون دليل الرضا إلّا في الموضع ألذي لا يكون له وجه سوي الرضا، وبيّنا في الكلام علي إمامة أبي بكر هذاالموضع بيانا شافيا.


صفحه : 375

و قدأجاب أبوعثمان الجاحظ في كتاب العباسيّة عن هذاالسؤال جوابا جيّد المعني واللفظ،نحن نذكره علي وجهه ليقابل بينه و بين كلامه في العثمانيّة وغيرها، قال و قدزعم ناس أنّ الدليل علي صدق خبرهما يعني‌ أبابكر وعمر في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترك أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم النكير عليهما، ثم قال فيقال لهم لئن كان ترك النكير دليلا علي صدقهما ليكونن ترك النكير علي المتظلّمين منهما والمحتجبين عليهما والمطالبين لهما بدليل دليلا علي صدق دعواهم ، واستحسان مقالتهم ، لاسيّما و قدطالت المشاحّات، وكثرت المراجعة والملاحات ، وظهرت الشكيمة، واشتدّت الموجدة، و قد

بَلَغَ ذَلِكَ مِن فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ حَتّي أَنّهَا أَوصَت أَن لَا يصُلَيّ‌َ عَلَيهَا أَبُو بَكرٍ، وَ قَد كَانَت قَالَت لَهُ حِينَ أَتَتهُ طَالِبَةً بِحَقّهَا، وَ مُحتَجّةً بِرَهطِهَا مَن يَرِثُكَ يَا أَبَا بَكرٍ إِذَا مِتّ قَالَ أهَليِ‌ وَ ولُديِ‌.قَالَت فَمَا بَالُنَا لَا نَرِثُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فَلَمّا مَنَعَهَا مِيرَاثَهَا، وَ بَخَسَهَا حَقّهَا، وَ اعتَلّ


صفحه : 376

عَلَيهَا، وَ لَجّ فِي أَمرِهَا، وَ عَايَنَتِ التّهَضّمَ، وَ أَيِسَت مِنَ النّزُوعِ، وَ وَجَدَت مَسّ الضّعفِ وَ قِلّةَ النّاصِرِ،قَالَت وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ عَلَيكَ. قَالَ وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ لَكِ.قَالَت وَ اللّهِ لَا أُكَلّمُكَ أَبَداً. قَالَ وَ اللّهِ لَا أَهجُرُكِ أَبَداً.

فإن يكن ترك النّكير علي أبي بكر دليلا علي صواب منعه ، إنّ في ترك النكير علي فاطمة( ع )دليلا علي صواب طلبها، وأدني ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ماجهلت ، وتذكيرها مانسيت ، وصرفها عن الخطإ، ورفع قدرها عن البذاء، و أن تقول هجرا، أوتجوّر عادلا، أوتقطع واصلا، فإذا لم نجدهم أنكروا علي الخصمين جميعا فقد تكافأت الأمور، واستوت الأسباب ، والرجوع إلي أصل حكم اللّه في المواريث أولي بنا وبكم ، وأوجب علينا وعليكم . و إن قالوا كيف يظنّ ظلمها والتعديّ‌ عليها وكلّما ازدادت فاطمة عليها السلام عليه غلظة ازداد لها لينا ورقّة،حيث تقول و اللّه لاأكلّمك أبدا فيقول و اللّه لاأهجرك أبدا، ثم تقول و اللّه لأدعون اللّه عليك ،فيقول و اللّه لأدعوّن اللّه لك . ثم يحتمل هذاالكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة، وبحضرة قريش والصحابة، مع حاجة الخلافة إلي البهاء والرفعة، و مايجب لها من


صفحه : 377

التنويه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا أومتقرّبا،كلام المعظّم لحقّها،المكبر لقيامها، والصائن لوجهها، والمتحنّن عليها ماأحد أعزّ عليّ منك فقرا، و لاأحبّ إلي‌ّ منك غني ، ولكن

سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ يَقُولُ إِنّا مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ، مَا تَرَكنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ.

قيل لهم ليس ذلك بدليل علي البراءة من الظّلم، والسلامة من الجور، و قديبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريبا وللخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصف ، وجدة الوامق ، ومقة المحقّ، وكيف جعلتم ترك النكير حجّة قاطعة، ودلالة واضحة و قدزعمتم أنّ عمر قال علي منبره متعتان كان علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله متعة النساء ومتعة الحجّ، أناأنهي عنهما وأعاقب عليهما،فما وجدتم أحدا أنكر قوله ، و لااستشنع مخرج نهيه ، و لاخطّأه في معناه ، و لاتعجّب منه و لااستفهمه .


صفحه : 378

وكيف تقضون بترك النكير و قد

شَهِدَ عُمَرُ يَومَ السّقِيفَةِ وَ بَعدَ ذَلِكَ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ الأَئِمّةُ مِن قُرَيشٍ

، ثم قال في مكانه لو كان سالم حيّا مايخالجني‌ فيه شكّ،حين أظهر الشّك في استحقاق كلّ واحد من الستّة الّذين جعلهم شوري ، وسالم عبدلامرأة من الأنصار وهي‌ أعتقته ، وحازت ميراثه ، ثم لم ينكر ذلك من قريش قوله منكر، و لاقابل إنسان بين قوليه ، و لاتعجّب منه ، وإنّما يكون ترك النّكير علي من لارغبة و لارهبة عنده دليلا علي صدق قوله وثواب عمله ،فأمّا ترك النّكير علي من يملك الضّعة والرّفعة، والأمر والنهي‌، والقتل والاستحياء، والحبس والإطلاق ،فليس بحجّة تشفي‌، و لادليل يغني‌. قال و قال آخرون بل الدليل علي صدق قولهما، وصواب عملهما،إمساك الصحابة عن خلعهما، والخروج عليهما، وهم الّذين وثبوا علي عثمان في أيسر من


صفحه : 379

جحد التنزيل ، وردّ النصوص ، و لوكانوا كمايقولون ويصفون ما كان سبيل الأمّة فيهما إلّا كسبيلهم فيه ، وعثمان كان أعزّ نفرا، وأشرف رهطا، وأكثر عددا وثروة، وأقوي عدّة.قلنا إنّهما لم يجحدا التنزيل ، و لم ينكرا المنصوص ، ولكنّهما بعدإقرارهما بحكم الميراث و ما عليه الظاهر من الشريعة ادّعيا رواية، وتحدّثا بحديث لم يكن محالا كونه ، و لايمتنع في حجج العقول مجيئه ، وشهد لهما عليه من علّته مثل علّتهما فيه ، ولعلّ بعضهم كان يري التصديق للرجل إذا كان عدلا في رهطه ،مأمونا في ظاهره ، و لم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة، و لاجرب عليه غدرة،فيكون تصديقه له علي جهة حسن الظنّ وتعديل الشاهد، ولأنّه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج ، و ألّذي يقطع بشهادته علي الغيب ، و كان ذلك شبهة علي أكثرهم ،فلذلك قلّ النّكير، وتواكل الناس ، واشتبه الأمر،فصار لايتخلّص إلي معرفة حقّ ذلك من باطله ، إلّا العالم المتقدّم، والمؤيّد المرشد، ولأنّه لم يكن لعثمان في صدور العوام ، و في قلوب السّفلة والطّغام ما كان لهما من الهيبة والمحبّة، ولأنّهما كانا أقلّ استئثارا بالفي‌ء، وأقلّ تفكّها بمال اللّه منه ، و من


صفحه : 380

شأن الناس إهمال السلطان ماوفّر عليهم أموالهم ، و لايستأثر بخراجهم ، و لم يعطّل ثغورهم ، ولأنّ ألّذي صنع أبوبكر من منع العترة حظّها، والعمومة ميراثها، قد كان موافقا لجلّة قريش ، ولكبراء العرب ، ولأنّ عثمان أيضا كان مضعوفا في نفسه ،مستخفّا بقدره ، لايمنع ضيما، و لايقمع عدوّا، ولقد وثب ناس علي عثمان بالشتم والقذف والتشنيع والنكير،لأمور لوأتي عمر أضعافها، وبلغ أقصاها، لمااجترءوا علي اغتيابه فضلا عن مبادأته ، والإغراء به ومواجهته ، كماأغلظ عينية بن حصين له ، فقال له أماإنّه لو كان عمر لقمعك ومنعك فقال عيينة إنّ عمر كان خيرا لي منك ،أرهبني‌ فأبقاني‌. ثم قال والعجب أنّا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث علي اختلافهم في التشبيه والقدر والوعيد يردّ كلّ صنف منهم من أحاديث مخالفيه وخصومه ما هوأقرب استنادا، وأوضح رجالا، وأحسن اتّصالا، حتّي إذاصاروا إلي القول في ميراث النبيّ صلّي اللّه عليه وسلّم نسخوا الكتاب ، وخصّوا الخبر العام بما لايداني‌ بعض مارووه ، وأكذبوا ناقليه ، و ذلك إنّ كلّ إنسان منهم إنّما يجري‌ إلي


صفحه : 381

هواه ، ويصدق ماوافق رضاه .. هذاآخر كلام الجاحظ. ثم قال السيّد رضي‌ اللّه عنه فإن قيل ليس ماعارض به الجاحظ من الاستدلال بترك النكير، و قوله كما لم ينكروا علي أبي بكر،فلم ينكروا أيضا علي فاطمة عليها السلام و لاغيرها من المطالبين بالميراث كالأزواج وغيرهنّ معارضة صحيحة، و ذلك أنّ نكير أبي بكر لذلك ودفعه والاحتجاج عليه يكفيهم ويغنيهم عن تكلّف نكير، و لم ينكر علي أبي بكر مارواه منكر فيستغنوا بإنكاره .قلنا أوّل مايبطل هذاالسؤال أنّ أبابكر لم ينكر عليها ماأقامت عليه بعداحتجاجها بالخبر من التظلّم والتألّم، والتعنيف والتبكيت ، وقولها علي ماروي‌ و اللّه لأدعونّ اللّه عليك ...، و لاكلّمتك أبدا، و... ماجري هذاالمجري ،فقد كان يجب أن ينكره غيره ،فمن المنكر الغضب علي المنصف . و بعد، فإن كان إنكار أبي بكر مقنعا أومغنيا عن إنكار غيره من المسلمين ،فإنكار فاطمة عليها السلام حكمه ، ومقامها علي التظلّم منه يغني‌ عن نكير غيرها، و هذاواضح لمن أنصف من نفسه .انتهي كلامه رفع اللّه مقامه .


صفحه : 382

الخامسة

قال ابن أبي الحديد اعلم أنّ الناس يظنّون أنّ نزاع فاطمة( ع ) أبابكر كان في أمرين في الميراث والنّحلة، و قدوجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث ، ومنعها أبوبكر إيّاه أيضا، و هوسهم ذي‌ القربي .

رَوَي أَحمَدُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ عَن أَنَسٍ أَنّ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ لَمّا أَتَت أَبَا بَكرٍ فَقَالَت قَد عَلِمتَ ألّذِي حُرّمَ عَلَينَا أَهلَ البَيتِ( ع ) مِنَ الصّدَقَاتِ، وَ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَينَا مِنَ الغَنَائِمِ فِي القُرآنِ مِن سَهمِ ذوَيِ‌ القُربَي ثُمّ قَرَأَت عَلَيهِ قَولَهُ تَعَالَيوَ اعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرّسُولِ وَ لذِيِ‌ القُربيالآيَةَ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكرٍ بأِبَيِ‌ أَنتِ وَ أمُيّ‌ وَ وَالِدٌ وَلَدَكِ السّمعَ وَ الطّاعَةَ لِكِتَابِ اللّهِ، وَ لِحَقّ رَسُولِهِ(ص ) وَ حَقّ قَرَابَتِهِ، وَ أَنَا أَقرَأُ مِن كِتَابِ اللّهِ ألّذِي تَقرَءِينَ، وَ لَم يَبلُغ علِميِ‌ مِنهُ أَنّ هَذَا السّهمَ مِنَ الخُمُسِ مُسَلّمٌ إِلَيكُم كَامِلًا قَالَت أَ مِلكٌ هُوَ لَكَ وَ لِأَقرِبَائِكَ قَالَ لَا،بَل أُنفِقُ عَلَيكُم مِنهُ وَ أَصرِفُ الباَقيِ‌َ فِي مَصَالِحِ المُسلِمِينَ.قَالَت لَيسَ هَذَا بِحُكمِ اللّهِ تَعَالَي فَقَالَ هَذَا حُكمُ اللّهِ، فَإِن كَانَ رَسُولُ اللّهِ(ص )عَهِدَ إِلَيكِ فِي هَذَا عَهداً صَدّقتُكِ وَ سَلّمتُهُ كُلّهُ إِلَيكِ وَ إِلَي أَهلِكِ.قَالَت إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يَعهَد إلِيَ‌ّ فِي


صفحه : 383

ذَلِكَ بشِيَ‌ءٍ، إِلّا أنَيّ‌ سَمِعتُهُ يَقُولُ لَمّا أُنزِلَت هَذِهِ الآيَةُ أَبشِرُوا آلَ مُحَمّدٍ فَقَد جَاءَكُمُ الغِنَي. قَالَ أَبُو بَكرٍ لَم يَبلُغ مِن هَذِهِ الآيَةِ أَن أُسَلّمَ إِلَيكُم هَذَا السّهمَ كُلّهُ كَامِلًا، وَ لَكِن لَكُمُ الغِنَي ألّذِي يُغنِيكُم وَ يُفَضّلُ عَنكُم، وَ هَذَا عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وَ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرّاحِ وَ غَيرُهُمَا فَاسأَلِيهِم عَن ذَلِكِ وَ انظرُيِ‌ هَل يُوَافِقُكِ عَلَي مَا طَلَبتِ أَحَدٌ مِنهُم فَانصَرَفَت إِلَي عُمَرَ فَقَالَت لَهُ مِثلَ مَا قَالَت لأِبَيِ‌ بَكرٍ، فَقَالَ لَهَا مِثلَ مَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكرٍ،فَتَعَجّبَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ مِن ذَلِكَ وَ تَظَنّت أَنّهُمَا قَد تَذَاكَرَا ذَلِكَ وَ اجتَمَعَا عَلَيهِ.

قَالَ قَالَ أَحمَدُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ حَدّثَنَا أَبُو زَيدٍ بِإِسنَادِهِ إِلَي عُروَةَ قَالَ أَرَادَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ أَبَا بَكرٍ عَلَي فَدَكَ وَ سَهمِ ذيِ‌ القُربَي،فَأَبَي عَلَيهَا وَ جَعَلَهُمَا فِي مَالِ اللّهِ تَعَالَي.

رَوَي عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ أَنّ أَبَا بَكرٍ مَنَعَ فَاطِمَةَ( ع ) وَ بنَيِ‌ هَاشِمٍ سَهمَ ذيِ‌ القُربَي وَ جَعَلَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فِي السّلَاحِ وَ الكُرَاعِ.

رَوَي بِإِسنَادِهِ عَن مُحَمّدِ بنِ إِسحَاقَ قَالَ سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ مُحَمّدَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ قُلتُ أَ رَأَيتَ عَلِيّاً( ع )حِينَ ولَيِ‌َ العِرَاقَ وَ مَا ولَيِ‌َ مِن أَمرِ النّاسِ،كَيفَ صَنَعَ فِي سَهمِ ذيِ‌ القُربَي قَالَ سَلَكَ بِهِم طَرِيقَ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ قُلتُ كَيفَ وَ لِمَ وَ أَنتُم تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ قَالَ أَمَا وَ اللّهِ مَا كَانَ أَهلُهُ يَصدُرُونَ إِلّا عَن رَأيِهِ.فَقُلتُ فَمَا مَنَعَهُ قَالَ يَكرَهُ أَن يُدّعَي عَلَيهِ مُخَالَفَةُ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ.

انتهي .


صفحه : 384

ماأخرجه ابن أبي الحديد من كتاب أحمد بن عبدالعزيز.

وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ مِن سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَن جُبَيرِ بنِ مَطعَمٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ لَم يَكُن يَقسِمُ لبِنَيِ‌ عَبدِ شَمسٍ وَ لَا لبِنَيِ‌ نَوفَلَ مِنَ الخُمُسِ شَيئاً كَمَا قَسَمَ لبِنَيِ‌ هَاشِمٍ، قَالَ وَ كَانَ أَبُو بَكرٍ يَقسِمُ الخُمُسَ نَحوَ قَسمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ غَيرَ أَنّهُ لَم يَكُن يعُطيِ‌ مِنهُ قُربَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ كَمَا يُعطِيهِم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ، وَ كَانَ عُمَرُ يُعطِيهِم وَ مَن كَانَ بَعدَهُ مِنهُ.

وروي مثله بسند آخر عن جبير بن مطعم . ثم

قَالَ وَ فِي أُخرَي لَهُ وَ النسّاَئيِ‌ّ لَمّا كَانَ يَومُ خَيبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]سَهمَ ذيِ‌ القُربَي فِي بنَيِ‌ هَاشِمٍ وَ بنَيِ‌ المُطّلِبِ.

ثم قال وأخرج النسائي‌ أيضا بنحو من هذه الروايات من طرق متعدّدة بتغيير بعض ألفاظها واتّفاق المعني .

وَ رَوَي أَيضاً عَن أَبِي دَاوُدَ بِإِسنَادِهِ عَن يَزِيدَ بنِ هُرمُزَ أَنّ ابنَ الزّبَيرِ


صفحه : 385

أَرسَلَ إِلَي ابنِ العَبّاسِ يَسأَلُهُ عَن سَهمِ ذيِ‌ القُربَي لِمَن يَرَاهُ فَقَالَ لَهُ لِقُربَي رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]،قَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ لَهُم وَ قَد كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَينَا مِن ذَلِكَ عَرضاً رَأَينَاهُ دُونَ حَقّنَا وَ رَدَدنَاهُ عَلَيهِ وَ أَبَينَا أَن نَقبَلَهُ.

وروي مثله عن النسائي‌ أيضا، و قال

وَ فِي أُخرَي لَهُ مِثلَ أَبِي دَاوُدَ، وَ فِيهِ وَ كَانَ ألّذِي عَرَضَ عَلَيهِم أَن يُعِينَ نَاكِحَهُم، وَ يقَضيِ‌َ عَن غَارِمِهِم، وَ يعُطيِ‌َ فَقِيرَهُم، وَ أَبَي أَن يَزِيدَهُم عَلَي ذَلِكَ.

وروي العياشي‌ في تفسيره رواية ابن عباس ورويناه في موضع آخر.

وَ رَوَي أَيضاً عَن أَبِي جَمِيلَةَ عَن بَعضِ أَصحَابِهِ عَن أَحَدِهِمَا عَلَيهِمَا السّلَامُ قَالَ قَد فَرَضَ اللّهُ الخُمُسَ نَصِيباً لِآلِ مُحَمّدٍ عَلَيهِمُ السّلَامُ فَأَبَي أَبُو بَكرٍ أَن يُعطِيَهُم نَصِيبَهُم حَسَداً وَ عَدَاوَةً، وَ قَد قَالَ اللّهُوَ مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ.

والأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام في ذلك أكثر من أن تحصي ، وسيأتي‌ بعضها في أبواب الخمس والأنفال إن شاء اللّه تعالي . فإذااطّلعت علي مانقلناه من الأخبار من صحاحهم نقول لاريب في


صفحه : 386

دلالة الآية علي اختصاص ذي‌ القربي بسهم خاصّ سواء كان هوسدس الخمس كماذهب إليه أبوالعالية وأصحابنا ورووه عن أئمّتنا عليهم السلام ، و هوالظاهر من الآية كمااعترف به البيضاوي‌ وغيره ، أوخمس الخمس لاتّحاد سهم اللّه وسهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ، وذكر اللّه للتعظيم كمازعم ابن عباس وقتادة وعطاء، أوربع الخمس والأرباع الثلاثة الباقية للثلاثة الأخيرة كمازعمه الشافعي‌، وسواء كان المراد بذي‌ القربي أهل بيت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله في حياته وبعده الإمام من أهل البيت عليهم السلام كماذهب إليه أكثر أصحابنا أوجميع بني‌ هاشم كماذهب إليه بعضهم . و علي ماذهب إليه الأكثر بكون دعوي فاطمة عليها السلام نيابة عن أمير المؤمنين عليه السلام تقيّة، أو كان المراد بني‌ هاشم وبني‌ المطلب كمازعمه الشافعي‌، أوآل عليّ وعقيل وآل عباس وولد الحارث بن عبدالمطلب كما قال أبوحنيفة. و علي أيّ حال ، فلاريب أيضا في أنّ الظاهر من الآية تساوي‌ الستّة في السهم ، و لم يختلف الفقهاء في أنّ إطلاق الوصيّة والأقوال لجماعة معدودين يقتضي‌ التسوية لتساوي‌ النسبة، و لم يشترط اللّه عزّ و جلّ في ذي‌ القربي فقرا أومسكنة بل


صفحه : 387

قرنه بنفسه وبرسوله صلّي اللّه عليه وآله للدلالة علي عدم الاشتراط، و قداحتجّ بهذا الوجه الرضا عليه السلام علي علماء العامّة في حديث طويل بيّن فيه فضل العترة الطاهرة، وسيأتي‌ في محلّه. و أمّا التقييد اجتهادا فمع بطلان الاجتهاد الغير المستند إلي حجّة فعل النبيّ صلّي اللّه عليه وآله يدفع التقييد،لدلالة خبر جبير وغيره علي أنّه لم يعطهم ما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يعطيهم ، و قد قال أبوبكر في رواية أنس لكم الغني ألذي يغنيكم ويفضل عنكم ،فما زعمه أبوبكر من عدم دلالة الآية علي أنّ السهم مسلّم لذي‌ القربي ووجوب صرف الفاضل من السهم عن حاجتهم في مصالح المسلمين مخالف للآية والأخبار المتّفق علي صحّتها، و قد قال سبحانه في آخر الآيةإِن كُنتُم آمَنتُم بِاللّهِ وَ ما أَنزَلنا عَلي عَبدِنا.... واعترف الفخر الرازي‌ في تفسيره بأنّ من لم يحكم بهذه القسمة فقد خرج عن الإيمان ، و قال تعالي وَ مَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُونَ، و قال هُمُ الفاسِقُونَ، و قال هُمُ الظّالِمُونَ،فاستحقّ بما صنع مايستحقّه الرادّ علي اللّه و علي رسوله صلّي اللّه عليه وآله .

السادسة

مادلّت عليه الروايات السالفة و ماسيأتي‌ في باب شهادة فاطمة عليها السلام من أنّها أوصت أن تدفن سرّا، و أن لايصليّ‌ عليها أبوبكر وعمر


صفحه : 388

لغضبها عليهما في منع فدك وغيره من أعظم الطعون عليهما. وأجاب عنه قاضي‌ القضاة في المغني‌ بأنّه قدروي‌ أنّ أبابكر هو ألذي صلّي علي فاطمة عليها السلام وكبّر أربعا، و هذاأحد مااستدلّ به كثير من الفقهاء في التكبير علي الميّت، و لايصحّ أنّها دفنت ليلا، و إن صحّ ذلك فقد دفن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله ليلا، وعمر دفن ليلا، و قد كان أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله يدفنون بالنهار ويدفنون بالليل ،فما في هذاممّا يطعن به ،بل الأقرب في النساء أن دفنهنّ ليلا أستر وأولي بالسنّة. وردّ عليه السيّد الأجل في الشافي‌ بأنّ ماادّعيت من أنّ أبابكر هو ألذي صلّي علي فاطمة عليها السلام وكبّر أربعا، و أنّ كثيرا من الفقهاء يستدلّون به في التكبير علي الميّت فهو شيء ماسمع إلّا منك ، و إن كنت تلقيّته عن غيرك فممّن يجري‌ مجراك في العصبية، و إلّا فالروايات المشهورة وكتب الآثار والسير خالية من ذلك ، و لم يختلف أهل النقل في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّي علي فاطمة عليها السلام إلّا رواية شاذّة نادرة وردت بأنّ العباس صلّي عليها.

رَوَي الواَقدِيِ‌ّ بِإِسنَادِهِ عَن عِكرِمَةَ قَالَسَأَلتُ ابنَ العَبّاسِ مَتَي دُفِنَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ قَالَ دَفَنّاهَا بِلَيلٍ بَعدَ هَدأَةٍ. قَالَ قُلتُ فَمَن


صفحه : 389

صَلّي عَلَيهَا قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.

وَ رَوَي الطبّرَيِ‌ّ، عَنِ الحَرثِ بنِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ المدَاَئنِيِ‌ّ، عَن أَبِي زَكَرِيّا العجَلاَنيِ‌ّ أَنّ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ عُمِلَ لَهَا نَعشٌ قَبلَ وَفَاتِهَا،فَنَظَرَت وَ قَالَت ستَرَتمُوُنيِ‌ سَتَرَكُمُ اللّهُ

، قال أبو جعفر محمّد بن جرير والثبت في ذلك أنّها زينب ،لأنّ فاطمة عليها السلام دفنت ليلا و لم يحضرها إلّا العباس و عليّ والمقداد والزبير.

وَ رَوَي القاَضيِ‌ أَبُو بَكرٍ أَحمَدُ بنُ كَامِلٍ بِإِسنَادِهِ فِي تَارِيخِهِ عَنِ الزهّريِ‌ّ قَالَ حدَثّنَيِ‌ عُروَةُ بنُ الزّبَيرِ أَنّ عَائِشَةَ أَخبَرَتهُ أَنّ فَاطِمَةَ بِنتَ رَسُولِ اللّهِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ عَلَيهَا عَاشَت بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]سِتّةَ أَشهُرٍ، فَلَمّا تُوُفّيَت دَفَنَهَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لَيلًا، وَ صَلّي عَلَيهَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ.

وذكر في كتابه هذا أنّ أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام دفنوها ليلا وغيّبوا قبرها.

وَ رَوَي سُفيَانُ بنُ عُيَينَةَ، عَن عَمرٍو، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمّدٍ أَنّ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ دُفِنَت لَيلًا.

وَ رَوَي عَبدُ اللّهِ بنُ أَبِي شَيبَةَ، عَن يَحيَي بنِ سَعِيدٍ العَطّارِ، عَن مَعمَرٍ، عَنِ الزهّريِ‌ّ مِثلَ ذَلِكَ.


صفحه : 390

وَ قَالَ البلَاذرُيِ‌ّ فِي تَارِيخِهِ إِنّ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ لَم تُرَ مُتَبَسّمَةً بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]، وَ لَم يَعلَم أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ بِمَوتِهَا.

والأمر في هذاأوضح وأظهر من أن يطنب في الاستشهاد عليه ويذكر الروايات فيه .فأمّا قوله و لايصحّ أنّها دفنت ليلا، و إن صحّ فقد دفن فلان وفلان ليلا .. فقد بيّنا أنّ دفنها ليلا في الصحّة كالشمس الطالعة، و أنّ منكر ذلك كدافع المشاهدات ، و لم نجعل دفنها ليلا بمجرّده هوالحجّة فيقال فقد دفن فلان وفلان ليلا،بل مع الاحتجاج بذلك علي ماوردت به

الرّوَايَاتُ المُستَفِيضَةُ الظّاهِرَةُ التّيِ‌ هيِ‌َ كَالمُتَوَاتِرِ أَنّهَا عَلَيهَا السّلَامُ أَوصَت بِأَن تُدفَنَ لَيلًا حَتّي لَا يصُلَيّ‌َ عَلَيهَا الرّجُلَانِ، وَ صَرّحَت بِذَلِكَ، وَ عَهِدَت فِيهِ عَهداً بَعدَ أَن كَانَا استَأذَنَا عَلَيهَا فِي مَرَضِهَا لِيَعُودَاهَا،فَأَبَت أَن تَأذَنَ لَهُمَا، فَلَمّا طَالَ عَلَيهِمَا المُدَافَعَةُ رَغِبَا إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي أَن يَستَأذِنَ لَهُمَا، وَ جَعَلَاهَا حَاجَةً إِلَيهِ،فَكَلّمَهَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي ذَلِكَ وَ أَلَحّ عَلَيهَا فَأَذِنَت لَهُمَا فِي الدّخُولِ، ثُمّ أَعرَضَت عَنهُمَا عِندَ دُخُولِهِمَا وَ لَم تُكَلّمهُمَا، فَلَمّا خَرَجَا قَالَت لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَد صَنَعتَ مَا أَرَدتَ قَالَ نَعَم.قَالَت فَهَل أَنتَ صَانِعٌ مَا آمُرُكَ قَالَ نَعَم.قَالَت فإَنِيّ‌ أَنشُدُكَ اللّهَ أَن لَا يُصَلّيَا عَلَي جنَاَزتَيِ‌، وَ لَا يَقُومَا عَلَي قبَريِ‌.

وَ روُيِ‌َ أَنّهُ عَلَيهِ السّلَامُ عَمّي عَلَي قَبرِهَا وَ رَشّ أَربَعِينَ قَبراً فِي البَقِيعِ وَ لَم يَرُشّ عَلَي قَبرِهَا حَتّي لَا يَهتَدِيَا إِلَيهِ، وَ أَنّهُمَا عَاتَبَاهُ عَلَي تَركِ إِعلَامِهِمَا بِشَأنِهَا وَ إِحضَارِهِمَا


صفحه : 391

لِلصّلَاةِ عَلَيهَا

،فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا، و لو كان ليس غيرالدفن بالليل من غير ماتقدّم عليه وتأخّر عنه لم يكن فيه حجّة.انتهي كلامه رفع اللّه مقامه . وممّا يدلّ من صحاح أخبارهم علي دفنها ليلا، و أنّ أبابكر لم يصلّ عليها، و علي غضبها عليه وهجرتها إيّاه، مارواه مسلم في صحيحه وأورده في

جَامِعُ الأُصُولِ فِي البَابِ الثاّنيِ‌ مِن كِتَابِ الخِلَافَةِ وَ الإِمَارَةِ مِن حَرفِ الخَاءِ عَن عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ بَعدَ ذِكرِ مُطَالَبَةِ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ أَبَا بَكرٍ فِي مِيرَاثِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ فَدَكَ، وَ سَهمِهِ مِن خَيبَرَ قَالَت فَهَجَرَتهُ فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ فَلَم تُكَلّمهُ فِي ذَلِكَ حَتّي مَاتَت،فَدَفَنَهَا عَلِيّ( ع )لَيلًا وَ لَم يُؤذِن بِهَا أَبَا بَكرٍ،قَالَت فَكَانَت لعِلَيِ‌ّ وَجهٌ مِنَ النّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فَلَمّا تُوُفّيَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ انصَرَفَت وُجُوهُ النّاسِ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ مَكَثَت فَاطِمَةُ بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ سِتّةَ أَشهُرٍ ثُمّ تُوُفّيَت.

وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ عَن أَحمَدَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ الجوَهرَيِ‌ّ عَن هِشَامِ بنِ مُحَمّدٍ عَن أَبِيهِ قَالَقَالَت فَاطِمَةُ عَلَيهَا السّلَامُ لأِبَيِ‌ بَكرٍ إِنّ أُمّ أَيمَنَ تَشهَدُ لِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أعَطاَنيِ‌ فَدَكَ. فَقَالَ يَا بِنتَ رَسُولِ اللّهِ وَ اللّهِ مَا خَلَقَ اللّهُ خَلقاً أَحَبّ إلِيَ‌ّ مِن رَسُولِ اللّهِ(ص )أَبِيكِ وَ لَوَدِدتُ أَنّ السّمَاءَ وَقَعَت عَلَي الأَرضِ يَومَ مَاتَ أَبُوكِ، وَ اللّهِ لَأَن تَفتَقِرَ عَائِشَةُ أَحَبّ إلِيَ‌ّ مِن أَن تفَتقَرِيِ‌، أَ ترَاَنيِ‌


صفحه : 392

أعُطيِ‌ الأَسوَدَ وَ الأَحمَرَ حَقّهُ وَ أَظلِمُكِ حَقّكِ وَ أَنتِ بِنتُ رَسُولِ اللّهِ(ص ) إِنّ هَذَا المَالَ لَم يَكُن للِنبّيِ‌ّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ وَلِيتُهُ كَمَا كَانَ يَلِيهِ قَالَت وَ اللّهِ لَا كَلّمتُكَ أَبَداً. قَالَ وَ اللّهِ لَا هَجَرتُكِ أَبَداً. قَالَ وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ عَلَيكَ. قَالَ وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ لَكِ. فَلَمّا حَضَرَتهَا الوَفَاةُ أَوصَت أَن لَا يصُلَيّ‌َ عَلَيهَا،فَدُفِنَت لَيلًا، وَ صَلّي عَلَيهَا العَبّاسُ بنُ عَبدِ المُطّلِبِ، وَ كَانَ بَينَ وَفَاتِهَا وَ وَفَاةِ أَبِيهَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اثنَتَانِ وَ سَبعُونَ لَيلَةً.

وممّا يؤيّد إخفاء دفنها جهالة قبرها والاختلاف فيه بين الناس إلي يومنا هذا، و لو كان بمحضر من الناس لمااشتبه علي الخلق و لااختلف فيه .

السابعة

ممّا يرد من الطعون علي أبي بكر في تلك الواقعة أنّه مكّن أزواج النبيّ صلّي اللّه عليه وآله من التصرّف في حجراتهنّ بغير خلاف ، و لم يحكم فيهابأنّها صدقة، و ذلك يناقض مامنعه في أمر فدك وميراث الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، فإنّ انتقالها إليهنّ إمّا علي جهة الإرث أوالنحلة، والأول مناقض لروايته في الميراث ، والثاني‌ يحتاج إلي الثبوت ببيّنة ونحوها، و لم يطالبهنّ بشي‌ء منها كماطالب فاطمة عليها السلام في دعواها، و هذا من أعظم الشواهد لمن له أدني بصيرة، علي أنّه لم يفعل مافعل إلّا عداوة لأهل بيت الرسالة، و لم يقل ما قال إلّا افتراء علي اللّه و علي رسوله . ولنكتف بما ذكرنا، فإنّ بسط الكلام في تلك المباحث ممّا يوجب كثرة حجم الكتاب وتعسّر تحصيله علي الطلاب .


صفحه : 393

فانظر أيّها العاقل المنصف بعين البصيرة فيما اشتمل عليه تلك الأخبار الكثيرة التي‌ أوردوها في كتبهم المعتبرة عندهم من حكم سيّدة النساء صلوات اللّه عليها مع عصمتها وطهارتها باغتصابهم للخلافة وأنّهم أتباع الشيطان ، و أنّه ظهر فيهم حسيكة النفاق ، وأنّهم أرادوا إطفاء نور الدين ، وإهماد سنن سيّد المرسلين صلوات اللّه عليه وآله أجمعين ، وأنّهم آذوا أهل بيته وأضمروا لهم العداوة .. و غير ذلك ممّا اشتملت عليه الخطبة الجليلة ...فهل يبقي بعد ذلك شكّ في بطلان خلافة أبي بكر ونفاقه ونفاق أتباعه . ثم إنّها عليها السلام حكمت بظلم أبي بكر في منعها الميراث صريحا بقولها عليها السلام لقد جئت شيئا فريّا، ودعت الأنصار إلي قتاله ،فثبت جواز قتله ، و لو كان إماما لم يجز قتله . ثم انظر إلي هذاالمنافق كيف شبّه أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وأخا سيّد المرسلين وزوجه الطاهرة بثعالة شهيده ذنبه ، وجعله مربا لكلّ فتنة، ثم إلي موت فاطمة صلوات اللّه عليها ساخطة علي أبي بكر مغضبة عليه منكرة لإمامته ، و إلي إنكار أبي بكر كون فدك خالصة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله مع كونه مخالفا للآية والإجماع وأخبارهم ، و إلي أنّه انتزع فدك من يد وكلاء فاطمة وطلب منها الشهود، مع أنّها لم تكن مدّعية،فحكم بغير حكم اللّه وحكم الرسول صلّي اللّه عليه وآله وصار بذلك من الكافرين بنصّ القرآن ، و إلي طلب الشاهد من المعصومة وردّ


صفحه : 394

شهادة المعصومين الذين أنزل اللّه تعالي فيهم ماأنزل ، و قال فيهم النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ما قال ، ومنعها الميراث خلافا لحكم الكتاب ، وافترائه علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله بما شهد الكتاب والسنّة بكذبه ،فتبوّأ مقعده من النار، وظلمه عليها صلوات اللّه عليها في منع سهم ذي‌ القربي خلافا للّه تعالي ، ومناقضته لمارواه حيث مكّن الأزواج من التصرّف في الحجر وغيرها ممّا يستنبط من فحاوي‌ ماذكر من الأخبار، و لايخفي طريق استنباطها علي أولي‌ الأبصار.


صفحه : 395

21- باب العلّة التي‌ من أجلها ترك أمير المؤمنين عليه السلام فدك لماولي‌ الناس

ع الدّقّاقُ، عَنِ الأسَدَيِ‌ّ، عَنِ النخّعَيِ‌ّ، عَنِ النوّفلَيِ‌ّ، عَن عَلِيّ بنِ سَالِمٍ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي بَصِيرٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قُلتُ لَهُ لِمَ لَم يَأخُذ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَدَكَ لَمّا ولَيِ‌َ النّاسَ وَ لأِيَ‌ّ عَلّةٍ تَرَكَهَا فَقَالَ لَهُ لِأَنّ الظّالِمَ وَ المَظلُومَةَ قَد كَانَا قَدِمَا عَلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ أَثَابَ اللّهُ المَظلُومَةَ وَ عَاقَبَ الظّالِمَ،فَكَرِهَ أَن يَستَرجِعَ شَيئاً قَد عَاقَبَ اللّهُ عَلَيهِ غَاصِبَهُ وَ أَثَابَ عَلَيهِ


صفحه : 396

المَغصُوبَةَ.

ع ابنُ هَاشِمٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَن اِبرَاهِيمَ الكرَخيِ‌ّ قَالَ سَأَلتُ أَبَا عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فَقُلتُ لَهُ لأِيَ‌ّ عِلّةٍ تَرَكَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَدَكاً لَمّا ولَيِ‌َ النّاسَ فَقَالَ لِلِاقتِدَاءِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَمّا فَتَحَ مَكّةَ وَ قَد بَاعَ عَقِيلُ بنُ أَبِي طَالِبٍ دَارَهُ،فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ لَا تَرجِعُ إِلَي دَارِكَ فَقَالَ(ص ) وَ هَل تَرَكَ عَقِيلٌ لَنَا دَاراً،إِنّا أَهلُ بَيتٍ لَا نَستَرجِعُ شَيئاً يُؤخَذُ مِنّا ظُلماً،فَلِذَلِكَ لَم يَستَرجِع فَدَكاً لَمّا ولَيِ‌َ.

ن ، ع القَطّانُ، عَن أَحمَدَ الهمَداَنيِ‌ّ، عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ بنِ فَضّالٍ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ سَأَلتُهُ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لِمَ لَم يَستَرجِع فَدَكَ لَمّا ولَيِ‌َ النّاسَ فَقَالَ لِأَنّا أَهلُ بَيتٍ وَلِيّنَا اللّهُ عَزّ وَ جَلّ لَا يَأخُذُ لَنَا حُقُوقَنَا مِمّن يَظلِمُنَا إِلّا هُوَ، وَ نَحنُ أَولِيَاءُ المُؤمِنِينَ،إِنّمَا نَحكُمُ لَهُم وَ نَأخُذُ حُقُوقَهُم مِمّن يَظلِمُهُم، وَ لَا نَأخُذُ لِأَنفُسِنَا.


صفحه : 397

تبيين

اعلم أنّ بعض المخالفين تمسّكوا في تصحيح مازعموه في أمر الميراث وقصّة فدك بإمضاء أمير المؤمنين عليه السلام مافعلته الخلفاء لمّا صار الأمر إليه ، و قداستدلّ قاضي‌ القضاة بذلك علي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن شاهدا في قضيّة فدك ،إذ لو كان هوالشاهد فيهالكان الأقرب أن يحكم بعلمه ، وكذلك في ترك الحجر لنساء النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، ثم قال و ليس لهم بعد ذلك إلّا التعلّق بالتقيّة التي‌ هي‌ مفزعهم عندلزوم الكلام ، و لوعلموا ماعليهم في ذلك لاشتدّ هربهم منه ،لأنّه إن جاز للأئمّة التقيّة وحالهم في العصمة مايقولون ليجوزنّ ذلك من رسول اللّه، وتجويز ذلك فيه يوجب أن لايوثق بنصّه علي أمير المؤمنين عليه السلام لتجويز التقيّة، ومتي قالوا يعلم بالمعجز إمامته فقد أبطلوا كون النصّ طريقا للإمامة، والكلام مع ذلك لازم لهم ،بأن يقال جوّزوا مع ظهور المعجز أن يدعّي‌ الإمامة تقيّة، و أن يفعل سائر مايفعله تقيّة وكيف يوثق مع ذلك بما ينقل عن الرسول و عن الأئمّة وهلّا جاز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام نبيّا بعدالرسول وترك ادّعاء ذلك تقيّة وخوفا فإنّ الشبهة في ذلك أوكد من النصّ،لأنّ التعصّب للنبي‌ّ في النبوة أعظم من التعصّب لأبي‌ بكر وغيره في الإمامة فإن عوّلوا في ذلك علي علم الاضطرار فعندهم أنّ الضرورة في


صفحه : 398

النصّ علي الإمامة قائمة، و إن فزعوا في ذلك إلي الإجماع ،فمن قولهم أنّه لايوثق به ويلزمهم في الإجماع أن يجوز أن يقع علي طريق التقيّة لأنّه لا يكون أوكد من قول الرسول وقول الإمام عندهم ، و بعد،فقد ذكر الخلاف في ذلك كماذكر الخلاف في أنّه إله ، فلايصحّ علي شروطهم أن يتعلّقوا بذلك . وأجاب عنه السيّد الأجل رضي‌ اللّه عنه في الشافي‌ بما هذالفظه أمّا قوله إن جازت التقيّة للأئمّة وحالهم في العصمة مايدّعون جازت علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله ،فالفرق بين الأمرين واضح ،لأنّ الرسول صلّي اللّه عليه وآله مبتد‌ئ بالشرع ، ومفتتح لتعريف الأحكام التي‌ لاتعرف إلّا من جهته وبيانه ،فلو جازت عليه التقيّة لأخلّ ذلك بإزاحة علّة المكلّفين، ولفقدوا الطريق إلي معرفة مصالحهم الشرعيّة، و قدبيّنا أنّها لاتعرف إلّا من جهته ، والإمام بخلاف هذاالحكم ،لأنّه مفيد للشرائع التي‌ قدعلمت من غيرجهته ، و ليس يقف العلم بها والحقّ فيها علي قوله دون غيره ،فمن اتّقي في بعض الأحكام بسبب يوجب ذلك لم يخل تقيّته بمعرفة الحقّ وإمكان الوصول إليه ، والإمام والرسول و إن استويا في العصمة فليس يجب أن يستويا في جواز التقيّة للفرق ألذي ذكرناه ، لا أنّ الإمام لم يجز التقيّة عليه لأجل العصمة، و ليس للعصمة تأثير في جواز التقيّة و لانفي‌ جوازها.


صفحه : 399

فإن قيل أ ليس من قولكم إنّ الإمام حجّة في الشرائع و قديجوز عندكم أن ينتهي‌ الأمر إلي أن يكون الحقّ لايعرف إلّا من جهته وبقوله ،بأن يعرض الناقلون عن النقل فلايرد إلّا من جهة من يقوم الحجّة بقوله و هذايوجب مساواة الإمام للرسول فيما فرّقتم بينهما فيه .قلنا إذاكانت الحال في الإمام ماصوّرتموه وتعيّنت الحجّة في قوله ، فإنّ التقيّة لاتجوز عليه كما لاتجوز علي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله . فإن قيل فلو قدّرنا أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله قد بيّن جميع الشرائع والأحكام التي‌ يلزمه بيانها حتّي لم يبق شبهة في ذلك و لاريب ،لكان يجوز عليه والحال هذه التقيّة في بعض الأحكام .قلنا ليس يمنع عندقوّة أسباب الخوف الموجبة للتقيّة أن يتقّي‌ إذا لم يكن التقيّة مخلّة بالوصول إلي الحقّ و لامنفرة عنه . ثم يقال له أليست التقيّة عندك جائزة علي جميع المؤمنين عندحصول أسبابها و علي الإمام والأمير. فإن قال هي‌ جائزة علي المؤمنين وليست جائزة علي الإمام والأمير.قلنا و أيّ فرق بين ذلك والإمام والأمير عندك ليسا بحجّة في شيء كما أنّ النبيّ(ص )حجّة فيمنع من ذلك لمكان الحجّة بقولهما، فإن اعترف بجوازها عليهما قيل له فإلا جاز علي النبيّ(ص )قياسا علي الأمير والإمام . فإن قال لأنّ قول النبيّ(ص )حجّة، و ليس الإمام والأمير كذلك .


صفحه : 400

قيل له و أيّ تأثير في الحجّة في ذلك إذا لم تكن التقيّة مانعة من إصابة الحقّ، و لابمخلّة بالطريق إليه . وخبرنا عن الجماعة التي‌ نقلها في باب الأخبار حجّة لوظفر بهم جبّار ظالم متفرّقين أومجتمعين فسألهم عن مذاهبهم وهم يعلمون أويغلب في ظنونهم أنّهم متي ذكروها علي وجهها قتلهم وأباح حريمهم أليست التقيّة جائزة علي هؤلاء مع الحجّة في أقوالهم فإن منع من جواز التقيّة علي ماذكرناه دفع ما هومعلوم . وقيل له و أيّ فرق بين هذه الجماعة و بين من نقص عن عدّتها في جواز التقيّة فلايجد فرقا. فإن قال إنّما جوّزنا التقيّة علي من ذكرتم لظهور الإكراه والأسباب الملجئة إلي التقيّة ومنعناكم من مثل ذلك ،لأنّكم تدعون تقيّة لم تظهر أسبابها و لاالأمور الحاملة عليها من إكراه وغيره .قيل له هذااعتراف بما أردناه من جواز التقيّة عندوجود أسبابها، وصار الكلام الآن في تفصيل هذه الجملة، ولسنا نذهب في موضع من المواضع إلي أنّ الإمام اتّقي بغير سبب موجب لتقيّة، وحامل علي فعله ، والكلام في التفصيل غيرالكلام في الجملة، و ليس كلّ الأسباب التي‌ توجب التقيّة تظهر لكلّ أحد، ويعلمها جميع الخلق ،بل ربّما اختلفت الحال فيها، و علي كلّ حال فلابدّ أن تكون معلومة لمن وجب تقيّته، ومعلومة أومجوّزة لغيره ، ولهذا قدنجد بعض الملوك يسأل رعيّته عن أمر فيصدقه بعضهم في ذلك و لايصدقه آخرون ، ويستعملون ضربا من التورية، و ليس ذلك إلّا لأنّ من صدق لم يخف علي نفسه و من جري مجري نفسه ، و من ورّي فلأنّه خاف علي نفسه وغلب في ظنّه وقوع الضرر به متي صدق فيما سئل عنه ، و ليس يجب أن يستوي‌ حال الجميع ، و أن يظهر لكلّ أحد


صفحه : 401

السبب في تقيّة من اتّقي ممّن ذكرناه بعينه حتي يقع الإشارة إليه علي سبيل التفصيل ، و حتي يجري‌ مجري العرض علي السيف في الملإ من الناس ،بل ربّما كان ظاهرا كذلك ، وربّما كان خافيا. فإن قيل مع تجويز التقيّة علي الإمام كيف السبيل إلي العلم بمذاهبه واعتقاده وكيف يتخلّص لنا مايفتي‌ به علي سبيل التقيّة من غيره .قلنا أوّل مانقوله في ذلك أنّ الإمام لايجوز أن يتقّي‌ فيما لايعلم إلّا من جهته ، والطريق إليه إلّا من ناحيته ، و قوله وإنّما يجوز التقيّة عليه فيما قدبان بالحجج والبيّنات ونصبت عليه الدلالات حتي لا يكون تقيّته فيه مزيلة لطريق إصابة الحقّ وموقعة للشبهة، ثم لاتبقي في شيء إلّا ويدلّ علي خروجه منه مخرج التقيّة،إمّا لمايصاحب كلامه أويتقدّمه أويتأخّر عنه ، و من اعتبر جميع ماروي‌ عن أئمّتنا عليهم السلام علي سبيل التقيّة وجده لايعري ممّا ذكرناه . ثم إنّ التقيّة إنّما تكون من العدوّ دون الولي‌ّ، و من المتّهم دون الموثوق به ،فما يصدر منهم إلي أوليائهم وشيعتهم ونصحائهم في غيرمجالس الخوف يرتفع الشكّ في أنّه علي غيرجهة التقيّة، و مايفتون به العدوّ أويمتحنون به في مجالس الجور يجوز أن يكون علي سبيل التقيّة كمايجوز أن يكون علي غيرها، ثم يقلب هذاالسؤال علي المخالف فيقال له إذاأجزت علي جميع الناس التقيّة عندالخوف الشديد و مايجري‌ مجراه ،فمن أين تعرف مذاهبهم واعتقادهم وكيف تفصل


صفحه : 402

بين مايفتي‌ به المفتي‌ منهم علي سبيل التقيّة و بين مايفتي‌ به و هومذهب له يعتقد بصحّته فلابدّ من الرجوع إلي ماذكرناه . فإن قال أعرف مذهب غيري‌ و إن أجزت عليه التقيّة بأن يضطرنّي‌ إلي اعتقاده ، و عندالتقيّة لا يكون ذلك .قلنا و ماالمانع لنا من أن نقول هذابعينه فيما سألت عنه ،فأمّا ماتلا كلامه ألذي حكيناه عنه من الكلام في التقيّة، و قوله إنّ ذلك يوجب أن لايوثق بنصّه علي أمير المؤمنين عليه السلام ،فإنّما بناه علي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله يجوز عليه التقيّة في كلّ حال ، و قدبيّنا ما في ذلك واستقصيناه . و قوله أ لاجاز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام نبيّا، وعدل عن ادّعاء ذلك تقيّة .. فيبطله ماذكرنا من أنّ التقيّة لايجوز علي النبيّ صلّي اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام فيما لايعلم إلّا من جهته ، ويبطله زائدا علي ذلك مانعلمه نحن و كلّ عاقل ضرورة من نفي‌ النبوّة بعده علي كلّ حال من دين الرسول صلّي اللّه عليه وآله . و قوله إن عوّلوا علي علم الاضطرار فعندهم أنّ الضرورة في النصّ علي الإمام قائمة،فمعاذ اللّه أن ندعّي‌ الضرورة في العلم بالنصّ علي من غاب عنه فلم يسمعه ، و ألذي نذهب إليه أنّ كل من لم يشهده لايعلمه إلّا باستدلال و ليس كذلك نفي‌ النبوّة،لأنّه معلوم من دينه صلّي اللّه عليه وآله ضرورة، و لو لم يشهد بالفرق بين الأمرين إلّا اختلاف العقلاء في النصّ مع تصديقهم بالرسول


صفحه : 403

صلّي اللّه عليه وآله وأنّهم لم يختلفوا في نفي‌ النبوّة لكفي ، و لااعتبار بقوله في ذلك خلاف ما قدذكر كماذكر في أنّه عليه السلام إله ،لأنّه هذاالخلاف لايعتدّ به ، والمخالف فيه خارج عن الإسلام فلايعتبر في إجماع المسلمين بقوله ، كما لايعتبر في إجماع المسلمين بقول من خالف في أنّه إله ، علي أنّ من خالف وادّعي نبوّته لا يكون مصدّقا للرسول صلّي اللّه عليه وآله و لاعالما بنبوّته، و لايدعّي‌ علم الاضطرار في أنّه لانبي‌ّ بعده وإنّما يعلم ضرورة من دينه صلّي اللّه عليه وآله نفي‌ النبوّة بعده من أقرّ بنبوّته.فأمّا قوله إنّ الإجماع لايوثق به عندهم ،فمعاذ اللّه أن نطعن في الإجماع وكونه حجّة، فإن أراد أنّ الإجماع ألذي لا يكون فيه قول إمام ليس بحجّة فذلك ليس بإجماع عندنا وعندهم ، و ما ليس بإجماع فلاحجّة فيه ، و قدتقدّم عندكلامنا في الإجماع من هذاالكتاب ما فيه كفاية. و قوله يجوز أنّ يقع الإجماع علي طريق التقيّة لا يكون أوكد من قول الرسول صلّي اللّه عليه وآله أوقول الإمام عليه السلام عندهم ،باطل ،لأنّا قدبيّنا أنّ التقيّة لاتجوز علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام علي كلّ حال ، وإنّما تجوز علي حال دون أخري ، علي أنّ القول بأنّ الأمّة بأسرها مجتمع


صفحه : 404

علي طريق التقيّة طريف ،لأنّ التقيّة سببها الخوف من الضرر العظيم ، وإنّما يتقّي‌ بعض الأمّة من بعض لغلبته عليه وقهره له ، وجميع الأمّة لاتقيّة عليها من أحد. فإن قيل يتقّي‌ من مخالفيها في الشرائع .قلنا الأمر بالضدّ من ذلك ،لأنّ من خالطهم وصاحبهم من مخالفيهم في الحال أقلّ عددا وأضعف بطشا منهم ،فالتقيّة لمخالفيهم منهم أولي ، و هذاأظهر من أن يحتاج فيه إلي الإطالة والاستقصاء.انتهي كلامه رفع اللّه مقامه .

ولنذكر بعض مايدلّ علي جواز التقيّة

لكثرة تشنيع المخالفين في ذلك علينا مع كثرة الدلائل القاطعة عليها.

فمنها

قوله تعالي مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعدِ إِيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَ قَلبُهُ مُطمَئِنّ بِالإِيمانِ.

ومنها

قوله تعالي لا يَتّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافِرِينَ أَولِياءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ وَ مَن يَفعَل ذلِكَ فَلَيسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيءٍ إِلّا أَن تَتّقُوا مِنهُم تُقاةً.

ومنها

الفَخرُ الراّزيِ‌ّ وَ غَيرُهُ مِنَ المُفَسّرِينَ عَنِ الحَسَنِ قَالَأَخَذَ مُسَيلَمَةُ الكَذّابُ رَجُلَينِ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا أَ تَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ قَالَ نَعَم. قَالَ أَ فَتَشهَدُ أنَيّ‌ رَسُولُ اللّهِ


صفحه : 405

قَالَ نَعَم، وَ كَانَ مُسَيلَمَةُ يَزعُمُ أَنّهُ رَسُولُ بنَيِ‌ حَنِيفَةَ، وَ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ رَسُولُ قُرَيشٍ،فَتَرَكَهُ، وَ دَعَا الآخَرَ فَقَالَ أَ تَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ قَالَ نَعَم نَعَم نَعَم قَالَ أَ فَتَشهَدُ أنَيّ‌ رَسُولُ اللّهِ قَالَ إنِيّ‌ أَصَمّ .. ثَلَاثاً.فَقَدّمَهُ وَ قَتَلَهُ،فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَ أَمّا هَذَا المَقتُولُ فَمَضَي عَلَي صِدقِهِ وَ يَقِينِهِ فَهَنِيئاً لَهُ، وَ أَمّا الآخَرُ فَقَبِلَ رُخصَةَ اللّهِ فَلَا تَبِعَةَ عَلَيهِ.

ومنها

مَا رَوَاهُ الخَاصّةُ وَ العَامّةُ أَنّ أُنَاساً مِن أَهلِ مَكّةَ فُتِنُوا فَارتَدّوا عَنِ الإِسلَامِ بَعدَ دُخُولِهِم فِيهِ، وَ كَانَ فِيهِم مَن أُكرِهَ فَأَجرَي كَلِمَةَ الكُفرِ عَلَي لِسَانِهِ مَعَ أَنّهُ كَانَ بِقَلبِهِ مُصِرّاً عَلَي الإِيمَانِ مِنهُم عَمّارٌ وَ أَبَوَاهُ يَاسِرٌ وَ سُمَيّةُ، وَ صُهَيبٌ وَ بِلَالٌ وَ خَبّابٌ وَ سَالِمٌ عُذّبُوا، وَ أَمّا سُمَيّةُ فَقَد رُبِطَت بَينَ بَعِيرَينِ وَ وُجِئَت فِي قُبُلِهَا بِحَربَةٍ، وَ قَالُوا إِنّكِ أَسلَمتِ مِن أَجلِ الرّجَالِ فَقُتِلَت، وَ قُتِلَ يَاسِرٌ، وَ هُمَا أَوّلُ قَتِيلَينِ فِي الإِسلَامِ، وَ أَمّا عَمّارٌ فَقَد أَعطَاهُم مَا أَرَادُوا بِلِسَانِهِ مُكرَهاً،فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ عَمّاراً كَفَرَ. فَقَالَ كَلّا، إِنّ عَمّاراً مُلِئَ إِيمَاناً مِن قَرنِهِ إِلَي قَدَمِهِ، وَ اختَلَطَ الإِيمَانُ بِلَحمِهِ وَ دَمِهِ،فَأَتَي عَمّارٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ يبَكيِ‌،فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَمسَحُ عَينَيهِ يَقُولُ مَا لَكَ إِن عَادُوا لَكَ فَعُد لَهُم بِمَا قُلتَ.


صفحه : 406

ومنها

خَبَرُ مَولَي الحضَرمَيِ‌ّ أَكرَهَهُ سَيّدُهُ فَكَفَرَ ثُمّ أَسلَمَ مَولَاهُ فَأَسلَمَ وَ حَسُنَ إِسلَامُهُمَا وَ هَاجَرَا.

و قال ابن عبدالبرّ في الإستيعاب في ترجمة عمّار إنّ نزول الآية فيهم ممّا أجمع أهل التفسير عليه . ويدل عليها أيضا مايدلّ علي نفي‌ الحرج نحو قوله تعالي ما جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدّينِ مِن حَرَجٍ ولزوم الحرج في مواضع التقيّة سيّما إذاانتهت الحال إلي القتل وهتك العرض واضح .

ويدلّ عليها عموم قوله تعالي

فَمَنِ اضطُرّ غَيرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثمَ عَلَيهِ. و قدفسّر مجاهد الاضطرار في آية الأنعام باضطرار الإكراه خاصّة. ويدلّ عليه قوله تعالي وَ لا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَي التّهلُكَةِ علي بعض


صفحه : 407

التفاسير. و لاخلاف في شرعيّتها مع الخوف علي النفس من الكفّار الغالبين .

و قال الشافعي‌ من العامّة بأنّ الحالة بين المسلمين إذاشاكلت الحال بين المسلمين والمشركين حلّت التقيّة،ذكر ذلك الفخر الرازي‌ في تفسير الآية الثانية، و قال التقيّة جائزة لصون النفس ، وهل هي‌ جائزة لصون المال ،يحتمل أن يحكم فيهابالجواز،

لِقَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ حُرمَةُ مَالِ المُسلِمِ كَحُرمَةِ دَمِهِ،

وَ لِقَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ سَلّمَ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

، ولأنّ الحاجة إلي المال شديدة، والماء إذابيع بالغبن سقط فرض الوضوء وجاز الاقتصار علي التيمّم دفعا لذلك القدر من نقصان المال ،فكيف لايجوز هاهنا.

و قال في تفسير الآية الأولي

اعلم أنّ للإكراه مراتب

أحدها أن يجب فعل المكره عليه

،مثل ما إذاأكرهه علي شرب الخمر وأكل الخنزير وأكل الميتة، فإذاأكرهه عليه بالسيف فهاهنا يجب الأكل ، و ذلك لأنّ صون الروح عن الفوات واجب و لاسبيل إليه في هذه الصورة إلّا بهذا الأكل ، و ليس في هذاالأكل ضرر علي حيوان و لاإهانة بحقّ اللّه،فوجب أن يجب ،لقوله تعالي وَ لا تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلَي التّهلُكَةِ.

المرتبة الثانية

أن يكون ذلك الفعل مباحا و لايصير واجبا، ومثاله ما إذا


صفحه : 408

أكرهه علي التلفظ بكلمة الكفر مباح له ذلك ولكنّه لايجب . قال وأجمعوا علي أنّه لايجب عليه التكلّم بكلمة الكفر، ويدلّ عليه وجوه أحدها إنّا روينا أنّ بلالا صبر علي ذلك العذاب و كان يقول أحد .. أحد، و لم يقل رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم بئسما صنعت ،بل عظّموه عليه ،فدلّ ذلك علي أنّه لايجب عليه التكلّم بكلمة الكفر. وثانيها ماروي‌ من قصّة المسيلمة،التي‌ سبق ذكرها، قال

المرتبة الثالثة

أنّه لايجب و لايباح بل يحرم ، و هذامثل ماأكرهه إنسان علي قتل إنسان آخر أو علي قطع عضو من أعضائه ،فهاهنا يبقي الفعل علي الحرمة الأصليّة انتهي . و لاخلاف ظاهرا في أنّه متي أمكن التخلّص من الكذب في صورة التقيّة بالتورية لم يجز ارتكاب الكذب ، واختلفوا فيما لوضيق المكره الأمر عليه وشرح له كلّ أقسام التعريضات وطلب منه أن يصرّح بأنّه ماأراد شيئا منها و لاأراد إلّا ذلك المعين ، و لم يتفطّن في تلك الحال بتورية يتخلّص منه فالخاصّة وأكثر


صفحه : 409

العامّة ذهبوا إلي جواز الكذب حينئذ. وحكي الفخر الرازي‌ عن القاضي‌ أنّه قال يجب حينئذ تعريض النفس للقتل ،لأنّ الكذب إنّما يقبح لكونه كذبا،فوجب أن يقبح علي كلّ حال ، و لوجاز أن يخرج من القبح لرعاية بعض المصالح لم يمتنع أن يفعل اللّه الكذب لرعاية بعض المصالح ، وحينئذ لايبقي وثوق بعهد اللّه و لابوعيده ،لاحتمال أنّه فعل ذلك الكذب لرعاية المصالح التي‌ لايعرفها إلّا اللّه تعالي . ويرد عليه أنّ الكذب و إن كان قبيحا إلّا أنّ جواز ارتكابه في محلّ النزاع لأنّه أقلّ القبيحين ، والتعريض للقتل لوسلّمنا عدم قبحه لذاته جاز أن يغلب المفسدة العرضيّة فيه علي الذاتيّة في الكذب ، ويلزمه تجويز تعريض نبي‌ّ من الأنبياء للقتل للتحرّز عن الكذب في درهم ، وبطلانه لايخفي علي أحد. و أمّا ماتمسّك به من تطرّق الكذب إلي وعد اللّه سبحانه ووعيده ،فيتوجّه عليه


صفحه : 410

أوّلا أنّ العقل يجزم ببطلان الاحتمال المذكور،لأنّ سبحانه هو ألذي بيده أزّمة الأمور، و هوالقادر ألذي لايضادّه في ملكه أحد، والعالم بالعواقب ، فلايجوز عليه نظم الأمور علي وجه لايمكن فيه رعاية المصلحة إلّا بالكذب . وثانيا أنّ ذلك باطل بالضرورة من الدين وإجماع المليّين لا من حيث عدم جواز الكذب لرعاية المصالح ، و هوواضح . ثم إنّ الشهيد رحمه اللّه عرّف التقيّة في قواعده بأنّها مجاملة الناس بما يعرفون وترك ماينكرون حذرا من غوائلهم ، قال وأشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام وموردها الطاعة والمعصية غالبا،فمجاملة الظالم فيما يعتقده ظلما والفاسق المتظاهر بفسقه اتّقاء شرّهما من باب المداهنة الجائزة و لاتكاد تسمّي تقيّة. وقسّمها بانقسام الأحكام الخمسة، وعدّ من الحرام التقيّة في قتل الغير، و قال التقيّة تبيح كلّ شيء حتّي إظهار كلمة الكفر و لوتركها حينئذ أثم ، أمّا في هذاالمقام ومقام التبريّ‌ من أهل البيت عليهم السلام فإنّه لايأثم بتركها،بل صبره إمّا مباح أومستحب ، وخصوصا إذا كان ممّن يقتدي به ،انتهي . وحكي الشيخ الطبرسي‌ رحمه اللّه في مجمع البيان عن الشيخ المفيد رضي‌


صفحه : 411

اللّه عنه أنّه قال التقيّة قدتجب أحيانا وتكون فرضا، وتجوز أحيانا من غيروجوب و يكون في وقت أفضل من تركها، و قد يكون تركها أفضل و إن كان فاعلها معذورا ومعفوّا عنه ،متفضّلا عليه بترك اللوم عليها. و قال الشيخ أبو جعفرالطوسي‌ رحمه اللّه ظاهر الروايات يدلّ علي أنّها واجبة عندالخوف علي النفس ، و قدروي رخصة في جواز الإفصاح بالحقّ عنده . و أنت إذاوقفت علي ماحكيناه ظهر لك أنّ القول بالتقيّة ليس من خصائص الخاصّة حتي يعيّروا به كمايوهمه كلام قاضي‌ القضاة والفخر الرازي‌ وغيرهما وأكثر أحكامها ممّا قال به جلّ العامّة أوطائفة منهم . ثم إنّ ماجعله قاضي‌ القضاة من مفاسد القول بجواز التقية علي الإمام أعني‌ لزوم جوازها علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله ممّا رووه في أخبارهم واتّفقوا علي صحّته.

روي البخاري‌ في صحيحه في باب فضل مكّة وبنيانها بأربعة أسانيد،

ومسلم في صحيحه ، ومالك في الموطأ، والترمذي‌ والنسائي‌ في صحيحيهما

، وذكرهما في جامع الأصول في فضل الأمكنة من حرف الفاء بألفاظ مختلفة.


صفحه : 412

منها و هو

لَفظُ البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٍ وَ المُوطَأِ وَ النسّاَئيِ‌ّ أَنّ عَبدَ اللّهِ بنَ مُحَمّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ أَخبَرَ عَن عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ عَن عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ قَالَ لَهَا أَ لَم ترَيَ‌ أَنّ قَومَكِ حِينَ بَنَوُا الكَعبَةَ اقتَصَرُوا عَلَي قَوَاعِدِ اِبرَاهِيمَ فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَ لَا تَرُدّهَا عَلَي قَوَاعِدِ اِبرَاهِيمَ قَالَ لَو لَا حِدثَانُ قَومِكِ بِالكُفرِ لَفَعَلتُ.

قال عبد اللّه لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم ماأري رسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] وسلّم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلّا أنّ البيت لم يتم علي قواعد ابراهيم . و

مِن لَفظِ البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٍ عَنِ الأَسوَدِ بنِ يَزِيدَ عَن عَائِشَةَ قَالَت سَأَلتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] عَنِ الجِدَارِ، أَ مِنَ البَيتِ هُوَ قَالَ نَعَم. قُلتُ فَمَا لَهُم لَم يُدخِلُوهُ فِي البَيتِ قَالَ إِنّ قَومَكِ قَصُرَت بِهِمُ النّفَقَةُ. قُلتُ فَمَا شَأنُ بَابِهِ مُرتَفِعاً قَالَ فَعَلَ ذَلِكِ قَومُكِ لِيُدخِلُوا مَن شَاءُوا وَ يَمنَعُوا مَن شَاءُوا، وَ لَو لَا أَنّ قَومَكِ حَدِيثُ عَهدِهِم بِالجَاهِلِيّةِ فَأَخَافُ أَن تُنكِرَ قُلُوبُهُم أَن أُدخِلَ الجِدَارَ فِي البَيتِ وَ أَن أُلصِقَ بَابَهُ بِالأَرضِ.

مِن لَفظِ البخُاَريِ‌ّ، عَن جَرِيرٍ، عَن يَزِيدَ بنِ رُومَانَ، عَن عُروَةَ، عَن عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] قَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ لَو لَا أَنّ قَومَكِ حَدِيثُ عَهدٍ بِالجَاهِلِيّةِ لَأَمَرتُ بِالبَيتِ فَهُدِمَ فَأَدخَلتُ فِيهِ مَا أُخرِجَ مِنهُ، وَ أَلزَقتُهُ بِالأَرضِ، وَ جَعَلتُ لَهُ بَابَينِ،بَاباً شَرقِيّاً وَ بَاباً غَربِيّاً،فَبَلَغتُ بِهِ أَسَاسَ اِبرَاهِيمَ فَذَلِكِ ألّذِي


صفحه : 413

حَمَلَ ابنَ الزّبَيرِ عَلَي هَدمِهِ. قَالَ يَزِيدُ وَ شَهِدتُ ابنَ الزّبَيرِ حِينَ هَدَمَهُ وَ بَنَاهُ وَ أَدخَلَ فِيهِ مِنَ الحَجَرِ، وَ قَد رَأَيتُ أَسَاسَ اِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السّلَامُ حِجَارَةً كَأَسنِمَةِ الإِبِلِ، قَالَ جَرِيرٌ فَقُلتُ لَهُ أَينَ مَوضِعُهُ قَالَ أُرِيكَهُ الآنَ،فَدَخَلتُ مَعَهُ الحِجرَ،فَأَشَارَ إِلَي مَكَانٍ فَقَالَ هَاهُنَا.فَخَرَرتُ مِنَ الحِجرِ سِتّةَ أَذرُعٍ أَو نَحوَهَا ..

وباقي‌ ألفاظ الروايات مذكورة في جامع الأصول . و لاريب في أنّ الظاهر أنّ تعليق الإمضاء بحدثان عهد القوم وقربه من الكفر والجاهليّة يستلزم خوفه صلّي اللّه عليه وآله في ارتدادهم وخروجهم عن الإسلام أن يعود بذلك ضرر علي نفسه صلّي اللّه عليه وآله أو إلي غيره ، ويتطرّق بذلك الوهن في الإسلام ، و ذلك هو ألذي جعله قاضي‌ القضاة مفزعا للشيعة عندلزوم الكلام . ثم إنّ هذه الروايات تدلّ دلالة ظاهرة علي أنّ إيمان القوم لم يكن ثابتا مستقرا، و إلّا لما كان الرسول صلّي اللّه عليه وآله خائفا وجلا من تغيير ماأسّسه أئمّة القوم في الجاهليّة والكفر، وإنّهم ممّن قال اللّه تعالي وَ مِنَ النّاسِ مَن يَعبُدُ اللّهَ عَلي حَرفٍ فَإِن أَصابَهُ خَيرٌ اطمَأَنّ بِهِ وَ إِن أَصابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلي وَجهِهِ خَسِرَ الدّنيا وَ الآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبِينُ.بل الظاهر من الكلام لمن أنصف وراجع الوجدان الصحيح أنّ القوم لم يكونوا مذعنين لرسالته صلّي اللّه عليه وآله إلّا بألسنتهم ، و إلّا لماخاف ارتدادهم لأمر لايعود بإبقائه إليهم نفع في آخرتهم ودنياهم ، وكانوا يحبّون بقاءه لكونه من قواعد الجاهليّة وأساس الكفر، و لاريب في أنّ توجيه الكلام إلي عائشة والتعبير عن القوم بلفظ يفيد نوعا من الاختصاص


صفحه : 414

بهايقتضي‌ كون الحكم أخصّ وأقرب إلي من كان أقرب إليها وأخصّ بها،لكونه متّبعا في القوم أوأشدّ عصبيّة منهم .. أونحو ذلك ، و ليس في القوم أقرب إلي عائشة من أبيها. فإن قيل تركه صلّي اللّه عليه وآله لهدم ماأسّسه القوم لم يكن لخوفه علي نفسه أوغيره حتي يدخل في التقيّة،بل هو من قبيل رعاية المصالح في تأليف قلوب القوم وميلهم إلي الإسلام ، و ذلك من قبيل أمره سبحانه بمشاورة القوم والرفق بهم في قوله فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنتَ لَهُم وَ لَو كُنتَ فَظّا غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَ استَغفِر لَهُم وَ شاوِرهُم فِي الأَمرِ.قلنا أوّلا هذابعيد من الظاهر،إذ الخوف من إنكار قلوب عامّة القوم كمايظهر من إضافة مايفيد مفاد الجمع لحدثان عهدهم بالجاهليّة والكفر مع الأمن من لحوق الضرر و لو إلي أحد من المسلمين ممّا لامعني له عندالرجوع إلي فطرة سليمة. وثانيا أنّه يجوز أن يكون المانع لأمير المؤمنين عليه السلام من نقض أحكامهم مثل ذلك ، و لم يكن أئمّة الكفر والجاهليّة في صدور قوم عائشة أمكن من أبي بكر وعمر في قلوب القوم الذين كانوا يبايعون أمير المؤمنين ( ع ) علي سيرتهما واقتفاء أثرهما، و إذا لم يكن ذلك من التقيّة بطل قول قاضي‌ القضاة، و ليس لهم بعد ذلك إلّا التعلّق بالتقيّة التي‌ هي‌ مفزعهم عندلزوم الكلام . وثالثا إذاجاز علي الرسول صلّي اللّه عليه وآله ترك الإنكار علي تغيير ماحرّم اللّه خوفا من هذاالنوع من الضعف في الإسلام ألذي يئول إلي خروج قوم منافقين أومتزلزلين في الإسلام عن الإسلام من غير أن يعود به ضرر إلي المسلمين و لا إلي نفسه صلّي اللّه عليه وآله ،فبالأولي أن يجوز لأمير المؤمنين إمضاء الباطل من أحكام القوم للخوف علي نفسه أوغيره من المسلمين ،لكون ذلك أضرّ في


صفحه : 415

الإسلام ، و كما لم تمنع العصمة في النبيّ صلّي اللّه عليه وآله عن تركه إنكار المنكر لم تمنع في أمير المؤمنين عليه السلام ، ويتوجه علي قول قاضي‌ القضاة جوّزوا مع ظهور المعجز أن يدعّي‌ الإمامة تقيّة .. أنّه إن كان المراد تجويز ظهور المعجز بعدادّعاء الإمامة مع كونه غيرنبي‌ّ و لاإمام فبطلانه واضح . و إن كان المراد تجويز ادّعاء الإمامة مع كونه نبيّا حتي يكون مابعده كالإعادة لهذا الكلام فيرد عليه أنّه إن كان ذلك الادّعاء علي وجه الكذب فامتناع ظهور المعجز علي طبقه واضح . و إن كان علي وجه التورية حتي يكون المراد من الإمامة النبوّة لكن لم يعرف ذلك أحد من الناس ، وكانوا معتقدين لإمامته متديّنين بها لابنبوّته فهو أيضا باطل ،إذ في ظهور المعجز مع تلك الدعوي إغراء للمكلّفين بالباطل ، و هوقبيح .


صفحه : 417

31- باب علّة قعوده عليه السلام عن قتال من تأمّر عليه من الأوّلين، وقيامه إلي قتال من بغي عليه من الناكثين والقاسطين والمارقين ، وعلّة إمهال اللّه من تقدّم عليه ، و فيه علّة قيام من قام من سائر الأئمّة وقعود من قعد منهم عليهم السلام .

ج روُيِ‌َ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ جَالِساً فِي بَعضِ مَجَالِسِهِ بَعدَ رُجُوعِهِ عَنِ النّهرَوَانِ فَجَرَي الكَلَامُ حَتّي قِيلَ لِمَ لَا حَارَبتَ أَبَا بَكرٍ وَ عُمَرَ كَمَا حَارَبتَ طَلحَةَ وَ الزّبَيرَ وَ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ إنِيّ‌ كُنتُ لَم أَزَل مَظلُوماً مُستَأثِراً عَلَي حقَيّ‌،فَقَامَ إِلَيهِ أَشعَثُ بنُ قَيسٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لِمَ لَم تَضرِب بِسَيفِكَ وَ تَطلُب بِحَقّكَ فَقَالَ يَا أَشعَثُ قَد قُلتَ قَولًا فَاسمَعِ الجَوَابَ وَ عِه وَ استَشعِرِ الحُجّةَ، إِنّ لِي أُسوَةً بِسِتّةٍ مِنَ الأَنبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم أَجمَعِينَ


صفحه : 418

أَوّلُهُم نُوحٌ عَلَيهِ السّلَامُ حَيثُ قَالَأنَيّ‌ مَغلُوبٌ فَانتَصِر، فَإِن قَالَ قَائِلٌ إِنّهُ قَالَ لِغَيرِ خَوفٍ فَقَد كَفَرَ، وَ إِلّا فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ ثَانِيهِم لُوطٌ عَلَيهِ السّلَامُ حَيثُ قَالَلَو أَنّ لِي بِكُم قُوّةً أَو آويِ‌ إِلي رُكنٍ شَدِيدٍ. فَإِن قَالَ قَائِلٌ إِنّهُ قَالَ هَذَا لِغَيرِ خَوفٍ فَقَد كَفَرَ، وَ إِلّا فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ ثَالِثُهُم اِبرَاهِيمُ خَلِيلُ اللّهِ حَيثُ قَالَوَ أَعتَزِلُكُم وَ ما تَدعُونَ مِن دُونِ اللّهِ. فَإِن قَالَ قَائِلٌ إِنّهُ قَالَ هَذَا لِغَيرِ خَوفٍ فَقَد كَفَرَ، وَ إِلّا فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ رَابِعُهُم مُوسَي عَلَيهِ السّلَامُ حَيثُ قَالَفَفَرَرتُ مِنكُم لَمّا خِفتُكُم. فَإِن قَالَ قَائِلٌ إِنّهُ قَالَ هَذَا لِغَيرِ خَوفٍ فَقَد كَفَرَ، وَ إِلّا فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ خَامِسُهُم أَخُوهُ هَارُونُ عَلَيهِ السّلَامُ حَيثُ قَالَابنَ أُمّ إِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ‌ وَ كادُوا يقَتلُوُننَيِ‌. فَإِن قَالَ قَائِلٌ إِنّهُ قَالَ هَذَا لِغَيرِ خَوفٍ فَقَد كَفَرَ، وَ إِلّا فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ سَادِسُهُم أخَيِ‌ مُحَمّدٌ سَيّدُ البَشَرِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَيثُ ذَهَبَ إِلَي الغَارِ وَ نوَمّنَيِ‌ عَلَي فِرَاشِهِ، فَإِن قَالَ قَائِلٌ إِنّهُ ذَهَبَ إِلَي الغَارِ لِغَيرِ خَوفٍ فَقَد كَفَرَ، وَ إِلّا فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ.فَقَامَ إِلَيهِ النّاسُ بِأَجمَعِهِم فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَد عَلِمنَا أَنّ القَولَ قَولُكَ وَ نَحنُ المُذنِبُونَ التّائِبُونَ، وَ قَد عَذَرَكَ اللّهُ.


صفحه : 419

ج عَن إِسحَاقَ بنِ مُوسَي، عَن أَبِيهِ مُوسَي بنِ جَعفَرٍ، عَن أَبِيهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن آبَائِهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَخَطَبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ خُطبَةً بِالكُوفَةِ فَلَمّا كَانَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ إنِيّ‌ لَأَولَي النّاسِ بِالنّاسِ وَ مَا زِلتُ مَظلُوماً مُنذُ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَقَامَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ لَعَنَهُ اللّهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَم تَخطُبنَا خُطبَةً مُنذُ قَدِمتَ العِرَاقَ إِلّا وَ قُلتَ وَ اللّهِ إنِيّ‌ لَأَولَي النّاسِ بِالنّاسِ، وَ مَا زِلتُ مَظلُوماً مُنذُ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ وَ لَمّا ولَيِ‌َ تَيمٌ وَ عدَيِ‌ّ،أَلّا ضَرَبتَ بِسَيفِكَ دُونَ ظُلَامَتِكَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيهِ يَا ابنَ الخَمّارَةِ قَد قُلتَ قَولًا فَاستَمِع، وَ اللّهِ مَا منَعَنَيِ‌ الجُبنُ وَ لَا كَرَاهِيَةُ المَوتِ، وَ لَا منَعَنَيِ‌ ذَلِكَ إِلّا عَهدُ أخَيِ‌ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،خبَرّنَيِ‌ وَ قَالَ يَا أَبَا الحَسَنِ إِنّ الأُمّةَ سَتَغدِرُ بِكَ وَ تَنقُضُ عهَديِ‌، وَ إِنّكَ منِيّ‌ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي.فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا تَعهَدُ إلِيَ‌ّ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَالَ إِن وَجَدتَ أَعوَاناً فَبَادِر إِلَيهِم وَ جَاهِدهُم، وَ إِن لَم تَجِد أَعوَاناً فَكُفّ يَدَكَ وَ احقِن دَمَكَ حَتّي تَلحَقَ بيِ‌ مَظلُوماً. فَلَمّا توُفُيّ‌َ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ اشتَغَلتُ بِدَفنِهِ وَ الفَرَاغِ مِن شَأنِهِ، ثُمّ آلَيتُ يَمِيناً أنَيّ‌ لَا أرَتدَيِ‌ إِلّا لِلصّلَاةِ حَتّي أَجمَعَ القُرآنَ،فَفَعَلتُ، ثُمّ أَخَذتُ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَ ابنيَ‌ّ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ ثُمّ دُرتُ عَلَي أَهلِ بَدرٍ وَ أَهلِ السّابِقَةِ فَنَاشَدتُهُم حقَيّ‌ وَ دَعَوتُهُم إِلَي نصَريِ‌،فَمَا أجَاَبنَيِ‌


صفحه : 420

مِنهُم إِلّا أَربَعَةُ رَهطٍ سَلمَانُ وَ عَمّارٌ وَ المِقدَادُ وَ أَبُو ذَرّ، وَ ذَهَبَ مَن كُنتُ أَعتَضِدُ بِهِم عَلَي دِينِ اللّهِ مِن أَهلِ بيَتيِ‌، وَ بَقِيتُ بَينَ خَفِيرَتَينِ قرَيِبيَ‌ِ العَهدِ بِجَاهِلِيّةٍ عَقِيلٍ وَ العَبّاسِ. فَقَالَ لَهُ الأَشعَثُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ كَذَلِكَ كَانَ عُثمَانُ لَمّا لَم يَجِد أَعوَاناً كَفّ يَدَهُ حَتّي قُتِلَ مَظلُوماً. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ يَا ابنَ الخَمّارَةِ لَيسَ كَمَا قِستَ، إِنّ عُثمَانَ لَمّا جَلَسَ جَلَسَ فِي غَيرِ مَجلِسِهِ، وَ ارتَدَي بِغَيرِ رِدَائِهِ، وَ صَارَعَ الحَقّ فَصَرَعَهُ الحَقّ، وَ ألّذِي بَعَثَ مُحَمّداً بِالحَقّ لَو وَجَدتُ يَومَ بُويِعَ أَخُو تَيمٍ أَربَعِينَ رَهطاً لَجَاهَدتُهُم فِي اللّهِ إِلَي أَن أبُليِ‌َ عذُريِ‌. ثُمّ أَيّهَا النّاسُ إِنّ الأَشعَثَ لَا يَزِنُ عِندَ اللّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَ إِنّهُ أَقَلّ فِي دِينِ اللّهِ مِن عَفطَةِ عَنزٍ.

إيضاح

قوله عليه السلام بين خفيرتين بالخاء المعجمة والراء المهملة أي طليقين معاهدين أخذا في الحرب وحقن دمهما بالأمان والفداء، أوناقضين للعهد، قال في القاموس الخفير المجار والمجير .. وخفره أخذ منه جعلا ليجيره ، و به خفرا وخفورا نقض عهده وغدركه كأخفره ، و في بعض النسخ بالحاء المهملة والزاي‌ المعجمة من قولهم حفزه .. أي دفعه من خلفه ، وبالرّمح طعنه ، و عن الأمر أعجله وأزعجه ،قاله الفيروزآبادي‌. و قال أبلاه عذرا أدّاه إليه فقبله .


صفحه : 421

وعفطة العنز ضرطته .

ج روُيِ‌َ عَن أُمّ سَلَمَةَ زَوجَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهَا قَالَتكُنّا عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تِسعَ نِسوَةٍ، وَ كَانَت ليَلتَيِ‌ وَ يوَميِ‌ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَأَتَيتُ البَابَ فَقُلتُ أَدخُلُ يَا رَسُولَ اللّهِ(ص ) فَقَالَ لَا.قَالَت فَكَبَوتُ كَبوَةً شَدِيدَةً مَخَافَةَ أَن يَكُونَ ردَنّيِ‌ مِن سَخَطِهِ، أَو نَزَلَ فِيّ شَيءٌ مِنَ السّمَاءِ، ثُمّ لَم أَلبَث أَن أَتَيتُ البَابَ ثَانِيَةً فَقُلتُ أَدخُلُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ لَا.قَالَت فَكَبَوتُ كَبوَةً أَشَدّ مِنَ الأُولَي، ثُمّ لَم أَلبَث حَتّي أَتَيتُ البَابَ ثَالِثَةً فَقُلتُ أَدخُلُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ ادخلُيِ‌ يَا أُمّ سَلَمَةَ،فَدَخَلتُ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ جَاثٍ بَينَ يَدَيهِ، وَ هُوَ يَقُولُ فِدَاكَ أَبِي وَ أمُيّ‌ يَا رَسُولَ اللّهِ إِذَا كَانَ .. كَذَا وَ كَذَا فَمَا تأَمرُنُيِ‌ قَالَ آمُرُكَ بِالصّبرِ .. ثُمّ أَعَادَ عَلَيهِ القَولَ ثَانِيَةً فَأَمَرَهُ بِالصّبرِ .. ثُمّ أَعَادَ عَلَيهِ القَولَ ثَالِثَةً، فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيّ يَا أخَيِ‌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنهُم فَسُلّ سَيفَكَ وَ ضَعهُ عَلَي عَاتِقِكَ وَ اضرِب قَدَماً قَدَماً حَتّي تلَقاَنيِ‌ وَ سَيفُكَ شَاهِرٌ يَقطُرُ مِن دِمَائِهِم، ثُمّ التَفَتَ إلِيَ‌ّ وَ قَالَ مَا هَذِهِ الكَآبَةُ يَا أُمّ سَلَمَةَ قُلتُ للِذّيِ‌ كَانَ مِن رَدّكَ إيِاّي‌َ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ لِي وَ اللّهِ مَا رَدَدتُكِ إِلّا لشِيَ‌ءٍ خير[خُبّرتُ] مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ لَكِن أتَيَتنِيِ‌ وَ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ يخُبرِنُيِ‌ بِالأَحدَاثِ التّيِ‌ تَكُونُ بعَديِ‌، وَ أمَرَنَيِ‌ أَن أوُصيِ‌َ بِذَلِكَ عَلِيّاً( ع )، يَا أُمّ سَلَمَةَ اسمعَيِ‌ وَ اشهدَيِ‌ هَذَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ( ع )وزَيِريِ‌ فِي الدّنيَا وَ وزَيِريِ‌ فِي الآخِرَةِ، يَا أُمّ سَلَمَةَ اسمعَيِ‌ وَ اشهدَيِ‌ هَذَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ( ع )وصَيِيّ‌ وَ خلَيِفتَيِ‌ مِن بعَديِ‌ وَ قاَضيِ‌ عدِاَتيِ‌


صفحه : 422

وَ الذّائِدُ عَن حوَضيِ‌،اسمعَيِ‌ وَ اشهدَيِ‌ هَذَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ سَيّدُ المُسلِمِينَ وَ إِمَامُ المُتّقِينَ وَ قَائِدُ الغُرّ المُحَجّلِينَ، وَ قَاتِلُ النّاكِثِينَ وَ القَاسِطِينَ وَ المَارِقِينَ. قُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَنِ النّاكِثُونَ قَالَ الّذِينَ يُبَايِعُونَهُ بِالمَدِينَةِ وَ يُقَاتِلُونَهُ بِالبَصرَةِ. قُلتُ مَنِ القَاسِطُونَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَ أَصحَابُهُ مِن أَهلِ الشّامِ. قُلتُ مَنِ المَارِقُونَ قَالَ أَصحَابُ النّهرَوَانَ.

لي ابنُ الوَلِيدِ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ الصيّرفَيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ سِنَانٍ، عَنِ المُفَضّلِ، عَنِ الصّادِقِ، عَن آبَائِهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ مِثلَهُ.

ماالغضَاَئرِيِ‌ّ، عَنِ الصّدُوقِ مِثلَهُ.

بيان كبا كبوا انكبّ علي وجهه ، ويقال مضي قدما بضمتين أي لم يعرج و لم ينثن .

ج روُيِ‌َ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ فِي أَثنَاءِ خُطبَةٍ خَطَبَهَا بَعدَ فَتحِ البَصرَةِ بِأَيّامٍ حَاكِياً عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَولَهُ يَا عَلِيّ إِنّكَ بَاقٍ بعَديِ‌ وَ مُبتَلًي بأِمُتّيِ‌، وَ مُخَاصِمٌ بَينَ يدَيَ‌ِ اللّهِ،فَأَعِدّ لِلخُصُومِ جَوَاباً.فَقُلتُ بأِبَيِ‌ أَنتَ وَ أمُيّ‌ بَيّن لِي مَا هَذِهِ الفِتنَةُ التّيِ‌ أُبتَلَي بِهَا وَ عَلَي مَا أُجَاهِدُ بَعدَكَ فَقَالَ لِي


صفحه : 423

إِنّكَ سَتُقَاتِلُ بعَديِ‌ النّاكِثَةَ وَ القَاسِطَةَ وَ المَارِقَةَ .. وَ حَلّاهُم وَ سَمّاهُم رَجُلًا رَجلًا، وَ تُجَاهِدُ مِن أمُتّيِ‌ كُلّ مَن خَالَفَ القُرآنَ وَ سنُتّيِ‌ مِمّن يَعمَلُ فِي الدّينِ باِلرأّي‌ِ، فَلَا رأَي‌َ فِي الدّينِ،إِنّمَا هُوَ أَمرُ الرّبّ وَ نَهيُهُ.فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ فأَرَشدِنيِ‌ إِلَي الفَلَجِ عِندَ الخُصُومَةِ يَومَ القِيَامَةِ. فَقَالَ نَعَم، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاقتَصِر عَلَي الهُدَي إِذَا قَومُكَ عَطَفُوا الهُدَي عَلَي الهَوَي، وَ عَطَفُوا القُرآنَ عَلَي الرأّي‌ِ فَيَتَأَوّلُوهُ بِرَأيِهِم بِتَتَبّعِ الحُجَجِ مِنَ القُرآنِ بِمُشتَبِهَاتِ الأَشيَاءِ الطّارِئَةِ عِندَ الطّمَأنِينَةِ إِلَي الدّنيَا،فَاعطِف أَنتَ الرأّي‌َ عَلَي القُرآنِ إِذَا قَومُكَ حَرّفُوا الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ عِندَ الأَهوَاءِ النّاهِيَةِ وَ الآرَاءِ الطّامِحَةِ، وَ القَادَةِ النّاكِثَةِ، وَ الفِرقَةِ القَاسِطَةِ، وَ الأُخرَي المَارِقَةِ أَهلِ الإِفكِ المرُديِ‌، وَ الهَوَي المطُغيِ‌، وَ الشّبهَةِ الحَالِقَةِ، فَلَا تَنكُلَنّ عَن فَضلِ العَاقِبَةِ، فَإِنّ العَاقِبَةَ لِلمُتّقِينَ.

ج عَنِ ابنِ عَبّاسٍ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ قَالَ لَمّا نَزَلَتيا أَيّهَا النّبِيّ جاهِدِ الكُفّارَ وَ المُنافِقِينَ... قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَأُجَاهِدَنّ العَمَالِقَةَ يعَنيِ‌ الكُفّارَ وَ المُنَافِقِينَ فَأَتَاهُ جَبرَئِيلُ فَقَالَ أَنتَ أَو عَلِيّ.


صفحه : 424

ج رَوَي جَابِرُ بنُ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِ‌ّ قَالَ إنِيّ‌ كُنتُ لَأَدنَاهُم مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ فِي حَجّةِ الوَدَاعِ بِمِنًي فَقَالَ لأعرفتكم [لَأَعرِفَنّكُم]تَرجِعُونَ بعَديِ‌ كُفّاراً يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ، وَ ايمُ اللّهِ لَو فَعَلتُمُوهَا لتَعَرفِنُيّ‌ فِي الكَتِيبَةِ التّيِ‌ تُضَارِبُكُم، ثُمّ التَفَتَ إِلَي خَلفِهِ فَقَالَ أَو عَلِيّاً .. ثَلَاثاً،فَرَأَينَا أَنّ جَبرَئِيلَ عَلَيهِ السّلَامُ غَمَزَهُ،فَأَنزَلَ اللّهُ تَعَالَيفَإِمّا نَذهَبَنّ بِكَ فَإِنّا مِنهُم مُنتَقِمُونَبعِلَيِ‌ّأَو نُرِيَنّكَ ألّذِي وَعَدناهُم فَإِنّا عَلَيهِم مُقتَدِرُونَ.

بيان

لعلّه صلّي اللّه عليه وآله لمّا أخبر بما نزل عليه من أنّه يقاتل المنافقين المرتدّين بعده ،نزل جبرئيل عليه السلام فأخبره بالبداء فيه ، و أنّه إنّما يقاتلهم عليّ عليه السلام ، فقال أوعليّا .. أي أولتعرفنّ عليّا عليه السلام تبهيما عليهم ، أوكلمة( أو)بمعني بل .

ج عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ كَانَ يَقُولُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ إِنّ اللّهَ تَعَالَي يَقُولُوَ ما مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرّسُلُ أَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلي أَعقابِكُم وَ اللّهِ لَا نَنقَلِبُ عَلَي أَعقَابِنَا بَعدَ إِذ هَدَانَا اللّهُ، وَ اللّهِ لَئِن مَاتَ أَو قُتِلَ لَأُقَاتِلَنّ عَلَي مَا قَاتَلَ عَلَيهِ حَتّي أَمُوتَ،لأِنَيّ‌ أَخُوهُ وَ ابنُ عَمّهِ وَ وَارِثُهُ،فَمَن أَحَقّ بِهِ منِيّ‌.


صفحه : 425

ج عَن أَحمَدَ بنِ هَمّامٍ قَالَأَتَيتُ عُبَادَةَ بنَ الصّامِتِ فِي وِلَايَةِ أَبِي بَكرٍ فَقُلتُ يَا أَبَا عُمَارَةَ كَانَ النّاسُ عَلَي تَفضِيلِ أَبِي بَكرٍ قَبلَ أَن يَستَخلِفَ فَقَالَ يَا أَبَا ثَعلَبَةَ إِذَا سَكَتنَا عَنكُم فَاسكُتُوا وَ لَا تَبحَثُوا،فَوَ اللّهِ لعَلَيِ‌ّ بنُ أَبِي طَالِبٍ كَانَ أَحَقّ بِالخِلَافَةِ مِن أَبِي بَكرٍ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَحَقّ بِالنّبُوّةِ مِن أَبِي جَهلٍ قَالَ وَ أَزِيدُكَ إِنّا كُنّا ذَاتَ يَومٍ عِندَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَجَاءَ عَلِيّ( ع ) وَ أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ إِلَي بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَدَخَلَ أَبُو بَكرٍ ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ ثُمّ دَخَلَ عَلِيّ( ع ) عَلَي إِثرِهِمَا فَكَأَنّمَا سفُيِ‌َ عَلَي وَجهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الرّمَادُ، ثُمّ قَالَ يَا عَلِيّ أَ يَتَقَدّمَانِكَ هَذَانِ وَ قَد أَمّرَكَ اللّهُ عَلَيهِمَا قَالَ أَبُو بَكرٍ نَسِيتُ يَا رَسُولَ اللّهِ، وَ قَالَ عُمَرُ سَهَوتُ يَا رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا نَسِيتُمَا وَ لَا سَهَوتُمَا، وَ كأَنَيّ‌ بِكُمَا قَدِ استَلَبتُمَا مُلكَهُ وَ تَحَارَبتُمَا عَلَيهِ، وَ أَعَانَكُمَا عَلَي ذَلِكَ أَعدَاءُ اللّهِ وَ أَعدَاءُ رَسُولِهِ، وَ كأَنَيّ‌ بِكُمَا قَد تَرَكتُمَا المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارَ بَعضُهُم يَضرِبُ وُجُوهَ بَعضٍ بِالسّيفِ عَلَي الدّنيَا، وَ لكَأَنَيّ‌ بِأَهلِ بيَتيِ‌ وَ هُمُ المَقهُورُونَ المُتَشَتّتُونَ فِي أَقطَارِهَا، وَ ذَلِكَ لِأَمرٍ قَد قضُيِ‌َ .. ثُمّ بَكَي رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَتّي سَالَت دُمُوعُهُ، ثُمّ قَالَ يَا عَلِيّ الصّبرَ .. الصّبرَ .. حَتّي يَنزِلَ الأَمرُ وَ لَا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ العلَيِ‌ّ العَظِيمِ، فَإِنّ لَكَ مِنَ الأَجرِ فِي كُلّ يَومٍ مَا لَا يُحصِيهِ كَاتِبَاكَ، فَإِذَا أَمكَنَكَ الأَمرُ فَالسّيفَ السّيفَ ..


صفحه : 426

فَالقَتلَ القَتلَ حَتّي يَفِيئُوا إِلَي أَمرِ اللّهِ وَ أَمرِ رَسُولِهِ،فَإِنّكَ عَلَي الحَقّ وَ مَن نَاوَاكَ عَلَي البَاطِلِ، وَ كَذَلِكَ ذُرّيّتُكَ مِن بَعدِكَ إِلَي يَومِ القِيَامَةِ.

توضيح سفت الرّيح التّراب تسفيه سفيا .. أي أذرته .

فس جَاءَ رَجُلٌ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَ الجَمَلِ فَقَالَ يَا عَلِيّ عَلَي مَا تُقَاتِلُ أَصحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مَن شَهِدَ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللّهِ أَبَاحَت لِي قِتَالَهُم. فَقَالَ وَ مَا هيِ‌َ قَالَ قَولُهُتِلكَ الرّسُلُ فَضّلنا بَعضَهُم عَلي بَعضٍ مِنهُم مَن كَلّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعضَهُم دَرَجاتٍ وَ آتَينا عِيسَي ابنَ مَريَمَ البَيّناتِ وَ أَيّدناهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَ لَو شاءَ اللّهُ مَا اقتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيّناتُ وَ لكِنِ اختَلَفُوا فَمِنهُم مَن آمَنَ وَ مِنهُم مَن كَفَرَ وَ لَو شاءَ اللّهُ مَا اقتَتَلُوا وَ لكِنّ اللّهَ يَفعَلُ ما يُرِيدُ، فَقَالَ الرّجُلُ كَفَرَ وَ اللّهِ القَومُ.

فس الحُسَينُ بنُ مُحَمّدٍ، عَنِ المُعَلّي، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ، عَن يَعقُوبَ بنِ يَزِيدَ، عَن سُلَيمَانَ الكَاتِبِ، عَن بَعضِ أَصحَابِهِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فِي قَولِهِيا أَيّهَا النّبِيّ جاهِدِ الكُفّارَ وَ المُنافِقِينَ قَالَ هَكَذَا نَزَلَت،فَجَاهَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ الكُفّارَ وَ جَاهَدَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ المُنَافِقِينَ،فَجَاهَدَ عَلِيّ( ع )جِهَادَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.

تبيين

أقول قدأشكل علي المفسّرين ماورد في الآية من الأمر بجهاد


صفحه : 427

المنافقين . قال في مجمع البيان اختلفوا في كيفيّة جهاد المنافقين .فقيل إنّ جهادهم باللسان والوعظ. وقيل جهادهم بإقامة الحدود عليهم ، و كان مايصيبهم من الحدود أكثر. وقيل بالأنواع الثلاثة بحسب الإمكان باليد ثم اللسان ثم القلب .

وَ روُيِ‌َ فِي قِرَاءَةِ أَهلِ البَيتِ عَلَيهِمُ السّلَامُ جَاهِدِ الكُفّارَ بِالمُنَافِقِينَ

،قالوا لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لم يكن يقاتل المنافقين وإنّما كان يتألّفهم.انتهي . و هذه الآية كرّرت في القرآن في الموضعين إحداهما في التوبة، والأخري في التحريم . و قال علي بن ابراهيم في الأولي إنّما نزلت بِالمُنَافِقِينَ لأنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لم يجاهد المنافقين بالسيف ، ثم

رَوَي عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَن أَبِي بَصِيرٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ جاهِدِ الكُفّارَ وَ المُنافِقِينَبِإِلزَامِ الفَرَائِضِ.

وروي في الثانية هذه الرواية و قوله عليه السلام هكذا نزلت .. يدلّ علي عدم صحّة القراءة الشاذّة، ويمكن الجمع بأنّ إحدي الآيتين كانت بالباء والأخري بدونها، و في توزيع عليّ بن ابراهيم رحمه اللّه النقل إشعار بذلك ، و فيه


صفحه : 428

فائدة أخري وهي‌ عدم تكرار الآية بعينها.

فس أَحمَدُ بنُ عَلِيّ، عَنِ الحُسَينِ بنِ عَبدِ اللّهِ السعّديِ‌ّ، عَنِ الخَشّابِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الحُسَينِ، عَن بَعضِ أَصحَابِهِ، عَن فُلَانٍ الكرَخيِ‌ّ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَ لَم يَكُن عَلِيّ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ قَوِيّاً فِي أَمرِ اللّهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ بَلَي. قَالَ فَمَا مَنَعَهُ أَن يَدفَعَ أَو يَمتَنِعَ قَالَ قَد سَأَلتَ فَافهَمِ الجَوَابَ مَنَعَ عَلِيّاً مِن ذَلِكَ آيَةٌ مِن كِتَابِ اللّهِ. فَقَالَ وَ أَيّ آيَةٍ قَالَ فَقَرَأَلَو تَزَيّلُوا لَعَذّبنَا الّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذاباً أَلِيماً،إِنّهُ كَانَ لِلّهِ وَدَائِعُ مُؤمِنُونَ فِي أَصلَابِ قَومٍ كَافِرِينَ وَ مُنَافِقِينَ،فَلَم يَكُن عَلِيّ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ لِيَقتُلَ الآبَاءَ حَتّي يَخرُجَ الوَدَائِعُ، فَلَمّا خَرَجَت ظَهَرَ عَلَي مَن ظَهَرَ وَ قَتَلَهُ، وَ كَذَلِكَ قَائِمُنَا أَهلَ البَيتِ لَن يَظهَر أَبَداً حَتّي يَخرُجَ وَدَائِعُ اللّهِ فَإِذَا خَرَجَت يَظهَرُ عَلَي مَن يَظهَرُ فَيَقتُلُهُ.

تبيان

هذاالتأويل الجليل لم يذكره المفسّرون، وقالوا أراد أنّه لوتميّز المؤمنون المستضعفون بمكّة من الكافرين لعذّبنا الذين كفروا منهم بالسيف والقتل بأيديكم ، و ماورد في الخبر أنسب من جهة لفظ التنزيل المشتمل علي المبالغة المناسبة لإخراج ما في الأصلاب ،فتأمّل.

فس أَبِي، عَن مُحَمّدِ بنِ الفُضَيلِ، عَن أَبِي الحَسَنِ( ع ) قَالَجَاءَ العَبّاسُ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ فَقَالَ انطَلِق نُبَايِع لَكَ النّاسَ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَ تَرَاهُم فَاعِلِينَ قَالَ نَعَم. قَالَ فَأَينَ قَولُ اللّهِ


صفحه : 429

تَعَالَيالم أَ حَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنّا وَ هُم لا يُفتَنُونَ وَ لَقَد فَتَنّا الّذِينَ مِن قَبلِهِم أَيِ اختَبَرنَاهُمفَلَيَعلَمَنّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعلَمَنّ الكاذِبِينَ.

فس . قَولُهُ تَعَالَيوَ إِن نَكَثُوا أَيمانَهُم... الآيَةَ فَإِنّهَا نَزَلَت فِي أَصحَابِ الجَمَلِ، وَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَ الجَمَلِ وَ اللّهِ مَا قَاتَلتُ هَذِهِ الفِئَةَ النّاكِثَةَ إِلّا بِآيَةٍ مِن كِتَابِ اللّهِ، يَقُولُ اللّهُوَ إِن نَكَثُوا أَيمانَهُم مِن بَعدِ عَهدِهِم وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُم فَقاتِلُوا أَئِمّةَ الكُفرِ إِنّهُم لا أَيمانَ لَهُم لَعَلّهُم يَنتَهُونَ.

وَ قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الخُطبَةِ الزّهرَاءِ وَ اللّهِ لَقَد عَهِدَ إلِيَ‌ّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ غَيرَ مَرّةٍ وَ لَا ثِنتَينِ وَ لَا ثَلَاثٍ وَ لَا أَربَعٍ، فَقَالَ يَا عَلِيّ إِنّكَ سَتُقَاتِلُ مِن بعَديِ‌ النّاكِثِينَ وَ المَارِقِينَ وَ القَاسِطِينَ، أَ فَأُضِيعُ مَا أمَرَنَيِ‌ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَكفُرُ بَعدَ إسِلاَميِ‌.

بيان

قَالَ فِي مَجمَعِ البَيَانِ قَالَ ابنُ عَبّاسٍ أَرَادَ بِأَئِمّةِ الكُفرِ رُؤَسَاءَ قُرَيشٍ مِثلَ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ وَ أَبِي سُفيَانَ بنِ حَربٍ وَ عِكرِمَةَ بنِ أَبِي جَهلٍ وَ سَائِرَ رُؤَسَاءِ قُرَيشٍ الّذِينَ نَقَضُوا العَهدَ، وَ كَانَ حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ يَقُولُ لَم يَأتِ أَهلُ هَذِهِ الآيَةِ بَعدُ. وَ قَالَ مُجَاهِدٌ هُم أَهلُ فَارِسَ وَ الرّومِ، وَ قَرَأَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ هَذِهِ الآيَةَ يَومَ البَصرَةِ، ثُمّ قَالَ أَمَا وَ اللّهِ لَقَد عَهِدَ إلِيَ‌ّ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ يَا عَلِيّ سَتُقَاتِلَنّ الفِئَةَ النّاكِثَةَ وَ الفِئَةَ البَاغِيَةَ وَ الفِئَةَ المَارِقَةَ.

ماالمُفِيدُ، عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ الكَاتِبِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ


صفحه : 430

الزعّفرَاَنيِ‌ّ، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ مُحَمّدٍ الثقّفَيِ‌ّ، عَنِ المسَعوُديِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ كَثِيرٍ، عَن يَحيَي بنِ حَمّادٍ القَطّانِ، عَن أَبِي مُحَمّدٍ الحضَرمَيِ‌ّ، عَن أَبِي عَلِيّ الهمَداَنيِ‌ّ أَنّ عَبدَ الرّحمَنِ بنَ أَبِي لَيلَي قَامَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ‌ سَائِلُكَ لِآخُذَ عَنكَ، وَ قَدِ انتَظَرنَا أَن تَقُولَ مِن أَمرِكَ شَيئاً فَلَم تَقُلهُ، أَ لَا تُحَدّثُنَا عَن أَمرِكَ هَذَا كَانَ بِعَهدٍ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَو شَيءٍ رَأَيتَهُ فَإِنّا قَد أَكثَرنَا فِيكَ الأَقَاوِيلَ، وَ أَوثَقَهُ عِندَنَا مَا نَقَلنَاهُ عَنكَ وَ سَمِعنَاهُ مِن فِيكَ،إِنّا كُنّا نَقُولُ لَو رَجَعَت إِلَيكُم بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يُنَازِعكُم فِيهَا أَحَدٌ، وَ اللّهِ مَا أدَريِ‌ إِذَا سُئِلتُ مَا أَقُولُ، أَ أَزعُمُ أَنّ القَومَ كَانُوا أَولَي بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنكَ فَإِن قُلتَ ذَلِكَ،فَعَلَامَ نَصَبَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَعدَ حَجّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ مَن كُنتُ مَولَاهُ فعَلَيِ‌ّ مَولَاهُ وَ إِن كُنتَ أَولَي مِنهُم بِمَا كَانُوا فِيهِ فَعَلَامَ تَتَوَلّاهُم. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا عَبدَ الرّحمَنِ إِنّ اللّهَ تَعَالَي قَبَضَ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا يَومَ قَبَضَهُ أَولَي بِالنّاسِ منِيّ‌ بقِمَيِصيِ‌ هَذَا، وَ قَد كَانَ مِن نبَيِ‌ّ اللّهِ إلِيَ‌ّ عَهدٌ لَو خزَمَتمُوُنيِ‌ بأِنَفيِ‌ لَأَقرَرتُ سَمعاً لِلّهِ وَ طَاعَةً، وَ إِنّا أَوّلُ مَا انتَقَصنَا بَعدَهُ إِبطَالَ حَقّنَا فِي الخُمُسِ، فَلَمّا دَقّ أَمرُنَا طَمِعَت رُعيَانُ قُرَيشٍ فِينَا وَ قَد كَانَ لِي عَلَي النّاسِ حَقّ لَو رَدّوهُ إلِيَ‌ّ عَفواً قَبِلتُهُ وَ قُمتُ بِهِ، وَ كَانَ إِلَي أَجَلٍ مَعلُومٍ، وَ كُنتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَي النّاسِ حَقّ إِلَي أَجَلٍ، فَإِن عَجّلُوا لَهُ مَالَهُ أَخَذَهُ وَ حَمِدَهُم عَلَيهِ، وَ إِن أَخّرُوهُ أَخَذَهُ غَيرَ مَحمُودِينَ، وَ كُنتُ كَرَجُلٍ يَأخُذُ السّهُولَةَ وَ هُوَ


صفحه : 431

عِندَ النّاسِ مَحزُونٌ، وَ إِنّمَا يُعرَفُ الهُدَي بِقِلّةِ مَن يَأخُذُهُ مِنَ النّاسِ، فَإِذَا سَكَتَ فاَعفوُنيِ‌ فَإِنّهُ لَو جَاءَ أَمرٌ تَحتَاجُونَ فِيهِ إِلَي الجَوَابِ أَجَبتُكُم،فَكُفّوا عنَيّ‌ مَا كَفَفتُ عَنكُم. فَقَالَ عَبدُ الرّحمَنِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَأَنتَ لَعَمرُكَ كَمَا قَالَ الأَوّلُ


لعَمَريِ‌ لَقَد أَيقَظتَ مَن كَانَ نَائِماً   وَ أَسمَعتَ مَن كَانَت لَهُ أُذُنَانِ
توضيح

قوله خزمتموني‌ بالمعجمتين من خزم البعير إذاجعل في جانب منخره الخزامة، أوبإهمال الراء من خرمه أي شقّ وترة أنفه والرعيان بالضّم و قديكسر جمع الراّعي‌ ويقال أعطيته عفوا .. أي بغير مسألة. قوله و هو عند الناس محزون .،لعلّ الأصوب حرون و هوالشّاة السّيّئة الخلق . و لمّا لم يمكنه عليه السلام في هذاالوقت التصريح بجوز الغاصبين أفهم السائل بالكناية التي‌ هي‌ أبلغ .


صفحه : 432

ماالمُفِيدُ، عَنِ المُظَفّرِ بنِ مُحَمّدٍ البلَخيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ بنِ أَبِي الثّلجِ، عَن عِيسَي بنِ مِهرَانَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ الحُسَينِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبدِ الكَرِيمِ، عَن جَعفَرِ بنِ زِيَادٍ الأَحمَرِ، عَن عَبدِ الرّحمَنِ بنِ جُندَبٍ، عَن أَبِيهِ جُندَبِ بنِ عَبدِ اللّهِ قَالَدَخَلتُ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد بُويِعَ لِعُثمَانَ بنِ عَفّانَ فَوَجَدتُهُ مُطرِقاً كَئِيباً،فَقُلتُ لَهُ مَا أَصَابَكَ جُعِلتُ فِدَاكَ مِن قَومِكَ. فَقَالَ صَبرٌ جَمِيلٌ.فَقُلتُ سُبحَانَ اللّهِ وَ اللّهِ إِنّكَ لَصَبُورٌ. قَالَ فَأَصنَعُ مَا ذَا. قُلتُ تَقُومُ فِي النّاسِ وَ تَدعُوهُم إِلَي نَفسِكَ وَ تُخبِرُهُم أَنّكَ أَولَي باِلنبّيِ‌ّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ بِالفَضلِ وَ السّابِقَةِ، وَ تَسأَلُهُمُ النّصرَ عَلَي هَؤُلَاءِ المُتَظَاهِرِينَ عَلَيكَ، فَإِن أَجَابَكَ عَشَرَةٌ مِن مِائَةٍ شَدّدتَ بِالعَشَرَةِ عَلَي المِائَةِ، فَإِن دَانُوا لَكَ كَانَ ذَلِكَ مَا أَحبَبتَ، وَ إِن أَبَوا قَاتِلهُم، فَإِن ظَهَرتَ عَلَيهِم فَهُوَ سُلطَانُ اللّهِ ألّذِي آتَاهُ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كُنتَ أَولَي بِهِ مِنهُم، وَ إِن قُتِلتَ فِي طَلَبِهِ قُتِلتَ إِنِ شَاءَ اللّهُ شَهِيداً، وَ كُنتَ أَولَي بِالعُذرِ عِندَ اللّهِ،لِأَنّكَ أَحَقّ بِمِيرَاثِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَ تَرَاهُ يَا جُندَبُ كَانَ يبُاَيعِنُيِ‌ عَشَرَةٌ مِن


صفحه : 433

مِائَةٍ فَقُلتُ أَرجُو ذَلِكَ. فَقَالَ لكَنِيّ‌ لَا أَرجُو، وَ لَا مِن كُلّ مِائَةٍ اثنَانِ وَ سَأُخبِرُكَ مِن أَينَ ذَلِكَ،إِنّمَا يَنظُرُ النّاسُ إِلَي قُرَيشٍ، وَ إِنّ قُرَيشاً يَقُولُ إِنّ آلَ مُحَمّدٍ يَرَونَ لَهُم فَضلًا عَلَي سَائِرِ قُرَيشٍ، وَ أَنّهُم أَولِيَاءُ هَذَا الأَمرِ دُونَ غَيرِهِم مِن قُرَيشٍ، وَ أَنّهُم إِن وَلّوهُ لَم يَخرُج مِنهُم هَذَا السّلطَانُ إِلَي أَحَدٍ أَبَداً، وَ مَتَي كَانَ فِي غَيرِهِم تَدَاوَلُوهُ بَينَهُم، وَ لَا وَ اللّهِ لَا تَدفَعُ إِلَينَا هَذَا السّلطَانَ قُرَيشٌ أَبَداً طَائِعِينَ.فَقُلتُ لَهُ أَ فَلَا أَرجِعُ فَأُخبِرَ النّاسَ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ، وَ أَدعُوَهُم إِلَي نَصرِكَ فَقَالَ يَا جُندَبُ لَيسَ ذَا زَمَانُ ذَاكَ. قَالَ جُندَبٌ فَرَجَعتُ بَعدَ ذَلِكَ إِلَي العِرَاقِ،فَكُنتُ كُلّمَا ذَكَرتُ مِن فَضلِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ شَيئاً زبَرَوُنيِ‌ وَ نهَرَوُنيِ‌ حَتّي رُفِعَ ذَلِكَ مِن قوَليِ‌ إِلَي الوَلِيدِ بنِ عُقبَةَ،فَبَعَثَ إلِيَ‌ّ فحَبَسَنَيِ‌ حَتّي كُلّمَ فِيّ فَخَلّي سبَيِليِ‌.

شا عَبدُ الرّحمَنِ بنُ جُندَبٍ، عَن أَبِيهِ مِثلَهُ.

بيان

قوله عليه السلام علي هؤلاء المتظاهرين .. في الإرشاد علي هؤلاء المتمالين بقلب الهمزة ثم حذف المقلوب ، قال الجوهري‌ مالأته علي الأمر ممالاة ساعدته عليه وشايعته . ابن السّكّيت تمالوا علي الأمر اجتمعوا عليه . قوله كلّما ذكرت من فضل أمير المؤمنين عليه السلام .. في الإرشاد كلّما


صفحه : 434

ذكرت للناس شيئا من فضائله ومناقبه وحقوقه زبروني‌.

ل مُحَمّدُ بنُ الفَضلِ المُذَكّرُ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ البرَاَوسِتاَنيِ‌ّ، عَن عَلِيّ بنِ مَسلَمَةَ، عَن مُحَمّدِ بنِ بَشِيرٍ، عَن قَطرِ بنِ بيِ‌ خَلِيفَةَ[فِطرِ بنِ خَلِيفَةَ]، عَن حَكِيمِ بنِ جُبَيرٍ، عَن اِبرَاهِيمَ قَالَ سَمِعتُ عَلقَمَةَ يَقُولُ سَمِعتُ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ أُمِرتُ بِقِتَالِ النّاكِثِينَ وَ القَاسِطِينَ وَ المَارِقِينَ.

ن بِإِسنَادِ التمّيِميِ‌ّ، عَنِ الرّضَا، عَن آبَائِهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أُمِرتُ بِقِتَالِ النّاكِثِينَ وَ القَاسِطِينَ وَ المَارِقِينَ.

ن بِهَذَا الإِسنَادِ، عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ مَن جَاءَكُم يُرِيدُ أَن يُفَرّقَ الجَمَاعَةَ وَ يَغصِبَ الأُمّةَ أَمرَهَا وَ يَتَوَلّي مِن غَيرِ مَشُورَةٍ فَاقتُلُوهُ، فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ قَد أَذِنَ فِي ذَلِكَ.


صفحه : 435

ع ،ن الطاّلقَاَنيِ‌ّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ العدَوَيِ‌ّ، عَنِ الهَيثَمِ بنِ عَبدِ اللّهِ الرمّاّنيِ‌ّ قَالَ سَأَلتُ الرّضَا عَلَيهِ السّلَامُ فَقُلتُ لَهُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ أخَبرِنيِ‌ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِمَ لَم يُجَاهِد أَعدَاءَهُ خَمساً وَ عِشرِينَ سَنَةً بَعدَ رَسُولِ اللّهِ ثُمّ جَاهَدَ فِي أَيّامِ وَلَايَتِهِ فَقَالَ لِأَنّهُ اقتَدَي بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي تَركِهِ جِهَادَ المُشرِكِينَ بِمَكّةَ بَعدَ النّبُوّةِ ثَلَاثَ عَشرَةَ سَنَةً وَ بِالمَدِينَةِ تِسعَةَ عَشَرَ شَهراً وَ ذَلِكَ لِقِلّةِ أَعوَانِهِ عَلَيهِم، وَ كَذَلِكَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ تَرَكَ مُجَاهَدَةَ أَعدَائِهِ لِقِلّةِ أَعوَانِهِ عَلَيهِم، فَلَمّا لَم تَبطُل نُبُوّةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَعَ تَركِهِ الجِهَادَ ثَلَاثَ عَشرَةَ سَنَةً وَ تِسعَةَ عَشَرَ شَهراً،كَذَلِكَ لَم تَبطُل إِمَامَةُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَعَ تَركِهِ الجِهَادَ خَمساً وَ عِشرِينَ سَنَةً، إِذَا كَانَتِ العِلّةُ المَانِعَةُ لَهُمَا مِنَ الجِهَادِ وَاحِدَةً.

ع أَبِي، عَن سَعدٍ، عَنِ النهّديِ‌ّ، عَن أَبِي مَحبُوبٍ، عَنِ ابنِ رِئَابٍ، عَن زُرَارَةَ قَالَ سَمِعتُ أَبَا جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ إِنّمَا أَشَارَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِالكَفّ عَن عَدُوّهِ مِن أَجلِ شِيعَتِنَا،لِأَنّهُ كَانَ يَعلَمُ أَنّهُ سَيَظهَرُ عَلَيهِم بَعدَهُ،فَأَحَبّ أَن يقَتدَيِ‌َ بِهِ مَن جَاءَ بَعدَهُ فَيَسِيرَ فِيهِم بِسِيرَتِهِ، وَ يقَتدَيِ‌َ بِالكَفّ عَنهُم بَعدَهُ.

ك ، ع ابنُ مَسرُورٍ، عَنِ ابنِ عَامِرٍ، عَن عَمّهِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ،


صفحه : 436

عَمّن ذَكَرَهُ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قُلتُ لَهُ مَا بَالُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَم يُقَاتِل فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً. قَالَ لِآَيَةٍ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّلَو تَزَيّلُوا لَعَذّبنَا الّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذاباً أَلِيماً قَالَ قُلتُ وَ مَا يعَنيِ‌ بِتَزَايُلِهِم قَالَ وَدَائِعَ مُؤمِنِينَ فِي أَصلَابِ قَومٍ كَافِرِينَ، وَ كَذَلِكَ القَائِمُ عَلَيهِ السّلَامُ لَن يَظهَرَ أَبَداً حَتّي تَخرُجَ وَدَائِعُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ، فَإِذَا خَرَجَت ظَهَرَ عَلَي مَن ظَهَرَ مِن أَعدَاءِ اللّهِ فَقَتَلَهُم.

ك ، ع المُظَفّرُ العلَوَيِ‌ّ، عَنِ ابنِ العيَاّشيِ‌ّ، عَن أَبِيهِ، عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ، عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ، عَن اِبرَاهِيمَ الكرَخيِ‌ّ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَو قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَصلَحَكَ اللّهُ أَ لَم يَكُن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَوِيّاً فِي دِينِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ قَالَ بَلَي. قَالَ فَكَيفَ ظَهَرَ عَلَيهِ القَومُ وَ كَيفَ لَم يَدفَعهُم وَ مَا مَنَعَهُ مِن ذَلِكَ قَالَ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ مَنَعَتهُ. قَالَ قُلتُ وَ أَيّ آيَةٍ قَالَ قَولُهُلَو تَزَيّلُوا لَعَذّبنَا الّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذاباً أَلِيماًإِنّهُ كَانَ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ وَدَائِعُ مُؤمِنِينَ فِي أَصلَابِ قَومٍ كَافِرِينَ وَ مُنَافِقِينَ فَلَم يَكُن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ لِيَقتُلَ الآبَاءَ حَتّي تَخرُجَ الوَدَائِعُ، فَلَمّا خَرَجَتِ الوَدَائِعُ ظَهَرَ عَلَي مَن ظَهَرَ فَقَاتَلَهُ، وَ كَذَلِكَ قَائِمُنَا أَهلَ البَيتِ لَن يَظهَرَ أَبَداً حَتّي تَظهَرَ وَدَائِعُ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ، فَإِذَا ظَهَرَت ظَهَرَ عَلَي مَن ظَهَرَ فَقَتَلَهُ.


صفحه : 437

ك ، ع المُظَفّرُ العلَوَيِ‌ّ، عَنِ ابنِ العيَاّشيِ‌ّ، عَن أَبِيهِ، عَن جَبرَئِيلَ ابنِ أَحمَدَ، عَنِ اليقَطيِنيِ‌ّ، عَن يُونُسَ، عَنِ ابنِ حَازِمٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ فِي قَولِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّلَو تَزَيّلُوا لَعَذّبنَا الّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذاباً أَلِيماً لَو أَخرَجَ اللّهُ مَا فِي أَصلَابِ المُؤمِنِينَ مِنَ الكَافِرِينَ وَ مَا فِي أَصلَابِ الكَافِرِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ لَعَذّبَ الّذِينَ كَفَرُوا.

ع الهمَداَنيِ‌ّ، عَن عَلِيّ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَن بَعضِ أَصحَابِنَا، أَنّهُ سُئِلَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ مَا بَالُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَم يُقَاتِلهُم قَالَ للِذّيِ‌ سَبَقَ فِي عِلمِ اللّهِ أَن يَكُونَ، وَ مَا كَانَ لَهُ أَن يُقَاتِلَهُم وَ لَيسَ مَعَهُ إِلّا ثَلَاثَةُ رَهطٍ مِنَ المُؤمِنِينَ.

غط ابنُ أَبِي جَيّدٍ، عَنِ ابنِ الوَلِيدِ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي القَاسِمِ، عَن أَبِي سُمَينَةَ، عَن حَمّادِ بنِ عِيسَي، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ عُمَرَ، عَن أَبَانِ بنِ أَبِي عَيّاشٍ، عَن سُلَيمِ بنِ قَيسٍ الهلِاَليِ‌ّ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ وَ عَبدِ اللّهِ بنِ عَبّاسٍ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي وَصِيّتِهِ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا عَلِيّ إِنّ قُرَيشاً سَتُظَاهِرُ عَلَيكَ وَ تَجتَمِعُ كُلّهُم عَلَي ظُلمِكَ وَ قَهرِكَ، فَإِن وَجَدتَ أَعوَاناً فَجَاهِدهُم وَ إِن لَم تَجِد أَعوَاناً فَكُفّ يَدَكَ وَ احقِن دَمَكَ، فَإِنّ الشّهَادَةَ


صفحه : 438

مِن وَرَائِكَ،لَعَنَ اللّهُ قَاتِلَكَ.

ع حَمزَةُ العلَوَيِ‌ّ، عَنِ ابنِ عُقدَةَ، عَنِ الفَضلِ بنِ حَبّابٍ الجمُحَيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ اِبرَاهِيمَ الحمِصّيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَحمَدَ بنِ مُوسَي الطاّئيِ‌ّ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ مَسعُودٍ قَالَاحتَجّوا فِي مَسجِدِ الكُوفَةِ فَقَالُوا مَا بَالُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَم يُنَازِعِ الثّلَاثَةَ كَمَا نَازَعَ طَلحَةَ وَ الزّبَيرَ وَ عَائِشَةَ وَ مُعَاوِيَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ فَأَمَرَ أَن يُنَادَي الصّلَاةَ جَامِعَةً، فَلَمّا اجتَمَعُوا صَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ مَعَاشِرَ النّاسِ إِنّهُ بلَغَنَيِ‌ عَنكُم .. كَذَا وَ كَذَا قَالُوا صَدَقَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، قَد قُلنَا ذَلِكَ. قَالَ فَإِنّ لِي بِسِتّةٍ مِنَ الأَنبِيَاءِ أُسوَةً فِيمَا فَعَلتُ. قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ فِي مُحكَمِ كِتَابِهِلَقَد كانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ.قَالُوا وَ مَن هُم يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ أَوّلُهُم اِبرَاهِيمُ عَلَيهِ السّلَامُ إِذ قَالَ لِقَومِهِوَ أَعتَزِلُكُم وَ ما تَدعُونَ مِن دُونِ اللّهِ، فَإِن قُلتُم إِنّ اِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السّلَامُ اعتَزَلَ قَومَهُ لِغَيرِ مَكرُوهٍ أَصَابَهُ مِنهُم فَقَد كَفَرتُم، وَ إِن قُلتُم اعتَزَلَهُم لِمَكرُوهٍ مِنهُم فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ لِي بِابنِ خَالَتِهِ لُوطٍ أُسوَةٌ إِذ قَالَ لِقَومِهِلَو أَنّ لِي بِكُم قُوّةً أَو آويِ‌ إِلي رُكنٍ شَدِيدٍ فَإِن قُلتُم إِنّ لُوطاً كَانَت لَهُ بِهِم قُوّةٌ فَقَد كَفَرتُم، وَ إِن قُلتُم لَم يَكُن


صفحه : 439

لَهُ بِهِم قُوّةٌ فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ لِي بِيُوسُفَ عَلَيهِ السّلَامُ أُسوَةٌ،إِذ قَالَرَبّ السّجنُ أَحَبّ إلِيَ‌ّ مِمّا يدَعوُننَيِ‌ إِلَيهِ فَإِن قُلتُم إِنّ يُوسُفَ دَعَا رَبّهُ وَ سَأَلَهُ السّجنَ بِسَخَطِ رَبّهِ فَقَد كَفَرتُم، وَ إِن قُلتُم إِنّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ لِئَلّا يَسخَطَ رَبّهُ عَلَيهِ فَاختَارَ السّجنَ،فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ لِي بِمُوسَي عَلَيهِ السّلَامُ أُسوَةٌ إِذ قَالَفَفَرَرتُ مِنكُم لَمّا خِفتُكُم فَإِن قُلتُم إِنّ مُوسَي عَلَيهِ السّلَامُ فَرّ مِن قَومِهِ بِلَا خَوفٍ كَانَ لَهُ مِنهُم فَقَد كَفَرتُم، وَ إِن قُلتُم إِنّ مُوسَي( ع )خَافَ مِنهُم فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ لِي بأِخَيِ‌ هَارُونَ عَلَيهِ السّلَامُ أُسوَةٌ،إِذ قَالَ لِأَخِيهِ يَاابنَ أُمّ إِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ‌ وَ كادُوا يقَتلُوُننَيِ‌ فَإِن قُلتُم لَم يَستَضعِفُوهُ وَ لَم يُشرِفُوا عَلَي قَتلِهِ فَقَد كَفَرتُم، وَ إِن قُلتُم استَضعَفُوهُ وَ أَشرَفُوا عَلَي قَتلِهِ فَلِذَلِكَ سَكَتَ عَنهُم فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ. وَ لِي بِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أُسوَةٌ حِينَ فَرّ مِن قَومِهِ وَ لَحِقَ بِالغَارِ مِن خَوفِهِم وَ أنَاَمنَيِ‌ عَلَي فِرَاشِهِ، فَإِن قُلتُم فَرّ مِن قَومِهِ لِغَيرِ خَوفٍ مِنهُم فَقَد كَفَرتُم، وَ إِن قُلتُم خَافَهُم وَ أنَاَمنَيِ‌ عَلَي فِرَاشِهِ وَ لَحِقَ هُوَ بِالغَارِ مِن خَوفِهِم فاَلوصَيِ‌ّ أَعذَرُ.


صفحه : 440

ع أَحمَدُ بنُ حَاتِمٍ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ مُوسَي، عَن مُحَمّدِ ابنِ حَمّادٍ الشاّشيِ‌ّ، عَنِ الحُسَينِ بنِ رَاشِدٍ، عَن عَلِيّ بنِ إِسمَاعِيلَ الميِثمَيِ‌ّ، عَن ربِعيِ‌ّ، عَن زُرَارَةَ قَالَ قُلتُ مَا مَنَعَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَن يَدعُوَ النّاسَ إِلَي نَفسِهِ. قَالَ خَوفاً أَن يَرتَدّوا. قَالَ عَلِيّ وَ أَحسَبُ فِي الحَدِيثِ وَ لَا يَشهَدُوا أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ(ص ).

ع أَحمَدُ بنُ الحُسَينِ، عَن أَبِيهِ، عَن مُحَمّدِ بنِ أَبِي الصّهبَانِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَن بَعضِ أَصحَابِنَا، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ لِمَ كَفّ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ عَنِ القَومِ. قَالَ مَخَافَةَ أَن يَرجِعُوا كُفّاراً.

ع أَبِي، عَن سَعدٍ، عَنِ ابنِ عِيسَي، عَنِ ابنِ مَعرُوفٍ، عَن حَمّادٍ، عَن حَرِيزٍ، عَن بُرَيدٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لَم يَمنَعهُ مِن أَن يَدعُوَ إِلَي نَفسِهِ إِلّا أَنّهُم أَن يَكُونُوا ضُلّالًا، لَا يَرجِعُونَ عَنِ الإِسلَامِ أَحَبّ إِلَيهِ مِن أَن يَدعُوَهُم فَيَأبَوا عَلَيهِ فَيَصِيرُونَ كُفّاراً كُلّهُم.

ل مَاجِيلَوَيهِ وَ ابنُ المُتَوَكّلِ وَ العَطّارُ جَمِيعاً، عَن مُحَمّدٍ العَطّارِ، عَنِ ابنِ أَبِي الخَطّابِ، عَنِ النّضرِ، عَن خَالِدِ بنِ مَادّ، عَن جَابِرٍ الجعُفيِ‌ّ، عَن أَبِي


صفحه : 441

جَعفَرٍ البَاقِرِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ وَ هُوَ عَلَي مِنبَرِهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ائذَن لِي أَتَكَلّم بِمَا سَمِعتُ مِن عَمّارِ بنِ يَاسِرٍ يَروِيهِ عَن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ اتّقُوا اللّهَ وَ لَا تَقُولُوا عَلَي عَمّارٍ إِلّا مَا قَالَهُ .. حَتّي قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ، ثُمّ قَالَ تَكَلّم. قَالَ سَمِعتُ عَمّاراً يَقُولُ سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ أَنَا أُقَاتِلُ عَلَي التّنزِيلِ وَ عَلِيّ يُقَاتِلُ عَلَي التّأوِيلِ. فَقَالَ( ع )صَدَقَ عَمّارٌ وَ رَبّ الكَعبَةِ، إِنّ هَذِهِ عنِديِ‌ لفَيِ‌ أَلفِ كَلِمَةٍ تَتبَعُ كُلّ كَلِمَةٍ أَلفَ كَلِمَةٍ.

ماالمُفِيدُ، عَنِ ابنِ قُولَوَيهِ، عَن عَلِيّ بنِ حَاتِمٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عُبَيدِ اللّهِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُوسَي، عَنِ ابنِ أَبِي نَجرَانَ، وَ مُحَمّدِ بنِ عُمَرَ بنِ يَزِيدَ مَعاً، عَن حَمّادِ بنِ عِيسَي، عَن ربِعيِ‌ّ، عَنِ الفُضَيلِ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ لِمَن كَانَ الأَمرُ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَنَا أَهلَ البَيتِ.فَقُلتُ كَيفَ صَارَ فِي تَيمٍ وَ عدَيِ‌ّ قَالَ إِنّكَ سَأَلتَ فَافهَمِ الجَوَابَ إِنّ اللّهَ تَعَالَي لَمّا كَتَبَ أَن يُفسَدَ فِي الأَرضِ وَ تُنكَحَ الفُرُوجُ الحَرَامُ، وَ يُحكَمَ بِغَيرِ مَا أَنزَلَ اللّهُ،خَلّي بَينَ أَعدَائِنَا وَ بَينَ مُرَادِهِم مِنَ الدّنيَا حَتّي دَفَعُونَا عَن حَقّنَا وَ جَرَي الظّلمَ عَلَي أَيدِيهِم دُونَنَا.

بيان لعلّ الكتابة مؤوّلة بالعلم ، أوهي‌ كتابة تبيين لاكتابة تقدير.

ع ابنُ الوَلِيدِ، عَنِ الصّفّارِ، عَنِ ابنِ يَزِيدَ، عَنِ ربِعيِ‌ّ، عَن


صفحه : 442

حَمّادٍ، عَنِ الفُضَيلِ بنِ يَسَارٍ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ جَعفَرٍ أَو لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِمَا السّلَامُ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِمَن كَانَ الأَمرُ بَعدَهُ فَقَالَ لَنَا أَهلَ البَيتِ. قُلتُ فَكَيفَ صَارَ فِي غَيرِكُم قَالَ إِنّكَ قَد سَأَلتَ فَافهَمِ الجَوَابَ إِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ لَمّا عَلِمَ أَن يُفسَدَ فِي الأَرضِ، وَ تُنكَحَ الفُرُوجُ الحَرَامُ، وَ يُحكَمَ بِغَيرِ مَا أَنزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أَرَادَ أَن يلَيِ‌َ ذَلِكَ غَيرُنَا.

قب قَالَ ضِرَارٌ لِهِشَامِ بنِ الحَكَمِأَلّا دَعَا عَلِيّ النّاسَ عِندَ وَفَاةِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي الِائتِمَامِ بِهِ إِن كَانَ وَصِيّاً. قَالَ لَم يَكُن وَاجِباً عَلَيهِ،لِأَنّهُ قَد دَعَاهُم إِلَي مُوَالَاتِهِ وَ الِائتِمَامِ بِهِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَومَ الغَدِيرِ وَ يَومَ تَبُوكَ وَ غَيرَهُمَا فَلَم يَقبَلُوا مِنهُ، وَ لَو كَانَ ذَلِكَ جَائِزاً لَجَازَ عَلَي آدَمَ عَلَيهِ السّلَامُ أَن يَدعُوَ إِبلِيسَ إِلَي السّجُودِ لَهُ بَعدَ أَن دَعَاهُ رَبّهُ إِلَي ذَلِكَ، ثُمّ إِنّهُ صَبَرَ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزمِ مِنَ الرّسُلِ. وَ سَأَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الطاّقيِ‌ّ فَقَالَ لَهُ لِمَ لَم يَطلُب عَلِيّ بِحَقّهِ بَعدَ وَفَاةِ الرّسُولِ إِنِ كَانَ لَهُ حَقّ. قَالَ خَافَ أَن يَقتُلَهُ الجِنّ كَمَا قَتَلُوا سَعدَ بنَ عُبَادَةَ بِسَهمِ المُغِيرَةِ ابنِ شُعبَةَ. وَ قِيلَ لعِلَيِ‌ّ بنِ مِيثَمٍ لِمَ قَعَدَ عَن قِتَالِهِم. قَالَ كَمَا قَعَدَ هَارُونُ عَنِ الساّمرِيِ‌ّ وَ قَد عَبَدُوا العِجلَ قُبُلًا فَكَانَ ضَعِيفاً. قَالَ كَانَ كَهَارُونَ حَيثُ يَقُولُإِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ‌ وَ كادُوا يقَتلُوُننَيِ‌، وَ كَنُوحٍ عَلَيهِ السّلَامُ إِذ قَالَ


صفحه : 443

أنَيّ‌ مَغلُوبٌ فَانتَصِر، وَ كَلُوطٍ إِذ قَالَلَو أَنّ لِي بِكُم قُوّةً أَو آويِ‌ إِلي رُكنٍ شَدِيدٍ، وَ كَمُوسَي وَ هَارُونَ إِذ قَالَ مُوسَيرَبّ إنِيّ‌ لا أَملِكُ إِلّا نفَسيِ‌ وَ أخَيِ‌.

بيان قال الجوهري‌ رأيته قبلا وقبلا بالضم أي مقابلة وعيانا، ورأيته قبلا بكسر القاف .. أي عيانا.

قب وَ فِي الخِصَالِ فِي آدَابِ المُلُوكِ أَنّهُ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ لِي فِي مُوسَي أُسوَةٌ وَ فِي خلَيِليِ‌ قُدوَةٌ، وَ فِي كِتَابِ اللّهِ عِبرَةٌ، وَ فِيمَا أوَدعَنَيِ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بُرهَانٌ، وَ فِيمَا عَرَفتُ تَبصِرَةٌ، إِن يكُذَبّوُنيِ‌ فَقَد كَذّبُوا الحَقّ مِن قبَليِ‌، وَ إِن أُبتَلَي بِهِ فَتِلكَ سيِرتَيِ‌،المَحَجّةُ العُظمَي وَ السّبِيلُ المُفضِيَةُ لِمَن لَزِمَهَا إِلَي النّجَاةِ لَم أَزَل عَلَيهَا لَا نَاكِلًا وَ لَا مُبَدّلًا،لَن أُضَيّعَ بَينَ كِتَابِ اللّهِ وَ عَهدِ ابنِ عمَيّ‌ بِهِ .. فِي كَلَامٍ لَهُ، ثُمّ قَالَ


لَن أَطلُبَ العُذرَ فِي قوَميِ‌ وَ قَد جَهِلُوا   فَرضَ الكِتَابِ وَ نَالُوا كُلّ مَا حَرُمَا

  َبلُ الإِمَامَةِ لِي مِن بَعدِ أَحمَدِنَا

الأَبيَاتَ ............


صفحه : 444

وَ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ رَوَاهُ مُحَمّدُ بنُ سَلَامٍ فَنَزَلَ بيِ‌ مِن وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا لَم يَكُنِ الجِبَالُ لَو حُمّلَتهُ لَحَمَلَتهُ، وَ رَأَيتُ أَهلَ بَيتِهِ بَينَ جَازِعٍ لَا يَملِكُ جَزَعَهُ، وَ لَا يَضبِطُ نَفسَهُ، وَ لَا يَقوَي عَلَي حَملِ مَا نَزَلَ بِهِ، قَد أَذهَبَ الجَزَعُ صَبرَهُ، وَ أَذهَلَ عَقلَهُ، وَ حَالَ بَينَهُ وَ بَينَ الفَهمِ وَ الإِفهَامِ، وَ بَينَ القَولِ وَ الِاستِمَاعِ. ثُمّ قَالَ بَعدَ كَلَامٍ وَ حَمَلتُ نفَسيِ‌ عَلَي الصّبرِ عِندَ وَفَاتِهِ، وَ لَزِمتُ الصّمتَ وَ الأَخذَ فِيمَا أمَرَنَيِ‌ بِهِ مِن تَجهِيزِهِ ..

الخبر. قوله تعالي فَوَكَزَهُ مُوسي فَقَضي عَلَيهِ كان قتل واحدا علي وجه الدفع فَأَصبَحَ فِي المَدِينَةِ خائِفاًفَخَرَجَ مِنها خائِفاًفَفَرَرتُ مِنكُم لَمّا خِفتُكُمرَبّ إنِيّ‌ قَتَلتُ مِنهُم نَفساً فَأَخافُفكيف لايخاف عليّ و قدوترهم بالنهب ، وأفناهم بالحصد، واستأسرهم فلم يدع قبيلة من أعلاها إلي أدناها إلّا و قدقتل صناديدهم .

قِيلَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي جُلُوسِهِ عَنهُم قَالَإنِيّ‌ ذَكَرتُ قَولَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إنِيّ‌ رَأَيتُ القَومَ نَقَضُوا أَمرَكَ، وَ استَبَدّوا بِهَا دُونَكَ، وَ عصَوَنيِ‌ فِيكَ،فَعَلَيكَ بِالصّبرِ حَتّي يَنزِلَ الأَمرُ،فَإِنّهُم سَيَغدِرُونَ بِكَ وَ أَنتَ


صفحه : 445

تَعِيشُ عَلَي ملِتّيِ‌، وَ تُقتَلُ عَلَي سنُتّيِ‌، مَن أَحَبّكَ أحَبَنّيِ‌، وَ مَن أَبغَضَكَ أبَغضَنَيِ‌، وَ إِنّ هَذِهِ سَتُخضَبُ مِن هَذَا ..

زُرَارَةُ، قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ مَا مَنَعَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَن يَدعُوَ النّاسَ إِلَي نَفسِهِ، وَ يُجَرّدَ فِي عَدُوّهِ سَيفَهُ. فَقَالَ الخَوفُ مِن أَن يَرتَدّوا فَلَا يَشهَدُوا أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ ..

وَ سَأَلَ صَدَقَةُ بنُ مُسلِمٍ عُمَرَ بنَ قَيسٍ المَاصِرَ عَن جُلُوسِ عَلِيّ فِي الدّارِ. فَقَالَ إِنّ عَلِيّاً فِي هَذِهِ الأُمّةِ كَانَ فَرِيضَةً مِن فَرَائِضِ اللّهِ،أَدّاهَا نبَيِ‌ّ اللّهِ إِلَي قَومِهِ مِثلَ الصّلَاةِ وَ الزّكَاةِ وَ الصّومِ وَ الحَجّ وَ لَيسَ عَلَي الفَرَائِضِ أَن تَدعُوهُم إِلَي شَيءٍ إِنّمَا عَلَيهِم أَن يُجِيبُوا الفَرَائِضَ، وَ كَانَ عَلِيّ أَعذَرَ مِن هَارُونَ لَمّا ذَهَبَ مُوسَي إِلَي المِيقَاتِ، فَقَالَ لِهَارُونَاخلفُنيِ‌ فِي قوَميِ‌ وَ أَصلِح وَ لا تَتّبِع سَبِيلَ المُفسِدِينَفَجَعَلَهُ رَقِيباً عَلَيهِم، وَ إِنّ نبَيِ‌ّ اللّهِ نَصَبَ عَلِيّاً( ع )لِهَذِهِ الأُمّةِ عَلَماً وَ دَعَاهُم إِلَيهِ،فعَلَيِ‌ّ فِي عُذرٍ لَمّا جَلَسَ فِي بَيتِهِ، وَ هُم فِي حَرَجٍ حَتّي يُخرِجُوهُ فَيَضَعُوهُ فِي المَوضِعِ ألّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،فَاستَحسَنَ مِنهُ جَعفَرٌ الصّادِقُ عَلَيهِ السّلَامُ. وَ مِن كَلَامٍ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد سُئِلَ عَن أَمرِهِمَا وَ كُنتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَي النّاسِ حَقّ، فَإِن عَجّلُوا لَهُ مَالَهُ أَخَذَهُ وَ حَمِدَهُم، وَ إِن أُخّرَهُ أَخَذَهُ غَيرَ مَحمُودِينَ، وَ كُنتُ كَرَجُلٍ يَأخُذُ بِالسّهُولَةِ وَ هُوَ عِندَ النّاسِ حَزُونٌ، وَ إِنّمَا يُعرَفُ


صفحه : 446

الهُدَي بِقِلّةِ مَن يَأخُذُهُ مِنَ النّاسِ، فَإِذَا سَكَتّ فأَعَفوُنيِ‌.

وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لِعَبدِ الرّحمَنِ بنِ عَوفٍ يَومَ الشّورَي إِنّ لَنَا حَقّاً إِن أُعطِينَاهُ أَخَذنَاهُ، وَ إِن مُنِعنَاهُ رَكِبنَا أَعجَازَ الإِبِلِ وَ إِن طَالَ بِنَا السّرَي.

وَ سُئِلَ مُتَكَلّمٌ لِمَ لَم يُقَاتِلِ الأَوّلِينَ عَلَي حَقّهِ وَ قَاتَلَ الآخَرِينَ فَقَالَ لِمَ لَم يُقَاتِل رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلَي إِبلَاغِ الرّسَالَةِ فِي حَالِ الغَارِ وَ مُدّةِ الشّعبِ وَ قَاتَلَ بَعدَهُمَا ...

وَ قَالَ بَعضُ النّوَاصِبِ لِشَيطَانِ الطّاقِ كَانَ عَلِيّ يُسَلّمُ عَلَي الشّيخَينِ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ، أَ فَصَدَقَ أَم كَذَبَ. قَالَ أخَبرِنيِ‌ أَنتَ عَنِ المَلَكَينِ اللّذَينِ دَخَلَا عَلَي دَاوُدَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَاإِنّ هذا أخَيِ‌ لَهُ تِسعٌ وَ تِسعُونَ نَعجَةً وَ لِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ،كَذَبَ أَم صَدَقَ.فَانقَطَعَ الناّصبِيِ‌ّ.

وَ سَأَلَ سُلَيمَانُ بنُ حَرِيزٍ هِشَامَ بنَ الحَكَمِ أخَبرِنيِ‌ عَن قَولِ عَلِيّ لأِبَيِ‌ بَكرٍ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَ كَانَ صَادِقاً أَم كَاذِباً فَقَالَ هِشَامٌ وَ مَا الدّلِيلُ عَلَي أَنّهُ قَالَ ثُمّ قَالَ وَ إِن كَانَ قَالَهُ فَهُوَ كَقَولِ اِبرَاهِيمَإنِيّ‌ سَقِيمٌ، وَ كَقَولِهِبَل فَعَلَهُ كَبِيرُهُم، وَ كَقَولِ يُوسُفَأَيّتُهَا العِيرُ إِنّكُم لَسارِقُونَ...

وَ قِيلَ لعِلَيِ‌ّ بنِ مِيثَمٍ لِمَ صَلّي عَلِيّ خَلفَ القَومِ قَالَ جَعَلَهُم بِمَنزِلَةِ


صفحه : 447

السوّاَريِ‌.قِيلَ فَلِمَ ضَرَبَ الوَلِيدَ بنَ عُقبَةَ بَينَ يدَيَ‌ عُثمَانَ. قَالَ لِأَنّ الحَدّ لَهُ وَ إِلَيهِ، فَإِذَا أَمكَنَهُ إِقَامَتُهُ أَقَامَهُ بِكُلّ حِيلَةٍ.قِيلَ فَلِمَ أَشَارَ عَلَي أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ. قَالَ طَلَباً مِنهُ أَن يحُييِ‌َ أَحكَامَ القُرآنِ وَ أَن يَكُونَ دِينُهُ القَيّمَ كَمَا أَشَارَ يُوسُفُ عَلَيهِ السّلَامُ عَلَي مُلكِ مِصرَ نَظَراً مِنهُ لِلخَلقِ، وَ لِأَنّ الأَرضَ وَ الحُكمَ فِيهَا إِلَيهِ، فَإِذَا أَمكَنَهُ أَن يُظهِرَ مَصَالِحَ الخَلقِ فَعَلَ، وَ إِن لَم يُمكِنهُ ذَلِكَ بِنَفسِهِ تَوَصّلَ إِلَيهِ عَلَي يدَيَ‌ مَن يُمكِنُهُ طَلَباً مِنهُ لِإِحيَاءِ أَمرِ اللّهِ.قِيلَ لِمَ قَعَدَ فِي الشّورَي. قَالَ اقتِدَاراً مِنهُ عَلَي الحُجّةِ وَ عِلماً بِأَنّهُم إِن نَاظَرُوهُ أَو أَنصَفُوهُ كَانَ هُوَ الغَالِبَ، وَ مَن كَانَ لَهُ دَعوَي فدَعُيِ‌َ إِلَي أَن يُنَاظِرَ عَلَيهِ فَإِن ثَبَتَت لَهُ الحُجّةُ أُعطِيَهُ، فَإِن لَم يَفعَل بَطَلَ حَقّهُ وَ أَدخَلَ بِذَلِكَ الشّبهَةَ عَلَي الخَلقِ، وَ قَد قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَئِذٍ اليَومَ أُدخِلتُ فِي بَابٍ إِذَا أُنصِفتُ فِيهِ وَصَلتُ إِلَي حقَيّ‌،يعَنيِ‌ أَنّ الأَوّلَ استَبَدّ بِهَا يَومَ السّقِيفَةِ وَ لَم يُشَاوِرهُ،قِيلَ فَلِمَ زَوّجَ عُمَرَ ابنَتَهُ. قَالَ لِإِظهَارِهِ الشّهَادَتَينِ وَ إِقرَارِهِ بِفَضلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ إِرَادَتِهِ استِصلَاحَهُ وَ كَفّهُ عَنهُ، وَ قَد عَرَضَ نبَيِ‌ّ اللّهِ لُوطٌ عَلَيهِ السّلَامُ بَنَاتِهِ عَلَي قَومِهِ وَ هُم كُفّارٌ لِيَرُدّهُم عَن ضَلَالَتِهِم، فَقَالَهؤُلاءِ بنَاتيِ‌ هُنّ أَطهَرُ لَكُم، وَ وَجَدنَا آسِيَةَ بِنتَ مُزَاحِمٍ تَحتَ فِرعَونَ.

وَ سُئِلَ الشّيخُ المُفِيدُ لِمَ أَخَذَ عَطَاءَهُم، وَ صَلّي خَلفَهُم، وَ نَكَحَ سَبيَهُم، وَ حَكَمَ فِي مَجَالِسِهِم. فَقَالَ أَمّا أَخذُهُ العَطَاءَ فَأَخَذَ بَعضَ حَقّهِ، وَ أَمّا الصّلَاةُ خَلفَهُم فَهُوَ الإِمَامُ، مَن تَقَدّمَ بَينَ يَدَيهِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، عَلَي أَنّ كُلّا مُؤَدّ حَقّهُ، وَ أَمّا نِكَاحُهُ مِن سَبيِهِم فَمِن طَرِيقِ المُمَانَعَةِ، إِنّ الشّيعَةَ رَوَت أَنّ الحَنَفِيّةَ زَوّجَهَا


صفحه : 448

أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مُحَمّدَ بنَ مُسلِمٍ الحنَفَيِ‌ّ، وَ استَدَلّوا عَلَي ذَلِكَ بِأَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ لَمّا رَدّ مَن كَانَ أَبُو بَكرٍ سَبَاهُ لَم يَرُدّ الحَنَفِيّةَ،فَلَو كَانَت مِنَ السبّي‌ِ لَرَدّهَا، وَ مِن طَرِيقِ المُتَابَعَةِ أَنّهُ لَو نَكَحَ مِن سَبيِهِم لَم يَكُن لَكُم مَا أَرَدتُم،لِأَنّ الّذِينَ سَبَاهُم أَبُو بَكرٍ كَانُوا عِندَكُم قَادِحِينَ فِي نُبُوّةِ رَسُولِ اللّهِ كُفّاراً،فَنِكَاحُهُم حَلَالٌ لِكُلّ أَحَدٍ، وَ لَو كَانَ الّذِينَ سَبَاهُم يَزِيدُ وَ زِيَادٌ، وَ إِنّمَا كَانَ يَسُوغُ لَكُم مَا ذَكَرتُمُوهُ إِذَا كَانَ الّذِينَ سَبَاهُم قَادِحِينَ فِي إِمَامَتِهِ ثُمّ نَكَحَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ، وَ أَمّا حُكمُهُ فِي مَجَالِسِهِم فَإِنّهُ لَو قَدَرَ أَن لَا يَدَعَهُم يَحكُمُونَ حُكماً لَفَعَلَ،إِذِ الحُكمُ إِلَيهِ وَ لَهُ دُونَهُم.

و في كتاب الكرّ والفرّ قالوا وجدنا عليّا عليه السلام يأخذ عطاء الأوّل و لايأخذ عطاء ظالم إلّا ظالم .قلنا فقد وجدنا دانيال يأخذ عطاء بخت نصر. وقالوا قدصحّ أنّ عليّا عليه السلام لم يبايع ثم بايع ،ففي‌ أيّهما أصاب وأخطأ في الأخري .قلنا و قدصحّ أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه وآله لم يدع في حال ودعا في حال ، و لم يقاتل ثم قاتل .

وَ قَالَ رَجُلٌ لِلمُرتَضَي أَيّ خَلِيفَةٍ قَاتَلَ وَ لَم يَسبِ وَ لَم يَغنَم. فَقَالَ ارتَدّ غُلَامٌ فِي أَيّامِ أَبِي بَكرٍ فَقَتَلُوهُ وَ لَم يَعرِض أَبُو بَكرٍ لِمَالِهِ، وَ روُيِ‌َ مِثلُ ذَلِكَ فِي مُرتَدّ قُتِلَ فِي أَيّامِ عُمَرَ فَلَم يَعرِض لِمَالِهِ، وَ قَتَلَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مُستَورِدَ العجِليِ‌ّ وَ لَم يَتَعَرّض لِمَالِهِ،فَالقَتلُ لَيسَ بِأَمَارَةٍ عَلَي تَنَاوُلِ المَالِ.

وَ قَالَ رَجُلٌ لِشَرِيكٍ أَ لَيسَ قَولُ عَلِيّ لِابنِهِ الحُسَينِ يَومَ الجَمَلِ يَا بنُيَ‌ّ يَوَدّ


صفحه : 449

أَبُوكَ أَنّهُ مَاتَ قَبلَ هَذَا اليَومِ بِثَلَاثِينَ سَنَةٍ .. يَدُلّ عَلَي أَنّ فِي الأَمرِ شَيئاً. فَقَالَ شَرِيكٌ لَيسَ كُلّ حَقّ يُشتَهَي أَن يُتعَبَ فِيهِ، وَ قَد قَالَت مَريَمُ فِي حَقّ لَا يُشَكّ فِيهِيا ليَتنَيِ‌ مِتّ قَبلَ هذا وَ كُنتُ نَسياً مَنسِيّا. وَ لَمّا قِيلَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي الحَكَمَينِ شَكَكتَ. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنَا أَولَي بِأَن لَا أَشُكّ فِي ديِنيِ‌ أَمِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَو مَا قَالَ اللّهُ تَعَالَي لِرَسُولِهِقُل فَأتُوا بِكِتابٍ مِن عِندِ اللّهِ هُوَ أَهدي مِنهُما أَتّبِعهُ إِن كُنتُم صادِقِينَ.

شي‌ عَن سُلَيمَانَ بنِ خَالِدٍ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ قَولُ النّاسِ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ إِن كَانَ لَهُ حَقّ فَمَا مَنَعَهُ أَن يَقُومَ بِهِ. قَالَ فَقَالَ إِنّ اللّهَ لَم يُكَلّف هَذَا إِلّا إِنسَاناً وَاحِداً رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، قَالَفَقاتِل فِي سَبِيلِ اللّهِ لا تُكَلّفُ إِلّا نَفسَكَ وَ حَرّضِ المُؤمِنِينَفَلَيسَ هَذَا إِلّا لِلرّسُولِ. وَ قَالَ لِغَيرِهِإِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتالٍ أَو مُتَحَيّزاً إِلي فِئَةٍفَلَم يَكُن يَومَئِذٍ فِئَةٌ يُعِينُونَهُ عَلَي أَمرِهِ.

بيان لعلّ المعني أنّه إذا كان مع وجود الجيش يجوز الفرار للتحيّز إلي فئة أخري أقوي ،فيجوز ترك الجهاد مع عدم الفئة أصلا بطريق أولي ، و إنّ هذه الآية تدلّ علي اشتراط الفئة التزاما.

شي‌ عَن حَرِيزٍ، عَن بَعضِ أَصحَابِهِ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ


صفحه : 450

السّلَامُ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ ألّذِي نفَسيِ‌ بِيَدِهِ لَتَركَبُنّ سَنَنَ مَن كَانَ قَبلَكُم حَذوَ النّعلِ بِالنّعلِ وَ القُذّةِ بِالقُذّةِ حَتّي لَا تُخطِئُونَ طَرِيقَهُم وَ لَا تُخطِئُكُم سُنّةُ بنَيِ‌ إِسرَائِيلَ، ثُمّ قَالَ أَبُو جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ مُوسَي لِقَومِهِيا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدّسَةَ التّيِ‌ كَتَبَ اللّهُ لَكُمفَرَدّوا عَلَيهِ وَ كَانُوا سِتّمِائَةِ أَلفٍ فَقَالُوايا مُوسي إِنّ فِيها قَوماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَن نَدخُلَها حَتّي يَخرُجُوا مِنها فَإِن يَخرُجُوا مِنها فَإِنّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الّذِينَ يَخافُونَ أَنعَمَ اللّهُ عَلَيهِمَاأَحَدُهُمَا يُوشَعُ بنُ نُونٍ وَ كَالِبُ بنُ يُوفَنّا، قَالَ وَ هُمَا ابنُ عَمّهِ فَقَالَاادخُلُوا عَلَيهِمُ البابَ فَإِذا دَخَلتُمُوهُ.. إِلَي قَولِهِإِنّا هاهُنا قاعِدُونَ قَالَ فَعَصَي سِتّمِائَةِ أَلفٍ، وَ سَلِمَ هَارُونُ وَ ابنَاهُ وَ يُوشَعُ بنُ نُونٍ وَ كَالِبُ بنُ يُوفَنّا،فَسَمّاهُمُ اللّهُ فَاسِقِينَ، فَقَالَفَلا تَأسَ عَلَي القَومِ الفاسِقِينَفَتَاهُوا أَربَعِينَ سَنَةً لِأَنّهُم عَصَوا،فَكَانَ حَذوَ النّعلِ بِالنّعلِ، إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَمّا قُبِضَ لَم يَكُن عَلَي أَمرِ اللّهِ إِلّا عَلِيّ وَ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ وَ سَلمَانُ وَ المِقدَادُ وَ أَبُو ذَرّ فَمَكَثُوا أَربَعِينَ حَتّي قَامَ عَلِيّ فَقَاتَلَ مَن خَالَفَهُ.


صفحه : 451

بيان قوله فمكثوا أربعين .. كذا في النسخة التي‌ عندنا، و هو لايوافق التاريخ ،إذ هو عليه السلام قاتلهم بعدنحو من خمس وعشرين ، ولعلّه من تحريف النسّاخ، وكون الأربعين من الهجرة وإنّه أريد هنا انتهاء غزواته عليه السلام بعيد. ويحتمل أن يكون المراد نحوا من أربعين ، أي مدّة مديدة يقرب منها، ويكفي‌ هذاللمشابهة.

شي‌ عَنِ ابنِ نُبَاتَةَ قَالَ كُنتُ وَاقِفاً مَعَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَومَ الجَمَلِ،فَجَاءَ رَجُلٌ حَتّي وَقَفَ بَينَ يَدَيهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ كَبّرَ القَومُ وَ كَبّرنَا، وَ هَلّلَ القَومُ وَ هَلّلنَا، وَ صَلّي القَومُ وَ صَلّينَا،فَعَلَامَ نُقَاتِلُهُم فَقَالَ عَلَي هَذِهِ الآيَةِتِلكَ الرّسُلُ فَضّلنا بَعضَهُم عَلي بَعضٍ مِنهُم مَن كَلّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعضَهُم دَرَجاتٍ وَ آتَينا عِيسَي ابنَ مَريَمَ البَيّناتِ وَ أَيّدناهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَ لَو شاءَ اللّهُ مَا اقتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعدِهِمفَنَحنُ الّذِينَ مِن بَعدِهِممِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيّناتُ وَ لكِنِ اختَلَفُوا فَمِنهُم مَن آمَنَ وَ مِنهُم مَن كَفَرَ وَ لَو شاءَ اللّهُ مَا اقتَتَلُوا وَ لكِنّ اللّهَ يَفعَلُ ما يُرِيدُفَنَحنُ الّذِينَ آمَنّا وَ هُمُ الّذِينَ كَفَرُوا، فَقَالَ الرّجُلُ كَفَرَ القَومُ وَ رَبّ الكَعبَةِ، ثُمّ حَمَلَ فَقَاتَلَ حَتّي قُتِلَ رَحِمَهُ اللّهُ.

شي‌ عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ مَا شَأنُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ حِينَ رُكِبَ مِنهُ مَا رُكِبَ، لَم يُقَاتِل. فَقَالَ للِذّيِ‌ سَبَقَ فِي عِلمِ اللّهِ أَن يَكُونَ، مَا كَانَ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَن يُقَاتِلَ وَ لَيسَ مَعَهُ إِلّا ثَلَاثَةُ رَهطٍ،فَكَيفَ يُقَاتِلُ أَ لَم تَسمَع قَولَ اللّهِ عَزّ وَ جَلّيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الّذِينَ


صفحه : 452

كَفَرُوا... إِلَي قَولِهِ ..وَ بِئسَ المَصِيرُفَكَيفَ يُقَاتِلُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بَعدَ هَذَا. وَ إِنّمَا هُوَ يَومَئِذٍ لَيسَ مَعَهُ مُؤمِنٌ غَيرُ ثَلَاثَةِ رَهطٍ.

شي‌ عَن زَيدٍ الشّحّامِ قَالَ قُلتُ لأِبَيِ‌ الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ جُعِلتُ فِدَاكَ إِنّهُم يَقُولُونَ مَا مَنَعَ عَلِيّاً إِن كَانَ لَهُ حَقّ أَن يَقُومَ بِحَقّهِ. فَقَالَ إِنّ اللّهَ لَم يُكَلّف هَذَا أَحَداً إِلّا نَبِيّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ السّلَامُ، قَالَ لَهُفَقاتِل فِي سَبِيلِ اللّهِ لا تُكَلّفُ إِلّا نَفسَكَ، وَ قَالَ لِغَيرِهِإِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتالٍ أَو مُتَحَيّزاً إِلي فِئَةٍفعَلَيِ‌ّ لَم يَجِد فِئَةً، وَ لَو وَجَدَ فِئَةً لَقَاتَلَ، ثُمّ قَالَ لَو كَانَ جَعفَرٌ وَ حَمزَةُ حَيّينِ،إِنّمَا بقَيِ‌َ رَجُلَانِ.

بيان قوله عليه السلام لو كان .. كلمة لوللتمنيّ‌ أوالجزاء محذوف .. أي لم يترك القتال ، أو يكون تفسير للفئة، والمراد بالرجلين الضعيفان ،عباس وعقيل ، كمامرّ.

شي‌ عَن حُمرَانَ، عَن أَبِي جَعفَرٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قُلتُ لَهُ يَا ابنَ رَسُولِ اللّهِ زَعَمَ وُلدُ الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ القَائِمَ مِنهُم وَ أَنّهُم أَصحَابُ الأَمرِ، وَ يَزعُمُ وُلدُ ابنِ الحَنَفِيّةِ مِثلَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَحِمَ اللّهُ عمَيّ‌َ الحَسَنَ( ع )،لَقَد عَمَدَ الحَسَنُ أَربَعِينَ أَلفَ سَيفٍ حَتّي أُصِيبَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ


صفحه : 453

وَ أَسلَمَهَا إِلَي مُعَاوِيَةَ، وَ مُحَمّدُ بنُ عَلِيّ سَبعِينَ أَلفَ سَيفٍ قَاتِلَةٍ لَو حُظِرَ عَلَيهِم حَظِيرَةٌ مَا خَرَجُوا مِنهَا حَتّي يَمُوتُوا جَمِيعاً، وَ خَرَجَ الحُسَينُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَعَرَضَ نَفسَهُ عَلَي اللّهِ فِي سَبعِينَ رَجُلًا، مَن أَحَقّ بِدَمِهِ مِنّا،نَحنُ وَ اللّهِ أَصحَابُ الأَمرِ وَ فِينَا القَائِمُ وَ مِنّا السّفّاحُ وَ المَنصُورُ، وَ قَد قَالَ اللّهُوَ مَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَد جَعَلنا لِوَلِيّهِ سُلطاناًنَحنُ أَولِيَاءُ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ وَ عَلَي دِينِهِ.

قب كِتَابُ أَبِي عَبدِ اللّهِ مُحَمّدِ بنِ السّرّاجِ، عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي خَبَرٍ مَن ظَلَمَ عَلِيّاً مجَلسِيِ‌ هَذَا كَمَن جَحَدَ نبُوُتّيِ‌ وَ نُبُوّةَ مَن كَانَ قبَليِ‌.

عِمرَانُ بنُ حُصَينٍ فِي خَبَرٍ أَنّهُ عَادَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ عَلِيّاً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عَلِيّ إِلّا لِمَا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ لَا، وَ ألّذِي نفَسيِ‌ بِيَدِهِ يَا عُمَرُ لَا يَمُوتُ عَلِيّ حَتّي يَملَأَ غَيظاً، وَ يُوَسّعَ غَدراً وَ يُوجَدَ مِن بعَديِ‌ صَابِراً.

تَارِيخُ بَغدَادَ وَ كِتَابُ اِبرَاهِيمَ الثقّفَيِ‌ّ رَوَي عَمرُو بنُ الوَلِيدِ الكرَاَبيِسيِ‌ّ بِإِسنَادِهِ عَن أَبِي إِدرِيسَ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ عَهِدَ إلِيَ‌ّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّ الأُمّةَ سَتَغدِرُ بِكَ.

وَ فِي حَدِيثِ سَلمَانَ، قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لعِلَيِ‌ّ إِنّ الأُمّةَ سَتَغدِرُ بِكَ،فَاصبِر لِغَدرِهَا.

الحَارِثُ بنُ الحُصَينِ، قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيّ إِنّكَ لَاقٍ بعَديِ‌ كَذَا .. وَ كَذَا. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ السّيفَ لَذُو شَفرَتَينِ وَ مَا أَنَا


صفحه : 454

بِالفَشِلِ وَ لَا الذّلِيلِ. قَالَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاصبِر يَا عَلِيّ. قَالَ عَلِيّ أَصبِرُ يَا رَسُولَ اللّهِ.

قب ابنُ شِيرَوَيهِ فِي الفِردَوسِ، عَن وَهبِ بنِ صيَفيِ‌ّ، وَ رَوَي غَيرُهُ، عَن زَيدِ بنِ أَرقَمَ قَالَا قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنَا أُقَاتِلُ عَلَي التّنزِيلِ وَ عَلِيّ يُقَاتِلُ عَلَي التّأوِيلِ ..

وممّا يمكن أن يستدلّ بالقرآن قوله تعالي وَ إِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُما فَإِن بَغَت إِحداهُما عَلَي الأُخري فَقاتِلُوا التّيِ‌ تبَغيِ‌ حَتّي تفَيِ‌ءَ إِلي أَمرِ اللّهِ، والباغي‌ من خرج علي الإمام ،فافترض قتال أهل البغي‌ كماافترض قتال المشركين ، و أمّا اسم الإيمان عليهم فكقوله يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ.. أي الذين أظهروا الإيمان بألسنتهم آمنوا بقلوبكم .

وَ قِيلَ لِزَينِ العَابِدِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ جَدّكَ كَانَ يَقُولُ إِخوَانُنَا بَغَوا عَلَينَا. فَقَالَ أَ مَا تَقرَأُ كِتَابَ اللّهِوَ إِلي عادٍ أَخاهُم هُوداًفَهُم مِثلُهُم أَنجَاهُ اللّهُ وَ الّذِينَ مَعَهُ وَ أَهلَكَ عَاداً بِالرّيحِ العَقِيمِ، وَ قَد ثَبَتَ أَنّهُ نَزَلَ فِيهِيا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدّ مِنكُم عَن دِينِهِ... الآيَةَ.


صفحه : 455

وَ فِي حَدِيثِ الأَصبَغِ بنِ نُبَاتَةَ ، قَالَ رَجُلٌ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ هَؤُلَاءِ القَومُ الّذِينَ نُقَاتِلُهُم،الدّعوَةُ وَاحِدَةٌ، وَ الرّسُولُ وَاحِدٌ، وَ الصّلَاةُ وَاحِدَةٌ، وَ الحَجّ وَاحِدٌ،فَبِمَ نُسَمّيهِم. قَالَ سَمّهِم بِمَا سَمّاهُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِتِلكَ الرّسُلُ فَضّلنا بَعضَهُم عَلي بَعضٍ مِنهُم مَن كَلّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعضَهُم دَرَجاتٍ وَ آتَينا عِيسَي ابنَ مَريَمَ البَيّناتِ وَ أَيّدناهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَ لَو شاءَ اللّهُ مَا اقتَتَلَ الّذِينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيّناتُ وَ لكِنِ اختَلَفُوا فَمِنهُم مَن آمَنَ وَ مِنهُم مَن كَفَرَ فَلَمّا وَقَعَ الِاختِلَافُ كُنّا نَحنُ أَولَي بِاللّهِ وَ باِلنبّيِ‌ّ وَ بِالكِتَابِ وَ بِالحَقّ.

البَاقِرَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ فِي قَولِهِفَإِمّا نَذهَبَنّ بِكَ فَإِنّا مِنهُم مُنتَقِمُونَ يَا مُحَمّدُ مِن مَكّةَ إِلَي المَدِينَةِ فَإِنّا رَادّوكَ مِنهَا وَ مُنتَقِمُونَ مِنهُم بعِلَيِ‌ّ ..

أورده النطنزي‌ في الخصائص ، والصفواني‌ في الإحن والمحن عن السديّ‌ والكلبي‌ وعطاء و ابن عباس والأعمش وجابر بن عبد اللّه الأنصاري‌ أنّها نزلت في عليّ عليه السلام .

ابنُ جَرِيحٍ، عَن مُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، وَ عَن سَلَمَةَ بنِ كُهَيلٍ، عَن عَبدِ خَيرٍ، وَ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ الأنَصاَريِ‌ّ أَنّهُم رَوَوا ذَلِكَ عَلَي اتّفَاقٍ وَ اجتِمَاعٍ أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَطَبَ فِي حَجّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ لَأَقتُلَنّ العَمَالِقَةَ فِي كَتِيبَةٍ. فَقَالَ لَهُ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ أَو عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ.

وَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَ ابنِ عَبّاسٍأَلَا لَأُلفِيَنّكُم تَرجِعُونَ بعَديِ‌ كُفّاراً يَضرِبُ


صفحه : 456

بَعضُكُم رِقَابَ بَعضٍ، أَمَا وَ اللّهِ لَئِن فَعَلتُم ذَلِكَ لتَعَرفِنُنّيِ‌ فِي كَتِيبَةٍ فَأَضرِبُ وُجُوهَكُم فِيهَا بِالسّيفِ فَكَأَنّهُ غُمِزَ مِن خَلفِهِ فَالتَفَتَ ثُمّ أَقبَلَ عَلَينَا فَقَالَ أَو عَلِيّ،فَنَزَلَفَإِمّا نَذهَبَنّ بِكَ فَإِنّا مِنهُم مُنتَقِمُونَبعِلَيِ‌ّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، ثُمّ نَزَلَقُل رَبّ إِمّا ترُيِنَيّ‌ ما يُوعَدُونَ.. إِلَي قَولِهِهيِ‌َ أَحسَنُ، ثُمّ نَزَلَفَاستَمسِك باِلذّيِ‌ أوُحيِ‌َ إِلَيكَ مِن أَمرِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُإِنّكَ عَلي صِراطٍ مُستَقِيمٍ، وَ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ لَعَلَمُ السّاعَةِ لَكَ وَ لِقَومِكَ وَ سَوفَ تُسأَلُونَ عَن مَحَبّةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ.

أَبُو حَربِ بنِ أَبِي الأَسوَدِ الدؤّلَيِ‌ّ، عَن عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لَمّا نَزَلَتفَإِمّا نَذهَبَنّ بِكَ فَإِنّا مِنهُم مُنتَقِمُونَ قَالَ أَو بعِلَيِ‌ّ ابنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمّ قَالَ بِذَلِكَ حدَثّنَيِ‌ جَبرَئِيلُ.

بيان قوله عليه السلام و إنّ عليّا لعلم الساعة في القرآن وَ إِنّهُ لَذِكرٌ لَكَ ولعلّه عليه السلام فسّر الذكر بعلم الساعة،فإنّه الدابّة ألذي هو من أشراط الساعة.


صفحه : 457

فض الحُسَينُ بنُ أَحمَدَ المدَنَيِ‌ّ، عَنِ الحُسَينِ بنِ عَبدِ اللّهِ البكَريِ‌ّ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ هِشَامٍ، عَنِ الكلَبيِ‌ّ، عَن مَيمُونِ بنِ مُصعَبٍ المكَيّ‌ّ بِمَكّةَ قَالَكُنّا عِندَ أَبِي العَبّاسِ بنِ سَابُورَ المكَيّ‌ّ فَأَجرَينَا حَدِيثَ أَهلِ الرّدّةِ،فَذَكَرنَا خَولَةَ الحَنَفِيّةَ وَ نِكَاحَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَهَا فَقَالَ أخَبرَنَيِ‌ عَبدُ اللّهِ بنُ الخَيرِ الحسُيَنيِ‌ّ، قَالَ بلَغَنَيِ‌ أَنّ البَاقِرَ مُحَمّدَ بنَ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ قَالَ كَانَ جَالِساً ذَاتَ يَومٍ إِذ جَاءَهُ رَجُلَانِ،فَقَالَا يَا أَبَا جَعفَرٍ أَ لَستَ القَائِلَ إِنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَم يَرضَ بِإِمَامَةِ مَن تَقَدّمَهُ. فَقَالَ بَلَي.فَقَالَا لَهُ هَذِهِ خَولَةُ الحَنَفِيّةُ نَكَحَهَا مِن سَبيِهِم وَ لَم يُخَالِفهُم عَلَي أَمرِهِم مُذ حَيَاتِهِم. فَقَالَ البَاقِرُ عَلَيهِ السّلَامُ مَن فِيكُم يأَتيِنيِ‌ بِجَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ وَ كَانَ مَحجُوباً قَد كُفّ بَصَرُهُ فَحَضَرَ وَ سَلّمَ عَلَي البَاقِرِ عَلَيهِ السّلَامُ فَرَدّ عَلَيهِ وَ أَجلَسَهُ إِلَي جَانِبِهِ، فَقَالَ لَهُ يَا جَابِرُ عنِديِ‌ رَجُلَانِ ذَكَرَا أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ رضَيِ‌َ بِإِمَامَةِ مَن تَقَدّمَ عَلَيهِ،فَاسأَلهُمَا مَا الحُجّةُ فِي ذَلِكَ فَسَأَلَهُمَا فَذَكَرَا لَهُ حَدِيثَ خَولَةَ،فَبَكَي جَابِرٌ حَتّي اخضَلّت لِحيَتُهُ بِالدّمُوعِ، ثُمّ قَالَ وَ اللّهِ يَا موَلاَي‌َ لَقَد خَشِيتُ أَن أَخرُجَ مِنَ الدّنيَا وَ لَا أُسأَلُ عَن هَذِهِ المَسأَلَةِ، وَ اللّهِ إنِيّ‌ كُنتُ جَالِساً إِلَي جَنبِ أَبِي بَكرٍ وَ قَد سَبَي بنَيِ‌ حَنِيفَةَ مَعَ مَالِكِ بنِ نُوَيرَةَ مِن قِبَلِ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ وَ بَينَهُم جَارِيَةٌ مُرَاهِقَةٌ فَلَمّا


صفحه : 458

دَخَلَتِ المَسجِدَ قَالَت أَيّهَا النّاسُ مَا فَعَلَ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالُوا قُبِضَ.قَالَت هَل لَهُ بِنيَةٌ فَقَصَدَهَا[تُقصَدُ]قَالُوا نَعَم هَذِهِ تُربَتُهُ وَ بِنيَتُهُ.فَنَادَت وَ قَالَت السّلَامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَشهَدُ أَنّكَ تَسمَعُ صوَتيِ‌ وَ تَقدِرُ عَلَي رَدّ جوَاَبيِ‌، وَ إِنّنَا سُبِينَا مِن بَعدِكَ، وَ نَحنُ نَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَ أَنّكَ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ .. ثُمّ جَلَسَت فَوَثَبَ إِلَيهَا رَجُلَانِ مِنَ المُهَاجِرِينَ أَحَدُهُمَا طَلحَةُ وَ الآخَرُ الزّبَيرُ وَ طَرَحَا عَلَيهَا ثَوبَيهِمَا.فَقَالَت مَا بَالُكُم يَا مَعَاشِرَ الأَعرَابِ تُغَيّبُونَ حَلَائِلَكُم وَ تَهتِكُونَ حَلَائِلَ غَيرِكُم.فَقِيلَ لَهَا لِأَنّكُم قُلتُم لَا نصُلَيّ‌ وَ لَا نَصُومُ وَ لَا نزُكَيّ‌ فَقَالَ لَهَا الرّجُلَانِ اللّذَانِ طَرَحَا ثَوبَيهِمَا إِنّا لَغَالُونَ فِي ثَمَنِكِ.فَقَالَت أَقسَمتُ بِاللّهِ وَ بِمُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّهُ لَا يمَلكِنُيِ‌ وَ يَأخُذُ رقَبَتَيِ‌ إِلّا مَن يخُبرِنُيِ‌ بِمَا رَأَت أمُيّ‌ وَ هيِ‌َ حَامِلَةٌ بيِ‌ وَ أَيّ


صفحه : 459

شَيءٍ قَالَت لِي عِندَ ولِاَدتَيِ‌ وَ مَا العَلَامَةُ التّيِ‌ بيَنيِ‌ وَ بَينَهَا وَ إِلّا بَقَرتُ بطَنيِ‌ بيِدَيِ‌ فَيَذهَبَ ثمَنَيِ‌ وَ يُطَالَبَ بدِمَيِ‌.فَقَالُوا لَهَا اذكرُيِ‌ رُؤيَاكِ حَتّي نُعَبّرَهَا لَكِ.فَقَالَت ألّذِي يمَلكِنُيِ‌ هُوَ أَعلَمُ بِالرّؤيَا منِيّ‌ .. فَأَخَذَ طَلحَةُ وَ الزّبَيرُ ثَوبَيهِمَا وَ جَلَسُوا،فَدَخَلَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَالَ مَا هَذَا الرّجفُ فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ امرَأَةٌ حَنَفِيّةٌ حَرّمَت ثَمَنَهَا عَلَي المُسلِمِينَ وَ قَالَت مَن أخَبرَنَيِ‌ بِالرّؤيَا التّيِ‌ رَأَت أمُيّ‌ وَ هيِ‌َ حَامِلَةٌ بيِ‌ يمَلكِنُيِ‌. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا ادّعَت بَاطِلًا،أَخبِرُوهَا تَملِكُوهَا.فَقَالُوا يَا أَبَا الحَسَنِ مَا مِنّا مَن يَعلَمُ، أَ مَا عَلِمتَ أَنّ ابنَ عَمّكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَد قُبِضَ وَ أَخبَارُ السّمَاءِ قَدِ انقَطَعَت مِن بَعدِهِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أُخبِرُهَا بِغَيرِ اعتِرَاضٍ مِنكُم قَالُوا نَعَم. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا حَنَفِيّةُ أُخبِرُكِ وَ أَملِكُكِ فَقَالَت مَن أَنتَ أَيّهَا المجُترَيِ‌ دُونَ أَصحَابِهِ فَقَالَ أَنَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ.فَقَالَت لَعَلّكَ الرّجُلُ ألّذِي نَصَبَهُ لَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي صَبِيحَةِ يَومِ الجُمُعَةِ بِغَدِيرِ خُمّ عَلَماً لِلنّاسِ. فَقَالَ أَنَا ذَلِكَ الرّجُلُ.قَالَت مِن أَجلِكَ نُهِبنَا، وَ مِن نَحوِكَ أُتِينَا،لِأَنّ رِجَالَنَا قَالُوا لَا نُسَلّمُ صَدَقَاتِ أَموَالِنَا وَ لَا طَاعَةَ نُفُوسِنَا إِلّا لِمَن نَصَبَهُ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِينَا وَ فِيكُم عَلَماً. قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ أَجرَكُم غَيرُ ضَائِعٍ، وَ إِنّ اللّهَ يوُفَيّ‌ كُلّ نَفسٍ مَا


صفحه : 460

عَمِلَت مِن خَيرٍ. ثُمّ قَالَ يَا حَنَفِيّةُ أَ لَم تَحمِل بِكِ أُمّكِ فِي زَمَانٍ قَحطٍ قَد مَنَعَتِ السّمَاءُ قَطرَهَا، وَ الأَرَضُونَ نَبَاتَهَا، وَ غَارَتِ العُيُونُ وَ الأَنهَارُ حَتّي أَنّ البَهَائِمَ كَانَت تَرِدُ المَرعَي فَلَا تَجِدُ شَيئاً، وَ كَانَت أُمّكِ تَقُولُ لَكِ إِنّكِ حَملٌ مَشُومٌ فِي زَمَانٍ غَيرِ مُبَارَكٍ، فَلَمّا كَانَ بَعدَ تِسعَةِ أَشهُرٍ رَأَت فِي مَنَامِهَا كَأَن قَد وَضَعَت بِكِ، وَ أَنّهَا تَقُولُ إِنّكِ حَملٌ مَشُومٌ فِي زَمَانٍ غَيرِ مُبَارَكٍ، وَ كَأَنّكِ تَقُولِينَ يَا أمُيّ‌ لَا تَتَطَيّرِنّ بيِ‌ فإَنِيّ‌ حَملٌ مُبَارَكٌ أَنشَأُ مَنشَأً مُبَارَكاً صَالِحاً، وَ يمَلكِنُيِ‌ سَيّدٌ، وَ أُرزَقُ مِنهُ وَلَداً يَكُونُ لِلحَنَفِيّةِ عِزّاً،فَقَالَت صَدَقتَ. فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّهُ كَذَلِكِ وَ بِهِ أخَبرَنَيِ‌ ابنُ عمَيّ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.فَقَالَت مَا العَلَامَةُ التّيِ‌ بيَنيِ‌ وَ بَينَ أمُيّ‌. فَقَالَ لَهَا لَمّا وَضَعَتكِ كَتَبَت كَلَامَكِ وَ الرّؤيَا فِي لَوحٍ مِن نُحَاسٍ وَ أَودَعَتهُ عَتَبَةَ البَابِ، فَلَمّا كَانَ بَعدَ حَولَينِ عَرَضَتهُ عَلَيكِ فَأَقرَرتِ بِهِ، فَلَمّا كَانَ بَعدَ سِتّ سِنِينَ عَرَضَتهُ عَلَيكِ فَأَقرَرتِ بِهِ، ثُمّ جَمَعَت بَينَكِ وَ بَينَ اللّوحِ وَ قَالَت لَكِ يَا بُنَيّةِ إِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِكُم سَافِكٌ لِدِمَائِكُم، وَ نَاهِبٌ لِأَموَالِكُم، وَ سَابّ لِذَرَارِيكُم، وَ سُبِيتِ فِيمَن سبُيِ‌َ،فخَذُيِ‌ اللّوحَ مَعَكِ وَ اجتهَدِيِ‌ أَن لَا يَملِكَكِ مِنَ الجَمَاعَةِ إِلّا مَن عَبّرَكِ بِالرّؤيَا وَ بِمَا فِي هَذَا اللّوحِ.فَقَالَت صَدَقتَ ... يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ( ع )، ثُمّ قَالَت فَأَينَ هَذَا اللّوحُ فَقَالَ هُوَ فِي عَقِيصَتِكِ،فَعِندَ ذَلِكَ دَفَعَتِ اللّوحَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ فَمَلَكَهَا


صفحه : 461

وَ اللّهِ يَا أَبَا جَعفَرٍ بِمَا ظَهَرَ مِن حُجّتِهِ وَ ثَبَتَ مِن بَيّنَتِهِ،فَلَعَنَ اللّهُ مَنِ اتّضَحَ لَهُ الحَقّ ثُمّ جَحَدَ حَقّهُ وَ فَضلَهُ، وَ جَعَلَ بَينَهُ وَ بَينَ الحَقّ سِتراً.

بيان الرّجف الزّلزلة والاضطراب الشّديد، والعقيصة الشّعر المنسوج علي الرّأس عرضا.

يل ،فض بِالإِسنَادِ .. يَرفَعُهُ إِلَي ابنِ عَبّاسٍ قَالَ مَا حَسَدتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ بشِيَ‌ءٍ مِمّا سَبَقَ مِن سَوَابِقِهِ بِأَفضَلَ مِن شَيءٍ سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ يَقُولُ يَا مَعَاشِرَ قُرَيشٍ أَنتُم كَفَرتُم فرَأَيَتمُوُنيِ‌ فِي كَتِيبَةٍ أَضرِبُ بِهَا وُجُوهَكُم،فَأَتَي جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ فَغَمَزَهُ وَ قَالَ يَا مُحَمّدُ قُل إِن شَاءَ اللّهُ أَو عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ مُحَمّدٌ إِن شَاءَ اللّهُ أَو عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ.

يل ،فض بِالإِسنَادِ .. يَرفَعُهُ إِلَي أَبِي الأَسوَدِ الدؤّلَيِ‌ّ، عَن عَمّهِ، عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُفَإِمّا نَذهَبَنّ بِكَ فَإِنّا مِنهُم مُنتَقِمُونَبعِلَيِ‌ّ بنِ أَبِي طَالِبٍ،بِذَلِكَ أخَبرَنَيِ‌ جَبرَئِيلُ عَلَيهِ السّلَامُ.

يل ،فض بِالإِسنَادِ .. يَرفَعُهُ إِلَي سَلمَانَ الفاَرسِيِ‌ّ وَ المِقدَادِ وَ أَبِي ذَرّ


صفحه : 462

قَالُوا إِنّ رَجُلًا فَاخَرَ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيّ فَاخِر أَهلَ الشّرقِ وَ الغَربِ وَ العَرَبَ وَ العَجَمَ فَأَنتَ أَقرَبُهُم نَسَباً، وَ ابنُ عَمّكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَكرَمُهُم نَفساً، وَ أَعلَاهُم رِفعَةً، وَ أَكرَمُهُم وَلَداً، وَ أَكرَمُهُم أَخاً، وَ أَكرَمُهُم عَمّاً، وَ أَعظَمُهُم حِلماً، وَ أَقدَمُهُم سِلماً، وَ أَكثَرُهُم عِلماً، وَ أَعظَمُهُم عِزّاً فِي نَفسِكَ وَ مَالِكَ، وَ أَنتَ أَقرَؤُهُم لِكِتَابِ اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ أَعلَاهُم نَسَباً، وَ أَشجَعُهُم قَلباً فِي لِقَاءِ الحَربِ، وَ أَجوَدُهُم كَفّاً، وَ أَزهَدُهُم فِي الدّنيَا، وَ أَشَدّهُم جِهَاداً، وَ أَحسَنُهُم خُلُقاً، وَ أَصدَقُهُم لِسَاناً، وَ أَحَبّهُم إِلَي اللّهِ وَ إلِيَ‌ّ، وَ سَتَبقَي بعَديِ‌ ثَلَاثِينَ سَنَةً تَعبُدُ اللّهَ وَ تَصبِرُ عَلَي ظُلمِ قُرَيشٍ لَكَ، ثُمّ تُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللّهِ إِذَا وَجَدتَ أَعوَاناً تُقَاتِلُ عَلَي تَأوِيلِ القُرآنِ كَمَا قَاتَلتُ عَلَي تَنزِيلِهِ ثُمّ تُقتَلُ شَهِيداً تُخضَبُ لِحيَتُكَ مِن دَمِ رَأسِكَ،قَاتِلُكَ يَعدِلُ قَاتِلَ نَاقَةِ صَالِحٍ فِي البَغضَاءِ لِلّهِ وَ البُعدِ مِنَ اللّهِ. يَا عَلِيّ إِنّكَ مِن بعَديِ‌ مَغلُوبٌ مَغصُوبٌ تَصبِرُ عَلَي الأَذَي فِي اللّهِ وَ فِيّ مُحتَسِباً أَجرُكَ غَيرُ ضَائِعٍ،فَجَزَاكَ اللّهُ عَنِ الإِسلَامِ خَيراً.

فر الحُسَينُ بنُ مُحَمّدِ بنِ مُصعَبٍ مُعَنعَناً عَنِ ابنِ عَبّاسٍ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ قَالَ كَانَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ فِي حَيَاةِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّ اللّهَ تَعَالَي يَقُولُ فِي كِتَابِهِأَ فَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلي أَعقابِكُم...، وَ اللّهِ لَا نَنقَلِبُ عَلَي أَعقَابِنَا بَعدَ إِذ هَدَانَا اللّهُ، وَ اللّهِ لَئِن مَاتَ أَو قُتِلَ لَأُقَاتِلَنّ عَلَي مَا قَاتَلَ عَلَيهِ، وَ مَن أَولَي بِهِ منِيّ‌ وَ أَنَا أَخُوهُ وَ وَارِثُهُ وَ ابنُ عَمّهِ عَلَيهِ السّلَامُ.


صفحه : 463

فر جَعفَرُ بنُ مُحَمّدٍ الفزَاَريِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ عُمَرَ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ مِهرَانَ قَالَ أَرَدتُ زِيَارَةَ أَبِي عَبدِ اللّهِ الحُسَينِ عَلَيهِ السّلَامُ مَعَ أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ فَلَمّا صِرنَا فِي الطّرِيقِ إِذَا شَيخٌ قَد عَارَضَنَا عَلَيهِ ثِيَابٌ حِسَانٌ. فَقَالَ لِمَ لَم يُقَاتِل أَمِيرُ المُؤمِنِينَ .. فُلَاناً وَ فُلَاناً فَقَالَ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ لِمَكَانِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللّهِ، قَالَ وَ مَا هيِ‌َ قَالَ قَولُهُلَو تَزَيّلُوا لَعَذّبنَا... الآيَةَ كَانَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ قَد عَلِمَ أَنّ فِي أَصلَابِ المُنَافِقِينَ قَوماً مِنَ المُؤمِنِينَ فَعِندَ ذَلِكَ لَم يَقتُلهُم وَ لَم يَستَسبِهِم. قَالَ ثُمّ التَفَتّ فَلَم أَرَ أَحَداً.

فر عُبَيدُ بنُ كَثِيرٍ مُعَنعَناً عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيّ كَيفَ أَنتَ إِذَا رَأَيتَ أَزهَدَ النّاسِ فِي الآخِرَةِ، وَ رَغِبُوا فِي الدّنيَا، وَ أَكَلُوا التّرَاثَ أَكلًا لَمّاً، وَ أَحَبّوا المَالَ حُبّاً جَمّاً وَ اتّخَذُوا دِينَ اللّهِ دَغَلًا، وَ مَالَ اللّهِ دُوَلًا قَالَ قُلتُ أَترُكُهُم وَ مَا اختَارُوا، وَ أَختَارُ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّارَ الآخِرَةَ وَ أَصبِرُ عَلَي مَصَائِبِ الدّنيَا وَ لأواتها[لَأوَائِهَا]


صفحه : 464

حَتّي أَلقَاكَ إِن شَاءَ اللّهُ. قَالَ فَقَالَ هُدِيتَ، أللّهُمّ افعَل بِهِ ذَلِكَ.

وَ قَالَ أَبُو عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ نَزَلَتِ الآيَةُيا أَيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنّةُ... فِي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ.

نهج مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ لعَمَريِ‌ مَا عَلَيّ مِن قِتَالِ مَن خَالَفَ الحَقّ، وَ خَابَطَ الغيَ‌ّ مِن إِدهَانٍ وَ لَا إِيهَانٍ،فَاتّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ وَ فِرّوا إِلَي اللّهِ مِنَ اللّهِ وَ امضُوا فِي ألّذِي نَهَجَهُ لَكُم وَ قُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُم،فعَلَيِ‌ّ ضَامِنٌ لِفَلجِكُم آجِلًا إِن لَم تُمنَحُوهُ عَاجِلًا.

بيان قيل إنّما قال عليه السلام ذلك في ردّ قول من قال إنّ مصانعته عليه السلام لمحاربيه ومخالفيه ومداهنتهم أولي من محاربتهم . قوله عليه السلام وخابطا الغي‌ .. ذكر المخابطة هنا للمبالغة لكونه من الجانبين . والإدهان المصانعة. ونهجه أوضحه . قوله عليه السلام عصبه بكم .. أي ناطه وربطه بكم ، وجعله


صفحه : 465

كالعصابة التّي‌ تشدّ بهاالرّأس. والمنحة العطيّة.

كِتَابُ سُلَيمِ بنِ قَيسٍ الهلِاَليِ‌ّ قَالَكُنّا جُلُوساً حَولَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ وَ حَولَهُ جَمَاعَةٌ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَوِ استَنفَرتَ النّاسَ.فَقَامَ وَ خَطَبَ فَقَالَ أَمَا إنِيّ‌ قَدِ استَنفَرتُكُم فَلَم تَنفِرُوا، وَ دَعَوتُكُم فَلَم تَسمَعُوا،فَأَنتُم شُهُودٌ كَغُيّابٍ، وَ أَحيَاءٌ كَأَموَاتٍ، وَ صُمّ ذَوُو أَسمَاعٍ،أَتلُو عَلَيكُمُ الحِكمَةَ وَ أَعِظُكُم بِالمَوعِظَةِ الشّافِيَةِ الكَافِيَةِ، وَ أَحُثّكُم عَلَي جِهَادِ أَهلِ الجَورِ،فَمَا آتيِ‌ عَلَي آخِرِ كلَاَميِ‌ حَتّي أَرَاكُم مُتَفَرّقِينَ حَلَقاً شَتّي تَتَنَاشَدُونَ الأَشعَارَ، وَ تَضرِبُونَ الأَمثَالَ، وَ تَسأَلُونَ عَن سِعرِ التّمرِ وَ اللّبَنِ،تَبّت أَيدِيكُم لَقَد دَعَوتُكُم إِلَي الحَربِ وَ الِاستِعدَادِ لَهَا وَ أَصبَحَت قُلُوبُكُم فَارِغَةً مِن ذِكرِهَا،شَغَلتُمُوهَا بِالأَبَاطِيلِ وَ الأَضَالِيلِ،اغزُوهُم قَبلَ أَن يَغزُوكُم،فَوَ اللّهِ مَا غزُيِ‌َ قَومٌ قَطّ فِي عُقرِ دَارِهِم إِلّا ذَلّوا، وَ ايمُ اللّهِ مَا أَظُنّ أَن تَفعَلُوا حَتّي يَفعَلُوا، ثُمّ وَدِدتُ أنَيّ‌ قَد رَأَيتُهُم فَلَقِيتُ اللّهَ عَلَي بصَيِرتَيِ‌ وَ يقَيِنيِ‌، وَ استَرَحتُ مِن مُقَاسَاتِكُم وَ مُمَارَسَتِكُم،فَمَا أَنتُم إِلّا كَإِبِلٍ جَمّةٍ ضَلّ رَاعِيهَا،فَكُلّمَا ضُمّت مِن جَانِبٍ انتَشَرَت مِن جَانِبٍ،كأَنَيّ‌ بِكُم وَ اللّهِ فِيمَا أَرَي لَو قَد حُمّسَ الوَغَي وَ احمَرّ المَوتُ قَدِ انفَرَجتُم


صفحه : 466

عَن عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ انفِرَاجَ الرّأسِ وَ انفِرَاجَ المَرأَةِ عَن قُبُلِهَا لَا تَمنَعُ عَنهَا. قَالَ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ فَهَلّا فَعَلتَ كَمَا فَعَلَ ابنُ عَفّانَ. فَقَالَ أَ وَ كما[كُلّمَا]فَعَلَ ابنُ عَفّانَ رأَيَتمُوُنيِ‌ فَعَلتُ أَنَا عَائِذٌ بِاللّهِ مِن شَرّ مَا تَقُولُ، يَا ابنَ قَيسٍ وَ اللّهِ إِنّ التّيِ‌ فَعَلَ ابنُ عَفّانَ لَمَخزَاةٌ لِمَن لَا دِينَ لَهُ وَ لَا وَثِيقَةَ مَعَهُ،فَكَيفَ أَفعَلُ ذَلِكَ وَ أَنَا عَلَي بَيّنَةٍ مِن ربَيّ‌، وَ الحُجّةُ فِي يدَيِ‌، وَ الحَقّ معَيِ‌ وَ اللّهِ إِنّ امرَأً أَمكَنَ عَدُوّهُ مِن نَفسِهِ يَجُزّ لَحمَهُ، وَ يفَريِ‌ جِلدَهُ، وَ يَهشِمُ عَظمَهُ، وَ يَسفِكُ دَمَهُ، وَ هُوَ يَقدِرُ عَلَي أَن يَمنَعَهُ لِعَظِيمِ وِزرِهِ،ضَعِيفٌ مَا ضُمّت عَلَيهِ جَوَانِحُ صَدرِهِ،فَكُنتَ أَنتَ ذَاكَ يَا ابنَ قَيسٍ فَأَمّا أَنَا فَوَ اللّهِ دُونَ أَن أعُطيِ‌َ بيِدَيِ‌ ضَربٌ[ضَرباً]باِلمشَرفَيِ‌ّ تَطِيرُ لَهُ فِرَاشُ الهَامِ، وَ تَطِيحُ مِنهُ الأَكُفّ وَ المَعَاصِمُ، وَ يَفعَلُ اللّهُ بَعدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ،وَيلَكَ يَا ابنَ قَيسٍ إِنّ المُؤمِنَ يَمُوتُ كُلّ مَيتَةٍ غَيرَ أَنّهُ لَا يَقتُلُ نَفسَهُ،فَمَن قَدَرَ عَلَي حَقنِ دَمِهِ ثُمّ خَلّي عَمّن يَقتُلُهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفسِهِ، يَا ابنَ قَيسٍ إِنّ هَذِهِ الأُمّةَ تَفتَرِقُ عَلَي ثَلَاثٍ وَ سَبعِينَ فِرقَةً،فِرقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الجَنّةِ وَ اثنَتَانِ وَ سَبعُونَ فِي النّارِ، وَ شَرّهَا وَ أَبغَضُهَا وَ أَبعَدُهَا مِنهُ السّامِرَةُ الّذِينَ يَقُولُونَ لَا قِتَالَ وَ كَذَبُوا، قَد أَمَرَ اللّهُ بِقِتَالِ البَاغِينَ فِي كِتَابِهِ وَ سُنّةِ نَبِيّهِ، وَ كَذَلِكَ المَارِقَةُ. فَقَالَ ابنُ قَيسٍ وَ غَضِبَ مِن قَولِهِ فَمَا مَنَعَكَ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بُويِعَ


صفحه : 467

أَبُو بَكرٍ أَخُو بنَيِ‌ تَيمٍ وَ أَخُو بنَيِ‌ عدَيِ‌ّ بنِ كَعبٍ وَ أَخُو بنَيِ‌ أُمَيّةَ بَعدَهُم أَن تُقَاتِلَ وَ تَضرِبَ بِسَيفِكَ وَ أَنتَ لَم تَخطُبنَا خُطبَةً مُذ كُنتَ قَدِمتَ العِرَاقَ إِلّا قُلتَ فِيهَا قَبلَ أَن تَنزِلَ عَنِ المِنبَرِ وَ اللّهِ إنِيّ‌ لَأَولَي النّاسِ بِالنّاسِ، وَ مَا زِلتُ مَظلُوماً مُذ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَمَا يَمنَعُكَ أَن تَضرِبَ بِسَيفِكَ دُونَ مَظلِمَتِكَ. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا ابنَ قَيسٍ اسمَعِ الجَوَابَ، لَم يمَنعَنيِ‌ مِن ذَلِكَ الجُبنُ وَ لَا كَرَاهَةٌ لِلِقَاءِ ربَيّ‌، وَ أَن لَا أَكُونَ أَعلَمُ أَنّ مَا عِندَ اللّهِ خَيرٌ لِي مِنَ الدّنيَا وَ البَقَاءِ فِيهَا، وَ لَكِن منَعَنَيِ‌ مِن ذَلِكَ أَمرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَهدُهُ إلِيَ‌ّ،أخَبرَنَيِ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِمَا الأُمّةُ صَانِعَةٌ بَعدَهُ فَلَم أَكُ بِمَا صَنَعُوا حِينَ عَايَنتُهُ بِأَعلَمَ بِهِ وَ لَا أَشَدّ استِيقَاناً منِيّ‌ بِهِ قَبلَ ذَلِكَ،بَل أَنَا بِقَولِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَشَدّ يَقِيناً منِيّ‌ بِمَا عَايَنتُ وَ شَهِدتُ،فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا تَعهَدُ إلِيَ‌ّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَالَ إِن وَجَدتَ أَعوَاناً فَانبِذ إِلَيهِم وَ جَاهِدهُم، وَ إِن لَم تَجِد أَعوَاناً فَكُفّ يَدَكَ وَ احقِن دَمَكَ حَتّي تَجِدَ عَلَي إِقَامَةِ الدّينِ وَ كِتَابِ اللّهِ وَ سنُتّيِ‌ أَعوَاناً، وَ أخَبرَنَيِ‌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ أَنّ الأُمّةَ ستَخَذلُنُيِ‌ وَ تُبَايِعُ غيَريِ‌، وَ أخَبرَنَيِ‌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ أنَيّ‌ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَي، وَ أَنّ الأُمّةَ سَيَصِيرُونَ بَعدَهُ بِمَنزِلَةِ هَارُونَ وَ مَن تَبِعَهُ وَ العِجلِ وَ مَن تَبِعَهُ،إِذ قَالَ لَهُ مُوسَييا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذ رَأَيتَهُم ضَلّوا أَلّا تَتّبِعَنِ أَ فَعَصَيتَ أمَريِ‌ قالَ يَا بنَ أُمّ لا تَأخُذ بلِحِيتَيِ‌ وَ لا برِأَسيِ‌ إنِيّ‌ خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرّقتَ بَينَ بنَيِ‌ إِسرائِيلَ وَ لَم تَرقُب قوَليِ‌ وَ إِنّمَا يعَنيِ‌ أَنّ مُوسَي أَمَرَ هَارُونَ حِينَ استَخلَفَهُ عَلَيهِم إِن ضَلّوا فَوَجَدَ أَعوَاناً أَن يُجَاهِدَهُم


صفحه : 468

وَ إِن لَم يَجِد أَعوَاناً أَن يَكُفّ يَدَهُ وَ يَحقِنَ دَمَهُ وَ لَا يُفَرّقَ بَينَهُم، وَ إنِيّ‌ خَشِيتُ أَن يَقُولَ ذَلِكَ أخَيِ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لِمَ فَرّقتَ بَينَ الأُمّةِ وَ لَم تَرقُب قوَليِ‌ وَ قَد عَهِدتُ إِلَيكَ أَنّكَ إِن لَم تَجِد أَعوَاناً أَن تَكُفّ يَدَكَ وَ تَحقِنَ دَمَكَ وَ دَمَ أَهلِكَ وَ شِيعَتِكَ، فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَالَ النّاسُ إِلَي أَبِي بَكرٍ فَبَايَعُوهُ وَ أَنَا مَشغُولٌ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِغُسلِهِ، ثُمّ شُغِلتُ بِالقُرآنِ فَآلَيتُ يَمِيناً بِالقُرآنِ أَن لَا أرَتدَيِ‌َ إِلّا لِلصّلَاةِ حَتّي أَجمَعَهُ فِي كِتَابٍ فَفَعَلتُ، ثُمّ حَمَلتُ فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ وَ أَخَذتُ بِيَدِ الحَسَنِ وَ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ فَلَم أَدَع أَحَداً مِن أَهلِ بَدرٍ وَ أَهلِ السّابِقَةِ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ إِلّا نَاشَدتُهُمُ اللّهَ وَ حقَيّ‌ وَ دَعَوتُهُم إِلَي نصُرتَيِ‌،فَلَم يَستَجِب مِن جَمِيعِ النّاسِ إِلّا أَربَعَةُ رَهطٍ الزّبَيرُ وَ سَلمَانُ وَ أَبُو ذَرّ وَ المِقدَادُ، وَ لَم يَكُن معَيِ‌ أَحَدٌ مِن أَهلِ بيَتيِ‌ أَصُولُ بِهِ وَ لَا أَقوَي بِهِ، أَمّا حَمزَةُ فَقُتِلَ يَومَ أُحُدٍ، وَ أَمّا جَعفَرٌ فَقُتِلَ يَومَ مُؤتَةَ، وَ بَقِيتُ بَينَ جِلفَينِ خَائِفَينِ ذَلِيلَينِ حَقِيرَينِ العَبّاسِ وَ عَقِيلٍ، وَ كَانَا قرَيِبيَ‌ عَهدٍ بِكُفرٍ،فأَكَرهَوُنيِ‌ وَ قهَرَوُنيِ‌،فَقُلتُ كَمَا قَالَ هَارُونُ لِأَخِيهِابنَ أُمّ إِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ‌ وَ كادُوا يقَتلُوُننَيِ‌فلَيِ‌ بِهَارُونَ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ، وَ لِي بِعَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حُجّةٌ قَوِيّةٌ. قَالَ الأَشعَثُ كَذَلِكَ صَنَعَ عُثمَانُ استَغَاثَ بِالنّاسِ وَ دَعَاهُم إِلَي نُصرَتِهِ فَلَم يَجِد أَعوَاناً فَكَفّ يَدَهُ حَتّي قُتِلَ مَظلُوماً. قَالَ وَيلَكَ يَا ابنَ قَيسٍ إِنّ القَومَ حِينَ قهَرَوُنيِ‌ وَ استضَعفَوُنيِ‌ وَ كَادُوا


صفحه : 469

يقَتلُوُننَيِ‌ وَ لَو قَالُوا لِي نَقتُلَنّكَ البَتّةَ لَامتَنَعتُ مِن قَتلِهِم إيِاّي‌َ، وَ لَو لَم أَجِد غَيرَ نفَسيِ‌ وحَديِ‌، وَ لَكِن قَالُوا إِن بَايَعتَ كَفَفنَا عَنكَ وَ أَكرَمنَاكَ وَ قَرّبنَاكَ وَ فَضّلنَاكَ، وَ إِن لَم تَفعَل قَتَلنَاكَ، فَلَمّا لَم أَجِد أَحَداً بَايَعتُهُم، وَ بيَعتَيِ‌ لَهُم لَمّا لَا حَقّ لَهُم فِيهِ لَا يُوجِبُ لَهُم حَقّاً وَ لَا يلَزمَنُيِ‌ رِضاً، وَ لَو أَنّ عُثمَانَ لَمّا قَالَ لَهُ النّاسُ اخلَعهَا وَ نَكُفّ عَنكَ خَلَعَهَا لَم يَقتُلُوهُ، وَ لَكِنّهُ قَالَ لَا أَخلَعُهَا.قَالُوا فَإِنّا قَاتِلُوكَ،فَكَفّ يَدَهُ عَنهُم حَتّي قَتَلُوهُ، وَ لعَمَريِ‌ لَخَلعُهُ إِيّاهَا كَانَ خَيراً لَهُ،لِأَنّهُ أَخَذَهَا بِغَيرِ حَقّ، وَ لَم يَكُن لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ، وَ ادّعَي مَا لَيسَ لَهُ، وَ تَنَاوَلَ حَقّ غَيرِهِ.وَيلَكَ يَا ابنَ قَيسٍ إِنّ عُثمَانَ لَا يَعدُو أَن يَكُونَ أَحَدَ رَجُلَينِ،إِمّا أَن يَكُونَ دَعَا النّاسَ إِلَي نُصرَتِهِ فَلَم يَنصُرُوهُ، وَ إِمّا أَن يَكُونَ القَومُ دَعَوهُ إِلَي أَن يَنصُرُوهُ فَنَهَاهُم عَن نُصرَتِهِ فَلَم يَكُن يَحِلّ لَهُ أَن يَنهَي المُسلِمِينَ عَن أَن يَنصُرُوا إِمَاماً هَادِياً مُهتَدِياً لَم يُحدِث حَدَثاً وَ لَم يُؤوِ مُحدِثاً، وَ بِئسَ مَا صَنَعَ حِينَ نَهَاهُم، وَ بِئسَ مَا صَنَعُوا حِينَ أَطَاعُوهُ،فَإِمّا أَن يَكُونُوا لَم يَرَوهُ أَهلًا لِنُصرَتِهِ لِجَورِهِ وَ حُكمِهِ بِخِلَافِ الكِتَابِ وَ السّنّةِ وَ قَد كَانَ مَعَ عُثمَانَ مِن أَهلِ بَيتِهِ وَ مَوَالِيهِ وَ أَصحَابِهِ أَكثَرُ مِن أَربَعَةِ آلَافِ رَجُلٍ وَ لَو شَاءَ اللّهُ أَن يَمتَنِعَ بِهِم لَفَعَلَ وَ لَم يَنهَهُم عَن نُصرَتِهِ، وَ لَو كُنتُ وَجَدتُ يَومَ بُويِعَ أَخُو تَيمٍ أَربَعِينَ رَجُلًا مُطِيعِينَ لَجَاهَدتُهُم،فَأَمّا يَومَ بُويِعَ عُمَرُ وَ عُثمَانُ فَلَا،لأِنَيّ‌ كُنتُ بَايَعتُ وَ مثِليِ‌ لَا يَنكُثُ بَيعَتَهُ.وَيلَكَ يَا ابنَ قَيسٍ كَيفَ رأَيَتنَيِ‌ صَنَعتُ حِينَ قُتِلَ عُثمَانُ وَ وَجَدتُ أَعوَاناً هَل رَأَيتَ منِيّ‌ فَشَلًا أَو جُبناً، أَو تَقصِيراً فِي وقَعتَيِ‌ يَومَ البَصرَةِ وَ هُم حَولَ جَمَلِهِمُ المَلعُونِ مَن مَعَهُ،المَلعُونِ مَن قُتِلَ حَولَهُ،المَلعُونِ مَن رَكِبَهُ،المَلعُونِ مَن بقَيِ‌َ


صفحه : 470

بَعدَهُ لَا تَائِباً وَ لَا مُستَغفِراً فَإِنّهُم قَتَلُوا أنَصاَريِ‌، وَ نَكَثُوا بيَعتَيِ‌، وَ مَثّلُوا بعِاَملِيِ‌، وَ بَغَوا عَلَيّ، وَ سِرتُ إِلَيهِم فِي اثنيَ‌ عَشَرَ أَلفاً وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي أَقَلّ مِن عَشَرَةِ آلَافٍ وَ هُم نَيّفٌ عَلَي عِشرِينَ وَ مِائَةِ أَلفٍ وَ فِي رِوَايَةٍ زِيَادَةً عَلَي خَمسِينَ أَلفاً فنَصَرَنَيِ‌َ اللّهُ عَلَيهِم وَ قَتَلَهُم بِأَيدِينَا وَ شَفَي صُدُورَ قَومٍ مُؤمِنِينَ. وَ كَيفَ رَأَيتَ يَا ابنَ قَيسٍ وَقعَتَنَا بِصِفّينَ، وَ مَا قَتَلَ اللّهُ مِنهُم بِأَيدِينَا خَمسِينَ أَلفاً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَي النّارِ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي زِيَادَةً عَلَي سَبعِينَ أَلفاً، وَ كَيفَ رَأَيتَنَا يَومَ النّهرَوَانِ إِذ لَقِيتُ المَارِقِينَ وَ هُم مُستَبصِرُونَ مُتَدَيّنُونَ قَدضَلّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدّنيا وَ هُم يَحسَبُونَ أَنّهُم يُحسِنُونَ صُنعاًفَقَتَلَهُمُ اللّهُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَي النّارِ لَم يَبقَ مِنهُم عَشَرَةٌ وَ لَم يَقتُلُوا مِنَ المُؤمِنِينَ عَشَرَةً.وَيلَكَ يَا ابنَ قَيسٍ هَل رَأَيتَ لِي لِوَاءً رُدّ أَو رَايَةً رُدّت إيِاّي‌َ تُعَيّرُ يَا ابنَ قَيسٍ. وَ أَنَا صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي جَمِيعِ مَوَاطِنِهِ وَ مَشَاهِدِهِ، وَ المُتَقَدّمُ إِلَي الشّدَائِدِ بَينَ يَدَيهِ، وَ لَا أَفِرّ وَ لَا أَلُوذُ وَ لَا أَعتَلّ وَ لَا أَنحَازُ وَ لَا أَمنَحُ اليَهُودَ دبُرُيِ‌،إِنّهُ لَا ينَبغَيِ‌ للِنبّيِ‌ّ وَ لَا للِوصَيِ‌ّ إِذَا لَبِسَ لَامَتَهُ وَ قَصَدَ لِعَدُوّهِ أَن يَرجِعَ أَو ينَثنَيِ‌َ حَتّي يُقتَلَ أَو يَفتَحَ اللّهُ لَهُ. يَا ابنَ قَيسٍ هَل سَمِعتَ لِي بِفِرَارٍ قَطّ أَو نَبوَةٍ. يَا ابنَ قَيسٍ أَمَا وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ لَو وَجَدتُ يَومَ بُويِعَ أَبُو بَكرٍ ألّذِي عيَرّتنَيِ‌ بدِخُوُليِ‌ فِي بَيعَتِهِ أَربَعِينَ رَجُلًا كُلّهُم عَلَي مِثلِ بَصِيرَةِ الأَربَعَةِ الّذِينَ وَجَدتُ لَمَا كَفَفتُ يدَيِ‌، وَ لَنَاهَضتُ القَومَ، وَ لَكِن لَم أَجِد خَامِساً. قَالَ الأَشعَثُ وَ مَنِ الأَربَعَةُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ.


صفحه : 471

قَالَ سَلمَانُ وَ أَبُو ذَرّ وَ المِقدَادُ وَ الزّبَيرُ بنُ صَفِيّةَ قَبلَ نَكثِهِ بيَعتَيِ‌،فَإِنّهُ باَيعَنَيِ‌ مَرّتَينِ، أَمّا بَيعَتُهُ الأُولَي التّيِ‌ وَفَي بِهَا فَإِنّهُ لَمّا بُويِعَ أَبُو بَكرٍ أتَاَنيِ‌ أَربَعُونَ رَجُلًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ فبَاَيعَوُنيِ‌ وَ فِيهِمُ الزّبَيرُ،فَأَمَرتُهُم أَن يُصبِحُوا عِندَ باَبيِ‌ مُحَلّقِينَ رُءُوسَهُم عَلَيهِمُ السّلَاحُ،فَمَا وَافَي مِنهُم أَحَدٌ وَ لَا صبَحّنَيِ‌ مِنهُم غَيرُ أَربَعَةٍ سَلمَانُ وَ أَبُو ذَرّ وَ المِقدَادُ وَ الزّبَيرُ، وَ أَمّا بَيعَتُهُ الأُخرَي فَإِنّهُ أتَاَنيِ‌ هُوَ وَ صَاحِبُهُ طَلحَةُ بَعدَ قَتلِ عُثمَانَ فبَاَيعَاَنيِ‌ طَائِعِينَ غَيرَ مُكرَهِينَ، ثُمّ رَجَعَا عَن دِينِهِمَا مُرتَدّينَ نَاكِثِينَ مُكَابِرِينَ مُعَانِدِينَ حَاسِدِينَ،فَقَتَلَهُمَا اللّهُ إِلَي النّارِ، وَ أَمّا الثّلَاثَةُ سَلمَانُ وَ أَبُو ذَرّ وَ المِقدَادُ فَثَبَتُوا عَلَي دِينِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مِلّةِ اِبرَاهِيمَ( ع ) حَتّي لَقُوا اللّهَ،يَرحَمُهُمُ اللّهُ. يَا ابنَ قَيسٍ فَوَ اللّهِ لَو أَنّ أُولَئِكَ الأَربَعِينَ الّذِينَ باَيعَوُنيِ‌ وَفَوا لِي وَ أَصبَحُوا عَلَي باَبيِ‌ مُحَلّقِينَ قَبلَ أَن تَجِبَ لِعَتِيقٍ فِي عنُقُيِ‌ بَيعَةٌ لَنَاهَضتُهُ وَ حَاكَمتُهُ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ، وَ لَو وَجَدتُ قَبلَ بَيعَةِ عُثمَانَ أَعوَاناً لَنَاهَضتُهُم وَ حَاكَمتُهُم إِلَي اللّهِ، فَإِنّ ابنَ عَوفٍ جَعَلَهَا لِعُثمَانَ، وَ اشتَرَطَ عَلَيهِ فِيمَا بَينَهُ وَ بَينَهُ أَن يَرُدّهَا عَلَيهِ عِندَ مَوتِهِ،فَأَمّا بَعدَ بيَعتَيِ‌ إِيّاهُم فَلَيسَ إِلَي مُجَاهَدَتِهِم سَبِيلٌ. فَقَالَ الأَشعَثُ وَ اللّهِ لَئِن كَانَ الأَمرُ كَمَا تَقُولُ لَقَد هَلَكَتِ الأُمّةُ غَيرَكَ وَ غَيرَ شِيعَتِكَ فَقَالَ إِنّ الحَقّ وَ اللّهِ معَيِ‌ يَا ابنَ قَيسٍ كَمَا أَقُولُ، وَ مَا هَلَكَ مِنَ الأُمّةِ إِلّا النّاصِبِينَ وَ المُكَاثِرِينَ وَ الجَاحِدِينَ وَ المُعَانِدِينَ،فَأَمّا مَن تَمَسّكَ بِالتّوحِيدِ وَ الإِقرَارِ بِمُحَمّدٍ وَ الإِسلَامِ وَ لَم يَخرُج مِنَ المِلّةِ، وَ لَم يُظَاهِر عَلَينَا الظّلَمَةَ، وَ لَم يَنصِب لَنَا العَدَاوَةَ، وَ شَكّ فِي الخِلَافَةِ، وَ لَم يَعرِف أَهلَهَا وَ وُلَاتَهَا، وَ لَم يَعرِف لَنَا وَلَايَةً، وَ لَم يَنصِب لَنَا عَدَاوَةً، فَإِنّ ذَلِكَ مُسلِمٌ مُستَضعَفٌ يُرجَي لَهُ رَحمَةُ اللّهِ وَ يُتَخَوّفُ عَلَيهِ ذُنُوبُهُ.


صفحه : 472

قَالَ أَبَانٌ قَالَ سُلَيمُ بنُ قَيسٍ فَلَم يَبقَ يَومَئِذٍ مِن شِيعَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَحَدٌ إِلّا تَهَلّلَ وَجهُهُ وَ فَرِحَ بِمَقَالَتِهِ،إِذ شَرَحَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ الأَمرَ وَ بَاحَ بِهِ، وَ كَشَفَ الغِطَاءَ، وَ تَرَكَ التّقِيّةَ، وَ لَم يَبقَ أَحَدٌ مِنَ القُرّاءِ مِمّن كَانَ يَشُكّ فِي المَاضِينَ وَ يَكُفّ عَنهُم وَ يَدَعُ البَرَاءَةَ مِنهُم وَرِعاً وَ تَأَثّماً إِلّا استَيقَنَ وَ استَبصَرَ وَ حَسُنَ وَ تَرَكَ الشّكّ وَ الوُقُوفَ، وَ لَم يَبقَ أَحَدٌ حَولَهُ أَتَي بَيعَتَهُ عَلَي وَجهِ مَا بُويِعَ عُثمَانُ وَ المَاضُونَ قَبلَهُ إِلّا رئُيِ‌َ ذَلِكَ فِي وَجهِهِ وَ ضَاقَ بِهِ أَمرُهُ، وَ كَرِهَ مَقَالَتَهُ، ثُمّ إِنّهُم استَبصَرَ عَامّتُهُم وَ ذَهَبَ شَكّهُم. قَالَ أَبَانٌ، عَن سُلَيمٍ فَمَا شَهِدتُ يَوماً قَطّ عَلَي رُءُوسِ العَامّةِ أَقَرّ لِأَعيُنِنَا مِن ذَلِكَ اليَومِ لَمّا كَشَفَ لِلنّاسِ مِنَ الغِطَاءِ، وَ أَظهَرَ فِيهِ مِنَ الحَقّ، وَ شَرَحَ فِيهِ مِنَ الأَمرِ، وَ أَلقَي فِيهِ التّقِيّةَ وَ الكِتمَانَ، وَ كَثُرَتِ الشّيعَةُ بَعدَ ذَلِكَ المَجلِسِ مُذ ذَلِكَ اليَومِ، وَ تَكَلّمُوا وَ قَد كَانُوا أَقَلّ أَهلِ عَسكَرِهِ، وَ صَارَ النّاسُ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَلَي عِلمٍ بِمَكَانِهِ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ صَارَتِ الشّيعَةُ بَعدَ ذَلِكَ المَجلِسِ أَجَلّ النّاسِ وَ أَعظَمَهُم وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي جُلّ النّاسِ وَ أَعظَمُهُم وَ ذَلِكَ بَعدَ وَقعَةِ النّهرَوَانِ، وَ هُوَ يَأمُرُ بِالتّهيِئَةِ وَ المَسِيرِ إِلَي مُعَاوِيَةَ، ثُمّ لَم يَلبَث أَن قُتِلَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ،قَتَلَهُ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ غِيلَةً وَ فَتكاً، وَ قَد كَانَ سَيفُهُ مَسمُوماً قَبلَ ذَلِكَ.


صفحه : 473

توضيح

قوله عليه السلام تبّت أيديكم .. التّباب الخسران والهلاك ، و في بعض النسخ كما في النهج تربت ، وهي‌ كلمة يدعي علي الإنسان بها، أي لاأصبتم خيرا وأصل ترب أصابه التّراب،فكأنّه يدعو عليه بأن يفتقر. قوله عليه السلام حمس الوغاء .. أي اشتدّ الحرب ، وأصل الوغاء الصّوت والجلبة،سمّيت الحرب بها لما فيها من الأصوات والجلبة. قوله عليه السلام واحمرّ الموت .. قال في النهاية فيه .. الموت الأحمر يعني‌ القتل لما فيه من حمرة الدّم أولشدّته،يقال موت أحمر أي شديد. و في النهج واستحر الموت .. قال في النّهاية أي اشتدّ وكثر، و هواستفعل من الحرّ الشّدّة، و منه حديث عليّ عليه السّلام حمس الوغا واستحرّ الموت . وقيل يحتمل أن يكون المراد شدته الشبيهة بالحرارة مجازا أوخلوصه وحضوره ،فيكون اشتقاقه من الحرية. قوله عليه السلام انفراج الرأس .. أي تتفرّقون عنيّ‌ أشدّ تفرّق، و هومثل ، وقيل أوّل من تكلّم به أكثم بن صيفي‌ في وصيّته يابني‌ لاتتفرّقوا في


صفحه : 474

الشدائد انفراج الرأس ،فإنّكم بعد ذلك لاتجتمعون علي عسر. و في معناه أقوال أحدها ماذكره ابن دريد، و هو أنّ المراد به انفراج الرأس عن البدن ،فإنّه لايقبل الالتئام و لا يكون بعده اتّصال.ثانيها قال المفضّل الرأس اسم رجل ينسب إليه قرية من قري الشام ،يقال لها بيت الرأس ، و فيهايباع الخمر، قال حسّان


كأنّ سبيئته من بيت رأس   يكون مزاجها عسل وماء[BA]كذا]

و هذا الرجل كان قدانفرج عن قومه ومكانه فلم يعد إليه ،فضرب به المثل في المفارقة.ثالثها قال بعضهم معناه أنّ الرأس إذاانفرج بعض عظامه عن بعض كان ذلك بعدالالتئام والعود إلي الصحّة.رابعها قال القطب الراوندي‌ رحمه اللّه معناه انفرجتم عنيّ‌ رأسا أي بالكليّة. واعترض عليه ابن أبي الحديد بأنّه لايعرف ، و فيه نظر.خامسها ماقاله الراوندي‌ أيضا أي انفراج من أدلي برأسه إلي غيره ثم حرف رأسه عنه .


صفحه : 475

واعترض ابن أبي الحديد بأنّه لاخصوصيّة للرأس في ذلك ، و لايخفي ضعفه ، فإنّ وجه التخصيص ظاهر، و هومثل مشهور بين العرب والعجم .سادسها إنّ معناه انفراج المرأة عن رأس ولدها حالة الوضع ،فإنّه يكون في غاية الشدّة وتفرّق الاتّصال والانفراج . و أمّا انفراج المرأة عن قبلها،فقيل انفراج المرأة البغيّة وتسليمها لقبلها. وقيل أريد انفراجها وقت الولادة. وقيل وقت الطعان ، والأوسط أظهر. و علي التقدير إنّما شبّه عليه السلام هذاالتشبيه ليرجعوا إلي الأنفة. قوله عليه السلام يجزّ لحمه .. في النهج يعرق لحمه ،يقال عرق اللّحم إذا لم يبق علي العظم منه شيئا. والفري‌ القطع . والهشم كسر العظام .


صفحه : 476

والجوانح الأضلاع ممّا يلي‌ الصّدر،الواحد جانحة. وفراش الهام العظام الرّفيعة علي القحف ، و هوبالكسر العظم فوق الدّماغ. وطاح يطوح ويطيح هلك وأشرف علي الهلاك ، وذهب وسقط وتاه في الأرض . والمعاصم جمع معصم بالكسر و هوموضع السّوار من السّاعد. و في النهج تطيح السواعد والأقدام . ونابذه الحرب كاشفه . والنّيّف .. ككيّس، و قديخفّف الزّيادة بين العددين . قوله أونبوة .. أي كلالا وتقصيرا،يقال نبأ السّيف عن الضّريبة .. أي كلّ، والسّهم عن الهدف أي قصّر.


صفحه : 477

و في بعض النسخ أوسوأة .. أي قبيحا.أقول أورده الديلمي‌ في إرشاد القلوب مع اختصار.


صفحه : 479

41- باب العلّة التي‌ من أجلها ترك الناس عليّا عليه السلام

ع ، لي أَحمَدُ بنُ يَحيَي المُكَتّبُ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ الوَرّاقِ، عَن مُحَمّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ دُرَيدٍ، عَنِ العَبّاسِ بنِ الفَرَجِ الريّاَشيِ‌ّ، عَن أَبِي زَيدٍ النحّويِ‌ّ قَالَ سَأَلتُ الخَلِيلَ بنَ أَحمَدَ العرَوُضيِ‌ّ فَقُلتُ لِمَ هَجَرَ النّاسُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ وَ قُربَاهُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قُربَاهُ، وَ مَوضِعُهُ مِنَ المُسلِمِينَ مَوضِعُهُ، وَ عَنَاؤُهُ فِي الإِسلَامِ عَنَاؤُهُ. فَقَالَ بَهَرَ وَ اللّهِ نُورُهُ أَنوَارَهُم، وَ غَلَبَهُم عَلَي صَفوِ كُلّ مَنهَلٍ، وَ النّاسُ إِلَي أَشكَالِهِم أَميَلُ، أَ مَا سَمِعتَ الأَوّلَ حَيثُ يَقُولُ


وَ كُلّ شَكلٍ لِشَكلِهِ إلفٌ   أَ مَا تَرَي الفِيلَ يَألَفُ الفِيلَا

قَالَ وَ أَنشَدَنَا الريّاَشيِ‌ّ فِي مَعنَاهُ عَنِ العَبّاسِ بنِ الأَحنَفِ


صفحه : 480


وَ قَائِلٌ كَيفَ تَهَاجَرتُمَا   فَقُلتُ قَولًا فِيهِ إِنصَافٌ

لَم يَكُ مِن شكَليِ‌ فَهَاجَرتُهُ   وَ النّاسُ أَشكَالٌ وَ أُلّافٌ

بيان القربي بالضم مصدر بمعني القرابة. والعناء التّعب والنّصب. وبهره بهرا غلبه . والمنهل عين ماء ترده الإبل في المراعي‌، أي أخذ منهم من كلّ منهل من مناهل الخيرات والسعادات صفوه وخالصه . والإلف بالكسر الأليف ، والألّاف بالضم والتشديد جمع آلف ،ككافر وكفّار.

ن ، ع الطاّلقَاَنيِ‌ّ، عَن أَحمَدَ الهمَداَنيِ‌ّ، عَن عَلِيّ بنِ الحَسَنِ بنِ فَضّالٍ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي الحَسَنِ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَسَأَلتُهُ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ كَيفَ مَالَ النّاسُ عَنهُ إِلَي غَيرِهِ، وَ قَد عَرَفُوا فَضلَهُ وَ سَابِقَتَهُ وَ مَكَانَهُ مِن رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ. فَقَالَ إِنّمَا مَالُوا عَنهُ إِلَي غَيرِهِ وَ قَد عَرَفُوا فَضلَهُ لِأَنّهُ قَد كَانَ قَتَلَ مِن آبَائِهِم وَ أَجدَادِهِم وَ إِخوَانِهِم وَ أَعمَامِهِم وَ أَخوَالِهِم


صفحه : 481

وَ أَقرِبَائِهِمُ المُحَادّينَ لِلّهِ وَ لِرَسُولِهِ عَدَداً كَثِيراً، وَ كَانَ حِقدُهُم عَلَيهِ لِذَلِكَ فِي قُلُوبِهِم فَلَم يُحِبّوا أَن يَتَوَلّي عَلَيهِم، وَ لَم يَكُن فِي قُلُوبِهِم عَلَي غَيرِهِ مِثلُ ذَلِكَ،لِأَنّهُ لَم يَكُن لَهُ فِي الجِهَادِ بَينَ يدَيَ‌ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِثلُ مَا كَانَ،فَلِذَلِكَ عَدَلُوا عَنهُ وَ مَالُوا إِلَي سِوَاهُ.

قب سَأَلَ أَبُو زَيدٍ النحّويِ‌ّ الخَلِيلُ بنُ أَحمَدَ مَا بَالُ أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَأَنّهُم بَنُو أُمّ وَاحِدَةٍ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ كَأَنّهُ ابنُ عَلّةٍ. قَالَ تَقَدّمَهُم إِسلَاماً، وَ بَذّهُم شَرَفاً، وَ فَاقَهُم عِلماً، وَ رَجّحَهُم حِلماً، وَ كَثّرَهُم هُدًي،فَحَسَدُوهُ، وَ النّاسُ إِلَي أَمثَالِهِم وَ أَشكَالِهِم أَميَلُ ...

وَ قِيلَ لِمَسلَمَةَ بنِ نَمِيلَ مَا لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ رَفَضَهُ العَامّةُ وَ لَهُ فِي كُلّ خَيرٍ ضِرسٌ قَاطِعٌ. فَقَالَ لِأَنّ ضَوءَ عُيُونِهِم قَصِيرٌ عَن نُورِهِ، وَ النّاسُ إِلَي أَشكَالِهِم أَميَلُ ....

قال الشعبي‌ ماندري‌ مانصنع بعلي‌ّ بن أبي طالب ( ع )، إن أحببناه افتقرنا، و إن أبغضناه كفرنا. و قال النظام عليّ بن أبي طالب محنة علي المتكلّم، إن وفي حقّه غلا، و إن بخسه حقّه أساء، والمنزلة الوسطي دقيقة الوزن ،حادّة الشّاف،صعب الترقيّ‌


صفحه : 482

إلّا علي الحاذق الديّن. و قال أبوالعيناء لعلي‌ّ بن الجهم إنّما تبغض عليّا عليه السلام لأنّه كان يقتل الفاعل والمفعول و أنت أحدهما. فقال له يامخنّث فقال أبوالعيناءوَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نسَيِ‌َ خَلقَهُ.بيان قال في النهاية أولاد العلّات الّذين أمّهاتهم مختلفة وأبوهم واحد.

قب قَالَ ابنُ عُمَرَ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ كَيفَ تُحِبّكَ قُرَيشٌ وَ قَد قَتَلتَ فِي يَومِ بَدرٍ وَ أُحُدٍ مِن سَادَاتِهِم سَبعِينَ سَيّداً تَشرَبُ أُنُوفُهُمُ المَاءَ قَبلَ شِفَاهِهِم. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ


مَا تَرَكَت بَدرٌ لَنَا مَذِيقاً   وَ لَا لَنَا مِن خَلفِنَا طَرِيقاً

وَ سُئِلَ زَينُ العَابِدِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ ابنُ عَبّاسٍ أَيضاً لِمَ أَبغَضَت قُرَيشٌ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ. قَالَ لِأَنّهُ أَورَدَ أَوّلَهُمُ النّارَ وَ قَلّدَ آخِرَهُمُ العَارَ.

مَعرِفَةُ الرّجَالِ، عَنِ الكشَيّ‌ّ أَنّهُ كَانَت عَدَاوَةُ أَحمَدَ بنِ حَنبَلٍ لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ جَدّهُ ذَا الثّدَيّةِ قَتَلَهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ يَومَ النّهرَوَانِ.


صفحه : 483

كَامِلُ المُبَرّدِ أَنّهُ كَانَ أَصمَعُ بنُ مُظهِرٍ جَدّ الأصَمعَيِ‌ّ قَطَعَهُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فِي السّرِقَةِ،فَكَانَ الأصَمعَيِ‌ّ يُبغِضُهُ،قِيلَ لَهُ مَن أَشعَرُ النّاسِ. قَالَ مَن قَالَ


كَأَنّ أَكُفّهُمُ الهُمَامُ تهَويِ‌   عَنِ الأَعنَاقِ تَلعَبُ بِالكُرِينَا

فَقَالُوا السّيّدُ الحمِيرَيِ‌ّ. فَقَالَ هُوَ وَ اللّهِ أَبغَضُهُم إلِيَ‌ّ.

بيان شرب أنوفهم الماء قبل شفاههم .. كناية عن طول أنوفهم لبيان حسنهم ، فإنّ العرب تمتدح بذلك ، و قدروي نحوه في أوصاف النبيّ صلّي اللّه عليه وآله ، أولبيان شرفهم وفخرهم فإنّهما ممّا ينسب إلي الأنف ، والأول أظهر. والمذيق اللّبن الممزوج بالماء، و قدمذقت اللّبن فهو ممذوق ومذيق ، و رجل مماذق غيرمخلص في الودّ. و في الديوان صديقا،مكان مذيقا. والكرين بضم الكاف وكسرها جمع كرة.

ع ، لي الحُسَينُ بنُ عَبدِ اللّهِ العسَكرَيِ‌ّ، عَن اِبرَاهِيمَ بنِ رَعدٍ العبَشمَيِ‌ّ، عَن ثُبَيتِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِي الأَحوَصِ المصِريِ‌ّ، عَن جَمَاعَةٍ مِن


صفحه : 484

أَهلِ العِلمِ، عَنِ الصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَ بَينَمَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ فِي أَصعَبِ مَوقِفٍ بِصِفّينَ إِذ قَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ مِن بنَيِ‌ دُودَانَ فَقَالَ مَا بَالُ قَومِكُم دَفَعُوكُم عَن هَذَا الأَمرِ، وَ أَنتُمُ الأَعلَونَ نَسَباً، وَ أَشَدّ نَوطاً بِالرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ فَهماً بِالكِتَابِ وَ السّنّةِ فَقَالَ سَأَلتَ يَا أَخَا بنَيِ‌ دُودَانَ وَ لَكَ حَقّ المَسأَلَةِ وَ ذِمَامُ الصّهرِ، وَ إِنّكَ لَقَلِقُ الوَضِينِ تُرسِلُ عَن ذيِ‌ مَسَدّ،إِنّهَا امرَأَةٌ شَحّت عَلَيهَا نُفُوسُ قَومٍ وَ سَخَت عَنهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَ نِعمَ الحَكَمُ اللّهُ،فَدَع عَنكَ نَهباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ، وَ هَلُمّ الخَطبَ فِي ابنِ أَبِي سُفيَانَ،فَلَقَد أضَحكَنَيِ‌ الدّهرُ بَعدَ إِبكَائِهِ.


وَ لَا غَروَ إِلّا جاَرتَيِ‌ وَ سُؤَالُهَا   أَلَا هَل لَنَا أَهلٌ سَأَلَت كَذَلِكَ

بِئسَ القَومُ مَن خفَضَنَيِ‌ وَ حَاوَلُوا الإِدهَانَ فِي دِينِ اللّهِ، فَإِن تُرفَع عَنّا مِحَنُ


صفحه : 485

البَلوَي أَحمِلهُم مِنَ الحَقّ عَلَي مَحضِهِ، وَ إِن تَكُنِ الأُخرَي فَلَا تَأسَ عَلَي القَومِ الفَاسِقِينَ،إِلَيكَ عنَيّ‌ يَا أَخِي بنَيِ‌ سِيدَانَ.

نهج وَ مِن كَلَامٍ لَهُ( ع )لِبَعضِ أَصحَابِهِ وَ قَد سَأَلَهُ كَيفَ دَفَعَكُم قَومُكُم عَن هَذَا المَقَامِ وَ أَنتُم أَحَقّ بِهِ فَقَالَ يَا أَخَا بنَيِ‌ أَسَدٍ إِنّكَ لَقَلِقُ الوَضِينِ تُرسِلُ فِي غَيرِ سَدَدٍ، وَ لَكَ بَعدُ ذِمَامَةُ الصّهرِ وَ حَقّ المَسأَلَةِ، وَ قَدِ استَعلَمتَ فَاعلَم أَمّا الِاستِبدَادُ عَلَينَا بِهَذَا المَقَامِ وَ نَحنُ الأَعلَونَ نَسَباً، وَ الأَشّدّ بِالرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ نَوطاً،فَإِنّهَا كَانَت أَثَرَةً شَحّت عَلَيهَا نُفُوسُ قَومٍ وَ سَخَت عَنهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَ الحَكَمُ اللّهُ، وَ المَعوَدُ إِلَيهِ القِيَامَةُ .. وَ دَع عَنكَ نَهباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ .. وَ هَلُمّ الخَطبَ فِي ابنِ أَبِي سُفيَانَ فَلَقَد أضَحكَنَيِ‌ الدّهرُ بَعدَ إِبكَائِهِ، وَ لَا غَروَ وَ اللّهِ،فَيَا لَهُ خَطباً يَستَفرِغُ العُجبَ وَ يُكثِرُ الأَوَدَ حَاوَلَ القَومُ إِطفَاءَ نُورِ اللّهِ مِن مِصبَاحِهِ، وَ سَدّ فَوّارِهِ مِن يَنبُوعِهِ، وَ جَدَحُوا بيَنيِ‌ وَ بَينَهُم شِرباً وَبِيئاً، فَإِن يَرتَفِع عَنّا وَ عَنهُم مِحَنُ البَلوَي،أَحمِلهُم مِنَ الحَقّ عَلَي مَحضِهِ، وَ إِن تَكُنِ الأُخرَي،فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَراتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما يَصنَعُونَ.


صفحه : 486

ولنوضح روايتي‌ الصدوق والسيّد رضي‌ اللّه عنهما قال الفيروزآبادي‌ دودان .. ابن أسد أبوقبيلة فلاينافي‌ ما في النهج أنّه كان من بني‌ أسد. و قال الجوهري‌ ناط الشي‌ّء ينوطه نوطا علّقه. قوله عليه السلام ذمام الصهر .. الذّمام بالكسر الحرمة، و أمّا كونه صهرا فقيل لأنّ زينب بنت جحش زوجة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله كانت أسديّة، ونقل الراوندي‌ رحمه اللّه أنّه كان متزوّجا في بني‌ أسد، وأنكره ابن أبي الحديد. و قال في النهاية في حديث عليّ( عليه السلام )‌«إنّك لقلق الوضين ».. الوضين بطان منسوج بعضه علي بعض يشدّ به الرّحل علي البعير كالحزام للسّرج،أراد به أنّه سريع الحركة،يصفه ،بالخفّة وقلّة الثّبات،كالحزام إذا كان رخوا. قوله عليه السلام ترسل في غيرسدد .. الإرسال الإطلاق والإهمال والتّوجيه، والسّدد والسداد الاستقامة والصّواب .. أي تطلق عنان دابّتك أوتهملها وتوجّهها في غيرمواضعها، أي تتكلّم في غيرموضع الكلام ، وتسأل مثل هذاالأمر ألذي لايمكن التصريح بمخّ الحقّ فيه في مجمع النّاس.


صفحه : 487

و في رواية الصدوق عن ذي‌ مسد .. والمسد الحبل الممسود أي المفتول من نبات أولحاء شجرة، وقيل المسد المرود البكرة ألّذي تدور عليه ذكرهما في النهاية فيمكن أن يقرأ علي بناء المعلوم .. أي ترسل الكلام كمايرسل البكرة علي المرود عندالاستقاء، أوالمعني تطلق حيوانا له مسد ربط به ،كناية عن التكلّم بما له مانع عن التكلّم به ، و علي المجهول .. أي تنطق بالكلام عن غيرتأمّل ثم تصير معلّقا بالحبل بين السماء و الأرض لاتدري‌ الحيلة فيه ، أوبتشديد الدال .. أي ترسل الماء عن مجري له محل سدّ أووسّد، والأظهر أنّه تصحيف ، وفيما سيأتي‌ من رواية المفيد من غيرذي‌ مسد، و هوأظهر. والاستبداد بالشيّ‌ء التّفرّد به ، والضمير في قوله عليه السلام فإنّها .. راجعة إلي الخلافة أوالدنيا لظهورهما بقرينة المقام . وقيل إلي الأثرة المفهومة من الاستبداد، و هوبعيد. و في الأمالي‌ امرأة، وكأنّه تصحيف إمرة بالكسر أي إمارة. قوله عليه السلام شحّت .. أي بخلت ، والنفوس الشاحّة نفوس أهل السقيفة.


صفحه : 488

قوله عليه السلام والمعود إليه .. اسم مكان ، ويروي يوم القيامة بالنصب علي أن يكون ظرفا، والعامل فيه المعود علي أن يكون مصدرا. قوله عليه السلام دع عنك نهبا صيح في حجراته .. البيت لإمر‌ئ القيس وتمامه


  لكن حديثا ماحديث الرواحل

، و كان من قصّة هذاالشعر أنّ إمرأ القيس لمّا انتقل في أحياء العرب بعدقتل أبيه نزل علي رجل من جديلة طي‌ يقال له طريف ،فأحسن جواره ،فمدحه وأقام عنده ، ثم إنّه خاف أن لا يكون له منعة فتحول ونزل علي خالد بن سدوس النبهاني‌ فأغارت بنو جديلة علي إمر‌ئ القيس و هو في جوار خالد فذهبوا بإبله ، فلمّا أتاه الخبر ذكر ذلك لجاره فقال له أعطني‌ رواحلك ألحق عليها القوم فأردّ عليك إبلك ففعل ،فركب خالد في أثر القوم حتي أدركهم ، فقال يابني‌ جديلة أغرتم علي إبل جاري‌.فقالوا ما هو لك بجار. قال بلي و اللّه و هذه رواحله .قالوا كذلك . قال نعم .فرجعوا إليه وأنزلوه عنهنّ وذهبوا بهنّ وبالإبل . وقيل بل انطوي خالد علي الإبل فذهب بها، فقال إمرؤ القيس


صفحه : 489

دع عنك .. إلي آخر القصيدة، والمعني دع عنك نهبا .. أي اتركه . والنّهب الغنيمة. والحجرات النوّاحي‌ جمع حجرة كجمرة وجمرات . والصياح صياح الغارة. والرّواحل جمع راحلة وهي‌ النّاقة التي‌ّ تصلح لأن يشدّ الرّحل علي ظهرها، وانتصب حديثا بإضمار فعل .. أي حدثّني‌ أوهات أواسمع ، ويروي بالرفع .. أي غرضي‌ حديث فحذف المبتدأ، و( ما)هاهنا تحتمل أن تكون إبهاميّة،هي‌ التي‌ إذااقترنت بنكرة زادته إبهاما، أوصلة مؤكّدة كما في قوله تعالي فَبِما نَقضِهِم مِيثاقَهُم. و أمّا حديث الثاني‌ فقد ينصب علي البدل من الأول ، و قديرفع علي أن يكون ( ما)موصولة وصلتها الجملة .. أي ألذي هوحديث الرواحل ، ثم حذف صدرها كماحذف في تَماماً عَلَي ألّذِي أَحسَنَ، أو علي أن تكون استفهاميّة بمعني أيّ. و قوله عليه السلام وهلمّ الخطب .. يؤيّد أنّه عليه السلام لم يستشهد إلّا بصدر البيت ،فإنّه قائم مقام قول إمر‌ئ القيس ولكن حديثا ما.


صفحه : 490

وهلمّ يستعمل لازما ومتعدّيا،فاللّازم بمعني تعال ، ويستوي‌ فيه الواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث في لغة أهل الحجاز، و أهل نجد يقولون هلمّا وهلمّوا، والمتعديّ‌ بمعني هات ، قال تعالي هَلُمّ شُهَداءَكُمُ وهنا يحتمل الوجهين ، و إن كان الثاني‌ أظهر، أي لاتسأل عن اللصوص الثلاثة الماضية،فإنّهم نهبوا الخلافة وصاحوا في حجراته ومضوا، ولكن هات مانحن فيه الآن من خطب ابن أبي سفيان لنتكلّم فيه ونشتغل بدفعه ،فإنّه أعجب وأغرب ، والتعرّض له أهمّ. والخطب الحادث الجليل والأمر العظيم . قوله عليه السلام بعدإبكائه .. قيل الإبكاء إشارة إلي ما كان عليه من الكآبة لتقدّم الخلفاء، والضحك للتعجب من أنّ الدهر لم يقنع بذلك حتي جعل معاوية منازعا له في الخلافة، والأظهر أنّ كليهما في أمر معاوية، أو في أمره وأمر من تقدّمه فإنّها محل للحزن والتعجب معا. والغرو بالغين المعجمة المفتوحة والراء المهملة الساكنة العجب أي لاعجب و اللّه، ثم فسّره بما بعده فقال يستفرغ العجب .. أي لم يبق منه ما


صفحه : 491

يطلق عليه لفظ التعجب ، و هذا من المبالغة في المبالغة، أي هذاأمر يجلّ عن التعجب كقول ابن هاني‌ المغربي‌


قدسرت في الميدان يوم طرادهم   فعجبت حتي كدت لاأتعجّب

والأود العوج ، ويحتمل أن يكون لاغرو،معناه أنّ ماورد عليّ ليس بعجب من تقلّبات الدنيا وأحوالها، وقوة الباطل وغلبة أهله فيها،فيكون قوله عليه السلام فيا له .. استئنافا لاستعظام الأمر، أوالمعني لاغرو في أن أضحكني‌ وأبكاني‌ لأمر واحد. و أمّا رواية الصدوق ،فلعلّ المعني لاعجب إلّا من جارتي‌، وسؤالها عنيّ‌ لم لم تنتصر ممّن ظلمك هل كان لي أهل يعينني‌ فأسأل عن ذلك أي مع علمك بتفردّي‌ وتخذّل الناس عنيّ‌ ماكنت تحتاج إلي السؤال عن علّة الأمر. وفوّار الينبوع بالفتح وتشديد الواو ثقب البئر، والفوار بالضم والتخفيف مايفور من حرّ القدر، وقر‌ئ بهما، والأول أظهر. وجدحوا .. أي خلطوا ومزجوا وأفسدوا. والوبي‌ّ ذو الوباء والمرض .


صفحه : 492

والشّرب بالكسر الحظّ من الماء، والشرب الوبي‌ هوالفتنة الحاصلة من عدم انقيادهم له عليه السلام كالشرب المخلوط بالسمّ. قوله عليه السلام فإن يرتفع .. أي بأن يتّبعوا أمري‌.

قل حَكَي أَبُو هِلَالٍ العسَكرَيِ‌ّ فِي كِتَابِ الأَوَائِلِ عِندَ ذِكرِ أَبِي الهَيثَمِ بنِ التّيّهَانِإِنّهُ أَوّلُ مَن ضَرَبَ عَلَي يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي ابتِدَاءِ أَمرِ نُبُوّتِهِ. ثُمّ قَالَ بِإِسنَادِهِ إِنّ أَبَا الهَيثَمِ قَامَ خَطِيباً بَينَ يدَيَ‌ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ إِنّ حَسَدَ قُرَيشٍ إِيّاكَ عَلَي وَجهَينِ أَمّا خِيَارُهُم،فَتَمَنّوا أَن يَكُونُوا مِثلَكَ مُنَافَسَةً فِي المَلَإِ وَ ارتِفَاعِ الدّرَجَةِ، وَ أَمّا شِرَارُهُم،فَحَسَدُوا حَسَداً أَثقَلَ القُلُوبَ وَ أَحبَطَ الأَعمَالَ، وَ ذَلِكَ أَنّهُم رَأَوا عَلَيكَ نِعمَةً قَدّمَهَا إِلَيكَ الحَظّ وَ أَخّرَهُم عَنهَا الحِرمَانُ،فَلَم يَرضَوا أَن يَلحَقُوا حَتّي طَلَبُوا أَن يَسبِقُوكَ،


صفحه : 493

فَبَعُدَت وَ اللّهِ عَلَيهِمُ الغَايَةُ، وَ قُطِعَتِ المِضمَارُ، فَلَمّا تَقَدّمتَهُم بِالسّبقِ وَ عَجَزُوا عَنِ اللّحَاقِ بَلَغُوا مِنكَ مَا رَأَيتَ، وَ كُنتَ وَ اللّهِ أَحَقّ قُرَيشٍ بِشُكرِ قُرَيشٍ،نَصَرتَ نَبِيّهُم حَيّاً، وَ قَضَيتَ عَنهُ الحُقُوقَ مَيّتاً، وَ اللّهِ مَا بَغيُهُم إِلّا عَلَي أَنفُسِهِم، وَ لَا نَكَثُوا إِلّا بَيعَةَ اللّهِ،يَدُ اللّهِ فَوقَ أَيدِيهِم فِيهَا، وَ نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنصَارِ أَيدِينَا وَ أَلسِنَتُنَا مَعَكَ،فَأَيدِينَا عَلَي مَن شَهِدَ وَ أَلسِنَتُنَا عَلَي مَن غَابَ.

رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ النّهجِ عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدِ بنِ أَبِي سَيفٍ المدَاَئنِيِ‌ّ، عَن فُضَيلِ بنِ الجَعدِ، قَالَآكَدُ الأَسبَابِ كَانَ فِي تَقَاعُدِ العَرَبِ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَمرُ المَالِ،فَإِنّهُ لَم يَكُن يُفَضّلُ شَرِيفاً عَلَي مَشرُوفٍ، وَ لَا عَرَبِيّاً عَلَي عجَمَيِ‌ّ، وَ لَا يُصَانِعُ الرّؤَسَاءَ وَ أُمَرَاءَ القَبَائِلِ كَمَا يَصنَعُ المُلُوكُ، وَ لَا يَستَمِيلُ أَحَداً إِلَي نَفسِهِ، وَ كَانَ مُعَاوِيَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ،فَتَرَكَ النّاسُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ وَ التَحَقُوا بِمُعَاوِيَةَ،فَشَكَا عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِلَي الأَشتَرِ تَخَاذُلَ أَصحَابِهِ وَ فِرَارَ بَعضِهِم إِلَي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ الأَشتَرُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّا قَاتَلنَا أَهلَ البَصرَةِ بِأَهلِ البَصرَةِ وَ أَهلِ الكُوفَةِ وَ رأَي‌ُ النّاسِ وَاحِدٌ، وَ قَدِ اختَلَفُوا بَعدُ وَ تَعَادَوا وَ ضَعُفَتِ النّيّةُ وَ قَلّ العَدَدُ، وَ أَنتَ تَأخُذُهُم بِالعَدلِ، وَ تَعمَلُ فِيهِم بِالحَقّ،


صفحه : 494

وَ تُنصِفُ لِلوَضِيعِ مِنَ الشّرِيفِ،فَلَيسَ لِلشّرِيفِ عِندَكَ فَضلُ مَنزِلَةٍ،فَضَجّت طَائِفَةٌ مِمّن تَبِعَكَ مِنَ الحَقّ إِذ عَمَوا بِهِ وَ اغتَمّوا مِنَ الحَقّ إِذ صَارُوا فِيهِ، وَ رَأَوا صَنَائِعَ مُعَاوِيَةَ عِندَ أَهلِ الغَنَاءِ وَ الشّرَفِ،فَتَاقَت أَنفُسُ النّاسِ إِلَي الدّنيَا، وَ قَلّ مَن لَيسَ لِلدّنيَا، وَ أَكثَرُهُم يجَتوَيِ‌ الحَقّ وَ يشَترَيِ‌ البَاطِلَ، وَ يُؤثِرُ الدّنيَا، فَإِن تَبذُلِ المَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ تَمِل إِلَيكَ أَعنَاقُ الرّجَالِ وَ تَصفُو نَصِيحَتُهُم، وَ يَستَخلِصُ وُدّهُم لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ وَ كُبّت أَعدَاؤُكَ، وَ فُضّ جَمعُهُم، وَ أُوهِنَ كَيدُهُم، وَ شُتّتَ أُمُورُهُم،إِنّهُ بِما يَعمَلُونَ خَبِيرٌ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن عِلمِنَا وَ سِيرَتِنَا بِالعَدلِ، فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَ جَلّ يَقُولُمَن عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفسِهِ وَ مَن أَساءَ فَعَلَيها وَ ما رَبّكَ بِظَلّامٍ


صفحه : 495

لِلعَبِيدِ، وَ أَمّا[ أَنَا] مِن أَن أَكُونَ مُقَصّراً فِيمَا ذَكَرتَ أَخوَفُ. وَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن أَنّ الحَقّ ثَقِيلٌ عَلَيهِم فَفَارَقُوا بِذَلِكَ،فَقَد عَلِمَ اللّهُ أَنّهُم لَم يُفَارِقُونَا مِن جَورٍ وَ لَا لَجَئُوا إِذ فَارَقُونَا إِلَي عِدلٍ، وَ لَم يَلتَمِسُوا إِلّا دُنيَا زَائِلَةً عَنهُم كَانَ قَد فَارَقُوهَا، وَ لَيُسأَلُنّ يَومَ القِيَامَةِ أَ لِلدّنيَا أَرَادُوا أَم لِلّهِ عَمِلُوا. وَ أَمّا مَا ذَكَرتَ مِن بَذلِ الأَموَالِ وَ اصطِنَاعِ الرّجَالِ،فَإِنّهُ لَا يَسَعُنَا أَن نؤُتيِ‌َ امرَأً مِنَ الفيَ‌ءِ أَكثَرَ مِن حَقّهِ، وَ قَد قَالَ اللّهُ سُبحَانَهُ وَ قَولُهُ الحَقّكَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ وَ قَد بَعَثَ اللّهُ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَحدَهُ، وَ كَثّرَهُ بَعدَ القِلّةِ، وَ أَعَزّ فِئَتَهُ بَعدَ الذّلّةِ، وَ إِن يُرِدِ اللّهُ أَن يُوَلّيَنَا هَذَا الأَمرَ يُذَلّل لَنَا صَعبَهُ، وَ يُسَهّل لَنَا حَزنَهُ، وَ أَنَا قَابِلٌ مِن رَأيِكَ مَا كَانَ لِلّهِ عَزّ وَ جَلّ رِضًي، وَ أَنتَ مِن آمَنِ النّاسِ عنِديِ‌، وَ أَنصَحِهِم لِي، وَ أَوثَقِهِم فِي نفَسيِ‌ إِن شَاءَ اللّهُ.

وَ رَوَي أَيضاً فِي الكِتَابِ المَذكُورِ، عَن هَارُونَ بنِ سَعدٍ قَالَ قَالَ عَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَو أَمَرتَ لِي بِمَعُونَةٍ أَو نَفَقَةٍ فَوَ اللّهِ مَا لِي نَفَقَةٌ إِلّا أَن أَبِيعَ داَبتّيِ‌. فَقَالَ لَا وَ اللّهِ، مَا أَجِدُ لَكَ شَيئاً إِلّا أَن تَأمُرَ عَمّكَ يَسرِقُ فَيُعطِيكَ.

ماجَمَاعَةٌ، عَن أَبِي المُفَضّلِ، عَن مُحَمّدِ بنِ العَبّاسِ النحّويِ‌ّ، عَنِ


صفحه : 496

الخَلِيلِ بنِ أَسَدٍ، عَن مُحَمّدِ بنِ سَلّامٍ، قَالَ حدَثّنَيِ‌ يُونُسُ بنُ حَبِيبٍ النحّويِ‌ّ وَ كَانَ عُثمَانِيّاً قَالَ قُلتُ لِلخَلِيلِ بنِ أَحمَدَ أُرِيدُ أَن أَسأَلَكَ عَن مَسأَلَةٍ فَتَكتُمُهَا عَلَيّ قَالَ إِنّ قَولَكَ يَدُلّ عَلَي أَنّ الجَوَابَ أَغلَظُ مِنَ السّؤَالِ،فَتَكتُمُهُ أَنتَ أَيضاً قَالَ قُلتُ نَعَم أَيّامَ حَيَاتِكَ. قَالَ سَل. قَالَ مَا بَالُ أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ رَحِمِهِم كَأَنّهُم كُلّهُم بَنُو أُمّ وَاحِدَةٍ وَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ مِن بَينِهِم كَأَنّهُ ابنُ عَلّةٍ. قَالَ مِن أَينَ لَكَ هَذَا السّؤَالُ. قَالَ قُلتُ قَد وعَدَتنَيِ‌ الجَوَابَ. قَالَ قَد ضَمِنتَ لِيَ الكِتمَانَ. قَالَ قُلتُ أَيّامَ حَيَاتِكَ. فَقَالَ إِنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ تَقَدّمَهُم إِسلَاماً وَ فَاقَهُم عِلماً، وَ بَذّهُم شَرَفاً، وَ رَجّحَهُم زُهداً، وَ طَالَهُم جِهَاداً،فَحَسَدُوهُ، وَ النّاسُ إِلَي أَشكَالِهِم وَ أَشبَاهِهِم أَميَلُ مِنهُم إِلَي مَن بَانَ مِنهُم،فَافهَم.


صفحه : 497

51- باب شكاية أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه عمّن تقدّمه

مع ، ع مَاجِيلَوَيهِ، عَن عَمّهِ، عَنِ البرَقيِ‌ّ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَن أَبَانِ بنِ عُثمَانَ، عَن أَبَانِ بنِ تَغلِبَ، عَن عِكرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَذَكَرتُ الخِلَافَةَ عِندَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ وَ اللّهِ لَقَد تَقَمّصَهَا أَخُو تَيمٍ وَ إِنّهُ لَيَعلَمُ أَنّ محَلَيّ‌ مِنهَا مَحَلّ القُطبِ مِنَ الرّحَي،يَنحَدِرُ عنَيّ‌ السّيلُ وَ لَا يَرقَي إلِيَ‌ّ الطّيرُ،فَسَدَلتُ دُونَهَا ثَوباً، وَ طَوَيتُ عَنهَا كَشحاً، وَ طَفِقتُ أرَتئَيِ‌ بَينَ أَن أَصُولَ بِيَدٍ جَذّاءَ أَو أَصبِرَ عَلَي طَخيَةٍ عَميَاءَ،يَشِيبُ فِيهَا الصّغِيرُ، وَ يَهرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ، وَ يَكدَحُ فِيهَا مُؤمِنٌ حَتّي يَلقَي رَبّهُ،فَرَأَيتُ أَنّ الصّبرَ


صفحه : 498

عَلَي هاتي [هَاتَا]أَحجَي،فَصَبَرتُ وَ فِي القَلبِ قَذًا، وَ فِي الحَلقِ شَجًا،أَرَي ترُاَثيِ‌ نَهباً، حَتّي إِذَا مَضَي الأَوّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدلَي بِهَا إِلَي فُلَانٍ بَعدَهُ،عَقَدَهَا لأِخَيِ‌ عدَيِ‌ّ بَعدَهُ،فَيَا عَجَباً بَينَا هُوَ يَستَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذ عَقَدَهَا الآخر[لِآخَرَ] بَعدَ وَفَاتِهِ،فَصَيّرَهَا وَ اللّهِ فِي حَوزَةٍ خَشنَاءَ،يَخشُنُ مَسّهَا، وَ يَغلُظُ كَلمُهَا، وَ يَكثُرُ العِثَارُ فِيهَا وَ الِاعتِذَارُ مِنهَا،فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصّعبَةِ، إِن عَنّفَ بِهَا حَرَنَ وَ إِن أَسلَسَ بِهَا غَسَقَ،فمَنُيِ‌َ النّاسُ لَعَمرُ اللّهِ بِخَبطٍ وَ شِمَاسٍ، وَ تَلَوّنٍ وَ اعتِرَاضٍ، وَ بَلوًي وَ هُوَ مَعَ هَنٍ وَ هنُيَ‌ّ،فَصَبَرتُ عَلَي طُولِ المُدّةِ وَ شِدّةِ المِحنَةِ، حَتّي إِذَا مَضَي لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أنَيّ‌ مِنهُم،فَيَا لِلّهِ وَ لِلشّورَي مَتَي اعتَرَضَ الرّيبُ فِيّ مَعَ الأَوّلِ مِنهُم حَتّي صِرتُ أُقرَنُ إِلَي هَذِهِ النّظَائِرِ


صفحه : 499

فَمَالَ رَجُلٌ بِضَبعِهِ، وَ أَصغَي آخَرُ لِصِهرِهِ، وَ قَامَ ثَالِثُ القَومِ نَافِجاً حِضنَيهِ بَينَ نَشِيلِهِ وَ مُعتَلَفِهِ، وَ قَامُوا مَعَهُ بني‌[بَنُو] أَبِيهِ يَخضَمُونَ مَالَ اللّهِ خَضمَ الإِبِلِ نَبتَ الرّبِيعِ، حَتّي أُجهِزَ عَلَيهِ عَمَلُهُ، وَ كَسَبَت بِهِ مَطِيّتُهُ،فَمَا راَعنَيِ‌ إِلّا وَ النّاسُ إلِيَ‌ّ كَعُرفِ الضّبُعِ قَدِ انثَالُوا عَلَيّ مِن كُلّ جَانِبٍ، حَتّي لَقَد وُطِئَ الحَسَنَانِ، وَ شُقّ عطِفاَي‌َ، حَتّي إِذَا نَهَضتُ بِالأَمرِ نَكَثَت طَائِفَةٌ، وَ فَسَقَت أُخرَي، وَ مَرَقَ آخَرُونَ،كَأَنّهُم لَم يَسمَعُوا اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي يَقُولُتِلكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأَرضِ وَ لا فَساداً وَ العاقِبَةُ لِلمُتّقِينَ،بَلَي وَ اللّهِ لَقَد سَمِعُوهَا وَ وَعَوهَا لَكِنِ احلَولَتِ الدّنيَا فِي أَعيُنِهِم، وَ رَاقَهُم زِبرِجُهَا، وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ لَو لَا حُضُورُ الحَاضِرِ وَ قِيَامُ الحُجّةِ بِوُجُودِ النّاصِرِ، وَ مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَي العُلَمَاءِ أَن لَا يَقِرّوا عَلَي كِظّةِ ظَالِمٍ


صفحه : 500

وَ لَا سَغَبِ مَظلُومٍ،لَأَلقَيتُ حَبلَهَا عَلَي غَارِبِهَا، وَ لَسَقَيتُ آخِرَهَا بِكَأسِ أَوّلِهَا، وَ لَأَلفَيتُم دُنيَاكُم هَذِهِ عنِديِ‌ أَزهَدَ مِن خَبقَةِ عَنزٍ .. وَ نَاوَلَهُ رَجُلٌ مِن أَهلِ السّوَادِ كِتَاباً فَقَطَعَ كَلَامَهُ وَ تَنَاوَلَ الكِتَابَ،فَقُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَوِ اطّرَدَت مَقَالَتُكَ إِلَي حَيثُ بَلَغَت فَقَالَ هَيهَاتَ هَيهَاتَ يَا ابنَ عَبّاسٍ،تِلكَ شِقشِقَةٌ هَدَرَت ثُمّ قَرّت .. فَمَا أَسَفتُ عَلَي كَلَامٍ قَطّ كأَسَفَيِ‌ عَلَي كَلَامِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِذ لَم يَبلُغ حَيثُ أَرَادَ.

قال الصدوق نوّر اللّه ضريحه سألت الحسين بن عبد اللّه بن سعيد العسكري‌ عن تفسير هذاالخبر ففسّره لي قال تفسير الخبر قوله عليه السلام لقد تقمّصها .. أي لبسها مثل القميص ،يقال تقمّص الرجل وتدرّع وتردّي وتمندل . و قوله محل القطب من الرحي .. أي تدور عليّ كماتدور الرحي علي قطبها. قوله عليه السلام ينحدر عنه السيل و لايرتقي‌ إليه الطير .. يريد أنّها


صفحه : 501

ممتنعة علي غيري‌ و لايتمكّن منها و لاتصلح له . و قوله فسدلت دونها ثوبا .. أي أعرضت عنها و لم أكشف وجوبها لي ، والكشح الجنب والخاصرة.فمعني قوله طويت عنها كشحا .. أي أعرضت عنها، والكاشح ألذي يوليك كشحه .. أي جنبه . و قوله طفقت .. أي أقبلت وأخذت أرتئي‌ .. أي أفكّر وأستعمل الرأي‌ وأنظر في أن أصول بيد جذاء وهي‌ المقطوعة وأراد قلّة الناصر. و قوله أوأصبر علي طخية .. فللطخية موضعان فأحدهما الظلمة، والآخر الغمّ والحزن ،يقال أجد علي قلبي‌ طخاء .. أي حزنا وغمّا، و هوهاهنا يجمع الظلمة والغمّ والحزن . و قوله يكدح مؤمن .. أي يدأب ويكسب لنفسه و لايعطي حقّه. و قوله أحجي .. أي أولي ،يقال هذاأحجي من هذا وأخلق وأحري وأوجب كلّه قريب المعني . و قوله في حوزة .. أي في ناحية،يقال حزت الشي‌ء أحوزه حوزا إذاجمعته ، والحوزة ناحية الدار وغيرها. و قوله كراكب الصعبة .. يعني‌ الناقة التي‌ لم ترض . إن عنف بها،العنف ضدّ الرفق .


صفحه : 502

و قوله حرن .. أي وقف فلم يمش ، وإنّما يستعمل الحران في الدواب ،فأمّا في الإبل فيقال خلات الناقة و بهاخلاء، و هومثل حران الدواب ، إلّا أنّ العرب ربّما تستعيره في الإبل . و قوله و إن أسلس بهاغسق .. أي أدخله في الظلمة. و قوله مع هن وهني‌ .. يعني‌ الأدنياء من الناس ،تقول العرب فلان هني‌ و هوتصغير هن .. أي هودون من الناس .. ويريدون بذلك تصغير أموره . و قوله فمال رجل بضبعه .. ويروي بضلعه ، وهما قريب ، و هو أن يميل بهواه ونفسه إلي الرجل بعينه . و قوله وأصغي آخر لصهره .. فالصغو الميل ،يقال صغوك مع فلان أي .. ميلك معه . و قوله نافجا حضينه .. يقال في الطعام والشراب و ماأشبههما قدانتفج بطنه بالجيم ، ويقال في كلّ داء يعتري‌ الإنسان قدانتفخ بطنه بالخاء، والحضنان جانبا الصدر.


صفحه : 503

و قوله بين ثيله ومعتلفه .. فالثيل قضيب الجمل وإنّما استعاره للرجل هاهنا، والمعتلف الموضع ألذي يعتلف فيه .. أي يأكل ، ومعني الكلام بين مطعمه ومنكحه . و قوله يخضمون .. أي يكثرون وينقضون ، و منه قوله خضمني‌ الطعام .. أي نقض . و قوله أجهز .. أي أتي عليه وقتله ،يقال أجهزت علي الجريح إذاكانت به جراحة فقتله . و قوله كعرف الضبع .. شبّههم به لكثرته ، والعرف الشعر ألذي يكون علي عنق الفرس ،فاستعاره للضبع . و قوله و قدانثالوا .. أي انصبّوا عليّ وكثروا، ويقال انتثلت ما في كنانتي‌ من السهام إذاصببته . و قوله وراقهم زبرجها .. أي أعجبهم حسنها، وأصل الزبرج النقش ، و هوهاهنا زهرة الدنيا وحسنها. و قوله أن لايقرّوا علي كظة ظالم .. فالكظة الامتلاء،يعني‌ أنّهم لا


صفحه : 504

يصبرون علي امتلاء الظالم من المال الحرام و لايقارّوه علي ظلمه . و قوله و لاسغب مظلوم .. فالسغب الجوع ، ومعناه منعه من الحقّ الواجب له . و قوله لألقيت حبلها علي غاربها .. مثل تقول العرب ألقيت حبل البعير علي غاربه ليرعي كيف شاء. ومعني قوله ولسقيت آخرها بكأس أوّلها .. أي لتركتهم في ضلالهم وعماهم . و قوله أزهد عندي‌ .. فالزهيد القليل . قوله من حبقة عنز .. فالحبقة مايخرج من دبر العنز من الريح ، والعفطة مايخرج من أنفها. و قوله تلك شقشقة هدرت .. فالشقشقة مايخرجه البعير من جانب فيه إذاهاج وسكر.

مع ، ع الطاّلقَاَنيِ‌ّ، عَنِ الجلَوُديِ‌ّ، عَن أَحمَدَ بنِ عَمّارِ بنِ خَالِدٍ، عَن يَحيَي بنِ عَبدِ الحَمِيدِ الحمِاّنيِ‌ّ، عَن عِيسَي بنِ رَاشِدٍ، عَن عَلِيّ بنِ حُذَيفَةَ، عَن عِكرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ مِثلَهُ.

ماالحَفّارُ، عَن أَبِي القَاسِمِ الدعّبلِيِ‌ّ، عَن أَبِيهِ، عَن أخَيِ‌ دِعبِلٍ،


صفحه : 505

عَن مُحَمّدِ بنِ سَلَامَةَ الشاّميِ‌ّ، عَن زُرَارَةَ، عَن أَبِي جَعفَرٍ البَاقِرِ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدّهِ عَلَيهِمُ السّلَامُ، وَ البَاقِرِ عَلَيهِ السّلَامُ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ ذَكَرتُ الخِلَافَةَ عِندَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ وَ اللّهِ لَقَد تَقَمّصَهَا ابنُ أَبِي قُحَافَةَ .. وَ ذَكَرَ نَحوَهُ بِأَدنَي تَغيِيرٍ.

شا رَوَي جَمَاعَةٌ عَن أَهلِ النّقلِ مِن طُرُقٍ مُختَلِفَةٍ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ كُنتُ عِندَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ بِالرّحَبَةِ فَذَكَرتُ الخِلَافَةَ وَ تَقدِيمَ مَن تَقَدّمَ عَلَيهِ،فَتَنَفّسَ الصّعَدَاءَ ثُمّ قَالَ أَم وَ اللّهِ لَقَد تَقَمّصَهَا ابنُ أَبِي قُحَافَةَ ..

وساق الخبر إلي آخره .

إيضاح

هذه الخطبة من مشهورات خطبه صلوات اللّه عليه روتها الخاصّة والعامّة في كتبهم وشرحوها وضبطوا كلماتها، كماعرفت رواية الشيخ الجليل المفيد وشيخ الطائفة والصدوق ، ورواها السيّد الرضّي‌ في نهج البلاغة والطبرسي‌ في الإحتجاج قدّس اللّه أرواحهم ، و

رَوَي الشّيخُ قُطبُ الدّينِ الراّونَديِ‌ّ قُدّسَ سِرّهُ فِي شَرحِهِ عَلَي نَهجِ البَلَاغَةِ بِهَذَا السّنَدِ أخَبرَنَيِ‌ الشّيخُ أَبُو نَصرٍ الحَسَنُ بنُ مُحَمّدِ بنِ اِبرَاهِيمَ، عَنِ الحَاجِبِ أَبِي الوَفَا مُحَمّدِ بنِ بَدِيعٍ وَ الحُسَينِ بنِ أَحمَدَ بنِ


صفحه : 506

بَدِيعٍ وَ الحُسَينِ بنِ أَحمَدَ بنِ عَبدِ الرّحمَنِ، عَنِ الحَافِظِ أَبِي بَكرِ بنِ مَردَوَيهِ الأصَفهَاَنيِ‌ّ، عَن سُلَيمَانَ بنِ أَحمَدَ الطبّرَاَنيِ‌ّ، عَن أَحمَدَ بنِ عَلِيّ الأَبّارِ، عَن إِسحَاقَ ابنِ سَعِيدٍ أَبِي سَلَمَةَ الدمّشَقيِ‌ّ، عَن خُلَيدِ بنِ دِعلِجٍ، عَن عطان [عَطَاءِ] بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ كُنّا مَعَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِالرّحَبَةِ فَجَرَي ذِكرُ الخِلَافَةِ وَ مَن تَقَدّمَ عَلَيهِ فِيهَا، فَقَالَ أَمَا وَ اللّهِ لَقَد تَقَمّصَهَا فُلَانٌ ..

إلي آخر الخطبة. و من أهل الخلاف رواها ابن الجوزي‌ في مناقبه ، و ابن عبدربّه في الجزء الرابع من كتاب العقد، و أبو عليّ الجبائي‌ في كتابه ، و ابن الخشّاب في درسه علي ماحكاه بعض الأصحاب و الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري‌ في كتاب المواعظ والزواجر علي ماذكره صاحب الطرائف ، وفسّر ابن الأثير في النهاية لفظ الشقشقة، ثم قال و منه

حَدِيثُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فِي خُطبَةٍ لَهُتِلكَ


صفحه : 507

شِقشِقَةٌ هَدَرَت ثُمّ قَرّت ..

وشرح كثيرا من ألفاظها. و قال الفيروزآبادي‌ في القاموس عندتفسيرها الشّقشقة بالكسر شيءكالرّئة يخرجه البعير من فيه إذاهاج ، والخطبة الشقشقيّة العلويّة لقوله لابن عبّاس لما قال لواطّردت مقالتك من حيث أفضيت يا ابن عبّاس هيهات تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت. و قال عبدالحميد بن أبي الحديد ردّا علي من قال إنّها تأليف السيّد الرضي‌ قدوجدت أناكثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي‌ّ إمام البغداديّين من المعتزلة، و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق السيّد الرضي‌ّ بمدّة طويلة، ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبّة أحد متكلمّي‌ الإماميّة، و كان من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي‌، ومات قبل أن يكون الرضي‌ّ موجودا .. ثم حكي عن شيخه مصدّق الواسطي‌ أنّه قال لمّا قرأت هذه الخطبة علي


صفحه : 508

الشيخ أبي محمّد عبد اللّه بن أحمدالمعروف ب ابن الخشّاب، قلت له أتقول إنّها منحولة. فقال لا و اللّه وإنيّ‌ لأعلم أنّها كلامه كماأعلم أنّك مصدّق .. قال فقلت له إنّ كثيرا من الناس يقولون إنّها من كلام الرضي‌ّ. فقال لي أنّي للرضي‌ّ ولغير الرضي‌ّ هذاالنّفس و هذاالأسلوب قدوقفنا علي رسائل الرضي‌ّ، وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور .. ثم قال و اللّه لقد وقفت علي هذه الخطبة في كتب قدصنّفت قبل أن يخلق الرضي‌ّ بمائتي‌ سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرف أنّها خطوط من هي‌ من العلماء و أهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمدوالد الرضي‌ّ. و قال ابن ميثم البحراني‌ قدّس سرّه وجدت هذه الخطبة بنسخة عليها خطّ الوزير أبي الحسن عليّ بن محمد بن الفرات وزير المقتدر باللّه، و ذلك قبل مولد الرضي‌ّ بنيّف وستين سنة.انتهي . و من الشواهد علي بطلان تلك الدعوي الواهية الفاسدة أنّ القاضي‌ عبدالجبّار ألذي هو من متعصبّي‌ المعتزلة قدتصدّي في كتاب المغني‌ لتأويل بعض كلمات الخطبة، ومنع دلالتها علي الطعن في خلافة من تقدّم عليه ، و لم ينكر استناد الخطبة إليه . وذكر السيّد المرتضي رضي‌ اللّه عنه كلامه في الشافي‌ وزيفه ، و هوأكبر من أخيه الرضي‌ّ قدّس اللّه روحهما، وقاضي‌ القضاة متقدّم عليهما، و لو كان يجد للقدح في استناد الخطبة إليه عليه السلام مساغا لماتمسّك بالتأويلات الركيكة في مقام الاعتذار، وقدح في صحّتها كمافعل في كثير من الروايات المشهورة، وكفي


صفحه : 509

للمنصف وجودها في تصانيف الصدوق رحمه اللّه، وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، و كان مولد الرضي‌ّ رضي‌ اللّه عنه سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. ولنشرح الخطبة ثانيا لمزيد الإيضاح والتبيين ، وللإشارة إلي ماذكره في تفسيرها وشرحها بعض المحقّقين، ونبني‌ الشرح علي ماأورده السيّد قدّس سرّه في النهج ،ليظهر مواضع الاختلاف بينه و بين ماسلف من الروايات ،مستعينا بخالق البريّات.

قَالَ السّيّدُ وَ مِن خُطبَتِهِ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ المَعرُوفَةِ بِ الشّقشِقِيّةِ أَمَا وَ اللّهِ لَقَد تَقَمّصَهَا فُلَانٌ ...

أي اتّخذها قميصا، و في التشبيه بالقميص الملاصق للبدن دون سائر الأثواب تنبيه علي شدّة حرصه عليها، والضمير راجع إلي الخلافة كماظهر من سائر الروايات ، وفلان كناية عن أبي بكر، و كان في نسخة ابن أبي الحديد ابن أبي قحافة بضم القاف وتخفيف الحاء كما في بعض الروايات الأخر، و في بعضها أخو تيم ، والظاهر أنّ التعبير بالكناية نوع تقيّة


صفحه : 510

من السيّد رحمه اللّه، والنسخة المقروءة عليه كانت متعدّدة،فلعلّه عدل في بعضها عن الكناية لزوال الخوف ، ويمكن أن تكون التقيّة من النسّاخ، ويدلّ علي أنّ الكناية ليست من لفظه عليه السلام أنّ قاضي‌ القضاة في المغني‌ تصدّي لدفع دلالة تعبيره عليه السلام عن أبي بكر بابن أبي قحافة دون الألقاب المادحة علي استخفاف به ،بأنّه قدكانت العادة في ذلك الزمان أن يسميّ‌ أحدهم صاحبه ويكنّيه ويضيفه إلي أبيه ، حتي كانوا ربّما قالوا لرسول اللّه صلّي اللّه عليه [ وآله ] يا محمّد فليس في ذلك استخفاف و لادلالة علي الوضع .فأجاب السيّد رضي‌ اللّه عنه بما في الشافي‌ عنه بأنّه ليس ذلك صنع من يريد التعظيم والتبجيل ، و قدكانت لأبي‌ بكر عندهم من الألقاب الجميلة مايقصد إليه من يريد تعظيمه ، و قوله إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله كان ينادي‌ باسمه ،فمعاذ اللّه، ما كان ينادي‌ باسمه إلّا شاكّ فيه ، أوجاهل من طغام الأعراب . و قوله إنّ ذلك عادة العرب .. فلاشكّ أنّ ذلك عادتهم فيمن لا يكون له من الألقاب أفخمها وأعظمها كالصدّيق .. ونحوه . وإنّه ليعلم أنّ محليّ‌ منها محلّ القطب من الرحي .. الواو للحال ، وقطب


صفحه : 511

الرّحي الحديدة المنصوبة في وسط السّفلي من حجري‌ الرّحي التّي‌ تدور حولها العليا، أي تقمّص الخلافة مع علمه بأنيّ‌ مدار أمرها، و لاتنتظم إلّا بي‌، و لاعوض لها عنيّ‌، كما أنّ الرحي لاتدور إلّا بالقطب و لاعوض لها عنه . و قال ابن أبي الحديد عندي‌ أنّه أراد أمرا آخر، و هوأنيّ‌ من الخلافة في الصميم و في وسطها وبحبوحتها، كما أنّ القطب وسط دائرة الرحي . و لايخفي نقصان التشبيه حينئذ. و قال في المغني‌ أراد أنّه أهل لها و أنّه أصلح منه للقيام بها،يبيّن ذلك أنّ القطب من الرحي لايستقلّ بنفسه و لابدّ في تمامه من الرحي ،فنبّه بذلك علي أنّه أحقّ و إن كان قدتقمّصها. وردّه السيّد رضي‌ اللّه عنه بأنّ هذاالتأويل مع أنّه لايجري‌ في غير هذااللفظ من الألفاظ المرويّة عنه عليه السلام فاسد،لأنّ مفادّ هذاالكلام ليس إلّا التفرّد في الاستحقاق ، و أنّ غيره لايقوم مقامه لا أنّه أهل للأمر وموضع له ، و قوله إنّ القطب لايستقلّ بنفسه .. تأويل علي عكس المراد، فإنّ المستفاد من هذاالكلام عند من يعرف اللغة عدم انتظام دوران الرحي بدون القطب ، لاعدم استقلال القطب بدون الرحي .


صفحه : 512

ينحدر عنيّ‌ السيل و لايرقي إلي‌ّ الطير .. انحدار السيل لعلّه كناية عن إفاضة العلوم والكمالات وسائر النعم الدنيويّة والأخرويّة علي المواد القابلة. وقيل المعني أنيّ‌ فوق السيل بحيث لايرتفع إلي‌ّ، و هو كماتري . ثم إنّه عليه السلام ترقّي في الوصف بالعلوّ بقوله و لايرقي إلي‌ّ الطير، فإنّ مرقي الطير أعلي من منحدر السيل فكيف ما لايرقي إليه والغرض إثبات أعلي مراتب الكمال للدلالة علي بطلان خلافة من تقمّصها،لقبح تفضيل المفضول .فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا .. يقال سدل الثّوب يسدله بالضم أي أرخاه وأرسله ، ودون الشيّ‌ء أمامه وقريب منه ، والمعني ضربت بيني‌ وبينها حجابا وأعرضت عنها ويئست منها، والكشح ما بين الخاصرة إلي أقصر الأضلاع ، ويقال فلان طوي كشحه .. أي أعرض مهاجرا ومال عنيّ‌. وقيل أراد غير ذلك ، و هو أنّ من أجاع نفسه فقد طوي كشحه كما أنّ من أكل وشبع فقد ملأ كشحه . وطفقت أرتئي‌ بين أن أصول بيد جذّاء أوأصبر علي طخية عمياء .. يقال طفق في كذا .. أي أخذ وشرع ، وأرتئي‌ في الأمر .. أي أفكر في طلب


صفحه : 513

الأصلح ، و هوافتعل من رؤية القلب أو من الرأّي‌، والصّولة الحملة والوثبة، والجذّاء بالجيم والذال المعجمة المقطوعة والمكسورة أيضا كماذكره الجوهري‌، و قال في النهاية في حديث عليّ عليه السّلام أصول بيد جذّاء .. كنّي به عن قصور أصحابه وتقاعدهم عن الغزو، فإنّ الجند للأمير كاليد، ويروي بالحاء المهملة وفسّره في موضعه باليد القصيرة التّي‌ لاتمدّ إلي مايراد. قال وكأنّها بالجيم أشبه . والطخية بالضم ، كماصحّح في أكثر النسخ الظلمة أوالغيم ، و في بعضها بالفتح في القاموس الطّخية .. الظّلمة، ويثلّث، و لم يذكر الجوهري‌ سوي الضّم، وفسّره بالسّحاب، و في النهاية الطّخية الظّلمة والغيم ، والعمياء تأنيث الأعمي ، ووصف الطخية بهالأنّ الرائي‌ لايبصر فيهاشيئا.يقال مفازة عمياء .. أي لايهتدي‌ فيهاالدليل ، وهي‌ مبالغة في وصف الظلمة بالشدّة، وحاصل المعني ،إنيّ‌ لمّا رأيت الخلافة في يد من لم يكن


صفحه : 514

أهلا لها كنت متفكّرا مردّدا بين قتالهم بلا أعوان و بين معاينة الخلق علي جهالة وضلالة وشدّة.يهرم فيهاالكبير ويشيب فيهاالصغير ويكدح فيهامؤمن حتّي يلقي ربّه .. يقال هرم كفرح أي بلغ أقصي الكبر، والشّيب بالفتح بياض الشّعر، والكدح الكدّ والعمل والسعّي‌، والجمل الثلاثة أوصاف للطخية العمياء، وإيجابها لهرم الكبير وشيب الصغير إمّا لكثرة الشدائد فيها،فإنّها ممّا يسرع بالهرم والشيب ، أولطول مدّتها وتمادي‌ أيّامها ولياليها، أوللأمرين جميعا، و علي الوجهين الأوّلين فسّر قوله تعالي يَوماً يَجعَلُ الوِلدانَ شِيباً. وكدح المؤمن يمكن أن يراد به لازمه أعني‌ التعب ومقاساة الشدّة في الوصول إلي حقّه .. وقيل يسعي فلايصل إلي حقّه،فالكدح بمعناه . وقيل المراد به أنّ المؤمن المجتهد في الذبّ عن الحقّ والأمر بالمعروف يسعي فيه ويكدّ ويقاسي‌ الشدائد حتي يموت . و في رواية الشيخ والطبرسي‌ يرضع فيهاالصغير ويدبّ فيهاالكبير .. و هوكناية عن طول المدّة أيضا أي يمتدّ إلي أن يدبّ كبيرا من كان يرضع صغيرا،يقال دبّ يدبّ دبيبا أي مشي علي هنيئة.فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي ،فصبرت و في العين قذي و في الحلق


صفحه : 515

شجا أري تراثي‌ نهبا .. كلمة(ها) في هاتا للتّنبيه، وتا للإشارة إلي المؤنّث،أشير بها إلي الطخية الموصوفة، وأحجي .. أي أولي وأجدر وأحقّ، من قولهم حجي بالمكان إذاأقام وثبت ،ذكره في النهاية. وقيل أي أليق وأقرب بالحجي و هوالعقل . والقذي جمع قذاة وهي‌ مايسقط في العين و في الشّراب أيضا من تبن أوتراب أووسخ ، والشّجا مااعترض في الحلق ونشب من عظم ونحوه ، والتّراث مايخلفه الرّجل لورثته ، والتّاء فيه بدل من الواو. والنّهب السّلب والغارة والغنيمة، والجملة بيان لوجود القذي والشجا. و في رواية الشيخين والطبرسي‌ فرأيت الصبر .. و في رواية الشيخ تراث محمّد صلّي اللّه عليه وآله نهبا. و في تلخيص الشافي‌ من أن أري تراثي‌ نهبا. والحاصل أنيّ‌ بعدالتردّد في القتال استقرّ رأيي‌ علي أنّ الصبر أجدر، و ذلك


صفحه : 516

لأداء القتال إلي استئصال آل الرسول صلّي اللّه عليه وآله واضمحلال كلمة الإسلام لغلبة الأعداء. و قال بعض الشارحين في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير و لايرقي إلي‌ّ الطير فطفقت أرتئي‌ بين كذا .. وكذا،فرأيت الصبر علي هاتا أحجي فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا، وصبرت و في العين قذي .. إلي آخر الفصل ،لأنّه لايجوز أن يسدل دونها ثوبا ويطوي‌ عنها كشحا، ثم يرتئي‌ .. والتقديم والتأخير شائع في لغة العرب ، قال اللّه تعالي أَنزَلَ عَلي عَبدِهِ الكِتابَ وَ لَم يَجعَل لَهُ عِوَجاً قَيّماً.انتهي . ويمكن أن يقال سدل الثوب وطي‌ّ الكشح لم يكن علي وجه البت وتصميم العزم علي الترك ،بل المراد ترك العجلة والمبادرة إلي الطلب من غيرتدبّر في عاقبة الأمر، ولعلّ الفقرتين بهذا المعني أنسب . حتي مضي الأوّل لسبيله فأدلي بها إلي فلان بعده .. قيل تقديره مضي علي سبيله وأدلي بها إلي فلان .. أي ألقاها إليه ودفعها، والتعبير بلفظ فلان كمامرّ، و في نسخة ابن أبي الحديد بلفظ ابن الخطاب ، و في بعض الروايات إلي عمر، وإدلاؤه إليه بهانصبه للخلافة.


صفحه : 517

و كان ابن الخطاب يسميّ‌ نفسه خليفة أبي بكر، ويكتب إلي عمّاله من خليفة أبي بكر حتي جاءه لبيد بن أبي ربيعة وعدي‌ّ بن حاتم فقالا لعمرو بن العاص استأذن لنا علي أمير المؤمنين .. فخاطبه عمرو بن العاص بأمير المؤمنين فجري ذلك في المكاتيب من يومئذ،ذكر ذلك ابن عبدالبرّ في الإستيعاب . ثم تمثّل عليه السلام بقول الأعشي


شتّان بما يومي‌ علي كورها   و يوم حيّان أخي‌ جابر

تمثّل بالبيت أنشده للمثل . والأعشي ميمون بن جندل ، وشتّان اسم فعل بمعني بعد و فيه معني التّعجّب، والكور بالضم رحل البعير بأداته ، والضمير راجع إلي الناقة، وحيّان كان صاحب حصن باليمامة، و كان من سادات بني‌ حنيفة،مطاعا في قومه يصله كسري في كلّ سنة، و كان في رفاهيّة ونعمة مصونا من وعثاء السفر، لم يكن يسافر أبدا، و كان الأعشي ،ينادمه ، و كان أخوه جابر أصغر سنّا منه ،


صفحه : 518

ويروي أنّ حيّان عاتب الأعشي في نسبته إلي أخيه فاعتذر بأنّ الروي‌ اضطرنّي‌ إلي ذلك فلم يقبل عذره . ومعني البيت كماأفاده السيّد المرتضي رضي‌ اللّه عنه إظهار البعد بين يومه و يوم حيّان لكونه في شدّة من حرّ الهواجر، وكون حيّان في راحة وخفض ، وكذا غرضه عليه السلام بيان البعد بين يومه صابرا علي القذي والشجا و بين يومهم فائزين بما طلبوا من الدنيا، و هذا هوالظاهر المطابق للبيت التالي‌ له ، و هوممّا تمثّل به عليه السلام علي ما في بعض النسخ و هو قوله


أرمي‌ بهاالبيد إذاهجّرت   و أنت بين القرو والعاصر

والبيد بالكسر جمع البيداء وهي‌ المفازة، والتّهجير السّير في الهاجرة، وهي‌ نصف النّهار عندشدّة الحرّ، والقرو قدح من الخشب ، وقيل إناء صغير أوإجانة للشّرب، والعاصر ألّذي يعصر العنب للخمر .. أي أنا في شدّة حرّ الشمس أسوق ناقتي‌ في الفيافي‌ و أنت في عيش


صفحه : 519

وشرب . و قال بعض الشارحين المعني ماأبعد ما بين يومي‌ علي كور الناقة أدأب وأنصب و بين يومي‌ منادما حيّان أخي‌ جابر في خفض ودعة.فالغرض من التمثيل إظهار البعد بين يومه عليه السلام بعدوفاة الرسول صلّي اللّه عليه وآله مقهورا ممنوعا عن حقّه و بين يومه في صحبة النبيّ صلّي اللّه عليه وآله .فيا عجبا بينا هويستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعدوفاته .. أصل ياعجبا ياعجبي‌،قلبت الياء ألفا،كأنّ المتكلّم ينادي‌ عجبه و يقول له احضر فهذا أوان حضورك . وبينا هي‌ بين الظّرفيّة أشبعت فتحتها فصارت ألفا، وتقع بعدها إذاالفجائيّة غالبا، والاستقالة طلب الإقالة و هو في البيع فسخه للندم ، وتكون في البيعة والعهد أيضا، واستقالته قوله بعد مابويع أقيلوني‌ فلست بخيركم و عليّ فيكم . و قدروي خبر الاستقالة الطبري‌ في تاريخه ، والبلاذري‌ في أنساب


صفحه : 520

الأشراف ، والسمعاني‌ في الفضائل ، و أبوعبيدة في بعض مصنّفاته علي ماحكاه بعض أصحابنا و لم يقدح الفخر الرازي‌ في نهاية العقول في صحّته، و إن أجاب عنه بوجوه ضعيفة، وكفي كلامه عليه السلام شاهدا علي صحّته، وكون العقد لآخر بين أوقات الاستقالة لتنزيل اشتراكهما في التحقيق والوجود منزلة اتّحاد الزمان ، أولأنّ الظاهر من حال المستقبل لعلمه بأنّ الخلافة حقّ لغيره بقاء ندمه وكونه متأسّفا دائما خصوصا عندظهور أمارة الموت . و قوله بعدوفاته ، ليس ظرفا لنفس العقد بل لترتّب الآثار علي المعقود بخلاف قوله في حياته . والمشهور أنّه لمّا احتضر أحضر عثمان وأمره أن يكتب عهدا، و كان يمليه عليه ، فلمّا بلغ قوله أمّا بعد.. أغمي‌ عليه ،فكتب عثمان قداستخلفت عليكم عمر بن الخطاب .. فأفاق أبوبكر فقال اقرأ،فقرأه فكبّر أبوبكر و قال أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي‌ قال نعم . قال جزاك اللّه


صفحه : 521

خيرا عن الإسلام وأهله .. ثم أتمّ العهد وأمره أن يقرأه علي الناس . وذهب في ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادي الآخرة من سنة ثلاث عشرة علي ماذكره ابن أبي الحديد. و قال في الإستيعاب قول الأكثر أنّه توفي‌ عشي‌ّ يوم الثلاثاء المذكور، وقيل ليلته ، وقيل عشي‌ّ يوم الإثنين ، قال ومكث في خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلّا خمس ليال أوسبع ليال ، وقيل أكثر من ذلك إلي عشرين يوما. والسبب علي ماحكاه عن الواقدي‌ أنّه اغتسل في يوم بارد،فحمّ ومرض خمسة عشر يوما. وقيل سلّ. وقيل سمّ، وغسّلته زوجته أسماء بنت عميس ، وصلّي عليه عمر بن الخطاب ، ودفن ليلا في بيت عائشة.لشدّ ماتشطّرا ضرعيها .. اللام جواب القسم المقدّر، وشدّ .. أي صار شديدا، وكلمة مامصدرية، والمصدر فاعل شدّ، و لايستعمل هذاالفعل إلّا في التعجب .


صفحه : 522

وتشطّرا إمّا مأخوذ من الشطر بالفتح بمعني النّصف،يقال فلان شطّر ماله .. أي نصّفه،فالمعني أخذ كلّ واحد منهما نصفا من ضرعي‌ الخلافة، و أما منه بمعني خلف النّاقة بالكسر أي حلمة ضرعها،يقال شطّر ناقته تشطيرا إذاصرّ خلفين من أخلافها .. أي شدّ عليهما الصّرار، و هوخيط يشدّ فوق الخلف لئلّا يرضع منه الولد، وللنّاقة أربعة أخلاف ،خلفان قادمان وهما اللّذان يليان السّرّة، وخلفان آخران . وسمّي عليه السلام خلفين منها ضرعا لاشتراكهما في الحلب دفعة، و لم نجد التشطّر علي صيغة التفعّل في كلام اللغويّين. و في رواية المفيد رحمه اللّه وغيره شاطرا علي صيغة المفاعلة يقال شاطرت ناقتي‌، إذااحتلبت شطرا وتركت الآخر، وشاطرت فلانا مالي‌ إذاناصفته .

وَ فِي كَثِيرٍ مِن رِوَايَاتِ السّقِيفَةِ أَنّهُ عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ لِعُمَرَ بنِ الخَطّابِ بَعدَ يَومِ السّقِيفَةِ احلِب حَلباً لَكَ شَطرُهُ،اشدُد لَهُ اليَومَ يَرُدّهُ عَلَيكَ غَداً.


صفحه : 523

و قدمهّد عمر أمر البيعة لأبي‌ بكر يوم السقيفة، ثم نصّ أبوبكر عليه لمّا حضر أجله ، و كان قداستقضاه في خلافته وجعله وزيرا في أمرها مساهما في وزرها،فالمشاطرة تحتمل الوجهين .

وَ فِي رِوَايَةِ الشّيخِ وَ الطبّرسِيِ‌ّ ذَكَرَ التّمَثّلَ فِي هَذَا المَوضِعِ بَعدَ قَولِهِ ضَرعَيهَا. فَصَيّرَهَا فِي حَوزَةٍ خَشنَاءَ يَغلُظُ كَلمُهَا وَ يَخشُنُ مَسّهَا وَ يَكثُرُ العِثَارُ فِيهَا وَ الِاعتِذَارُ مِنهَا ..

وليست ( فيها) في كثير من النسخ . والحوزة بالفتح النّاحية والطّبيعة. والغلظ ضدّ الرّقّة، والكلم بالفتح الجرح ، و في الإسناد توسّع، وخشونة المسّ الإيذاء والإضرار و هو غير مايستفاد من الخشناء،فإنّها عبارة عن كون الحوزة بحيث لاينال ماعندها و لايفوز بالنجاح من قصدها،كذا قيل . و قال بعض الشرّاح يمكن أن يكون ( من ) في ‌«الاعتذار منها»للتعليل ، أي ويكثر اعتذار الناس عن أفعالهم وحركاتهم لأجل تلك الحوزة. و قال بعض الأفاضل الظاهر أنّ المفاد علي تقدير إرادة الناحية تشبيه المتوليّ‌


صفحه : 524

للخلافة بالأرض الخشناء في ناحية الطريق المستوي‌، وتشبيه الخلافة بالراكب السائر فيها أوبالناقة .. أي أخرجها عن مسيرها المستوي‌ و هو من يستحقّها إلي تلك الناحية الحزنة،فيكثر عثارها، أوعثار مطيّتها فيها،فاحتاجت إلي الاعتذار من عثراتها الناشئة من خشونة الناحية، و هو في الحقيقة اعتذار من الناحية،فالعاثر والمعتذر حينئذ هي‌ الخلافة توسّعا، والضمير المجرور في (منها)راجع إلي الحوزة أو إلي العثرات المفهومة من كثرة العثار، و من صلة للاعتذار أوللصفة المقدّرة صفة للاعتذار، أوحالا عن (يكثر).. أي الناشئ أوناشئا منها، و علي ما في كثير من النسخ يكون الظرف المتضمّن لضمير الموصوف أعني‌ فيهامحذوفا، والعثار والاعتذار علي النسختين إشارة إلي الخطإ في الأحكام وغيرها، والرجوع عنها كقصّة الحاملة والمجنونة وميراث الجدّ .. وغيرها. و في الإحتجاج فصيّرها و اللّه في ناحية خشناء،يجفو مسّها، ويغلظ كلمها،فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها حزم ، و إن أسلس لها تقحّم،يكثر فيهاالعثار، ويقلّ فيهاالاعتذار ... فالمعني أنّه كان يعثر كثيرا و لايعتذر منها لعدم المبالاة، أوللجهل ، أولأنّه لم يكن لعثراته عذر حتي يعتذر،فالمراد بالاعتذار إبداء العذر ممّن كان معذورا و لم يكن مقصّرا.


صفحه : 525

و في رواية الشيخ رحمه اللّه فعقدها و اللّه في ناحية خشناء،يخشن مسّها و في بعض النسخ يخشي مسّها، ويغلظ كلمها، ويكثر العثار والاعتذار فيها،صاحبها منها كراكب الصعبة إن شنق لها حزم ، و إن أسلس لها عصفت به .فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحّم .. الصّعبة من النّوق غيرالمنقادة، واشنق بعيره .. أي جذب رأسها بالزّمام، ويقال اشنق البعير بنفسه إذارفع رأسه ،يتعدّي و لايتعدّي، واللّغة المشهورة شنق كنصر متعدّيا بنفسه ، ويستعملان باللّام، كماصرّح به في النّهاية. قال السيّد رحمه اللّه في النهج بعدإتمام الخطبة قوله عليه السلام في هذه الخطبة كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحّم .. يريد أنّه إذاشدّد عليها في جذب الزّمام وهي‌ تنازعه رأسها خرم أنفها، و إن أرخي لها شيئا مع صعوبتها تقحّمت به فلم يملكها،يقال أشنق النّاقة إذاجذب رأسها بالزّمام فرفعه وشنقها أيضا،ذكر ذلك ابن السّكّيت في إصلاح المنطق ، وإنّما قال أشنق لها و لم يقل أشنقها لأنّه جعله في مقابلة قوله أسلس لها،فكأنّه عليه


صفحه : 526

السّلام قال إن رفع لها رأسها بالزّمام بمعني أمسكه عليها(انتهي ).فاللّام للازدواج ، والخرم الشّقّ،يقال خرم فلانا كضرب .. أي شقّ وترة أنفه ، وهي‌ ما بين منخريه فخرم هوكفرح ، والمفعول محذوف و هوضمير الصعبة كمايظهر من كلام بعض اللغويّين، أوأنفها كمايدلّ عليه كلام السيّد و ابن الأثير وبعض الشارحين ، وأسلس لها .. أي أرخي زمامها لها، وتقحّم .. أي رمي نفسه في مهلكة، وتقحّم الإنسان الأمر .. أي رمي نفسه فيها من غيررويّة. وذكروا في بيان المعني وجوها منها أنّ الضمير في صاحبها يعود إلي الحوزة المكنّي بها عن الخليفة أوأخلاقه ، والمراد بصاحبها من يصاحبها كالمستشار وغيره ، والمعني أنّ المصاحب للرجل المنعوت حاله في صعوبة الحال كراكب الناقة الصعبة،فلو تسرّع إلي إنكار القبائح من أعماله أدّي إلي الشقاق بينهما وفساد الحال ، و لوسكت وخلّاه و مايصنع أدّي إلي خسران المال . ومنها أنّ الضمير راجع إلي الخلافة أو إلي الحوزة، والمراد بصاحبها نفسه عليه السلام ، والمعني أنّ قيامي‌ في طلب الأمر يوجب مقاتلة ذلك الرجل وفساد أمر الخلافة رأسا، وتفرّق نظام المسلمين ، وسكوتي‌ عنه يورث التقحّم في موارد


صفحه : 527

الذلّ والصغار. ومنها أنّ الضمير راجع إلي الخلافة، وصاحبها من تولّي أمرها مراعيا للحقّ و مايجب عليه ، والمعني أنّ المتوليّ‌ لأمر الخلافة إن أفرط في إحقاق الحقّ وزجر الناس عمّا يريدونه بأهوائهم أوجب ذلك نفار طباعهم وتفرّقهم عنه ،لشدّة الميل إلي الباطل ، و إن فرّط في المحافظة علي شرائطها ألقاه التفريط في موارد الهلكة، وضعف هذاالوجه وبعده واضح . هذا ماقيل فيه من الوجوه ، ولعلّ الأول أظهر. ويمكن فيه تخصيص الصاحب به عليه السلام ،فالغرض بيان مقاساته الشدائد في أيّام تلك الحوزة الخشناء للمصاحبة، و قد كان يرجع إليه عليه السلام بعدظهور الشناعة في العثرات ، ويستشيره في الأمور للأغراض . ويحتمل عندي‌ وجها[كذا]آخر و هو أن يكون المراد بالصاحب عمر، وبالحوزة سوء أخلاقه ، ويحتمل إرجاع الضمير إلي الخلافة. والحاصل أنّه كان لجهله بالأمور، وعدم استحقاقه للخلافة، واشتباه الأمور عليه كراكب الصعبة،فكان يقع في أمور لايمكنه التخلّص منها أو لم يكن شيء من أموره خاليا عن المفسدة، فإذااستعمل الجرأة والجلادة والغلظة كانت علي خلاف الحقّ، و إن استعمل اللين كان للمداهنة في الدين .فمني‌ الناس لعمر اللّه بخبط وشماس وتلوّن واعتراض .. مني‌ علي المجهول أي ابتلي‌، والعمر بالضم والفتح مصدر عمر الرّجل بالكسر إذاعاش زمانا طويلا، و لايستعمل في القسم إلّا العمر


صفحه : 528

بالفتح ، فإذاأدخلت عليه اللّام رفعته بالابتداء، واللّام لتوكيد الابتداء، والخبر محذوف ، والتّقدير لعمر اللّه قسمي‌، و إن لم تأت باللّام نصبته نصب المصادر، والمعني علي التّقديرين أحلف ببقاء اللّه ودوامه ، والخبط بالفتح السّير علي غيرمعرفة و في غيرجادّة، والشّماس بالكسر النغار يقال شمس الفرس شموسا وشماسا .. أي منع ظهره ،فهو فرس شموس بالفتح و به شماس ، والتّلوّن في الإنسان أن لايثبت علي خلق واحد، والاعتراض السّير علي غيراستقامة كأنّه يسير عرضا. والغرض بيان شدّة ابتلاء الناس في خلافته بالقضايا الباطلة لجهله واستبداده برأيه مع تسرّعه إلي الحكم وإيذائهم بحدّته وبالخشونة في الأقوال والأفعال الموجبة لنفارهم عنه ، وبالنفار عن الناس كالفرس الشموس ، والتلوّن في الآراء والأحكام لعدم ابتنائها علي أساس قوي‌، وبالخروج عن الجادة المستقيمة التي‌ شرّعها اللّه لعباده ، أوبالوقوع في الناس في مشهدهم ومغيبهم ، أوبالحمل علي الأمور الصعبة، والتكاليف الشاقّة. ويحتمل أن يكون الأربعة أوصافا للناس


صفحه : 529

في مدّة خلافته ، فإنّ خروج الوالي‌ عن الجادة يستلزم خروج الرعيّة عنها أحيانا، وكذا تلوّنه واعتراضه يوجب تلوّنهم واعتراضهم علي بعض الوجوه ، وخشونته يستلزم نفارهم ، وسيأتي‌ تفاصيل تلك الأمور في الأبواب الآتية إن شاء اللّه تعالي .فصبرت علي طول المدّة وشدّة المحنة، حتّي إذامضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أنيّ‌ أحدهم .. و في تلخيص الشافي‌ زعم أنيّ‌ سادسهم . والمحنة البليّة التّي‌ يمتحن بهاالإنسان . والزّعم مثلثة قريب من الظّنّ. و قال ابن الأثير إنّما يقال زعموا في حديث لاسند له و لاثبت فيه . و قال الزمخشري‌ هي‌ ما لايوثق به من الأحاديث .

وَ روُيِ‌َ عَنِ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّهُ قَالَ كُلّ زَعمٍ فِي القُرآنِ كَذِبٌ.

وكانت مدّة غصبه للخلافة علي ما في الإستيعاب عشر سنين وستة أشهر. و قال قتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي‌ الحجة سنة ثلاث وعشرين ، و قال الواقدي‌ وغيره لثلاث بقين منه ،طعنه أبولؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة.


صفحه : 530

واشتهر بين الشيعة أنّه قتل في التاسع من ربيع الأوّل، وسيأتي‌ فيه بعض الروايات . والجماعة الذين أشار عليه السلام إليهم أهل مجلس الشوري ، وهم ستة علي المشهور عليّ عليه السلام وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقّاص و عبدالرحمن بن عوف . و قال الطبري‌ لم يكن طلحة ممّن ذكر في الشوري و لا كان يومئذ بالمدينة. و قال أحمد بن أعثم لم يكن بالمدينة. فقال عمر انتظروا بطلحة ثلاثة أيّام، فإن جاء و إلّا فاختاروا رجلا من الخمسة.فيا للّه وللشوري .. الشّوري كبشري ،مصدر بمعني المشورة، واللّام في فيا للّه مفتوحة لدخولها علي المستغاث ،أدخلت للدلالة علي اختصاصها بالنداء للاستغاثة، و أمّا في وللشّوري فمكسورة دخلت علي المستغاث له ، والواو زائدة أوعاطفة علي محذوف مستغاث له أيضا،قيل كأنّه قال فيا لعمر وللشوري .. أو لي وللشوري .. ونحوه ، والأظهر فيا للّه لماأصابني‌ عنه ، أولنوائب الدهر عامّة وللشوري خاصّة، والاستغاثة للتألّم من الاقتران بمن لايدانيه في الفضائل ، و لايستأهل للخلافة، وسيأتي‌ قصّة الشوري في بابها.متي اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتي صرت أقرن إلي هذه


صفحه : 531

النظائر ..

وَ فِي رِوَايَةِ الشّيخِ وَ غَيرِهِ فَيَا لِلشّورَي وَ اللّهِ،مَتَي اعتَرَضَ الرّيبُ فِيّ مَعَ الأَوّلَينِ،فَأَنَا الآنَ أُقرَنُ ..

و في الإحتجاج مع الأوّلين منهم حتي صرت الآن يقرن بي‌ هذه النظائر. ويقال اعترض الشيّ‌ء .. أي صار عارضا كالخشبة المعترضة في النّهر، والرّيب الشّكّ، والمراد بالأوّل أبوبكر. وأقرن إليهم علي لفظ المجهول أي أجعل قرينا لهم ويجمع بيني‌ وبينهم . والنظائر الخمسة أصحاب الشوري ، وقيل الأربعة كماسيأتي‌، والتعبير عنهم بالنظائر لأنّ عمر جعلهم نظائر له عليه السلام ، أولكون كلّ منهم نظير الآخرين .لكنيّ‌ أسففت أن أسفّوا وطرت إذ طاروا .. و في رواية الشيخ ولكنيّ‌ أسففت مع القوم حيث أسفّوا وطرت مع القوم حيث طاروا .. قال في النهاية في شرح هذه الفقرة أسفّ الطّائر إذادنا من


صفحه : 532

الأرض ، وأسفّ الرّجل للأمر إذاقاربه ، وطرت .. أي ارتفعت استعمالا للكليّ‌ في أكمل الأفراد بقرينة المقابلة. و قال بعض الشارحين أي لكنيّ‌ طلبت الأمر إن كان المنازع فيه جليل القدر أوصغير المنزلة لأنّه حقيّ‌ و لم أستنكف من طلبه . والأظهر أنّ المعني أنيّ‌ جريت معهم علي ماجروا، ودخلت في الشوري مع أنّهم لم يكونوا نظراء لي ، وتركت المنازعة للمصلحة أوالأعمّ من ذلك بأنّ تكلّمت معهم في الإحتجاج أيضا بما يوافق رأيهم ، وبيّنت الكلام علي تسليم حقيّة مامضي من الأمور الباطلة، وأتممت الحجة عليهم علي هذاالوجه .فصغي رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن .الصغّي‌ الميل ، و منه أصغيت إليه إذاملت بسمعك نحوه . والضّغن بالكسر الحقد والعداوة، والصّهر بالكسر حرمة الختونة. و قال الخليل الأصهار أهل بيت المرأة، و من العرب من يجعل الصّهر من الأحماء والأختان جميعا. وهن علي وزن أخ كلمة كناية ومعناه شيء وأصله هنو. و قال الشيخ الرضي‌ رضي‌ اللّه عنه الهن الشيّ‌ء المنكر ألّذي يستهجن


صفحه : 533

ذكره من العورة والفعل القبيح أو غير ذلك ، و ألذي مال للضغن سعد بن أبي وقّاص،لأنّه عليه السلام قتل أباه يوم بدر، وسعد أحد من قعد عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام عندرجوع الأمر إليه ،كذا قال الراوندي‌ رحمه اللّه. وردّه ابن أبي الحديد بأنّ أباوقّاص واسمه مالك بن وهيب مات في الجاهلية حتف أنفه ، و قال المراد به طلحة، وضغنه لأنّه تيمي‌ّ و ابن عمّ أبي بكر، و كان في نفوس بني‌ هاشم حقد شديد من بني‌ تيم لأجل الخلافة وبالعكس ، والرواية التي‌ جاءت بأنّ طلحة لم يكن حاضرا يوم الشوري إن صحّت فذو الضغن هوسعد،لأنّ أمّه حمنة بنت سفيان بن أميّة بن عبدشمس ، والضغنة التي‌ كانت عنده من قبل أخواله الذين قتلهم عليّ عليه السلام ، و لم يعرف أنّه عليه السلام قتل أحدا من بني‌ زهرة لينسب الضغن إليه ، و ألذي مال لصهره هو عبدالرحمن لأنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت زوجة عبدالرحمن ، وهي‌ أخت عثمان من أمّه أروي بنت كويز بن ربيعة بن حبيب بن عبدشمس . و في بعض نسخ كتب الصدوق رحمه اللّه فمال رجل بضبعه بالضاد المعجمة والباء و في بعضها باللام . و قال الجوهري‌ الضّبع العضد .. وضبعت الخيل .. مدّت أضباعها في


صفحه : 534

سيرها ..، و قال الأصمعي‌ الضّبع أن يهوي‌ بحافره إلي عضده ، وكنّا في ضبع فلان بالضم أي في كنفه وناحيته . و قال يقال ضلعك مع فلان .. أي ميلك معه وهواك .. ويقال خاصمت فلانا فكان ضلعك عليّ .. أي ميلك . و في رواية الشيخ فمال رجل لضغنه وأصغي آخر لصهره .. ولعلّ المراد بالكناية رجاؤه أن ينتقل الأمر إليه بعدعثمان ، وينتفع بخلافته والانتساب إليه باكتساب الأموال والاستطالة والترفّع علي الناس ، أونوع من الانحراف عنه عليه السلام ، و قدعدّ من المنحرفين ، أو غير ذلك ممّا هو عليه السلام أعلم به ، ويحتمل أن يكون الظرف متعلقا بالمعطوف والمعطوف عليه كليهما،فالكناية تشتمل ذا الضغن أيضا. إلي أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع .

وَ فِي رِوَايَةِ الشّيخِ إِلَي أَن قَامَ الثّالِثُ نَافِجاً حِضنَيهِ بَينَ نَثِيلِهِ وَ مُعتَلَفِهِ مِنهَا، وَ أَسرَعَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ فِي مَالِ اللّهِ يَخضَمُونَهُ ..

والحضن بالكسر مادون الإبط إلي الكشح ، والنّفج بالجيم الرّفع يقال بعير منتفج الجنبين إذاامتلأ من الأكل فارتفع جنباه ، و رجل


صفحه : 535

منتفج الجنبين إذاافتخر بما ليس فيه ، وظاهر المقام التشبيه بالبعير. و قال ابن الأثير كني به عن التّعاظم والخيلاء، قال ويروي نافخا بالخاء المعجمة أي منتفخا مستعدّا لأن يعمل عمله من الشّرّ، والظاهر علي هذه الرواية أنّ المراد كثرة الأكل . والنّثيل الرّوث بالفتح ، والمعتلف بالفتح موضع الاعتلاف ، و هوأكل الدّابة العلف .. أي كان همّه الأكل والرجع كالبهائم ، و قدمرّ تفسير ما في رواية الصدوق رحمه اللّه. قال في القاموس النّثيل بالفتح والكسر وعاء قضيب البعير .. أوالقضيب نفسه ، والخضم الأكل بجميع الفم ويقابله القضم .. أي بأطراف الأسنان .

وَ قَالَ فِي النّهَايَةِ فِي حَدِيثِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُفَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ


صفحه : 536

يَخضَمُونَ مَالَ اللّهِ خَضمَ الإِبِلِ نِبتَةَ الرّبِيعِ ..

الخضم الأكل بأقصي الأضراس ، والقضم بأدناها، و منه حديث أبي ذرّ تأكلون خضما ونأكل قضما، وقيل الخضم خاصّ بالشيّ‌ء الرّطب والقضم باليابس ، والفعل خضم كعلم علي قول الجوهري‌ و ابن الأثير. و في القاموس كسمع وضرب ، وأعرب المضارع في النسخ علي الوجهين جميعا. وقالوا النّبتة بالكسر ضرب من فعل النّبات يقال إنّه لحسن النّبتة، والكلام إشارة إلي تصرّف عثمان وبني‌ أميّة في بيت مال المسلمين وإعطائه الجوائز وإقطاعه القطائع كماسيأتي‌ إن شاء اللّه. إلي أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته .. و في الإحتجاج إلي أن كبت به بطنته وأجهز عليه عمله .. والانتكاث الانتقاض ،يقال نكث فلان العهد والحبل فانتكث .. أي نقضه فانتقض ، وفتل الحبل برمه و ليّ شقّيه. والإجهاز إتمام قتل


صفحه : 537

الجريح وإسراعه ، وقيل فيه إيماء إلي ماأصابه قبل القتل من طعن أسنّة الألسنة وسقوطه عن أعين الناس . وكبا الفرس سقط علي وجهه ، وكبا به أسقطه . والبطنة الكظّة، أي الامتلاء من الطّعام. والحاصل أنّه استمرّت أفعالهم المذكورة إلي أن رجع عليه حيله وتدابيره ولحقه وخامة العاقبة فوثبوا عليه وقتلوه ، كماسيأتي‌ بيانه .فما راعني‌ إلّا و الناس ينثالون عليّ من كلّ جانب .. و في الإحتجاج إلا و الناس رسل إلي‌ّ كعرف الضبع يسألون أن أبايعهم وانثالوا علي حقيّ‌ .. و في رواية الشيخ فما راعني‌ من الناس إلّا وهم رسل كعرف الضبع يسألوني‌ أبايعهم وأبي ذلك ، وانثالوا عليّ .. والروع بالفتح الفزع والخوف ،يقال رعت فلانا وروّعته فارتاع .. أي أفزعته ففزع ، وراعني‌ الشيّ‌ء أي أعجبني‌، والأوّل هنا أنسب .


صفحه : 538

والثّول صبّ ما في الإناء، وانثال انصبّ. و في بعض النسخ الصحيحة و الناس إلي‌ّ كعرف الضبع ينثالون .. والعرف الشّعر الغليظ النّابت علي عنق الدّابة، وعرف الضّبع ممّا يضرب به المثل في الازدحام . و في القاموس الرّسل محركة القطيع من كلّ شيء.. والرّسل بالفتح .. المترسّل من الشّعر، و قدرسل كفرح رسلا .. أي ماأفزعني‌ حالة إلّا حالة ازدحام الناس للبيعة، و ذلك لعلمهم بقبح العدول عنه عليه السلام إلي غيره . حتي لقد وطئ الحسنان وشقّ عطفاي‌ ... الوطء الدّوس بالقدم ، والحسنان السبطان صلوات اللّه عليهما، ونقل عن السيّد المرتضي رضي‌ اللّه عنه أنّه قال روي أبوعمر وأنّهما الإبهامان ، وأنشد للشفري‌


صفحه : 539


مهضومة الكشحين حزماء الحسن   ..........

وَ رَوَي أَنّهُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ كَانَ يَومَئِذٍ جَالِساً مُحتَبِياً وَ هيِ‌َ جِلسَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ المُسَمّاةُ بِالقُرفُصَاءِ فَاجتَمَعُوا لِيُبَايِعُوهُ زَاحَمُوا حَتّي وَطِئُوا إِبهَامَيهِ، وَ شَقّوا ذَيلَهُ

، قال و لم يعن الحسن و الحسين عليهما السلام وهما رجلان كسائر الحاضرين . وعطفا الرّجل بالكسر جانباه ،فالمراد شقّ جانبي‌ قميصه عليه السلام أوردائه عليه السلام لجلوس الناس أووضع الأقدام وزحامهم حوله . وقيل أراد خدش جانبيه عليه السلام لشدّة الاصطكاك والزحام . و في بعض النسخ الصحيحة وشقّ عطافي‌، و هوبالكسر الرّداء، و هوأنسب .مجتمعين حولي‌ كربيضة الغنم .. الرّبيض والرّبيضة الغنم المجتمعة في مربضها .. أي مأواها. وقيل إشارة إلي بلادتهم ونقصان عقولهم ،لأنّ الغنم توصف بقلّة الفطنة.


صفحه : 540

فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخري ، وفسق آخرون .. و في رواية الشيخ والإحتجاج وقسط آخرون .نهض كمنع قام ، والنّكث النّقض، والمروق الخروج ، وفسق الرجل كنصر وضرب فجر وأصله الخروج ، والقسط العدل والجور، والمراد به هنا الثاني‌. والمراد بالناكثة أصحاب الجمل ، و قدروي أنّه عليه السلام كان يتلو وقت مبايعتهم وفَمَن نَكَثَ فَإِنّما يَنكُثُ عَلي نَفسِهِ. وبالمارقة أصحاب النهروان . وبالفاسقة أوالقاسطة أصحاب صفّين وسيأتي‌ أخبار النبيّ صلّي اللّه


صفحه : 541

عليه وآله بهم وبقتاله عليه السلام معهم .كأنّهم لم يسمعوا اللّه سبحانه يقول تِلكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأَرضِ وَ لا فَساداً وَ العاقِبَةُ لِلمُتّقِينَ.الظاهر رجوع ضمير الجمع إلي الخلفاء الثلاثة لا إلي الطوائف كماتوهّم إذ الغرض من الخطبة ذكرهم لاالطوائف ، و هوالمناسب لما بعدالآية، لاسيّما ضمير الجمع في سمعوها ووعوها. والغرض تشبيههم في الإعراض عن الآخرة والإقبال علي الدنيا وزخارفها للأغراض الفاسدة بمن أعرض عن نعيم الآخرة لعدم سماع الآية وشرائط الفوز بثوابها، والمشار إليها في الآية هي‌ الجنّة، والإشارة للتعظيم .. أي تلك الدار التي‌ بلغك وصفها. والعلوّ هوالتّكبّر علي عباد اللّه والغلبة عليهم ، والاستكبار عن العبادة. والفساد الدعاء إلي عبادة غير اللّه، أوأخذ المال وقتل النفس بغير حقّ، أوالعمل بالمعاصي‌ والظلم علي الناس ، والآية لمّا كانت بعدقصّة قارون وقبله قصّة فرعون فقيل إنّ العلوّ إشارة إلي كفر فرعون ،لقوله تعالي فيه عَلا فِي الأَرضِ والفساد إلي بغي‌ قارون لقوله تعالي وَ لا تَبغِ الفَسادَ فِي الأَرضِففي‌ كلامه عليه السلام يحتمل كون الأوّل إشارة إلي


صفحه : 542

الأوّلين، والثاني‌ إلي الثالث ، أوالجميع إليهم جميعا، أو إلي جميع من ذكر في الخطبة كماقيل .بلي و اللّه لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها .. و في رواية الشيخ بلي و اللّه لقد سمعوها ولكن راقتهم دنياهم وأعجبهم زبرجها .. وعي الحديث كرمي فهمه وحفظه . وحلي‌ فلان بعيني‌ و في عيني‌ بالكسر إذاأعجبك ، وكذلك حلي بالفتح يحلو حلاوة. وراقني‌ الشيّ‌ء أعجبني‌. والزّبرج الزّينة من وشي‌ أوجوهر أونحو ذلك ، قال الجوهري‌ ويقال الزّبرج الذّهب، و في النهاية الزّينة والذّهب والسّحاب. أما و ألذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو لاحضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر ..

وَ فِي رِوَايَةِ الشّيخِ لَو لَا حُضُورُ النّاصِرِ وَ لُزُومُ الحُجّةِ وَ مَا أَخَذَ اللّهُ مِن


صفحه : 543

أَولِيَاءِ الأَمرِ ..

الفلق الشّقّ، وبرأ ... أي خلق ، وقيل قلّما يستعمل في غيرالحيوان ، والنّسمة محركة الإنسان أوالنّفس والرّوح. والظاهر أنّ المراد بفلق الحبّة شقّها وإخراج النبات منها. وقيل خلقها. وقيل هوالشقّ ألذي في الحبّ. وحضور الحاضر .. أمّا وجود من حضر للبيعة فما بعده كالتفسير له ، أوتحقّق البيعة علي ماقيل ، أوحضوره سبحانه وعلمه ، أوحضور الوقت ألذي وقّته الرسول صلّي اللّه عليه وآله للقيام بالأمر. و ماأخذ اللّه علي العلماء أن لايقارّوا علي كظّة ظالم و لاسغب مظلوم .. كلمة مامصدريّة، والجملة في محلّ النصب لكونها مفعولا لأخذ أوموصولة والعائد مقدّر، والجملة بيان لماأخذه اللّه بتقدير حرف الجر أوبدل منه أوعطف بيان له . والعلماء إمّا الأئمّة عليهم السلام أوالأعمّ،فيدلّ علي وجوب الحكم بين الناس في زمان الغيبة لمن جمع الشرائط. و في الإحتجاج علي أولياء الأمر أن لايقرّوا ..


صفحه : 544

والمقارّة علي ماذكره الجوهري‌ أن تقرّ مع صاحبك وتسكن . وقيل إقرار كلّ واحد صاحبه علي الأمر وتراضيهما به . والكظّة مايعتري‌ الإنسان من الامتلاء من الطّعام، والسّغب بالتحريك الجوع .لألقيت حبلها علي غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها .. الضمائر راجعة إلي الخلافة، والغارب ما بين السّنام والعنق أومقدّم السّنام، وإلقاء الحبل ترشيح لتشبيه الخلافة بالناقة التي‌ يتركها راعيها لترعي حيث تشاء و لايبالي‌ من يأخذها و مايصيبها، وذكر الحبل تخييل . والكأس إناء فيه شراب أومطلقا. وسقيها بكأس أوّلها تركها والإعراض عنها لعدم الناصر. و قال بعض الشارحين التعبير بالكأس لوقوع الناس بذلك الترك في حيرة تشبه السكر.


صفحه : 545

ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي‌ عن عفطة عنز ..

وَ فِي الإِحتِجَاجِ وَ لَأَلفَوا دُنيَاكُم أَهوَنَ عنِديِ‌ ..

قوله عليه السلام ألفيتم .. أي وجدتم ، وإضافة الدنيا إلي المخاطبين لتمكّنها في ضمائرهم ورغبتهم فيها، والإشارة للتحقير. والزّهد خلاف الرّغبة، والزّهيد القليل ، وصيغة التفضيل علي الأوّل علي خلاف القياس كأشهر وأشغل . والعنز بالفتح أنثي المعز، وعفطتها مايخرج ماأنفها عندالنثرة، وهي‌ منها شبه العطسة،كذا قال بعض الشارحين ، وأورد عليه أنّ المعروف في العنز النفطة بالنون و في النّعجة العفطة بالعين صرّح به الجوهري‌ والخليل في العين . و قال بعض الشارحين العفطة من الشاة كالعطاس من الإنسان ، و هو غيرمعروف ، و قال ابن الأثير أي ضرطة عنز.


صفحه : 546

قَالُوا وَ قَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ مِن أَهلِ السّوَادِ عِندَ بُلُوغِهِ إِلَي هَذَا المَوضِعِ مِن خُطبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً،فَأَقبَلَ يَنظُرُ فِيهِ، فَلَمّا فَرَغَ مِن قِرَاءَتِهِ، قَالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ رَحمَةُ اللّهِ


صفحه : 547

عَلَيهِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَوِ اطّرَدَت مَقَالَتُكَ مِن حَيثُ أَفضَيتَ. فَقَالَ لَهُ هَيهَاتَ يَا ابنَ عَبّاسٍ،تِلكَ شِقشِقَةٌ هَدَرَت ثُمّ قَرّت.

أهل السّواد ساكنو القري ، وتسمّي القري سوادا لخضرتها بالزرع والأشجار، والعرب تسميّ‌ الأخضر أسود. وناوله أعطاه . ويحتمل أن يكون اطّردت علي صيغة الخطاب من باب الإفعال ونصب المقالة علي المفعوليّة أو علي صيغة المؤنّث الغائب من باب الافتعال ، ورفع المقالة علي الفاعليّة، والجزاء محذوف .. أي كان حسنا، وكلمة لوللتمنيّ‌، و قدمرّ


صفحه : 548

تفسير الشقشقة بالكسر. وهدير الجمل ترديده الصّوت في حنجرته وإسناده إلي الشقشقة تجوّز. وقرّت .. أي سكنت . وقيل في الكلام إشعار بقلّة الاعتناء بمثل هذاالكلام إمّا لعدم التأثير في السامعين كماينبغي‌، أولقلّة الاهتمام بأمر الخلافة من حيث إنّها سلطنة، أوللإشعار بانقضاء مدّته عليه السلام ،فإنّها كانت في قرب شهادته عليه السلام ، أولنوع من التقيّة أولغيرها. قال ابن عباس فو اللّه ماأسفت علي كلام قطّ كأسفي‌ علي ذلك الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد .. الأسف بالتحريك أشدّ الحزن ، والفعل كعلم ، وقطّ من الظّروف الزمانيّة بمعني أبدا. وحكي ابن أبي الحديد، عن ابن الخشّاب أنّه قال لوسمعت ابن عباس يقول هذالقلت له وهل بقي‌ في نفس ابن عمّك أمر لم يبلغه لتتأسّف و اللّه مارجع عن الأوّلين و لا عن الآخرين .أقول إنّما أطنبت الكلام في شرح تلك الخطبة الجليلة لكثرة جدواها وقوّة الاحتجاج بها علي المخالفين ، وشهرتها بين جميع المسلمين ، و إن لم نوف في كلّ فقرة حقّ شرحها حذرا من كثرة الإطناب ، وتعويلا علي مابيّنته في سائر الأبواب .


صفحه : 549

شف مِن كِتَابِ أَحمَدَ بنِ مُحَمّدٍ الطبّرَيِ‌ّ المَعرُوفِ باِلخلَيِليِ‌ّ، عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمّدِ بنِ ثَعلَبَةَ الخماني‌[الحمِاّنيِ‌ّ]، عَن مُخَوّلِ بنِ اِبرَاهِيمَ، عَن عَمرِو بنِ شِمرٍ، عَن جَابِرٍ، عَن أَبِي جَعفَرٍ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِمُ السّلَامُ قَالَ قَالَ ابنُ عَبّاسٍكُنتُ أَتَتَبّعُ غَضَبَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ إِذَا ذَكَرَ شَيئاً أَو هَاجَهُ خَبَرٌ، فَلَمّا كَانَ ذَاتَ يَومٍ كَتَبَ إِلَيهِ بَعضُ شِيعَتِهِ مِنَ الشّامِ يَذكُرُ فِي كِتَابِهِ أَنّ مُعَاوِيَةَ وَ عَمرَو بنَ العَاصِ وَ عُتبَةَ بنَ أَبِي سُفيَانَ وَ الوَلِيدَ بنَ عُقبَةَ وَ مَروَانَ اجتَمَعُوا عِندَ مُعَاوِيَةَ فَذَكَرُوا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَعَابُوهُ وَ أَلقَوا فِي أَفوَاهِ النّاسِ أَنّهُ يَنتَقِصُ أَصحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ يَذكُرُ كُلّ وَاحِدٍ مِنهُم مَا هُوَ أَهلُهُ، وَ ذَلِكَ لَمّا أَمَرَ أَصحَابَهُ بِالِانتِظَارِ لَهُ بِالنّخَيلَةِ فَدَخَلُوا الكُوفَةَ فَتَرَكُوهُ،فَغَلَظَ ذَلِكَ عَلَيهِ وَ جَاءَ هَذَا الخَبَرُ فَأَتَيتُهُ بَابَهُ فِي اللّيلِ،فَقُلتُ يَا قَنبَرُ أَيّ شَيءٍ خَبَرُ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ قَالَ هُوَ نَائِمٌ،فَسَمِعَ كلَاَميِ‌. فَقَالَ( ع ) مَن هَذَا قَالَ ابنُ عَبّاسٍ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ ادخُل فَدَخَلتُ، فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ نَاحِيَةً عَن فِرَاشِهِ فِي ثَوبٍ جَالِسٌ


صفحه : 550

كَهَيئَةِ المَهمُومِ،فَقُلتُ مَا لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ اللّيلَةَ. فَقَالَ وَيحَكَ يَا ابنَ عَبّاسٍ وَ كَيفَ تَنَامُ عَينَا قَلبٍ مَشغُولٍ، يَا ابنَ عَبّاسٍ مَلِكُ جَوَارِحِكَ قَلبُكَ فَإِذَا أَرهَبَهُ أَمرٌ طَارَ النّومُ عَنهُ،هَا أَنَا ذَا كَمَا تَرَي مُذ أَوّلِ اللّيلِ اعترَاَنيِ‌ الفِكرُ وَ السّهَرُ لِمَا تَقَدّمَ مِن نَقضِ عَهدِ أَوّلِ هَذِهِ الأُمّةِ المُقَدّرِ عَلَيهَا نَقضُ عَهدِهَا، إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَمَرَ مَن أَمَرَ مِن أَصحَابِهِ بِالسّلَامِ عَلَيّ فِي حَيَاتِهِ بِإِمرَةِ المُؤمِنِينَ فَكُنتُ أُؤَكّدُ أَن أَكُونَ كَذَلِكَ بَعدَ وَفَاتِهِ. يَا ابنَ عَبّاسٍ أَنَا أَولَي النّاسِ بِالنّاسِ بَعدَهُ وَ لَكِن أُمُورٌ اجتَمَعَت عَلَي رَغبَةِ النّاسِ فِي الدّنيَا وَ أَمرِهَا وَ نَهيِهَا وَ صَرفِ قُلُوبِ أَهلِهَا عنَيّ‌، وَ أَصلُ ذَلِكَ مَا قَالَ اللّهُ تَعَالَي فِي كِتَابِهِأَم يَحسُدُونَ النّاسَ عَلي ما آتاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ فَقَد آتَينا آلَ اِبراهِيمَ الكِتابَ وَ الحِكمَةَ وَ آتَيناهُم مُلكاً عَظِيماً،فَلَو لَم يَكُن ثَوَابٌ وَ لَا عِقَابٌ لَكَانَ بِتَبلِيغِ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فُرِضَ عَلَي النّاسِ اتّبَاعُهُ، وَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ يَقُولُما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوا، أَ تَرَاهُم نُهُوا عنَيّ‌ فَأَطَاعُوهُ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ وَ غَدَا بِرُوحِ أَبِي القَاسِمِ صَلّي اللّهُ


صفحه : 551

عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي الجَنّةِ لَقَد قُرِنتُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ حَيثُ يَقُولُ عَزّ وَ جَلّإِنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرّجسَ أَهلَ البَيتِ وَ يُطَهّرَكُم تَطهِيراً، وَ لَقَد طَالَ يَا ابنَ عَبّاسٍ فكِريِ‌ وَ همَيّ‌ وَ تجَرَعّيِ‌ غُصّةً بَعدَ غُصّةٍ لِأَمرٍ أَو قَومٍ عَلَي معَاَصيِ‌ اللّهِ وَ حَاجَتُهُم إلِيَ‌ّ فِي حُكمِ الحَلَالِ وَ الحَرَامِ حَتّي إِذَا أَتَاهُم مِنَ الدّنيَا أَظهَرُوا الغِنَي عنَيّ‌،كَأَن لَم يَسمَعُوا اللّهَ عَزّ وَ جَلّ يَقُولُوَ لَو رَدّوهُ إِلَي الرّسُولِ وَ إِلي أوُليِ‌ الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم. وَ لَقَد عَلِمُوا أَنّهُمُ احتَاجُوا إلِيَ‌ّ وَ لَقَد غَنِيتُ عَنهُمأَم عَلي قُلُوبٍ أَقفالُهافَمَضَي مَن مَضَي قَالٍ عَلَيّ بِضِغنِ القُلُوبِ وَ أَورَثَهَا الحِقدَ عَلَيّ، وَ مَا ذَاكَ إِلّا مِن أَجلِ طَاعَتِهِ فِي قَتلِ الأَقَارِبِ مُشرِكِينَ فَامتَلَوا غَيظاً وَ اعتِرَاضاً، وَ لَو صَبَرُوا فِي ذَاتِ اللّهِ لَكَانَ خَيراً لَهُم، قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّلا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَ اليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حَادّ اللّهَ وَ رَسُولَهُفَأَبطَنُوا مِن تَركِ الرّضَا بِأَمرِ اللّهِ، مَا أَورَثَهُمُ النّفَاقَ،


صفحه : 552

وَ أَلزَمَهُم بِقِلّةِ الرّضَا الشّقَاءَ وَ قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّفَلا تَعجَل عَلَيهِم إِنّما نَعُدّ لَهُم عَدّافَالآنَ يَا ابنَ عَبّاسٍ قُرِنتُ بِابنِ آكِلَةِ الأَكبَادِ وَ عَمرٍو وَ عُتبَةَ وَ الوَلِيدِ وَ مَروَانَ وَ أَتبَاعِهِم،فَمَتَي اختَلَجَ فِي صدَريِ‌ وَ ألُقيِ‌َ فِي روُعيِ‌ أَنّ الأَمرَ يَنقَادُ إِلَي دُنيَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ فِيهَا رُؤَسَاءَ يُطَاعُونَ فَهُم فِي ذِكرِ أَولِيَاءِ الرّحمَنِ يَثلِبُونَهُم وَ يَرمُونَهُم بِعَظَائِمِ الأُمُورِ مِن أنك [إِفكٍ]مُختَلِفٍ، وَ حِقدٍ قَد سَبَقَ وَ قَد عَلِمَ المُستَحفِظُونَ مِمّن بقَيِ‌َ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّ عَامّةَ أعَداَئيِ‌ مِمّن أَجَابَ الشّيطَانَ عَلَيّ وَ زَهّدَ النّاسَ فِيّ، وَ أَطَاعَ هَوَاهُ فِيمَا يَضُرّهُ فِي آخِرَتِهِ وَ بِاللّهِ عَزّ وَ جَلّ الغِنَي، وَ هُوَ المُوفّقُ لِلرّشَادِ وَ السّدَادِ. يَا ابنَ عَبّاسٍ وَيلٌ لِمَن ظلَمَنَيِ‌، وَ دَفَعَ حقَيّ‌، وَ أَذهَبَ عَظِيمَ منَزلِتَيِ‌،أَينَ كَانُوا أُولَئِكَ وَ أَنَا أصُلَيّ‌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ صَغِيراً لَم يُكتَب عَلَيّ صَلَاةٌ وَ هُم عَبَدَةُ الأَوثَانِ، وَ عُصَاةُ الرّحمَنِ، وَ بِهِم تُوقَدُ النّيرَانُ فَلَمّا قَرُبَ إِصعَارُ الخُدُودِ، وَ إِتعَاسُ الجُدُودِ،أَسلَمُوا كَرهاً، وَ أَبطَنُوا غَيرَ مَا أَظهَرُوا،طَمَعاً فِي أَن


صفحه : 553

يُطفِئُوا نُورَ اللّهِ وَ تَرَبّصُوا انقِضَاءَ أَمرِ الرّسُولِ وَ فَنَاءَ مُدّتِهِ، لِمَا أَطمَعُوا أَنفُسَهُم فِي قَتلِهِ، وَ مَشُورَتِهِم فِي دَارِ نَدوَتِهِم، قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّوَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَيرُ الماكِرِينَ، وَ قَالَيُرِيدُونَ أَن يُطفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفواهِهِم وَ يَأبَي اللّهُ إِلّا أَن يُتِمّ نُورَهُوَ لَو كَرِهَ المُشرِكُونَ. يَا ابنَ عَبّاسٍ نَدَبَهُم رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي حَيَاتِهِ بوِحَي‌ٍ مِنَ اللّهِ يَأمُرُهُم بمِوُاَلاَتي‌ِ،فَحَمَلَ القَومُ مَا حَمَلَهُم مِمّا حُقِدَ عَلَي أَبِينَا آدَمَ مِن حَسَدِ اللّعِينِ لَهُ،فَخَرَجَ مِن رَوحِ اللّهِ وَ رِضوَانِهِ، وَ أُلزِمَ اللّعنَةَ لِحَسَدِهِ لوِلَيِ‌ّ اللّهِ، وَ مَا ذَاكَ بضِاَريّ‌ إِن شَاءَ اللّهُ شَيئاً. يَا ابنَ عَبّاسٍ أَرَادَ كُلّ امر‌ِئٍ أَن يَكُونَ رَأساً مُطَاعاً يَمِيلُ إِلَيهِ الدّنيَا وَ إِلَي أَقَارِبِهِ فَحَمَلَهُ هَوَاهُ وَ لَذّةُ دُنيَاهُ وَ اتّبَاعُ النّاسِ إِلَيهِ أَن يَغصِبَ مَا جُعِلَ لِي، وَ لَو لَا اتقّاَي‌َ عَلَي الثّقَلِ الأَصغَرِ أَن يُنبَذَ فَيَنقَطِعَ شَجَرَةُ العِلمِ وَ زَهرَةُ الدّنيَا وَ حَبلُ اللّهِ المَتِينِ، وَ حِصنُهُ الأَمِينُ،وَلَدُ رَسُولِ رَبّ العَالَمِينَ لَكَانَ طَلَبُ المَوتِ


صفحه : 554

وَ الخُرُوجِ إِلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ أَلَذّ عنِديِ‌ مِن شَربَةِ ظَمآنَ وَ نَومِ وَسنَانَ، وَ لكَنِيّ‌ صَبَرتُ وَ فِي الصّدرِ بَلَابِلُ، وَ فِي النّفسِ وَسَاوِسُ،فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَ اللّهُ المُستَعانُ عَلي ما تَصِفُونَ، وَ لَقَدِيماً ظُلِمَ الأَنبِيَاءُ، وَ قُتِلَ الأَولِيَاءُ قَدِيماً فِي الأُمَمِ المَاضِيَةِ وَ القُرُونِ الخَالِيَةِفَتَرَبّصُوا حَتّي يأَتيِ‌َ اللّهُ بِأَمرِهِ، وَ بِاللّهِ أَحلِفُ يَا ابنَ عَبّاسٍ إِنّهُ كَمَا فُتِحَ بِنَا يُختَمُ بِنَا، وَ مَا أَقُولُ لَكَ إِلّا حَقّاً. يَا ابنَ عَبّاسٍ إِنّ الظّلمَ يَتّسِقُ لِهَذِهِ الأُمّةِ وَ يَطُولُ الظّلمُ، وَ يَظهَرُ الفِسقُ، وَ تَعلُو كَلِمَةُ الظّالِمِينَ، وَ لَقَد أَخَذَ اللّهُ عَلَي أَولِيَاءِ الدّينِ أَن لَا يُقَارّوا أَعدَاءَهُ،بِذَلِكَ أَمَرَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَي لِسَانِ الصّادِقِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَقَالَتَعاوَنُوا عَلَي البِرّ وَ التّقوي وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الإِثمِ وَ العُدوانِ. يَا ابنَ عَبّاسٍ ذَهَبَ الأَنبِيَاءُ فَلَا تَرَي نَبِيّاً، وَ الأَوصِيَاءُ وَرَثَتُهُم،عَنهُم أَخَذُوا عِلمَ الكِتَابِ، وَ تَحقِيقَ الأَسبَابِ، قَالَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّوَ كَيفَ تَكفُرُونَ وَ أَنتُم تُتلي عَلَيكُم آياتُ اللّهِ وَ فِيكُم رَسُولُهُ، فَلَا يَزَالُ الرّسُولُ بَاقِياً مَا نَفِدَت[ مَا نَفَذَت]أَحكَامُهُ، وَ عُمِلَ بِسُنّتِهِ، وَ دَارُوا حَولَ أَمرِهِ وَ نَهيِهِ، وَ بِاللّهِ أَحلِفُ يَا ابنَ عَبّاسٍ لَقَد نُبِذَ الكِتَابُ، وَ تُرِكَ قَولُ الرّسُولِ إِلّا مَا لَا يُطِيقُونَ تَركَهُ مِن حَلَالٍ وَ حَرَامٍ، وَ لَم


صفحه : 555

يَصبِرُوا عَلَي كُلّ أَمرِ نَبِيّهِموَ تِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَ ما يَعقِلُها إِلّا العالِمُونَأَ فَحَسِبتُم أَنّما خَلَقناكُم عَبَثاً وَ أَنّكُم إِلَينا لا تُرجَعُونَ،فَبَينَنَا وَ بَينَهُمُ المَرجِعُ إِلَي اللّهِوَ سَيَعلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ. يَا ابنَ عَبّاسٍ عَامِلِ اللّهَ فِي سِرّهِ وَ عَلَانِيَتِهِ تَكُن مِنَ الفَائِزِينَ، وَ دَع مَنِاتّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمرُهُ فُرُطاً، وَ يَحسِبُ مُعَاوِيَةَ مَا عَمِلَ وَ مَا يُعمَلُ بِهِ مِن بَعدِهِ، وَ ليُمِدّهُ ابنُ العَاصِ فِي غَيّهِ،فَكَأَنّ عُمُرَهُ قَدِ انقَضَي، وَ كَيدَهُ قَد هَوَي، وَ سَيَعلَمُ الكَافِرُلِمَن عُقبَي الدّارِ. وَ أَذّنَ المُؤَذّنُ فَقَالَ الصّلَاةَ يَا ابنَ عَبّاسٍ لَا تَفُت،أَستَغفِرُ اللّهَ لِي وَ لَكَ وَحَسبُنَا اللّهُ وَ نِعمَ الوَكِيلُ، وَ لَا حَولَ وَ لَا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ العلَيِ‌ّ العَظِيمِ. قَالَ ابنُ عَبّاسٍ فغَمَنّيِ‌ انقِطَاعُ اللّيلِ وَ تَلَهّفتُ عَلَي ذَهَابِهِ.

بيان

ثلبه تنقّصه وصرّح بعيبه . قوله عليه السلام وبهم توقد النيران .. أي نيران الفتن والحروب . و في القاموس صعّر خدّه تصعيرا وصاعره وأصعره أماله عن النّظر إلي النّاس تهاونا من كبر وربّما يكون خلقة. و قال التّعس الهلاك والعثار والسّقوط والشّرّ والبعد


صفحه : 556

والانحطاط والفعل كمنع وسمع ، وتعسه اللّه وأتعسه .انتهي . والجدود جمع الجدّ بالفتح و هوالحظّ والبخت ، أوبالكسر و هوالاجتهاد في الأمور،فيمكن أن يكون إصعار الخدود من المسلمين كناية عن غلبتهم ، وإتعاس الجدود للكافرين ، أوكلاهما للكافرين .. أي اجتمع فيهم التكبّر والاضطرار، و يكون المراد بالإصعار صرف وجوههم عمّا قصدوه علي وجه الإجبار، والأوّل أظهر. والوسنان عن غلبة النّوم. قوله عليه السلام فلايزال الرسول .. يدلّ علي عدم اختصاص الآية بزمن الرسول صلّي اللّه عليه وآله . قوله يَحسِبُ معاويةَ .. أي يكفيه ، و في بعض النسخ بالباء الموحّدة فتكون زائدة، قَالَ فِي النّهَايَةِ فِي

قَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] يَحسِبُكَ أَن تَصُومَ فِي كُلّ شَهرٍ ثَلَاثَةَ أَيّامِ ..

أَي يَكفِيكَ، وَ لَو روُيِ‌َ(بِحَسبِكَ أَن تَصُومَ).. أَي كِفَايَتُكَ أَو كَافِيكَ كَقَولِهِم بِحَسبِكَ قَولُ السّوءِ، وَ البَاءُ زَائِدَةٌ لَكَانَ وَجهاً انتهي . والأمر في قوله وليمدّه للتهديد.

شا رَوَي العَبّاسُ بنُ عَبدِ اللّهِ العبَديِ‌ّ، عَن عَمرِو بنِ شِمرٍ، عَن رِجَالِهِ قَالَ قَالُواسَمِعنَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ مَا رَأَيتُ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ


صفحه : 557

مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ رَخَاءً، وَ الحَمدُ لِلّهِ، وَ اللّهِ لَقَد خِفتُ صَغِيراً وَ جَاهَدتُ كَبِيراً،أُقَاتِلُ المُشرِكِينَ وَ أعُاَديِ‌ المُنَافِقِينَ حَتّي قَبَضَ اللّهُ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَكَانَتِ الطّامّةُ الكُبرَي فَلَم أَزَل حَذِراً رَجُلًا أَخَافُ أَن يَكُونَ مَا لَا يسَعَنُيِ‌ مَعَهُ المُقَامُ،فَلَم أَرَ بِحَمدِ اللّهِ إِلّا خَيراً، وَ اللّهِ مَا زِلتُ أَضرِبُ بسِيَفيِ‌ صَبِيّاً حَتّي صِرتُ شَيخاً، وَ إِنّهُ ليَصُبَرّنُيِ‌ عَلَي مَا أَنَا فِيهِ إِنّ ذَلِكَ كُلّهُ فِي اللّهِ، وَ أَنَا أَرجُو أَن يَكُونَ الرّوحُ عَاجِلًا قَرِيباً،فَقَد رَأَيتُ أَسبَابَهُ.قَالُوا فَمَا بقَيِ‌َ بَعدَ هَذِهِ المَقَالَةِ إِلّا يَسِيراً حَتّي أُصِيبَ عَلَيهِ السّلَامُ.

شا رَوَي عَبدُ اللّهِ بنُ بُكَيرٍ الغنَوَيِ‌ّ، عَن حَكِيمِ بنِ جُبَيرٍ، قَالَ حَدّثَنَا مَن شَهِدَ عَلِيّاً بِالرّحَبَةِ يَخطُبُ، فَقَالَ فِيمَا قَالَ أَيّهَا النّاسُ إِنّكُم قَد أَبَيتُم إِلّا أَن أَقُولَ أَمَا وَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَ الأَرضِ لَقَد عَهِدَ إلِيَ‌ّ خلَيِليِ‌ أَنّ الأُمّةَ سَتَغدِرُ بِكَ.

شا رَوَي نَقَلَةُ الآثَارِ أَنّ رَجُلًا مِن بنَيِ‌ أَسَدٍ وَقَفَ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ( ع )العَجَبُ مِنكُم يَا بنَيِ‌ هَاشِمٍ،كَيفَ عَدَلَ هَذَا الأَمرُ عَنكُم وَ أَنتُمُ الأَعلَونَ نَسَباً وَ نَوطاً بِالرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ


صفحه : 558

وَ آلِهِ، وَ فَهماً لِلكِتَابِ. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا ابنَ دُودَانَ إِنّكَ لَقَلِقُ الوَضِينِ،ضَيّقُ المَخزَمِ،تُرسِلُ مِن غَيرِ ذيِ‌ مَسَدّ، لَكَ ذِمَامَةُ الصّهرِ وَ حَقّ المَسأَلَةِ، وَ قَدِ استَعلَمتَ فَاعلَم،كَانَت أَثَرَةٌ سَخَت بِهَا نُفُوسُ قَومٍ وَ شَحّت عَلَيهَا نُفُوسُ آخَرِينَ(فَدَع عَنكَ نَهباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ) وَ هَلُمّ الخَطبَ فِي أَمرِ ابنِ أَبِي سُفيَانَ،فَلَقَد أضَحكَنَيِ‌ الدّهرُ بَعدَ إِبكَائِهِ، وَ لَا غَروَ،بِئسَ القَومُ وَ اللّهِ مَن خفَضّنَيِ‌ وهيني‌ وَ حَاوَلُوا الإِدهَانَ فِي ذَاتِ اللّهِ،هَيهَاتَ ذَلِكَ منِيّ‌ فَإِن تَنحَسِر عَنّا مِحَنُ البَلوَي أَحمِلهُم مِنَ الحَقّ عَلَي مَحضِهِ، وَ إِن تَكُنِ الأُخرَيفَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَراتٍ وَفَلا تَأسَ عَلَي القَومِ الفاسِقِينَ.

د فِي كِتَابِ الإِرشَادِ لِكَيفِيّةِ الطّلَبِ فِي أَئِمّةِ العِبَادِ تَصنِيفِ مُحَمّدِ ابنِ الحَسَنِ الصّفّارِ، قَالَ وَ قَد كَفَانَا أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ المَئُونَةَ فِي خُطبَةٍ خَطَبَهَا،أَودَعَهَا مِنَ البَيَانِ وَ البُرهَانِ مَا يجُليِ‌ الغِشَاوَةَ عَن أَبصَارِ مِتَأَمّلِيهِ، وَ العَمَي عَن عُيُونِ مُتَدَبّرِيهِ، وَ حَلّينَا هَذَا الكِتَابَ بِهَا لِيَزدَادَ المُستَرشِدُونَ فِي هَذَا الأَمرِ بَصِيرَةً، وَ هيِ‌َ مِنّةُ اللّهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ عَلَينَا وَ عَلَيهِم يَجِبُ شُكرُهَا .. خَطَبَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ فَقَالَ مَا لَنَا وَ لِقُرَيشٍ وَ مَا تُنكِرُ مِنّا قُرَيشٌ غَيرَ أَنّا أَهلُ بَيتٍ شَيّدَ اللّهُ فَوقَ بُنيَانِهِم بُنيَانَنَا، وَ أَعلَي فَوقَ رُءُوسِهِم رُءُوسَنَا، وَ اختَارَنَا اللّهُ عَلَيهِم،فَنَقَمُوا عَلَي اللّهِ


صفحه : 559

أَنِ اختَارَنَا عَلَيهِم، وَ سَخِطُوا مَا رضَيِ‌َ اللّهُ، وَ أَحَبّوا مَا كَرِهَ اللّهُ، فَلَمّا اختَارَنَا اللّهُ عَلَيهِم شَرِكنَاهُم فِي حَرِيمِنَا، وَ عَرّفنَاهُمُ الكِتَابَ وَ النّبُوّةَ، وَ عَلّمنَاهُمُ الفَرضَ وَ الدّينَ، وَ حَفّظنَاهُمُ الصّحُفَ وَ الزّبُرَ، وَ دَيّنّاهُمُ الدّينَ وَ الإِسلَامَ،فَوَثَبُوا عَلَينَا، وَ جَحَدُوا فَضلَنَا، وَ مَنَعُونَا حَقّنَا، وَ أَلَتُونَا أَسبَابَ أَعمَالِنَا وَ أَعلَامِنَا، أللّهُمّ فإَنِيّ‌ أَستَعدِيكَ عَلَي قُرَيشٍ فَخُذ لِي بحِقَيّ‌ مِنهَا، وَ لَا تَدَع مظَلمِتَيِ‌ لَدَيهَا، وَ طَالِبهُم يَا رَبّ بحِقَيّ‌،فَإِنّكَ الحَكَمُ العَدلُ، فَإِنّ قُرَيشاً صَغّرَت عَظِيمَ أمَريِ‌، وَ استَحَلّتِ المَحَارِمَ منِيّ‌، وَ استَخَفّت بعِرِضيِ‌ وَ عشَيِرتَيِ‌، وَ قهَرَتَنيِ‌ عَلَي ميِراَثيِ‌ مِنِ ابنِ عمَيّ‌ وَ أَغرَوا بيِ‌ أعَداَئيِ‌، وَ وَتَرُوا بيَنيِ‌ وَ بَينَ العَرَبِ وَ العَجَمِ، وَ سلَبَوُنيِ‌ مَا مَهّدتُ لنِفَسيِ‌ مِن لَدُن صبِاَي‌َ بجِهُديِ‌ وَ كدَيّ‌، وَ منَعَوُنيِ‌ مَا خَلّفَهُ أخَيِ‌ وَ جسِميِ‌ وَ شقَيِقيِ‌، وَ قَالُوا إِنّكَ لَحَرِيصٌ مُتّهَمٌ أَ لَيسَ بِنَا اهتَدَوا مِن مَتَاهِ الكُفرِ، وَ مِن عَمَي الضّلَالَةِ وَ عيِ‌ّ الظّلمَاءِ، أَ لَيسَ أَنقَذتُهُم مِنَ الفِتنَةِ الصّمّاءِ، وَ المِحنَةِ العَميَاءِ وَيلَهُم أَ لَم أُخَلّصهُم مِن نِيرَانِ الطّغَاةِ، وَ كَرّةِ العُتَاةِ،


صفحه : 560

وَ سُيُوفِ البُغَاةِ، وَ وَطأَةِ الأَسَدِ، وَ مُقَارَعَةِ الطّمَاطِمَةِ، وَ مُمَاحَكَةِ القَمَاقِمَةِ،الّذِينَ كَانُوا عُجمَ العَرَبِ، وَ غُنمَ الحُرُوبِ، وَ قُطبَ الإِقدَامِ، وَ جِبَالَ القِتَالِ، وَ سِهَامَ الخُطُوبِ، وَ سَلّ السّيُوفِ، أَ لَيسَ بيِ‌ كَانَ يَقطَعُ الدّرُوعَ الدّلَاصَ، وَ تَصطَلِمُ الرّجَالَ الحِرَاصَ، وَ بيِ‌ كَانَ يفَريِ‌ جَمَاجِمَ البُهَمَ، وَ هَامَ الأَبطَالِ، إِذَا فَزِعَت تَيمٌ إِلَي الفِرَارِ، وَ عدَيِ‌ّ إِلَي الِانتِكَاصِ أَمَا وَ إنِيّ‌ لَو أَسلَمتُ قُرَيشاً لِلمَنَايَا وَ الحُتُوفِ، وَ تَرَكتُهَا فَحَصَدَتهَا سُيُوفُ الغَوَانِمِ، وَ وَطَأَتهَا خُيُولُ الأَعَاجِمِ، وَ كَرّاتُ الأعَاَديِ‌، وَ حَمَلَاتُ الأعَاَليِ‌، وَ طَحَنَتهُم سَنَابِكُ الصَافِنَاتِ، وَ حَوَافِرُ الصّاهِلَاتِ، فِي مَوَاقِفِ الأَزلِ وَ الهَزلِ فِي ظِلَالِ الأَعِنّةِ وَ بَرِيقِ الأَسِنّةِ، مَا بَقُوا لهِضَميِ‌، وَ لَا عَاشُوا لظِلُميِ‌، وَ لَمَا قَالُوا إِنّكَ لَحَرِيصٌ مُتّهَمٌ اليَومَ نَتَوَاقَفُ عَلَي حُدُودِ الحَقّ وَ البَاطِلِ، أللّهُمّافتَح بَينَنا وَ بَينَ قَومِنا بِالحَقّ،فإَنِيّ‌ مَهّدتُ مِهَادَ نُبُوّةِ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ رَفَعتُ أَعلَامَ دِينِكَ، وَ أَعلَنتُ مَنَارَ رَسُولِكَ،فَوَثَبُوا عَلَيّ وَ غاَلبَوُنيِ‌ وَ ناَلوُنيِ‌ وَ واَترَوُنيِ‌ .. فَقَامَ إِلَيهِ أَبُو حَازِمٍ الأنَصاَريِ‌ّ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ( ع ) أَبُو بَكرٍ وَ عُمَرُ ظَلَمَاكَ أَ حَقّكَ أَخَذَا وَ عَلَي البَاطِلِ مَضَيَا أَ عَلَي حَقّ كَانَا أَ عَلَي صَوَابٍ أَقَامَا أَم مِيرَاثَكَ غَصَبَا أَفهِمنَا لِنَعلَمَ بَاطِلَهُم مِن حَقّكَ أَو نَعلَمَ حَقّهُمَا مِن حَقّكَ


صفحه : 561

أَ بَزّاكَ أَمرَكَ أَم غَصَبَاكَ إِمَامَتَكَ أَم غَالَبَاكَ فِيهَا عَزّاً أَم سَبَقَاكَ إِلَيهَا عِجلًا فَجَرَتِ الفِتنَةُ وَ لَم تَستَطِع مِنهَا استِقلَالًا فَإِنّ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارَ يَظُنّانِ أَنّهُمَا كَانَا عَلَي حَقّ وَ عَلَي الحُجّةِ الوَاضِحَةِ مَضَيَا. فَقَالَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ يَا أَخَا اليَمَنِ لَا بِحَقّ أَخَذَا، وَ لَا عَلَي إِصَابَةٍ أَقَامَا، وَ لَا عَلَي دِينٍ مَضَيَا، وَ لَا عَلَي فِتنَةٍ خَشِيَا،يَرحَمُكَ اللّهُ،اليَومَ نَتَوَاقَفُ عَلَي حُدُودِ الحَقّ وَ البَاطِلِ أَ تَعلَمُونَ يَا إخِواَنيِ‌ أَنّ بنَيِ‌ يَعقُوبَ عَلَي حَقّ وَ مَحَجّةٍ كَانُوا حِينَ بَاعُوا أَخَاهُم، وَ عَقّوا أَبَاهُم، وَ خَانُوا خَالِقَهُم، وَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم.فَقَالُوا لَا. فَقَالَ رَحِمَكُمُ اللّهُ، أَ يَعلَمُ إِخوَانُكَ هَؤُلَاءِ أَنّ ابنَ آدَمَ قَاتِلَ الأَخِ كَانَ عَلَي حَقّ وَ مَحَجّةٍ وَ إِصَابَةٍ وَ أَمرَهُ مِن رِضَي اللّهِ.فَقَالُوا لَا. فَقَالَ أَ وَ لَيسَ كُلّ فَعَلَ بِصَاحِبِهِ مَا فَعَلَ لِحَسَدِهِ إِيّاهُ وَ عُدوَانِهِ وَ بَغضَائِهِ لَهُ.فَقَالُوا نَعَم. قَالَ وَ كَذَلِكَ فَعَلَا بيِ‌ مَا فَعَلَا حَسَداً، ثُمّ إِنّهُ لَم يَتُب عَلَي وُلدِ يَعقُوبَ إِلّا بَعدَ استِغفَارٍ وَ تَوبَةٍ، وَ إِقلَاعٍ وَ إِنَابَةٍ، وَ إِقرَارٍ، وَ لَو أَنّ قُرَيشاً تَابَت إلِيَ‌ّ وَ اعتَذَرَت مِن فِعلِهَا لَاستَغفَرتُ اللّهَ لَهَا. ثُمّ قَالَ إِنّمَا أُنطِقُ لَكُمُ العَجمَاءَ ذَاتَ البَيَانِ، وَ أُفصِحُ الخَرسَاءَ ذَاتَ


صفحه : 562

البُرهَانِ،لأِنَيّ‌ فَتَحتُ الإِسلَامَ، وَ نَصَرتُ الدّينَ، وَ عَزَزتُ الرّسُولَ، وَ ثَبّتّ أَركَانَ الإِسلَامِ، وَ بَيّنتُ أَعلَامَهُ، وَ عَلَيتُ مَنَارَهُ، وَ أَعلَنتُ أَسرَارَهُ، وَ أَظهَرتُ آثَارَهُ وَ حَالَهُ، وَ صَفّيتُ الدّولَةَ، وَ وَطّئتُ للِماَشيِ‌ وَ الرّاكِبِ، ثُمّ قُدتُهَا صَافِيَةً، عَلَي أنَيّ‌ بِهَا مُستَأثِراً. ثُمّ قَالَ بَعدَ كَلَامٍ ثُمّ سبَقَنَيِ‌ إِلَيهِ التيّميِ‌ّ وَ العدَوَيِ‌ّ كَسُبّاقِ الفَرَسِ احتِيَالًا وَ اغتِيَالًا، وَ خُدعَةً وَ غَلَبَةً. ثُمّ قَالَ بَعدَ كَلَامٍ اليَومَ أُنطِقُ الخَرسَاءَ ذَاتَ البُرهَانِ، وَ أُفصِحُ العَجمَاءَ ذَاتَ البَيَانِ،فَإِنّهُ شاَرطَنَيِ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي كُلّ مَوطِنٍ مِن مَوَاطِنِ الحُرُوبِ، وَ صاَفقَنَيِ‌ عَلَي أَن أُحَارِبَ لِلّهِ وَ أحُاَميِ‌َ لِلّهِ، وَ أَنصُرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ جهُديِ‌ وَ طاَقتَيِ‌ وَ كدَحيِ‌، وَ كدَيّ‌، وَ أحُاَميِ‌َ عَن حَرِيمِ الإِسلَامِ، وَ أَرفَعَ عَن إِطنَابِ الدّينِ، وَ أُعِزّ الإِسلَامَ وَ أَهلَهُ، عَلَي أَنّ مَا فَتَحتُ وَ بَيّنتُ عَلَيهِ دَعوَةَ الرّسُولِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ قَرَأتُ فِيهِ المَصَاحِفَ، وَ عُبِدَ فِيهِ الرّحمَنُ، وَ فُهِمَ بِهِ القُرآنُ،فلَيِ‌ إِمَامَتُهُ وَ حَلّهُ وَ عَقدُهُ، وَ إِصدَارُهُ وَ إِيرَادُهُ، وَ لِفَاطِمَةَ فَدَكُ وَ مِمّا خَلّفَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ النّصفُ،فسَبَقَاَنيِ‌ إِلَي جَمِيعِ نِهَايَةِ المَيَدَانِ يَومَ الرّهَانِ، وَ مَا شَكَكتُ فِي الحَقّ مُنذُ رَأَيتُهُ،هَلَكَ قَومٌ أُرجِفُوا عنَيّ‌ أَنّهُ لَم يُوجِس مُوسَي فِي


صفحه : 563

نَفسِهِ خِيفَةً ارتِيَاباً وَ لَا شَكّاً فِيمَا أَتَاهُ مِن عِندِ اللّهِ، وَ لَم أَشكُك[أَشُكّ]فِيمَا أتَاَنيِ‌ مِن حَقّ اللّهِ، وَ لَا ارتَبتُ فِي إمِاَمتَيِ‌ وَ خِلَافَةِ ابنِ عمَيّ‌ وَ وَصِيّةِ الرّسُولِ، وَ إِنّمَا أَشفَقَ أَخُو مُوسَي مِن غَلَبَةِ الجُهّالِ، وَ دُوَلِ الضّلّالِ، وَ غَلَبَةِ البَاطِلِ عَلَي الحَقّ، وَ لَمّا أَنزَلَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّوَ آتِ ذَا القُربي حَقّهُدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ فَنَحَلَهَا فَدَكَ وَ أقَاَمنَيِ‌ لِلنّاسِ عَلَماً وَ إِمَاماً، وَ عَقَدَ لِي وَ عَهِدَ إلِيَ‌ّ فَأَنزَلَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّأَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرّسُولَ وَ أوُليِ‌ الأَمرِ مِنكُمفَقَاتَلتُ حَقّ القِتَالِ، وَ صَبَرتُ حَقّ الصّبرِ، عَلَي أَنّهُ أَعَزّ تَيماً وَ عَدِيّاً عَلَي دِينٍ أَتَت بِهِ تَيمٌ وَ عدَيِ‌ّ،أَم عَلَي دِينٍ أَتَي بِهِ ابنُ عمَيّ‌ وَ صنِويِ‌ وَ جسِميِ‌، عَلَي أَن أَنصُرَ تَيماً وَ عَدِيّاً أَم أَنصُرَ ابنَ عمَيّ‌ وَ حقَيّ‌ وَ ديِنيِ‌ وَ إمِاَمتَيِ‌ وَ إِنّمَا قُمتُ تِلكَ المَقَامَاتِ، وَ احتَمَلتُ تِلكَ الشّدَائِدَ، وَ تَعَرّضتُ لِلحُتُوفِ عَلَي أَن يصُيِبنَيِ‌ مِنَ الآخِرَةِ مُوَفّراً، وَ إنِيّ‌ صَاحِبُ مُحَمّدٍ وَ خَلِيفَتُهُ، وَ إِمَامُ أُمّتِهِ بَعدَهُ، وَ صَاحِبُ رَايَتِهِ فِي الدّنيَا وَ الآخِرَةِ.اليَومَ أَكشِفُ السّرِيرَةَ عَن حقَيّ‌، وَ أجُليِ‌ القَذَي عَن ظلُاَمتَيِ‌، حَتّي يَظهَرَ لِأَهلِ اللّبّ وَ المَعرِفَةِ أنَيّ‌ مُذَلّلٌ مُضطَهَدٌ مَظلُومٌ مَغصُوبٌ مَقهُورٌ مَحقُورٌ، وَ أَنّهُمُ ابتَزّوا حقَيّ‌، وَ استَأثَرُوا بمِيِراَثيِ‌.


صفحه : 564

اليَومَ نَتَوَاقَفُ عَلَي حُدُودِ الحَقّ وَ البَاطِلِ، مَنِ استَودَعَ خَائِناً فَقَد غَشّ نَفسَهُ، مَنِ استَرعَي ذِئباً فَقَد ظَلَمَ، مَن ولَيِ‌َ غَشُوماً فَقَدِ اضطَهَدَ، هَذَا مَوقِفُ صِدقٍ، وَ مَقَامٌ أَنطِقُ فِيهِ بحِقَيّ‌، وَ أَكشِفُ السّترَ وَ الغُمّةَ عَن ظلُاَمتَيِ‌ يَا مَعشَرَ المُجَاهِدِينَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ أَينَ كَانَت سِبقَةُ تَيمٍ وَ عدَيِ‌ّ إِلَي سَقِيفَةِ بنَيِ‌ سَاعِدَةَ خَوفُ الفِتنَةِ أَلَا كَانَت يَومَ الأَبوَاءِ إِذ تكانفت [تَكَاثَفَتِ]الصّفُوفُ، وَ تَكَاثَرَتِ الحُتُوفُ، وَ تَقَارَعَتِ السّيُوفُ أَم هَلّا خَشِيَا فِتنَةَ الإِسلَامِ يَومَ ابنِ عَبدِ وُدّ وَ قَد نَفَخَ بِسَيفِهِ، وَ شَمَخَ بِأَنفِهِ، وَ طَمَحَ بِطَرفِهِ وَ لِمَ لَم يُشفِقَا عَلَي الدّينِ وَ أَهلِهِ يَومَ بُوَاطَ إِذَا اسوَدّ لَونُ الأُفُقِ، وَ اعوَجّ عَظمُ العُنُقِ، وَ انحَلّ سَيلُ الغَرَقِ وَ لَم يُشفِقَا يَومَ رَضوَي إِذِ السّهَامُ تَطِيرُ، وَ المَنَايَا تَسِيرُ، وَ الأَسَدُ تَزأَرُ وَ هَلّا بَادَرَا يَومَ العَشِيرَةِ إِذَا الأَسنَانُ تَصطَكّ، وَ الآذَانُ تَستَكّ، وَ الدّرُوعُ تُهتَكُ وَ هَلّا كَانَت مُبَادَرَتُهُمَا يَومَ بَدرٍ،إِذِ الأَروَاحُ فِي الصّعَدَاءِ ترَتقَيِ‌، وَ الجِيَادُ بِالصَنَادِيدِ ترَتدَيِ‌، وَ الأَرضُ مِن دِمَاءِ الأَبطَالِ ترَتوَيِ‌ وَ لِمَ لَم يُشفِقَا عَلَي الدّينِ يَومَ بَدرِ


صفحه : 565

الثّانِيَةِ، وَ الرّعَابِيبُ تَرعَبُ، وَ الأَودَاجُ تَشخُبُ، وَ الصّدُورُ تُخضَبُ أَم هَلّا بَادَرَا يَومَ ذَاتِ اللّيُوثِ، وَ قَد أُبِيحَ المتولب [التّولَبُ]، وَ اصطَلَمَ الشّوقَبُ، وَ ادلَهَمّ الكَوكَبُ وَ لِمَ لَا كَانَت شَفَقَتُهُمَا عَلَي الإِسلَامِ يَومَ الكَدِرِ، وَ العُيُونُ تَدمَعُ، وَ المَنِيّةُ تَلمَعُ، وَ الصّفَائِحُ تَنزِعُ .. ثُمّ عَدّدَ وَقَائِعَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كُلّهَا عَلَي هَذَا النّسَقِ، وَ قَرَعَهُمَا بِأَنّهُمَا فِي هَذِهِ المَوَاقِفِ كُلّهَا كَانَا مَعَ النّظّارَةِ وَ الخَوَالِفِ وَ القَاعِدِينَ،فَكَيفَ بَادَرَا الفِتنَةَ بِزَعمِهِمَا يَومَ السّقِيفَةِ وَ قَد تَوَطّأَ الإِسلَامُ بِسَيفِهِ، وَ استَقَرّ قَرَارَهُ، وَ زَالَ حَذَارُهُ. ثُمّ قَالَ بَعدَ ذَلِكَ كُلّهِ مَا هَذِهِ الدّهمَاءُ وَ الدّهيَاءُ التّيِ‌ وَرَدَت عَلَينَا مِن قُرَيشٍ أَنَا صَاحِبُ هَذِهِ المَشَاهِدِ، وَ أَبُو هَذِهِ المَوَاقِفِ، وَ ابنُ هَذِهِ الأَفعَالِ. يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ إنِيّ‌ عَلَي بَصِيرَةٍ مِن أمَريِ‌، وَ عَلَي ثِقَةٍ مِن ديِنيِ‌،اليَومَ أَنطَقتُ الخَرسَاءَ البَيَانَ، وَ فَهّمتُ العَجمَاءَ الفَصَاحَةَ، وَ أَتَيتُ العَميَاءَ بِالبُرهَانِ،هذا يَومُ يَنفَعُ الصّادِقِينَ صِدقُهُم قَد تَوَافَقنَا عَلَي حُدُودِ الحَقّ وَ البَاطِلِ، وَ أَخرَجتُكُم مِنَ الشّبهَةِ إِلَي الحَقّ، وَ مِنَ الشّكّ إِلَي اليَقِينِ،فَتَبَرّءُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ مِمّن نَكَثَ البَيعَتَينِ، وَ غَلَبَ الهَوَي بِهِ فَضَلّ، وَ أَبعِدُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ مِمّن


صفحه : 566

أَخفَي الغَدرَ وَ طَلَبَ الحَقّ مِن غَيرِ أَهلِهِ فَتَاهَ، وَ العَنُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ مَنِ انهَزَمَ الهَزِيمَتَينِ إِذ يَقُولُ اللّهُإِذا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحفاً فَلا تُوَلّوهُمُ الأَدبارَ وَ مَن يُوَلّهِم يَومَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفاً لِقِتالٍ أَو مُتَحَيّزاً إِلي فِئَةٍ فَقَد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ، وَ قَالَوَ يَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئاً وَ ضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمّ وَلّيتُم مُدبِرِينَ. وَ اغضِبُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ عَلَي مَن غَضَبَ اللّهُ عَلَيهِم، وَ تَبَرّءُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ مِمّن يَقُولُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَرتَفِعُ يَومَ القِيَامَةِ رِيحٌ سَودَاءُ تَختَطِفُ مِن دوُنيِ‌ قَوماً مِن أصَحاَبيِ‌ مِن عُظَمَاءِ المُهَاجِرِينَ،فَأَقُولُ أصُيَحاَبيِ‌.فَيُقَالُ يَا مُحَمّدُ إِنّكَ لَا تدَريِ‌ مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ. وَ تَبَرّءُوا رَحِمَكُمُ اللّهُ مِنَ النّفسِ الضّالّ مِن قَبلِ أَن يأَتيِ‌َيَومٌ لا بَيعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌفَيَقُولُوارَبّنا أَرِنَا الّذَينِ أَضَلّانا مِنَ الجِنّ وَ الإِنسِ نَجعَلهُما تَحتَ أَقدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأَسفَلِينَ وَ مِن قَبلِ أَن يَقُولُوايا حَسرَتي عَلي ما فَرّطتُ فِي جَنبِ اللّهِ وَ إِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ أَو يَقُولُواوَ ما أَضَلّنا إِلّا المُجرِمُونَ أَو يَقُولُوارَبّنا إِنّا أَطَعنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلّونَا


صفحه : 567

السّبِيلَا، إِنّ قُرَيشاً طَلَبَتِ السّعَادَةَ فَشَقِيَت، وَ طَلَبَتِ النّجَاةَ فَهَلَكَت، وَ طَلَبَتِ الهِدَايَةَ فَضَلّت. إِنّ قُرَيشاً قَد أَضَلّت أَهلَ دَهرِهَا وَ مَن يأَتيِ‌ مِن بَعدِهَا مِنَ القُرُونِ، إِنّ اللّهَ تَبَارَكَ اسمُهُ وَضَعَ إمِاَمتَيِ‌ فِي قُرآنِهِ فَقَالَوَ الّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبّهِم سُجّداً وَ قِياماًوَ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَ ذُرّيّاتِنا قُرّةَ أَعيُنٍ وَ اجعَلنا لِلمُتّقِينَ إِماماً، وَ قَالَالّذِينَ إِن مَكّنّاهُم فِي الأَرضِ أَقامُوا الصّلاةَ وَ آتَوُا الزّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَ نَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَ لِلّهِ عاقِبَةُ الأُمُورِ.. وَ هَذِهِ خُطبَةٌ طَوِيلَةٌ. وَ قَد قَالَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ فِي بَعضِ مَقَامَاتِهِ كَلَاماً لَو لَم يَقُل غَيرَهُ لَكَفَي قَولُهُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ أَنَا ولَيِ‌ّ هَذَا الأَمرِ دُونَ قُرَيشٍ،لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ الوَلَاءُ لِمَن أَعتَقَ،فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِعِتقِ الرّقَابِ مِنَ النّارِ، وَ بِعِتقِهَا مِنَ السّيفِ، وَ هَذَانِ لَمّا اجتَمَعَا كَانَا أَفضَلَ مِن عِتقِ الرّقَابِ مِنَ الرّقّ،فَمَا كَانَ لِقُرَيشٍ عَلَي العَرَبِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَ لبِنَيِ‌ هَاشِمٍ عَلَي قُرَيشٍ، وَ مَا كَانَ لبِنَيِ‌ هَاشِمٍ عَلَي قُرَيشٍ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ كَانَ لِي عَلَي بنَيِ‌ هَاشِمٍ،لِقَولِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَومَ غَدِيرِ خُمّ‌« مَن كُنتُ مَولَاهُ فعَلَيِ‌ّ مَولَاهُ».


صفحه : 568

بيان

ديّنّاهم علي بناء التفعيل .. أي جعلنا الإسلام دينهم وقرّرناهم عليه . قال الفيروزآبادي‌ دان فلانا حمله علي مايكره وأذلّه، وديّنه تديينا وكله إلي دينه . و في المناقب وعلّمناهم الفرائض والسنن ، وحفّظناهم الصدق واللين ، وورّثناهم الدين . قوله عليه السلام وألتونا .. أي نقصونا ومنعونا ما هو من أسباب قوّتنا واقتدارنا. وأعلامنا بالفتح .. أي ما هوعلامة لإمامتنا ودولتنا، أوبالكسر .. أي ما هوسبب تعليمنا، كما قال تعالي وَ ما أَلَتناهُم مِن عَمَلِهِم. و في المناقب والتوونا .. من التوي عن الأمر .. أي تثاقل . و لَيّ الغَرِيمِ معروف ، ويقال استعديت علي فلان الأمير فأعداني‌ ..


صفحه : 569

أي استعنت به عليه فأعانني‌ عليه . قوله ووتروا .. أي ألقوا الجنايات والدخول بيني‌ و بين العرب والعجم ،فإنّهم غصبوا خلافتي‌ وأجروا الناس علي الباطل ،فصار ذلك سببا للحروب وسفك الدماء، والوتر بالكسر الجناية، والموتور ألّذي له قتيل فلم يدرك بدمه . والمتاه اسم مكان ، أومصدر ميمي‌ّ من التّيه و هوالحيرة والضّلالة. و قال في النهاية فيه ..‌«الفتنة الصّمّاء العمياء».. أي التّي‌ لاسبيل إلي تسكينها لتناهيها في رهانها،لأنّ الأصمّ لايسمع الاستغاثة و لايقلع عمّا يفعله ، وقيل هي‌ كالحيّة الصّمّاء التّي‌ لاتقبل الرّقي. قوله عليه السلام ووطأة الأسد .. قال الجزري‌ الوطء في الأصل الدّوس بالقدم فسميّ‌ به الغزو والقتل ،لأنّ من يطأ علي الشيّ‌ء برجله فقد استقصي في هلاكه وإهانته .. و منه الحديث ‌« أللّهمّ اشدد وطأتك علي


صفحه : 570

مضر».. أي خذهم أخذا شديدا. والطّمطام معظم ماء البحر، و قديستعار لمعظم النّار، واستعير هنا لعظماء أهل الشرّ والفساد. و قال الجوهري‌ المحك اللّجاج .. والمماحكة الملاجّة. والقمقام البحر والأمر الشّديد والسّيّد والعدد الكثير. قوله عليه السلام وعجم العرب .. أي كانوا من العرب بمنزلة الحيوانات العجم . قوله عليه السلام وغنم الحرب .. أي أهل غنم الحرب الذين لهم غنائمها أويغتنمونها، ويمكن أن يقرأ الحرب بالتحريك و هوسلب المال ، و في بعض النسخ الحروب . قوله عليه السلام وقطب الإقدام .. لعلّه بكسر الهمزة .. أي كانوا كالقطب للإقدام علي الحروب ، أوبالفتح أي بهم كانت الأقدام تستقرّ في الحروب ، أوكانت أقدامهم بمنزلة القطب لرحا الحرب ، والقطب أيضا سيّد


صفحه : 571

القوم وملاك الشيّ‌ء ومداره ،ذكره الفيروزآبادي‌. قوله عليه السلام وسلّ السيوف .. الحمل علي المبالغة أي سلّال السّيوف، ولعلّه تصحيف ، و في بعض النسخ سيل السيوف . والدلاص بالكسر الليّن البرّاق،يقال درع دلاص وأدرع دلاص . قوله عليه السلام يفري‌ جماجم البهم .. و في بعض النسخ يبر‌ئ بالباء الفري‌ الشّقّ والبري‌ النّحت، والبهم كصرد جمع بهمة، و هوالفارس ألّذي لايدري من أين يؤتي من شدّة بأسه ، والجمجمة بالضم القحف أوالعظم فيه الدّماغ، والهام جمع هامة و هورأس كلّ شيء، والأبطال الشّجعان، والنّكص الإحجام عن الأمر والرّجوع عنه ، والحتوف بالضم جمع الحتف بالفتح و هوالموت ، والغوانم الجيوش الغانمة، و في بعض النسخ العرازم جمع عرزم و هوالشّديد والأسد، و في


صفحه : 572

بعضها الغراة، والسّنبك بالضم طرف الحافر، وصفن الفرس قام علي ثلاثة قوائم وطرف حافر الرّابعة، والأذل الضّيق والشّدّة. قوله عليه السلام والهزل .. لعلّ المراد أنّهم لم يكونوا يثبتون في مقام الهزل فكيف في مقام الجدّ، و في بعض النسخ والزلزال . قوله عليه السلام في ظلال الأعنّة و في بعض النسخ في طلاب الأعنّة .. أي مطالبتها، و في بعضها في إطلاق الأعنّة، و هوأصوب . قوله عليه السلام نتواقف .. أي وقفت علي حدّ الحقّ ووقفتم علي حدّ الباطل . قوله عليه السلام ونالوني‌ .. أي أصابوني‌ بالمكاره ، و في بعض النسخ قالوني‌ .. من القلاء و هوالبغض ، ويقال بزّه ثيابه وابتزّه إذاسلبه إيّاها. قوله عليه السلام العجماء ذات البيان .. قيل كنّي عليه السلام بها عن العبر الواضحة و ماحلّ بقوم فسقوا عن أمر ربّهم، وعمّا هوواضح من كمال فضله عليه السلام ، و عن حال الدين ، ومقتضي أوامر اللّه تعالي ، فإنّ هذه الأمور عجماء لانطق لها.


صفحه : 573

بيانا .. ذات البيان حالا[كذا]، و لمّا بيّنها عليه السلام فكأنّه أنطقها لهم . وقيل العجماء صفة لمحذوف .. أي الكلمات العجماء، والمراد ما في هذه الخطبة من الرموز التي‌ لانطق لها مع أنّها ذات بيان عندأولي‌ الألباب . قوله عليه السلام علي أنيّ‌ بهامستأثر .. علي بناء المفعول ، والاستئثار الاستبداد والانفراد بالشيّ‌ء، والكلام مسوق علي المجاز .. أي ثم تصرفوا في الخلافة علي وجه كأنيّ‌ فعلت جميع ذلك ليأخذوها منيّ‌ مستبدّين بها، ويحتمل الاستفهام الإنكاري‌، ويمكن أن يقرأ علي بناء اسم الفاعل . والكدح العمل والسعّي‌. والغشم الظّلم. واكتنفه أحاط به ، وكانفه عاونه . و قال الجوهري‌ نفحه بالسّيف تناوله من بعيد. قوله عليه السلام تزأر .. الزّرء والزّئير صوت الأسد من صدره ، والفعل كضرب ومنع وسمع ، و في بعض النسخ بالياء، ولعلّه علي التخفيف بالقلب لرعاية السجع . والاستكاك الصّمم.


صفحه : 574

والصّعدا المشقّة، أو هوبالمدّ بمعني مايصعد عليه . قوله عليه السلام ترتدي‌ .. لعلّه عليه السلام شبّه وقوعهم بعدالقتل علي أعناق الجياد بارتدائها بهم ، أو هوافتعال من الردي و هوالهلاك و إن لم يأت فيما عندنا من كتب اللغة، و في بعض النسخ تردي ،فالباء زائدة أوبمعني مع ، أوللتعدية إذاقر‌ئ علي بناء المجرّد، ويقال ردي الفرس كرمي إذارجمت الأرض بحوافرها، أو بين العدو والمشي‌، والشي‌ء كسره ، وفلانا صدمه وردي ردي هلك . قوله عليه السلام والرعابيب ترعب .. قال الفيروزآبادي‌ الرّعبوب الضّعيف الجبان ، وجارية رعبوبة ورعبوب ورعبيب بالكسر شطبة تارّة أوبيضاء حسنة رطبة حلوة أوناعمة، و من النّوق طيّاشة. و في المناقب والدعاس ترعب .. من الدّعس و هوالطّعن، والمداعسة المطاعنة. قوله عليه السلام و قدأبيح التّولب .. التّولب ولد الحمار، و هوكناية


صفحه : 575

عن كثرة الغنائم أوالأساري علي الاستعارة. و في المناقب و قدأمج التّولب .. أمّا بتشديد الجيم من أمجّ الفرس إذابدأ بالجري‌ قبل أن يضطرم ، وأمجّ الرّجل إذاذهب في البلاد، أوبالتخفيف من أمج كفرح إذاسار شديدا، ولعلّه علي الوجهين كناية عن الفرار، والنسخة الأولي أظهر وأنسب . والاصطلام الاستئصال . والشّوقب الرّجل الطّويل، والواسع من الحوافر. وخشبتا القتب اللّتان تعلّق فيهما الحبال . قوله عليه السلام والصفائح تنزع .. في بعض النسخ تربع .. من ربع الإبل إذاسرحت في المرعي وأكلت حيث شاءت وشربت ، وكذلك الرّجل بالمكان . ثم إنّ غزوة الأبواء وقعت بعداثني‌ عشر شهرا من الهجرة،خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله من المدينة يريد قريشا وبني‌ ضمرة،قالوا ثم رجع و لم يلق كيدا، وغزوة بواط كانت في السنة الثانية في ربيع الأوّل وبعدها في جمادي الآخرة كانت غزوة العشيرة، والرّضوي جبل بالمدينة، و لايبعد كونه إشارة إلي


صفحه : 576

غزوة أحد، وذات الليوث إلي غزوة حنين ، والكدو و في بعض النسخ الأكيدر إلي غزوة دومة الجندل ، و قدمرّ تفصيلها في المجلد السادس . و في القاموس وطّأه هيّأه ودمّثه وسهّله .. فاتّطأ .. وواطأه علي الأمر وافقه كتواطأه وتوطّأه .. وايتطأ كافتعل استقام وبلغ نهايته وتهيّأ. والدّهماء الفتنة المظلمة، والدّهياء الدّاهية الشّديدة.أقول أورد ابن شهرآشوب في المناقب الخطبة الأولي إلي قوله وأين هذه الأفعال الحميدة .. مع اختصار في بعض المواضع .

فس قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُأَيّهَا النّاسُ إنّ أَوّلَ مَن بَغَي عَلَي اللّهِ عَزّ وَ جَلّ عَلَي وَجهِ الأَرضِ عَنَاقُ بِنتُ آدَمَ عَلَيهِ السّلَامُ،خَلَقَ اللّهُ لَهَا عِشرِينَ إِصبَعاً، فِي كُلّ إِصبَعٍ مِنهَا ظُفُرَانِ طَوِيلَانِ كَالمِنجَلَينِ العَظِيمَينِ،


صفحه : 577

وَ كَانَ مَجلِسُهَا فِي الأَرضِ مَوضِعَ جَرِيبٍ، فَلَمّا بَغَت بَعَثَ اللّهُ لَهَا أَسَداً كَالفِيلِ وَ ذِئباً كَالبَعِيرِ وَ نَسراً كَالحِمَارِ وَ كَانَ ذَلِكَ فِي الخَلقِ الأَوّلِ،فَسَلّطَهُمُ اللّهُ عَلَيهَا فَقَتَلُوهَا،أَلَا وَ قَد قَتَلَ اللّهُ فِرعَونَ وَ هَامَانَ وَ خَسَفَ بِقَارُونَ، وَ إِنّمَا هَذَا مَثَلٌ لِأَعدَائِهِ الّذِينَ غَصَبُوا حَقّهُ فَأَهلَكَهُمُ اللّهُ. ثُمّ قَالَ عَلِيّ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ عَلَي إِثرِ هَذَا المَثَلِ ألّذِي ضَرَبَهُ وَ قَد كَانَ لِي حَقّ حَازَهُ دوُنيِ‌ مَن لَم يَكُن لَهُ، وَ لَم أَكُن أُشرِكُهُ فِيهِ، وَ لَا تَوبَةَ لَهُ إِلّا بِكِتَابٍ مُنزَلٍ، أَو بِرَسُولٍ مُرسَلٍ، وَ أَنّي لَهُ بِالرّسَالَةِ بَعدَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ لَا نبَيِ‌ّ بَعدَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ أَنّي يَتُوبُ وَ هُم فِي بَرزَخِ القِيَامَةِ غَرّتهُ الأمَاَنيِ‌ّ وَ غَرّهُ بِاللّهِ الغَرُورُ، قَد أَشفَيعَلي شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنّمَ وَ اللّهُ لا يهَديِ‌ القَومَ الظّالِمِينَ.

ما أَحمَدُ بنُ مُحَمّدِ بنِ مُوسَي بنِ الصّلتِ، عَنِ ابنِ عُقدَةَ، عَن أَحمَدَ بنِ القَاسِمِ، عَن عَبّادٍ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ الزّبَيرِ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ شَرِيكٍ، عَن أَبِيهِ، قَالَصَعِدَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ المِنبَرَ يَومَ الجُمُعَةِ فَقَالَ أَنَا عَبدُ اللّهِ وَ أَخُو رَسُولِ


صفحه : 578

اللّهِ لَا يَقُولُهَا بعَديِ‌ إِلّا كَذّابٌ، مَا زِلتُ مَظلُوماً مُنذُ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ،أمَرَنَيِ‌ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بِقِتَالِ النّاكِثِينَ طَلحَةَ وَ الزّبَيرِ، وَ القَاسِطِينَ مُعَاوِيَةَ وَ أَهلِ الشّامِ، وَ المَارِقِينَ وَ هُم أَهلُ النّهرَوَانِ، وَ لَو أمَرَنَيِ‌ بِقِتَالِ الرّابِعَةِ لَقَاتَلتُهُم.

قب البخُاَريِ‌ّ وَ مُسلِمٌ بِالإِسنَادِ، قَالَ قَيسُ بنُ سَعدٍ قَالَ عَلِيّ( ع ) إن [ أَنَا]أَوّلُ مَن يحثو[يَجثُو]لِلحُكُومَةِ بَينَ يدَيَ‌ِ اللّهِ.

جا الكَاتِبُ، عَنِ الزعّفرَاَنيِ‌ّ، عَنِ الثقّفَيِ‌ّ، عَنِ المسَعوُديِ‌ّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ حَمّادٍ، عَن أَبِيهِ، عَن رَزِينٍ بَيّاعِ الأَنمَاطِ، قَالَ سَمِعتُ زَيدَ بنَ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ عَلَيهِمَا السّلَامُ يَقُولُ حدَثّنَيِ‌ أَبِي، عَن أَبِيهِ، قَالَسَمِعتُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ يَخطُبُ النّاسَ قَالَ فِي خُطبَتِهِ وَ اللّهِ لَقَد بَايَعَ النّاسُ أَبَا بَكرٍ وَ أَنَا أَولَي النّاسِ بِهِم منِيّ‌ بقِمَيِصيِ‌ هَذَا،فَكَظَمتُ غيَظيِ‌، وَ انتَظَرتُ أَمرَ ربَيّ‌، وَ أَلصَقتُ كلَكلَيِ‌ بِالأَرضِ، ثُمّ إِنّ أَبَا بَكرٍ هَلَكَ وَ استَخلَفَ عُمَرَ، وَ قَد عَلِمَ وَ اللّهِ أنَيّ‌ أَولَي النّاسِ بِهِم منِيّ‌ بقِمَيِصيِ‌ هَذَا،فَكَظَمتُ غيَظيِ‌، وَ انتَظَرتُ أَمرَ ربَيّ‌، ثُمّ إِنّ عُمَرَ هَلَكَ وَ قَد جَعَلَهَا شُورَي،فجَعَلَنَيِ‌ سَادِسَ سِتّةٍ،


صفحه : 579

كَسَهمِ الجَدّةِ وَ قَالَ اقتُلُوا الأَقَلّ وَ مَا أَرَادَ غيَريِ‌،فَكَظَمتُ غيَظيِ‌، وَ انتَظَرتُ أَمرَ ربَيّ‌، وَ أَلصَقتُ كلَكلَيِ‌ بِالأَرضِ، ثُمّ كَانَ مِن أَمرِ القَومِ بَعدَ بَيعَتِهِم لِي مَا كَانَ، ثُمّ لَم أَجِد إِلّا قِتَالَهُم أَوِ الكُفرَ بِاللّهِ.

جا ابنُ قُولَوَيهِ، عَن أَبِيهِ، عَن سَعدٍ، عَن أَحمَدَ بنِ عَلَوِيّةَ، عَنِ الثقّفَيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَمرٍو الراّزيِ‌ّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ المُبَارَكِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ سَلَمَةَ، قَالَ لَمّا بَلَغَ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ مَسِيرُ طَلحَةَ وَ الزّبَيرِ وَ عَائِشَةَ مِن مَكّةَ إِلَي البَصرَةِ نَادَي الصّلَاةَ جَامِعَةً، فَلَمّا اجتَمَعَ النّاسُ حَمِدَ اللّهَ وَ أَثنَي عَلَيهِ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي لَمّا قَبَضَ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قُلنَا نَحنُ أَهلُ بَيتِهِ وَ عَصَبَتُهُ وَ وَرَثَتُهُ وَ أَولِيَاؤُهُ وَ أَحَقّ خَلَائِقِ اللّهِ بِهِ، لَا نُنَازِعُ حَقّهُ وَ سُلطَانَهُ،فَبَينَمَا نَحنُ إِذ نَفَرَ المُنَافِقُونَ فَانتَزَعُوا سُلطَانَ نَبِيّنَا صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مِنّا وَ وَلّوهُ غَيرَنَا،فَبَكَت لِذَلِكَ وَ اللّهِ العُيُونُ وَ القُلُوبُ مِنّا جَمِيعاً، وَ خَشُنَت وَ اللّهِ الصّدُورُ، وَ ايمُ اللّهِ لَو لَا مَخَافَةُ الفُرقَةِ مِنَ المُسلِمِينَ أَن يَعُودُوا إِلَي الكُفرِ، وَ يَعُودَ الدّينُ،لَكِنّا قَد غَيّرنَا ذَلِكَ مَا استَطَعنَا، وَ قَد ولَيِ‌َ ذَلِكَ وُلَاةٌ وَ مَضَوا لِسَبِيلِهِم وَ رَدّ اللّهُ الأَمرَ إلِيَ‌ّ، وَ قَد باَيعَاَنيِ‌ وَ قَد نَهَضَا إِلَي البَصرَةِ لِيُفَرّقَا جَمَاعَتَكُم، وَ يُلقِيَا بَأسَكُم


صفحه : 580

بَينَكُم، أللّهُمّ فَخُذهُمَا لِغِشّهِمَا لِهَذِهِ الأُمّةِ، وَ سُوءِ نَظَرِهِمَا لِلعَامّةِ.فَقَامَ أَبُو الهَيثَمِ ابنُ التّيّهَانِ رَحِمَهُ اللّهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّ حَسَدَ قُرَيشٍ إِيّاكَ عَلَي وَجهَينِ، أَمّا خِيَارُهُم فَحَسَدُوكَ مُنَافَسَةً فِي الفَضلِ وَ ارتِفَاعاً فِي الدّرَجَةِ، وَ أَمّا شِرَارُهُم فَحَسَدُوكَ حَسَداً أَحبَطَ اللّهُ بِهِ أَعمَالَهُم وَ أَثقَلَ بِهِ أَوزَارَهُم، وَ مَا رَضُوا أَن يُسَاوُوكَ حَتّي أَرَادُوا أَن يَتَقَدّمُوكَ،فَبَعُدَت عَلَيهِمُ الغَايَةُ، وَ أَسقَطَهُمُ المِضمَارُ، وَ كُنتَ أَحَقّ قُرَيشٍ بِقُرَيشٍ،نَصَرتَ نَبِيّهُم حَيّاً، وَ قَضَيتَ عَنهُ الحُقُوقَ مَيّتاً، وَ اللّهِ مَا بَغيُهُم إِلّا عَلَي أَنفُسِهِم، وَ نَحنُ أَنصَارُكَ وَ أَعوَانُكَ،فَمُرنَا بِأَمرِكَ، ثُمّ أَنشَأَ يَقُولُ


إِنّ قَوماً بَغَوا عَلَيكَ وَ كَادُوكَ   وَ عَابُوكَ بِالأُمُورِ القِبَاحِ

لَيسَ مِن عَيبِهَا جَنَاحُ بَعُوضٍ   فِيكَ حَقّاً وَ لَا كَعُشرِ جَنَاحٍ

أَبصَرُوا نِعمَةً عَلَيكَ مِنَ اللّهِ   وَ قوما[BA]قَرماً]يَدُقّ قَرنَ النّطَاحِ

وَ إِمَاماً تأَويِ‌ الأُمُورُ إِلَيهِ   وَ لِجَاماً لمن [BA]يَلِينُ]غَربَ الجِمَاحِ

كلما[BA]حَاكِماً]تُجمَعُ الإِمَامَةُ فِيهِ   هَاشِمِيّاً لَهَا عُرَاضُ البِطَاحِ

حَسَداً للِذّيِ‌ أَتَاكَ مِنَ اللّهِ   وَ عَادُوا إِلَي قُلُوبٍ قِرَاحٍ

وَ نُفُوسٍ هُنَاكَ أَوعِيَةُ البُغضِ   عَلَي الخَيرِ لِلشّقَاءِ شِحَاحٍ

مِن مَسِيرٍ يَكُنّهُ حُجُبُ الغَيبِ   وَ مِن مُظهِرِ العَدَاوَةِ لَاحٍ

يَا وصَيِ‌ّ النّبِيّ نَحنُ مِنَ الحَقّ   عَلَي مِثلِ بَهجَةِ الإِصبَاحِ

صفحه : 581


فَخُذِ الأَوسَ وَ القَبِيلَ مِنَ الخَزرَجِ   بِالطّعنِ فِي الوَغَا وَ الكَفَاحِ

لَيسَ مِنّا مَن لَم يَكُن لَكَ فِي اللّهِ   وَلِيّاً عَلَي الهُدَي وَ الفَلَاحِ

فَجَزَاهُ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ خَيراً، ثُمّ قَامَ النّاسُ بَعدَهُ فَتَكَلّمَ كُلّ وَاحِدٍ بِمِثلِ مَقَالِهِ.

بيان

القرم السّيد. والنّطاح بالكسر الكباش النّاطحة بالقرن ،استعيرت هذاللشجعان . وجماح الفرس امتناعه من راكبه . قوله قراح .. أي مقروحة بالحسد. قوله علي الخير متعلّق بالشحاح كقوله تعالي أَشِحّةً عَلَي الخَيرِ، واللاحي‌ اللائم ، والملاحي‌ المنازع ، ويقال كافحوهم إذااستقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس و لاغيره .


صفحه : 582

جا الكَاتِبُ، عَنِ الزعّفرَاَنيِ‌ّ، عَنِ الثقّفَيِ‌ّ، عَنِ المسَعوُديِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ كَثِيرٍ، عَن يَحيَي بنِ حَمّادٍ القَطّانِ، عَن أَبِي مُحَمّدٍ الحضَرمَيِ‌ّ، عَن أَبِي عَلِيّ الهمَداَنيِ‌ّ أَنّ عَبدَ الرّحمَنِ بنَ أَبِي لَيلَي قَامَ إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إنِيّ‌ سَائِلُكَ لِآخُذَ عَنكَ، وَ قَدِ انتَظَرنَا أَن تَقُولَ مِن أَمرِكَ شَيئاً فَلَم تَقُلهُ، أَ لَا تُحَدّثُنَا عَن أَمرِكَ هَذَا .. أَ كَانَ بِعَهدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَو شَيءٌ رَأَيتَهُ فأما[فَإِنّا] قَد أَكثَرنَا فِيكَ الأَقَاوِيلَ وَ أَوثَقَهُ عِندَنَا مَا قَبِلنَاهُ عَنكَ وَ سَمِعنَاهُ مِن فِيكَ،إِنّا كُنّا نَقُولُ لَو رَجَعَت إِلَيكُم بَعدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَم يُنَازِعكُم فِيهَا أَحَدٌ، وَ اللّهِ مَا أدَريِ‌ إِذَا سُئِلتُ مَا أَقُولُ أَزعَمُ أَنّ القَومَ كَانُوا أَولَي بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنكَ فَإِن قُلتَ ذَلِكَ فَعَلَامَ نَصَبَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ بَعدَ حَجّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ مَن كُنتُ مَولَاهُ فعَلَيِ‌ّ مَولَاهُ. وَ إِن تَكُ أَولَي مِنهُم بِمَا كَانُوا فِيهِ فَعَلَامَ نَتَوَلّاهُم. فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ يَا عَبدَ الرّحمَنِ إِنّ اللّهَ تَعَالَي قَبَضَ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ وَ أَنَا يَومَ قَبَضَهُ أَولَي بِالنّاسِ منِيّ‌ بقِمَيِصيِ‌ هَذَا، وَ قَد كَانَ مِن نبَيِ‌ّ اللّهِ(ص )إلِيَ‌ّ عَهدٌ لَو خزَمَتمُوُنيِ‌ بأِنَفيِ‌ لَأَقرَرتُ سَمعاً لِلّهِ وَ طَاعَةً، وَ إِنّ أَوّلَ مَا انتَقَصنَاهُ بَعدَهُ إِبطَالُ حَقّنَا فِي الخُمُسِ، فَلَمّا رَقّ أَمرُنَا طَمِعَت رِعيَانُ البُهَمِ


صفحه : 583

مِن قُرَيشٍ فِينَا، وَ قَد كَانَ لِي عَلَي النّاسِ حَقّ لَو رَدّوهُ إلِيَ‌ّ عَفواً قَبِلتُهُ وَ قُمتُ بِهِ،فَكَانَ إِلَي أَجَلٍ مَعلُومٍ، وَ كُنتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَي النّاسِ حَقّ إِلَي أَجَلٍ، فَإِن عَجّلُوا لَهُ مَالَهُ أَخَذَهُ وَ حَمِدَهُم عَلَيهِ، وَ إِن أَخّرُوهُ أَخَذَهُ غَيرَ مَحمُودٍ، وَ كُنتُ كَرَجُلٍ يَأخُذُ السّهُولَةَ وَ هُوَ عِندَ النّاسِ مَحزُونٌ، وَ إِنّمَا يُعرَفُ الهُدَي بِقِلّةِ مَن يَأخُذُهُ مِنَ النّاسِ، فَإِذَا سَكَتّ فأَعَفوُنيِ‌،فَإِنّهُ لَو جَاءَ أَمرٌ تَحتَاجُونَ فِيهِ إِلَي الجَوَابِ أَجَبتُكُم،فَكُفّوا عنَيّ‌ مَا كَفَفتُ عَنكُم. فَقَالَ عَبدُ الرّحمَنِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ فَأَنتَ لَعَمرُكَ كَمَا قَالَ الأَوّلُ


لعَمَريِ‌ لَقَد أَيقَظتَ مَن كَانَ نَائِماً   وَ أَسمَعتَ مَن كَانَت لَهُ أُذُنَانِ
بيان

خزمت البعير بالخزامة وهي‌ حلقة من شعر تجعل في وترة أنفه يشدّ فيهاالزمام . قوله عليه السلام رعيان البهم .. أي رعاة البهائم والأنعام . و قال الجوهري‌ يقال أعطيته عفو المال يعني‌ بغير مسألة. و قال في النهاية في حديث المغيرة محزون اللّهزمة .. أي خشنها .. و منه الحديث أحزن بنا المنزل .. أي صار ذا حزونة .. ويجوز أن يكون من قولهم


صفحه : 584

أحزن الرّجل وأسهل إذاركب الحزن والسّهل.

كا فِي الرّوضَةِ، عَلِيّ بنُ اِبرَاهِيمَ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ مَحبُوبٍ، عَن عَلِيّ بنِ رِئَابٍ وَ يَعقُوبَ السّرّاجِ، عَن أَبِي عَبدِ اللّهِ عَلَيهِ السّلَامُ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا بُويِعَ بَعدَ مَقتَلِ عُثمَانَ صَعِدَ المِنبَرَ فَقَالَ الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي عَلَا فَاستَعلَي، وَ دَنَا فَتَعَالَي، وَ ارتَفَعَ فَوقَ كُلّ مَنظَرٍ، وَ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاتَمُ النّبِيّينَ، وَ حُجّةُ اللّهِ عَلَي العَالَمِينَ،مُصَدّقاً لِلرّسُلِ الأَوّلِينَ، وَ كَانَ بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفاً رَحِيماً،فَصَلّي اللّهُ وَ مَلَائِكَتُهُ عَلَيهِ وَ عَلَي آلِهِ. أَمّا بَعدُ،أَيّهَا النّاسُ فَإِنّ البغَي‌َ يَقُودُ أَصحَابَهُ إِلَي النّارِ، وَ إِنّ أَوّلَ مَن بَغَي عَلَي اللّهِ جَلّ ذِكرُهُ عَنَاقُ بِنتُ آدَمَ، وَ أَوّلَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ اللّهُ عَنَاقُ، وَ كَانَ مَجلِسُهَا جَرِيباً مِنَ الأَرضِ فِي جَرِيبٍ، وَ كَانَ لَهَا عِشرُونَ إِصبَعاً فِي كُلّ إِصبَعٍ ظُفُرَانِ مِثلَ المِنجَلَينِ،فَسَلّطَ اللّهُ عَزّ وَ جَلّ عَلَيهَا أَسَداً كَالفِيلِ وَ ذِئباً كَالبَعِيرِ وَ نَسراً مِثلَ البَغلِ فَقَتَلُوهَا، وَ قَد قَتَلَ اللّهُ الجَبَابِرَةَ عَلَي أَفضَلِ أَحوَالِهِم، وَ آمَنِ مَا كَانُوا، وَ أَمَاتَ هَامَانَ، وَ أَهلَكَ فِرعَونَ، وَ قَد قَتَلَ عُثمَانَ،أَلَا وَ إِنّ بَلِيّتَكُم قَد عَادَت كَهَيئَتِهَا يَومَ بَعَثَ اللّهُ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، وَ ألّذِي بَعَثَهُ بِالحَقّ لَتُبَلبَلُنّ بَلبَلَةً وَ لَتُغَربَلُنّ غَربَلَةً، وَ لَتُسَاطُنّ سَوطَةَ القِدرِ حَتّي يَعُودَ أَسفَلُكُم أَعلَاكُم وَ أَعلَاكُم أَسفَلَكُم، وَ لَيَسبِقَنّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصّرُوا، وَ لَيُقَصّرَنّ سَابِقُونَ كَانُوا سَبَقُوا، وَ اللّهِ مَا كَتَمتُ وَشمَةً، وَ لَا كَذَبتُ كِذبَةً، وَ لَقَد نُبّئتُ بِهَذَا المَقَامِ وَ هَذَا اليَومِ،أَلَا وَ إِنّ الخَطَايَا خَيلٌ شُمُسٌ حُمِلَ أَهلُهَا عَلَيهَا، وَ خُلِعَت لُجُمُهَا فَتَقَحّمَت بِهِم فِي النّارِ،أَلَا وَ إِنّ التّقوَي مَطَايَا


صفحه : 585

ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيهَا أَهلُهَا وَ أُعطُوا أَزِمّتَهَا،فَأَورَدَتهُمُ الجَنّةَ، وَ فُتِحَت لَهُم أَبوَابُهَا،وَجَدُوا رِيحَهَا وَ طِيبَهَا، وَ قِيلَ لَهُمادخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ،أَلَا وَ قَد سبَقَنَيِ‌ إِلَي هَذَا الأَمرِ مَن لَم أُشرِكهُ فِيهِ، وَ مَن لَم أَهَبهُ لَهُ، وَ مَن لَيسَت لَهُ مِنهُ نَوبَةٌ[تَوبَةٌ] إِلّا نبَيِ‌ّ[بنِبَيِ‌ّ]يُبعَثُ،أَلَا وَ لَا نبَيِ‌ّ بَعدَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلَهُ،أَشرَفَ مِنهُعَلي شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنّمَحَقّ وَ بَاطِلٌ، وَ لِكُلّ أَهلٌ،فَلَئِن أَمِرَ البَاطِلُ لَقَدِيماً مَا فَعَلَ، وَ لَئِن قَلّ الحَقّ فَلَرُبّمَا وَ لَعَلّ وَ لَقَلّمَا أَدبَرَ شَيءٌ فَأَقبَلَ، وَ لَئِن رُدّ عَلَيكُم أَمرُكُم إِنّكُم سُعَدَاءُ، وَ مَا عَلَيّ إِلّا الجُهدُ، وَ إنِيّ‌ لَأَخشَي أَن تَكُونُوا عَلَي فَترَةٍ مِلتُم عنَيّ‌ مَيلَةً كُنتُم فِيهَا عنِديِ‌ غَيرَ محَموُديِ‌ الرأّي‌ِ، وَ لَو أَشَاءُ لَقُلتُعَفَا اللّهُ عَمّا سَلَفَ،سَبَقَ فِيهِ الرّجُلَانِ وَ قَامَ الثّالِثُ كَالغُرَابِ هَمّهُ بَطنُهُ،وَيلَهُ لَو قُصّ جَنَاحَاهُ وَ قُطِعَ رَأسُهُ كَانَ خَيراً لَهُ،شُغِلَ عَنِ الجَنّةِ وَ النّارُ أَمَامَهُ،ثَلَاثَةٌ وَ اثنَانِ،خَمسَةٌ لَيسَ لَهُم سَادِسٌ،مَلَكٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ، وَ نبَيِ‌ّ أَخَذَ اللّهُ بِضَبعَيهِ، وَ سَاعٍ مُجتَهِدٌ، وَ طَالِبٌ يَرجُو، وَ مُقَصّرٌ فِي النّارِ،اليَمِينُ وَ الشّمَالُ مَضَلّةٌ وَ الطّرِيقُ الوُسطَي هيِ‌َ الجَادّةُ،عَلَيهَا يأَتيِ‌ الكِتَابُ وَ آثَارُ النّبُوّةِ،هَلَكَ مَنِ ادّعَي، وَخابَ مَنِ افتَري، إِنّ اللّهَ أَدّبَ هَذِهِ الأُمّةَ بِالسّيفِ وَ السّوطِ وَ لَيسَ لِأَحَدٍ عِندَ الإِمَامِ فِيهِمَا هَوَادَةٌ،فَاستَتِرُوا فِي بُيُوتِكُم وَ أَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم، وَ التّوبَةُ مِن وَرَائِكُم، مَن أَبدَي صَفحَتَهُ لِلحَقّ هَلَكَ.


صفحه : 586

بيان

قوله عليه السلام علا فاستعلي .. الاستعلاء هنا مبالغة في العلو، أي علا عن رتبة المخلوقين فاستعلي عن التشبّه بصفاتهم ، أو كان عاليا بالذات والصفات فأظهر و بيّن علوّه بالإيجاد، أوطلب علوّه من العباد بأن يخضعوا عنده ويعبدوه ، و علي الأخيرين يكون الاستفعال للطلب بتقدير أوتجوّز. قوله عليه السلام ودنا فتعالي .. أي دنا من كلّ شيءفتعالي أن يكون في مكان ،إذ لايمكن أن يكون للمكاني‌ الدنّو من كلّ شيء، أودنوّه دنوّ علم وقدرة وإيجاد وتربية، و هوعين علوّه وشرافته ورفعته ،فليس دنوّه دنوّا منافيا للعلوّ،بل مؤيّد له ، ويحتمل في الفقرتين أن يكون الفاء بمعني الواو .. أي علا وكثر علاؤه ، ودنا و تعالي أن يكون دنوّه كدنوّ المخلوقين . قوله عليه السلام وارتفع فوق كلّ منظر .. المنظر النّظر والموضع المرتفع و كلّ مانظرت إليه فسرّك أوساءك ،فالمراد أنّه تعالي ارتفع عن كلّ محلّ يمكن أن ينظر إليه ، أي ليس بمرئي‌ّ و لامكاني‌، أوارتفع عن كلّ نظر فلايمكن لبصر الخلق النظر إليه ، أوارتفع عن محالّ النظر والفكر فلايحصل في وهم و لاخيال و لاعقل ، ويحتمل معني دقيقا بأن يكون المراد بالارتفاع فوقه الكون عليه والتمكّن فيه مجازا .. أي ظهر لك في كلّ مانظرت إليه بقدرته وصنعه وحكمته .


صفحه : 587

قوله عليه السلام خاتم النبيّين .. بفتح التاء وكسرها .. أي آخرهم . قوله عليه السلام فإنّ البغي‌ .. أي الظّلم والفساد والاستطالة. قوله عليه السلام و إنّ أوّل من بغي .. كأنّها كانت مقدّمة علي قابيل . قوله عليه السلام وأوّل قتيل قتله اللّه .. أي بالعذاب . قوله عليه السلام في جريب .. لعلّ المراد أنّها كانت تملأ مجموع الجريب بعرضها وثخنها. و في تفسير عليّ بن ابراهيم و كان مجلسها في الأرض موضع جريب ، وفيما رواه ابن ميثم بتغيير ما كان مجلسها من الأرض جريبا. قوله عليه السلام مثل المنجلين .. المنجل كمنبر مايحصد به . قوله عليه السلام وأمات هامان .. أي [رمع ]، وأهلك فرعون .. يعني‌ أبا[فصيل ]، ويحتمل العكس . ويدلّ علي أنّ المراد هذان الأشقيان قوله عليه السلام و قدقتل عثمان .. ويمكن أن يقرأ قتل علي بناء المعلوم والمجهول ، والأوّل أنسب بما تقدّم. قوله عليه السلام ألا و إن بليّتكم .. أي ابتلاءكم وامتحانكم بالفتن . قوله عليه السلام لتبلبلنّ بلبلة .. البلبلة الاختلاط، وتبلبلت الألسن .. أي اختلطت .


صفحه : 588

و قال ابن ميثم وكنّي بهاعمّا يوقع بهم بنو أميّة وغيرهم من أمراء الجور من الهموم المزعجة، وخلط بعضهم ببعض ، ورفع أراذلهم ، وحطّ أكابرهم عمّا يستحقّ كلّ من المراتب . و قال الجزري‌ فيه دنت الزلازل ، والبلابل هي‌ الهموم والأحزان ، وبلبلة الصّدور وسواسه ..،

وَ مِنهُ الحَدِيثُ ‌«إِنّمَا عَذَابُهَا فِي الدّنيَا البَلَابِلُ وَ الفِتَنُ»

وَ مِنهُ خُطبَةُ عَلِيّ( ع ) ‌«لَتُبَلبَلُنّ بَلبَلَةً وَ لَتُغَربَلُنّ غَربَلَةً»

انتهي . والأظهر أنّ المراد اختلاطهم واختلاف أحوالهم ودرجاتهم في الدين بحسب مايعرض لهم من الفتن . قوله عليه السلام لتغربلنّ غربلة .. الظاهر أنّها مأخوذة من الغربال ألّذي يغربل به الدّقيق، ويجوز أن تكون من قولهم غربلت اللّحم .. أي قطعته ،فعلي الأول الظاهر أنّ المراد تمييز جيّدهم من رديّهم، ومؤمنهم من منافقهم ، وصالحهم من طالحهم ،بالفتن التي‌ تعرض لهم ، كما أنّ في الغربال يتميّز اللبّ من النخالة، وقيل المراد خلطهم ،لأنّ غربلة الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض . و قال ابن ميثم هوكناية عن التقاط آحادهم وقصدهم بالأذي والقتل ، كمافعل بكثير من الصحابة والتابعين ، و لايخفي ما فيه . و علي الثاني‌،فلعلّ المراد تفريقهم وقطع بعضهم عن بعض . قوله عليه السلام ولتساطنّ سوط القدر .. قال الجزري‌ ساط القدر


صفحه : 589

بالمسوط والمسواط بسوط، و هوخشبة يحرّك بها ما فيهاليختلط، و منه حديث عليّ( ع )لتساطنّ سوط القدر. قوله عليه السلام حتي يعود أسفلكم أعلاكم .. أي كفّاركم مؤمنين ، وفجّاركم متّقين، وبالعكس ، أوذليلكم عزيزا وعزيزكم ذليلا،موافقا لبعض الاحتمالات السابقة. قوله عليه السلام وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا .. يعني عليه السلام به قوما قصّروا في أوّل الأمر في نصرته ثم نصروه واتّبعوه، أوقوما قصّروا في نصرة الرسول صلّي اللّه عليه وآله وأعانوه صلوات اللّه عليه . قوله عليه السلام وليقصّرنّ سابقون كانوا سبقوا .. يجري‌ فيه الاحتمالان السابقان ، والأول فيهما أظهر كطلحة والزبير وأضرابهما،حيث كانوا عندغصب الخلافة يدّعون أنّهم من أعوانه صلوات اللّه عليه ، و عندالبيعة أيضا ابتدوا بالبيعة و كان مطلوبهم الدنيا، فلمّا لم يتيسّر لهم كانوا أوّل من خالفه وحاربه . قوله عليه السلام و اللّه ماكتمت وشمة .. أي كلمة ممّا أخبرني‌ به الرسول صلّي اللّه عليه وآله في هذه الواقعة، أوممّا أمرت بإخباره مطلقا، ويمكن أن يقرأ علي البناء للمجهول ، أي لم يكتم عنيّ‌ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله شيئا، والأول أظهر. قال الجزري‌ في حديث عليّ( ع ) و اللّه ماكتمت وشمة .. أي كلمة انتهي . و في بعض الروايات وسمة بالسين المهملة، أي ماكتمت علامة


صفحه : 590

تدلّ علي سبيل الحقّ، ولكن عميتم عنها، و لايخفي لطف ضمّ الكتم مع الوسمة،إذ الكتم بالتحريك نبت يخلط بالوسمة يختضب به . قوله عليه السلام ولقد نبّئت بهذا المقام .. أي أنبأني‌ الرسول صلّي اللّه عليه وآله بهذه البيعة وبنقض هؤلاء بيعتي‌. قوله عليه السلام شمس .. هوبالضّمّ جمع شموس ، وهي‌ الدّابة تمنع ظهرها و لاتطيع راكبها، و هومقابل الذّلول،فشبّه عليه السلام الخطايا بخيل صعاب إذاركبها الناس لايستطيعون منعها عن أن توردهم المهالك ، والتقوي بمطايا زلل مطيعة منقادة أزمّتها بيد ركّابها يوجّهونها حيث مايريدون . و قوله عليه السلام وأعطوا أزمّتها .. علي البناء المفعول [كذا].. أي أعطاهم من أركبهم أزمّتها، ويمكن أن يقرأ علي البناء للفاعل .. أي أعطي‌ الركّاب أزمّة المطايا إليها،فهنّ لكونهنّ ذللا لايخرجن عن طريق الحقّ إلي أن يوصلن ركّابهن إلي الجنّة. والتّقحّم الدّخول في الشيّ‌ء مبادرة من غيرتأمّل. قوله عليه السلام بسلام .. أي سالمين من العذاب ، أومسلّما عليكم ،


صفحه : 591

آمنين من الآفة والزوال . قوله عليه السلام لم أشركه فيه .. أي في الخلافة، و لم أهب كلّه له ، أو لم أهب جرم هذاالغصب له . قوله عليه السلام و من ليست له توبة إلّا بنبي‌ّ يبعث .. أي لايعلم قبول توبة من فعل مثل هذاالأمر القبيح ، وأضلّ هذه الجماعات الكثيرة إلّا بنبي‌ّ يبعث فيخبره بقبول توبته . و في بعض النسخ نوبة .. أي ليست له نوبة في الخلافة إلّا بنبي‌ّ يبعث فيخبر عن اللّه أنّ له حصّة في الخلافة. و في أكثر النسخ إلّا نبي‌ّ بدون الباء فالمراد بالتوبة مايوجب قبولها، أي ليس له سبب قبول توبة إلّا بنبي‌ّ، ولعلّه من تصحيف النسّاخ. قوله عليه السلام أشرف منه .. أي بسبب غصبه الخلافة. قوله عليه السلام علي شفا جرف .. قال الجوهري‌ شفا كلّ شيءحرفه ، قال اللّه تعالي وَ كُنتُم عَلي شَفا حُفرَةٍ. و قال والجرف والجرف مثل عسر وعسر ماتجرّفته السّيول وأكلته من الأرض ، و منه قوله تعالي عَلي شَفا جُرُفٍ هارٍ. و قال هار الجرف يهور هورا وهئورا فهو هائر، ويقال أيضا جرف هار خفضوه في موضع الرّفع وأرادوا هائر، و هومقلوب من الثلّاثي‌ّ إلي الربّاعي‌ّ كما


صفحه : 592

قلبوا شائك السّلاح إلي شاكي‌ السّلاح، وهوّرته فتهوّر وانهار .. أي انهدم . قوله عليه السلام حقّ وباطل .. أي في الدنيا، أوهنا، أو بين الناس حقّ وباطل . قوله عليه السلام فلئن أمر الباطل .. أي كثر، قال الفيروزآبادي‌ أَمِرَ كفرح أمرا وإمرة كثر. قوله عليه السلام فلقديما فعل .. أي فو اللّه لقد فعل الباطل ذلك في قديم الأيّام، أي ليس كثرة الباطل ببديع حتي تستغرب أويستدلّ بها علي حقيّة أهله . قوله عليه السلام ولئن قلّ الحقّ فلربّما .. أي فو اللّه كثيرا ما يكون الحقّ كذلك ، ولعلّ، أي لاينبغي‌ أن يؤيس من الحقّ لقلّته،فلعلّه يعود كثيرا بعدقلّته، وعزيزا بعدذلّته. قوله عليه السلام ولقلّما أدبر شيءفأقبل .. لعلّ المراد أنّه إذاأقبل الحقّ وأدبر الباطل فهو لايرجع ،إذ رجوع الباطل بعدإدباره قليل ، أوالمراد بيان أنّ رجوع الحقّ إلينا بعدالإدبار أمر غريب يفعله اللّه بفضله ولطفه وحكمته ، أوالمراد بيان أنّه لايرجع عن قريب ،بل إنّما يكون في زمن القائم عليه السلام . قوله عليه السلام ولئن ردّ إليكم أمركم .. أي في هذاالزمان . قوله عليه السلام و ما عليّ إلّا الجهد .. أي بذل الطاقة، قال الجوهري‌ الجهد والجهد الطّاقة، وقر‌ئوَ الّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلّا جُهدَهُم و(جهدهم ).


صفحه : 593

قال الفرّاء الجهد بالضم الطّاقة، والجهد بالفتح من قولك اجهد جهدك في هذاالأمر .. أي ابلغ غايتك ، و لايقال اجهد جهدك . والجهد المشقّة. قوله عليه السلام أن تكونوا علي فترة .. قال في النهاية في حديث ابن مسعود أنّه مرض فبكي ، فقال إنّما أبكي‌ لأنّه أصابني‌ علي حال فترة و لم يصبني‌ في حال اجتهاد .. أي في حال سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات ، والفترة في غير هذا ما بين الرّسولين من رسل اللّه تعالي من الزّمان ألّذي انقطعت فيه الرّسالة انتهي ،فالمعني أخشي أن تكونوا علي فترة وسكون وفتور عن نصرة الحقّ، أو أن تكونوا كأناس كانوا بين النبيّين لايظهر فيهم الحقّ ويشتبه عليهم الأمور. قوله عليه السلام ملتم عنيّ‌ ميلة .. أي في أوّل الأمر بعدالرسول صلّي اللّه عليه وآله . قوله عليه السلام و لوأشاء لقلت .. أي بيّنت بطلان الرجلين اللذين اتّبعتموهما وكفرهما،لكن لاتقتضيه مصلحة الحال . قوله عليه السلام عَفَا اللّهُ عَمّا سَلَفَ.. أي لمن تاب في هذاالزمان . قوله عليه السلام كان خيرا له ،قصّ الجناحين .. كناية عن منعه ورفع استيلائه وقبض يده عن أموال المسلمين ودمائهم وفروجهم ، وقطع رأسه كناية عن قطع ما هوبمنزلة رأسه من الخلافة، أوالمراد قتله ابتداء قبل ارتكاب هذه الأمور. قوله عليه السلام شغل .. أي بالدنيا عن تحصيل الجنّة والحال أنّ النار


صفحه : 594

كانت أمامه ،فكان ينبغي‌ أن لايشتغل مع هذابشي‌ء آخر سوي تحصيل الجنّة والتخلّص من النار. قوله عليه السلام ثلاثة واثنان .. الحاصل أنّ أحوال المخلوقين المكلّفين تدور علي خمسة، وإنّما فصل الثلاثة عن الاثنين لأنّهم من المقرّبين المعصومين الناجين من غيرشكّ،فلم يخلطهم بمن سواهم .الأوّل ملك أعطاه اللّه جناحين يطير بهما في درجات الكمال صورة ومعني . والثاني‌ نبي‌ّ أخذ اللّه بضبعيه .. الضّبع بسكون الباء وسط العضد، وقيل هو ماتحت الإبط .. أي رفعه اللّه بقدرته وعصمته من بين الخلق واختاره وقرّبه كأنّه أخذ بعضده وقرّبه إليه ، ويحتمل أن يكون كناية عن رفع يده وأخذها عن المعاصي‌ بعصمته ، و أن يكون كناية عن تقويته ، والأول أظهر. والثالث ساع مجتهد في الطاعات غاية جهده .. والمراد إمّا الأوصياء عليهم السلام أوأتباعهم الخلّص،فالأوصياء داخلون في الثاني‌ علي سبيل التغليب ، أوالمراد بالثالث أعمّ منهما. والرابع عابد طالب للآخرة بشي‌ء من السعي‌ مع صحّة إيمانه ، وبذلك يرجو فضل ربّه. والخامس مقصّر ضالّ عن الحقّ كافر،فهو في النار. قوله عليه السلام اليمين والشمال مضلّة .. أي كلّ ماخرج عن الحقّ فهو ضلال ، أوالمراد باليمين ما يكون بسبب الطاعات والبدع فيها، وباليسار ما يكون بسبب المعاصي‌. قوله عليه السلام عليها يأتي‌ الكتاب .. أي علي هذه الجادّة أتي كتاب


صفحه : 595

اللّه وحثّ علي سلوكها، و في بعض النسخ ما في الكتاب ، و في نسخ نهج البلاغة باقي‌ الكتاب ، ولعلّ المراد مابقي‌ من الكتاب في أيدي‌ الناس . قوله عليه السلام هلك من ادّعي .. أي من ادّعي مرتبة ليس بأهل لها كالإمامة. قوله عليه السلام و ليس لأحد عندالإمام فيهاهوادة .. قال الجزري‌ّ فيه ‌« لاتأخذه في اللّه هوادة» أي لايسكن عندوجوب حدود اللّه و لايحابي‌ فيه أحدا، والهوادة السّكون والرّخصة والمحاباة انتهي . قوله عليه السلام والتوبة من ورائكم .. قال ابن ميثم تنبيه للعصاة علي الرجوع إلي التوبة عن الجري‌ في ميدان المعصية واقتفاء أثر الشيطان ، وكونها وراء،لأنّ الجواذب الإلهيّة إذاأخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتي أعرض عنها والتفت بوجه نفسه إلي ما كان معرضا عنه من الندم علي المعصية، والتوجّه إلي القبلة الحقيقيّة،فإنّه يصدق عليه إذن أنّ التوبة وراءه ، أي وراء عقليّا، و هوأولي من قول من قال من المفسّرين إنّ وراءكم بمعني أمامكم . قوله عليه السلام من أبدي صفحته للحقّ هلك .. قال في النهاية صفحة كلّ شيءوجهه وناصيته .أقول المراد ومواجهة الحقّ ومقابلته ومعارضته ،فالمراد بالهلاك الهلاك في الدنيا والآخرة، أوالمراد إبداء الوجه للخصوم ومعارضتهم لإظهار الحقّ في كلّ


صفحه : 596

مكان وموطن من غيرتقيّة ورعاية مصلحة فيكون مذموما، والهلاك بالمعني ألذي سبق ، ويؤيّد هذا قوله عليه السلام استتروا في بيوتكم .. أوالمراد معارضته أهل الباطل علي الوجه المأمور به ، والمراد بالهلاك مقاساة المشاق والمفاسد والمضارّ من جهّال الناس ، ويؤيّده ما في نسخ نهج البلاغة هلك عندجهلة الناس .

نهج وَ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ لَا يَشغَلُهُ شَأنٌ، وَ لَا يُغَيّرُهُ زَمَانٌ، وَ لَا يَحوِيهِ مَكَانٌ، وَ لَا يَصِفُهُ لِسَانٌ، وَ لَا يَعزُبُ عَنهُ عَدَدُ قَطرِ المَاءِ، وَ لَا نُجُومِ السّمَاءِ، وَ لَا سوَاَفيِ‌ الرّيحِ فِي الهَوَاءِ، وَ لَا دَبِيبُ النّملِ عَلَي الصّفَا، وَ لَا مَقِيلُ الذّرّ فِي اللّيلَةِ الظّلمَاءِ،يَعلَمُ مَسَاقِطَ الأَورَاقِ، وَ خفَيِ‌ّ طَرفِ الأَحدَاقِ، وَ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلّا اللّهُ غَيرَ مَعدُولٍ بِهِ وَ لَا مَشكُوكٍ فِيهِ وَ لَا مَكفُورٍ دِينُهُ، وَ لَا مَجحُودٍ تَكوِينُهُ،شَهَادَةَ مَن صَدَقَت نِيّتُهُ، وَ صَفَت دُخلَتُهُ، وَ خَلَصَ يَقِينُهُ، وَ ثَقُلَت مَوَازِينُهُ، وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ،الَمجُتبَيَ مِن خَلَائِقِهِ، وَ المُعتَامُ لِشَرحِ حَقَائِقِهِ، وَ المُختَصّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ، وَ المُصطَفَي لِكَرَائِمِ


صفحه : 597

رِسَالَاتِهِ، وَ المُوَضّحَةُ بِهِ أَشرَاطُ الهُدَي، وَ المَجلُوّ بِهِ غِربِيبُ العَمَي.أَيّهَا النّاسُ إِنّ الدّنيَا تَغُرّ المُؤَمّلَ لَهَا وَ المُخلِدَ إِلَيهَا، وَ لَا تَنفَسُ بِمَن نَافَسَ فِيهَا، وَ تَغلِبُ مَن غَلَبَ عَلَيهَا، وَ ايمُ اللّهِ مَا كَانَ قَومٌ قَطّ فِي غَضّ نِعمَةٍ مِن عَيشٍ فَزَالَ عَنهُم إِلّا بِذُنُوبٍ اجتَرَحُوهَا،لِأَنّ اللّهَ تَعَالَيلَيسَ بِظَلّامٍ لِلعَبِيدِ، وَ لَو أَنّ النّاسَ حِينَ تَنزِلُ بِهِمُ النّقَمُ وَ تَزُولُ عَنهُمُ النّعَمُ،فَزِعُوا إِلَي رَبّهِم بِصِدقٍ مِن نِيّاتِهِم، وَ وَلَهٍ مِن قُلُوبِهِم،لَرَدّ عَلَيهِم كُلّ شَارِدٍ، وَ أَصلَحَ لَهُم كُلّ فَاسِدٍ، وَ إنِيّ‌ لَأَخشَي عَلَيكُم أَن تَكُونُوا فِي فَترَةٍ وَ قَد كَانَت أُمُورٌ عنِديِ‌ مَضَت،مِلتُم فِيهَا مَيلَةً كُنتُم فِيهَا عنِديِ‌ غَيرَ مَحمُودِينَ، وَ لَئِن رُدّ عَلَيكُم أَمرُكُم إِنّكُم لَسُعَدَاءُ، وَ مَا عَلَيّ إِلّا الجُهدُ، وَ لَو أَشَاءُ أَن أَقُولَ لَقُلتُعَفَا اللّهُ عَمّا سَلَفَ.

بيان

قدمرّ شرح صدر الخطبة في كتاب التوحيد. قوله عليه السلام غيرمعدول به .. أي لايعادل ويساوي‌ به أحد، كما قال تعالي بِرَبّهِم يَعدِلُونَ. والدّخلة بالكسر والضّم باطن الأمر. والمعتام أي المختار، والتّاء تاء الافتعال ،ذكره في النهاية، والعقائل جمع عقيلة وهي‌ كريمة كلّ شيء.


صفحه : 598

والأشراط العلامات جمع شرط بالتحريك . والغربيب بالكسر الأسود الشّديد السّواد .. أي المكشوف به ظلم الظلام . وأخلد إليه مال . قوله عليه السلام و لاتنفس .. أي لاترغب إلي من يرغب إليها بل ترميه بالنّوائب. قوله عليه السلام من غلب عليها .. أي من غلب إليها وأخذها قهرا فسوف تغلب الدنيا عليه ، أوالمراد بمن غلب عليها من أراد الغلبة عليها. قوله عليه السلام في غضّ نعمة .. أي في نعمة غضّة طريّة. قوله عليه السلام ليس بظلّام .. أي لوفعله اللّه بقوم لفعله بالجميع ،لأنّ حكمه في الجميع واحد،فيكون ظلّاما، أوالمعني إنّ ذلك ظلم شديد، ويقال فزعت إليه فأفزعني‌ .. أي استغثت إليه فأغاثني‌. والوله الحزن والحيرة والخوف وذهاب العقل حزنا. والشّارد النّافر.


صفحه : 599

قوله عليه السلام في فترة .. الفترة الانكسار والضّعف و ما بين الرّسولين، وكنّي عليه السلام بهاهنا عن أمر الجاهليّة .. أي إنيّ‌ لأخشي أن يكون أحوالكم في التعصّبات الباطلة والأهواء المختلفة كأحوال أهل الجاهليّة. قوله عليه السلام ملتم فيهاميلة .. إشارة إلي ميلهم عنه عليه السلام إلي الخلفاء الثلاثة. وقول ابن أبي الحديد إشارة إلي اختيارهم عثمان يوم الشوري يبطله قوله عليه السلام أمور و غير ذلك . قوله عليه السلام ولئن ردّ عليكم .. أي أحوالكم التي‌ كانت أيّام رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله . قوله عليه السلام و لوأشاء .. أي لوأشاء أن أقول فيما ملتم عن الحقّ ونبذتم الآخرة وراء ظهوركم بلفظ صريح لقلت ،لكنيّ‌ طويت عن ذكره وأعرضت عنه لعدم المصلحة فيه ، و لم أصرّح بكفركم و ما يكون إليه مصير أمركم و ماأكننتم وأخفيتم في ضمائركم لذلك . و قوله عليه السلام عفا اللّه عمّا سلف ... أي عفا عمّن تاب وأناب ورجع ، ويحتمل أن يكون من الدعاء الشائع في أواخر الخطب ،كقوله عليه السلام غفر اللّه لنا ولكم .. وأمثاله ، و هذه الأدعية مشروطة بشرائط، وقيل يحتمل أن يكون المعني لوأشاء أن أقول قولا يتضمّن العفو عنكم لقلت ،لكنيّ‌ لاأقول ذلك ،إذ لامجال للعفو هنا، و لايخفي بعده .


صفحه : 600

نهج قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَنَا حَقّ فَإِن أُعطِينَاهُ وَ إِلّا رَكِبنَا أَعجَازَ الإِبِلِ وَ إِن طَالَ السّرَي.

و هذاالقول من لطيف الكلام وفصيحه ، ومعناه إنّا إن لم نعط حقّنا كنّا أذلّاء، و ذلك أنّ الرّديف يركب عجز البعير،كالعبد والأسير و من يجري‌ مجراهما.

نهج وَ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ نَاظِرُ قَلبِ اللّبِيبِ بِهِ يُبصِرُ أَمَدَهُ، وَ يَعرِفُ غَورَهُ وَ نَجدَهُ.دَاعٍ دَعَا، وَ رَاعٍ رَعَي،فَاستَجِيبُوا للِداّعيِ‌، وَ اتّبِعُوا الراّعيِ‌َ، قَد خَاضُوا بِحَارَ الفِتَنِ، وَ أَخَذُوا بِالبِدَعِ دُونَ السّنَنِ، وَ أَرَزَ المُؤمِنُونَ، وَ نَطَقَ الضّالّونَ المُكَذّبُونَ،نَحنُ الشّعَارُ وَ الأَصحَابُ، وَ الخَزَنَةُ وَ الأَبوَابُ، وَ لَا تُؤتَي البُيُوتُ إِلّا مِن أَبوَابِهَا،فَمَن أَتَاهَا مِن غَيرِ أَبوَابِهَا سمُيّ‌َ سَارِقاً.


صفحه : 601

مِنهَا فِيهِم كَرَائِمُ القُرآنِ وَ هُم كَنزُ الرّحمَنِ، إِن نَطَقُوا صَدَقُوا، وَ إِن صَمَتُوا لَم يَسبِقُوا،فَليَصدُق رَائِدٌ أَهلَهُ، وَ ليُحضِر عَقلَهُ، وَ ليَكُن مِن أَبنَاءِ الآخِرَةِ،فَإِنّهُ مِنهَا قَدِمَ وَ إِلَيهَا يَنقَلِبُ،فَالنّاظِرُ بِالقَلبِ العَامِلُ بِالبَصَرِ يَكُونُ مُبتَدَأُ عَمَلِهِ أَن يَعلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَيهِ أَم لَهُ فَإِن كَانَ لَهُ مَضَي فِيهِ، وَ إِن كَانَ عَلَيهِ وَقَفَ عَنهُ، فَإِنّ العَامِلَ بِغَيرِ عِلمٍ كَالسّائِرِ عَلَي غَيرِ طَرِيقٍ فَلَا يَزِيدُهُ بُعدُهُ عَنِ الطّرِيقِ إِلّا بُعداً مِن حَاجَتِهِ، وَ العَامِلُ بِالعِلمِ كَالسّائِرِ عَلَي الطّرِيقِ الوَاضِحِ،فَليَنظُر نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَم رَاجِعٌ وَ اعلَم أَنّ لِكُلّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَي مِثَالِهِ،فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ، وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ، وَ قَد قَالَ الرّسُولُ الصّادِقُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ العَبدَ وَ يُبغِضُ عَمَلَهُ، وَ يُحِبّ العَمَلَ وَ يُبغِضُ بَدَنَهُ. وَ اعلَم أَنّ كُلّ عَمَلٍ نَبَاتٌ، وَ كُلّ نَبَاتٍ لَا غِنَي بِهِ عَنِ المَاءِ، وَ المِيَاهُ مُختَلِفَةٌ،فَمَا طَابَ سَقيُهُ طَابَ غَرسُهُ، وَ حَلَت ثَمَرَتُهُ، وَ مَا خَبُثَ سَقيُهُ خَبُثَ غَرسُهُ، وَ أَمَرّت ثَمَرَتُهُ.

توضيح

قال الجوهري‌ النّاظر من المقلة السّواد الأصغر ألّذي فيه إنسان العين .. أي أنّ قلب اللبيب له عين يبصر بهاغايته التي‌ تجري‌ إليها ويعرف من أحواله المستقبلة ما كان مرتفعا شريفا أومنخفضا ساقطا.


صفحه : 602

والنّجد المرتفع من الأرض ، ولعلّ المراد بالداعي‌ الرسول صلّي اللّه عليه وآله ، وبالراعي‌ نفسه عليه السلام . و قوله عليه السلام قدخاضوا .. كلام منقطع عمّا قبله ومتّصل بكلام أسقطه السيّد رضي‌ اللّه عنه تقيّة للتصريح بذمّ الخلفاء الثلاثة فيه . وأرز بالفتح والكسر انقبض . والمؤمنون هو عليه السلام وشيعته ، والضالون خلفاء الجور وأتباعهم . و قال ابن أبي الحديد في قوله عليه السلام والخزنة والأبواب .. أي خزنة العلم وأبوابه ، أوخزنة الجنّة وأبوابها. قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أنامدينة العلم و عليّ بابها، و من أراد الحكمة فليأت الباب . و قال فيه خازن علمي‌. وتارة أخري عيبة علمي‌. و قال صلّي اللّه عليه وآله في الخبر المستفيض إنّه قسيم الجنّة والنار، يقول للنار هذا لي فدعيه ، و هذا لك فخذيه . ثم ذكر أربعة وعشرين حديثا من فضائله صلوات اللّه عليه من طرق


صفحه : 603

المخالفين . قوله عليه السلام فيهم كرائم القرآن .. ضمير الجمع راجع إلي آل محمّد عليهم السلام الذين عناهم عليه السلام بقوله نحن الشعار، والمراد بكرائم القرآن مدائحهم التي‌ ذكرها اللّه فيه ، أوعلومه المخزونة عندهم ، وهم كنوز الرحمن .. أي خزائن علومه وحكمه وقربه . قوله عليه السلام لم يسبقوا .. أي ليس صمتهم عن عي‌ّ وعجز حتي يسبقهم أحد،بل لمحض الحكمة. قوله عليه السلام فليصدق رائد أهله .. يحتمل أن يكون المراد بالرائد الإنسان نفسه ،فإنّه كالرائد لنفسه في الدنيا يطلب فيه لآخرته ماء ومرعي .. أي لينصح نفسه و لايغشّها بالتسويف والتعليل ، أوالمعني ليصدق كلّ منكم أهله وعشيرته و من يعنيه أمره ، وليبلّغهم ماعرف من فضلنا وعلوّ درجتنا. قوله فإنّه منها قدم .. لخلق روحه قبل بدنه من عالم الملكوت ، أولخروج أبيهم من الجنّة. وقيل الآخرة الحضرة الإلهيّة التي‌ منها مبدأ الخلق وإليها معادهم .فالناظر بالقلب .. أي من لايقتصر في نظره علي ظواهر الأمور.العامل بالبصر .. أي من يعمل بما يبصر بعين بصيرة .. أي إذاعلم الحقّ لايتعدّاه. ويروي العالم بالبصر .. أي من كان إبصاره سببا لعلمه . قوله عليه السلام واعلم أنّ لكلّ ظاهر باطنا.

أقول قديتوهّم التنافي‌ بين هاتين الكلمتين و بين الخبر المروي‌ّ ظاهرا، ويخطر بالبال دفعه بوجوه


صفحه : 604

الأوّل أن يكون الخبر في قوّة الاستثناء لبيان أنّ المقدّمتين ليستا كليّتين،بل هما لبيان الغالب ، و قديتخلّف كماورد في الخبر.

الثاني‌ أن يكون الخبر استشهادا للمقدّمتين، وبيانه إنّ العمل ظاهرا وباطنا، وللشخص ظاهرا وباطنا، وظاهر الشخص مطابق لباطنه ، ولذا يحبّ اللّه ظاهر الشخص لمايعلم من حسن باطنه وعاقبته ، ويبغض ظاهر الشخص إذاعلم سوء باطنه ورداءة عاقبته .

الثالث أن يكون المراد أنّه لايمكن أن لايظهر سوء الباطن من الأخلاق الرديّة والاعتقادات الباطلة والطينات الفاسدة و إن كان في آخر العمر، و لاحسن الباطن من الأخلاق الحسنة والاعتقادات الحقّة والطينات الطيّبة،فالذي‌ يحبّه اللّه ويبغض عمله ينقلب حاله في آخر العمر ويظهر منه حسن العقائد والأعمال ، وكذا العكس ،فظهر أنّ حسن الباطن والظاهر متطابقان وكذا سوؤهما، ولعلّ مايذكر بعده يؤيّد هذاالوجه في الجملة.

الرابع ماذكره ابن أبي الحديد،حيث قال هومشتقّ من قوله تعالي وَ البَلَدُ الطّيّبُ يَخرُجُ نَباتُهُ بِإِذنِ رَبّهِ، والمعني إنّ لكلتا حالتي‌ الإنسان الظاهرة أمرا باطنا يناسبها من أحواله ، والحالتان الظاهرتان ميله إلي العقل وميله إلي الهوي ،فالمتّبع لعقله يرزق السعادة والفوز،فهذا هو ألذي طاب ظاهره وطاب باطنه ، والمتّبع لمقتضي هواه .. يرزق الشقاوة والعطب ، و هذا هو ألذي خبث ظاهره وخبث باطنه .


صفحه : 605

الخامس ماقيل إنّ المراد بطيب الظاهر حسن الصورة والهيئة وبخبثه قبحهما، و قال هما يدلّان علي حسن الباطن وقبحه ، وحمل خبث العبد مع قبح الفعل علي ما إذا كان مع حسن الصورة والآخر علي ما إذا كان مع قبح الصورة. و لايخفي بعد ولعلّ الأوّل أظهر الوجوه . وأمرّت .. أي صارت مرّا.

نهج مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد قَالَ لِي قَائِلٌ إِنّكَ عَلَي هَذَا الأَمرِ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ فَقُلتُ بَل أَنتُم وَ اللّهِ أَحرَصُ وَ أَبعَدُ، وَ أَنَا أَخَصّ وَ أَقرَبُ، وَ إِنّمَا طَلَبتُ حَقّاً لِي وَ أَنتُم تَحُولُونَ بيَنيِ‌ وَ بَينَهُ، وَ تَضرِبُونَ وجَهيِ‌ دُونَهُ. فَلَمّا قَرّعتُهُ بِالحُجّةِ فِي المَلَإِ الحَاضِرِينَ بُهِتَ لَا يدَريِ‌ مَا يجُيِبنُيِ‌ بِهِ. أللّهُمّ إنِيّ‌ أَستَعدِيكَ عَلَي قُرَيشٍ وَ مَن أَعَانَهُم فَإِنّهُم قَطَعُوا رحَمِيِ‌، وَ صَغّرُوا عَظِيمَ منَزلِتَيِ‌َ، وَ أَجمَعُوا عَلَي منُاَزعَتَيِ‌ أَمراً هُوَ لِي، ثُمّ قَالُوا أَلَا إِنّ فِي الحَقّ أَن نَأخُذَهُ وَ فِي الحَقّ أَن تَترُكَهُ.


صفحه : 606

بيان

قال ابن أبي الحديد هذاالفصل من خطبة يذكر فيهاأمر الشوري ، و ألذي قال له إنّك علي هذاالأمر لحريص هوسعد بن أبي وقّاص مع روايته فيه ( أنت منيّ‌ بمنزلة هارون من موسي )، و هذاعجيب ، و قدرواه الناس كافّة. وقالت الإماميّة هذاالكلام كان يوم السقيفة، والقائل أبوعبيدة بن الجرّاح. وقرعته بالحجّة صدمته بها. قوله عليه السلام بهت .. في بعض النسخ هبّ .. أي استيقظ. و قال الجوهري‌ العدوي طلبك إلي وال ليعديك علي من ظلمك .. أي ينتقم منه ،يقال استعديت علي فلان الأمير فأعداني‌ استعنت به فأعانني‌ عليه .فإنّهم قطعوا رحمي‌ .. لأنّهم لم يراعوا قربه عليه السلام من رسول اللّه صلّي


صفحه : 607

اللّه عليه وآله أومنهم ، أوالأعمّ.ألا إنّ في الحقّ أن نأخذه بالنون و في الحقّ أن تتركه بالتاء .. أي إنّهم لم يقصّروا علي أخذ حقيّ‌ ساكتين عن دعوي كونه حقّا لهم ، ولكنّهم أخذوه مع دعواهم أنّ الحقّ لهم ، و أنّه يجب عليّ أن أترك المنازعة فيه ،فليتهم أخذوا معترفين بأنّه حقّ لي ،فكانت المصيبة أهون . وروي‌ بالنون فيهما،فالمعني إنّا نتصرّف فيه كمانشاء بالأخذ والترك دونك . و في بعض النسخ فيهما بالتاء .. أي يعترفون أنّ الحقّ لي ثم يدّعون أنّ الغاصب أيضا علي الحقّ، أويقولون لك الاختيار في الأخذ والترك ، وكذا في الرواية الأخري قر‌ئ بالنون وبالتاء. و قال القطب الراوندي‌ إنّها في خطّ الرضي‌ رضي‌ اللّه عنه بالتاء .. أي إن وليت كانت ولايتك حقّا، و إن ولي‌ غيرك كانت حقّا علي مذهب أهل الاجتهاد.

نهج وَ مِن كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ إنِيّ‌ أَستَعدِيكَ عَلَي قُرَيشٍ فَإِنّهُم قَد قَطَعُوا رحَمِيِ‌، وَ أَكفَئُوا إنِاَئيِ‌، وَ أَجمَعُوا عَلَي منُاَزعَتَيِ‌ حَقّاً كُنتُ


صفحه : 608

أَولَي بِهِ مِن غيَريِ‌، وَ قَالُوا أَلَا إِنّ فِي الحَقّ أَن نَأخُذَهُ وَ فِي الحَقّ أَن نَمنَعَهُ،فَاصبِر مَغمُوماً أَو مُت مُتَأَسّفاً،فَنَظَرتُ فَإِذَا لَيسَ لِي رَافِدٌ وَ لَا ذَابّ وَ لَا مُسَاعِدٌ إِلّا أَهلُ بيَتيِ‌،فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ المَنِيّةِ،فَأَغضَيتُ عَلَي القَذَي، وَ جَرِعتُ ريِقيِ‌ عَلَي الشّجَا، وَ صَبَرتُ مِن كَظمِ الغَيظِ عَلَي أَمَرّ مِنَ العَلقَمِ، وَ أَلَمّ لِلقَلبِ مِن حَزّ الشّفَارِ.

بيان

قال الجوهري‌ كفأت الإناء كببته وقلبته ،فهو مكفوء. وزعم ابن الأعرابي‌ أنّ أكفأته لغة، ويروي كفّوا بدون الهمزة و هوأفصح . و قال الجوهري‌ رفدته أرفده رفدا .. إذاأعنته ..، والإرفاد ... الإعانة. و قال الذّبّ الدّفع والمنع . و قال ضننت بالشيّ‌ء .. بخلت به ... و قال الفرّاء ضننت بالفتح .. لغة فيه . والإغضاء أدناء الجفون ، والقذي في العين مايسقط فيهافيؤذيها. والشّجا ماينشب في الحلق من عظم وغيره .


صفحه : 609

والعلقم شجر مرّ، ويقال للحنظل ، و كلّ شيءمرّ علقم . والحزّ القطع ،حزّه واحتزّه قطعه . والشّفرة بالفتح السّكّين العظيم ، والجمع شفار.

نهج مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ وَا عَجَبَاه أَ تَكُونُ الخِلَافَةُ بِالصّحَابَةِ وَ لَا تَكُونُ بِالصّحَابَةِ وَ القَرَابَةِ.

قَالَ السّيّدُ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ وَ روُيِ‌َ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ شِعرٌ فِي هَذَا المَعنَي، وَ هُوَ قَولُهُ


فَإِن كُنتَ بِالشّورَي مَلَكتَ أُمُورَهُم   فَكَيفَ بِهَذَا وَ المُشِيرُونَ غُيّبٌ

وَ إِن كُنتَ بِالقُربَي حَجَجتَ خَصِيمَهُم   فَغَيرُكَ أَولَي باِلنبّيِ‌ّ وَ أَقرَبُ

بيان قوله عليه السلام فكيف بهذا .. أي كيف تملكها بهذا. قوله عليه السلام خصيمهم .. أي من كان خصما لك منهم في دعوي الخلافة.

وَ قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِحَدِيثُهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي النّثرِ وَ النّظمِ المَذكُورَينِ مَعَ أَبِي بَكرٍ وَ عُمَرَ، أَمّا النّثرُ فَمُوَجّهٌ إِلَي عُمَرَ لِأَنّ أَبَا بَكرٍ لَمّا قَالَ لِعُمَرَ امدُد يَدَكَ.


صفحه : 610

قَالَ لَهُ عُمَرُ أَنتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ(ص ) فِي المَوَاطِنِ كُلّهَا شِدّتِهَا وَ رَخَائِهَا فَامدُد أَنتَ يَدَكَ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ إِذَا احتَجَجتَ لِاستِحقَاقِهِ الأَمرَ بِصُحبَتِهِ إِيّاهُ فِي المَوَاطِنِ .. فَهَلّا سَلّمتَ الأَمرَ إِلَي مَن قَد شَرِكَهُ فِي ذَلِكَ، وَ قَد زَادَ عَلَيهِ بِالقَرَابَةِ. وَ أَمّا النّظمُ فَمُوَجّهٌ إِلَي أَبِي بَكرٍ،لِأَنّهُ حَاجّ الأَنصَارَ فِي السّقِيفَةِ فَقَالَ نَحنُ عِترَةُ رَسُولِ اللّهِ(ص ) وَ بَيضَتُهُ التّيِ‌ تَفَقّأَت عَنهُ، فَلَمّا بُويِعَ احتَجّ عَلَي النّاسِ بِالبَيعَةِ، وَ أَنّهَا صَدَرَت عَن أَهلِ الحَلّ وَ العَقدِ، فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا احتِجَاجُكَ عَلَي الأَنصَارِ بِأَنّكَ مِن بَيضَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ مِن قَومِهِ فَغَيرُكَ أَقرَبُ نَسَباً مِنكَ إِلَيهِ، وَ أَمّا احتِجَاجُكَ بِالِاختِيَارِ وَ رِضَي الجَمَاعَةِ،فَقَد كَانَ قَومٌ مِن أَجِلّةِ الصّحَابَةِ غَائِبِينَ لَم يَحضُرُوا العَقدَ،فَكَيفَ ثَبَتَ.

نهج قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فَوَ اللّهِ مَا زِلتُ مَدفُوعاً عَن حقَيّ‌ مُستَأثَراً عَلَيّ،مُنذُ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِلَي يَومِ النّاسِ هَذَا.

نهج مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ فَنَظَرتُ فَإِذَا لَيسَ مُعِينٌ إِلّا أَهلُ بيَتيِ‌،فَضَنِنتُ بِهِم عَنِ المَوتِ، وَ أَغضَيتُ عَلَي القَذَي، وَ شَرِبتُ عَلَي الشّجَا، وَ صَبَرتُ عَلَي أَخذِ الكَظَمِ وَ عَلَي أَمَرّ مِن طَعمِ العَلقَمِ.


صفحه : 611

وَ قَالَ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ فِي مَوضِعٍ آخَرَ قَالُوا لَمّا انتَهَت إِلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ أَنبَاءُ السّقِيفَةِ بَعدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ مَا قَالَتِ الأَنصَارُ قَالُوا قَالَت مِنّا أَمِيرٌ وَ مِنكُم أَمِيرٌ. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فَهَلّا احتَجَجتُم عَلَيهِم بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَصّي بِأَن يُحسَنَ إِلَي مُحسِنِهِم وَ يُتَجَاوَزَ عَن مُسِيئِهِم قَالُوا وَ مَا فِي هَذَا مِنَ الحُجّةِ عَلَيهِم. قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ لَو كَانَتِ الإِمَارَةُ فِيهِم لَم تَكُنِ الوَصِيّةُ بِهِم. ثُمّ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ فَمَا ذَا قَالَت قُرَيشٌ.قَالُوا احتَجّت بِأَنّهَا شَجَرَةُ الرّسُولِ(ص ). فَقَالَ عَلَيهِ السّلَامُ احتَجّوا بِالشّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا الثّمَرَةَ.

بيان الكظم بفتح الظاء مخرج النّفس. قوله عليه السلام احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة .. المراد بالثمرة إمّا الرسول صلّي اللّه عليه وآله والإضاعة عدم اتّباع نصبه ، أو أمير المؤمنين و أهل البيت عليهم السلام تشبيها له صلّي اللّه عليه وآله بالأغصان ، أواتّباع الحقّ الموجب للتمسّك به دون غيره كماقيل ، والغرض إلزام قريش بما تمسّكوا به من قرابته صلّي اللّه عليه وآله ، فإن تمّ فالحقّ لمن هوأقرب وأخصّ، و إلّا فالأنصار


صفحه : 612

علي دعواهم .

نهج مِن كَلَامِهِ عَلَيهِ السّلَامُ لَمّا عَزَمُوا عَلَي بَيعَةِ عُثمَانَ لَقَد عَلِمتُم أنَيّ‌ أَحَقّ بِهَا مِن غيَريِ‌، وَ وَ اللّهِ لَأُسلِمَنّ مَا سَلِمَت أُمُورُ المُسلِمِينَ وَ لَم يَكُن فِيهَا جَورٌ إِلّا عَلَيّ خَاصّةً،التِمَاساً لِأَجرِ ذَلِكَ وَ فَضلِهِ، وَ زُهداً فِيمَا تَنَافَستُمُوهُ مِن زُخرُفِهِ وَ زِبرِجِهِ.

بيان قوله عليه السلام أنيّ‌ أحقّ بها.. أي بالخلافة والتفضيل ، كما في قوله تعالي قُل أَ ذلِكَ خَيرٌ أَم جَنّةُ الخُلدِ، والجور عليه عليه السلام خاصّة غصب حقّه، و فيه دلالة علي أنّ خلافة غيره جور مطلقا، والتسليم علي التقدير المفروض و هوسلامة أمور المسلمين و إن لم يتحقّق الفرض لرعاية مصالح الإسلام والتقيّة. والتماسا مفعولا له للتسليم . والتّنافس الرّغبة في النّفيس المرغوب للانفراد به . والزّخرف بالضم الذّهب وكمال حسن الشيّ‌ء. والزّبرج بالكسر الزّينة.

نهج وَ مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ.. بَعَثَ رُسُلَهُ بِمَا خَصّهُم بِهِ


صفحه : 613

مِن وَحيِهِ، وَ جَعَلَهُم حُجّةً لَهُ عَلَي خَلقِهِ،لِئَلّا تَجِبَ الحُجّةُ لَهُم بِتَركِ الإِعذَارِ إِلَيهِم،فَدَعَاهُم بِلِسَانِ الصّدقِ إِلَي سَبِيلِ الحَقّ،أَلَا إِنّ اللّهَ قَد كَشَفَ الحَقّ كَشفَةً، لَا أَنّهُ جَهِلَ مَا أَخفَوهُ مِن مَصُونِ أَسرَارِهِم وَ مَكنُونِ ضَمَائِرِهِم، وَ لَكِن لِيَبلُوَهُم أَيّهُم أَحسَنُ عَمَلًا،فَيَكُونَ الثّوَابُ جَزَاءً، وَ العِقَابُ بَوَاءً.أَينَ الّذِينَ زَعَمُوا أَنّهُمُ الرّاسِخُونَ فِي العِلمِ دُونَنَا كَذِباً وَ بَغياً عَلَينَا أَن رَفَعَنَا اللّهُ وَ وَضَعَهُم، وَ أَعطَانَا وَ حَرَمَهُم، وَ أَدخَلَنَا وَ أَخرَجَهُم،بِنَا يُستَعطَي الهُدَي وَ يُستَجلَي العَمَي إِنّ الأَئِمّةَ مِن قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا البَطنِ مِن هَاشِمٍ، لَا تَصلُحُ عَلَي سِوَاهُم، وَ لَا تَصلُحُ الوُلَاةُ مِن غَيرِهِم.مِنهَا آثَرُوا عَاجِلًا، وَ أَخّرُوا آجِلًا، وَ تَرَكُوا صَافِياً، وَ شَرِبُوا آجِناً،كأَنَيّ‌ أَنظُرُ إِلَي فَاسِقِهِم وَ قَد صَحِبَ المُنكَرَ فَأَلِفَهُ، وَ بَسِئَ بِهِ وَ وَافَقَهُ حَتّي شَابَت عَلَيهِ مَفَارِقُهُ، وَ صُبِغَت بِهِ خَلَائِقُهُ، ثُمّ أَقبَلَ مُزبِداً كَالتّيّارِ لَا يبُاَليِ‌ مَا غَرِقَ، أَو كَوَقعِ النّارِ فِي الهَشِيمِ لَا يَحفِلُ مَا حَرّقَ،أَينَ العُقُولُ المُستَصبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الهُدَي، وَ الأَبصَارُ اللّامِحَةُ إِلَي مَنَارِ التّقوَي أَينَ القُلُوبُ التّيِ‌ وُهِبَت لِلّهِ وَ عُوقِدَت عَلَي طَاعَةِ اللّهِ ازدَحَمُوا عَلَي الحُطَامِ، وَ تَشَاحّوا عَلَي الحَرَامِ، وَ رُفِعَ لَهُم عَلَمُ الجَنّةِ وَ النّارِ فَصَرَفُوا عَنِ الجَنّةِ وُجُوهَهُم، وَ أَقبَلُوا إِلَي النّارِ بِأَعمَالِهِم،دَعَاهُم رَبّهُم فَنَفَرُوا وَ وَلّوا، وَ دَعَاهُمُ الشّيطَانُ فَاستَجَابُوا وَ أَقبَلُوا.

إيضاح

الكشف .. أريد به هنا الابتلاء ألذي هوسببه . و قال في النهاية الجراحات بواء .. أي سواء في القصاص .. و منه حَدِيثُ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،


صفحه : 614

وَ العِقَابُ بَوَاءً، وأصل البواء اللّزوم.أين الذين زعموا .. أي الخلفاء الجائرون المتقدّمون. قوله عليه السلام إن رفعنا اللّه .. تعليل لدعوتهم الكاذبة .. أي كانت العلّة الحاملة لهم علي هذاالكذب أنّ اللّه رفع قدرنا في الدنيا والآخرة وأعطانا .. أي الملك والنبوّة، وأدخلنا .. أي في دار قربه وعناياته الخاصّة. و إنّ هاهنا للتعليل .. أي لأن ،فحذف اللام ، ويحتمل أن يكون المعني أين الذين زعموا عن أن يروا أن رفعنا اللّه وأورثنا الخلافة ووضعهم بأخذهم بأعمالهم السيّئة. والبطن مادون القبيلة وفوق الفخذ. قوله عليه السلام لاتصلح علي سواهم .. أي لا يكون لها صلاح علي يد غيرهم ، و لا يكون الولاة من غيرهم صالحين . والآجن الماء المتغيّر. قوله عليه السلام كأنيّ‌ أنظر .. قال ابن أبي الحديد هوإشارة إلي قوم يأتي‌ من الخلف بعدالسلف .قيل والأظهر أنّ المراد بهم من تقدّم ذكرهم من الخلفاء وغيرهم من ملاعين الصحابة، كما قال عليه السلام في الفصل السابق أين الذين زعموا فيكون قوله عليه السلام كأنيّ‌ أنظر .. إشارة إلي ظهور اتّصافهم بالصفات حتي كأنّه يراه عيانا.


صفحه : 615

و قال في النهاية بسأت بفتح السين وكسرها أي اعتادت واستأنست .شابت عليه مفارقه .. أي ابيضّ شعره وفني عمره في صحبة المنكر. وصبغت به خلائقه .. أي صار المنكر عادته حتّي تلوّنت خلائقه به . والتّيّار موج البحر ولجّته. وكلمة ثمّ للترتيب الحقيقي‌ أوالذكري ، ولعلّ المراد بالفاسق عمر. و قوله عليه السلام لايحفل .. أي لايبالي‌، واللّامحة النّاظرة.

نهج مِن خُطبَةٍ لَهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي المَلَاحِمِ وَ أَخَذُوا يَمِيناً وَ شِمَالًا ظَعناً فِي مَسَالِكِ الغيَ‌ّ، وَ تَركاً لِمَذَاهِبِ الرّشدِ، فَلَا تَستَعجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرصَدٌ، وَ لَا تَستَبطِئُوا مَا يجَيِ‌ءُ بِهِ الغَدُ،فَكَم مِن مُستَعجِلٍ بِمَا إِن أَدرَكَهُ وَدّ أَنّهُ لَم يُدرِكهُ، وَ مَا أَقرَبَ اليَومَ مِن تَبَاشِيرِ غَدٍ. يَا قَومِ هَذَا إِبّانُ وُرُودِ كُلّ مَوعُودٍ،


صفحه : 616

وَ دُنُوّ مِن طَلعَةِ مَا لَا تَعرِفُونَ،أَلَا وَ إِنّ مَن أَدرَكَهَا مِنّا يسَريِ‌ فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ، وَ يَحذُوا فِيهَا عَلَي مِثَالِ الصّالِحِينَ،لِيَحُلّ فِيهَا رِبقاً، وَ يُعتِقَ رِقّاً، وَ يَصدَعَ شُعَباً، وَ يَشعَبَ صَدعاً، فِي سُترَةٍ عَنِ النّاسِ، لَا يُبصِرُ القَائِفُ أَثَرَهُ وَ لَو تَابَعَ نَظَرَهُ، ثُمّ لَيُشحَذَنّ فِيهَا قَومٌ شَحذَ القَينِ النّصلَ،تُجلَي بِالتّنزِيلِ أَبصَارُهُم، وَ يُرمَي بِالتّفسِيرِ فِي مَسَامِعِهِم، وَ يُغبَقُونَ كَأسَ الحِكمَةِ بَعدَ الصّبُوحِ.مِنهَا وَ طَالَ الأَمَدُ بِهِم لِيَستَكمِلُوا الخزِي‌َ وَ يستوجب [يَستَوجِبُوا]الغِيَرَ، حَتّي إِذَا اخلَولَقَ الأَجَلُ، وَ استَرَاحَ قَومٌ إِلَي الفِتَنِ، وَ اشتَالُوا عَن لَقَاحِ حَربِهِم، لَم يَمُنّوا عَلَي اللّهِ بِالصّبرِ، وَ لَم يَستَعظِمُوا بَذلَ أَنفُسِهِم فِي الحَقّ، حَتّي إِذَا وَافَقَ وَارِدُ القَضَاءِ انقِطَاعَ مُدّةِ البَلَاءِ،حَمَلُوا بَصَائِرَهُم عَلَي أَسيَافِهِم، وَ دَانُوا لِرَبّهِم بِأَمرِ وَاعِظِهِم، حَتّي إِذَا قَبَضَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمَ رَجَعَ قَومٌ عَلَي الأَعقَابِ، وَ غَالَتهُمُ السّبُلُ، وَ اتّكَلُوا عَلَي الوَلَائِجِ، وَ وَصَلُوا غَيرَ الرّحِمِ، وَ هَجَرُوا السّبَبَ ألّذِي أُمِرُوا بِمَوَدّتِهِ، وَ نَقَلُوا البِنَاءَ عَن رَصّ أَسَاسِهِ فَبَنَوهُ فِي غَيرِ


صفحه : 617

مَوضِعِهِ،مَعَادِنُ كُلّ خَطِيئَةٍ، وَ أَبوَابُ كُلّ ضَارِبٍ فِي غَمرَةٍ. قَد مَارُوا فِي الحَيرَةِ، وَ ذَهَلُوا عَنِ السّكرَةِ عَلَي سُنّةٍ مِن آلِ فِرعَونَ مِن مُنقَطِعٍ إِلَي الدّنيَا رَاكِنٍ، أَو مُفَارِقٍ لِلدّينِ مُبَايِنٍ.

بيان

نصب (ظعنا) و(تركا) علي المصدر والعامل فيهما من غيرلفظهما، أومصدران قاما مقام الفاعل . قوله عليه السلام مرصد .. علي المفعول .. أي مترقّب معدّ لابدّ من كونه . وتباشير كلّ شيءأوائله . وإبّان الشيّ‌ء بالكسر والتشديد وقته وزمانه ، ولعلّه إشارة إلي ظهور القائم عليه السلام . قوله عليه السلام إنّ من أدركها منّا .. أي قائم آل محمّد صلّي اللّه عليه وآله . وسري كضرب وأسري .. أي سار باللّيل. والرّبق بالفتح شدّ الشّاة بالربق و هوالخيط.


صفحه : 618

والصّدع التّفريق والشّقّ. والشّعب الجمع . قوله عليه السلام في سترة .. أشار عليه السلام به إلي غيبة القائم عليه السلام . والقائف ألّذي يتّبع الآثار ويعرفها. وشحذت السّكّين حددته .. أي ليحرصنّ في تلك الملاحم قوم علي الحرب ، ويشحذ عزائمهم في قتل أهل الضلال كمايشحذ القين و هوالحدّاد النّصل كالسّيف وغيره . ويجلي بالتّنزيل .. أي يكشف الرين والغطاء عن قلوبهم بتلاوة القرآن وإلهامهم تفسيره ومعرفة أسراره ، وكشف الغطاء عن مسامع قلوبهم . والغبوق الشّرب بالعشي‌ّ،تقول منه غبقت الرّجل أغبقه بالضم فاغتبق هو.. أي تفاض عليهم المعارف صباحا ومساء، والقوم أصحاب القائم عليه السلام . قوله عليه السلام وطال الأمد بهم .. هذامتّصل بكلام قبله لم يذكره .


صفحه : 619

السيّد رضي‌ اللّه عنه ، والأمد الغاية. والغير اسم من قولك غيّرت الشيّ‌ء فتغيّر .. أي تغيّر الحال وانتقالها من الصّلاح إلي الفساد. واخلولق الأجل .. أي قرب انقضاء أمرهم ، من اخلولق السّحاب .. أي استوي وصار خليقا بأن يمطر، واخلولق الرّسم استوي بالأرض . واستراح قوم .. أي مال قوم من شيعتنا إلي هذه الفئة الضالّة واتّبعوها تقيّة أولشبهة دخلت عليهم . واشتالوا .. أي رفعوا أيديهم وسيوفهم ، واستعار اللّقاح بفتح اللام لإثارة الحرب لشبهها بالناقة. و قوله عليه السلام حتّي إذاقبض اللّه .. لعلّه منقطع عمّا قبله إلّا أن يحمل ( من طال الأمد بهم ) في الكلام المتقدّم علي من كان من أهل الضلال قبل الإسلام ، و لايخفي بعده . وبالجملة،الكلام صريح في شكايته عليه السلام عن [كذا]الذين غصبوا الخلافة منه .


صفحه : 620

وغالتهم السّبل .. أي أهلكتهم . ووصلوا غيرالرحم .. أي غيررحم رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله . والسبب ألذي أمروا بمودّته أهل البيت عليهم السلام كما

قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ خَلّفتُ فِيكُمُ الثّقَلَينِ كِتَابَ اللّهِ وَ أَهلَ بيَتيِ‌ حَبلَانِ مَمدُودَانِ مِنَ السّمَاءِ إِلَي الأَرضِ لَن يَفتَرِقَا حَتّي يَرِدَا عَلَيّ الحَوضَ.

كلّ ضارب في غمرة .. أي سائر في غمرة الضلالة والجهالة. قدماروا في الحيرة .. أي تردّدوا واضطربوا فيها. والمنقطع إلي الدّنيا هوالمنهمك في لذاتها والمفارق للدين هوالزاهد ألذي يترك الدنيا للدنيا، أويعمل علي الضلالة والردي ، وسيأتي‌ فيما سنورده من كتبه عليه السلام وغيرها ما هوصريح في الشكاية.

مِنهَا مَا كَتَبَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي كِتَابٍ لَهُ إِلَي مُعَاوِيَةَ وَ كِتَابُ اللّهِ يَجمَعُ لَنَا مَا شَذّ عَنّا وَ هُوَ قَولُهُ سُبحَانَهُوَ أُولُوا الأَرحامِ بَعضُهُم أَولي بِبَعضٍ فِي كِتابِ اللّهِ، وَ قَولُهُ تَعَالَيإِنّ أَولَي النّاسِ بِإِبراهِيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ


صفحه : 621

وَ هذَا النّبِيّ وَ الّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ ولَيِ‌ّ المُؤمِنِينَفَنَحنُ مَرّةً أَولَي بِالقَرَابَةِ وَ تَارَةً بِالطّاعَةِ، وَ لَمّا احتَجّ المُهَاجِرُونَ عَلَي الأَنصَارِ يَومَ السّقِيفَةِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَلَجُوا عَلَيهِم، فَإِن يَكُنِ الفَلَجُ بِهِ فَالحَقّ لَنَا دُونَكُم، وَ إِن يَكُن بِغَيرِهِ فَالأَنصَارُ عَلَي دَعوَاهُم. وَ قُلتُ إنِيّ‌ كُنتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الجَمَلُ المَخشُوشُ حَتّي أُبَايِعَ، وَ لَعَمرُ اللّهِ لَقَد أَرَدتَ أَن تَذُمّ فَمَدَحتَ، وَ أَن تَفضَحَ فَافتَضَحتَ، وَ مَا عَلَي المُسلِمِ مِن غَضَاضَةٍ فِي أَن يَكُونَ مَظلُوماً مَا لَم يَكُن شَاكّاً فِي دِينِهِ وَ لَا مُرتَاباً بِيَقِينِهِ ..

وَ مِنهَا مَا كَتَبَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي جَوَابِ عَقِيلٍ.. فَدَع عَنكَ قُرَيشاً وَ تَركَاضَهُم فِي الضّلَالِ، وَ تَجوَالَهُم فِي الشّقَاقِ، وَ جِمَاحَهُم فِي التّيهِ،فَإِنّهُم قَد أَجمَعُوا عَلَي حرَبيِ‌ كَإِجمَاعِهِم عَلَي حَربِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قبَليِ‌ فَجَزَت قُرَيشاً عنَيّ‌ الجوَاَزيِ‌،فَقَد قَطَعُوا رحَمِيِ‌، وَ سلَبَوُنيِ‌ سُلطَانَ ابنِ أمُيّ‌.


صفحه : 622

وَ فِي كِتَابِ الإِمَامَةِ وَ السّيَاسَةِ لِابنِ قُتَيبَةَ فَإِنّ قُرَيشاً قَدِ اجتَمَعَت عَلَي حَربِ أَخِيكَ اجتِمَاعَهَا عَلَي حَربِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]قَبلَ اليَومِ.

وَ مِنهَا مَا كَتَبَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي كِتَابٍ لَهُ إِلَي أَهلِ مِصرَ وَ هُمُ العُمدَةُ فِي قَتلِ عُثمَانَ مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيّ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ إِلَي القَومِ الّذِينَ غَضِبُوا لِلّهِ حِينَ عصُيِ‌َ فِي أَرضِهِ وَ ذُهِبَ بِحَقّهِ وَ ضَرَبَ الجَورُ سُرَادِقَهُ عَلَي البَرّ وَ الفَاجِرِ وَ المُقِيمِ وَ الظّاعِنِ، فَلَا مَعرُوفٌ يُستَرَاحُ إِلَيهِ وَ لَا مُنكَرٌ يُتَنَاهَي عَنهُ.

وَ مِنهَا مَا كَتَبَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي كِتَابٍ لَهُ إِلَي عُثمَانَ بنِ حُنَيفٍ الأنَصاَريِ‌ّ .. بَلَي كَانَت فِي أَيدِينَا فَدَكٌ مِن كُلّ مَا أَظَلّتهُ السّمَاءُ فَشَحّت عَلَيهَا نُفُوسُ قَومٍ وَ سَخَت عَنهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَ نِعمَ الحَكَمُ اللّهُ ..

وَ مِنهَا مَا كَتَبَ عَلَيهِ السّلَامُ فِي كِتَابٍ لَهُ إِلَي أَهلِ مِصرَ .. فَلَمّا مَضَي تَنَازَعَ المُسلِمُونَ الأَمرَ مِن بَعدِهِ،فَوَ اللّهِ مَا كَانَ يُلقَي فِي روُعيِ‌ وَ لَا يَخطُرُ عَلَي باَليِ‌ أَنّ العَرَبَ تَعرُجُ[تُزعِجُ] هَذَا الأَمرَ مِن بَعدِهِ(ص ) عَن أَهلِ بَيتِهِ، وَ لَا أَنّهُم مُنَحّوهُ عنَيّ‌ مِن بَعدِهِ ..


صفحه : 623

ثُمّ كَتَبَ عَلَيهِ السّلَامُ بَعدَ مَا ذَكَرَ بَيعَةَ النّاسِ لَهُ .. فَنَهَضتُ فِي تِلكَ الأَحدَاثِ حَتّي زَاحَ البَاطِلُ وَ زَهَقَ، وَ اطمَأَنّ الدّينُ وَ تَنَهنَهَ ..

وَ مِنهَا قَولُهُ عَلَيهِ السّلَامُ قَد طَلَعَ طَالِعٌ وَ لَمَعَ لَامِعٌ وَ لَاحَ لَائِحٌ، وَ اعتَدَلَ مَائِلٌ، وَ استَبدَلَ اللّهُ بِقَومٍ قَوماً وَ بِيَومٍ يَوماً وَ انتَظَرنَا الغِيَرَ انتِظَارَ المُجدِبِ المَطَرَ، وَ إِنّمَا الأَئِمّةُ قُوّامُ اللّهِ عَلَي خَلقِهِ وَ عُرَفَاؤُهُ عَلَي عِبَادِهِ، لَا يَدخُلُ.الجَنّةَ إِلّا مَن عَرَفَهُم وَ عَرَفُوهُ، وَ لَا يَدخُلُ النّارَ إِلّا مَن أَنكَرَهُم وَ أَنكَرُوهُ ..

وَ مِنهَا قَولُهُ عَلَيهِ السّلَامُ فِي البَيعَةِ .. فَنَظَرتُ فِي أمَريِ‌ فَإِذَا طاَعتَيِ‌ قَد سَبَقَت بيَعتَيِ‌، وَ إِذَا المِيثَاقُ فِي عنُقُيِ‌ لغِيَريِ‌.

و قدمرّ في هذاالكتاب وسيأتي‌ من تظلّمه عليه السلام منهم وشكايته عليه السلام عنهم ، وقدحه فيهم ، لاسيّما ماأوردناه في باب غصب الخلافة، و باب مثالب الثلاثة، و باب ماجري بينه و بين عثمان ، و ماذكره في الإحتجاج علي من يطلب ثاره ، و ماذكره لأبي‌ ذرّ عندإخراجه .. ما لوأعدناه لكان أكثر ممّا أوردنا بكثير،لكن الأمر علي الطالب يسير، والجرعة تدلّ علي الغدير، والحبّة علي البيدر الكبير. و

قد قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ قَولِهِ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ إنِيّ‌ أَستَعدِيكَ


صفحه : 624

عَلَي قُرَيشٍ .. قَد رَوَي كَثِيرٌ مِنَ المُحَدّثِينَ أَنّهُ عَقِيبَ يَومِ السّقِيفَةِ تَأَلّمَ وَ تَظَلّمَ وَ استَنجَدَ وَ استَصرَخَ حَتّي سَئِمُوهُ الحُضُورَ وَ البَيعَةَ، وَ أَنّهُ قَالَ وَ هُوَ يُشِيرُ إِلَي القَبرِ يَابنَ أُمّ إِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ‌ وَ كادُوا يقَتلُوُننَيِ‌ وَ أَنّهُ قَالَ وَا جَعفَرَاه وَ لَا جَعفَرَ لِيَ اليَومَ،وَاحَمزَتَاه وَ لَا حَمزَةَ لِيَ اليَومَ.

وَ قَالَ فِي شَرحِ قَولِهِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد قَالَ لِي قَائِلٌ إِنّكَ عَلَي هَذَا الأَمرِ يَا ابنَ أَبِي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ، وَ هُوَ قَولُهُ عَلَيهِ السّلَامُ إِنّ لَنَا حَقّاً، إِن نُعطَهُ نَأخُذهُ وَ إِلّا نَركَبُ لَهُ أَعجَازَ الإِبِلِ وَ إِن طَالَ السّرَي.

و قدذكره الهروي‌ في الغريبين ، وفسّره بوجهين . و قال الجزري‌ في النهاية منه حديث عليّ عليه السلام لنا حقّ .. وذكر الخبر ثم قال الرّكوب علي أعجاز الإبل شاقّ .. أي منعنا حقّنا ركبنا مركب المشقّة صابرين عليها و إن طال الأمد.


صفحه : 625

و قال ضرب أعجاز الإبل مثلا لتأخّره عن حقّه ألّذي كان يراه له ، وتقدّم غيره عليه ، و أنّه يصير علي ذلك و إن طال أمده .. أي إن قدّمنا للإمامة تقدّمنا و إن أخّرنا صبرنا علي الأثرة و إن طالت الأيّام. وقيل يجوز أن يريدوا إن تمنعه ببذل الجهد في طلبه فعل من يضرب في طلبته أكباد الإبل و لايبالي‌ باحتمال طول السّري، والأوّلان أوجه ،لأنّه سلّم وصبر علي التّأخّر و لم يقاتل ، وإنّما قاتل بعدانعقاد الإمامة له .انتهي . ورواه ابن قتيبة، و قال معناه ركبنا مركب الضيم والذلّ،لأنّ راكب عجز البعير يجد مشقّة، لاسيّما إذاتطاول به الركوب علي تلك الحال ، ويجوز أن يكون أراد نصبر علي أن نكون أتباعا لغيرنا،لأنّ راكب عجز البعير يكون ردفا لغيره .

وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ أَيضاً أَنّ فَاطِمَةَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهَا حَرّضَتهُ يَوماً عَلَي النّهُوضِ وَ الوُثُوبِ،فَسَمِعَ صَوتَ المُؤَذّنِ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ، فَقَالَ لَهَا أَ يَسُرّكَ زَوَالُ هَذَا النّدَاءِ مِنَ الأَرضِ قَالَت لَا. قَالَ فَإِنّهُ مَا أَقُولُ لَكِ.

وَ رَوَي أَيضاً، عَن جَابِرٍ الجعُفيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ عَلَيهِمَا السّلَامُ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا رَأَيتُ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ مُحَمّداً صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ


صفحه : 626

رَخَاءً،لَقَد أخَاَفتَنيِ‌ قُرَيشٌ صَغِيراً وَ أنَصبَتَنيِ‌ كَبِيراً حَتّي قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ كَانَتِ الطّامّةُ الكُبرَي،وَ اللّهُ المُستَعانُ عَلي ما تَصِفُونَ.

وَ رَوَي ابنُ قُتَيبَةَ وَ هُوَ مِن أَعَاظِمِ رُوَاةِ المُخَالِفِينَ فِي كِتَابِ الإِمَامَةِ وَ السّيَاسَةِ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ أتُيِ‌َ بِهِ أَبُو[ أَبَا]بَكرٍ وَ هُوَ يَقُولُ أَنَا عَبدُ اللّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ فَقِيلَ لَهُ بَايِع أَبَا بَكرٍ، فَقَالَ أَنَا أَحَقّ بِهَذَا الأَمرِ مِنكُم، وَ لَا أُبَايِعُكُم وَ أَنتُم أَولَي بِالبَيعَةِ لِي،أَخَذتُم هَذَا الأَمرَ مِنَ الأَنصَارِ وَ احتَجَجتُم عَلَيهِم بِالقَرَابَةِ مِنَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ تَأخُذُونَهُ مِنّا أَهلَ البَيتَ غَصباً، أَ لَستُم زَعَمتُم لِلأَنصَارِ أَنّكُم أَولَي بِهَذَا الأَمرِ مِنهُم لِمَكَانِ مُحَمّدٍ(ص )مِنكُم فَأَعطَوكُمُ المَقَادَةَ، وَ سَلّمُوا إِلَيكُمُ الإِمَارَةَ،فَأَنَا أَحتَجّ عَلَيكُم بِمِثلِ مَا احتَجَجتُم بِهِ عَلَي الأَنصَارِ،نَحنُ أَولَي بِرَسُولِ اللّهِ(ص )حَيّاً وَ مَيّتاً فَأَنصِفُونَا إِن كُنتُم تَخَافُونَ اللّهَ مِن أَنفُسِكُم، وَ إِلّا فَبُوءُوا بِالظّلمِ وَ أَنتُم تَعلَمُونَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إِنّكَ لَستَ مَترُوكاً حَتّي تُبَايِعَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيّ( ع )احلِب حَلباً لَكَ شَطرُهُ اشدُدهُ لَهُ اليَومَ


صفحه : 627

يَردُدهُ[يَرُدّهُ]عَلَيكَ غَداً، ثُمّ قَالَ وَ اللّهِ يَا عُمَرُ لَا أَقبَلُ قَولَكَ، وَ لَا أُبَايِعُهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكرٍ فَإِن لَم تبُاَيعِنيِ‌ فَلَا أُكرِهُكَ. فَقَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ اللّهَ .. اللّهَ لَا تُخرِجُوا سُلطَانَ مُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي العَرَبِ مِن دَارِهِ وَ قَعرِ بَيتِهِ إِلَي دُورِكُم وَ قُعُورِ بُيُوتِكُم، وَ تَدفَعُوا أَهلَهُ عَن مَقَامِهِ مِنَ النّاسِ وَ حَقّهِ،فَوَ اللّهِ يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ لَنَحنُ أَهلَ البَيتِ أَحَقّ بِهَذَا الأَمرِ مِنكُم، مَا كَانَ فِيهَا القاَر‌ِئُ لِكِتَابِ اللّهِ،الفَقِيهُ فِي دِينِ اللّهِ،العَالِمُ بِسُنَنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.

قَالَ ابنُ قُتَيبَةَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَيأَخرِجُوا عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ فَمَضَوا بِهِ إِلَي أَبِي بَكرٍ،فَقَالُوا لَهُ بَايِع. فَقَالَ إِن أَنَا لَم أَفعَل فَمَه.فَقَالُوا إِذًا وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ نَضرِبَ عُنُقَكَ. قَالَ إِذًا تَقتُلُونَ[تَقتُلُوا] عَبدَ اللّهِ وَ أَخَا رَسُولِهِ. فَقَالَ عُمَرُ أَمّا عَبدُ اللّهِ فَنَعَم، وَ أَمّا أَخَا رَسُولِ اللّهِ فَلَا، وَ أَبُو بَكرٍ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلّمُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَ لَا تَأمُرُ فِيهِ بِأَمرِكَ. فَقَالَ لَا أُكرِهُهُ عَلَي شَيءٍ مَا كَانَت فَاطِمَةُ إِلَي جَنبِهِ،فَلَحِقَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِقَبرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَصِيحُ وَ يبَكيِ‌ وَ ينُاَديِ‌ يَابنَ أُمّ إِنّ القَومَ استضَعفَوُنيِ‌ وَ كادُوا يقَتلُوُننَيِ‌.. ثُمّ ذَكَرَ ابنُ قُتَيبَةَ أَنّهُمَا جَاءَا إِلَي فَاطِمَةَ عَلَيهَا السّلَامُ مُعتَذِرِينَ،فَقَالَت نَشَدتُكُمَا بِاللّهِ أَ لَم تَسمَعَا رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَقُولُ رِضَا فَاطِمَةَ مِن


صفحه : 628

رضِاَي‌َ وَ سَخَطُ فَاطِمَةَ ابنتَيِ‌ مِن سخَطَيِ‌. وَ مَن أَحَبّ فَاطِمَةَ ابنتَيِ‌ فَقَد أحَبَنّيِ‌، وَ مَن أَسخَطَ فَاطِمَةَ فَقَد أسَخطَنَيِ‌.قَالَا نَعَم،سَمِعنَاهُ.قَالَت فإَنِيّ‌ أُشهِدُ اللّهَ وَ مَلَائِكَتَهُ أَنّكُمَا أسَخطَتمُاَنيِ‌ وَ مَا أرَضيَتمُاَنيِ‌، وَ لَئِن لَقِيتُ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَأَشكُوَنّكُمَا إِلَيهِ. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ أَنَا عَائِذٌ بِاللّهِ مِن سَخَطِهِ وَ سَخَطِكِ يَا فَاطِمَةُ. ثُمّ انتَحَبَ أَبُو بَكرٍ بَاكِياً تَكَادُ نَفسُهُ أَن تَزهَقَ، وَ هيِ‌َ تَقُولُ وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ عَلَيكَ فِي كُلّ صَلَاةٍ، وَ أَبُو بَكرٍ يبَكيِ‌ وَ يَقُولُ وَ اللّهِ لَأَدعُوَنّ اللّهَ لَكِ فِي كُلّ صَلَاةٍ أُصَلّيهَا .. ثُمّ خَرَجَ بَاكِياً.

وَ رَوَي أَيضاً ابنُ قُتَيبَةَ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ فَاجزِ قُرَيشاً عنَيّ‌ بِفِعَالِهَا،فَقَد قَطَعَت رحَمِيِ‌، وَ ظَاهَرَت عَلَيّ، وَ سلَبَتَنيِ‌ سُلطَانَ ابنِ عمَيّ‌، وَ سَلّمَت ذَلِكَ مِنهَا لِمَن لَيسَ فِي قرَاَبتَيِ‌ وَ حقَيّ‌ فِي الإِسلَامِ، وَ ساَبقِتَيِ‌َ التّيِ‌ لَا يدَعّيِ‌ مِثلَهَا مُدّعٍ إِلّا أَن يدَعّيِ‌َ مَا لَا أَعرِفُهُ، وَ لَا أَظُنّ اللّهَ يَعرِفُهُ.

وَ رَوَي أَيضاً أَنّهُ قَالَ لِلحَسَنِ عَلَيهِمَا السّلَامُ وَ ايمُ اللّهِ يَا بنُيَ‌ّ مَا زِلتُ مَظلُوماً مَبغِيّاً عَلَيّ مُنذُ هَلَكَ جَدّكَ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ.


صفحه : 629

وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ قَالَ وَ قَد سَمِعَ صَارِخاً ينُاَديِ‌ أَنَا مَظلُومٌ، فَقَالَ هَلُمّ فَلنَصرَخ مَعاً،فإَنِيّ‌ مَا زِلتُ مَظلُوماً.

وَ قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا زِلتُ مُستَأثَراً عَلَيّ مَدفُوعاً عَمّا أَستَحِقّهُ وَ أَستَوجِبُهُ.

وَ قَالَ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ اجزِ قُرَيشاً فَإِنّهَا منَعَتَنيِ‌ حقَيّ‌ وَ غصَبَتَنيِ‌ أمَريِ‌.

وَ رَوَي أَيضاً، عَن جَابِرٍ، عَن أَبِي الطّفَيلِ، قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ أللّهُمّ إنِيّ‌ أَستَعدِيكَ عَلَي قُرَيشٍ فَإِنّهُم قَطَعُوا رحَمِيِ‌، وَ غصَبَوُنيِ‌ حقَيّ‌، وَ أَجمَعُوا عَلَي منُاَزعَتَيِ‌ أَمراً كُنتُ أَولَي بِهِ.

وَ عَنِ الشعّبيِ‌ّ، عَن شُرَيحِ بنِ هاَنيِ‌[هَانِئٍ]، قَالَ قَالَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أللّهُمّ إنِيّ‌ أَستَعدِيكَ عَلَي قُرَيشٍ فَإِنّهُم قَطَعُوا رحَمِيِ‌ وَ وَضَعُوا إنِاَئيِ‌، وَ صَغّرُوا عَظِيمَ منَزلِتَيِ‌، وَ أَجمَعُوا عَلَي منُاَزعَتَيِ‌.

وَ رَوَي السّيّدُ ابنُ طَاوُسٍ فِي كِتَابِ الطّرَائِفِ مِنَ الصّحِيحَينِ


صفحه : 630

وَ الجَمعِ بَينَهُمَا للِحمَيِديِ‌ّ بِإِسنَادِهِم عَن مَالِكِ بنِ أَوسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ لِلعَبّاسِ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مَا هَذَا لَفظُهُ فَلَمّا توُفُيّ‌َ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ أَبُو بَكرٍ أَنَا ولَيِ‌ّ رَسُولِ اللّهِ .. فَجِئتُمَا، أَنتَ تَطلُبُ مِيرَاثَكَ مِنِ ابنِ أَخِيكَ، وَ يَطلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امرَأَتِهِ مِن أَبِيهَا .. فَقَالَ أَبُو بَكرٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُوَرّثُ مَا تَرَكنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ،فَرَأَيتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً، وَ اللّهُ يَعلَمُ إِنّهُ لَصَادِقٌ بَارّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلحَقّ ثُمّ توُفُيّ‌َ أَبُو بَكرٍ فَقُلتُ أَنَا ولَيِ‌ّ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ ولَيِ‌ّ أَبِي بَكرٍ فرَأَيَتمُاَنيِ‌ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً وَ اللّهُ يَعلَمُ إنِيّ‌ لَصَادِقٌ بَارّ تَابِعٌ لِلحَقّ فَوُلّيتُهَا، ثُمّ جِئتَ أَنتَ وَ هَذَا وَ أَنتُمَا جَمِيعٌ وَ أَمرُكُمَا وَاحِدٌ فَقُلتُمَا ادفَعهَا إِلَينَا.

أقول قدرأيت هذاالخبر في الصحيحين وحكاه في جامع الأصول عنهما و عن الترمذي‌ والنسائي‌ و أبي داود، عن الحميدي‌ بألفاظ مختلفة .. من أراد الاطّلاع عليه فليراجعه .


صفحه : 631

وَ قَالَ السّيّدُ المُرتَضَي عَلَمُ الهُدَي رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ فِي الشاّفيِ‌ قَد رَوَي جَمِيعُ أَهلِ السّيَرِ أَنّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ وَ العَبّاسَ لَمّا تَنَازَعَا فِي المِيرَاثِ وَ تَخَاصَمَا إِلَي عُمَرَ، قَالَ عُمَرُ مَن يعَذرِنُيِ‌ مِن هَذَينِ،ولُيّ‌َ أَبُو بَكرٍ.فَقَالَا عَقّ وَ ظَلَمَ، وَ اللّهُ يَعلَمُ أَنّهُ كَانَ بَرّاً تَقِيّاً، ثُمّ وُلّيتُ فَقَالَا عَقّ وَ ظَلَمَ. وَ غَيرُ خَافٍ عَلَيهِم وَ إِنّمَا كَانُوا يُجَامِلُونَهُ وَ يُجَامِلُهُم.

وَ رَوَي أَحمَدُ بنُ أَعثَمَ الكوُفيِ‌ّ فِي تَارِيخِهِ، قَالَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَي عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا بَعدُ، فَإِنّ الحَسَدَ عَشَرَةُ أَجزَاءٍ تِسعَةٌ مِنهَا فِيكَ وَ وَاحِدٌ مِنهَا فِي سَائِرِ النّاسِ، وَ ذَلِكَ أَنّهُ لَم يَلِ أُمُورَ هَذِهِ الأُمّةِ أَحَدٌ بَعدَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] إِلّا وَ لَهُ قَد حَسَدتَ، وَ عَلَيهِ تَعَدّيتَ، وَ عَرَفنَا ذَلِكَ مِنكَ فِي النّظَرِ الشّزرِ، وَ قَولِكَ الهَجرِ، وَ تَنَفّسِكَ الصّعَدَاءَ، وَ إِبطَائِكَ عَنِ الخُلَفَاءِ،تُقَادُ إِلَي البَيعَةِ كَمَا يُقَادُ الجَمَلُ المَخشُوشُ حَتّي تُبَايِعَ وَ أَنتَ كَارِهٌ، ثُمّ إنِيّ‌ لَا أَنسَي فِعلَكَ بِعُثمَانَ بنِ عَفّانَ عَلَي قِلّةِ الشّرحِ وَ البَيَانِ، وَ وَ اللّهِ ألّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ لَنَطلُبَنّ قَتَلَةَ


صفحه : 632

عُثمَانَ فِي البَرّ وَ البَحرِ وَ الجِبَالِ وَ الرّمَالِ حَتّي نَقتُلَهُم أَو لَنُلحِقَنّ أَروَاحَنَا بِاللّهِ، وَ السّلَامُ.فَكَتَبَ إِلَيهِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ أَمّا بَعدُ،فَإِنّهُ أتَاَنيِ‌ كِتَابُكَ تَذكُرُ فِيهِ حسَدَيِ‌ لِلخُلَفَاءِ، وَ إبِطاَئيِ‌ عَلَيهِم، وَ النّكِيرَ لِأَمرِهِم فَلَستُ أَعتَذِرُ مِن ذَلِكَ إِلَيكَ وَ لَا إِلَي غَيرِكَ، وَ ذَلِكَ أَنّهُ لَمّا قُبِضَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ اختَلَفَ الأُمّةُ،قَالَت قُرَيشٌ مِنّا الأَمِيرُ، وَ قَالَتِ الأَنصَارُ بَل مِنّا الأَمِيرُ،فَقَالَت قُرَيشٌ مُحَمّدٌ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]مِنّا، وَ نَحنُ أَحَقّ بِالأَمرِ مِنكُم،فَسَلّمَتِ الأَنصَارُ لِقُرَيشٍ الوِلَايَةَ وَ السّلطَانَ،فَإِنّمَا تَستَحِقّهَا قُرَيشٌ بِمُحَمّدٍ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ]دُونَ الأَنصَارِ،فَنَحنُ أَهلَ البَيتِ أَحَقّ بِهَذَا مِن غَيرِنَا .. إِلَي قَولِهِ عَلَيهِ السّلَامُ وَ قَد كَانَ أَبُوكَ أَبُو سُفيَانَ جاَءنَيِ‌ فِي الوَقتِ ألّذِي بَايَعَ النّاسُ فِيهِ أَبَا بَكرٍ، فَقَالَ لِي أَنتَ أَحَقّ بِهَذَا الأَمرِ مِن غَيرِكَ، وَ أَنَا يَدُكَ عَلَي مَن خَالَفَكَ، وَ إِن شِئتَ لَأَملَأَنّ المَدِينَةَ خَيلًا وَ رَجِلًا عَلَي ابنِ أَبِي قُحَافَةَ،فَلَم أَقبَل ذَلِكَ، وَ اللّهُ يَعلَمُ أَنّ أَبَاكَ قَد فَعَلَ ذَلِكَ فَكُنتُ أَنَا ألّذِي أَبَيتُ عَلَيهِ مَخَافَةَ الفُرقَةِ بَينَ أَهلِ الإِسلَامِ، فَإِن تَعرِف مِن حقَيّ‌ مَا كَانَ أَبُوكَ يَعرِفُهُ لِي فَقَد أَصَبتَ رُشدَكَ، وَ إِن أَبَيتَ فَهَا أَنَا قَاصِدٌ إِلَيكَ، وَ السّلَامُ.

وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ، عَنِ الكلَبيِ‌ّ قَالَ لَمّا أَرَادَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ


صفحه : 633

المَسِيرَ إِلَي البَصرَةِ،قَامَ فَخَطَبَ النّاسَ، فَقَالَ بَعدَ أَن حَمِدَ اللّهَ وَ صَلّي عَلَي رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ .. إِنّ اللّهَ لَمّا قَبَضَ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ استَأثَرَت عَلَينَا قُرَيشٌ بِالأَمرِ، وَ دَفَعَتنَا عَن حَقّ نَحنُ أَحَقّ بِهِ مِنَ النّاسِ كَافّةً،فَرَأَيتُ أَنّ الصّبرَ عَلَي ذَلِكَ أَفضَلُ مِن تَفرِيقِ كَلِمَةِ المُسلِمِينَ، وَ سَفكِ دِمَائِهِم، وَ النّاسُ حَدِيثُو عَهدٍ بِالإِسلَامِ، وَ الدّينُ يَمخَضُ مَخضَ الوَطبِ يُفسِدُهُ أَدنَي وَهنٍ، وَ يَعتِكُهُ أَقَلّ خُلفٍ،فوَلُيّ‌َ الأَمرَ قَومٌ لَم يَألُوا فِي أَمرِهِم اجتِهَاداً، ثُمّ انتَقَلُوا إِلَي دَارِ الجَزَاءِ، وَ اللّهُ ولَيِ‌ّ تَمحِيصِ سَيّئَاتِهِم، وَ العَفوِ عَن هَفَوَاتِهِم.

وَ رَوَي أَيضاً، عَن عَلِيّ بنِ مُحَمّدٍ المدَاَئنِيِ‌ّ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ جُنَادَةَ، قَالَقَدِمتُ مِنَ الحِجَازِ أُرِيدُ العِرَاقَ فِي أَوّلِ إِمَارَةِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ،فَمَرَرتُ بِمَكّةَ فَاعتَمَرتُ، ثُمّ قَدِمتُ المَدِينَةَ،فَدَخَلتُ مَسجِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِذَا نوُديِ‌َ الصّلَاةَ جَامِعَةً،فَاجتَمَعَ النّاسُ، وَ خَرَجَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ مُتَقَلّداً سَيفَهُ،فَشَخَصَتِ الأَبصَارُ نَحوَهُ،فَحَمِدَ اللّهَ وَ صَلّي عَلَي رَسُولِهِ صَلّي اللّهُ


صفحه : 634

عَلَيهِ وَ آلِهِ، ثُمّ قَالَ أَمّا بَعدُ،فَإِنّهُ لَمّا قَبَضَ اللّهُ نَبِيّهُ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قُلنَا نَحنُ أَهلُهُ وَ وَرَثَتُهُ وَ عِترَتُهُ وَ أَولِيَاؤُهُ دُونَ النّاسِ، لَا يُنَازِعُنَا سُلطَانَهُ أَحَدٌ، وَ لَا يَطمَعُ فِي حَقّنَا طَامِعٌ،إِذِ انتَزَي لَنَا قَومُنَا فَغَصَبُونَا سُلطَانَ نَبِيّنَا،فَصَارَتِ الإِمرَةُ لِغَيرِنَا، وَ صِرنَا سُوقَةً يَطمَعُ فِينَا الضّعِيفُ وَ يَتَغَزّرُ عَلَينَا الذّلِيلُ،فَبَكَتِ الأَعيُنُ مِنّا لِذَلِكَ، وَ خَشُنَتِ الصّدُورُ، وَ جَزِعَتِ النّفُوسُ، وَ ايمُ اللّهِ لَو لَا مَخَافَةُ الفُرقَةِ بَينَ المُسلِمِينَ، وَ أَن يَعُودَ الكُفرُ، وَ يَبُورَ الدّينُ،لَكِنّا عَلَي غَيرِ مَا كُنّا لَهُم عَلَيهِ،فوَلُيّ‌َ النّاسَ وُلَاةٌ لَم يَألُوا النّاسَ خَيراً، ثُمّ استخَرجَتمُوُنيِ‌ أَيّهَا النّاسُ مِن بيَتيِ‌ فبَاَيعَتمُوُنيِ‌ ..

وَ قَالَ السّيّدُ الجَلِيلُ ابنُ طَاوُسٍ فِي كِتَابِ الطّرَائِفِ رَوَي أَبُو بَكرٍ أَحمَدُ بنُ مَردَوَيهِ فِي كِتَابِهِ وَ هُوَ مِن أَعيَانِ أَئِمّتِهِم، وَ رَوَاهُ أَيضاً المُسَمّي عِندَهُم صَدرَ الأَئِمّةِ أَخطَبُ خُطَبَاءِ خُوارِزمَ مُوَفّقُ بنُ أَحمَدَ المكَيّ‌ّ ثُمّ الخوُارزِميِ‌ّ فِي كِتَابِ الأَربَعِينَ، قَالَ عَنِ الإِمَامِ الطبّرَاَنيِ‌ّ، عَن سَعِيدٍ الراّزيِ‌ّ، عَن مُحَمّدِ بنِ حُمَيدٍ، عَن زَافِرِ بنِ سُلَيمَانَ، عَنِ الحَارِثِ بنِ مُحَمّدٍ، عَن أَبِي الطّفَيلِ، قَالَكُنتُ عَلَي البَابِ يَومَ الشّورَي فَارتَفَعَتِ الأَصوَاتُ بَينَهُم،فَسَمِعتُ عَلِيّاً عَلَيهِ


صفحه : 635

السّلَامُ يَقُولُ بَايَعَ النّاسُ أَبَا بَكرٍ وَ أَنَا وَ اللّهِ أَولَي بِالأَمرِ مِنهُ وَ أَحَقّ بِهِ مِنهُ،فَسَمِعتُ وَ أَطَعتُ مَخَافَةَ أَن يَرجِعَ القَومُ كُفّاراً يَضرِبُ بَعضُهُم رِقَابَ بَعضٍ بِالسّيفِ، ثُمّ بَايَعَ أَبَا[ أَبُو]بَكرٍ لِعُمَرَ وَ أَنَا أَولَي بِالأَمرِ مِنهُ،فَسَمِعتُ وَ أَطَعتُ مَخَافَةَ أَن يَرجِعَ القَومُ كُفّاراً، ثُمّ أَنتُم تُرِيدُونَ أَن تَبَايِعُوا عُثمَانَ إِذَن لَا أَسمَعُ وَ لَا أُطِيعُ.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخرَي رَوَاهَا ابنُ مَردَوَيهِ أَيضاً .. وَ سَاقَ قَولَ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَن مُبَايَعَتِهِم لأِبَيِ‌ بَكرٍ وَ عُمَرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرّوَايَةِ المُتَقَدّمَةِ سَوَاءً، إِلّا أَنّهُ قَالَ فِي عُثمَانَ ثُمّ أَنتُم تُرِيدُونَ أَن تُبَايِعُوا عُثمَانَ إِذَن لَا أَسمَعُ وَ لَا أُطِيعُ، إِنّ عُمَرَ جعَلَنَيِ‌ فِي خَمسَةِ نَفَرٍ أَنَا سَادِسُهُم لَا يَعرِفُ لِي فَضلًا فِي الصّلَاحِ وَ لَا يَعرِفُونَهُ لِي،كَأَنّمَا نَحنُ فِيهِ شَرَعٌ سَوَاءٌ، وَ ايمُ اللّهِ لَو أَشَاءُ أَن أَتَكَلّمَ لَتَكَلّمتُ ثُمّ لَا يَستَطِيعُ عَرَبِيّكُم وَ لَا عَجَمِيّكُم وَ لَا المُعَاهِدُ مِنكُم وَ لَا المُشرِكُ رَدّ خَصلَةٍ مِنهَا، ثُمّ قَالَ أَنشُدُكُمُ اللّهَ أَيّهَا الخَمسَةُ أَ مِنكُم أَخُو رَسُولِ اللّهِ غيَريِ‌ قَالُوا لَا ..

، ثم ساق الحديث في ذكر مناقبه عليه السلام إلي آخر ماسيأتي‌ في باب الشوري بأسانيد جمّة وطرق مختلفة. ثم قال السيّد رضي‌ اللّه عنه و من طرائف مانقلوه في كتبهم المعتبرة برواية رؤسائهم من إظهار عليّ بن أبي طالب عليه السلام الكراهيّة من تقدّم أبي بكر وعمر وعثمان في الخلافة، و أنّه كان أحقّ بهامنهم بمحضر الخلق الكثير علي المنابر و علي رءوس الأشهاد ماذكره جماعة من أهل التواريخ والعلماء.


صفحه : 636

وَ ذَكَرَ ابنُ عَبدِ رَبّهِ فِي الجُزءِ الرّابِعِ مِن كِتَابِ العِقدِ، وَ أَبُو هِلَالٍ العسَكرَيِ‌ّ فِي كِتَابِ الأَوَائِلِ فِي الخُطبَةِ التّيِ‌ خَطَبَ بِهَا عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِ السّلَامُ عَقِيبَ مُبَايَعَةِ النّاسِ لَهُ وَ هيِ‌َ أَوّلُ خُطبَةٍ خَطَبَهَا فَقَالَ، بَعدَ إِشَارَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَ بَاطِنَةٍ إِلَي التّأَلّمِ مِمّن تَقَدّمَهُ وَ مِمّن وَافَقَهُم مَا هَذَا لَفظُهُ وَ قَد كَانَت أُمُورٌ مِلتُم فِيهَا عَنِ الحَقّ مَيلًا كَثِيراً كُنتُم فِيهَا غَيرَ مَحمُودِينَ.

و قال ابن عبدربّه لم تكونوا فيهامحمودين ، أماإنيّ‌ لوأشاء أن أقول لقلت عَفَا اللّهُ عَمّا سَلَفَ،سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همّته بطنه ،ويله لوقصّ جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له ،انظروا فإن أنكرتم فأنكروا و إن عرفتم فاعرفوا ..

ثُمّ يَقُولُ فِي آخِرِهَا مَا هَذَا لَفظُهُ عَلَي مَا حَكَاهُ صَاحِبُ كِتَابِ العِقدِ أَلَا إِنّ الأَبرَارَ مِن عتِرتَيِ‌ وَ أَطَائِبِ أرُوُمتَيِ‌ أَحلَمُ النّاسِ صِغَاراً وَ أَعلَمُهُم كِبَاراً،أَلَا وَ إِنّا أَهلُ بَيتٍ مِن عِلمِ اللّهِ عَلِمنَا، وَ بِحُكمِ اللّهِ حَكَمنَا، وَ مِن قَولِ صَادِقٍ سَمِعنَا، فَإِن تَتّبِعُوا آثَارَنَا تَهتَدُوا بِبَصَائِرِنَا،مَعَنَا رَايَةُ الحَقّ مَن تَبِعَهَا لَحِقَ وَ مَن تَأَخّرَ عَنهَا غَرِقَ،أَلَا وَ بِنَا يُرَدّ تِرَةُ كُلّ مُؤمِنٍ، وَ بِنَا تُخلَعُ رِبقَةُ الذّلّ مِن أَعنَاقِهِم، وَ بِنَا فُتِحَ، وَ بِنَا يُختَمُ.

أقول وممّا يؤيّد شكايته عليه السلام عنهم ماسيأتي‌ من سوء معاشرتهم له عليه السلام وسعيهم في إطفاء نوره وإضمار ذكره .


صفحه : 637

وَ رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَدَخَلتُ يَوماً عَلَي عُمَرَ، فَقَالَ لِي يَا ابنَ عَبّاسٍ لَقَد أَجهَدَ هَذَا الرّجُلُ نَفسَهُ فِي العِبَادَةِ حَتّي نحلت [نَحَلَتهُ]رِيَاءً. قُلتُ مَن هُوَ. قَالَ عُمَرُ الأَجلَحُ يعَنيِ‌ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ. قُلتُ وَ مَا يَقصِدُ بِالرّيَاءِ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. قَالَ يُرَشّحُ نَفسَهُ بَينَ النّاسِ لِلخِلَافَةِ. قُلتُ وَ مَا يَصنَعُ بِالتّرشِيحِ قَد رَشّحَهُ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَصُرِفَت عَنهُ. قَالَ إِنّهُ كَانَ شَابّاً حَدَثاً فَاستَصغَرَتِ العَرَبُ سِنّهُ، وَ قَد كَمَلَ الآنَ، أَ لَم تَعلَم أَنّ اللّهَ لَم يَبعَث نَبِيّاً إِلّا بَعدَ الأَربَعِينَ. قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ أَمّا أَهلُ الحِجَي وَ النّهَي فَإِنّهُم مَا زَالُوا يَعُدّونَهُ كَامِلًا مُنذُ رَفَعَ اللّهُ مَنَارَ الإِسلَامِ، وَ لَكِنّهُم يَعُدّونَهُ مَحرُوماً مَحدُوداً. فَقَالَ أَمَا إِنّهُ سَيَلِيهَا بَعدَ هِيَاطٍ وَ مِيَاطٍ، ثُمّ تَزِلّ فِيهَا قَدَمُهُ، وَ لَا يقَضيِ‌


صفحه : 638

فِيهَا إِربَهُ، وَ لَتَكُونَنّ شَاهِداً ذَلِكَ يَا عَبدَ اللّهِ، ثُمّ يَتَبَيّنُ الصّبحُ لذِيِ‌ عَينَينِ، وَ يَعلَمُ العَرَبُ صِحّةَ رأَي‌ِ المُهَاجِرِينَ الأَوّلِينَ الّذِينَ صَرَفُوكَهَا عَنهُ باَد‌ِئَ بَدءٍ،فلَيَتنَيِ‌ أَرَاكُم بعَديِ‌ يَا عَبدَ اللّهِ إِنّ الحِرصَ مُحَرّمَةٌ، وَ إِنّ الدّنيَا كَظِلّكَ كُلّمَا هَمَمتَ بِهِ ازدَادَ عَنكَ بُعداً. قَالَ وَ نَقَلتُ هَذَا الخَبَرَ مِن أمَاَليِ‌ مُحَمّدِ بنِ حَبِيبٍ.

وَ رَوَي أَيضاً عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَخَرَجتُ مَعَ عُمَرَ إِلَي الشّامِ فَانفَرَدَ يَوماً يَسِيرُ عَلَي بَعِيرِهِ فَاتّبَعتُهُ، فَقَالَ لِي يَا ابنَ عَبّاسٍ أَشكُو إِلَيكَ ابنَ عَمّكَ،سَأَلتُهُ أَن يَخرُجَ معَيِ‌ فَلَم يَفعَل، وَ لَا أَزَالُ أَرَاهُ وَاجِداً،فَبِمَا تَظُنّ مَوجِدَتَهُ. قُلتُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنّكَ لَتَعلَمُ. قَالَ أَظُنّهُ لَا يَزَالُ كَئِيباً لِفَوتِ الخِلَافَةِ. قُلتُ هُوَ ذَاكَ،إِنّهُ يَزعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَرَادَ الأَمرَ لَهُ. فَقَالَ يَا ابنَ عَبّاسٍ وَ أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فَكَانَ مَا ذَا إِذَا لَم يُرِدِ اللّهُ تَعَالَي ذَلِكَ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ إِذَا أَرَادَ أمر[أَمراً] وَ أَرَادَ اللّهُ غَيرَهُ،نَفَذَ مُرَادُ اللّهِ وَ لَم يَنفُذ مُرَادُ رَسُولِ اللّهِ، أَ وَ كُلّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ


صفحه : 639

كَانَ إِنّهُ أَرَادَ إِسلَامَ عَمّهِ وَ لَم يُرِدهُ اللّهُ فَلَم يُسلِم.

قَالَ وَ قَد روُيِ‌َ مَعنَي هَذَا الخَبَرِ بِغَيرِ هَذَا اللّفظِ، وَ هُوَ قَولُهُ إِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَرَادَ أَن يُذَكّرَهُ لِلأَمرِ فِي مَرَضِهِ فَصَدَدتُهُ عَنهُ خَوفاً مِنَ الفِتنَةِ وَ انتِشَارِ أَمرِ الإِسلَامِ،فَعَلِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَا فِي نفَسيِ‌ وَ أَمسَكَ، وَ أَبَي اللّهُ إِلّا إِمضَاءَ مَا حُتِمَ.

أقول قدسبق وسيأتي‌ في أخبار فدك وغيرها مايؤيّد ذلك .

توضيح

قوله عليه السلام وضعوا إنائي‌ .. الظاهر أكفئوا كمامرّ، و علي تقديره لعلّ المعني وضعوا عندهم للأكل أوضيّعوه وحقّروه، والأصوب أصغوا كما في بعض النسخ .. أي أمالوه لينصبّ ما فيه ، و هذامثل شائع . قال الجوهري‌ أصغيت إلي فلان إذاملت بسمعك نحوه ، وأصغيت الإناء أملته ،يقال فلان مصغي إناؤه إذانقص حقّه. و قال في النهاية الوطب الزّق ألّذي يكون فيه السّمن واللّبن .. و منه الحديث والأوطاب تمخض ليخرج زبدها.


صفحه : 640

وعتك اللّبن كضرب اشتدّت حموضته . والانتزاء تسرّع الإنسان إلي الشّرّ،افتعال من النّزو، و هوالوثوب . والسوقة بالضّمّ الرّعيّة، و من دون الملك من النّاس، و مايظنّ أنّهم أهل الأسواق فهو وهم . و قال الفيروزآبادي‌ مازال في هياط ومياط بكسرهما دنوّ وتباعد. و قال تهايطوا اجتمعوا وأصلحوا أمرهم . و قال المياط ككتاب الدّفع والزّجر والميل والإدبار، وأشدّ الشّوق في الصّدر.

تذييل

أقول لايخفي علي المنصف بعد ماأوردناه من الأخبار

بطلان خلافة الغاصبين زائدا علي ماقدّمناه، ولنوضّح ذلك بوجوه

الأوّل

إنّ الجمهور تمسّكوا في ذلك بما ادّعوه من الإجماع واعترفوا بعدم النصّ، فإذاثبت تألّمه وتظلّمه عليه السلام قبل البيعة وبعدها ثبت عدم انعقاد الإجماع علي خلافة أبي بكر، وكيف يدعّي‌ عاقل بعدالإطّلاع علي تظلّماته عليه السلام وإنكاره لخلافتهم قبل البيعة وبعدها كونها علي وجه الرضا دون الإجبار والإكراه .

الثاني‌

إنّ إجباره صلوات اللّه عليه وآله علي البيعة علي الوجه الشنيع ألذي رويناه من طريق المؤالف والمخالف وتهديده بالقتل ، وتشبيهه عليه السلام بثعلب يشهد له ذنبه ، وبأمّ طحال ، وإسناد ملازمة كلّ فتنة إليه علي رءوس الأشهاد و..


صفحه : 641

غير ذلك من غصب حقّ فاطمة عليها السلام و ماجري من المشاجرات بينه عليه السلام وبينهم كمامرّ وسيأتي‌، وأشباه ذلك إيذاء له عليه السلام وإعلان لبغضه وعداوته وشتم له . وسيأتي‌ أخبار متواترة من طرق الخاصّ والعامّ تدلّ علي كفر من سبّه ونفاق من أبغضه وعاداه ، و أنّه عدوّ اللّه وعدوّ رسوله صلّي اللّه عليه وآله ، و لاريب أنّ الهمّ بدفع أحد عن مقامه اللّائق به وحطّه عن درجته وإتيان ماينافي‌ احترامه من أشنع المعاداة، مع أنّه قال عمر إذن نضرب عنقك ، وكذّبه عليه السلام في دعوي المؤاخاة .. و لاريب ذو مسكة من العقل في أنّ الكافر والمنافق و من يحذو حذوهما لايصلحان لخلافة سيّد المرسلين صلّي اللّه عليه وآله .

وَ قَد رَوَي فِي المِشكَاةِ ألّذِي هُوَ مِن أُصُولِهِمُ المُتَدَاوِلَةِ اليَومَ عَن زِرّ بنِ حُبَيشٍ قَالَ قَالَ لِي عَلِيّ رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهُ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ إِنّهُ لَعَهِدَ إلِيَ‌ّ النّبِيّ الأمُيّ‌ّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَن لَا يحُبِنّيِ‌ إِلّا مُؤمِنٌ وَ لَا يبُغضِنُيِ‌ إِلّا مُنَافِقٌ.

وَ رَوَي أَيضاً بِأَسَانِيدَ، عَن أُمّ سَلَمَةَ،قَالَت قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا يُحِبّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ مُنَافِقٌ وَ لَا يُبغِضُهُ مُؤمِنٌ.


صفحه : 642

قَالَ رَوَاهُ أَحمَدُ وَ الترّمذِيِ‌ّ عَنهَا رضَيِ‌َ اللّهُ عَنهَا أَيضاً قَالَت قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن سَبّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ فَقَد سبَنّيِ‌

وَ رَوَي ابنُ شِيرَوَيهِ الديّلمَيِ‌ّ وَ هُوَ مِن مَشَاهِيرِ مُحَدّثِيهِم فِي كِتَابِ الفِردَوسِ فِي بَابِ المِيمِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ مَن سَبّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ فَقَد سبَنّيِ‌ وَ مَن سبَنّيِ‌ فَقَد سَبّ اللّهَ، وَ مَن سَبّ اللّهَ أَدخَلَهُ نَارَ جَهَنّمَ، وَ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

وَ عَن سَلمَانَ، قَالَ قَالَ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيّ مُحِبّكَ محُبِيّ‌ وَ مُبغِضُكَ مبُغضِيِ‌.

وَ عَن عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيّ مَا يُبغِضُكَ مِنَ الرّجَالِ إِلّا مُنَافِقٌ وَ مَن حَمَلَتهُ أُمّهُ وَ هيِ‌َ حَائِضٌ.

وَ رَوَي أَيضاً فِي بَابِ الثّاءِ، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللّهِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِثَلَاثٌ مَن كُنّ فِيهِ فَلَيسَ منِيّ‌ وَ لَا أَنَا مِنهُ مَن أَبغَضَ عَلِيّاً


صفحه : 643

وَ نَصَبَ لِأَهلِ بيَتيِ‌، وَ مَن قَالَ الإِيمَانُ كَلَامٌ.

وَ رَوَي فِي جَامِعِ الأُصُولِ، عَن أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ إِنّا كُنّا لَنَعرِفُ المُنَافِقِينَ نَحنُ مَعَاشِرَ الأَنصَارِ بِبُغضِهِم عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِبٍ[ عَلَيهِ السّلَامُ]،

وَ عَن أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ لَا يُحِبّ عَلِيّاً[ عَلَيهِ السّلَامُ]مُنَافِقٌ وَ لَا يُبغِضُهُ مُؤمِنٌ

وَ عَن زِرّ بنِ حُبَيشٍ، قَالَ سَمِعتُ عَلِيّاً[ عَلَيهِ السّلَامُ] يَقُولُ وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ إِنّهُ لَعَهِدَ النّبِيّ الأمُيّ‌ّ إلِيَ‌ّ أَنّهُ لَا يحُبِنّيِ‌ إِلّا مُؤمِنٌ وَ لَا يبُغضِنُيِ‌ إِلّا مُنَافِقٌ.

قال أخرجه مسلم والترمذي‌ والنسائي‌.


صفحه : 644

وَ قَالَ ابنُ عَبدِ البِرّ فِي الإِستِيعَابِ وَ هُوَ مِن كُتُبِهِمُ المُعتَبَرَةِ المُتَدَاوِلَةِ التّيِ‌ عَلَيهَا اعتِمَادُهُم رَوَت طَائِفَةٌ مِنَ الصّحَابَةِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ قَالَ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ لَا يُحِبّكَ إِلّا مُؤمِنٌ وَ لَا يُبغِضُكَ إِلّا مُنَافِقٌ.

قَالَ وَ كَانَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ يَقُولُ وَ اللّهِ إِنّهُ لَعَهِدَ النّبِيّ الأمُيّ‌ّ إلِيَ‌ّ أَنّهُ لَا يحُبِنّيِ‌ إِلّا مُؤمِنٌ وَ لَا يبُغضِنُيِ‌ إِلّا مُنَافِقٌ.

وَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] وَ سَلّمَ مَن أَحَبّ عَلِيّاً فَقَد أحَبَنّيِ‌ وَ مَن أَبغَضَ عَلِيّاً فَقَد أبَغضَنَيِ‌، وَ مَن آذَي عَلِيّاً فَقَد آذاَنيِ‌، وَ مَن آذاَنيِ‌ فَقَد آذَي اللّهَ.

وَ قَالَ رَوَي عَمّارٌ الدهّنيِ‌ّ، عَنِ الزّبَيرِ، عَن جَابِرٍ، قَالَ مَا كُنّا نَعرِفُ المُنَافِقِينَ إِلّا بِبُغضِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ

، ثم قال بعدذكر أخبار كثيرة


صفحه : 645

أخري في فضائله عليه السلام ولهذه الأخبار طرق صحاح قدذكرناها في موضعها.

رَوَي ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ النّهجِ، عَن شَيخِهِ أَبِي القَاسِمِ البلَخيِ‌ّ، أَنّهُ قَالَ قَدِ اتّفَقَتِ الأَخبَارُ الصّحِيحَةُ التّيِ‌ لَا رَيبَ عِندَ المُحَدّثِينَ فِيهَا أَنّ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ قَالَ لعِلَيِ‌ّ عَلَيهِ السّلَامُ لَا يُبغِضُكَ إِلّا مُنَافِقٌ وَ لَا يُحِبّكَ إِلّا مُؤمِنٌ.

أقول سنورد في المجلد التاسع في أبواب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه تلك الأخبار وغيرها ممّا يدلّ علي مانحن بصدده من طريق الخاصّة والعامّة، وإنّما أوردت هاهنا قليلا منها من كتبهم المعتبرة المتداولة لئلّا يحتاج الناظر في هذاالمجلد إلي الرجوع إلي غيره ، وكفي في ذلك

مِمّا ذَكَرُوهُ مُتَوَاتِراً عَنِ النّبِيّ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَنّهُ قَالَ يَومَ غَدِيرِ خُمّ أللّهُمّ وَالِ مَن وَالَاهُ وَ عَادِ مَن عَادَاهُ.

الثالث

إنّه عليه السلام صرّح في كثير من الروايات السالفة بأنّ الخلافة


صفحه : 646

كانت حقّا له ، وإنّه كان مظلوما فيها،فلو كان عليه السلام يري إمامتهم حقّا وخلافتهم صحيحة و مع ذلك يتألّم ويتظلّم و يقول إنّما طلبت حقّا لي وأنتم تحولون بيني‌ وبينه ، ويصرّح بأنّه لو كان له أعوان لقاتلهم و لم يقعد عن طلب حقّه،لزمه إنكار الحقّ والردّ علي اللّه و علي رسوله صلّي اللّه عليه وآله ، والحسد عليهم بما آتاهم اللّه من فضله ، والجمهور مع علوّ درجتهم في النصب لايمكنهم التزام ذلك ،فبعد ثبوت التألّم والتظلّم لاتبقي لأحد شبهة في أنّه عليه السلام كان معتقدا لبطلان خلافتهم ، و قدتواترت الأخبار بيننا وبينهم في أنّه عليه السلام لم يفارق الحقّ و لم يفارقه كماسيأتي‌ في أبواب فضائله عليه السلام و قداعترف ابن أبي الحديد وغيره بصحّة هذاالخبر بل تواتره . و قَالَ الشهّرسَتاَنيِ‌ّ فِي جَوَابِ استِدلَالِ العَلّامَةِ رَحِمَهُ اللّهُ

بِقَولِهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أللّهُمّ أَدِرِ الحَقّ مَعَهُ حَيثُ مَا دَارَ ..

وغيره ممّا سبق ما هذالفظه إنّ هذا شيء لايرتاب فيه حتي يحتاج إلي دليل . وحديث الثقلين أيضا متواتر كماستعرف في بابه ، و هوكاف في هذاالباب . وهل كان غصبهم الخلافة وصرفها عن أهل بيت النبيّ صلّي اللّه عليه وآله


صفحه : 647

قبل دفنه ، وهمّهم بإحراق بيتهم ، وسوقهم لأمير المؤمنين عليه السلام بأعنف العنف إلي البيعة، وتكذيبه في شهادته ، ودعوي المؤاخاة، وتهديده بالقتل وإيذاءه في جميع المواطن ، وغصب حقّ فاطمة عليها السلام وتكذيبها وقتل ولدها، وقتل الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما .. من مقتضيات وصيّة نبيّهم صلّي اللّه عليه وآله فيهم . ولعمري‌ ماأظنّ عاقلا يرتاب بعدالتأمّل فيما جري في ذلك الزمان في أنّ القول بخلافتهم وخلافته عليه السلام متناقضان ، وكيف يرضي عاقل بإمامة إمامين يحكم كلّ منهما بضلال الآخر.

وَ قَد رَوَي مُحَمّدُ بنُ جَرِيرٍ الطبّرَيِ‌ّ فِي تَارِيخِهِ أَنّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ كَانَ يَقُولُ يَومَ السّقِيفَةِ أَيّهَا النّاسُ بَايِعُوا خَلِيفَةَ اللّهِ، فَإِنّ مَن بَاتَ لَيلَةً بِغَيرِ إِمَامٍ كَانَ عَاصِياً

، و لاريب في تخلّفه عليه السلام عن بيعتهم مدّة طويلة كماعرفت .

حكاية ظريفة تناسب المقام

رَوَي فِي كِتَابِ الصّرَاطِ المُستَقِيمِ وَ غَيرِهِ أَنّ ابنَ الجوَزيِ‌ّ قَالَ يَوماً عَلَي مِنبَرِهِ سلَوُنيِ‌ قَبلَ أَن تفَقدِوُنيِ‌،فَسَأَلَتهُ امرَأَةٌ عَمّا روُيِ‌َ أَنّ عَلِيّاً عَلَيهِ السّلَامُ سَارَ فِي لَيلَةٍ إِلَي سَلمَانَ فَجَهّزَهُ وَ رَجَعَ فَقَالَ روُيِ‌َ ذَلِكَ،قَالَت فَعُثمَانُ ثَمّ ثَلَاثَةَ أَيّامِ مَنبُوذاً فِي المَزَابِلِ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ حَاضِرٌ. قَالَ نَعَم.قَالَت فَقَد لَزِمَ الخَطَأُ لِأَحَدِهِمَا. فَقَالَ إِن كُنتِ خَرَجتِ مِن بَيتِكِ بِغَيرِ إِذنِ زَوجِكِ فَعَلَيكِ لَعنَةُ اللّهِ، وَ إِلّا فَعَلَيهِ.فَقَالَت خَرَجَت عَائِشَةُ إِلَي حَربِ عَلِيّ عَلَيهِ السّلَامُ بِإِذنِ النّبِيّ


صفحه : 648

صَلّي اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ أَو لَا فَانقَطَعَ وَ لَم يُحِر جَوَاباً.

حكاية أخري

قَالَ ابنُ أَبِي الحَدِيدِ فِي شَرحِ النّهجِ حدَثّنَيِ‌ يَحيَي بنُ سَعِيدِ بنِ عَلِيّ الحنَبلَيِ‌ّ المَعرُوفِ بِابنِ عَالِيَةَ، قَالَكُنتُ حَاضِراً عِندَ إِسمَاعِيلَ بنِ عَلِيّ الحنَبلَيِ‌ّ الفَقِيهِ وَ كَانَ مُقَدّمَ الحَنَابِلَةِ بِبَغدَادَ إِذ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الحَنَابِلَةِ قَد كَانَ لَهُ دَينٌ عَلَي بَعضِ أَهلِ الكُوفَةِ،فَانحَدَرَ إِلَيهِ يُطَالِبُهُ فِيهِ، وَ اتّفَقَ أَن حَضَرَ يَومَ زِيَارَةِ الغَدِيرِ وَ الحنَبلَيِ‌ّ المَذكُورُ بِالكُوفَةِ وَ يَجتَمِعُ بِمَشهَدِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السّلَامُ مِنَ الخَلَائِقِ جُمُوعٌ عَظِيمَةٌ تَتَجَاوَزُ حَدّ الإِحصَاءِ. قَالَ ابنُ عَالِيَةَ فَجَعَلَ الشّيخُ إِسمَاعِيلُ يُسَائِلُ ذَلِكَ الرّجُلَ مَا فَعَلتَ .. مَا رَأَيتَ .. هَل وَصَلَ مَالُكَ إِلَيكَ .. هَل بقَيِ‌َ مِنهُ بَقِيّةٌ عِندَ غَرِيمِكَ .. وَ ذَلِكَ الرّجُلُ يُجَاوِبُهُ، حَتّي قَالَ لَهُ يَا سيَدّيِ‌ لَو شَاهَدتَ يَومَ الزّيَارَةِ يَومَ الغَدِيرِ، وَ مَا يجَريِ‌ عِندَ قَبرِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الفَضَائِحِ وَ الأَقوَالِ الشّنِيعَةِ، وَ سَبّ الصّحَابَةِ جِهَاراً مِن غَيرِ مُرَاقَبَةٍ وَ لَا خِيفَةٍ. فَقَالَ لَهُ إِسمَاعِيلُ أَيّ ذَنبٍ لَهُم، وَ اللّهِ مَا جَرّأَهُم عَلَي ذَلِكَ وَ لَا فَتَحَ لَهُم هَذَا البَابَ إِلّا صَاحِبُ ذَلِكَ القَبرِ. فَقَالَ ذَلِكَ الرّجُلُ وَ مَن هُوَ صَاحِبُ القَبرِ.


صفحه : 649

قَالَ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ يَا سيَدّيِ‌ هُوَ ألّذِي سَنّ لَهُم ذَلِكَ وَ عَلّمَهُم إِيّاهُ وَ طَرّقَهُم إِلَيهِ. قَالَ نَعَم وَ اللّهِ. قَالَ يَا سيَدّيِ‌ فَإِن كَانَ مُحِقّاً فَمَا لَنَا نَتَوَلّي فُلَاناً وَ فُلَاناً، وَ إِن كَانَ مُبطِلًا فَمَا لَنَا نَتَوَلّاهُ ينَبغَيِ‌ أَن نَبرَأَ إِمّا مِنهُ أَو مِنهُمَا. قَالَ ابنُ عَالِيَةَ فَقَامَ إِسمَاعِيلُ مُسرِعاً فَلَبِسَ نَعلَيهِ وَ قَالَ لَعَنَ اللّهُ إِسمَاعِيلَ الفَاعِلَ بنَ الفَاعِلِ إِن كَانَ يَعرِفُ جَوَابَ هَذِهِ المَسأَلَةِ، وَ دَخَلَ دَارَ حَرَمِهِ، وَ قُمنَا نَحنُ فَانصَرَفنَا.

الرابع

أنّ إيذاءه وغصب حقّه عليه السلام علي الوجه ألذي يكشف تظّلماته عنه لاريب في أنّه تخلّف عن أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، والروايات من الجانبين متواطئة علي أنّ المتخلّف عنهم هالك ، وأنّهم سفينة النجاة، وسيأتي‌ في بابه نقلا من كتبهم المعتبرة كالمشكاة وفضائل السمعاني‌ وغيرهما.

68- وَ قَالَ العَلّامَةُ قُدّسَ سِرّهُ فِي كَشفِ الحَقّ رَوَي الزمّخَشرَيِ‌ّ وَ كَانَ مِن أَشَدّ النّاسِ عِنَاداً لِأَهلِ البَيتِ( ع ) وَ هُوَ الثّقَةُ المَأمُونُ عِندَ الجُمهُورِ بِإِسنَادِهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّي اللّهُ عَلَيهِ[ وَ آلِهِ] فَاطِمَةُ مُهجَةُ قلَبيِ‌ وَ ابنَاهَا ثَمَرَةُ فؤُاَديِ‌، وَ بَعلُهَا نُورُ بصَرَيِ‌، وَ الأَئِمّةُ مِن وُلدِهَا أُمَنَاءُ ربَيّ‌، وَ حَبلٌ مَمدُودٌ بَينَهُ وَ بَينَ خَلقِهِ، مَنِ اعتَصَمَ بِهِم نَجَا، وَ مَن تَخَلّفَ عَنهُم هَوَي.


صفحه : 650

تتميم

ينبغي‌ أن يعلم أنّ من أقوي الحجج علي خلفائهم الثلاثة إنكار أئمّتنا عليهم السلام لهم ، وقولهم فيهم بأنّهم علي الباطل ،لاعتراف جمهور علماء أهل الخلاف بفضلهم وعلوّ درجتهم ، و لووجدوا سبيلا إلي القدح فيهم والطعن عليهم لسارعوا إلي ذلك مكافاة الطعن الشيعة في أئمّتهم، و ذلك من فضل اللّه تعالي علي أئمّتنا صلوات اللّه عليهم ،حيث أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، حتي أنّ الناصب المعاند اللغوي‌ الشهرستاني‌ قال في مفتتح شرح كتاب كشف الحق بعد مابالغ في ذمّ المصنّف قدّس اللّه روحه و من الغرائب أنّ ذلك الرجل وأمثاله ينسبون مذهبهم إلي الأئمّة الاثني‌ عشر رضوان اللّه عليهم أجمعين وهم صدور إيوان الاصطفاء، وبدور سماء الاجتباء، ومفاتيح أبواب الكرم ، ومجاريح هواطل النعم ، وليوث غياض البسالة، وغيوث رياض الأيالة، وسبّاق مضامير السماحة، وخزّان نفوذ الرجاحة، والأعلام الشوامخ في الإرشاد والهداية، والجبال الرواسخ في الفهم والدراية ..


صفحه : 651

ثم ذكر.أبياتا أنشدها في مدحهم ، ثم ذكر أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يثنون علي الصحابة، واستشهد برواية نقلها من كتاب كشف الغمّة، وزعم أنّ الباقر عليه السلام سمي فيها أبابكر صدّيقا.

وَ قَالَ صَاحِبُ إِحقَاقِ الحَقّ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَي إِنّ الحِكَايَةَ عَن كَشفِ الغُمّةِ افتِرَاءٌ عَلَي صَاحِبِهِ، وَ لَيسَ فِيهِ مِنَ الرّوَايَةِ عَينٌ وَ لَا أَثَرٌ ... ثُمّ نَقَلَ عَنِ الكِتَابِ المَذكُورِ قَولَ الصّادِقِ عَلَيهِ السّلَامُ ولَدَنَيِ‌ أَبُو بَكرٍ مَرّتَينِ، وَ زَادَ فِيهِ لَفظاً الصّدّيقَ.


صفحه : 652

و لايرتاب عاقل في أنّ القول بأنّ أئمّتنا سلام اللّه عليهم كانوا يرون خلافتهم حقّا من الخرافات الواهية التي‌ لايقبلها و لايصغي‌ إليها من له أدني حظّ من العقل والإنصاف ، و لوأمكن القول بذلك لأمكن إنكار جميع المتواترات والضروريات ، ولجاز لليهودي‌ أن يدعّي‌ أنّ عيسي عليه السلام لم يدع النبوّة بل كان يأمر الناس بالتهوّد، وللنصراني‌ّ أن يقول مثل ذلك في نبيّنا صلّي اللّه عليه وآله ، و بعدثبوت كون أهل البيت عليهم السلام ذاهبين إلي بطلان خلافتهم ، و إلي أنّهم كانوا ضالّين مضلّين،ثبت بطلان خلافتهم بالإجماع منّا و من الجمهور،إذ لم يقل أحد من الفريقين بضلال أهل البيت عليهم السلام سيّما في مسألة الإمامة، و إذاثبت بطلانهم ثبت خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بالإجماع أيضا منّا ومنهم ،بل باتّفاق جميع المسلمين . و أمّا ماحكي‌ من القول بخلافة العباس فقد صرّح جماعة من أهل السير بأنّه ممّا وضعه الجاحظ تقرّبا إلي العباسيّين و لم يقل به أحد قبل زمانهم ، و مع ذلك فقد انقرض القائلون به و لم يبق منهم أحد،فتحقّق الإجماع علي ماادّعيناه بعدهم . ويدلّ علي بطلانه أيضا ماوعده اللّه علي لسان رسوله صلّي اللّه عليه وآله من بقاء الحقّ إلي يوم الدين ، كما هوالمسلّم بيننا و بين المخالفين .